بنية الأسطورة في الشعر الجزائري المعاصر
أ. فريد تابتي، جامعة بجاية
رأى (هنريخ هايني) في كتابه (الآلهة في المنفى) أن الآلهة الوثنية قد تفرقت أيدي سبأ على يد المسيحية، وكانت لها نهايات لا تحسد عليها، ”فقد اضطر (أبولو) إلى العمل راعيا في النمسا، فيما عاش (جوبيتر) وحيدا مع نسره الهرم في مكان ما، من القطب الشمالي يتاجر بجلود الأرانب مع أهالي لبلند”(1). لم يتصور الإغريق أبدا أن يحل بآلهتهم هذا المصير المأساوي، فتهبط من عالمها النوراني، ولا يجد (أبولو) الذي تربع على عرش الموسيقى والشعر والتنبؤ والطب، سوى الرعي لكسب لقمة العيش. بطبيعة الحال، كلام كهذا يلخص عقيدتين اثنتين؛ إحداهما آمن بها الإغريق والرومان، فوزعوا بموجبها شؤون الكون على آلهة خلقوها، وجسدوها في تماثيل في منتهى البراعة، فكان لهم : أثينا، وأتلانتا، ومارس، وفينوس وأفروديت، والأخرى حديثة زمانيا، هي التي جعلت القديس (جستين كارتير) يعلن: "إن جميع الآلهة الوثنيين كانوا شياطين هووا مع إبليس، مما يدعو إلى احتقار الإغريق لكونهم لم يجدوا غير "الشياطين يعبدونها كآلهة""(2).
أما نحن فلسنا هنا لمحاكمة الإغريق أو الرومان على عقيدتهم. نحن لا نحتقر الإغريق لكونهم آمنوا بتعدد الآلهة، فعبدوها وقدسوها. فالإغريق منحوا العالم عقولا، ما زالت وستبقى شاهدة عليهم، وسيبقى الرومان واليونان مصدرا لفلسفة وأدب من أرقى ما قدمه العقل والذوق الإنسانيان. ولعل عودة الأدباء حديثا إلى العبّ من الأسطورة، يجسد إدراك هؤلاء لقيمتها الفنية والعقلية معا، ولتغطية ذلك الضعف المتمثل في "قلة العناية بالجانب الغقلي في العمل الأدبي"(3)، ولهذا جاءت دعوة إليوت الأدباء إلى الاستفادة من هذا التراث اليوناني والروماني، وحذا حذوه أدباء كثيرون، ولقد كان صدى هذه الدعوة عند الشعراء العرب المعاصرين قويا جدا لقد "وجد إليوت في الأسطورة التي تشكل برمزيتها الشفافة وقالبها الفني المتماسك، الإطار الأمثل لتجسيد الإحساسات والآراء الخاصة في قالب موضوعي"(4). كما أن توظيف الأسطورة في الشعر "يهدف أيضا على تقريب المسافة بين الشاعر وجمهوره عبر رموز مشتركة يتمثلها هذا الجمهور في تراثه حق التمثل، وتنحدر إليه من أحقاب سحيقة يلفها السحر والغموض، فتشكل لديه مرفأ روحيا موصولا بالأجداد"(5).
كتب القديس (أوغستين) في (اعترافات): "إنني أعرف جيدا ما هي، بشرط ألا يسألني أحد عنها، ولكن إذا ما سُئلت، وأردت الجواب، فسوف يعتريني التلكؤ"(6).
الأسطورة عند (أوغستين) معلومة الماهية، يعرفها معرفة جيدة، لكنها تفلت من يده إن أراد تعريفها، ولا يطمع المخاطب في أن يفوز منه بشيء بخصوصها. على المخاطب أن يتذوقها بنفسه، ليكتشفها ويعرفها. فما الذي يجعل تعريف الأسطورة في هذه الدرجة من الانغلاق، وهي التي فازت بمكانة عظيمة عند القدماء والمحدثين؟. لقد حاول الكثيرون تعريفها.
عرفها صاحب كتاب (نظرية الأدب) بأنها "بمعناها الأعم حكاية مجهولة المؤلف تتحدث عن الأصل والعلة والقدر، ويفسر بها المجتمع ظواهر الكون والإنسان تفسيرا لا يخلو من نزعة تربوية تعليمية"(7). تناول هذا التعريف الأسطورة من جوانب متعددة؛ المؤلف والموضوع والغاية، الأسطورة عادة ناطقة بضمير الشعب لأنه هو مؤلفها، تتشكل مع الزمن، ويساهم كلّ بقسط منها حتى تكتمل معالمها، وبالتالي فنحن لا نعرف للأساطير مؤلفين، بحيث نرد كل أسطورة إلى مؤلف بعينه. وتتحدث الأسطورة عن القضايا التي تمس الإنسان في هذا الوجود، محاولة تفسير الكون وظواهره، بما يساعد الإنسان على بلوغ الحقيقة، بغض النظر عن قدرتها على بلوغها بالفعل.
ويعلن (صمويل هووك) عن ارتكاز "التمييز المعتاد بين الأسطورة Myth والحكاية الأسطورية Legend والمأثرة الشعبية Saga والقصة الشعبية Folk-Story على معايير أدبية"(8)، لأن هذه التسميات بقدر ما تحمله من تقارب أو تباعد في المدلول، فإنها تطلق على مسميات متقاربة في جوانب، ومتباعدة في جوانب أخرى، "بينما يميز استخدام آخر معاصر بين الأسطورة والحقيقة التاريخية؛ فينطوي على القول بأن كل ما يتسم بطابع أسطوري غير جدير باليقين. المعيار المستخدم في هذه الدراسة ليس أدبيا، بل هو معيار وظيفي، الأسطورة نتاج المخيلة الإنسانية، تنبثق من موقف محدد لتؤسس شيئا ما"(9)، وهنا تظهر أهمية المعيار في تعريف الأسطورة وتمييزها، فيأتي المعيار الأدبي أولا، ثم – حديثا – المعيار الوظيفي ثانيا.
أما عالم الاجتماع الروماني (ميرسيا إلياد) فيحاول تعريف الأسطورة بكونها ""ليست وهما ولا كذبا"، وإنما هي"تجربة وجودية" كان يعانيها الإنسان البدائي، الإنسان الديني، الذي يعيش في المجتمعات التقليدية والشرقية، ولهذا فإن الأسطورة في منظوره ترمز إلى "واقع مقدس" يدرك الإنسان عالم الغيب من خلاله"(10)، وبذلك يعيدنا (إلياد) إلى زمن نشوء الأسطورة، فهي قد نشأت في المجتمعات التقليدية القديمة في مرحلة تكوّنها، ولذلك حفلت ببعض المواقف الساذجة السحرية الخيالية، التي ترتبط بمرحلة طفولة المجتمعات قبل بلوغها مرحلة النضج والبلوغ، شأنها شأن الملحمة، أبدعتها تلك المجتمعات، واستعملتها أداة لاستكشاف عالم الغيب، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الغيب موضوعا أساسيا لها، والآلهة وأنصاف الآلهة شخوصا تسير الأحداث رفق ما يحقق الغاية في رحلة البحث عن الحقيقة.
أما (بايي) صاحب (معجم المترادفات) "فيعرف الأسطورة بأنها قصة مركبة من عناصر إلهية خالصة، بدون أساس تاريخي، على الأقل فيما يخص الجوهريات فيها"(11). يربط (بايي) الأسطورة بالعناصر الإلهية من جهة، والتريخ من جهة أخرى، إن أساسها لا تاريخي / لا واقعي، فهي لا تستند إلى الواقع المعيش للشعوب التي أنتجتها، وبالتالي فهي لا تصلح تاريخا لتلك الشعوب. ولكن (بايي) لا يستمر في هذا الخط، أو بالأحرى، فهو لا يجزم القول في هذا الرأي، ليقرر فيما بعد أنها ترتبط بالتاريخ فيما سوى الجوهريات. قد يكون هذا ردا يبرئ الإغريق والرومان مما اتهمهم به القديس (جستين مارتير) في رأيه السابق، ولكن رأي (بايي) هذا يلقى ردا له من قبل أحد أكبر الباحثين في ميدان الأسطورة، هو (صمويل هووك) الذي قال: "لقد عاشت البشرية في الماضي طيلة أحقاب هائلة من الزمن دون إحساس بحاجة على التاريخ، لكن الأسطورة، وقبل ظهور أكبر أ\كال التسجيل التاريخي، كانت لها وظيفة حيوية في حياة الجماعة، وساعدت كجزء جوهري من الطقس في ضمان تلك الشروط التي اعتمدت عليها حياة الجماعة"(12) ، والرأي نفسه يعلنه نعيم اليافي حين أقرّ بأن "الأسطورة ترتبط بالواقع وما فوق الواقع، وتعبر عن رؤية صاحبها الحقيقية، وتتخلّق في رحم الخيال، ولها مضمونها ودلالتها وآثارها البارزة التي تخلفها في سلوك الإنسان وفي حياته"(13)، وبذلك لا تكتفي الأسطورة بأن تستمد وجودها من الواقع، بل تصبح صانعة له، وقل أن يبدأ إحساس البشرية بالحاجة الماسة إلى التاريخ، تكفّلت هي بوظيفته، فأدّتها.
وفي هذا المجال دائما، ينطلق (ليفي شتروس) في تعريفه للأسطورة فيقول: "بأنها ذات بنية مزدوجة تاريخية، ولا تاريخية معا"(14)، وبهذا يعيدها إلى الواقع من جهة، وإلى ما فوق الواقع من جهة أخرى.
أما الدكتور أحمد كمال زكي فيؤكد في كتابه (الأسطورة) على أن "الأساطير في الواقع علم قديم، بل أزعم... أنه أقدم مصدر لجميع المعارف الإنسانية، ومن هنا ترتبط كلمة (الأسطورة) دائما ببداية الناس، أو بداية البشر، قبل أن يمارسوا السحر كضرب من ضروب العلم أو المعرفة، وهي عملية تأمل من أجل إجابة على أسئلة مبعثها الاهتمام الروحي بموضوع ما"(15). يؤكد هذا القول كون الأسطورة وسيلة وهدفا في الوقت ذاته، فهي مصدر المعرفة الإنسانية الأول قبل ظهور مصادر المعرفة الأخرى جميعها، وهذا يربطنا بزمن يجسد – كما سبق القول – مرحلة الطفولة والصفاء والسذاجة والمعرفة البدائية في حياة الشعوب القديمة. وفيما قبل ظهور السحر والعلم والفلسفة، كانت الأنظار موجّهة إليها علّها تجيب على الأسئلة الحتمية التي أجهد الإنسان نفسه من أجلها، من حيث كونها تتعلق بشؤونه ووجوده ومصيره، ففسر بواسطتها هذه القضايا في حدود ما تسمح به قدرات عقله وخياله.
وفي مجال محاولة التعريف دائما، يأتي أحمد خليل ليقدم مفهومه الخاص لها. وبغض النظر عن سطحية التعريف المفرطة، فإنه قد لجأ إلى المقارنة فقال: "الأسطورة، تعريفا، هي حكاية عن كائنات تتجاوز تصورات العقل الموضوعي، وما يميزها عن الخرافة هو الاعتقاد فيها: فالأسطورة موضوع اعتقاد"(16)، ومن هنا يظهر الجانب الآخر في أهمية الأسطورة، وهو جانب الاعتقاد فيها. المجتمعات القديمة خلقتها، وجعلتها موضوع اعتقاد. لقد فسرت بها ما أرادت تفسيره، واستأنست بها طيلة حقب طويلة من الزمن، فأصبحت جزءا منها، احتوت ماضيها وفسرته، ورافقتها في حاضرها فأعطته مشروعية الاستمرار والتواصل.
ويحاول (بيار سميث) أن يقدم لها مفهوما، على غرار ما فعله سابقوه، فيقول بأنها "أولا وقبل كل شيء، ليست إلا نوعا خاصا من قصة نموذجها حددته تواريخ الآلهة في الميثولوجيا الإغريقية الموغلة في القدم. وعلى الرغم من أن كثيرا من الأساطير ليست تواريخ أديان، فهي على كل حال تواريخ أبطال، ولكنها تتميز بصفات الحكايات، أو الحكايات الشعبية المستوحاة من التاريخ، ثم هي تواريخ أجداد، ولكنها تتميز بخصائص القصص التاريخية، وتاريخ الحيوانات المتميز بالصبغة الخرافية"(17). وفي هذا التعريف يربط (بيار سميث) الأسطورة بالتاريخ، فصبح عنده تاريخا شاملا: للآلهة، والأبطال والأجداد. هي تواريخ للآلهة بما تحمله كلمة آلهة من مدلول عقائدي عند الشعوب القديمة التي قدست ظواهر الطبيعة فجعلت لها آلهة، وكنوع من الاعتراف بالعجز عن مواجهتها، وبذلك وصل صراعها مع الطبيعة إلى حد تأكد فيه ما للطبيعة من قوى ظاهرة وغيبية، فرضت على تلك الشعوب التسليم بالأمر الواقع، وحمل الراية البيضاء، ووقف المواجهة.
إن الأسطورة تواريخ أبطال أفرزهم واقع الصراع الأزلي بين الإنسان والطبيعة فحفلت الأسطورة بأسماء أبطال من البشر، أو أبطال أنصاف آلهة، واجهوا القدر مختارين، أو مرغمين، واستطاعوا أحيانا أن ينتصروا محاولين تأكيد حقيقة كون الإنسان سيدا للكون، وأنه هو الذي سوف يفرض إرادته في نهاية المطاف (عوليس)، وعجزوا في أحيان أخرى ليتأكد من عجزهم أن الإنسان في رحلة ذلك الصراع المعلن آيلٌ إلى الهزيمة والانكسار، وأنه لن يرتاح إلا إذا اعترف بالعجز، وبذلك يصل إلى درجة الحكمة (أوديب).
كما أن الأسطورة تواريخ أجداد، تسجل بأمانة المراحل الأولى من عمر البشرية، طابت لها الريح، فمضت تشق البحر إلى اللانهاية، مخلفة للأبناء والأحفاد مواعظ شتى، تُمكِّنهم من فهم الكون بغية التعايش معه في سلام، وبذلك يؤكد (بيار سميث) بدوره على وظيفة التاريخ التي اضطلعت بها الأسطورة، فيجعل التاريخ أحد الأوجه البارزة للأسطورة ذات الأوجه المتعددة، ليلتقي في هذا الجانب بـ(كلود ليفي شتروس) في رأيه السابق، وبذلك يمكن القول عن روايتها، أو استعمالها، إنها "تعبير رمزي عما يسمى باللاشعور الجماعي لدى الأمة"(18)، مثلما قال (يونغ).
ويتفق عبد المالك مرتاض ونعيم اليافي في الإقرار بصعوبة الاتفاق على تعريف واحد جامع للأسطورة برغم التعريفات المتعددة والمتنوعة التي قدمها الدارسون والباحثون المختصون، فمفهومها "لا يبرح بعيدا عن الدقة والوضوح... ولم تزد الأسئلة الكثيرة التي دُبِّجت حول السؤال المطروح الأمر إلا تعقيدا واختلافا، حيث لم يستطع أحد فرض رأيه على الآخرين"(19)، لأن هذا المصطلح "ذو مساحة واسعة كبيرة من المعاني يصعب معها تحديد دلالته تحديدا جامعا مانعا"(20).
أما المعنى المعجمي لكلمة أسطورة فقد قدمه ابن منظور في معجمه بقوله: "والأساطير: الأباطيل، والأساطير: أحاديث لا نظام لها... وسطّرها: ألّفها، وسطّر علينا: أتانا بالأساطير... إذا جاء بأحاديث تشبه الباطل"(21).
وتبقى الأسطورة في رأينا ذلك العالم الزاخر بالمعقول واللامعقول، الواقع واللاواقع، موضوعها البشر والآلهة والمخلوقات الخرافية، أرّخت لمبدعيها حتى وإن لم يقصدوا بها التاريخ، ويبقى الفكر الإغريقي والروماني معينا لا ينضب، يتفجر دائما وأبدا بما يحتاج إليه المفكر والشاعر والمسرحي...
ومهما استعصت الأسطورة على الفهم، تبقى أسطورة، يعرفها القارئ والسامع لأنها تحمل حقيقتها في ذاتها، وهذا ما جعل (ليفي شتروس) يُقر بأن "أصالة الأسطورة بالنسبة إلى كل الوقائع اللغوية الأخرى، تكمن في كونها تظل أسطورة على الرغم من أسوإ الترجمات لها، فيدركها كأسطورة كل قارئ في كل أنحاء العالم. إن جوهر الأسطورة لا يكمن في الأسلوب ولا في طريقة السرد ولا في التركيب النحوي، وإنما يكمن في الحكاية التي تحكيها"(22).وقد نشأت الأسطورة تعبيرا عن الحاجة الماسة للشعوب التي أنشأتها إلى التعبير عما يختلج في ضميرها الجماعي من مخاوف من المجهول القادم، وحب الانتصار على الواقع القائم، وهذه ظاهرة لم يسلم منها شعب من الشعوب في مرحلة نشوئه. وعندما لجأت الشعوب القديمة إلى السحر والشعوذة كأداة لفرض الوجود، كانت الأسطورة قد قدمت ما عليها، وحققت ما استطاعت تحقيقه، وحينما شغلت الفلسفة والعلم عقول الشعوب في مرحلة متأخرة من عمرها، كانت الأسطورة محافظة على بريقها، مستمرة في بحثها. فالشعوب القديمة قد بدأت حياتها إذن – وقد خلفت لنا هذا الكم الهائل من الأساطير – من الخيال الذي هو "مفتاح أبواب الخرافة، وأساس توليد الأساطير"(23). في هذه المرحلة كان التفكير الفطري هو سيد الموقف، وكانت الحياة في صفائها وسحرها الأصيلين لا تتطلب من الإنسان أكثر من قدرته، فتعامل معها بعفوية وسذاجة، وحينما التقى صفاؤها وعفويته في ظل خيال مبدع خلاق، كانت الأسطورة هي الإبن الشرعي الذي ورث عن كل منهما جوهره، ولهذا، فكل حديث عن نشأة الأسطورة يعود بنا حتما إلى "... التفكير الفطري الوحدوي الذي لا يرى مظاهر الوجود المختلفة إلا من خلال وحدة التصور والإدراك، مازجا بين العقل والوجدان، وبين الذات والموضوع مزجا قويا"(24). فالأسطورة إذن قد جاءت نتيجة لإدراك معين للكون والكائنات، ولتصور معين لما وراء الكون والكائنات، ولكن هذا الإدراك هو إدراك موحد ناطق عن الجماعة، وذلك التصور بدوره موحد أيضا يجسد خيال الجماعة. هذا التفكير الذي نشأت الأسطورة في رحابه لم يعرف حدودا فاصلة بين العقل والوجدان، أو بين الذات والموضوع، هذه الحدود قد عرفها تفكير من نوع آخر، في مرحلة تالية، منذ بدأ يقترب شيئا فشيئا من العلم والفلسفة، ولهذا، فعندما ابتعد الإنسان عن التفكير الفطري ابتعد عن الأسطورة تأليفا.
يبحث الدب من خلال تعامله مع القيم الإنسانية الخالدة، عن تحقيق الخلود، ولعل هذه الغاية هي المقياس الرئيسي لتمييز الأدب من اللاّأدب، "إن ما كان يمكن أن يكون رواية محضا (رواية فقط) ينقلب فجأة إلى أدب بإظهار المؤلف وقد تجاوز المألوف واتصل بما هو خالد خلال صورة أولية، أو موقف أسطوري مألوف"(25).
الأدب الخالد موضوعه الإنسان أو ما يرتبط بالإنسان، وحينما يقف القارئ منبهرا أمام نص من النصوص تتحرك له أعماقه، فينتفض الذوق والوجدان؛ يُقر جازما أن هذا هو الأدب. ولهذا جاءت دعوة المحدثين نظرية وتطبيقا إلى العودة إلى الأسطورة، لما لها من قدرة فائقة على إضفاء عنصر الخلود من جهة، وإعطاء أحد أهم عناصر (الأدبية) للنص الأدبي من جهة أخرى. الأسطورة من هذا الجانب عالم زاخر، لا يني يهب الكاتب / الشاعر والقارئ كليهما الدلالات تصريحا وتلميحا، ويضعهما أمام رؤية فنية مليئة بالإدهاش الذي مصدره كونٌ سحريٌّ متفرّد.
إن الأدباء الذين تبنوا المنهج الأسطوري، يستلهمون أعمالهم من الأسطورة، و"يجعلوننا بتماس حي مع منابع إنسانيتنا"(26). صحيح أن الأدب ابن اللحظة، جامح عن المنطق، لا تقيده حسابات المهندسين والبنائين وعلماء الفلك، وتلك ميزة تُحسب له، ولكنه في آنيته تلك رحلة محطتها الأولى هي بدايات الإنسان الأولى. لأنه يحقق التواصل الذي لا مفر منه، والاستمرارية التي تمنحه الحق في الحياة، وهذا ما يمكن للأسطورة دون غيرها – ربما – أن تمنحه إياه؛ "إن للأسطورة أعماقها، كما أن مضمونها ما بعد الصورة والأشكال، فهي تحمل آراء القدماء في نشأة الكون والطبيعة، ونظرتهم الأخلاقية والجمالية، وهي أيضا تحدد مدى الرؤية والمعرفة"(27).
الأسطورة مجهولة المؤلف، لا يُعرف لها مؤلف بذاته، ولسنا بحاجة إلى معرفته "إذا جاز لنا تصور وجود هذا المؤلف"(28)، إنها لسان حال الجماعة، حمّلتها بمقومات وجودها، ونظرتها المستقبلية، فأصبحت ملكا لبني الإنسان، يرون فيها أنفسهم. ومهما ارتقى الإنسان سلم الحضارة، فسوف يبقى في ذاته ذلك الميل / الحنين الأبدي إلى بدائيته؛ يعيش على هواه، ويحب ويكره بفطرته، ويفكر ويتأمل بقدر ما يرضي فضوله وتطلُّعَه، ولهذا فإن "الأسطورة إن مثَّلت شخصية قائلها أو على الأقل جانبا من شخصيته فإنها إلى جانب ذلك تعبير اللاشعور الجمعي الذي يعيش في نفسه"(29). إن هذا النوع من التعبير هو الذي أعطى لها هذه الأهمية في الأدب / الفن. فأوديب الذي صرع وحش طيبة وأصبح نموذجا للإنسان البطل، حكمت عليه الآلهة بمصير مأساوي، في أعلى مراتب المعاناة الإنسانية. لا يهم الأديبَ أوديبُ من حيث هو كائن بشري من لحم ودم، الذي يهمه فيه هو انه إنسان يجسد صراع الإنسان قاطبة. الذي يهمه هو أوديب الرمز الذي اكتسب هذا البعد الأسطوري الذي عُرف به. فالأديب – حاضرا – هو امتداد لأوديب، وأوديب – ماضيا – هو أحد أبناء المجتمع الإنساني - الأصل – القديم. إنه الخيط الرابط بين البداية والنهاية في هذا التاريخ البشري الطويل، وهذا كله ما منح الأسطورة هذه الأهمية "باعتبارها أحد المنابع اللاشعورية التي يمتاح منها الفنان، ففي أعلى مناطق اللاشعور تكمن صور يشترك فيها الجنس البشري، وهي في أصلها ترجع إلى أقدم عهود الإنسانية، يسميها يونج Jung النماذج العليا Arshétypes وهي نماذج وراثية من عهود الإنسانية الأولى"(30).
والأسطورة من جانب آخر هي صورة صريحة لتطور الفكر البشري عامة عبر العصور منذ النشأة الأولى، ولهذا فهي "لم تعد مجرد قصة تقليدية متواترة تتناول الأشخاص من ذوي الطبائع الخارقة، أو الأحداث الخيالية لدى شعب من الشعوب"(31)، وبالتالي "فهي نظام اتصال"(32) يربط بين حلقات التاريخ. وتظهر أهمية الأسطورة من جهة أخرى من خلال مقارنة يجريها نعيم اليافي بينها وبين القصيدة من حيث الانتشار، فيقول: "إن القصيدة تعيش بواسطة لغتها الخاصة، ووجودها يتوقف على لغتها التي لا يمكن ترجمتها، أما الأسطورة فعلى العكس تملك في جوهرها التجانس أو المشترك مما يجعلها قابلة للترجمة دون أي عائق"(33). تظل الأسطورة أسطورة مهما تداولتها الشعوب واللغات، لأن جوهرها الأسطوري قائم في ذاتها بشكل أعمق وأوسع وأشمل من اللغة. لم تفقد الأسطورة اليونانية والرومانية طبيعتها الأسطورية حينما انتقلت إلى العربية، يعرفها العربي - مكتوبة ومقروءة بلغته – أنها أسطورة. إنها تعتمد اللغة كباقي أشكال التعبير الأدبي الأخرى، ولكنها فوق اللغة. هذا جانب في غاية الأهمية يضيفه نعيم اليافي.
لقد "كان على الشعر أن ينصرف... إلى الحياة كما مثَّلها الإنسان القديم في أساطيره، تلك الأساطير التي لم تعد أوهاما يهرب إليها الإنسان فرارا من حقائق الواقع القاسية، بل هي – كما يحدثنا ريدشاردز – "الإدراك الرمزي لتلك الحقائق ومحاولة لخلق الانسجام فيما بينها وتقبُّلُها بالرضى""(34). إنها الإدراك لحقائق الواقع القاسية التي عاشها الإنسان قديما ولا يزال يعيشها. إنه يدركها من خلال الأسطورة، إنها – على رأي ريدشاردز دائما – لا تقضي على تلك الحقائق، إنها فقط تحقق الانسجام بينها، هذا الانسجام الذي فقدته في الواقع. حاول الإنسان القديم من خلالها أن يفسرها في حدود إمكاناته، فيربط بين الأسباب والنتائج مما يجعله يرى الكون يسير في خط منسجم، وما على الإنسان إلا أن يفهمه، ليقبله بالرضى. فالعبرة إذن، تكمن "فيما تؤديه الأسطورة والبطل الأسطوري من خدمات فنية في التعبير الأدبي الشعري عن أزمة الاستلاب اللامحدود لأحاسيس الإنسان وحريته وفرديته المهدورة بطغيان الآلية التي تسحقها سحقا"(35). وقد ادرك الجزائريون في وقت مبكر هذه الأهمية التي اكتسبتها الأسطورة فدعوا إلى تبنيها في أدبهم، بل وقد أضافوا إليها أهمية أخرى ربما لم يدركها غيرهم من المحدثين، وهذا ما جسده محمد الحاج الناصر في اعتبارها "من أبرز مظاهر النهضة العلمية المتحررة المطلقة من انحلال التزمت الديني والأرستقراطية الفكرية"(36).
بعد دراسة معمقة للتراث الأسطوري الذي أبدعه الشرق الأدنى القديم، يميز صمويل هنري هووك بين عدة أنماط للأسطورة، معتمدا في ذلك معيار الوظيفة. إن تقسيم الأسطورة باعتبار الوظيفة خطوة عملية تساعد على فهم طبيعة الأسطورة. الأساطير جميعها تشترك في الغاية العامة، تلك الغاية التي تمثل الهدف العام، ولكنها تختلف باعتبار الهدف الخاص. لكل منها غاية خاصة تسعى إلى تحقيقها أولا، وما تحقق ثانيا يبقى من الأمور التي ترتبط بها جوهريا من حيث هي أسطورة. سنحاول هنا التعرض لهذه الأنماط معتمدين على تقسيم هووك(37).
1 ـ أسطورة الطقس Ritual Myth:
نقصد بالطقس "نسقا معقدا من النشاطات... كانت... تُنفذ وتُمارس من قبل هيئات ضخمة من الكهنة في المعابد"(38)، ومن هنا تتّضح الطبيعة الدينية للطقس باعتبار الأشخاص (الكهنة) والمكان (المعبد)، مما يؤكد أن الشعائر الدينية كانت تُؤدى وفق نظام دقيق، يشرف على تطبيقه رجال الدين، بسبب ما كانوا يُحظون به من (قداسة)، ولم يكن هذا النظام "يتألف من الأفعال وحدها، لقد كانت الأفعال تترافق مع الكلمات المحكية، مع التراتيل، ومع التعاويذ التي كانت فعاليتها السحرية جزءا جوهريا من الطقس. بكلمات أخرى تَأَلَّف الطقس من الجزء الذي كان يُؤدى والذي أماه الإغريق Dromenon، والجزء المحكي الذي أسموه Muthos"(39). إن اجتماع الصوت / التعاويذ والحركة / الفعل يضفي جوا رسميا رهيبا على المكان الذي يكتسب بحكم كونه معبدا قداسة أخرى.
مفهوم الطقس إذن محدد سلفا بمدلول ديني، فكل ما يشكله ينطلق من الدين: الكاهن، المعبد، السحر، التعاويذ، التراتيل، الحركات / الرقص... وهذا النمط من الأسطورة يجسد جوا خاصاعاشه سكان مصر ووادي الرافدين، كما تؤكد نصوص "عُثر عليها في ملفات المعابد"(40)، ومن الممكن – كما يقول هووك – أن يكون هذا هو النمط الأقدم من الأسطورة.
2 ـ أسطورة الأصل / الأسطورة السببية التكوينية Aetiological:
هذا النمط يعتبره البعض هو الأقدم. حاول هذا النمط أن يبحث في أصل الأشياء؛ بداياتها ووجودها الأول، وبالتالي "تنحصر وظيفتها في إعطاء تفسير خيالي لأصلِ عادة ما أو اسم أو مادة"(41). لقد رأينا أن الوظيفة العامة للأسطورة هي محاولة تفسير ظواهر الطبيعة، ومعرفة عللها من أجل الانتصار عليها، ولهذا اهتم نمط منها بالبحث في الأصل؛ أصل عادة، أو اسم، أو مادة، منذ متى بدأت؟ أين عُرفت أول مرة؟... وهنا يذكر هووك أسطورة (إنليل) والمعول، التي "يُراد منها شرح ظهور معظم الأدوات الزراعية النافعة من خلال نشاط أحد الآلهة"(42)، ويضرب مثالا آخر "هو الأسطورة العبرية حول يعقوب وصراعه مع الكائن الخارق للطبيعة، وهذه القصة تقدم تفسيرا لتحريم تناول أحد الأطعمة الإسرائيلية القديمة"(43)، وهذا النمط حاول أن يبحث في أصل أشياء تمثل جزءا أساسيا من الحياة اليومية للفرد، عسى ذلك يُشبع رغبته في المعرفة الشاملة التي كان يبحث عنها، والتي أوكل مهمة تحقيقها إلى الأسطورة.
3 ـ أسطورة العبادة Cult Myth:
ارتبطت هذه الأسطورة بدين إسرائيل، وبالتالي، فقد ارتبطت بالأعياد الدينية الإسرائيلية "عيد الفصح اليهودي، وعيد الحصاد، وعيد الأسابيع، وأعياد القربان"، وكانت لهذه الأعياد طقوس خاصة تختلف من عيد إلى آخر، وكانت تُؤدى في هياكل متعددة كـ"بيت إيل" و"شيكيم" و"شيلوه". وهذا النمط يشبه في بعض جوانبه أسطورة الطقس، إلا أن الطقس الذي تتم فيه أسطورة العبادة قد لازمته "تلاوة جماعية من قبل الكهنة لوقائع معينة مركزية في تاريخ إسرائيل، وكانت إحدى التقاليد الضاربة الجذور في تاريخ إسرائيل تتمثل في إطلاق سراح الناس من الاستعباد المصري"(44)، هذا الطقس بالتحديد يُحتفل به في عيد الفصح، وهدفت هذه الأسطورة إلى تقديم مفهوم "تاريخ الخلاص" لإسرائيل.
4 ـ أسطورة الصيت Prestige Myth:
ارتبطت هذه الأسطورة "بولادة ومآثر بطل شعبي محاط بهالة من الغموض والإعجاز"(45)، هذا الغموض وهذا الإعجاز هما اللذان يفتحان مجال التصور الخيالي واسعا أمام واضعي الأسطورة، بما يُشبع فضولهم، ويُشبع تمسكهم بالبطل، وإضفاء صفة الخارق عليه وعلى أفعاله. كلمتا (الغموض والإعجاز) الواردتان في قول (هووك) السابق لهما مدلولاهما الخاصان. المنطلق في هذه الأسطورة بطبيعة الحال هو الواقع، ولكنها تحاول أن تستثمر الواقع المبهم الغامض بما يحقق لها الحرية المطلقة.
5 ـ أسطورة البعث Eschatological Myth:
حاولت هذه الأسطورة أن تصور النهاية المفجعة المأساوية للكون. إنها تحمل عنصر "النبوءة بالدلالة الإغريقية للكلمة"(46)؛ الكون آيل لا محالة إلى النهاية، وهذه النهاية بلا شك لن تكون سعيدة، ولهذا "يحتل مفهوم النهاية المفجعة لنظام الكون الحالي مكان الصدارة في كتابات الأنبياء وفي الأدب القيامي على وجه الخصوص"(47)، وإن هذه الأسطورة مرتبطة أساسا بالفكرين اليهودي والمسيحي، "رغم أنها قد تدين بشيء من وجودها لفكرة البعث في الزرادشتية"(48).
لا ينكر الداري الموضوعي أن نهضة الأدب العربي الحديث لم يكن لها أن تكون بهذا المستوى لولا فعل الاحتكاك مع الآداب العالمي القديمة والحديثة الانغلاق والتقوقع على الذات لا يحقق سوى الموت والاندثار، وقد كانت التجربة القاسية التي عرفها الأدب العربي في عصر الضعف درسا مهما استفاد منه الأديب العربي إلى أبعد الحدود، فراح يقرأ تراث الغير / الغرب بشوق ولهفة، وراح بادئ الأمر يترجم أهم النصوص الإنسانية التي تجاوزت حدودها الإقليمية لتفرض نفسها على العالم كقمم لا مناص للأديب العربي من الوقوف عندها بتمعن، وهكذا انتقل – ترجمة – الكثير منها؛ فدخل شكسبير وسوفوكليس وهوميروس وكورناي وراسين وغوركي وتولستوي وبلزاك وكافكا وإليوت وغوته وهوجو... إلى عقول الأدباء العرب، فغزوها، وبعد هذه المرحلة كما هو معروف تاريخيا جاءت مرحلة التقليد التي يبدو أنها لم تكن مجرد مرحلة انتقالية نحو الإبداع والابتكار، لأن ملامحها ما زالت قائمة حتى اليوم، وخاصة فيما يتعلق ببعض الأسماء كـإليوت.
لقد وصف بعض الدارسين – محقا أو مخطئا – الأدب العربي القديم منه خاصة بالقصور، ولهذا فإنه لم ينتج لنا أعمالا إنسانية ضخمة في مستوى الإلياذة أو الكوميديا الإلهية أو الشاهنامة... وهذا بعود إلى أسباب موضوعية بعضها يتعلق بالبيئة، وبعضها الآخر بالأديب نفسه. كانت البيئة الصحراوية الرملية الجافة والجرداء شحيحة بالخيال، فمنحت الأديب منه ما تحتاجه هي، بينما هذه الأعمال الضخمة تتطلب خيالا هو وليد بيئات أخرى أوسع أفقا وأرحب مجالا، ويبقى هذا مجرد رأي، قد يكون صائبا، وقد يكون مجانبا للصواب.
ولكن هذا الرأي بطبيعة الحال لم يهضمه العرب، لكونه يمثل علامة استفهام كبرى، ويضع وجودهم - كأدباء – وأدبهم موضع جدال، فرد (أحمد أمين) على هذا الادعاء بأن مقياس الخيال المبدع لا يمكن أن يكون هو الملحمة، أو الرواية، فقال: "أما ضعف الخيال فلعل منشأه أن الناظر في شعر العرب لا يرى فيه أثرا للشعر القصصي ولا التمثيلي، ولا يرى الملاحم الطويلة التي تشيد بذكر مفاخر الأمة كإلياذة هوميروس وشاهنامة الفردوسي، ثم هم في عصورهم الحديثة ليس لهم خيال خصب في تأليف الروايات ونحو ذلك"(49)، وهنا يمكننا أن نسأل مع أحمد أمين، هل أن آداب الأمم التي خلت مما يشبه الإلياذة أو الشاهنامة هي آداب قاصرة؟ ضعيفة الخيال؟ مع ما نعرفه من اختلافات جوهرية بينها: بيئية، وعقائدية، وثقافية...؟ الأمر ليس بهذه البساطة، والجواب الموضوعي بلا شك هو أن اهتمامات كل أمة / أدب هي اهتمامات خاصة، وأن الأذواق لا يمكنها أبدا أن تكون هي نفسها بين الأمم، وحتى في الأمة الواحدة بين يوم وآخر. على أن أحمد أمين يزيد من حدة الإشكال، ويحول السؤال إلى أصحابه "ونحن مع اعتقادنا بقصور العرب في هذا النوع من القول نرى أن هذا الضرب أحد مظاهر الخيال، لا مظهر الخيال كله، فالفخر والحماسة والوصف والتشبيه والمجاز، كل هذا ونحوه من مظاهر الخيال. والعرب قد أكثروا القول فيه كثرة استرعت الأنظار، وإن كان الابتكار فيه قليلا، كذلك ما مُلئ به الشعر العربي من الغزل وبكاء الأطلال والديار وذكرى الأيام والحوادث، وما وصف به شعوره ووجدانه، وصور به التباعد وهيامه، لا يمكن أن يصدر عن عواطف جامدة"(50)، وبالتالي فلماذا لا نعيد هذا التراث العربي الزاخر من الشعر الغنائي إلى خيال ابتكاري مبدع يُحسب للعرب؟ نظن بأن سؤالا كهذا لا يحتمل أكثر من إجابة واحدة هي أن لهم – فعلا – خيالا ابتكاريا، وكلام أحمد أمين السابق قد بين ذلك من خلال ذكره لما أبدعه العرب. بل وأكثر من هذا، فإن خليل أحمد خليل يؤكد أن للعرب فكرا أسطوريا منذ الجاهلية، مما يؤكد أهمية وخصوبة خيال العرب. فالعرب كغيرهم من الأمم لم يعيشوا بمعزل عن ظواهر الطبيعة؛ تأثروا بها وحاولوا أن يجدوا لها تفسيرا، وكانت فكرة الغيب والقدر من القضايا التي شغلت عقولهم، فقد "كانت لكفار قريش ومن سواهم شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط، يعظمونها ويأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما"(51). ألا يشبه هذا الفعل الطقس الذي حفلت به أسطورة الطقس وأسطورة العبادة اليونانيتان؟ التعظيم بما يمثله من تلاوة وحركات وذبائح في جو ديني مهيب؟ هذا الطقس كافٍ للتأكيد على أن الفرد العربي منذ الجاهلية امتلك فكرا أسطوريا قد لا يختلف عن الفكر الأسطوري اليوناني، ويؤكد (بدر شاكر السياب) بدوره على أن العرب قد عرفوا الرموز البابلية التي حفلت بها الأسطورة اليونانية والرومانية القديمة، "فالعزى هي عشتار، واللاّت هي اللاّتو، ومناة هي منات، وودّ هو تموز أو أدون (السيد)"( 52). ثم إن العرب قد عبدوا كثيرا من الآلهة التي ترتبط هي نفسها بهذا الفكر الأسطوري الذي نتحدث عنه، وكيفية ممارسة عبادتهم تلك كانت تتم وفق طقوس خاصة يحضرها كبار القوم وسدنة المعابد (بيوت الأصنام)، وتكثر فيها التراتيل والتعاويذ والذبائح، ويُروى أن "عمر بن لحي قد أخبر قومه أن "الرب" يشتو بالطائف عند اللاّت، ويصيف بالعزى، فعظموها وبنوا لها بيتا"(53)، والعزى كما يقال هي نخلات مجتمعة.
وهناك معتقدات أسطورية أخرى كثيرة ميزت الفكر العربي القديم، ولا تزال تميزه حتى عصرنا هذا، منها الاعتقاد بتعدد أرواح الحيوان، ولا يزال العربي حتى اليوم يعلن (بأن فلان كالهر له سبعة أرواح). وكان العربي يمنع النساء من مساس ملابس الرجال الصيادين ثم المحاربين خوفا من سوء الطالع. وما زال العربي يؤمن بأن أي شخص يخطو فوق قصبة الصياد يصيبها بالنحس(54)، هذه المعتقدات ذات الطابع الأسطوري ليست وليدة اللحظة الراهنة، إنها ممتدة بعمق في صميم الفكر العربي الذي يصل حتى الجاهلية.
إن أحاديث العرب عن (الغول) قديما خير دليل على ذلك. فقد ورد ذكرها عند شعراء عديدين، منهم الشاعر (تأبّط شرا) الذي عُرف بكثرة أشعاره في هذا المعنى. قال(55):
فأصبحتُ والغول لي جارة
فيا جارتا أنـت ما أهـولا
فطـالبتها بعـضها فعوت
بوجه تغـوّل فاسـتـغولا
فمن كان يسأل عن جارتي
فإنّ لها بالـلّوى مـنـزلا
وقال أيضا:
ألا مَن مبـلـغٌ فـتـيان فـهـم
بما لاقـيـتُ عـنـد رحى بطانِ
وأنّي قـد لقـيتُ الغـول تهـوي
بسهـبٍ كالصحيفة صحصحانِ(56)
فـقـلت لها: كـلانا نِضْوُ أيْنٍ(57)
أخو سـفـر فـخـلّي لي مكاني
فـشـدت شـدّة نحوي فـأهـوى
لها كـفي بـمـصـقـولٍ يماني
فأضـربـها بلا دهـشٍ فـخرت
صريـعا لليـديـن وللجـرانِ(58)
فقـالت: عد، فـقلت لها: رويـدا
مكانـك، إنـني ثـبـتُ الجـنانِ
فـلم أنـفـكَّ متـكـئا لـديـها
لأنـظـر مصـبـحا مـاذا أتاني
إذا عـيـنان فـي رأسٍ قـبـيحٍ
كـرأس الهـرّ مشقــوق اللسانِ
وساقـا مخـدجٍ وشَـواةُ كـلبٍ
وثـوب من عـباءِ أو شـنانِ(59)
ويربط (عبد المعيد خان) هذا الفكر بالخيال الواسع الذي يعود إلى الخيال التصوري، فالعربي "ممتاز في التخيل التصوري ومجيد له"(60)، و"هو يتصور الأشياء ولا يخترع القصص حولها، ويقيم الأوثان في هيئة يرسمها بألوان التصوير... فإذا أردنا أن نبحث عن أسطورة عربية فعلينا أن نراها في خيال تصوري"(61)، وبذلك يحسم (عبد المعيد خان) الموقف بتوسطه بين الرأيين؛ ف‘ذا كان العرب لم يؤلفوا أساطير فليس ذلك بسبب عجزهم ، إنما هم ملكوا الأسطورة كفكر، كتصور، كممارسة، فحسب.
لقد وظف الشاعر العربي الحديث الأسطورة بعدما عرف قيمتها الفنية التي يمكن أن تضفيها على نصوصه، وهذا يعود أولا – كما سبق القول – إلى تأثرهم المباشر بدعوة (إليوت) إلى الاستلهام منها. وفي مرحلة (مجلة شعر) كانت الأسطورة شيئا جديدا ميز المجلة، وكان ذلك ميلاد مرحلة جديدة في الشعر العربي الحديث. وكما كان ادعاء السبق والريادة على أشده بين (نازك الملائكة) و(بدر شاكر السياب) في موضوع أول قصيدة عربية حرة، فقد ادعى السبق والريادة في مجال توظيف الأسطورة (يوسف الخال) صاحب (مجلة شعر) في قصيدته (البئر المهجورة)( 62).
ومهما يكن من أمر، فإن الأسطورة قد دخلت الشعر العربي على أيدي شعراء الحداثة العربية، مع تفاوت التوظيف فيما بينهم.
لقد كانت تعقيدات الحياة العصرية أحد أهم العوامل التي أحالت الشاعر الحديث إلى الأسطورة قراءة وتوظيفا. الحياة العصرية أفرغت الإنسان من روحه، وتركته جسدا خاويا؛ يستهويه الدينار والدرهم، ولا تحركه القيم، ولهذا، "فلم يكن أمام الشاعر المعاصر إلا أن يعود إلى الأساطير والخرافات... التي ما تزال تحتفظ بحرارتها، لأنها ليست جزءا من هذا العالم. عاد إليها ليستعملها رموزا، وليبني منها عوالم يتحدى بها منطق الذهب والحديد..."(63).
عصر ميلاد الأسطورة سادت فيه الروحيات، وعصرنا عصر المادة، والعودة إلى الأسطورة في هذا العصر هي بحث عن الروح الغائبة. هي محاولة لإعادة بناء الإنسان بعدما شوهته الحضارة. هي المستحيل الممكن الذي يبحث عن وجوده بين مداخن المصانع، وفي ظلال ناطحات السحاب، وفي الرعب المخيم والمقيم من احتمال قيام حرب نووية تأتي على الأخضر واليابس. تزامن ميلاد الأسطورة بميلاد الأمم وطفولتها، والمطلوب منها الآن أن تعبر عن هذه الأمم وقد بلغت مرحلة الكهولة.
إن الأسطورة اليوم بمثابة حلم الصبا الذي يعيش به الكهل والشيخ، يعبّر عن الموقف الراهن بلسان الماضي الذي ما زال ينبض بالحياة، ومن هنا جاء ذكر الشعراء "لأسطورة "أوديب" الذي يضاجع أمه كمعادل لواقع الإنسان العربي الضائع، أو أسطورة "سيزيف" الذي أصبح معادلا للفلاح الجزائري المتمرد على أسياده المعمرين"(64). إن ضياع الفرد العربي اليوم أكبر من أن يوصف، و"أوديب" قادر على احتوائه لكونه يمثل ضياع الإنسانية كلها، الواقعة تحت سلطة القضاء والقدر، واستعمال الشاعر العربي الحديث لهذا الرمز الأسطوري ليس استعمالا اعتباطيا، إنه نتيجة وعي مسبق لطبيعة العلاقة الرابطة بين الطرفين، الفرد العربي و"أوديب"؛ الواقع الراهن والماضي السحيق. كما أن ""سيزيف" قد يتحول رمزا لكل إنسان ثائر على الظلم في أي بقعة من بقاع الأرض الفسيحة"(65)، لأن الظلم على كاهل المظلوم لا يعادله سوى صخرة "سيزيف"، و"سيزيف" قادر على تلخيص قصة الظلم الأزلية، وملحمة التحدي الأبدية. وقد فاز "تموز" بالحظ الأوفر من الاهتمام عند الشعراء العرب المحدثين، فكثُر مستعملوه، ومن هنا جاءت تسمية "الشعراء التموزيون" "للدلالة على أولئك الشعراء الذين يشتركون في استعمال الأسطورة التموزية، وفكرة التعبير عن البحث والتجدد التي تتضمنها لكي يتسنى لهم تخطي "الأرض الخراب" والجدب والجفاف، والعبث واستدرار أمطار الخصب والحياة والتَّيَمُّن بعودة الاخضرار وانتعاش الجذور وارتفاع شجرة الحضارة من جديد"(66).
وقد "عبدت الشعوب السامية التي سكنت بابل وسوريا أدونيس، وأخذ الإغريق عبادته عنهم في القرن السابع قبل الميلاد، والاسم الحقيقي لهذا الإله: تموز، ويرى (فريزر) أن كلمة تموز كلمة سومرية تعني "الإبن الحقيقي للمياه العميقة""(67)، ومن هنا أصبح تموز / أدونيس معادلا للخصب والنماء والاخضرار والحياة، وتصبح رحلة تموز الدائمة بين الموت والحياة معادلا لرحلة الجفاف والخصب، عندما يُبْعث، تُبْعَث معه الحياة.
والذي لا يمكن إغفاله في هذا المجال، هو أن الشاعر المعاصر لم تبلغ به درجة الإعجاب بالأسطورة القديمة حد التوظيف فقط، بمعنى أنه لم يكتفِ بتوظيف الأسطورة القديمة لتتوقف مهمته عند التكرار فحسب. لقد جرب خلق الأسطورة وابتكارها، ولكن الأسطورة التي تستمد مقوماتها من واقعه الحديث، مع الأخذ بعين الاعتبار عامل التطور في فكره وطموحه وعذابه ومجتمعه. ولهذا، فمع المد الثوري الحديث على الاستعمار استطاع "أن يجعل من شخصية (جميلة بوحيرد) شخصية أسطورية، ولست في حاجة لأنص على القصائد التي تحدثت عن (جميلة)، فنحن نعرف أن معظم شعرائنا المعاصرين قد انفعلوا بهذه الشخصية وكتبوا عنها، حتى لم تعد (جميلة) مجرد مناضلة وطنية عرفتها ثورة الجزائر، بل صارت رمزا للنضال الإنساني في سبيل التحرر"(68). قد تقترب (جميلة) من (سيزيف) في دلالتهما على الرفض والتحدي وحب التغيير، وقد يستطيع (سيزيف) وحده أن يحيل على هذه الدلالة كموقف حي يتجاوز مجرد الرمز، ولكن، تبقى (جميلة) عند الشاعر المعاصر ذات نكهة خاصة، لأنه هو مبتكرها، وهو خالقها كأسطورة. وهذا يؤكد ولوع هذا الشاعر بالتجريب، ومحاولته الدائمة لتجاوز ما هو قائم وقديم، وقد تدخل الشعر العربي أسطورة جديدة ولدت في الجزائر في منطقة المغيّر / وادي سوف موضوعها "أن عاشقين منعتهما الظروف الاجتماعية من الزواج، فخرجا ذات ليلة خفية من قرية المغيّر ثم وُجدا ميتين، ومعهما أغنية شعبية تخلد وفاءهما، ودُفنا هناك حيث وُجِدا، ونبتت فوقهما نخلتان، والنخلتان توجدان حتى اليوم"(69).
هنا لم تتدخل الآلهة، ولم يتدخل أنصاف الآلهة كما عودتنا الأسطورة اليونانية، وهذا راجع بالطبع إلى عقيدة التوحيد التي يؤمن بها الشعب الجزائري. ولكن الغيب، القوة المدبّرة الخفية، تبقى حاضرة وبقوة؛ حركت البطلين وقادتهما إلى مصيرهما المحتوم، لِتُنْبِتَ فوقهما نخلتين ما زالتا إلى اليوم شاهدتين عليهما وعلى هذه القوة. الأسطورة الحديثة إذن، أبطالها بشر، معظمهم ما زال على قيد الحياة (جميلة)، وتستمد أسطوريتها من البعد الذي ترمي إليه، وبه يستطيع هذا الشاعر "أن يرتفع بالواقعة الفردية المعاصرة إلى الواقعة الإنسانية العامة ذات الطابع الأسطوري"(70).
من الشعراء الجزائريين من يحمل موقفا خاصا من الأسطورة، باعتبارها تحمل فكرا خاصا، وتحيل إلى ثقافة ذات خصوصيات مغيرة لثقافته العربية وعقيدته الإسلامية، أو لن له في تراثه من الرموز ما هو أقدر من الأسطورة على احتواء الدلالة، ولهذا، فحين اهتدى (عز الدين ميهوبي) إلى الأوراس، سقط من ذاكرته كل ما عداه، وكفر به، فلم يغنِّ لسوى أوراس، ويبين موقفه هذا في مقدمة ديوانه "في البدء... كان أوراس" قائلا:
"لماذا الأوراس؟..
لماذا أنطلق من الأوراس؟..
لأنني أرفض رموز الزمن "الفرعوني والإغريقي" وأزمنة الألوان – الموبوءة – التي لا تنبعث منها رائحة التراب!
لأنني أرفض كل الطقوس التي يمارسها العالم.. ما عدا طقوس الوطن والشهداء.."(71)، وما دام التراث الإغريقي لا يمكنه ممارسة طقوس الوطن والشهداء، فهو مرفوض عند ميهوبي، إنه ينطلق من معادل للوطن ليعبِّر به عن الوطن، ولم يجد لذلك أفضل من الأوراس الذي أصبح في قاموسه الخاص هو الوطن والشهداء.
وغير بعيد من هذا الرأي رأْيُ عيسى لحيلح، غير أنه يوسع في المجال البديل للأسطورة، فلا يحصره في الوطن والشهداء فحسب، يقول: "... والذي يستعمل رمزا إغريقيا لتوضيح الصورة، فإن ذلك النص لا يعدو فمه، ليعود إليه ويخبط على وجهه، لأن رصيد أوديب وفينيس وعشتار فينفسية شعبنا لا شيء، وبالتالي تكون استجابة الجمهور سلبية تماما تجاه نص يعتمد هذه الرموز"(72)، وهنا بالتحديد يحاول لحيلح أن يقدم مبررا لرأيه، فجعله متعلقا بالمتلقي / القارئ، ولكن مهما يكن الأمر، فقد اتهم القارئ / الشعب باللا اطلاع، مما يجعل رأيه هذا مجرد فلتة لا تقبلها الموضوعية. "أما عندما يتخذ الشاعر الأنبياء والصحابة وأبطال تاريخنا الإسلامي ووجوه العلم والثقافة والكرم والتصوف فيه، ويتخذ أبطال تاريخنا الحديث وأبطال تاريخ ثورتنا المجيدة فإن نصه سيهز الجماهير هزا لأنه يخاطبهم برموز تمثل شيئا كبيرا في نفسيتهم وثقافتهم الشعبية"(73)، ولهذا نجد لحيلح قد ذكر الكثير من الرموز سالفة الذكر في شعره.
لقد حاول الشعراء: عاشور فني والأخضر فلوي وعثمان لوصيف بلوغ الدلالة الشعرية من خلال بعض الأساطير اليونانية، والأسطورة الأكثر شيوعا عندهم هي أسطورة أدونيس إله الجمال والخصب والانبعاث عند الفينيقيين، تموز عند البابليين، وهذه الأسطورة ذات منزلة عظيمة عند الشعراء العرب، رواد الحركة الشعرية التجديدية الحديثة، حتى أنهم نُسبوا إليها، فقيل: الشعراء التموزيون.
من خلال ما تذكره الأساطير القديمة فإنه يموت كل عام وينتقل إلى العالم السفلي المظلم، فتصبح الأرض قاب قوسين من الفناء، وتعود به حبيبته إلى الأرض لتبعث الأرض من جديد. إن استعمال الأسطورة التموزية يرمي "إلى فكرة التعبير عن البعث والتجدد"(74). يقول عثمان لوصيف:
"قلتُ: ماذا
لو قطفنا ياسمينة
وشردنا في الدياجي
حيث تنمو الومضة الأولى لميلاد النهار؟"(75).
التقابل هنا بين الموت والحياة، العدم والوجود، الانتهاء والابتداء.
الشرود والدياجي، الفعل الأول، يرتبط بالموت والعدم والانتهاء، ويأتي الفعل الثاني المقابل الذي يجسده: النمو، الومضة، الأولى، الميلاد، النهار. الفعل الأول يجبل بالثاني، والفعل الثاني ثمرة للفعل الأول.
تموز
الوجه المظلم الوجه المضيء
(موت / دجى) (حياة / نهار)
خط الزمن الحركة مستمرة
اليوم
الشكل السابق يبين أن اليوم و(تموز) يحتلان محور الدائرة، وصفا الدائرة يمثلان الوضعين المتقابلين المتضادين: الفعل والنتيجة. الدجى / النص، والموت / الأسطورة بما يرتبطان به من جفاف وعدم وانتهاء، والنهار / النص، والحياة / الأسطورة بما يرتبطان به من خصب ووجود وابتداء. الأسطورة حاضرة بكل رموزها ودلالاتها في هذا المقطع من نص لوصيف.
ويقول لوصيف في نص آخر:
"... حين السحاب يجف
حين الأرض يقشرها الصقيع
أشتقّها من مهجتي
كي يستفيق النبض في جسد الربيع"(76).
وتستمر الرحلة نفسها، الحياة تولد من العدم، ولولا الجفاف لما كان هناك خصب. والشاعر هو الخيط الرابط بين الموت: يجف، الصقيع / والحياة: يستفيق، النبض، الربيع، مثلما كان تموز هو الخيط الرابط بين الطرفين الضدين المتصارعين. يصبح الشاعر طرفا في الصراع حين يكاد الصراع ينتهي بانتصار النفيض السالب، فيتدخل، ومن روحه يمنح الحياة للطرف المنهزم؛ النقيض الموجب ليحصد النصر، هذا الفعل من الشاعر يسمح له "بتخطي "الأرض الخراب" والجدب والجفاف"(77).
فعل الشاعر هنا معادل للتضحية التي يتوقف وجود الإنسان عليها، وهذا هو الفعل الذي تبحث الأسطورة التموزية على تأكيده. الحياة رحلة لا تنتهي من التضحية. الحياة بدونها موت وموت، وبواسطتها موت وحياة، وتاريخ الإنسان مليء بالرموز التي تحتضن الموت لتهب الحياة، فحتى المسيح الذي تختلف ملامحه عن ملامح تموز، ليس سوى تموز بقناع آخر، "فالمسيح لا يموت من أجل الموت، ولكنه يموت – وهذا ضروري – كي يهب الحياة الحقة للآخرين"(78).
يقول لوصيف في نص آخر:
"نلتقي في الدموع
هل ترى نلتقي في الفرح؟
إن قلبي مستنزف
معتم بالأسى...
حين يأتي الربيع
زهرتي تنفتح"(79).
الربيع هنا هو نقطة التحول الإيجابي بين حالتين:
الحالة الأولى (سالبة) الحالة الثانية (موجبة)
ـ نلتقي في الدموع.
ـ قلبي مستنزف.
ـ معتم بالأسى. ـ زهرتي تنفتح
الدموع والاستنزاف والأسى هو البداية المأساة التي على أنقاضها يبني الربيع النهاية / الفرح، التي يجسدها تفتح الزهرة. الموت يقابله الميلاد. ومثلما يخلف الربيع بعد رحيله القحط والجفاف والاصفرار، فإنه حين يعود يبعث الاخضرار، ويفجر العيون، ويفتح الزهور، مثل "البحر الطي يبتلع الشمس ليلا ويعيدها مجددا للحياة صباحا"(80).
ربما يعود الدافع المباشر الطي أدى بالشعراء المعاصرين إلى الاتكاء على أسطورة تموز هو الواقع الطي طبع المجتمع العربي في القرن العشرين. الاستعمار الحديث قتل في نفوس العرب – في بداية الأمر- الثقة في النفس، وأفقدهم الأمل في الحياة، وكادت حياتهم تستمر سوداء قاحلة حتى النهاية، وفي هذا الوضع الاجتماعي / النفسي المتردي حاول الشعراء البحث عن الرمز المنقذ، فاهتدوا إلى "أن انبعاث تموز يتجدد مع حركة الفصول، فهو أقدر على تصوير التفاؤل القريب حين يكون الحديث متصلا بظلامات الشعوب وضرورة يقظتها"(81)، وقد تكون هذه التضحية ألصق بالشاعر الجزائري من غيره، لكونه سليل شعب قدم مليونا ونصف مليون من الشهداء، فصار بذلك أقدر الشعوب على معرفة ثمن الحرية، وقيمة الفداء، الشعب الجزائري والحرية توأمان لم يفترقا منذ صرخة الميلاد الأولى، والشاعر الجزائري المعاصر بموقفه هذا يصر على مواصلة مسيرة بدأها الأجداد. تضحيته اليوم ليست موتا في سبيل تحرير الوطن، لأن الوطن حر؛ إنها حياة وعمل من أجل الحفاظ على حريته، وتتجسد هذه التضحية في نصوص عديدة، بل إن بعض النصوص ليجعل من أصحابه في مصاف الشعراء الإنسانيين لأنهم أدركوا أن الحياة أخذ وعطاء، بل عطاء دون أخذ، لأنها لم تكن يوما، ولن تكون مطلقا أخذا فقط.
يقول عبد الكريم قذيفة:
"الغصافير التي حطت على قلبي مساء،
ترتجي قطرة ماء،
لم تجد غير البكاء، شربت حتى ارتوت من دمعه، ثم عادت للفضاء..."(82).
والموقف نفسه يصوره لوصيف بالدرجة نفسها، ولكن بعبارة اخرى تحمل الدلالة نفسها:
"ننتهي في الظل
لكن النبات
يجد الخصب
فينمو في الرفات.."(83).
ويعود عاشور فني إلى ميدوزا، الأسطورة اليونانية ذات الشَّعر من الحيّات والثعابين، والأسنان المحددة مثل أسنان الخنازير البرية هي وشقيقتاها. كانت ذات مظهر مميت، كل من وقع نظره عليها يتقلب إلى حجر.
ولئن مان تموز يستمد وجوده عند الشاعر الحديث من الواقع النفسي / الاجتماعي للشعوب العربية مؤكدا ضرورة يقظتها، فميدوزا تستمد وجودها عند فني من واقعه هو الشاعر العاشق، وواقع العاشق مثله، يقول:
"ماذا تراك تدبرين لتفتني العشاق؟
أنت فتنتني عن كل شيء...
كل شيء
ثم أنت تدبرين لتفتنيني عنك...
حين لمستني حوّلتني حجرا أمام الآخرين
وأنا متدفق بك..
ذاهب في كل صوب..
قادم من كل صوب..
غير أني كلما حاولت أن أدنو
توالدت الحصون من الحصون"(84).
حاول عاشور فني هنا أن يغير خارطة الأسطورة الأصل، ليمنح تضاريسها وجها جديدا. ميدوزا الكائن الملازم أبدا للحيّات والثعابين، والأسنان المحددة والمظهر المميت، بقيت هي ميدوزا، ولكنها تخلت عن وجهها المرعب الذي لازمها رغم أنها بقيت مرادفة للحجر.
ميدوزا الأصل كائن يبعث القشعريرة في النفوس، ترتبط معها النظرة بالانتقال من صخب الحياة إلى صمت الموت. ميدوزا النص ترتبط بالتحول، ولكن من الحركة إلى حركة أشد، وهي في ذلك لا مظهر مرعب لها. فعل التحويل هنا ليس حقدا على البشر، إنما هو فعل يرتبط بالتحول الذي لا حل سواه. الشاعر الضحية لم يدخله الصمت الأبدي المرعب، وإنما أصبح حجرا.. متدفقا في كل صوب، من كا صوب، قادرا على بلوغ المدى، عاجزا عن بلوغها، هي المخاطَبة.
القدرة على التحويل إلى حجر هي المخرج الوحيد الذي يُمَكّنها من الإفلات من قبضة الشاعر، وحتى الحجر هنا ليس حجرا صلدا خاليا من الروح، إنه حجر / ماء متدفق، إنه رمز الخصب والنماء. ميدوزا الأسطورة تسلب الحياة من الحي، وميدوزا الشاعر تمنح الحي القدرة على الإحياء.
فعل اللمس هنا فعل سحري، يرتبط بالقوة الخارقة التي تفوق قوة البشر، وقد يكون لفعل اللمس عند اليونان مدلول متميز، فحتى (مايدس) أحد ملوك (فريجيا) منحه (دايونيسوس) القدرة على تحويل ما يلمسه إلى ذهب، وحين انقلب طعامه وابنته ذهبا عندما لمسهما، راح يتضرع لإعفائه من تلك القدرة(85).
وميدوزا عند الشاعر ذات وجه جديد، لأن الشاعر هنا عندما انطلق من الأسطورة اليونانية فإنه قد حاول تكييفها مع الجو النفسي له، وللمخاطبة، ومع طبيعة العلاقة التي تربط بينهما، وانطلاقا من كل ما قيل، يمكن تحديد الملامح الشخصية والخصائص الوظيفية والدلالة الرمزية لميدوزا الأصل، وميدوزا الشاعر، على النحو التالي:
ميدوزا الأصل (اليونان) ميدوزا الشاعر
ـ مرعبة
ـ تُحوّل إلى حجر
ـ حجر صلد
دلالة الرمز الأسطوري
(موت) تناقض
تناقض
تناقض
تناقض ـ فتنة (جميلة)
ـ تحول إلى حجر
ـ حجر متدفق
دلالة الرمز الشعري
(حياة)
وعند الأخضر فلوس، يختلط الرمز بالأسطورة حين يتعلق الأمر بـ(حيزية):
"وجاءت..
مثل طير أخضر الريشات "حيزية".
بقامة نخلة فرعاء..
بعينيها يغرد جدول صاف
كأنوار سماوية..
وتحمل فيهما الوديان.. والبحرا
وضحكتها كأغنية.. تصوغ لحنها عطرا"(86).
حيزية بهذه الأوصاف امرأة لم يرها بشر، لأنها امرأة ليست كالنساء. هي امرأة تستوطن الخيال، ويهفو لها الحلم، وتعجز ريشات كل الرسامين عن تجسيد ملامحها. هي امرأة مكتملة الوجود في النص لأنها من إبداع شاعر.
قصة حيزية كما يقدمها الرواة هي إحدى القصص الإنسانية التي تُلحق بقصص أشهر المحبين في العالم: ليلى والمجنون، وروميو وجولييت... وغيرهم. القصة في حد ذاتها لا تحمل بين أحداثها ما يوحي بتجاوز المستوى العادي للحب، وحتى نهايتها المأساوية لا تختلف عن نهايات آلاف القصص الغرامية المأساوية في مدننا وأريافنا. القصة إلى هنا عادية إذن.
أخذت القصة منعرجها فوق العادي حينما دخلت عالم الشعر على يد الشاعر الشعبي ابن قيطون، حينها بدأت حيزية الإنسان تتجاوز مجالها العادي؛ مجال الإنسان، وتدخل مجالها فوق العادي؛ مجال الكائن الأسطوري الذي يستمد نصف وجوده من الإنسان، ومن هنا فقط يمكن تحديد الحيز الأسطوري لحيزية.
مجال التجاوز واسع في النص، مبثوث في أماكن عدة منه، يُمَكِّنُنا تجميعه من رسم الملامح الجديدة لحيزية كما أرادها الشاعر. يقول:
"حناجر تقذف الدفلى..
وتسكب في وريد الفجر أغنية..
سوى صوت..
يسائل كيف جاءت هذه الحسنا؟
لمن جاءت؟ ومن أينا؟"(87).
حيزية في النص مثار تساؤلات كثيرة تمثل الهاجس الأكبر لأبناء القبيلة الذين لم ينتبهوا إلا بعد أن أصبحت فردا من لحم ودم بينهم. ولهذا جاءت أدوات الاستفهام: كيف، ولمن، ومن أين، محاولة الإحاطة بالجانب المظلم من شخصية حيزية، ومؤكدة في الوقت ذاته نظرة الناس الخاصة لها؛ هي فرد منهم، يعيش بينهم، ولكنهم لم يروها امرأة ككل النساء. هذه الأسئلة وحدها، منذ أن طُرحت أكدت أن هذه المرأة دخلت مجالا لا يشاركها غيرها فيه، وهنا بدأ ميلاد الشخصية الأسطورية لحيزية.
ويستمر النص:
"فقال الشيخ: من كبدي
عجوز غمغمت حزنا: أتت من وهج جرح الكوكب النائي
وقال الكهل: من عزمي
صبي قال: جاءت من ربى اليتم
وذات ظفائر قالت:
أتت من دمعتي أمي"(88).
كثرت الأقوال وتنوعت، وكثر القائلون وتنوعوا، والجواب على الأسئلة المطروحة لم يتحدد. اشترك الناس من الجنسين ومن كل الأعمار في البحث عن الإجابة، ولم يتفق اثنان منهم. وتحمل الإجابات كلها، رغم اختلافها وتضاربها وجها واحدا مشتركا هو تلك النظرة التي تحاول نزع الطبيعة البشرية عن هذه المرأة اللغز.
الشيء لا يُعرف إلا بأصله، فإذا لم يُردّ إليه بقي في مجال المبهم الغامض، لا شك في أن حيزية امرأة، ولكنها فوق المألوف. وعندما عجز الناس كلهم (الشيخ، العجوز، الكهل، الصبي، ذات الظفائر) عن كشف اللغز، بفك الإبهام عن الأسئلة المؤرقة، احتلت بدورها مجال المبهم الغامض.
الأسئلة المطروحة حساسة جدا، مجالها الزمن الماضي، ولا يمكن كشف المستور من حقيقة حيزية إلا إذا تأكد الجواب. ومهما تكن حيزية حاضرة الآن، إنسانا كبقية الناس، بينهم، فإنها تبقى امرأة لغزا.
كيف؟ لمن؟ من أين؟
(ماض مجهول) (ماض مجهول) (ماض مجهول)
حيزية الآن:
حاضر مبهم وغامض
إن الجانب الغامض والمبهم في شخصية حيزية هو الذي يرفعها عن الواقع الإنساني العادي، ويمنحها البعد الأسطوري مما جعلها تغير ملامحها مع كل متحدث.
لا يمكننا القول إن حيزية عند فلوس أسطورة على شاكلة ما أبدعته المخيلة اليونانية والرومانية منذ قرون. ولا ندعي أن الشاعر الجزائري أبدع أسطورة خاصة به، لأن الأسطورة اليونانية نفسها ليست بنت مخيلة فردية تلدها بين عشية وضحاها، وإنما هي نتاج مخيلة جماعية تراكمت عناصرها مع الزمن، وتكونت ملامحها مع مرور الأيام. الشاعر الجزائري إذن، ومن هذا المنطلق،حاول أن يعيد استكشاف تراثه باللجوء إلى حيزية الإنسان، وحاول أن يخلق منها امرأة أخرى يجسد بها المرأة كما يراها، ويريدها، وبذلك يكون قد أضاف صورة أخرى جديدة لهذه المرأة إضافة إلى ما قاله الرواة والشعراء.
الهوامش:
1. ك. ك. راثفين: الأسطورة، ترجمة جعفر صادق الخليلي، منشورات عويدات، ط1، بيروت، باريس، 1981، ص: 106.
2. نفسه، ص: 107.
3. عبد الفتاح الديدي: الخيال الحركي في الأدب النقدي، دار المعرفة، ط1، القاهرة، 1965، ص: 49.
4. عثمان حشلاف: التراث والتجديد في شعر السياب، ص: 20.
5. نفسه، ص: 21.
6. راثفين: الأسطورة، ص: 9.
7. محمد فتوح أحمد: الرمز والرمزية، ص: 288.
8. صموئيل هنري هووك: منعطف المخيلة البشرية، بحث في الأساطير، ترجمة صبحي حديدي، دار الحوار للنشر والتوزيع، ط1، سورية، اللاذقية، 1983، ص: 9.
9. نفسه، الصفحة نفسها.
10. خليل أحمد خليل: مضمون الأسطورة في الفكر العربي، دار الطليعة، ط3، بيروت، 1986، ص: 11.
11. R. Bailly, Dictionnaire des synonymes, Larousse, Paris, 1974, Mythe. نقلا عن: عبد المالك مرتاض: الميثولوجيا عند العرب، دراسة لمجموعة من الأساطير والمعتقدات العربية القديمة، المؤسسة الوطنية للكتاب، الدار التونسية للنشر، الجزائر، 1989، ص: 14.
12. صمويل هووك: منعطف المخيلة البشرية، ص: 10، 11.
13. نعيم اليافي: تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث، ص: 306.
14. خليل أحمد خليل: مضمون الأسطورة في الفكر العربي، ص: 12.
15. أزراج عمر: الحضور، مقالات في الأدب والحياة، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1983، ص: 164.
16. خليل أحمد خليل: مضمون الأسطورة في الفكر العربي، ص: 8.
17. Encyclopedia Universalis, France, 1985, Mythe, T 12, p. 879. نقلا عن: عبد المالك مرتاض: الميثولوجيا عند العرب، ص: 13.
18. أزراج عمر: الحضور، ص: 161.
19. عبد المالك مرتاض: الميثولوجيا عند العرب، ص: 14.
20. نعيم اليافي: تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث، ص: 306.
21. عبد المالك مرتاض: الميثولوجيا عند العرب، ص: 14.
22. خليل أحمد خليل: مضمون الأسطورة في الفكر العربي، ص: 12.
23. محمد عبد المعيد خان: الأساطير والخرافات عند العرب، دار الحداثة، ط3، بيروت، لبنان، 1981، ص: 31.
24. عثمان حشلاف: التراث والتجديد في شعر السياب، ص: 20.
25. راثفين: الأسطورة، ص: 123.
26. نفسه، ص: 122.
27. أزراج عمر: الحضور، ص: 163.
28. قاسم المقداد: هندسة المعنى في السرد الأسطوري الملحمي، جلجامش، دار السؤال للطباعة والنشر، ط1، دمشق، 1984، ص: 79.
29. نعيم اليافي: تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث، ص: 318.
30. محمد فتوح أحمد: الرمز والرمزية، ص: 289.
31. أزراج عمر: الحضور، ص: 289.
32. قاسم المقداد: هندسة المعنى في السرد الأسطوري الملحمي، ص: 79.
33. نعيم اليافي: تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث، ص: 309.
34. ستانلي هايمن: النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، ج2، ص: 209، نقلا عن: محمد فتوح أحمد: الرمز والرمزية، ص: 289.
35. عثمان حشلاف: التراث والتجديد في شعر السياب، ص: 44.
36. البصائر، عدد 162، نقلا عن: محمد ناصر: الشعر الجزائري، اتجاهاته وخصائصه الفنية، ص: 575.
37. صمويل هووك: منعطف المخيلة البشرية، ص: 9، 13.
38. نفسه، ص: 10.
39. نفسه، ص: 10.
40. نفسه، ص: 10.
41. نفسه، ص: 11.
42. نفسه، ص: 11.
43. نفسه، ص: 11.
44. نفسه، ص: 11.
45. نفسه، ص: 12.
46. نعيم اليافي: تطور الصورة الفنية في الشعر العربي الحديث، ص: 308.
47. صمويل هووك: منعطف المخيلة البشرية، ص: 13.
48. نفسه، ص: 13.
49. محمد عبد المعيد خان: الأساطير والخرافات عند العرب، ص: 30، 31.
50. نفسه، ص: 31.
51. خليل أحمد خليل: مضمون الأسطورة في الفكر العربي، ص: 23.
52. إحسان عباس: بدر شاكر السياب، دراسة في حياته وشعره، دار الثقافة، ط1، بيروت، لبنان، 1983، ص: 304.
53. خليل أحمد خليل: مضمون الأسطورة في الفكر العربي، ص: 23.
54. نفسه، ص: 19، 20.
55. أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرّم بن منظور الإفريقي المصري: مختار الأغاني، منشورات المكتب الإسلامي، ج2، ط1، بيروت، 1383هـ، 1964م، ص: 245.
56. السهب: الفلاة، الصحصحان: ما استوى من الأرص وكان أجرد.
57. الأين: التعب والإعياء.
58. الجران: مقدم العنق.
59. المخدج: الناقص الخلق، والمولود قبل التمام. الشواة: قحف الرأس أو اليد، أو الرجل. الشنان: القرب الخلقة البالية.
60. محمد عبد المعيد خان: الأساطير والخرافات عند العرب، ص: 48.
61. نفسه، ص: 48، 49.
62. عبد الحميد جيدة: الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر، ص: 233.
63. محمد ناصر: الشعر الجزائري، اتجاهاته وخصائصه الفنية، ص: 575.
64. شلتاغ عبود شراد: حركة الشعر الحر في الجزائر، ص: 164.
65. محمد ناصر: الشعر الجزائري، اتجاهاته وخصائصه الفنية، ص: 582.
66. شربل داغر: الشعرية العربية الحديثة، ص: 144.
67. عبد الحميد جيدة: الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر، ص: 107.
68. عز الدين إسماعيل: الشعر العربي المعاصر، ص: 217، 218.
69. محمد ناصر: الشعر الجزائري، اتجاهاته وخصائصه الفنية، ص: 578.
70. عز الدين إسماعيل: الشعر العربي المعاصر، ص: 217.
71. عز الدين ميهوبي: في البدء.. كان أوراس، ص: 8.
72. جريدة المساء، الإثنين 23 / 01 / 1989.
73. جريدة المساء، الإثنين 23 / 01 / 1989.
74. شربل داغر: الشعرية العربية الحديثة، ص: 144.
75. عثمان لوصيف: شبق الياسمين، ص: 44.
76. نفسه، ص: 56.
77. شربل داغر: الشعرية العربية الحديثة، ص: 144.
78. عثمان حشلاف: التراث والتجديد في شعر السياب، ص: 47.
79. عثمان لوصيف: شبق الياسمين، ص: 97.
80. عبد الحميد جيدة: الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي المعاصر، ص: 107.
81. إحسان عباس: بدر شاكر السياب، دراسة في حياته وشعره، ص: 306.
82. عبد الكريم قذيفة: لو أنت تدري كم أحبك، ص: 10.
83. عثمان لوصيف: شبق الياسمين، ص: 61.
84. عاشور فني: زهرة الدنيا، ص: 117.
85. راثفين: الأسطورة، ص: 145.
86. الأخضر فلوس: أحبك ليس اعترافا أخيرا، ص: 50.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق