الشعر الجديد في الجزائر ما بين 1955- 1975.
1- المرحلة الأولى 1955- 1962:
1-1- ظهوره: في منتصف الخمسينيات طالعت شعرنا ظاهرة جديدة مع جيل
جديد من الشعراء الشباب وهي الشعر الحر، حيث يؤكد معظم الدارسين على أن
"البداية الحقيقية الجادة لظهور هذا الاتجاه، إنما بدأ مع ظهور أول نص من
الشعر الحر في الصحافة الوطنية، وهو قصيدة طريقي لأبي القاسم سعد الله المنشورة في
جريدة البصائر بتاريخ 23 مارس 1955"[1]
وبالتحديد في عددها (313)[2]
وأبو القاسم سعد الله ذكر بأنه كتب هذه
القصيدة في "الأبيار يوم 15 مارس1955 وأن البصائر نشرتها في عددها 313"[3]
وهذا المقطع منها:
يا رفيقي
لا تلمني عن مروقي
فقد اخترت طريقي!
وطريقي كالحياة
شائك الأهداف مجهول السمات
عاصف التيار وحشي النضال
صاخت الأنات عربيد الخيال
كل ما فيه جراحات تسيل
وظلام و شكاوي و وحول
تتراءى كطيوف
من حتوف
في طريقي
يا رفيقي ... [4]
ويؤكد الصالح خرفي "أسبقية" أبا القاسم سعد
الله على تجربة الشعر الحر في الجزائر وأن من كتب هذا اللون زمن الثورة إنما جاء
بعده "وسعد الله أول المقدمين على تجربة الشعر الحر، ويثنى عليه باوية الذي
استطاع أن يغذي هذه التجربة بروح جديدة في الشكل والمضمون... وخمار ثالث ثلاثة في
تجربة الشعر الحر في الخمسينيات"[5]
.إن تجربة "سعد الله" فتحت الطريق أمام شعراء آخرين لاقتحام هذه
المغامرة "لقد توالت الكتابة الشعرية على منوال غير تقليدي، وتفاوتت التجارب
الفنية بين شاعر وآخر، ونذكر من هؤلاء الشعراء أحمد الغوالمي،... عبد الرحمان
زناقي، وعبد السلام حبيب، ومحمد الأخضر
السائحي..."[6]
1-2- عوامل ظهوره:
إن هذه
الظاهرة الشعرية إنما وجدت نتيجة إحساس
الشعراء بضرورة مسايرة الحياة المعاصرة، وخاصة بعد نكسة 8ماي 1945 والتي راح ضحيتها الآلاف من
الأبرياء الشيء الذي دفعهم إلى البحث عن
قالب فني جديد يعبرون فيه عن روح العصر "إن من أهم العوامل إحساس الشعراء
الجزائريين بضرورة التحول عن هذا القالب التقليدي الهندسي، الصارم إلى قالب جديد
يستجيب لمتطلبات الحياة المعاصرة، ويتفاعل مع التطورات السياسية والثقافية
والاجتماعية التي كانت تشهدها الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية"[7]
وكتابة هذا النوع من الشعر إنما جاءت على
أيدي الشعراء المغتربين بالمشرق العربي، ونحن نعلم بأن المشارقة أحدثوا ثورة كبرى في ميدان الأدب في تلك الفترة متأثرين بالأدب الغربي الذي عرف تطورا مذهلا شأنه
شأن الصناعة، فما كان على الجزائريين سوى
احتواء التجربة و"سعد الله" نفسه اعترف بفضل المشارقة عليه في
كتابة القصيدة الحرة حيث قال:« غير أن اتصالي بالإنتاج العربي القادم من المشرق –
ولاسيما لبنان_ وإطلاعي
على المذاهب الأدبية والمدارس الفكرية
والنظريات النقدية حملني على تغيير اتجاهي ومحاولة التخلص من التقليدية في الشعر،
وتمشيامع هذا الخط نشرت بعض القصائد التي كانت رتيبة التفاعيل ولكنها حرة القوافي
مثل: (احتراق، خميلة، ربيع) ثم لم ألبث أن تحررت من التفاعيل أيضا».[8]
وهذا مقطع من قصيدة "احتراق
أفي كل قلب أزيز النذور
وفي كل أفق ضيا وأوار
وفي كل عرق دم يتلظى
يخور يذوب شذا و افتخار
تنزي له كل جارحة
وتطفو به في فضاء بخار
فلا عصب طافح بالأماني
ولا وتر هازج للضمار
عشقنا الحياة وحولا وشوكا
فجئنا نهيئها للبذار [9]
يضاف إلى ذلك
عامل آخر ساعد على دفع هذه التجربة إلى
الأمام وهو بروز بعض المجلات العربية التي كانت تدعوا إلى الحداثة الشعرية ونخص
بالذكر مجلة "الآداب" اللبنانية التي وجد فيها شعراءنا متنفسا رحبا لنشر أعمالهم
فيها: « وهذا ما نلفيه لدى الشاعر أبي القاسم سعد الله الذي فتحت له مجلة الآداب
صدرها، وغيرها من المجلات العربية ينشر فيها قصائده، ويعرف بالحركة الشعرية
والنقدية في الجزائر مثله كمثل غيره من الأدباء والنقاد الجزائريين»[10]
. كانت هذه لمحة موجزة عن ظهور الشعر الحر ببلادنا والعوامل التي فرضت نفسها على
شعراء تلك الفترة لممارسة هذه التجربة.
1-3- الخصائص الفنية:
1-3-1- التشكيل
الإيقاعي:إن ما يميز
الشعر الحر عن العمودي، هو عدم التزامه بنظام الوزن والقافية المعهودتين، وهو ما
سعى إلى تطبيقه كل من تبناه من شعرائنا الأوائل في هذا الاتجاه فحاول كل واحد منهم
أن يقيم تشكيلا إيقاعيا جديدا يخرج به من إطار موسيقى الشعر العمودي وزنا وقافية،
فقد أقامه على نظام التفعيلة لا على أساس البيت[11]
وباعتبار أن هذا اللون كان جديدا على شعرائنا اكتسبوه
نتيجة احتكاكهم بأدباء المشرق العربي كما ذكرنا سابقا إلى جانب ضعف مستواهم
الثقافي الذي جعلهم لا يطلعون على أرقى التجارب الشعرية العالمية في هذا اللون،
وإن هم اطلعوا عليها فلا يمكنهم استيعابها لذا فهم لم يكونوا بالبارعين في خوض
غمار هذه التجربة فقصائدهم بقيت حبيسة قيود القافية المتتالية وبقيت تخضع لقيود
الوزن ونلحظ ذلك في قصيدة "طريقي" "لأبي القاسم سعد الله "
التي حاول فيها أن: «يتحرر من الشكل الموسيقي القديم كما تحرر من أفكار سابقة،
فاعتمدت القصيدة على الارتباط النغمي بين
الأبيات المتتالية وارتكزت على نقطة نغمية توجه حركة النفس مع الموسيقى وهي كلمة
"طريقي" لكنها ما زالت حبيسة في قيود القافية المتتالية،)...( ومازالت تخضع لقيود الوزن، حيث
يوازي فيها بين الأبيات الشعرية»[12]
وهذان المقطعان
يوضحان ما قلناه:
ألمح الأطياف من حولي شوادي
للرؤى السكري، لآلاف العباد
للربيع الحلو شوقا للزهور
للهوى الزخار بالذكرى و أنسام
العطور
غير أني كلما حاولت وصلا
لم أجد قربي ظلا غير أعقاب الشموع
وغديرات الدموع
تتوالى في طريقي
يا رفيقي!
******
لست أنسى حين ضوأت المشاعل
واحتضنت النور غصبا في المجاهل
وعبرت الليل نارا وشراك
وتصفحت الوجود
فإذا هو إله وعبيد
وخضم من دماء وضفاف للعراك
وسياط هاويات
و جسوم داميات
ناهدات في طريقي
يا رفيقي ![13]
وبعد هذه
التجربة فإن "سعد الله" في أعماله الأخرى حاول التخلص من هذا النظام
وذلك:«حين أصبح التشكيل الموسيقي عنده، خاضعا خضوعا مباشرا للحالة النفسية أو
الشعورية التي يصدر عنها، كما نلاحظ ذلك في قصيدته " شيء لا يباح»[14].
هناك شيء لا يباح
يعذب القلوب ... ينكأ الجراح
أو غاب من عيوننا ثوان
نحسه مرارة ... أحزان
نظل نسأل النجوم عنه والقمر
ندعوه بالدموع والصلاة
نحني له الجباه
نرجوه أن يطل ... يمنح الغفران
أو غاب من عيوننا ثوان ..
ونستلذ في سبيله الألم
ونستطيب لسعة الجراح
لو أنه يباح [15]
وفي قصيدة أخرى
بعنوان "الثورة" يمتدح ليلة نوفمبر
معتبرا إياها « الحلم الذي تطلعت إليه الأجيال طويلا حتى كاد اليأس من
تحقيقه يتسرب إلى النفوس ولكنه تفجر كما تفجرت عواطف الشعب»[16]
كان حلما واختمار
وكان لحنا في السنين
كان شوقا في الصدور
أن ترى
الأرض تثور
أرضنا بالذات أرض الوادعين
أرضنا السكرى بأفيون الولاء
أرضنا المغاولة الأعناق من وقت مضى ...
كان حلما، كان شوقا، كان لحنا، ..
غير أن الأرض ثارت
والهتافات تعالت
من رصاص الثائرين
والكثافات تهاوت
مثلما تهوى الظنون
وبراكين بلادي هزت الدنيا ومارت
كقلوب الكرماء الوادعين ...[17]
أما "محمد
الصالح باويه" وبالرغم من أن موسيقاه هادئة إلا أنه في قصائده« الثورية لم
يستطع التخلص من الجهارة الموسيقية... ولم يكن موقفا دائما في التغلب على الكلمات
التي تحمل في طياتها شحنات موسيقية حادة، ولعل الشاعر كان يجري وراء هذه الكلمات
بدافع الموقف النفسي المتحمس الذي يدفع الشعراء إلى اختيار الكلمات العنيفة القوية
دون مراعاة لمتتاليات الفن، كما جاء ذلك عنده في قصيدة "الإنسان الكبير"
الصادرة في سنة 1958» [18]
وهذا المقطع منها:
يا زغاريد أعصفي
يا هتفات اقصفي
مزقي طيف الحدود اللاهثات...[19]
والقصيدة كلها
حشد للكلمات الحادة العنيفة، فالشاعر هنا لا يهمه الجانب الجمالي بقدر ما يهمه
التعبير عن نفسيته كما نجد "محمد بلقاسم خمار" ينسج على منوال الشاعرين
السابقين فشعره غلب عليه النضال فهو «يتحدث عن منطق الكفاح المسلح الذي هو الطريق
الحقيقي للتحرر والخلاص من نير المستعمر...»[20]
ويظهر ذلك جليا في قصيدته "منطق الرشاش" حيث يقول فيها:
لا تفكر .. لا تفكر..
يا لهيب الحرب زمجر ... ثم دمر ..
في الذرى السمراء من أرض الجزائر .. لا
تفكر..[21]
إن معظم قصائد هؤلاء الشعراء كانت في أغلبها شبيهة
بالطلقات السريعة وإيقاعها كان يمتاز بالتوتر والسبب في ذلك هو أن همهم كان وصف
الحرب، لذلك لم يهتموا بالجانب الفني والجمالي للقصيدة فوقعوا في« الغنائية
الفردية التي تعني الانغلاق وعدم التفتح على الكون والعالم الإنساني ... والسقوط
في التكرارية التي تعني أن ثقافة الماضي هي النموذج السليم » [22]
.
1-3-2- البحور المستعملة: من الأوزان التي استخدمها شعراء تلك الفترة« مجزوء الرجز
والرمل والمتقارب ثم نجد بعضهم يضيف إليها مجزوء الكامل والهزج والمتدارك »[23]
ولعل السبب الذي دفعهم إلى استخدام هذا النوع من
الأوزان بساطتها التي تضمن الحرية في استخدام التفعيلة والملاحظ على
شعرائنا كثرة نظمهم على بحر الكامل وهذا راجع لما يمتاز به هذا البحر من إيقاع
موسيقى هادئ رصين، وما تعرف به تفعيلاته من جزالة وحسن اطراد... تجعهله يتناسب مع الموضوعات
الجادة التي تحتاج إلى نفس طويل.[24]
والمعروف عنهم أن جل قصائدهم دارت حول الثورة الجزائرية،
فالتغني بها ووصفها كان يحتم عليهم النظم ببحور طويلة ذات مقاطع متناسبة، يقول سعد
الله في قصيدته "ربيع الجزائر":
من اللهب الأزرق
ومن خمرة الشفق
ولون الدم المهرق
سيصحو الربيع
وتزهو
الورود العذارى
على كل درب
وفي كل قلب
تماثيل فخر
وتيجان حب
إلى الشهداء ....[25]
1-3-3- اللغة
الشعرية: من المعروف أن
الصراع الذي دار بين الشعب الجزائري والمستعمر الفرنسي طوال فترة الاحتلال الفرنسي
كان محوره «قضيتي "الهوية والانتماء" إذ تركزت جهود فرنسا على
محاولة فصل الجزائر عن الأمة العربية .. كذلك فإن المقاومة الجزائرية في المقابل
ركزت اهتمامها على إبراز الشخصية الوطنية وتحقيق الاستقلال، وهذا هو مفهوم "الهوية"
ثم الارتباط بالوطن العربي وهذا هو "الانتماء"»[26]
والشاعر الجزائري بوصفه جزء من الكل فإنه راح في قصائده يمثل وجدان الشعب المضطهد،
فدار شعر هذه الفترة حول:«التعبير عن الغربة والحنين إلى الوطن والتعليق بالأبطال
الثائرين والإصرار على العودة وتأكيد الولاء للتاريخ العربي الإسلامي، ووصف مآسي
السجن والتعذيب والنقمة على الاستعمار»[27]
لذلك نجد معجمهم الشعري حافلا بكلمات تعبر
عن التمسك والتشبت بأرض هذا الوطن ومن أمثلتها«غربة، حنين، ثورة، ثوار، رصاص، دم،
موت، قرية، نخلة، ذكرى، أم، أخت، أب، حبيبة، أرض.» [28]
يقول سعد الله في قصيدته "الدم والشعلة:
يا أرضي المنطلقة!
نسرا يحضن حرية
شعلة نور منبثقة
ما زالت في الكأس بقية
شربوها موتا أو خيبة
وسنملأها حرية...
يا أرضي المنطلقة!
أمضي في الأفق الأرحب
أفق الثورة
آسي الجرحة بالجرحة
و أطيري
الموكب بالفرحة
لا ألما لا شكوى
يا أرضي المنطلقة!
كما نجد
"بلقاسم خمار" في أشعاره يوظف كلمات بسيطة حادة مفهومة إلى حد بعيد ومن
ذلك قوله:
جزائر...جزائر
لهيب المشاعر
حريق ...
صراع ... ضحايا ... طريق
هتاف تمزق منه الحناجر...[29]
إن المتتبع لقصائد هؤلاء الشعراء يدرك جيدا بأن اللغة
عندهم كانت عبارة عن «كلمات ذات مدلول واحد وبعد واحد، في الوقت الذي ندرك فيه بأن
الكلمات ذات أبعاد ومدلولات مختلفة باطنية وخارجية مرئية وغير مرئية، وهي ليست
لفظا محايدا، بل هي داخل القصيدة، تكتسب وجودا نوعيا وتعبر عن أبعاد تشكل الحياة
في زخمها وصراعيتها التي لا تحد و لا تنتهي»[30]
كان هذا باختصار شديد عن اللغة الشعرية والتي في نظرنا كانت بسيطة سطحية، وهذا
راجع لثقافة شعرائنا المحدودة وإلى عدم تمكنهم من هذه التجربة الجديدة، فظلوا
حبيسي المعجم الشعري المتوارث منذ القدم.
1-3-4- الصورة
الشعرية: مع بداية
الثورة المسلحة عرف الشعر الجزائري تطورا فنيا ملحوظا، وخاصة الشعر الحر، الذي
استطاع فيه أصحابه الربط بين الشكل الموسيقي والصورة الفنية، فتميزت هذه الأخيرة
بمزجها بين الذاتي والموضوعي والاستعانة بالأساطير والرموز الدينية والشعبية
وأصبحت الصورة الشعرية عند هؤلاء الشعراء وسيلة أساسية في العمل الشعري... ولم تعد
الصورة عندهم كما كانت عند الشعراء التقليدين عنصرا ثانويا يستخدمه الشاعر قصد
الزخرفة والتزيين سعيا وراء الصورة البيانية [31]
ويظهر هذا التجديد في القصائد التي تعبر عن الغربة والحنين فـ «كثيرا ما تكون
الصور فيها اقرب إلى النفس أكثر من القصائد التي تمتزج فيها المواضيع السياسية
والإصلاحية أو المناسبات»[32]
. لقد تخلى هؤلاء الشعراء عن المباشرة فأصبحت الصورة هي الوسيلة الأكثر استخداما
للتعبير عما يختلج النفس من غربة وعزلة وخوف«إن الشاعر المعاصر لم يعد يواجهنا
بالأفكار التي يريد إيصالها، والعواطف التي يرغب في التعبير عنها، بطريقة مباشرة
وإنما هو يلجأ إلى الإفصاح عنها بواسطة ما يعادلها موضوعيا من عناصر الطبيعة أو ما
يرتبط بها على المتلقي أن يستخدم ثقافته،
وذكائه ودقة ملاحظته ليفهم الحالة النفسية أو القضية الفكرية التي سيطرت على
الشاعر المبدع»[33]
إن معظم صور هؤلاء الشعراء يسيطر عليها الظلام والسوداوية نتيجة لتواجدهم بعيدا عن
وطنهم الأم فنجدها«تشع عند هؤلاء الغرباء وهم يعودون إلى بيوتهم في المساء، إذ
النهار كثيرا ما يحيلهم إلى شاعر عربي يشاركهم اللغة والدين والشعور والمحن
فيذهب عنهم الحزن، وينسيهم بعض ما يعانون
فهذه الصور إذن من إنجازات الليل الذي يقوي إحساسهم بالغربة ويستحضر لهم هذه اللوحات الحزينة»[34]
إن الشاعر "أبو القاسم خمار" يلجأ إلى صور عمادها«الظلام والخوف
والرهبة. فالليل في (دمشق) وعلى ضفاف (بردي) مرعب ففيه الموت والخيال الموحش وفيه
تنطفئ شعلة الدنيا وتتحول الأشياء في غرفته إلى وحوش مرعبة تطارده»[35]
وهذا مقطع من إحدى قصائده:
الناس يختفون هاربين
والشمس في ارتعاش تستجيب
لا تتركوني خلفكم وحيدا
ألوب في الظلام ... لا
أرى
يلوكني الإعياء
لا تتركوني خلفكم
إني أخاف غرفتي
أكرهها [36]
وتأتي ثاني
الصور وهي بشاعة الجندي الفرنسي إذ يصور بالسفاح ومن ذلك نجد" أبا القاسم سعد
الله في قصائده«"القرية التي احترقت ... ومواكب النسور ... وإلى أين".
إذ نحس فيها عنايته الفائقة التي تؤكد بشاعة الجندي الفرنسي »[37]
. وهذا المقطع من قصيدته مواكب النسور:
والشعب يسبح في الدموع
والبؤس يحتطب الجموع
والمبدأ الأسمى صريع...
بين المخالب والنجيع
والصفحة السوداء خابية
النجوم
والسوط يلتهب الجسوم
شوهاء طافحة الكلوم
والتربة النضراء أضحت
كالصريم
غبراء كالحة الأديم
والريح عاصفة غضوب
هوجاء تنفخ في الدروب
فتحمل الأبواق أصداء
الشعوب
متأججات باللهيب
مضمخات بالطيوب ...[38]
وصورة
الفرنسيين لدى سعد الله ارتبطت بأعداء الأمة الإسلامية وهذا ما نلحظه في قصيدته
القرية التي احترقت
هكذا ينتصرون!
ويعودون نشاوى
حيث يجزون نياشين وألقاب البطولة
هكذا ينتصرون الأبرياء
ويصبون الخراب
كالجراد
كالتتار الزاحفين
ويعودون سكارى
بنشيد الظافرين
يالهم من جبناء ...[39]
إننا نلاحظ هنا
استخدام الرموز أو الصور التاريخية (التتار الزاحفين، النياشين) فمن المعروف
أن"التتار" يمثلون أعداء الحضارة ورمزا من رموز الجهل والتخلف
ومن الصور التي تلتحم مع ظلام الليل صورة الانتماء إلى الريف الصحراوي وكل ما يحتويه
ويتجلى ذلك عند "باوية" فاليل عنده مقمر مضيء ففي قصيدته "الشاعر
والقمر«صنع من خلاله صورا مصدرها الصحراء الجزائرية فساهمت في بناء الفكرة، ونمو
الحدث. إذ روى فيها شيئا من حنينه وماضيه وذكرياته وطفولته في قريته التي تبدو
قوية الأواصر متحدة الأهداف، شديدة التماسك واستعان على ذلك بالتراث الشعبي»[40]
. وهذا مقطع منها:
لحديث الشيخ عن (زيد الهلالي)
والصبايا حوله مثل الهلال
يتزاحمن على فيض الخيال ... [41]
.
وخلاصة القول
أن شعراء هذه المرحلة لم يوظفوا الرمز والأسطورة الشعبية والحكايات والأساليب
السينمائية والمسرحية والتداعيات اللاشعورية للكشف عن أعماقنا وإبداع شفافية جديدة
لها، ومعنى هذا فهم شديد والاقتراب من السلفوية التي تمقت المستقبل وتخشاه
والنموذجية التي تعني رفض الجديد والشكلية التي تعني التعلق بالعارض والظاهري ...
هناك محاولات جادة قام بها محمد الصالح باوية وسعد الله ولكنها لم ترق إلى أن تكون
تيارا شعريا واضحا وبعثا جديدا يسعى لتغيير البنية الاجتماعية والحضارية والثقافية
[42].
كانت هذه لمحة موجزة عن سمات الشعر الحر في فترة الثورة التحريرية الكبرى والذي
انصبت جل موضوعاته في الحديث عن الوطن والعداء للاستعمار الفرنسي إلى جانب معالجة
بعض القضايا التحررية كقضية فلسطين.
2-
المرحلة الثانية 1962-1968:
2-1- نظرة عامة على الشعر الحر في
الستينات:
شهدت الجزائر
في الستينات صمتا رهيبا في ميدان الشعر وربما يعود ذلك إلى جملة من الأسباب
والمتمثلة في:«انصراف بعض الرواد إلى استكمال دراساتهم العليا، وتوجههم نحو
الأبحاث الأكاديمية والانشغال بعدهما بالتدريس في الجامعة، وتحمل أمانة تكوين
الأجيال الصاعدة»[43]
. فنجد باوية انصرف نهائيا لعمله كطبيب، وأبو القاسم سعد الله كأستاذ جامعي
والبقية الأخرى تحملت مناصب إدارية مختلفة أضف إلى ذلك فقدان الصحافة الأدبية وعدم
وجود إتحاد يجمع الأدباء، وقلة النوادي الثقافية، وإهمال العناية بالجانب الثقافي
وتظاهراته من أمسيات، محاضرات، ندوات، وقلة تواجد الكتاب العربي في الأسواق، وضعف
طبع ونشر الإنتاج الأدبي..[44]
. ومن المعروف أن المجتمع الجزائري خرج من تحت وطأة الاستعمار وهو لا يملك لنفسه
رصيدا ثقافيا يجعله يطلع على الأعمال الأدبية فيفهمها ويحللها. والعامل الآخر الذي
جعل من الكتابات تكاد تتلاشى هو إحساس الشعراء بجدوى عدم الكتابة فالمستعمر انكسرت
شوكته فالمتحدي غير موجود. لذلك فإن لغة القلم بالنسبة لهم انتهى دورها«ومن أهم
الأحاسيس النفسية، فقدان التحدي بعد انهزام الخصم وهو المستعمر الفرنسي الذي كان
الشاعر الجزائري يكتب ليتحداه وليعبر عن صموده، وصمد شعبه»[45]
فهذه الأسباب التي قمنا برصدها كانت الحاجز المنيع في مواصلة الكتابة الشعرية على
النحو الذي بدأت عليه لتفسح المجال إلى بعض الكتابات الرديئة التي لا يمكن أن تكون
محل دراسة في عرضنا هذا.
3- المرحلة
الثالثة 1968-1975
3-1- الاستفاقة
والتحرر من الجمود:
عرف الشعر
الجزائري في هذه الفترة استفاقة عما كان عليه في السابقة والسبب في ذلك يعود إلى
بروز حركة نقدية تهتم بهذا الشعر مثلها كل من«عبود شراد شلتاع في أطروحته التي
أنجزها في معهد اللغة العربية بجامعة وهران وكتابات حسن فتح الباب التي كان ينشرها
آنذاك في ملحق النادي الأدبي بجريدة الجمهورية التي تصدر في وهران بالغرب الجزائري
فكانت دراسته لشعر الشباب منكبة على ما عرف في استعمال الدارسين بـ: "شعر
السبعينات"... »[46]
أضف إلى ذلك«الملحقات الثقافية كالمجاهد الثقافي الذي كان يصدر أسبوعيا، حيث كتب فيه أبو القاسم سعد الله و محمد مصايف وعبد
الله الركيبي وأبو العيد دودو وهؤلاء كانوا من النقاد... إلى جانب عبد المالك
مرتاض... »[47]
. بالإضافة إلى ما كان ينشر في «ملحق الشعب الثقافي الذي كان يظهر كل أسبوعين...
مثله كمثل "النادي الأدبي" الذي كان يشرف عليه بلقاسم بن عبد
الله التابع لجريدة الجمهورية الصادرة بالغرب الجزائري ... يضاف إلى ذلك المؤسسة
الوطنية للكتاب(enal) التي تكلفت بنشر دواوين هذه المرحلة...»[48]
. ونتيجة لهذه الظروف الملائمة فإنه ظهرت أسماء جديدة لم تكن معروفة من قبل برز من
بينها اتجاهان اثنان اتجاه يكتب الشعر العمودي والحر ويحاول التجديد في إطاره، مثل
مصطفى الغماري، ومحمد بن رقطان، وجمال الطاهري، وعمر بوالدهان، ومحمد ناصر،
ومبروكة بوساحة، وعبد الله حمادي، ورشيد أوزاني وجميلة زنير وغيرهم، واتجاه انصرف
إلى الشعر الحر وأعلن القطيعة بينه وبين الشعر العمودي مثل أحمد حمدي وعبد العالي
رزاقي، وأزراج عمر وحمري بحري، وأحلام مستغانمي، وجروة علاوة وهبي، ومحمد زتيلي
وغيرهم[49]
. وعلى الرغم من هذا الوضع أو الواقع الذي من المؤكد وأنه سيدفع بالحركة الشعرية
إلى التطور، إلا أنه لم يحدث شيء من ذلك، فهذه الحركة لم تستطع فرض نفسها على
الوجه الأكمل وذلك لجملة من العوامل فتكوين الشعراء«الثقافي والشعري لم يساعد
الكثير منهم على تقديم نماذج طيبة، أضف إلى ذلك ما كان يتصف به بعضهم من كسل
وغرور، جعلهم يكتفون بثقافة شعرية سطحية ليس لها جذور أصيلة في الشعر العربي
القديم... والجمهور المثقف باللغة العربية عامة كان وما يزال ضئيلا والمتذوق لهذا
الشعر الجديد أضال»[50]
. كما أن الشعر العمودي ظل مسيطرا على الساحة وهذا لاعتبارات فنية والمتمثلة في
التفعيلة الواحدة وأخرى تاريخية فسيطرت النظرة التقليدية كانت وما تزال تولي
النصوص القديمة أهمية كبرى، وتهتم بالشعر الجاهلي أكثر من اهتمامها بالشعر الحديث
والمعاصر[51]
. ضف إلى ذلك الفجوة العميقة التي برزت بين الجيل القديم والجيل الجديد، حيث أصبح
هذا الأخير بدون موجة، أي أن الدور الذي كان يجب أن يلعبه الشعراء السابقين انعدم
«وتحت تأثير بعض الكتابات اليسارية ... ذات النزعة الماركسية... انفصل بعض الشعراء
الشباب عن الآثار الشعرية التراثية، وأصبحوا ينظرون إلى كل ماله علاقة بالتراث أو
الدين نظرة ضيقة غير موضوعية...»[52]
فمثلا يرى "أزراج عمر" : بأن شعراء الجيل السابق كانوا يتنبون على
الصعيد الفكري التقليدية والسلفوية في تحجرها ومحدوديتها، إذ لا نجد في شعرهم طرحا
حقيقيا للصراع الدائر بحدة بين عناصر التخلف والتبعية والانغلاق التي ترزخ تحتها
مجتمعاتنا وبين عناصر التقدم الحقيقية في شكلها الديمقراطي ما عدا بعض التلميحات
الشديدة الحياء والتي تعود أساسا إلى المعمار الفكري ذي البعد الإصلاحي المرتكز
على الرؤية الدينية في مضمونها الإتباعي[53]
.أما على الصعيد الفني المرتبط بالمضمون فهو يرى بأن أشعار من سبقوه تنتمي إلى
مدرسة النظم والأفعال هذه المدرسة التي لا تزال لحد الآن تحاول تعكير صفو التجارب
الجديدة باسم العودة إلى تراثنا[54]
وفي موضع آخر ينفي بأن تجربته الشعرية
استفادت من الشعراء الجزائريين الذين سبقوه لأنهم حسب رأيه ليسوا أصحاب تجارب
إبداعية حقيقية بل هم لا يتجاوزون مدار المحاولات التي ظلت عند البدايات الشديدة
اللهثات والمصابة في أحيان كثيرة[55]
. ويسلك "أحمد حمدي" نفس المنحنى فهو يرى بأن شعر من سبقه لم يتابع حركة
التطور في الجزائر ...[56]
لأنه شعر تراثي. إن هذا التنكر وهذه المعاداة
ينبعان من خلفية نفسية ألا وهي: حرص الشباب على البروز في الساحة الأدبية وتوقعهم المستعمل إلى الشهرة، ولذلك يحاولون إضهار
تجاربهم على أنها تختلف عن تجارب من
سبقوهم وأنها تتميز عنها بجدة صفات الشباب الاندفاع والتحمس، والاعتداد بالنفس
الذي قد يصل حد الغرور أحيانا[57]
. ويرجع السبب في ذلك كونهم كانوا محظوظين لأنهم فتحوا عيونهم في زمن تطلعوا فيه
إلى وطن تشرق فيه شمس الحرية والاشتراكية والتقدمية، إنه وطن الفقراء والمستضعفين، والمضطهدين والمستغلين
والمقهورين... والتقدمية والرجعية والإمبريالية والفلاحين والكادحين، والعاهرات
والإقطاعيين، والمحراث والحقل والفأس والمنجل...[58]
فجاءت معظم قصائدهم تكريسا لخدمة الإنسان في الحرية والعدالة والابتعاد عن قصيدة
المدح الذليلة، وقصيدة الهجاء الشوفينية والعوالم الشعرية التي تكرس التشاؤم
والتخاذل والدكتاتورية والتسلط والفكر الإقطاعي البرجوازي معتمدين في ذلك على أعمق
تجارب الشعر العالمي والثورات العالمية التي قامت على مبادئ إنسانية نبيلة وتجاوز
المنطق السلفوي الذي يرى في الشعر مجرد
وصف ورؤية الحياة إلى طراز من الشعرية التي تقدم للحياة قيما مضافة بعد وعيها
تاريخيا، ضمن إيقاع التساؤل والجواب والشمولية لا التجزيئي والوحدة العضوية لا
التبعثر والتواصل الخلاق لا الانقطاع من اجل الانقطاع[59]
. فنسجوا أشعارهم على منوال نزار قباني، والسياب، والبياتي، وعبد الصبور، وسعدي
يوسف، محمود درويش، سميح القاسم، والاتصال الغير المباشر عن طريق الترجمات بينهم
وبين شعر ناظم حكمت،و لوركا، و بابلونيرودا، وبودلير، ورامبوا، وأراجون، وغيرهم من
الشعراء[60]
فنجد مثلا عبد العالي رزاقي يتوجه برسالة خاصة إلى "لوركا" الشاعر
الإسباني المناضل الذي استشهد وهو يتغنى بحرية الإنسان ويستنجد به قائلا:
لوركا
علمني كيف سأصرخ من أعماقي باسم الحق
الضائع
كيف أحارب في صف الإنسان الجائع [61]
وعلى الرغم من
إطلاع هؤلاء الشعراء الشباب على التجارب العالمية إلا أن أشعارهم ظلت في اغلب
النصوص طافية على السطح لم تتعمق في نفوس الشعراء ولم تمتزج بتجاربهم فهي لا تتعدى
كونها سردا لأعلام ثورية...[62]
والجديد بالملاحظة أن شعراء هذه المرحلة والجدير بالملاحظة أن شعراء هذه المرحلة
كانوا متا ثريين تأثيرا كبيرا بالماركسية وظهر ذلك جليا في ّأبريل من سنة 1975 في
المؤتمر العاشر للأدب العربي ومهرجان الشعر الثاني عشر بالجزائر حيث أعلنوا عداءهم وقطيعتهم التامة لكل موروث قديم.
3-2- الخصائص
الفنية للشعر الحر في السبعينيات:
3-2-1- التشكيل
الموسيقي:إن أغلب شعراء
هذه المرحلة أعلنوا القطيعة مع الشعر العمودي حيث بدأو بالسطر الشعري المعتمد على
التفعيلة إلى أن أصبحوا يعتمدون الجملة الشعرية وما يسمى في مصطلحات الشعر
بالتدوير[63]
ومن ثمة فإن الموسيقى عندهم أصبحت تعتمد على الإيقاع الهادي لا على الإيقاع الرنان
العالي كما هو الشأن في الشعر العمودي عامة ولكن هذه الموسيقى عندما لا تلتزم
بتفعيلة أو تفعيلتين من بحر معين تنزلق نحو النثرية[64]
. ومن بين الشعراء الجزائريين بين الأكثر استخداما للجملة الشعرية في هذه الفترة
"عبد العالي رزاقي" الذي يقول في قصيدته"اعترافات متأخرة"
رشيدة تدخل القلب، تغتاله فجأة تستبد بكل شعور، وتمتد عبر الشرايين، تغزوا الضلوع،
وتحتل ذاكرة السندباد، يخيل لي أني أتذكر بسمتها، حركات أناملها، شعرها الذهبي،
تحدثني عن زليخة كيف تراود يوسف عن نفسها، وعن الحلم كيف يفسره مرتين... تصورت أن
رشيدة معشوقة السندباد، فطالبت أن يستحم بأنفاسها الزمن المستحيل...[65]
كما نلاحظ ذلك أيضا في قصيدته "الغربة، الوطن، الحب" و"عودة
السندباد" حيث يستخدم الشاعر تفعيلات متعددة من بحور متعددة مع اضطراب
القافية بالإضافة إلى الجمل الطويلة التي هي أقرب إلى النثر منها إلى الشعر[66].
إن هذه القصائد في مجموعها تحطيم للوقفة العروضية والدلالية، إنه تمرد على وحدة
البيت وتمرد على المفهوم الذي كان شعراء القصيدة الاوائل يخضعون له. إن آخر مرحلة
توصل إليها شعراء الجزائر تتمثل في الشعر المنثور الذي ظهر على يد "أبي العيد
دودو في تجاربه وعبد الحميد بن هدوقة في ديوانه "الأرواح الشاغرة"[67] والواقع أن هذه التجارب تقترب من النثر أكثر من
الشعر.
3-2-2- البحور
المستعملة:كما هو معروف
فإن الشعر الحر لا يمكن نظمه إلا من البحور الصافية أو ذات التفعيلة الواحدة، ونجد
الشعراء الجزائريين في هذه الفترة اقتصروا في الأغلب الأعم على ثلاثة منها فقط وهي
الرجز والرمز والمتقارب مما جعل إيقاع القصائد عندهم ضيقا محدودا[68].
على جانب بعض القصائد القليلة التي تسجت أو نظمت على مجزوء الكامل، ومجزوء
المتدارك، ومجزوء الهزج.
3-2-3- اللغة
الشعرية:اللغة الشعرية
التي يستخدمها الشاعر المعاصر هي العمود الفقري الذي تقوم عليه قصائده، وبها يحقق
استقلاليته وشخصيته وتميزه، لأن كل تعبير عن الإحساس والانفعال والتفاعل مع
القصيدة تفرض عليه استخدام نمط معين من اللغة.وفي هذا المضمار سنتبع أهم خصائص
اللغة لدى شعراء الشعر الحر في هذه الفترة.
3-2-3-1- الضعف
اللغوي:إن الضعف
الموجود على المستوى اللغة يعود أساسا إلى محدودية شعرائنا الثقافية والتعليمية
وإهمالهم للتراث العربي القديم ويظهر هذا الضعف في الأخطاء النحوية في أشعار بعض
الشباب الذين أداروا ظهورهم للتراث مثل: أزراج عمر، وأحمد حمدي، وعبد العالي
رزاقي، وأحلام مستغانمي، وغيرهم ممن نكتظ بهم محلة آمال[69].
فقصائد هؤلاء الشعراء مليئة أيضا بالأخطاء الصرفية والإملائية. ومن الأخطاء
الشائعة نجد:
استخدام حرف أن
يفتح الهمزة في موضع يستوجب كسرها مثل قول أزراج عمر:
وها أنني ألمح الآن كل المياه تدق
السدود
وها أنني أبصر إلا غربة
وها أنني أعشق الجرح والضوء [70]
رفع ما حقه
النصب أو العكس، ومن ذلك قول أحلام مستغانمي:
أصحيحا صار حبي اليوم عام
والصواب: أصحيح صار حبي اليوم عاما [71]
إدخال الحرف
"لا" على الفعل (زال) في حالة تستوجب إدخال "ما" لأن
"لا" تدخل على الفعل (زال) إذا أريد منه الدعاء فقط ومن ذلك قول أحمد
حمدي:
... وأبو نواس الماجن، لا يزال
يعربد... [72]
والصواب: ما
زال
تعدية الفعل
اللازم بحرف "اللام" وحق التعدية بـ "إلى" وهو وارد بكثرة من
ذلك مثلا قول عبد العالي رزاقي:
أسندت ظهري للموانئ ...[73]
والصواب: إلى
المانئ
ومن ا لأخطاء
اللغوية الشائعة: استخدام "لكن" بتضعيف حرف النون ومن حقها أن تكون
مخففة ومن ذلك قول أزراج عمر:
... ولكن ليس بعائد...
... لكن يا حبيبتي سفينة الثوار...[74]
إلى جانب
استخدامهم لبعض الجموع استخداما غير صحيح من ذلك جمعهم(حكاية، على
"حكايا"...)[75].
ولعل السبب في كثرة الأخطاء النحوية والصرفية
مرده أساسا إلى تأثر شعرائنا بالشعر الوافد من لبنان المتأثر بنظرية
"إليوت" فنجد الشعراء اللبنانيين يعتمدون على تجاوز قواعد اللغة العربية
من نحو وصرف وبلاغة وعروض بدعوى التجديد
المستمر[76].
هذا عن الضعف اللغوي الذي أردناه في عرضنا هذا مختصرا، ولو أننا فتحنا المجال له
لكان يجدر بنا أن نعدله بحثا مستقلا لأن قصائد شعراء هذه الفترة تحفل بكم هائل
منه.
3-2-3-2-
استخدام اللغة البسيطة وتوظيف العامية: أصبحت اللغة عند هذا الجيل باهتة خالية من الشعرية ويعود
ذلك إلى تأثرهم بنظرية "إليوت" كمت ذكرنا سابقا فأصبح الشاعر يستخدم
اللغة استخداما غير ملائم حين تكون المفردات مبتذلة متداولة أو عامية، أو يستشهد
بالشعر الملحون الذي نشعر به مقحما على القصيدة ولا يضيف لها جديدا من الناحية
الفنية ولا حتى الفكرية، على أنه يميل أحيانا إلى معايشة الواقع لا تعني استخدام
كلام الناس العادي، ربما كانت هذه الخاصية سليمة عندما يجعلها الشاعر فكرة معينة
أو مدلولا معينا... [77]
، وقول عبد العالي رزاقي في قصيدته "الرحيل خلف العيون السوداء" يحيلنا
إلى التساؤل على أن هذا الكلام نظرا التدني مستواه وهذا مقطع قصير من تلك القصيدة.
وتناسب مع الذكرى
حكايا عن ليالي سمر القرية
عن قهوة أو شاي بلادي [78]
إلى جانب
البساطة نجد إدخال العامية في الجملة وقد تكون أحيانا ذات أصل فرنسي فمن بين
الكلمات الأكثر استعمالا نجد: «الشيك، البنك، الديالكيتك، التكنولوجيا، والفواتير،
الموضة، وغيرها من الكلمات التي دخلت
التي دخلت العامية الجزائرية من طول احتكاك الشعب الجزائري بالغة
الفرنسية... »[79].فنجد
"أحمد حمدي" على سبيل المثال يكثر من استعمال الكلمات ذات الأصل الفرنسي
في قصائده، وهذا مقطع من واحدة منها يقول فيها:
وخرائط حزن وفاتورة الخطوات الجريئة ...
... لا أعرف سر الموت مجانا
ولا هذا الديالكتيك...
...يجادلون الموتى
في شرعية النظام
في إيديولوجيات المعارضين... [80]
وهناك من
الشعراء من صلع الكلمات ذات الأصل الفرنسي صياغة عربية، ونجد ذلك في قصيدة
"أغنية لم يلحنها الشيخ إمام" لسليمان جوادي والتي يقول فيها:
وغزا صالون داود ليغتال فتاة تتكوفر... [81]
كما نجدهم
استخدموا الدارجة الجزائرية كقول "أزراج عمر" في قصيدته
"انتضار"
... كوردة جريحة على الشفاه
ينام فوق خدها شعاع
تحلم أن تنال بالذراع...[82]
كما وظف هذا
الجيل في قصائده مقاطع كاملة من الأغاني والمرويات الشعبية... ففي دواوين
"الحب في درجة الصفر" و "الجميلة تقتل الوحش" و "قائمة
المغضوب عليهم" و"يوميات متسكع محظوظ" و "ما ذنب المسمار يا
خشبة" وفي بعض قصائد "أحلام مستغانمي" الأخيرة .. نجد داخل القصائد
الشعرية مقاطع كاملة من شعر شعبي، وقد يكون في الأصل أغنية شعبية، أو مثلا سائرا
أو كلاما يؤلفه الشاعر نفسه على طريقة الشعر الشعبي...[83].
وكمثال على هذا نأخذ مقطعا من قصيدة "الهبوط إلى القصبة" للشاعر
"أزراج عمر"
... فغالبني يا بلادي الحنين
"يا رايح" لبني
"منصور"
قول الهم خلاه البابور
وراه فالقصبة يتسول
ونشر أحزانوا من سور لسور... [84].
والقارئ لهذا
النوع من القصائد يلاحظ فيها ركالة وذلك عندما يحاول الشاعر تفصيح الكلمة العامية
إن جاز التعبير، كما أن هذا النوع من القصائد فيه مبالغة في استخدام اللغة البسيطة
المستمدة من الواقع اليومي.
3-2-3-3- اللغة
البذيئة: إن الدارس
للدواوين الشعرية لشعراء هذه الفترة يجدها تعج بكلمات وتعابير دنيئة، فنجدهم على
سبيل المثال يوظفون (المضاجعة، فض، البكارة، الجماع، البول، الغائط،...) إضافة إلى
كلمات السب والشتم مثل: (الكلاب، الجرذان، السلاحف، الذباب، المومس، اللواط،
اللقطاء، الخنزير، الخفاش، الصراصير، وغيرها من الكلمات ... [85].
فعلى سبيل المثال نجد "سليمان جوادي"في إحدى قصائده يقول:
... أتذكر أني في الليلات الصيفية
أتوسد عنزافي في البيداء أمارس تلك السرية
وأشق طريقا للأحلام... [86]
إن هذا الاختراق
لجدار اللغة جاء نتيجة تأثر غير واع بشعراء كبار أمثال "نزار قباني"
و" خليل حاوي" و "مظفر التواب" و "عبد الوهاب
البياتي" الذي يعد هذا الاتجاه من أبرز مميزات شعره [87].
ولا نحسب بأن هؤلاء الشعراء قد وصلت بهم الدناءة إلى مثل الكتابات الشعرية التي
شهدتها الجزائر في هذه الفترة. فلغة الشعر
يجب أن تكون راقية إلى أبعد الحدود لأنها تخاطب الوجدان وتؤثر فيه.
3-2-3-4- اللغة
الدخيلة:إن المتصفح
للدواوين الشعرية لشعراء السبعينيات يجدها تحوي ألفاظا وتراكيبا ورموزا ذات أصل
مسيحي مثل: (الصلب، والفداء، الخطيئة، الخلاص) واستخدام كلمة "آلة" لغير
ما استخدمت له في القرآن الكريم ...[88]
ومن ذلك قول أزراج عمر في قصيدته "الوجه الآخر":
... سامحي يا بلاد الخطيئة حبي
سامحي يا بلاد الضياع اغترابي
آيتي أن تكوني، ولو كنت صليبي
يا مسيحا تجسد في
المسامير درب
والبعاد اقتراب
هكذا شاء لي أن أرى الكره حب ...[89]
كما نكتشف في
هذه الدواوين تراكيبا لغوية بعيدة عن الأسلوب العربي وهذا نتيجة تقليد شعرائنا لغيرهم من الشعراء الأجانب، فنجد
على سبيل المثال "أحمد حمدي" في قصيدته "العبور نحو بوابة
الخروج" يقول:
... معتم الوجه كان
... شعرها كان سنبلة
... خدها كان تفاعتين
تغرها كان نبت الكروم
نهدها كان مطفأة العابرين[90]
ويبدو من خلال
هذا المقطع أن الشاعر متأثر بلغة التلمود.
وفي الأخير نجد
أنفسنا أمام سؤال يطرح نفسه، ألا وهو: لماذا شعراءنا عانقوا المسيحية في أشعارهم
على الرغم من أنهم مسلمون؟ وأن المسيحي هو من حاول القضاء على شخصيتهم.
3-2-3-5- ظاهرة
المحاكاة والإقتباس: إن شعراء هذه
الفترة تأثروا تأثرا كبيرا بأعلام الشعر العربي في أسلوبهم ولغتهم وتصويرهم و شاعريتهم،
ونحسب أن هذا التأثر مرده جانب نفسي لأنهم يحلمون أن يكونوا كبارا، ولكن ما يعاب
عليهم هو ترديدهم لألفاظ وتراكيب غيرهم الشيء الذي جعل منهم مقلدين لا غير، فنجد
مثلا "أجواء ديوان" و"أنشودة المطر" للسياب بما فيها من ألفاظ
وتراكيب: العينين، النخيل، المطر، الأطفال، البروق، الأضواء، القمر، النهر،
النجوم، الضباب، العصافير، الغيوم، الظلام، الموت، الضياع، الدم هي الألفاظ نفسها يكاد يكون القاموس الشعري لهؤلاء الشباب
ينحصر فيها[91].
فنجد "إدريس بوديبة" في قصيدته "عيناك أقحوان" يحاكي تلك
القصيدة حين يقول:
عيناك أقحوان في دربي المهجور
يا زهرة الليمون، يا قصة الألم
عيناك والتوسل الجريح
كلحظة الآلة، سويعة الخلق
أضاجع الأماني العذاب
... يورق المطر
يتساقط المطر
وتهمس السماء
مطر... مطر... مطر... [92]
كما اثرت قصيدة
"محمود درويش" ريتا والبندقية" في "أزراج عمر" فحكاها في
قصيدته "أغنية السعادة" وهذا مقطع منها
آه يا سيدي أعرف أني أحمل الحزن صليبا
قبل ميلادي ولكني أمني القلب كي لا ادفن
الشمس غريبة
غيبيني أبعديني
فأنا أفرح لو أنسى مصيري في عيونك...[93] ونجد أيضا شعر "نزار قباني" حاضرا
وبقوة في أشعار هؤلاء الشباب. نذكر من بينهم "سليمان جوادي" في قصيدته
"أغنية لم يلحنها الشيخ إمام" التي يقول فيها:
... نحن لا نطلب منكم أيها السادة إلغاء
الضرائب
تلك الأشياء روتها شهرزاد
وأمور قال عنها سندباد.
نحن لا نطلب منكم أن تعيدوها إلينا
قد مللنا أيها السادة صندوق العجائب
وغدا عبئا ثقيلا كالضرائب
نحن نرجو أن تعيدوا سورة الناس إلى القرآن
فورا
أن تعيدوا الصلاح الدين سيفا عربيا... [94]
إن جل عبارات
هذه القصيدة مأخوذة من قصيدة "نزار" "الخطاب" وهذا دليل على
تأثر شاعرنا بهذه الشخصية الشعرية الكبيرة في الوطن العربي.
3-2-3-6-
الصورة الشعرية:عرفت الصورة
الشعرية لدى شعراء هذه الفترة تطورا ملحوظا حيث أدرك أغلب الشعراء الشباب بأن
الأصل في بناء الصورة الشعرية هو أن تكون تعبيرا عن الحالة النفسية للشاعر أولا
وقبل كل شيء، ينبغي النظر إليها على أنها تمثل المكان النفسي لا المكان المقيس [95].
والملفت للانتباه هو أن معظم صورهم كانت تصب في قالب واحد هو الإحساس بالحزن،و
الضياع، و الاغتراب، والقلق أو الإحساس بالملاحقة والاضطهاد والكتب، وهي لكثرتها
في هذا الشعر تجعل الدارس يتساءل أحيانا عن مدى واقعيتها وصدقها [96].
ويعتبر شعر "أزراج عمر" الأكثر احتفالا بهذه الصورة حيث يقول من قصيدته
"وحرسني الظل"
... سأدفن وجهي بداخل تلك الحقيبة
وأنتظر الصمت تومئ لي ساعداه
فأمشي إلى جزر الوهم، أجلس بين جناحي ملال
ونحلب جنية لا تحب
وأقرأ من دفتر الاغتراب
حكايا فؤادي البعيد
لساعي البريد
ليرجعني خلسة للمدينة
فأسكن في سلة المهملات[97]
أما الصورة
الشعرية عند أحلام مستغانمي فهي لا تخرج عن إطار البحث المستمر عن الحب، والدفء،
والحنان، أو هي تعبير عن هذه المشاعر التي تستبد بالشاعرة الطموح التي تشعر أبدا
بأن المجتمع يضطهد المرأة ولا يفسح لها المجال الذي يفسحه للرجل...[98]
وهي في عمومها متأثرة بالأجواء التي تعرفها دواوين نزار قباني ... ومفتونة كل
الإفتان بأجواء قصص ألف ليلة وليلة، أجواء المغامرات، والفرسان، والأمراء،
والأميرات، والقراصنة، والمركب، إنها تمثل المرأة المتلهفة للحب، وهي تنتظر الفارس
الذي سيأتي لخطفها... [99]
وهذا مقطع من قصيدة لها، يوضح ما قلناه:
أحلم بالمدائن البعيدة
بالدار، بالأحطاب، بالأطفال
يا مرأة تسهر في انتضار
فارسها الوحيد
... كقطة طيبة أجلس قرب النار
أسمع ما تقصه الجدة للصغار
عن فارس أوقع في غرامه الأميرة
وجاءها في ليلة
واختفت الأميرة ...[100]
إن الإحساس
بالضياع فرض على "أحلام" صورا معينة، أكثرها شيوعا في شعرها «صورة
السفينة التي تترامى بها الأمواج في بحر الحياة المتلاطم، هذا الشعور جعلها توظف
كثير الأمواج، والبحر، والعواصف، والشراع الممزق، والمركب الضائع...» [101]
تقول في واحدة
من قصائدها:
... مازلت يا رفيقتي
أصارع المياه
منهوكة سفينتي
لكنها بقوة الاله
ستقطع البحار وتهزم المؤامرة [102]
هذا عن الصورة
النفسية التي تبناها كل شعراء هذه الفترة باعتبار أن الشعر هو تعبير عن الحالة
النفسية للشاعر في قالب فني ممتع.
3-2-3-7-
الصورة والرمز:يعد الرمز من
أبرز الظواهر الفنية التي اعتمدها شعراء السبعينيات. وهذا راجع إلى قناعتهم بأن
لغة الشعر يجب أن تبتعد عن الوضوح، وذلك بالإيغال في الرمز الذي يجعل الصورة أكثر
عمقا. ونجد الرمز عندهم قد تعدد فهناك اللغوي وهو الأكثر شيوعا عندهم ومن خصوصياته
أنه بسيط يشبه المجاز اللغوي بمعنى أنه مرتبط بكلمة واحدة. ومن أمثلته الرموز
المستمدة من المعجم الذي يدور حول الأرض والزراعة وما يتصل بها من مثل هذه
الألفاظ: الحبة، الغلة، الفأس، الواحة، النخل، المطر، الطين، الذرة، قطرة الماء،
الغيمة، البذرة، المزرعة، الزيتون، التين، السنبلة، الكرمة، الطلع، الشيح...[103]
ولعل أبرز شاعر مثل هذا الإتجاه "حمري بحري" الولوع بحب الأرض فمن خلال
عناوين قصائده:"السنبلة الحامل، ورق الزيتون صار أحمر، نداء من عمق بذرة،
هاهو يأتي مطرا، لماذا العصافير تنقر كفي، المرأة النهر"[104].
نكتشف ذلك الإرتباط الوثيق بالأرض أمه الحنون، وهذا المقطع من إحدى قصائده التي
يعبر فيها عن ذلك الشعور:
أحبك
كوني غصونا على شفتي وجفوني
وكوني سنابل قمح
تباشير صبح
فأنت التي لا تخونين
جرحتك في الصدر مليون مرة
فكنت العطاء ...[105]
وهناك رموزا
أخرى يتطلع فيها أصحابها إلى الحرية والانطلاق، وتعبر عن الرفض، والغضب، والتمرد،
وهي دلالة نفسية تستطيع تلمسها من خلال أمثلة هذه
الرموز: الصغار، الأطفال، السنابل، العصافير، الورد، الفجر، النور، الدفء،
البيادر، المطر، الشهداء، المخاض، الميلاد، الشرفة، ....[106]
فهذه الرموز في معظمها توحي بالنفور من المدينة وتفضيل الريف عليها وتبرز هذه
الظاهرة في ديوان "الحب في درجة الصفر" لـ "عبد العالي رزاقي"
والذي أخذنا منه هذا المقطع:
... حينما كنت أجوب الشارع التائه في لجة
زيف
... أمزق زيف المدينة، أجتاح قيدي
وحتفي... [107]
كما يظهر في
أشعارهم نوع آخر من الرموز وهو استخدام رمز المرأة معادلا موضوعيا للوطن حيث يصبح
هذا الأخير كالأم التي تعتني بصغيرها ونجد هذا النوع من الرمز بكثرة في ديوان
"ما ذنب المسمار يا خشبة" لحمري بحري [108]
. وهذا مقطع من قصيدة "حبيبتي تتعرى" المأخوذة من ذلك الديوان
والذي يقول فيه صاحبه:
من مخاض الرفض
من عشق الحجارة
يكبر النهر
يضيق الخصر
غصنا وإشارة
فأراها تتعرى
أتعرى ...[109]
ومن أنماط
الرمز الأخرى نجد استخدام الأعلام شخوصا وأمكنة، ويكثر هذا النوع عند الشعراء
الذين يحملون أفكار تقدمية مثل عبد العالي رزاقي واحمد حمدي فهما شديدا الإعجاب
بشخصية الشاعر الإسباني لوركا والشاعر الأمريكي بابلو نيرودا والشاعر التركي ناظم
حكمت[110] وهنا سبق لنا وأن أعطينا مثالا على ذلك كما
أنهم لم يهملوا في أشعارهم الطغاة من الحكام المعاصرين فراحوا يرمزون لهم بشخصيات
عرفت في التاريخ بالجور والطغيان من أمثال
الحجاج و معاوية وقد وردت كلمة (التتار)في هذا الشعر كثيرا يرمزون بها للاستعمار
والتوحش والهمجية ...[111]
وفي هذا السياق نورد مثالا شعريا على ذلك وغن كان يخلو من أسماء تلك الأعلام التي
ذكرناها، فها هو "عبد العالي رزاقي في قصيدته "رسالة من الأردن"
صارخا فيها في وجوه حكام الأردن حيث يقول:
يا للغباء ...
تودني عبدا أقدم للضيوف تحيتي،
في اليوم ألف تحية
وصحافك الذهبية الألوان أمسحها صباح مساء
يا سيدي
شفتاي ما خلفت لترديد التحية
أو لتقبيل الأيادي الذاوية
و يداي
ما خلقت لمسح الأحذية ...[112]
كما رمز
للإنسان الذي يبدد قواه ب (دون كيشوت) وإلى الإنسان المنحل ب (دوان جوان،وابي
نواس) يقول عبد العالي رزاقي:
كل المقاهي والشوارع والحوانيت التي يغتال
فيها
الأغنياء بيادر الفقراء
باتت "لدون جوان"
"ودون كيشوت" يغني...[113]
وهناك قصائد
كلها عبارة عن رموز ويظهر ذلك في العديد من قصائد "أحلام مستغانمي"
فنجدها في "بكائية على قبر امرئ القيس" تقول:
... أين بنوأسد؟
أتيتكم أسأل عن أحد
لكن فرعون هنا
لا يمنح الحياة للرجال.
يا ضيعة الرجال
يا ضيعة الرجال، يا رجال.
قم أيها الأمير
فعندما تحركت عواطف الجيران
والقيصر البطل
قد هزه التذكار والحنين
أقسم أن يهدي لنا
أحدث ما قد حيك من حلل... [114]
إن هذه القصيدة
تمثيل للواقع العربي – الصراع العربي عربي –
3-2-3-8- توظيف
الأسطورة التراث: ما يميز شعراء
هذه الفترة استخدامهم للأساطير الشعبية المستخرجة من ألف ليلة وليلة كقصة
"سندباد البحري" هذه الشخصية التي تعتبر بالنسبة لهم رمزا للثورة
المتجددة وإلى الشخصية التي تكافح من أجل إسعاد أبناء وطنها. يقول "عبد
العالي رزاقي"
... أنا المستحيل الذي يعشق الموت في
مقلتيك
أحاول أن أشعر الآن بالانتماء إليك
فأخجل حين أراك
على صدر أيوب نائمة
بينما السندباد يجر إلى المقصلة ... [115]
وإلى جانب
الاسطورة العربية نجد مثيلتها اليونانية حاضرة وبقوة، فهم يجسدون مأساة إنسان
القرن العشرين الذي يعاني من القهر والاستلاب مثل "سيزيف" كلما صعد إلى
أعلى تدحرج مع صخرته إلى أسفل، فهو يبحث عن طريقه، عن غده عن المخرج الذي يعطيه
الحق في الحياة وتنفس الحرية"[116]
...آلاف الأوهام تعشش في ذاكرتي
حكمت آلهة الزيف
أن أحمل صخرة "سيزيف"
أن أقبل طوعا أو كرها
تأشيرة نفي! [117]
وأحيانا نجد
الأسطورة مزيجا بين العربي والغربية مثل قول "رزاقي"
... كل المقاهي والشوارع، والحوانيت التي
يغتال فيها الأغنياء
بيادر الفقراء
باتت "لدون جوان"
"أوديب" ضاجع امه
وانا وأنت نبيعها عذراء
يا وهجي عيون الآن تسرقنا
وعنترة يموت ويولد ...[118]
هناك ميزة أخرى
نلاحظها عند هؤلاء الشعراء وهي استخدامهم للشكل القصصي أو الروح القصصية المستوحاة
من القرآن الكريم. وأبرز شاعر مثل هذا الاتجاه "عبد القادر رزاقي" يقول
في قصيدته "صورتان تبحثان عن إطار"
لم تدرس في الميناء غير سفينة
يا نوح هذا المركب الخشبي لم يحمل سوى اثنين
عاشقة ومعشوق [119]
كما يلاحظ
عندهم توظيف التراث أو القصص القرآني في شكل صور إشارية وهذا ما نلاحظه في قول
"أحمد حمدي":
... يخرج يونس السجين من بطن الحوت
فجأة ينتحر السكوت[120]
إن شعر هؤلاء
الشباب يزخر بتوظيف كم هائل من الأساطير والقصص القرآني وما هذه النماذج إلا عينات
انتقيناه قصد الاستشهاد فقط. ويبقى مجال البحث فيها واسعا .
[1] - محمد ناصر:
الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية دار الغرب الإسلامي (ط1) بيروت،
لبنان 1985 ص149.
[2] - عبد الله الركيبي: الأوراس في الشعر العربي ودراسات
أخرى، ش و ن ت، (د ط) الجزائر 1983 ص68.
[3] - أبو القاسم سعد الله، الزمن الأخضر، م و ك (د ط)، الجزائر 1985 ص144.
[4] - المصدر السابق ص141.
[5] - الصالح خرفي، الشعر الجزائري الحديث، م و ك (د ط)
الجزائر 1984(ص354-355) .
[6] - أحمد يوسف: يتم النص والجينيالوجيا الضائعة،
منشورات الإختلاف، ط1 الجزائر 2002 ص64.
[7] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه
الفنية ص152.
[8] - عبد الله الركيبي، الأوراس في الشعر العربي ودراسات
أخرى ص68.
[9] - المصدر السابق ص131.
[10] - أحمد يوسف: يتم النص والجينيالوجيا الضائعة ص61.
[11] - محمد ناصر ، الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته
وخصائصه الفنية ص218.
[12] - عمر بوقرودة: الغربة والحنين في الشعر الجزائري
الحديث (1945-1962) ، منشورات جامعة باتنة
، (د ط) الجزائر (1997) ص295.
[13] - المصدر السابق، ص(141-142).
[14] - محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية ص221.
[15] - المصدر السابق ص351.
[16] - محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه
الفنية ص221.
[17] - المصدر السابق ص179.
[18] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه
الفنية ص227.
[19] - محمد الصالح باوية: أغنيات نضالية، ش و ن ت الجزائر
1971 ص61 نقلا عن المرجع السابق ص227.
[20] - عبد الله الركيبي، الأوراس في الشعر العربي ودراسات
أخرى ص(76-77).
[21] -محمد بلقاسم خمار: ظلال واصداء، ش و ن ت الجزائر
1970 ص(63-64) نقلا عن المرجع السابق ص77.
[22] - عمر أزراج ، الحضور. مقالات في الأدب والحياة ش و ك
(د ط) الجزائر 1983 ص 20.
[23] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديثـ،، اتجاهاته
وخصائصه الفنية ص247.
[24] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه
الفنية ص249.
[25] - المصدر السابق ص279.
[26] - عبد الله الركيبي: الأوراس في الشعر العربي ودراسات
أخرى ص49.
[27] - عمر بوقرورة: الغربة والحنين في الشعر الجزائري
الحديث (1945-1962) ص223.
[28] - المرجع السابق. ص 223.
[29] - محمد بلقاسم خمار: ظلال وأصداء ص (96-97) نقلا عن
عبد الله الركيبي الأوراس في الشعر العربي ودراسات اخرى ص86.
[30] - عمر أزراج: الحضور، مقالات في الأدب والحياة ص20.
[31] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث وخصائصه الفنية
ص257.
[32] - عمر
بوقرورة: الغربة والحنين في الشعر الجزائري الحديث (1945-1962) ص250.
[33] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث. اتجاهاته،
وخصائصه الفنية ص228.
[34] - عمر بوقرورة: الغربة والحنين في الشعر الجزائري
الحديث (1945-1962) ص259.
[35] - المرجع السابق. ص262.
[36] - محمد أبو القاسم خمار:ظلال وأصداء، ش و ن ت، ط2،
الجزائر 1982، ص102. نقلا عن المرجع السابق ص262.
[37] - المرجع السابق ص 266.
[38] - المصدر السابق ص(123-124).
[39] - المصدر
السابق ص220.
[40] - عمر
بوقرورة: الغربة والحنين في الشعر الجزائري الحديث (1945-1960) ص269.
[41] - الصالح باوية: أغنيات نضالية، ش و ن ت ، الجزائر
1971 ص 192 نقلا عن المرجع السابق ص269.
[42] - عمر أزراج: الحضور، مقالات في الأدب والحياة ص
(20-21).
[43] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث. اتجاهاته
وخصائصه الفنية ص161.
[44] - المرجع نفسه. ص162.
[45] - المرجع نفسه ص164.
[46] - أحمد يوسف: يتم النص والجينيالوجيا الضائعة ص78.
[47] - المرجع نفسه.ض79.
[48] - نفسه ص79.
[49] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه
الفنية ص167.
[50] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث، اتجاهاته
وخصائصه الفنية ص168.
[51] - المرجع نفسه ص170.
[52] - المرجع نفسه ص173.
[53] - أحمد يوسف: يتم النص والجينالوجيا الضائعة ص74
[54] - المرجع نفسه ص75.
[55] - المرجع نفسه ص74.
[56] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث. اتجاهاته،
وخصائصه الفنية ص174.
[57] - محمد ناصر: الشعر الحديث. اتجاهاته وخصائصه الفنية
ص 175.
[58] - أحمد يوسف: يتم النص والجينيالوجيا الضائعة ص76.
[59] - المرجع نفسه ص23.
[60] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه
الفنية ص(180-181)
[61] - عبد العالي رزاقي: الحب في درجة الصفر ش و ن ت
الجزائر 1977 نقلا عن عبد الله الركيبي. الاوراس في الشعر العربي ودراسات أخرى ص
121.
[62] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه
الفنية ص 179.
[63] - المرجع نفسه ص232.
[64] - عبد الله الركيبي الأوراس في الشعر العربي ودراسات
أخرى ص 123.
[65] - عبد العاي رزاقي: الحب في درجة الصفر، ص33 نقلا عن
محمد ناصر، الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفني ص 233.
[66] - عبد الله
الركيبي: الأوراس في الشعر العربي ودراسات أخرى ص123.
[67] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث. اتجاهاته
وخصائصه الفنية ص235.
[68] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه
الفنية ص269.
[69] - المرجع نفسه ص361.
[70] - عمر أزراج: وحرسني الظل ش و ن ت الجزائر1976 ص43
نقلا عن المرجع السابق ص 361.
[71] - أحلام مستغانمي:على مرفأ الايام ش و ن ت 1972 ص58
نقلا عن المرجع السابق ص361.
[72] - أحمد حمدي: قائمة المغضوب عليهم، ش و ن ت الجزائر
1980 ص36 نقلا عن المرجع السابق ص 363.
[73] - عبد العالي رزاقي: الحب في درجة الصفر، ش و ن ت
الجزائر 1977 ص 69 نقلا عن المرجع السابق ص 364.
[74] - عمر أزراج: وحرسني الظل، ص60، نقلا عن المرجع
السابق ص 365.
[75] - المرجع السابق ص 365.
[76] - المرجع السابق ص366.
[77] - عبد الله الركيبي: الأوراس في الشعر العربي ودراسات
أخرى ص (126-127).
[78] - عبد العالي
رزاقي: الحب في درجة الصفر نقلا عن المرجع السابق ص 127.
[79] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه
الفنية ص372-373.
[80] - أحمد حمدي: قائمة المغضوب عليهم. ص(8-13-14) نقلا
عن المرجع السابق ص 374.
[81] - سليمان جوادي: يوميات متسكع محظوظ ش و ن ت الجزائر
1981 ص12 نقلا عن المرجع السابق ص 375.
[82] - عمر أزراج:
الجميلة تقتل الوحش، ش و ن ت ص19 نقلا عن المرجع السابق ص (375-376).
[83] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث. اتجاهاته
وخصائصه الفنية ص376.
[84] - عمر أزراج: وحرسني الظل ص35 نقلا عن المرجع السابق
ص379.
[85] - محمد ناصر:
الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية ص(387-388).
[86] - سليمان
جوادي: يوميات متسكع محظوظ، ص19، نقلا عن المرجع السابق ص 389.
[87] - محمد ناصر الشعر الجزائري الحديث. اتجاهاته وخصائصه
الفنية ص393.
[88] - المرجع نفسه ص395.
[89] - عمر ازراج: وحرسني الظل ص86، نقلا عن المرجع السابق
ص (395-396).
[90] - أحمد حمدي: قائمة المغضوب عليهم ص (103-105) نقلا
عن المرجع السابق 397.
[91] - محمد ناصر:
الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية ص(400-401)
[92] - آمال ع 48 1979 ص71 نقلا عن المرجع السابق ص
(401-402)
[93] - أزراج عمر: وحرسني الظل ص 09 نقلا عن المرجع السابق
ص403.
[94] - سليمان جوادي: يوميات متسكع محظوظ ص9. نقلا عن
المرجع السابق ص (404- 405).
[95] - المرجع السابق ص541
[96] - المرجع السابق ص534.
[97] - عمر أزراج: وحرسني الظل ص32 نقلا عن المرجع السابق
ص 535..
[98] - المرجع السابق ص (337-338)
[99] - المرجع السابق ص (338-339)
[100] - أحلام
مستغانمي: على مرفأ الأيام ص(89-90) نقلا عن المرجع السابق ص339.
[101] - المرجع السابق ص540.
[102] - أحلام مستغانمي: على مرفأ الأيام ص51 نقلا عن
المرجع السابق ص540.
[103] - المرجع نفسه ص(551-552).
[104] - المرجع نفسه ص552.
[105] - بحري حمري:ما ذنب المسمار يا خشبة، ش و ن ت الجزائر
1982 ص(13-15) نقلا عن المرجع السابق ص 553.
[106] - المرجع السابق ص555.
[107] - عبد العالي رزاقي: الحب في درجة الصفر ص(33-51)
نقلا عن المرجع السابق ص 556.
[108] - المرجع السابق ص558.
[109] - حمري بحري: ما ذنب المسمار يا خشبة ص 59 نقلا عن
المرجع السابق ص 559.
[110] - ينظر: عبد الله الركيبي "الاوراس في الشعر
العربي ودراسات أخرى ص(121-122)
[111] - محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه
الفنية ص562.
[112] - عبد العالي رزاقي: الحب في درجة الصفر نقلا عن عبد
الله الركيبي الأوراس في الشعر العربي ودراسا أخرى ص (118-119)
[113] - عبد العالي رزاقي: الحب في درجة الصفر، نقلا عن
المرجع السابق ص117.
[114] - أحلام مستغانمي: على مرفأ الايام ص(73-75) نقلا عن
محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية ص567.
[115] - عبد العالي رزاقي: الحب في درجة الصفر ص14 نقلا عن
المرجع السابق ص580.
[116] - عبد الله الركيبي: الأوراس في الشعر العربي ودراسات
أخرى ص121.
[117] - عبد العالي رزاقي: الحب في درجة الصفر، نقلا عن
المرجع السابق ص 121.
[118] - عبد العالي
رزاقي: الحب في درجة الصفر ص77. نقلا عن محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث
اتجاهاته وخصائصه الفنية ص584.
[119] - عبد العالي زراقي: الحب في درجة الصفر نقلا عن عبد
الله الركيبي الأوراس في الشعر العربي ودراسا أخرى ص125.
[120] - أحمد حمدي: قائمة المغضوب عليهم ص8 نقلا عن محمد
ناصر الشعر الجزائري الحديث اتجاهاته وخصائصه الفنية ص588.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق