الاغتراب والحلم في أدب أحمد إبراهيم الفقيه القصصي
د . شعبان عبد الحكيم محمد
الفصل الأول - 2 - الحلم بمدينة مثالية
2-الحلم بمدينة مثالية
الصورة الثانية للاغتراب والهروب من الواقع والانتظار الزمن الذى لا يأتى فى ثلاثة الفقيه رحلة إلى مدينة مثالية فى روايته (هذه تخوم مملكتي) تبدأ الرواية ومازالت أزمة الفقيه النفسية تزداد سواء بعد سوء مما زاد من غربته عن الواقع المعيش الذى طغت عليه الماديات وعبث التقدم العلمى بتلقائية الحياة وبساطتها مدينة تكتظ بالسكان مما أدى إلى ازدياد مشاكل الحياة وتفاقمها يعيش أهلها فى مسلسل من الصراع من أجل الثراء والامتلاك والمكانة والوجاهة فساد النفوس لا يقل كثافة عن فساد الأمكنة حيث دخان السيارات الذى يملأ المدينة سموما وضبابا وزادت غربة خليل المام لعدم انسجامه مع هذا الواقع بهذه الصورة وازدادت رغبته فى البحث عن الزمن الذى لا يأتى فلم يجد نفسه إلا غريبا ملقى فى صحراء كما يقول " يغطيها الحصى وتحرقها الشمس الظهيرة وأنا نائم فى سريرى يلفنى الظلام أرقب نفسى أركض وسط الخلاء الاحق ظل طائر أسود يعبر الفضاء فوق رأسى أريد أن احتمى من شراسة الشمس التى تشعل فى قبة الكون (1) .
غربة ما بعدها غربة يرمز اليها هذا المشهد صحراء تحرقها الشمس ينام وحيدا فى سريره يركض فى الخلاء والطائر الأسود ملازم له تنتابه كوابيس مزعجة تؤرق عليه حياته " وعدد من الطيور السوداء تغطى سقف الغرفة بأجنحتها الموحشة قريبا من وجهى (2) يتناول حبوبا مهدئة ولكن بدون جدوى ضاق ذرعا بالواقع ولم يعد فى ذهنه سوى أن يرحل لم أعد أريد شيئا سوى ان يرحل إلى مكان وزمان غير هذا الزمان أحمل اسما غير اسمى ووجها غير وجهى وأرى وجوها غير هذه الوجوه وبشرا غير هؤلاء البشر (3) وصلت هذه الوساوس إلى انه كان يسمع هاتفا يناديه وكان يتبع النداء حيث يرافقه الغناء لولا الأهل الذين يمنعونه من السفر إلى مدينة القباب الذهبية الذى يمثل القلب (4) لم يفلح معه العلاج فى مصحة نفسية أو عند أحد المشايخ استجابة لرغبة الزوجة ورغبة أخيه كان يداوم على الدواء يوما أو يومين ثم يتركه فكر فى الرجوع إلى ألف ليله وليله ليبحث عن عالمها السحرى عن قضايا سحرية كالمسخ والتشويه والموت والانتحار عله يحد فى " عوالمها بديلا لبؤس الواقع وهروبا منه(5) وبالفعل أعد محاضرة عن ألف ليله وليله أذيعت فى برنامج وسعدت الأسرة بتحسن صحته بعدها قرر الذهاب إلى منزله القديم (فر طرابلس القديمة) حيث ذكريات الطفولة بما فيها من براءة وعفوية وتلقائية ليتلاقى هذا المكان وجو ألف ليله وليله عالم السحر والجمال بعيدا عن العاهات النفسية وأمراض الغربة لقد هجر الناس هذا المكان فأصبح طللا خاليا وبجوار منزله كان منزل الشيخ الصادق أبو الخيرات قرع الباب فخيل اليه أنه جالس كعادته رغم موته منذ عشرين عاما ورد عليه تحيته وقال له سوف تشفى بإذن الله مما تعانيه وما أمراض الروح إلا علامة الصدق ونقاء السرية فاتجه بقلبك إلى مصدر النور إلى ذى الجلال والإكرام منه الشفاء ومن عباد التوسل والدعاء(6) قرأ عليه مجموعة من الأوردة وعندما سأله ماذا ترى ؟ فأجابه لا شئ ولكن أوهمه الشيخ أن يوحى اليه بان هذه البقعة تزداد رقعتها شيئا فشيئا حتى عدم البياض كل ما يرى خليل الامام وهنا انطلق فى رحلته الحالمة عبر الصحراء حتى وصل أسوار مدينة ( عقد المرجان) فرأى أقواما ينتظرونه ويهللون بمجيئه لينصبوه ( أمير القصر وسالك الدرب) وهذه المدينة الفاضلة اسست على الصفاء والسمو الروحى أسسها أحد الرجال الصالحين من المتصوفين واجتهد فى هداية الناس إلى الدين الجديد دون إكراه فصار الدين توجها إلى الله الواحد الأحد بعدها تزوج من نرجس القلوب الذى كان أبوها رجلا صاحب كشف وإشراقات وتجليات يؤمن بوحدة الوجود وروح الله المبثوثة فى كل مظاهر الحياة ويرى أن العبادة ليست إلا حب الذات الإلهية ومعرفة الحقيقة العليا(7).
اتخذ هذه المدينة بعوالمها الخالية "بديلا رائعا لذلك العالم القديم الذى تفوض وانتهى (8) ورغم تيقنه بأن هذا العالم هو من نسج خيالة إلا أنه أصر بألا يسمح لأية فكرة طارئة دخيلة أن تفسد هذه الصورة(9) كل ذلك حتى يتسنى له الفكاك من عالم الواقع المؤلم الذى كما يقول " أورثنى أمراض الروح سأنسى مكعباته الأسمنتية وهواءه المحروق ضجيج حديده وآلاته وفحيح إذاعاته التى تبشر كل يوم بالكوارث والخراب وأمنح نفسى إلى افراج هذا العالم الذى تفتحت مباهجه كأزهار الربيع(10).
ثلاثية الحب والحق والجمال أسس مقدسة فى مدينة عقد المرجان هذه المدينة التى يحلم الكاتب بها لتكون بديلا عن عالم الواقع وشفاء لأمراض الروح والجسد فأهل هذه المدينة يعيشون " خارج الأطر والنظم وقواعد الحكم والدولة أو سلطة التشريعات التى تأتى من خارج ذاته وتفرض عليه أسلوبا فى التعامل والسلوك (11) الحياة على الفطرة دون الإلزام بقوانين تلزمهم إلزاما على سلوكيات معينة وتتحكم فى إرادته بما يحد من حريته لذا لا نرى فى هذه المدينة ضرائب ولا مكوس ولا ظالم ومظلوم ولا سجنا ولا مسجونين الكل سواسية لا تمايز ولا طبقات فأمير القصر " يشارك بجهده العضلى فى الانتاج ويباشر عمله ببساتين القصر فى الساعات الأولى من الصباح (12) لا حرس عليه لأنه يحيا واحدا منهم يتجول كيف يشاء لا فاضل بينه وين عامة الشعب وأهل المدينة يشتركون جميعا فى العمل بدون قوانين يذعنون اليها لا يتعاملون بعمله ليحصوا على حاجاتهم أو لتقاضى أجروهم لأنهم يشتركون جميعا فى الانتاج ويشتركون فى الانتفاع به حيث يعرض هذا الانتاج ويأتى كل إنسان ويأخذ ما يكفى حاجته دون مقابل ودون أن يعمل الزاما أو وظيفة لها جداول ومواعيد ودوام (13) لقد ساد فى هذه المدينة الحب والأمان واختفى البغض والكراهية " وبقى الحب الذى يجمع لك الناس ويغلف كل الناس وما علاقة الحب التى تنشأ بين الرجال والنساء إلا جزء من هذه العلاقات التى تربط بين الإنسان والإنسان بمثل ما تربط بينه وبين الطبيعة (14) وقد اسهمت التربية الروحية التى نشئوا عليها على ترسيخ هذه القيم والمبادئ ففى النهار يقضون أوقاتهم فى العمل وفى المساء يقضون أوقاتهم فى المتعة واللهو والغناء الجماعى ولغنائهم " وظيفة أخرى بالاضافة إلى التسلية والمرح فهو يتيح للذهن الانشغال بالغناء عن التركيز فى التعب والألم الذى يسببه العمل العضلي(15) لا غدر ولا كذب ولا خيانة فالواحد منهم لا يستطيع إلا ان يكون صادقا لأنه ليس فى حياته سبب واحد يدفعه إلى قول الأكاذيب (16) فالصدق ملمح أساسى عنه يعيش المحبان تحت مظلته وعند تفتر المشاعر يفترقان لأنهما صادقان مع أنفسهما فكلهم "يحبون ويعشقون ويمارسون عواطفهم بصدق وعفوية(17) هذه البراءة التى جبلوا عليها رسختها دروس التربية الصوفية " التى يلقنون للصغار فى المدارس الارتقاء بمشاعرهم عندما يكبرون وتعميق عواطف المحبة بينهم ونزع كل ميل للشر والعدوان (18) حتى الغريزة الجنسية الأكثر جموحا وحيوانية واستحواذا على قوى الإنسان بهذه الروح أصبحت على درجة عالية من التهذيب وسخرت للاستمتاع بالحب لتكون تعبيرا عن العواطف النبيلة فبصدق " وبساطة وعفوية تأتى العلاقة الجنسية باعتبارها استجابة لهذا القانون إنها ليست مجرد تحرير الطاقة الغريزية الفاعلة فى وعى ولا وعى الإنسان إنما بحاسة سادسة مصنوعة من الشفافية التربية الروحية وثراء العوالم الداخلية فيصير الجنس شوقا وعشقا ومعانقة لمعنى الحياة وسر الوجود (19) لقد انتهى الفقر والبؤس والقبح من هذا المجتمع حتى علاقتهم مع الجيران يظلها الحب والاحترام والصفاء فليس هناك جيوش مجهزة للغزو والعدوان ولا تحصينات مكلفة لميزانية الدولة وليس لهم نشيد أو شعار لمدينتهم " فكل هذه الأشكال انتهت بانتهاء الدولة التى تبعث عن رموز تثير بها العصبية الوطنية وتحرك بها حماس الناس فى المناسبات القومية (20).
إذا كان الحكيم فى مسرحية بجماليون انتصر للفن على الواقع ولكن الفقيه هنا لم يترك الحلم إلى ما لا نهاية ليحقق انتصار للفن على الواقع وهنا يظهر صوت الأنا والأخر والأنا استسلم لهذا الواقع المثالى فى عالم الحلم يقابله صوت الأخر يرفض ذلك فعالم الحلم الخيال لا أرجل له ولا أساس زوبعة وسرعان تنقضى فالأنا استراحت بالاندماج مع " الأجواء الاسطورية مستمتعا برفقة هؤلاء البشر المصنوعين من وهم معتبرا نفسى واحدا منه (21) لكن الأخر مازال يطغنى عليه طابعه المادى وتشكيله الفكرى والنفسى والوجدانى وارتباطه بعالم الواقع ان الاخر يمثل انشطار الذات على نفسها لذا يحدث تردد فى العيش بين الحلم والواقع والحلم استثناء الواقع هو القاعدة لذا نراه كثيرا ما تفلت قدرته فى السيطرة على جماح نفسه فيتذكر نفسه قبل هذه الرحلة وأنه نشأ فى " بيئة تختلف عن بيئتهم وجئت أجمل سلوكيات تتباين مع سلوكياتهم واختزن فى دمى كبتا قديما وجو عالك يعرفه أهل مدينتهم (22) فبدهى فى صراع الذات والآخر ( أو الذات مع نفسها بدهى أن تتغلب القاعدة على الاستثناء الواقع على الحلم والخيال الحقيقة على المثال فى قصته القصيرة (جياد السحب الرمادية) يرى الفقيه أن القضاء على الشر فى الحياة مستحيل فطالما هناك حياة فالخير والشر متواجدان بها وإذا كانت المدينة المثالية طيف خيال ولا يمكن للخيال أن يدوم فبالأحرى بطله إلى عالم الحلم فى مدينة أسطورية بإيهام الشيخ الصادق له (خليل الامام)" بأنه يرى بقعة بيضاء ازداد اتساعها حتى أنه لم يبصر أمام سوى البياض لقد مهد الفقيه لرجوع بطلة إلى عالم بتنشيط الجانب المادى لخليل الامام كإنسان فيه الجانب الروحى والجانب المادى الذى دفعه إلى معرفة سر الغرفة المغلقة فى القصر مخالفا بذلك " حكمة الاسلاف أن تبقى مقفلة مدى الدهر (24) لقد دفعه فضوله إلى أن يرتكب جرما لا يعلم عقباه كما فعل آدم منم قبل عندما أكل (هو وحواء) فدفع ثمن فضوله الهبوط إلى الأرض كذلك فعل خليل الامام رغم معرفته لاراء كثيرة تحذر من مخاطر فتح هذه الغرفة (فرأى يقول إن بها كثير من الثعابين والعقارب والحشرات السامة ورأى أخر يقول إن بها سيطرة من الجان والعفاريت والأرواح الشريرة ورأى الثالث يعلل لاغلاقها باختبار قدرة أهل البلاد على مقاومة الفضول الذى يجلب الكوارث فإذا فتحوها كان معنى ذلك أنهم يفتحون على أنفسهم بابا للشر والهلاك (25) لقد فتح (خليل) باب الغرفة (بفتح باب للشر لأهل المدينة كلها) وقد مهد الكاتب للأحداث باظهار الجانب الشرير للبشر على لسان خليل الامام عندما كان يتذكر بطريقة واعية أو لا واعية للعالم الذى كان يعيش فيه وما به من شر وآليات الدمار والهلاك ويتوازى هذا التذكر مع جانب الشر الذى يحمله فى نفسه (كبشر) وذلك بإصراره على فتح الغرفة السرية غير عابئ بما سيحدث.
لقد ساعد خليل الامام بحمله لبذور الشر فى أعماقه على هلاك المدينة حتى لو كان بغير قصد منه عندما أخذ يروى لهم عجائب العلم والتقدم التكنولوجى فى العالم فذكر لهم عن الأسلحة الفاتكة " أسلحة بحجم حبات الفاكهة تسقط الواحدة منها فوق مدينة فتهلك جميع أهلها (26) وأن "جزءا يسيرا مما فى مخازن حكامه من أسلحة يكفى لتدمير الكرة الأرضية فى غمضة عين (27) واستخدام الطاقة الذرية سيؤدى إلى فناء البشرية أحاديث يقولها بدون وعى لاهل المدينة فيستمعون إليه ما بين مندهش ومستريب إضافة إلى الحديد المثير عن الوجه المشرق لهذه الإنجازات فى مجال الطب والزراعة والتعليم والمواصلات وأجهزة التسجيل والتلفاز والهاتف استغربت زوجته (نرجس القلوب) ولكن الشيخ جلال الدين أخذ كلامه بعين الاعتبار وشعر بصدق هذا الحديث ولذا أخذ يسأله عن طبيعة هذه الانجازات وخليل يجيب على قدر علمه بها وفجأة انقطع الشيخ جلال الدين عن ملازمة خليل الامام وجمع المهنيين فى المدينة وحدثهم عن هذه الانجازات هادفا من ذلك ان يقدم شيئا جديدا يضيفه إلى مكتسبات هذه المدينة التى يعمل حارسا لنظامها وحاملا لتراث العلماء الذين حققوا نهضتها وازدهارها (28) حتى توصلوا إلى "صنع سلاح جديد قذيفة لها قوة تدميرية هائلة (29) وفى احتفال مضرة خليل الامام بهذا الانجاز " اطلقوها فاحدثت دويا عن ارتطامها بالهدف تعالت الادخنة والسنة اللهب(30) تواكب هذا الحدث مع غناء بدور (المرأة التى صنها من خياله فى حلم داخل الحلم) أحبها وعشق صوتها الجميل وقد كانت تعنى لياقوت الشاعر عن "الاعصار الأصفر الذى تدفق من شقوق الجبال فأهلك البشر والشجر والطير(31) أتاه هذا الصوت من الغرفة المغلقة فهيجت انفعالاته فأتى بفلس كبير وحطم " الغرفة المغلقة على أسرارها والمثقلة بالأقفال وأسياخ الحديد حتى تفككت وصار الغناء يتدفق اكثر حدة ولوعة وأكثر غواية وسحرا (32) ثم وجد بابا أخر هذا الباب " وكانت الرياح الصفراء تعصف بالقصر وتضرب بالنوافذ والأبواب وتمزق الستائر فخرج يصرخ ويلوم نفسه لذهب صوب البوابة التى أتى منها ليرجع إلى مدينة الواقع التى كان يعيش فيها وانتهت الرحلة الحلمية التى استغرقت ساعة من الوقت عاد بعدها إلى بيته ليجد زوجته كما رآها منذ ساعة ورقاص الساعة لم يتقدم من موضوعه سوى هذا القدر من الوقت ويسمح له بالذهاب إلى منزله فى المدينة القديمة والعودة منه .
خليل الإمام إنسان مكون ( مادة وروح) جزء مادى أخر روحى لقد تغلب الجانب المادى على الجانب الروحى إلا فى عالم الخيال والخيال مؤقت لا يدوم ولذا رجع إلى الواقع منتصرا للجانب الطينى مصدر كل بليه للبشر فكل ما حاق بالبشرية من مصائب ونكبات مصدره الشر المترسخ فى النفوس فالإنسان مهما صفت نفسيته يحمل فى اغوار نفسه علائق البشر وهذا سبب من مسببات أزمة الامام الفكرية والنفسية مما أدى إلى غربته يقول على لسان خليل الامام " أنا الذى رأى وعرف وعايش ذلك العصر الذى يبدأ بالعلم وينتهى اليه صرت أعرف الآن أن هناك كوة فى الكون يأتى منها هواء فاسد يلوث الأحلام (34) إنه الجزء المادى (مصدر البشر) فى خلقه الانسان وهذا الجانب المادى إذا كان سببا فى محنة الامام على مستوى الوعى الفردى للأمام فى الوقت نفسه سبب لمحنة البشرية على مستوى الوعى الجماعى وأن هذا الجانب الشرير يتوارثه جيل بعد جيل ويساهم فى ترسيخه البشر لأنهم يتلاقون كبشر من طين فيما تكمن فى أعماق نفوسهم يعبر عن ذلك خليل الامام فى سردية وتقريرية ذلك العطب الأصيل الذى ظل على مدى التاريخ يشعل الحرائق ويصنع الحروب ويبيد المدن والبشر كنت أعرف أن ذلك سوف يحدث أعرف أنه إرث تقاسمه مع الناس جميعا وأحمل حصتى معى قوة غشيمة بدائية عمياء هى التى أخرجت جرائم القتل وحفرت أودية الموت والهلاك واخترعت المشانق والسجون قوة تنام فى تلافيف الأدمغة ما إن ترى انجازا بشريا حقق اكتماله حتى تتحرك بقبحها ودمامتها تفسد الحياة وتلطخها بالدم والصراخ عطب أصيل كنت أدرى دائما وجوده فأخاف غدره وخديعته ولد معنا ونمى بنمونا وزرع جرثومة التى تنخل فى دمائنا جميعا (35) الشر الدفين فى نفوسنا يعكسه لنا فى هذه الرواية الناس بأدوات الدمار هو سبب محنتنا فأهل مدينة عقد المرجان رغم أنهم كانوا يعيشون حياة مثالية شعارها الحب والحق والجمال فما " إن رأوا قذيفة تتفجر نارا ودخانا وموتا حتى نسوا اعراس القلب وخرجوا يتنادون للقتال وينفخون أبواق الحرب(36).
لقد أضاف الفقيه عاملا قويا ساهم فى محنة الامام واغترابه وهو الشر الكامن فى النفس البشرية لا الواقع الموبوء فى شتى المجالات السياسى والاجتماعى والاقتصادى فقط بل بقدر ترسخ هذا الشعور وتمكنه فى اعماق النفوس يكون البلاء يقول على لسان خليل الامام " لم أكن ضحية تلك الغرفة السرية المدفونة فى الجيل وإنما ضحية غرفة سرية أخرى مدفونة فى كهوف الذات تمتلئ بهواء أصفر ظل ملوثا منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل غرفة مهما وضعنا فوقها الأقفال وأسياخ الحديد لابد أن تكشف ذات يوم عن نفسها وتغمر الدنيا بهوائها الملعون(37).
_____________
الهوامش:
- المدينة المثالية ترجع إلى كلمة يوتوبيا Utopia المنحوتة من مقطعين يونانيين الأول OU بمعنى أداة النفى (لا) والثانى Top os بمعنى مكان أى أن هذه البلدة المثالية لا وجود لها ولكنها اكتسبت معنى جديدا وهو المدينة المثلى انظر توماس مور يوتوبيا ترجمة د. انجيل بطرس التصدير ص 7 والمقدمة بقلم زكى نجيب محمود ص 9 ط الهيئة العامة للكتاب 2000 مكتبة الاسرة مهرجان القراءة للجميع وهذا ما أدركه الشاعر المهجرى جيران خليل جيران فى قصديته البلاد المحجوبة فرأى أن العالم المثالى أو المدينة الفاضلة ما هى إلا حلم وأمنية تهيم بها الروح ولكن يستحال تحقيقها يقول
لست فى الشرق ولا الغرب ولا فى جنوب الأرض أو نحو الشمال
لست فى الجو ولا تحت البحار لست فى السهل ولا الوعر الحرج
أنت فى الأرواح أنوار ونار أنت فى صدرى فؤاد يختلج
1-أحمد إبراهيم الفقيه : هذه تخوم مملكتى مطبعة رياض الريس لكتب والنشر لندن قبرس ط1 1991 ص7
2-المصدر نفسه ص 7،8
3-المصدر نفسه ص13
4-المصدر نفسه ص9
5-المصدر نفسه ص15
6-المصدر نفسه ص21
7-المصدر نفسه ص98
8-المصدر نفسه ص38
9-المصدر نفسه ص65
10-المصدر نفسه ص38
11-المصدر نفسه ص55: 56
12-المصدر نفسه ص 56
13-المصدر نفسه ص 48
14-المصدر نفسه ص 86
15-المصدر نفسه ص 51
16-المصدر نفسه ص 55
17-المصدر نفسه ص 56
18-المصدر نفسه ص49
19-المصدر نفسه ص 86
20-المصدر نفسه ص50
21-المصدر نفسه ص 36
22-المصدر نفسه ص 86: 87
23- انظر القصة فى ثلاث مجموعات قصصية مجموعة اربطوا أحزمة المقاعد من ص 76-79
24-المصدر نفسه ص 41
25-المصدر نفسه ص62
26-المصدر نفسه ص 55
27-المصدر نفسه ص58
28-المصدر نفسه ص102
29-المصدر نفسه ص146
30-المصدر نفسه ص148
31-المصدر نفسه ص114-115
32-المصدر نفسه ص152-153
33-المصدر نفسه ص154
34-المصدر نفسه ص102-103
35-المصدر نفسه ص155: 156
36-المصدر نفسه ص 156
37-المصدر نفسه نفس الصفحة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق