الأربعاء، 10 فبراير 2016

كتاب جدلية القيم في الشعر الجاهلي رؤية نقدية معاصرة : الفصل الخامس - بوجمعة بوبعيو


كتاب جدلية القيم في الشعر الجاهلي رؤية نقدية معاصرة  
الفصل الخامس


بوجمعة بوبعيو 

الفصل الخامس: ظاهرة الصعلكة " الغاية والوســـيلة…"

1- الاستقراء التأويلي لظاهرة الصعلكة

   لعله من الصعوبة بمكان أن نجزم بأن الشعر العربي الذي ينسب إلى الصعاليك قد أُلّف من قبل هؤلاء الشعراء الذين ينسب إليهم فعلاً، فمع أنَّنا لا ننكر أن هذه الظاهرة الشعرية قد انتشرت خلال العصر الجاهلي، وأن هذا الشعر نظم من لدن شعراء جاهليين، إلا أننا نرى أن بعض هذا الشعر ليس بالضرورة من هؤلاء الصعاليك الذين تحدثت عنهم كتب التاريخ الأدبي، والروايات المنقولة، وإنما نسب بعضه إليهم نسباً، لاسيما ذلك الشعر الذي يروج للقصص الخيالية التي تتأرجح بين المغامرات التي لا يتصورها العقل، والحجة في ذلك أننا نجد شعر الصعاليك مبعثراً في ثنايا كتب الرواة، فضلاً عن الاختلاف البين في نسبة هذا الشعر الذي وصلنا بوساطة الرواية الشفوية، وفي ذلك ما يجعلنا نتحفظ في مثل تلك الأشعار المنسوبة إلى الشنفرى وتأبط شراً وعروة بن الورد والسليك بن السلكة وغيرهم، بيد أننا سنعالج هذا الشعر في ضوء الصورة التي وصل بها إلينا قصد الوقوف عند خصائصه الفنية ومثله المتضاربة.‏

   لقد حفلت المصادر العربية التي عنيت بجمع التراث الشعري العربي الجاهلي بتدوين نتف من أشعار الصعاليك، حيث لم نحصل على جل هذا الشعر مطبوعاً في دواوين مستقلة، ولكننا نجده متناثراً في الأغاني للأصفهاني وفي الحماسة لأبي تمام، وفي كتب أخرى متفرقة، فضلاً عن بعضه المطبوع في دواوين مثل شعر تأبط شراً ، ومما يسترعي الانتباه أن شعر الصعاليك يمثل مستوى فنياً راقياً مما يجعلنا نميل إلى عدّه من عيون الشعر الجاهلي مبنى ومعنى، وبذلك يمكن أن نسجل التساؤل التالي: هل مثَّل الصعاليك نخبة مثقفة أعلنت ثورتها وتمردها على مختلف الأصعدة الاجتماعية والفكرية والسياسية، أم أن الأمر لا يتعدى مجموعة من قطاع الطرق ولصوص الفيافي؟‏

  ويبدو أن جزءاً من الحقيقة يتوفر في الشق الأول من التساؤل السابق، في حين يحتوي الشق الثاني من التساؤل نفسه على الجزء الآخر من هذه الحقيقية، ذلك أن المجتمع الجاهلي هو مجتمع قبلي يمثل مجموعة من القيم غير المستقرة، ومن ثم لا نتصور أن أهله قد بلغوا تلك المرحلة من النضج الفكري والاجتماعي، الذي يجعلهم يجتمعون ويضعون مشروعاً اجتماعياً وسياسياً بديلاً عما هو سائد، وفي الوقت نفسه ليس صحيحاً ما ينقل عن هؤلاء الصعاليك على أنهم مجرد قطاع طرق يتحينون الفرص لاقتسام الغنائم دون وازع من ضمّير.‏

  فحين نطلع على أشعار الشنفرى، وتأبط شراً، وعروة بن الورد، والسليك بن السلكة، وغيرهم، نجد ظاهرة شعرية لا تنم على أنَّ أصحابها مجرد صعاليك، ولكنهم يمثلون فئة اجتماعية مستنيرة راعتها المظالم الاجتماعية والتجاوزات القبلية، فأعلنت ثورتها وتمردها على بعض تلك القيم الجائرة، مثل استفحال ظاهرة الغنى والفقر، وما يترتب على ذلك من مظالم، في ضوء ما ظهر في المجتمع الجاهلي، من صراع طبقي وعرفي، ولو على مستوى ضيق نسبياً، ومن ثمة صور هؤلاء الشعراء تلك الأوضاع السائدة، برغم ما اكتنف هذا التصوير من مبالغة وتطرف، وما أضفوه من أخيلة مجنحة أحياناً.‏

   ونتفق مع من يذهب إلى أن ظاهرة الصعلكة ظلت غير واضحة المعالم بشكل مطلق، لأن ما وصل إلينا من أشعار هؤلاء الصعاليك ـ على الرغم من أنه قد يفي بالحاجة إلى تكوين فكرة عامة عن أهدافهم ومشاربهم وأخبارهم ـ إلا أن ذلك يفرض تساؤلاً آخر له علاقة بالتساؤل السابق، فهل اعتنى الرواة ـ مثلاً ـ بجمع جميع أشعار الصعاليك، أم أنهم اقتصروا على جمع شعر المشهورين منهم فحسب، ولا شك أنه تكمن وراء ذلك حقائق عدة، من ضمنها أن هناك جوانب فنية وموضوعية غابت بغياب تلك الأشعار، لأن الرواة إمَّا أنهم لم يطلعوا عليها أصلاً، أو لأنَّها لا تنسجم مع ميولهم وأهدافهم لسبب من الأسباب، ثم إن هؤلاء الشعراء مثلوا تمرداً وخروجاً عن المجتمع، ولم يقيموا كبير وزن لقبائلهم، ومن ثمة فإن هذه القبائل لفظتهم ولم تحفل بأشعارهم، ومن هنا ضعفت وسائل الاتصال بين الصعاليك وقبائلهم، مما جعل المنتوج الشعري يضيع في أعماق الصحراء.‏

  وإذا لاحظ القارئ أننا لم نقف عند مادة الصعلكة من حيث اللغة والاصطلاح، فذلك مرده إلى الدراسات المستفيضة التي تناولت هذا الجانب(1)، لاسيما أنها تتبعت تطور هذه اللفظة لغوياً، ومع ذلك لا ضير من أن نشير إلى أن الصعلكة تعني في معناها العام الفقر وما له من علاقة بالعوز والحرمان في ظل حياة قاسية يتعذر فيها سبيل الرزق، فضلاً عن الدلالة الاجتماعية التي لها علاقة بالوضع الاجتماعي الذي يحياه الفرد في ظل مجتمعه، ومن ثمة قد تفرض على هذا الفرد أن يسلك أسلوباً معيناً في حياته الخاصة كرد فعل لما لحقه من ضيم أو رغبة منه في تغيير وضع ما، أو بلوغ غاياته المادية والمعنوية.‏

  وأياً كان الأمر، فإن هذه الظاهرة تدل ـ بصورة جلية ـ على التناقضات التي تبلورت وتفشت في المجتمع القبلي الجاهلي الذي بلغ شأواً بعيداً في الفوارق الطبقية الفاحشة بين الغنى والفقر، وهكذا راح هؤلاء الشعراء الفرسان من الشبان بخاصة ممّن لهم تبتسم لم سبل الرزق يمثلون جانبين، فمنهم من مثّل الفروسية بأدق معانيها من حيث التحلي بالقيم الإنسانية النبيلة، ومن ثم حافظ على قيم الشهامة والمروءة وإغاثة الملهوف، ومساعدة الفقير والضعيف عامة، بغض النظر عن الوسيلة المتبعة في تطبيق ذلك، ومنهم من سلك سبيل النهب والسلب والتمسك بمبدأ القوة لنيل بغيته في ظل طبيعة جغرافية تحتم التشبث بذلك المبدأ.‏

   وعلى الرغم من اختلاف الدوافع إلى امتهان الصعلكة وتعددها، فإن أهم العوامل المساعدة على تفشّيها هو الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يحياه الإنسان الجاهلي بعامة في مجتمعه القبلي الذي لا يخلو من قيم جائرة، وتعسف لافت للنظر في بناء العلاقات الاجتماعية التي تميز تمييزاً واضحاً بين أبناء القبيلة الواحدة، فإما أن يرضى هذا الفرد بما يفرض عليه من ذلِّ وحرمان وجوع أحياناً، وإما أن يثور على ذلك الواقع الصعب، ويرفض تلك القيم، وبذلك فقد اختار هؤلاء الصعاليك الذين أبوا الاستسلام لقانون القبيلة العام سبيلهم الذي يمثّل خلايا ثورية، جعلتهم يتمركزون في قواعد ويرسمون خططاً لتحقيق رغباتهم وأهدافهم معتمدين على مبدأ القوة والسلب والنهب.(2)‏

   ولئن ارتبطت ظاهرة الصعلكة بالفقر المدقع، فقد ارتبطت أيضاً بقطاع الطرق الذين انتشروا ـ في العصر الجاهلي ـ في مختلف أرجاء الصحراء العربية، ينهبون ويسلبون كل ما يجدونه في سبيلهم، ومن هنا أصبحت لفظة الصعلوك تدل على الفتوة والشجاعة الخارقة التي تجعل هذا الفتى يعتمد أسلوب النهب في ضوء ما يمتلكه من قوة وسرعة في العدو حين يضطر للفرار أحياناً، فهو يعتمد الهروب أسلوباً في حياته عندما لا يجد مسوغاً للمواجهة، فهو من هذا القبيل لصٌّ له قواعد في اللصوصية، اعتمدها فأصبحت من صفاته دون غيره.‏

   فهل لنا ـ في ضوء ما سبق ـ أن نتقبَّل مفهوم الصعلكة والصعاليك على أنهم مجموعات من قطّاع الطرق انتشروا في أنحاء الجزيرة العربية، فراحوا يُغيِرُون ويغنمُون، ويأوون إلى الشعاب والأودية والكهوف والجبال، فيتحيّنون الفرصة فلا تفلت منهم شاردة ولا واردة، إلا أصابوها، وينقضُّون ـ في شجاعة وحماسة نادرتين ـ على ضحاياهم فينهبون ويسلبون ويقتلون، فيصيبون بذلك رغد العيش وطيبه إن غنموا، ويتعرضون للجوع والحرمان إن لم يجدوا ما يغيرون عليه(3)..‏

   إنَّ الصعلكة ظاهرة اجتماعية إنسانية لها أسبابها ومسبباتها، ولكن ما يلفت الانتباه حقاً، هو أن هؤلاء الشعراء الصعاليك الذين جمعوا بين السيف والقلم، جمعوا أيضاً بين التشرّد في القفار والفيافي، وعبّروا عن ذلك التشرد بطرق فنية وصور شعرية تنم عن قدرة فنية، ورؤية اجتماعية نقدية، قد لا نجد مثيلاً لها في شعر كثير من الشعراء الفرسان الذين عاصروا هؤلاء الصعاليك، ولعل ذلك ما يجعلنا نتروى في التعامل مع تلك الظاهرة الجديرة بالتمعن والروية.‏

  وقد ننظر إلى الصعاليك على أنهم خارجون عن قيم قبائلهم، إلا أن ما نراه هو أن القيم نسبية من حيث النظرة الخارجية إليها ـ كما سبقت الإشارة ـ ومن ثم فقد تختلف وجهات النظر حولها، فالإنسان العادي قد يتحول إلى صعلوك حيث يثور على تلك القيم، وذلك حين يتخذ موقفاً من قبيلته لسبب من الأسباب، فتطرده أو تهدر دمه نتيجة خروجه عن طاعتها، فيقابلها بالمثل، ويعلن خروجه الصريح عن قانونها، ويكفر بكل قيمها، مما يضطره لأن يحمل زاده ويهجر قومه تائهاً مشرداً في مناحي الحياة الغامضة، وقد يجد من هم في مثل حاله، فيتم التآلف بينه وبينهم ويؤلفون عصابة تحترف الصعلكة، وينهجون نهجاً جديداً لسد الحاجة أو للثأر من الأغنياء، كما سنفصل ذلك فيما بعد.‏

   ويمكن النظر إلى الصعلكة على أن الصعلوك هو إنسان ضاق ذرعاً بالحياة، وبالتقاليد القبلية التي دأبت دوماً على كبح جماحه، وحالت دون طموحاته، وبذلك جهدت الفروسية الفردية المتمثلة في هذا الفارس على أن تثور على الفروسية القبلية(4).‏

  فالفروسية الجماعية مثلت قيماً داخل المفهوم العام للقبيلة، وبما أنها هي في بعض جوانبها مظهر من مظاهر الفتوة والسيادة، فإن هذا الفارس الذي يحمل ـ هو الآخر ـ قيماً فردية يراها حقاً شرعياً لا دخل للقبيلة فيه، اصطدم بتلك الحواجز التي تحول دون تحقيق نزعاته وطموحاته، فثار ـ من هنا ـ على تلك القيم الجماعية التي تمثل إطاراً مغلقاً يمنعه من التنفس بحرية، ليُنشئ في ضوء هذا المبرر قيماً جديدة تناهضها القبيلة، وتعمل على إزالتها باعتبارها خروجاً عن المألوف، في حين يراها الفرد وسيلة لإثبات الذات، وإعلان وجوده المطلق للطرف الآخر.‏

  وفضلاً عما سبق، فإن هناك ظاهرة اجتماعية تفشت في المجتمع القبلي، كان لها الأثر الفاعل في نشوء الصعلكة وبلورتها، ونعني بها التمييز الطبقي الذي خضع لقوانين ذلك المجتمع، فقد علل الدارسون الذين عنوا بالصعاليك وشعرهم نشوء تلك الظاهرة بأنها تمثل احتجاجاً صارخاً على التمييز الطبقي، وسوء توزيع الثروات، كما عللوها ـ فضلاً عن ذلك ـ بكونها تسعى إلى مساعدة الفقراء المستضعفين، وتتوعد المترفين الذين كوّنوا ثرواتهم الطائلة، بطرق ملتوية، حتى إن بعض هؤلاء الدارسين يجعلونها أقرب إلى الاشتراكية الحديثة.(5)‏

   ((وكانت النتيجة الطبيعية لهذا كله أن فرّ هؤلاء الصعاليك من مجتمعهم النظامي ليقيموا لأنفسهم بأنفسهم مجتمعاً فوضوياً، شريعته القوة، ووسيلته الغزو والإغارة، وهدفه السلب والنهب، ووجدوا في الصحراء الفسيحة الواسعة التي لا تقيدها قيود، ولا تحدّ من حريتها حدود، ولا يستطيع قانون أن يخترق نظامها ليفرض سلطانه عليها، مجالاً لا حدود له يمارسون فيه نشاطهم الإرهابي، ويقيمون دولتهم الفوضوية، دولة الصعاليك، حيث يحيون حياة حرة متمردة، تسودها العدالة الاجتماعية وتتكافأ فيها فرص العيش أمام الجميع))(6)..‏

  ونخلص إلى أن الشعراء الصعاليك لا يمثلون ظاهرة اجتماعية شاذة في مجتمعهم القبلي، لأن القبيلة ـ في حد ذاتها ـ وفي صراعها مع الحياة قد تلجأ إلى ما يلجأ إليه هؤلاء الصعاليك أنفسهم، كأن يغزوا وينهبوا ويسلبوا لنفس الغايات والأهداف، وبنفس الوسائل التي يصبو إليها الصعاليك ويتذرعون بوسائل مماثلة، فالاختلاف قد ينحصر في أن عمل القبيلة هو عمل جماعي منظم، في حين أن عمل فرد أو مجموعة من الأفراد لا يعتمد نظاماً معيناً، وبذلك لا يبدو هناك تناقض في طريقة الصعلكة، فالقبيلة هي التي اختلقت في نفوس أبنائها من الصعاليك هذه الظاهرة، لأنها ـ في الواقع ـ مرتبطة ارتباطاً شديداً بالصراع من أجل البقاء، ولكن تنامي الإحساس بالعصبية القبلية يأخذ في التناقص لدى الصعاليك، وهذا ما يشير إليه أحد الدارسين قائلاً: (الظاهرة المهمة التي تلفت النظر في حياة الصعاليك العرب الاجتماعية هي فقد الإحساس بالعصبية القبلية التي كانت قوام المجتمع الجاهلي وتطورها في نفوسهم إلى (عصبية مذهبية) وهي ظاهرة من السهل تعليلها بعدما فهمنا الظروف الاجتماعية التي وُجد فيها هؤلاء الصعاليك، فأمَّا الخُلْعاء والشذاذ فقد تخلّت عنهم قبائلهم، وسحبت منهم الجنسية، القبلية، فكان من الطبيعي أن يفقدوا إيمانهم بكل معاني القبيلة، وأن يكفروا بتلك العصبية القبلية التي لم تعد لها قيمة في حياتهم))(7).‏

   وهكذا فبعد خروج الصعلوك عن أعراف القبيلة يتلاشى ذلك الإحساس بالانتماء القبلي الذي يمثل شرفاً عظيماً، لاسيما إذا كان هذا الإحساس نابعاً من قبيلة عريقة ولها مكانة الذروة بين القبائل الأخرى من حيث علوّ الهمة وشجاعة فرسانها وعظمة أيامها، فبعد تنكر القبيلة لفارسها وخلعه، يعلن هذا الفارس ـ هو الآخر ـ تنكره لها..(8)‏

   ويمثل الصعاليك على مستوى السلم الاجتماعي الجاهلي ثلاث طبقات اجتماعية:‏

أ ـ طبقة الصرحاء: وهم أبناء القبيلة ممن يتمتعون بنقاء الدم الذي لا تشوبه شائبة، أي أن هؤلاء هم الأبناء المنحدرون من أم حرة، وأب سيد، وفي مثل هذه الطبقة تكمن الطبقة القبلية الأصيلة.‏

ب ـ طبقة العبيد: وتتألف من عنصرين: العنصر العربي، ويمثلهم الأسرى الذين يقعون في قبضة قبيلة أخرى خلال الحروب التي تخوضها القبائل العربية فيما بينها، أما العنصر الثاني:فهم الذين كانوا يجلبون من البلدان المجاورة للجزيرة العربية.‏

ج ـ ثم تأتي طبقة الموالي، وتتألف هذه الطبقة من بعض العرب الأحرار الذين لجؤوا بتأثير ظرف من الظروف إلى قبيلة أخرى طالبين النجدة من ضيم لحقهم، أو ظلم أصابهم، وكانوا يسمّون الخلعاء، ثم العبيد الذين أعتقهم سادتهم ولكنهم ظلوا موالين لهؤلاء السادة(9).‏

وفي ضوء هذا المفهوم يمكن تقسيم الصعاليك إلى فئتين:‏

أما الفئة الأولى:‏

  فهي الفئة التي أحسّت بمظالم اجتماعية جائرة، فضلاً عن المظالم الاقتصادية القسرية، بحيث لم تكن هناك مساواة بين الأفراد والجماعات التي تشملها القبيلة من حيث الشروط الاجتماعية الكفيلة بتأمين حياة حرة كريمة، بالإضافة إلى عدم وجود مساواة اقتصادية تتكافأ فيها الفرص بحياة رغدة للجميع.‏

   ففي ضوء ذلك الواقع صبَّت تلك الفئة جام غضبها على الأثرياء، وجرّدت السيف للدفاع عن نفسها، والثأر ممن تسببوا في تشريدها وحرمانها، وتتألف هذه الفئة ـ عادة ـ من جماعات الخلعاء والشذاذ والأغربة الذين تنكرت لهم قبائلهم وتخلّت عنهم، فكونوا على أثر ذلك مجتمعاً فردياً فوضوياً، عوضاً عن مجتمعهم القبلي(10)..‏

  أما الفئة الثانية، فقد نشأت ـ هي الأخرى ـ بسبب التفاوت الطبقي اجتماعياً واقتصادياً، فراحت تغزو وتسلب، ولكن ليس بهدف الغزوّ في حد ذاته بل لتتخذ من ذلك وسيلة لتقديم ما تغنمه للفقراء والمعوزين وضعفاء الحال، وكأنها بهذا العمل تسعى لتصحيح الأوضاع، وإعادة توزيع الثروات على أسس اجتماعية عادلة(11)، وهناك العديد من الصعاليك الذين كانت نهايتهم على أيدي قبائله، كما أنَّ هناك الكثير ممن ثأروا لأنفسهم من أبناء قومهم.‏

   وإذا كان الخلع يتم على أثر جرم يرتكبه المخلوع ـ في الغالب ـ فقد يجد ذلك الرَّجل نفسه وجهاً لوجه أمام مصير مجهول، وحياة مفعمة بالمفاجآت والنكبات، مما يضطره لأن يلجأ إلى قبيلة تأويه وتحميه ممّن يلاحقونه، وهذا قريب مما يسمى ـ في عالمنا المعاصر ـ باللُّجوء السياسي، وقد يخضع هذا اللاجئ لشروط قد تكبله وتحدّ من حريته وتحركاته، في حين من تأبى نفسه الخضوع لقوانين القبيلة من جديد، يرتمي في أعماق الصحراء، ويجعل من سيفه وسيلته المثلى في الذود عن نفسه، ومواجهة الموت الذي يهدّد حياته في كل لحظة، وفي كل خطوة يقبل عليها، ومن ثم قد يجد من هم على شاكلته، فلا يتردد في الانضمام إليهم والاشتراك معهم في تكوين خلايا من الصعاليك.‏

____________

(1) يوسف خليف، الشعراء الصعاليك ، ص / 153.‏

(2) إبراهيم شحادة الخواجة، عروة بن الورد، حياته وشعره، ص 17.‏

(3) سيد إسماعيل شلبي، الأصول الفنية للشعر الجاهلي ، ص / 392.‏

(4) إبراهيم شحادة، عروة بن الورد، حياته وشعره، ص /18.‏

(5) نوري حمادي القيسي، الفروسية في الشعر الجاهلي ، ص / 312.‏

(6) يوسف خليف، الشعراء الصعاليك، ص /53.‏

(7) المرجع السابق، ص /115.‏

(8) سعيد اسماعيل شلبي، الأصول الفنية للشعر الجاهلي، ص / 393.‏

(9) يوسف خليف، الشعراء الصعاليك، ص103.‏

(10) إبراهيم شحادة الخوجة، عروة بن الورد ، حياته وشعره، ص / 14.‏

(11) المرجع السابق نفسه، ص / 14.‏

2- أبعاد الصعلكة في النص الشعري

   لنتَّفق ـ منذ البدء- أن النص الشعري الجاهلي الذي أنتجه الشعراء الصعاليك يمثل ـ في جلّه ـ نص الرفض "أو" نص التمرد على قيم القبيلة، ولكن هذا الرفض، أو ذلك التمرد لا ينطلقان من المنظور اللغوي، أي أن اللغة التي استعملت في الجاهلية كأداة لصياغة التشكيل الشعري لم تختلف من حيث وظيفتها وتراكيبها، فاللغة حافظت على وجدانيتها لدى الصعاليك وغير الصعاليك من شعراء الجاهلية، ولكن الذي اختلف هو ماهية الخطاب الجديد المتمثل في طبيعة الموضوع الذي مثّل ثورة على المفاهيم السَّائدة والذي يصل ـ أحياناً ـ إلى درجة اختراق القيم عندما يتعلق الأمر بالرغبة في تحقيق غاية منشودة.

  وبعبارة أخرى، فإن شعر الصعاليك مثَّل جديداً في زمانه، لا على مستوى البنية التركيبية للجملة الشعرية، ولكن على مستوى الخطاب الذي يحمل هذه الجملة ذاتها، فالتراكيب ظلت نفسها وهي المتمثلة فيما تعارف عليه الجاهليون، لكن الشاعر الصعلوك خلق لنفسه موقفاً ثورياً أخضع ـ من خلاله -اللغة الشعرية لتعبر عنه.

    وفي ضوء هذا النهج يمكن أن نتعامل مع هذا النص على أنه يمثل نزعة ثورية ـ هروبية ـ فهو يختلف عن النص الشعري الرومانسي ـ مثلاً ـ الذي يصور عالماً من المثل، أو عالماً خيالياً يختلف جذرياً عن العالم الواقعي الذي ضاق به الشعراء الرومانسيون ذرعاً فنشدوا عالم الغاب وبحثوا في ظل هذا العالم الضبابي عن البديل، فالثورة كانت في النص الرومانسي، وكذا النزعة الهروبية، ولكن هذه الثورة اقتصرت على خلق خصائص جمالية في البنيتين التركيبية والمعنوية لتمثل بذلك مذهباً أدبياً فكرياً قائماً بذاته، في ظل معطيات اجتماعية وحضارية معينة. لكن هذه النزعة لدى الصعاليك لم تبلغ ـ من الوجهة الفنية أو الفكرية- ما بلغته الرومانسية، وإن كانت تلتقي معها في كونها لا تخلو ـ هي الأخرى ـ من رغبة في التغيير، تغيير الواقع المادي والمعنوي للشاعر ـ في حد ذاته ـ وكذا تغيير الوضع القبلي السائد.

   فالشعراء الصعاليك ما تصعلكوا إذ تصعلكوا إلاَّ بعد يأسهم من تلك الحياة الرتيبة التي سنَّها مجتمعهم القبلي، فأعلنوا سخطهم على بعض تلك القيم الاجتماعية، إما لعدم انسجامهم معها، أو بعد إعلان القبيلة عن عزلهم وخلعهم، ومن ثمة كان إعلان المقاطعة.

   إذن، ـ يكاد النص الذي أنتجه الصعاليك عموماً ـ يتميز بظاهرة فنية عامة، وهي إعلان القطيعة والبحث عن البديل، كأن يقول عروة بن الورد مثلاً:

وسائلةٍ أينَ الرَّحيلُ وسائل 

ومن يسألِ الصعلوكَ أينَ مذاهبُه

مذاهبُهُ: أن الفِجَاجَ عريضةٌ 

إذا ضنَّ عنه بالفعالِ أقارِبُهُ([1])

  فالشاعر، هنا لم يعد يحتمل ذلك الناموس الطبيعي الرتيب الذي سنّته القبيلة، فمادام أن هذا الإنسان الفرد لا يستطيع أن يغير ماهو سائد وموروث، فعليه أن يعلن القطيعة، وإعلان البديل خارج إطار القبيلة، إنه هروب يمتزج بالرفض، رفض القيم التي لم تعد تنسجم وطموحات الفرد وحريته:

أقيموا بني أمي صدور مطيكم 

فإني إلى قوم سواكم لأميل

فقد حمت الحاجات والليل مقمر 

وشدت لطيات مطايا وأرحل

لعمري! مافي الأرض ضيق على امرئٍ 

سرى راغباً أو راهباً وهو يعقل([2])

  فقد يبدو مثل هذا الموقف عادياً، ولكن الشاعر أراد ـ في الواقع ـ تأكيد عمق إحساسه بالهوة التي أصبحت تفصل بينه وبين بني قومه، ومن ههنا فقد اختار قوماً ليسوا من بني جلدته ليوحي من وراء ذلك بمدى المعاناة النفسية التي جعلت الشاعر لا يفضل التشرد في أعماق الصحراء فحسب، بل إنه يصبو إلى البديل حتى في نوعية الكائن الحي الذي سيتعامل معه في المستقبل، وفي ذلك دلالة قوية على الرغبة في المقاطعة النهائية من جهة، ولما تتميز به هذه الكائنات من خصال قد لا تتوفر في بني جنسه من جهة أخرى، وفي ذلك يقول:

ولي دونكم أهلون سيد عملس 

وأرقط زهلول وعرفاء جيأل

هم الأهل لا مستودع السر ذائع 

لديهم ولا الجاني بما جرَّ يخذل([3])

   ولنا أن نتصور حقيقة المعاناة النفسية التي تعتري ذلك الصعلوك المخلوع حين يجد نفسه ـ على حين غفلة ـ منبوذاً مشرداً في الصحارى والفيافي، فالشاعر في مثل هذه الحال مهما بدا لنا سعيداً فهو يخفي داخله جرحاً لا يندمل وألماً مبرحاً.

  وحتى إن وجدنا بعض الشعراء قد انسجموا ـ بعد خلعهم ـ مع أقوام آخرين وعاشوا في كنفهم راضين منعمين، فإن هذا الانسجام لا يمكن أن يرقى إلى مستوى الإحساس بالعيش في كنف أهلهم وأصحابهم، لأن الإنسان يظل ـ دوماً ـ مرتبطاً بأحاسيس ومشاعر تشده إلى مسقط رأسه ومرتع صباه، وثرى أحلام طفولته وذكرياته العذبة الجميلة، ومن ثمة فإن قول الشاعر: ـ

وقد عرفت كلابهم ثيابي 

كأني منهم ونسيت أهلي([4])

    قد يحمل من العاطفة والصدق ما يقنعنا بمدى كرم الضيافة وطيب العيش وحسن المعشر التي حظيَ بها بين هؤلاء القوم الذين آووه، ولكن ذلك كله لن يرقى إلى قطع الصلة النفسية بينه وبين عشيرته وأهله.

   ونرجح أن أسباب الخلع ارتبطت ـ في مجملها ـ بالتفاوت الطبقي، وبحكم انتماء الشعراء الطبقي أيضاً، والشنفرى وتأبط شراً وعروة بن الورد، والسليك بن السلكة هم من ذوي البشرة السوداء، وقد صُنِّفوا ـ في عرف القبيلة الجاهلية - ضمن فئة العبيد، وفي ذلك أكثر من دلالة نفسية ومعنوية، فالإحساس بالذل وبالدونية ظل يلاحقهم أنَّى حلَّوا وارتحلوا، ومن ثمة فإن هذا الإحساس أجبرهم على أن يبذلوا قصارى جهدهم لتغيير تلك النظرة المجحفة في حقهم إمَّا بوساطة السلوك الاجتماعي المستقيم من علو الهمة وسمو الأخلاق وطيب الأعمال، وإما بتجريد السيوف إن اقتضت الضرورة ذلك، فهذا عروة بن الورد لا يتردد في تسمية الأشياء بأسمائها، فهو يعيش صراعاً داخلياً متأجِّجاً سرعان ما يعبر عنه تصريحاً لا تلميحاً، علّهُ يخفف من وطأته على نفسه، ويدحض بذلك ما لحقه من احتقار وازدراء جرّاء ذلك الانتماء الذي لا ذنب له فيه، ولا يمثل عيباً أو عاراً يجعل المرء يطأطئ الرأس على أثره:

وَمَا بي من عارٍ إخالُ علمتُهُ 

سوى أن أخوالي إذا نُسِبُوا نَهْدُ

إذا ما أردتُ المجدَ قصر مجدُهم 

فأعيا على أنْ لا يقارَبني المجدُ([5])

   وأياً كان الأمر فإن عروة يستميت في الدفاع عن انتمائه، ويتشبث بأصله برغم ما لحقه من ضيم وجور، ولعل انتماءه كان سبباً جوهرياً في اضطراره لاختيار عالم الصعلكة قصد إعادة التوازن النفسي من جهة، وليتبوأ مكانته الجديرة به بين أفراد قبيلة من جهة أخرى، فضلاً عن رغبته الملحة في إصلاح مايمكن إصلاحه: ـ

همُ عيّروني أن أمّي غريبة 

وهل في كريمٍ ماجدٍ ما يعيّرُ([6])

    إنه يعمل جاهداً على محو تلك الصورة القاتمة، صورة أمه الأَمَة التي جلبت له الاحتقار والازدراء في ضوء المفاهيم الاجتماعية القبلية السائدة، والتي تنزل طبقة العبيد منزلة دنيا، لكن الشاعر ههنا لا يتنكر لانتمائه، بل يذهب إلى إجلاء الصورة الحقيقية لأصله النقي، تلك الصورة التي تمثل ـ في كنهها ـ جوهراً إنسانياً سامياً، بصرف النظر عن لون بشرته وانحدار أمه من قبيلة نهد، فكل ذلك يتلاشى أمام فروسيته وشهامته ونبله وحسن أخلاقه: ـ

بُنيتُ على خلقِ الرجالِ بأعظمِ 

خفافٍِ تثنّى تحتهُنَّ المفاصلُ

وقلب جلا عنه الشكوك فإن تشأ 

يخبرك ظهر الغيب ما أنت فاعل([7])
  
     وقد ارتبطت ظاهرة الصعلكة في أهم جوانبها بالوضع الاقتصادي السَّيِّيء، الذي ساد المجتمع الجاهلي بعامة، وفئة الصعاليك بخاصة، حيث أدّى عامل الجوع والحرمان إلى جعل هؤلاء الفقراء لا يترددون في الإقبال على النهب والسلب حين يتعلق الأمر بما يسد الرمق، فالسليك بن السلكة، يعطينا صورة جلية عن سوء الوضع الاقتصادي المعيش، فرغم مافي هذه الصورة من مبالغة وغلو، إلا أن ذلك يؤكد ـ على أقل تقدير ـ استفحال تلك الظاهرة وانتشارها:

وما نلتُها حتَّى تَصَعْلَكْتُ حِقبةً 

وكدتُ لأسبابِ المنيّةِ أعرفُ

ولما رأيتُ الجوع بالصَّيفِ ضَرَّنِي 

إِذا قمتُ يغشاني ظِلالٌ فأَسْدِفُ([8])

    فهكذا يتراءى لنا كيف بذل الشاعر من أجل لقمة العيش ذلك الجهد الجهيد، حيث ظل يترقب ويرسم الخطط لنيل الغنيمة، والجوع يمزق أحشاءه ويضعف قواه إلى درجة تهديده بالموت، وما نالها إذ نالها إلا بعد أن زالت كل أسباب التردد لأنَّ المسألة أضحت صراعاً حقيقياً بين الموت أو البقاء….

      ويكثر الصعاليك من الوقوف عند ظاهرة الفقر والحرمان، وكأنهم بذلك يبّررون إِقدامهم على عمليات السطو والقرصنة، فهذا عروة يرسل صيحة مدوية لرفاقه يحثهم على اجتناب الخمول والاستكانة للراحة التي تقعدهم عن طلب أرزاقهم ويهيب بهم أن يكونوا متأهبين للنهب والسلب لضمان عيش كريم يقيهم شر الموت الذي يهدد حياتهم في كل لحظة، ما لم يتهيأوا والأخذ دورهم في الحياة، وهذا ما يجعلنا نؤكد نسبية القيمة لدى هذا الفارس، كأنه يخبرنا بالمقولة التي تذهب إلى أن "الغاية تبرر الوسيلة"، إذ لا ضير على هؤلاء الصعاليك إن غزوا ونهبوا أرزاق غيرهم:

أَقيموا بني أمِّي صدورَ ركابِكم 

فإن منايَا القوِم خيرٌ من الهزْلِ..([9])

      ويعد عروة بن الورد من الشعراء الصعاليك الرواد الذين أنتجوا شعراً مبنياً على دعامة فلسفية متينة، لا من حيث عمق الرؤية فيها، أو الأبعاد الفلسفية المعقدة، ولكن من حيث المبدأ القيمي الذي نهجه في حياته، فقد سنَّ هذا الشاعر قواعد الصعلكة، وجعل النهب والسلب والكر والفر أسلوباً متبعاً، وطريقة مثلى، ولكنه ركز- في كل ذلك ـ على الأثرياء من القوم، ليصل إلى توزيع الثروات توزيعاً عادلاً حتى إن هذا النهج ـ حسبما تحدثنا الروايات-، وما ينبئنا به من شعره أضحى يمثل قيمة من القيم المحبذة لدى الصعاليك، وربما لدى أولئك الفقراء المحرومين أيضاً، ولاشك أن هذه القيمة تنم ـ في جوهرها ـ على الفروسية الفردية، وعدم الاتكال أو القعود عن طلب الرزق، ولو اختلف الأسلوب الذي يتبعه الإنسان للحصول على هذا الرزق، إلا أن ذلك يعد سبيلاً سليماً في ضوء المفاهيم الاجتماعية السائدة وما يكتنفها من تقديس لمبدأ القوة:

خَاطِرْ بنفسكَ كي تصيبَ غنيمةً 

إن القُعُودَ مَعَ العِيالِ قَبيحُ

المالُ فيه مهابَةٌ وتَجِلَّةٌ 

والفقرُ فيهِ مَذَّلةٌ ونُضُوحُ

      ومهما تراءت لنا هذه الظاهرة على أنها ظاهرة فردية تمثل قيماً منعزلة فإنها تصور ـ في الواقع ـ وضعاً اجتماعياً خضع لهيمنة تلك الأساليب الشاذة في ابتزاز مال الغير وتجريده من ثرواته في ظل الإحساس الذي تملك غيره من بني جنسه وقومه، وهم الذين يعتقدون أن مجتمعاً لا يقيم وزناً لفقير، ولا يرحم ضعيفاً ولا يسعف محتاجاً أولى به أن يُغزا وينهب مال أفراده ليستفيد منه المعوز والمحتاج.

    ويصور الشنفرى ـ في مواقف مختلفة ـ شبح الجوع الذي استبدّ به وراح يهدده ليمثل بذلك صراعاً وجودياً مع الشاعر، فعبّر عن هذا الصراع من جوانب عدة، فقد صوره شبحاً مخيفاً نهايته الموت المحتوم، ثم صوره مظهراً اجتماعياً يجعل الفقير ذليلاً منبوذاً، ليصل الشاعر ـ في مقابل ذلك ـ إلى الاعتقاد بشرعية جمع المال بأية وسيلة مادام تحقيقه هو الغاية المنشودة، ومادام في امتلاك المال حفاظ على كرامة الإنسان وعدم ظهوره بمظهر الخانع الذليل، وقد عبر الشاعر عن مستوى معيشي بلغة يبيح له أي وسيلة للخروج بشرف من تلك الضائقة، ويتجلى ذلك في الصورة الشعرية الكلية التي نسجها على النحو التالي:

أديم مطال الجوع حتى أميته 

وأضرب عنه الذكر صفحاً فأذهل

وأستف ترب الأرض كي لا يرى له 

علي من الطول امرؤٌ متطول

ولولا اجتناب الذام لم يبق مشرب 

يعاش به إلا لدي ومأكل

ولكن نفساً حرةً لا تقيم بي 

على الضيم إلا ريثما أتحول

وأطوي على الخمص الحوايا كما 

انطوت خيوطهَ ماريّ تُغار وتفتل([10])

     وقد اجتهد الشعراء الصعاليك ـ وفي صدارتهم عروة ـ ليجعلوا من الصعلكة مهنة اقتضتها ظروف حياتهم، وذلك لإنقاذ العيال، فأما أن ينال الصعلوك حظه منها، وبذلك يحسن من مستواه المعيشي، وأما أن يلقى حتفه دون أن يحقق غايته المنشودة، لتصبح هذه الظاهرة بناء على هذا المعطى مبدأ حياتياً يهون الموت أمامه:

ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا 

من المال يطرح نفسه كل مطرح

ليبلغ عذراً أو يصيب رغابه 

ومبلغ نفس عذرها مثل منجح([11])

       ويبدو أن الصعاليك خبروا الحياة، وتمرسوا بتجاربها، ولاحظوا ذلك التفاوت الطبقي الذي تفشى في المجتمع الجاهلي من حيث نوعية الحياة المادية التي يحياها كل من الغني والفقير، ناهيك عن طبيعة المعاملة الاجتماعية التي يحظى بها كل صنف من هذين الصنفين، ومن هنا فإن القيم ـ في حد ذاتها ـ تختل اختلالاً جلياً بحيث تسموا قيم على حساب قيم أخرى في ضوء معايير الطبقة الاجتماعية أو المرتبة الاجتماعية التي يمثلها الإنسان بصفته ينتمي إلى سلم اجتماعي ما، ومن ثم فإن هؤلاء الشعراء ـ وفي مقدمتهم عروة بن الورد ـ راحوا يبتغون المال بشتى الوسائل، ليس حباً في المال لذاته، ولكن لأن المال يقوم بدور جوهري في تحديد القيم ـ وفي تصنيف الطبقات ـ الاجتماعية نفسها، فضلاً عن تمكين صاحبه من ضمان مستوى معيشي جيد، وكأن الشاعر في الأبيات التالية، ينقد تلك الظاهرة لأنها تحط من قيمة الفقير مهما عظمت أعماله وحسنت أفعاله، وتجعله ذليلاً لا شأن له بين طبقة الأغنياء والمترفين الذين يحتفظون بمنزلتهم مهما انحط سلوكهم وتعددت رذائلهم، لا لشيء إلا لأن المجتمع يغضّ النظر عن هفواتهم وسقطاتهم، ويرفع مكانتهم ويستر عوراتهم بحكم ما يكتنزون من أموال، ضمن هذا المنطلق ـ إذن ـ يلخص الشاعر موقفه، ويوضح الأسباب التي جعلته يرمي بكل ثقله قصد تحصيل المال الذي يمكنه من إقامة التوازن الحياتي الذي يقيه شر الوقوع في حياة العوز والحرمان، تلك الحياة التي تعني فيما تعنيه الموت البطيء.

دعِيني للغنَى أسعَى فإنِّي 

رأيتُ الناسَ شرُّهم الفقيرُ

وأبعدُهم، وأهونُهم عليهم 

وإن أمسى لـه كرمٌ وخيرُ

ويقصِيهِ الدَّنيُّ وتزْدَرِيهِ 

حليلتُهُ ، وينهرُهُ الصغيرُ

ويلفى ذُو الغنى ولـهُ جَلالٌ 

يكادُ فؤادُ صاحِبهِ يطيرُ

قليلٌ ذنبُهُ والذنبُ جَمٌّ 

ولكن للغِنَى ربٌّ غفُورُ([12])

     والواقع أن الأمر لا يقتصر على المظاهر الاجتماعية، ونوعية العلاقة التي تحكم الأشخاص فيما بينهم داخل المجتمع، ولكنه يمثل صراعاً وجودياً فعلياً، لذا فإن الشاعر يضرب على نفسه عهداً ألا يرضى بحياة الفقر والذل له ولعياله، فأما أن يحيا حياة حرة كريمة، وأما أن يموت دون ذلك ، وتلك صفة من صفات الفروسية التي هي في مستوى عروة بن الورد:

إذا المرء لم يبعث سواماً ولم يرح 

عليه، ولم تعطف عليه أقاربه

فللموت خير للفتى من حياته 

فقيراً ومن مولى تدّب عقاربه

فلا أترك الأخوان ما عشت للردى 

كما أنه لا يترك الماء شاربه([13])

     ولا ريب أن الأمر في شعر الصعاليك لم يقتصر على تصوير آثار الجوع وما يترتب عليها من ردود أفعال طبيعية مثل النهب والسلب، ولكن شعر الصعاليك ـ فضلاً عن ذلك ـ مثَّل ظاهرة متميزة حقاً، فالمسألة لم تعد مقتصرة على فئة من قطاع الطرق، ولكنها تعدتها إلى ماهو أبعد من ذلك وأعمق، حيث استطاعت تلك الفئة من الشعراء المتمردين أن يجمعوا بين الخطاب الثوري ـ رغم فوضويته ـ وبين الفروسية، وأن يكون هذا الصعلوك أو ذاك ثائراً على قومه، غاضباً منهم أو قاطع طريق فأمر يبدو جدّ طبيعي أما أن يجمع بين السيف والقلم، ويدعو إلى نشر العدالة الاجتماعية بين البشر في مجتمع بدائي قبلي، مازال خاضعاً لعصبية قبلية ضيقة، فذلك ما يدعو للتأمل والتروي، حتى إن أحد الباحثين يرى أن ((أولئك الفقراء الصعاليك أولى من غيرهم بأن تتمثل فيهم الحياة الاشتراكية الحرة، في تعاونهم وسعيهم إلى الرزق، وشعورهم بالبؤس شعوراً مشتركاً، ثم في نقمتهم على البخل وأصحابه، ودعوتهم إلى اقتسام الأموال، وأن لا يستأثر الأغنياء بثرواتهم، فالكسب حر مشاع إن لم يكن بالرضى فبالكره والاغتصاب، وقد نبغ منهم فرسان وشعراء وعداؤون لا تلحقهم الجياد، يغزون على الخيول وعلى الأقدام ويهاجمون القوافل السائرة في عرض القفار فيفتكون ويغنمون وملء أنفسهم فخر واعتداد))..([14])

      ولعل قراءتنا للنص السابق تجعلنا نشير إلى ما فيه من تعميم ومبالغة ثم إنه لا مناص من الإقرار أيضاً بأن ما أحيطت به ظاهرة الصعلكة من لدن الدارسين من بعض التهويل، والزيادة في رواية أخبارهم من قبل الرواة لتصبح بذلك جل أخبار الصعاليك إلى الخيال والأساطير أقرب منها إلى الواقع، سواء ما تعلق منها بأخبار عدوهم أو ما تعلق بشجاعتهم وغزواتهم، فمثل هذه القضايا يجب أن ننظر إليها بعين الواقع وتحري الدقة العلمية، لأن كثيراً من الأخبار التي وصلتنا بشأن الصعاليك فيها من الزيادة والوضع الشيء الكثير.

    أما موضوع الاشتراكية ـ أو ماله علاقة بهذا المذهب الفلسفي الاقتصادي- والذي أثاره هؤلاء الشعراء في أذهان بعض الدارسين المحدثين، فالأمر هنا مختلف تماماً، ولعله من الإجحاف أن نحلل ما ذهب إليه الصعاليك ـ هؤلاء الشعراء البسطاء ـ في ضوء النظرية الاشتراكية الحديثة، ونقف عند مفاهيمها العلمية وفق ما بشرت به من مفاهيم ورؤى وأحْلام بنيت على أسس فلسفية اجتماعية واقتصادية نصبت جميعها في تحقيق عدالة اجتماعية بين البشر، ونشر المساواة بين الناس قاطبة دون تمييز، ومحاولة القضاء على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.([15])

     فلو حاولنا أن نستنطق شعر عروة أو الشنفرى أو تأبط شراً بناء على المنظور السابق المتمثل في النظرية الاشتراكية العلمية فقد نقوّل هؤلاء الشعراء مالم يقولوه ومالم يكن لهم دراية به، وبذلك نسيء إلى هذا الشعر ونحن نقصد الإحسان والتعظيم من شأنه، لذا ينبغي أن ننظر إلى الصعلكة على أنها ظاهرة اجتماعية ذات أبعاد ضيقة، ولا تحتمل مثل تلك الاحتمالات والتأويلات التي تبعدنا عن حقيقة ما نشده هؤلاء الشعراء، صحيح أن عروة دعا إلى نشر العدالة الاجتماعية، ولكن هناك اختلافاً بين الوسيلة والغاية، بين ما ذهب إليه الصعاليك، وبين ما سنه ذلك المذهب الاقتصادي الحديث.

     لقد مثل شعر عروة تمرداً فردياً حيناً، وجماعياً حيناً آخر، في مناهضته لعدم المساواة في توزيع الخيرات والأرزاق، وهي نظرة ضيقة من حيث الأهداف والمفاهيم، ولكنها لا تخلو من بعض الملامح الاشتراكية.

     فالإنسان الجاهلي ـ بعامة ـ والشعر الصعلوك بخاصة لا حظ تلك الفوارق الطبقية، وذلك التفاوت في مستوى المعيشة، ومن ثم راح يتساءل عن الأسباب والدوافع التي أهلته لأن يتضور جوعاً، في حين ينعم غيره بما لذ وطاب، ومن هنا نشأ لديه الإحساس بضرورة محاربة هؤلاء المترفين وأخذ مالديهم، اعتقاداً منه أن هذه الخيرات حق مشاع للجميع، وليست لأفراد دون غيرهم ممن لا يكادون يمتلكون ما يسدون به الرمق.

    وهكذا نصادف شعراً غزيراً مرتبطاً بحياة الفقر والحرمان إلى حد المبالغة وهو ـ في مجمله ـ لا يخلومن دعوة إلى نشر العدالة الاجتماعية التي ينبغي أن تعم بين الأفراد والجماعات، وفي ذلك يقول الشاعر:

وإني امرؤ عافي إنائي شركة 

وأنت امرؤ عافي إنائك واحد

أتهزأ مني أن سمنت وقد ترى 

بجسمي مس الحق والحق جاهِد

أقسم جسمي في جسوم كثيرة 

وأحسو قراح الماء والماء بارد([16])

    لقد بذل عروة قصارى جهده ـ إن لم نقل حياته ـ لتحصيل المال الذي يسد به حاجة الفقراء من أبناء عشيرته، هؤلاء الذين وجدوا فيه مصدر قوتهم وقت الحاجة، وآمن هذا الفارس بأن الحياة تفقد طعمها في ظل الفقر والعوز، واقتنع أن الفقر يحدث شرخاً اجتماعياً، وخللاً معيشياً في حياة الإنسان، لذلك كان منطلقه من إحساس الفقير دافعاً لثورته وتمرده، إذ حاول أن يعيد التوازن بين الطبقات الاجتماعية، فقد وقف ضد طغيان بعض الموسرين الذين جمعوا ثروات طائلة واستأثروا بها دون غيرهم.([17])

    ثم إن عروة حارب البخل بشتى ضروبه، ورأى أنه صفة لا تتلاءم مع نفسه ومع مجتمعه، ومن ثم عمل بشتى الوسائل من أجل القضاء عليه أو الحد من استفحاله- على الأقل ـ مستعملاً في ذلك وسيلته المتمثلة في النهب والسلب والغزو، ثم توزيع الغنائم على مستحقيها من الفقراء، ويخاطب زوجته مبيناً مقته الشديد للبخل، تلك الصفة الإنسانية الذميمة التي لا تتلاءم مع طبيعته التي جبلت على الإحساس الجماعي ونبذ الأنانية:

وقد علمت سلمى أن رأيي 

ورأي البخل مختلف شتيت

وأني لا يريني البخل رأياً 

سواء إن عطشت وإن رويت([18])

    ومما يحكى أن رجلاً بلغ من الثراء شأواً عظيماً، وهو ينتمي إلى قبيلة كنانة في خزيمة، وكان بخيلاً شحيحاً على سعة ثروته، فبلغ ذلك عروة فأغار على إبله واستقاها ثم قسمها في قومه، وأنشد:

ما بالثراء يسود كل مسود 

مثر ولكن بالفعال يسود

بل لا أكاثر صاحبي في يسرة 

وأصد إذ في عيشه تصريد

فإذا اختبرت فإن جارى نيله 

من نائلي وميسري معهود

فإذا افتقرت فلن أُرى متخشعاً 

لأخي غنى معروفة مكدود([19])

    وبغض النظر عن كون هذه الرواية صحيحة أم موضوعة، فإن مضمونها يدل دلالة لا يعتريها ريب في التوجه الذي يتميز به هذا الشاعر، وهو الذي يكمن في مناهضته للبخل والبخلاء، لاسيما ممن بلغوا مستوى من الثراء الفاحش على حساب طبقات الفقراء والمعوزين، ولكن هذه المناهضة قد لا تكون ذات أثر يذكر لولا تلك النزعة الإنسانية الخيرة التي أجهد الشاعر نفسه من أجل بلورتها وجعلها قيمة إنسانية سامية أهلته لأن يتبوأ مركز الأب الروحي والمادي للصعلكة والصعاليك، فهو فضلاً عن توزيعه للغنائم بين الفقراء يكرم الضيف ويمنحه فراشه وفي ذلك من النبل والكرم ما يؤهله لأن يكون جديراً بتلك المكانة التي حَظِيَ بها:

فراشي فراشُ الضيف والبيتُ بيتُهُ 

ولم يلهني عنهُ غزالٌ مقنَعُ

أحدِّثُه إن الحديثَ من القِرَى 

وتعلمُ نفسي أنَّهُ سوفَ يَهْجَعُ

    وقد يضطرب مفهوم الفروسية حين يقترن بظاهرة الصعلكة باعتبار أن أولئك الصعاليك من الفرسان، أو أنهم مثلوا الفروسية حين كانوا منضوين تحت لواء قبائلهم، فالفروسية لها من الصفات والخصائص ما يجعل صاحبها بطلاً مغواراً لا تعوزه الشجاعة والإقدام، ولا التمرس بفنون القتال كما تشمله صفات تجعل منه فارساً في أيام الحرب والسلم معاً، لكن الأمر لدى الصعاليك قد يختلف بعض الشيء، لأن عالم الصعلكة يقتضي منهجاً في القتال، وأسلوباً في الكر والفر، إذ مهما ابتعد بنا الخيال فلا نتصور الصعلوك إلا إنساناً يعتمد أسلوب السلب والنهب وسيلة، والفرار مسلكاً للنجاة حين يضطر لذلك.

     ونرجح أن المبالغات المفرطة التي جاء بها شعر الصعاليك وما حمله هذا الشعر من أخبار تصور سرعة العدو لديهم، ارتبطت ـ أصلاً ـ بأسلوب الفرار الذي أصبح خاصة من خصائصهم، فالصعلوك يعد لصاً أو شبيهاً باللص، ومن الصعب تصوره غير ذلك ما دام يعتمد في اكتساب رزقه على السطو ونهب مال الغير بطريقة غير شرعية، وقد تحول فرارهم ـ بما أُضِفْيَ عليه من مبالغات وغلو في السّرعة والخفة- إلى أسلوب من أساليب التعامل مع الصعلكة، ليدخل الصعلوك بذلك عالم الخيال المجنَّح، لاسيما حين نعلم أنه يسبق الجياد الأصيلة ويسابق الريح بسرعة عروة، فأصبحت هذه الظاهرة فنية خيالية أكثر منها واقعية.

    فالملاحظ أن تصوير الصعاليك للخيل -مثلاً ـ أتى تصويراً عابراً، وإن تعرضوا لذلك فلقصد الإشارة إلى سرعة عدوهم التي تتجاوز سرعة الخيل، هذه السّرعة التي مثلت بديلاً عن استعمال الخيل ـ في حد ذاتها ـ ويظل ذلك ضرباً من التفنن الخيالي الذي يجعل من الصعلوك عداء خارقاً يسابق الريح:

ويسبق وفد الريح من حيث ينتحي 

بمخرق من شده المتدارك([20])

    ولنا أن نتخيل سباقاً بين تأبط شراً ومجموعة من الخيل المطهمة، وكيف أن هذا الصعلوك لا يكتفي بمجرد سبقه لها، واحتلاله مكان الصدارة، ولكنه ـ فضلاً عن ذلك- يترك وراءه غباراً متناثراً يغشى الطريق أمام طلائع الخيل التي تسابقه أو تلاحقه، والواقع أننا نؤخذ بجمالية الصورة الشعرية، وبخصوبة خيالها، لكن من الصعوبة بمكان أن نقتنع بواقعيتها.

يفوت الجياد بتقريبه 

ويكسو هواديها القسطلا*([21])

    أما أبو خراش الهذلي فلا يجد بداً من الإقرار ـ بالفرار والجهر به، والاعتماد على سرعة عدوه، لئلا يقع في قبضة ملاحقيه الذي سير حليلته، ابنه خراشاً وذلك مايدل على أن حياة الصعاليك يعتمد على انتهاز الفرص المناسبة ويتفنن تأبط شراً في خلق صورة شعرية حية يلخص من خلالها موقف الصعلوك بعامة إزاء المواقف الحرجة المفاجئة التي تجعله يتقي مداهمة الأعداء له، وذلك بأن يطلق العنان لساقيه، حين يفاجأ بملاحقيه مشبهاً نفسه بالظيلم المذعور الذي جاء يروي عطشه فإذا بالموت يتربص به من كل جانب.

____________

([1]) ديوان عروة، ص / 15.

([2]) الشنفرى، الروائع، ص /57.

([3]) الشنفرى.

([4]) الجاحظ ـ الحيوان، 1 / ص / 380.

([5]) ديوان عروة، ص / 87.

([6]) المصدر نفسه، ص / 101.

([7]) المصدر السابق نفسه، ص /86.

([8]) السليك بن السلكة.

([9]) الأغاني، 18-135.

([10]) القالي، النواور ، ص / 204.

([11]) ديوان عروة، ص / 88.

([12]) المصدر السابق، ص / 158

([13]) المصدر نفسه، ص /86.

([14]) بطرس البستاني، الشعراء الفرسان ، ص/196.

([15]) نوري حمودي القيس، الفروسية في الشعر الجاهلي، ص / 313.

([16]) ديوان عروة بن الورد ، ص /138-141.

([17]) إبراهيم شحادة، عروة بن الورد، حياته وشعره، ص / 103.

([18]) ديوان عروة، .

([19]) شرح ابن السكيت على ديوان عروة ، ص / 87.

([20]) الحماسة، لأبي تمام ، 1/48.

* القسطل = الغدار.

([21]) ابن قتيبة ، الشعر والشعراء، ص / 176.

ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة