الأربعاء، 10 فبراير 2016

كتاب جدلية القيم في الشعر الجاهلي رؤية نقدية معاصرة : الفصل الثالث - بوجمعة بوبعيو ...

 كتاب جدلية القيم في الشعر الجاهلي رؤية نقدية معاصرة

الفصل الثالث


بوجمعة بوبعيو 

الفصل الثالث : المقدمة الطللية بين الاستجابة النفسية والتقليد الفني

أ- المنظور النقدي:

   حفل الشعر الجاهلي بمعالجة قضايا مختلفة، منها ما لها علاقة بالمجتمع، في تعامله مع ما يحيط به خارج القبيلة وداخلها من قيم اجتماعية وإنسانية وسياسية، كما أن هذا الموروث الشعري مثّل ظاهرة بارزة وهي المتمثلة في شعر الغزل الذي يعدّ الجزء الأوفر من تلك الثروة الشعرية، وقد نقش الشعراء الجاهليون من خلال عاطفة الحب عواطفهم وأحاسيسهم، وما يتبع ذلك من وصل وهجر وسعادة وشقاء ولذة وعفة.

   وطغت ظاهرة الشعر الغزلي بشكل لافت للنظر، قياساً إلى الأغراض الشعرية الأخرى مثل المدح والهجاء والرثاء([1]).

  وبقدر ما زخر الشعر الجاهلي بأغراض شعرية أضاءت جوانب من صور حياة الجماعة أو القبيلة في أثناء الحروب والغزوات وائتلافها واختلافها مع القبائل الأخرى، فقد حفظ هذا الشعر –في فنونه الغزلية- خبايا النفوس ونبضات القلوب ومسارح الذكريات، فمثل بذلك ثروة هائلة وضعت أيدينا على الكيفية التي تعامل بها الشاعر الجاهلي مع الذات حين يتعلق الأمر بحياته الخاصة، وبجوانبها العاطفية عامة.

  ومما لا يدع مجالاً للشك أن ظاهرة غزارة الشعر الغزلي في العصر الجاهلي تنم عن ذاتية هذا الشعر في مجمله، أو في منحاه العام، وكذا عن فرديته.

  فشعر نابع من إنسان يعيش في أعماق الصحراء بين غنمه وإبله، وتحت سماء زرقاء، وطبيعة لا ترحم، من البديهي أن يُنشئ شعراً غنائياً ذاتياً.

  وعلى ما تجلى في هذا الشعر من صور اجتماعية عبّرت عن حياة ذلك البدوي الاجتماعية على المستوى الفردي، وعلى مستوى القبيلة فقد طغت –مقابل ذلك- الصفة الفردية الذاتية للشاعر الجاهلي، فبقدر ما عبّر عن قبيلته، فإنّه كان أيضاً ((معبراً عن وجوده النفسي، وعواطفه الخاصة… إنه لم يكن بوق القبيلة فقط، ولكنه كان قيثارة نفسه، وصدى لقبيلته بعد ذلك))([2]).

  ثم إن بعض الأغراض الشعرية الأخرى ارتبطت بفن الغزل ارتباطاً وثيقاً بحيث أن الشاعر قد ينظم في غرض شعري ما، وصولاً إلى غرض الغزل والعكس أحياناً ويقول أحد الدارسين في هذا الشأن: ((بل إن الأغراض الأخرى التي عرض لها الشعراء الجاهليون لم تكن –في كثير من الأحيان- مقصوداً إليها قصداً ولا متعمّداً تعمداً… كانت روح الحب وعواطف الهوى هي التي تبتعثها وهي التي تكمن وراءها… وبتعبير آخر، كانت هذه الأغراض تتصل بالغزل بهذا السبب أو بذاك، بالسبب الواضح أو بالسبب الغامض))([3]).

   ومن أهم ما يجدر الإشارة إليه في القصيدة الجاهلية، ليس شعر الغزل الذي يأتي في ثنايا موضوعات الشعر الجاهلي الذي يختلط فيه شعر الحرب بشعر الحب، والرثاء بالفخر مثلاً، ولكن أن تسن سنة يتعذر تجاوزها أو القفز عليها والخروج عنها لدى الشاعر الجاهلي بعامة، فتلك التي نريد الوقوف عندها ومحاولة معالجتها ونعني بها ما اصطلح عليها بالمقدمة الطللية، أو الوقوف على الأطلال وبكاء الديار الدارسة.

   لقد عالج جلّ شعراء الجاهلية –إن لم نقل كلهم- في مستهل قصائدهم- قصة الدار الدارسة، فوصفوها وحدّدوا معالمها، وتفنّنوا في تحديد مواضعها والإشارة إلى ملامحها التي تدلّ على وجودها في الزمن الماضي، الذي له علاقة حميمة بذكرياتهم مع الحبيبة، والتي امّحت وزالت ديارها بذهابها، فما بقي إلا البكاء على أطلالها واسترجاع ذكرياتها.

  الواقع أن هذا الموضوع مازال إلى يومنا هذا، يثير تساؤلات عديدة، فقد تقنعنا وجهة نظرها، من زاوية معينة، في حين يظلّ التساؤل مطروحاً في جانب آخر.

   فمع تسليمنا بشفوية النص الشعري الجاهلي، فذلك يعني بالضرورة أن تحديد الأزمنة والأمكنة تحديداً دقيقاً يظل أمراً قابلاً للأخذ والرد، كما أن أمر أسبقية شاعر على آخر من الناحية الزمنية نسبياً بسبب افتقادنا للنص المدوّن، ما دام التدوين يتم على مستوى الذاكرة فحسب، وهذا يمثل نقطة البداية في طرح مجموعة من التساؤلات ومن أولاها أن المقدمة الطللية هي من ابتكار شاعر جاهلي أراد أن يعبّر عن حاجة من حاجاته النفسية، ويعرب عن خبايا هذه النفس التي نظرت فيما حولها، فوجدت الديار قد زالت وامّحت، وما كان يزينها ويضفي عليها شيئاً من المؤانسة والإحساس بالجمال وبالاطمئنان، قد غادرها هو الآخر، ولا نستبعد أن هذا المكان قد ربطته بالشاعر مشاعر عاطفية ما، فجاشت عواطفه، وراح يصفها ويتأسى على الزمن الذي تحوّل إلى مجرد ذكرى، علّه زمن الشاعر، فجاءت المقدمة معبرة عن تلك المشاعر والأحاسيس ولم يعد مهمّاً –بعد ذلك- إن كان امرؤ القيس- هو صاحب الريادة في هذه الظاهرة الشعرية، أو أنه ابن حذام، كما يصرح بذلك امرؤ القيس نفسه حين يقول:

عوجا على الطلل المحيلى لعلنا 

نبكي الديار كما بكى ابن حذام([4])

   إن مسألة الوقوف عند رائد المقدمة الطللية، تعدّ أمراً عسير المنال من حيث تأكيد هذه الريادة، وحصرها في شاعر بعينه لأن عملية التدوين جاءت متأخرة جداً، حتى إن الاختلاف يبدو بيّناً على مستوى تحديد هذا الاسم الذي أشار إليه امرؤ القيس في البيت السابق، فمن قائل "ابن حذام" ومن قائل "ابن حزام" ومن قائل "ابن خدام".

   وإذا كان من الصعوبة بمكان الجزم بإسناد ريادة إنشاء المقدمة الطللية لشاعر بعينه، فإن هناك قضية أكثر أهمية، وهي المتمثلة في الافتراض التالي: مادام هناك شاعر ما وضع هذه المقدمة أول مرة، فهل أطلع عليها غيره من الشعراء وقاسوا عليها وجعلوها سنّة حميدة، ونسجوا على منوالها لغاية في نفوسهم، أو لأنها تستجيب لحاجات نفسية، أو أن هناك أسباباً أخرى؟ فعند قراءتنا لهذا الرأي مثلاً:

  ((من الشعراء الذين ذكروا الديار ووصفوها وصفاً حقيقياً لا تخيلاً أو تصوراً، ودون معاناة أو تكلف هم الشعراء الجاهليون لأنهم نقلوا لنا صورتها بأمانة، دفعهم إلى ذلك ماكان في هذه الديار من ذكريات كثيرة خلقتها حياة الصحراء حتى إن هذه الذكريات جعلتهم–لشدة شغفهم بها -يخاطبون الطلل وكأنّه من الناطقين))([5]).

ثم يستشهد هذا الدارس على رأيه بقول امرئ القيس:

ألا أنـــعم صــــباحاً أيها الطـــلل البالي 

وهل ينعمن من كان في العصر الخالي؟([6])

  فلابد –هنا- من إبداء بعض الملاحظات التي تزيل بعض اللبس فيما حمله هذا القول من آراء يبدو لنا فيها بعض الشطط والمبالغة، فنحن نتساءل، كيف صور هؤلاء الشعراء الديار تصويراً حقيقياً دون تصور أو تخيل، وكأنهم بذلك راحوا يصورون الديار تصويراً "فوتوغرافياً" "حرفياً"، وهذا يتنافى وطبيعة الشعر الذي هو رؤية إنسانية معقدة لا تخلو من خواطر إنسانية ذاتية، وخيالات على درجة ما، حتى وإن افترضنا- جدلاً- أنّ الشاعر عبر فعلاً عن تجربة فعلية واقعية وأنّه يصور معايشته لتلك التجربة من خلال أدوات فنية قد لا تتوفر لغيره من بقية الناس، وإلا لعددنا جميع البشر شعراء.

  وفضلاً عن ذلك، فإن الشعر معاناة، وهذا يعني أن الشاعر إن لم يتمكن من تعميق إحساسه، وابتكار الأساليب التعبيرية المناسبة لأتى شعره سطحياً ضحلاً لا ماء فيه، والمقدمة الطللية حافلة بتلك التجارب التي جعلت أصحابها يقدمون تجارب متنوعة فيها خصوبة وابتكار، رغم أحادية الموضوع وتشابه المواقف.

   ثم إن البيئة الصحراوية، لم تتغير من حيث جغرافيتها وتضاريسها، ومن حيث مناخها، فكيف بنا نقصر هذه المقدمة على الجاهليين دون غيرهم فإذا عرفنا أن الخيام ظلت منصوبة في أعماق الصحراء إلى زمن بعيد بعد العصر الجاهلي، بل إن بعضها مازال منصوباً حتى يومنا هذا، فهل لنا الحق –بعد ذلك- أن نحرم ذلك البدوي من التعبير عن حلّه وترحاله، لكونه ليس جاهلياً؟ فالقضية –في رأينا-ترتد إلى أصالة التعبير وإلى صدق التجربة الفنية لدى الشاعر، وليست مرتبطة بالسبق الزمني، لأن الجاهلي نفسه قد ينظم شعراً يقلد به شعراً سبقه.

  وعلى ما في الرأي السابق من بعض التعميم، فهو يُجرد المقدمة الطللية من كثير من خصائصها الفنية، وبخاصة أن هذه المقدمة تمثل مظهراً إبداعياً ووسيلة إلهامية تثري تجربة الشاعر وتحفزه على الابتكار: ((كانت هذه الأطلال تقوم بوظيفة الملهم، والمرشد، والمبدع للشعراء الذين وقفوا عليها، والذين لم يقفوا عليها، حتى يستدروا مواهبهم الشعرية ويستثمروا إحساسهم الفني))([7]).

   ثم إن هذه الأطلال –كانت- في الوقت نفسه: ((قناعاً فنياً يسقط الشاعر عليها جملة أحاسيسه، ويتخذها ستاراً لمواضيعه، كما تبدو لنا مقدمات النابغة الذبياني حين ينشئ قصائده، فيصف أطلاله بالوحشة حين يكون موضوعها الاعتذار، فتخلو من أي أثر لحركة الحياة ونواميسها))([8]).

   ونستشف من الرأيين السابقين أن المقدمة الطللية جاءت لتمثل استجابة لحاجة الشاعر الإبداعية، ومدعاة لتفتيق موهبته الشعرية، ثم هي قناع فني توسل به الشاعر في الوصول إلى ما يمكن قوله بعد تلك الأرضية التمهيدية التي لابد منها، إذ أن الشاعر الجاهلي جعل منها لازمة من لوازم قريحته الشعرية، وكأنه أصبح يربأ بنفسه أن يستهل حديثه بالفخر أو المدح أو الوصف دون التقيد بتلك السنة الفنية.

   وأياً كان الأمر فإننا لا نستطيع الحكم على هذه المقدمة، على أنها تقليد فني فحسب، أو هي محض استجابة نفسية، فقد تكون هذا وقد تكون ذاك، وقد تكون شيئاً آخر، ولكن هناك بعض الباحثين ممن يجتهد في إقناع القارئ بصدق تجربة الشاعر النفسية والمكانية، وربما تجربته الواقعية، حين يذهب إلى أن الشاعر الجاهلي سجل تجربته من خلال تلك الأمكنة التي أتى على ذكرها في مقدمته، بعد أن ألفها وعاشها، وتركت في نفسه تجربته تلك ما تركته من آثار حية، وصدى نفسياً عميقاً ويرى هؤلاء –أن الشعراء لم يقفوا عند مكان بعينه بيد أنهم يتفقون على سنة الطلل، وهذا يعني –من قريب أو بعيد- واقعية معاناتهم وصدق تجربتهم([9]).

   وقد لا نختلف من حيث ذكر الأمكنة وتحديدها، ومن حيث كونها واقعية أو متخيلة، فهذا –في نظرنا- لا يمثل جوهراً، ولكن المسألة تكمن –أصلاً- في سنّة الطلل نفسه، فالتجربة الواقعية، إن أخذناها بمعناها الحرفي، فهي تؤدي إلى الضحالة السطحية، ويبدو أن الشاعر الجاهلي رغم أن مداركه الخيالية كانت محدودة، بحكم الزمان والمكان اللذين وجد خلالهما هذا الشاعر، فضلاً عن طبيعة المرجعيات الفكرية والحضارية التي كان قد اكتسبها، والتي كانت محدودة –هي الأخرى- إلا إنه –مع ذلك- قدم لنا صوراً شعرية موحية ومؤثرة، وهذا ليس لارتباطه بتصوير الواقع الحرفي المعيش، ولكن نتيجة اعتماده على إضفاء عنصر الخيال، وبصماته الفنية المتميزة التي أكسبت هذا الشعر رونقاً وجمالاً.

  أما على صعيد الدلالات الفنية التي أسقطها الشاعر على تلك المسميات بغض النظر عن واقعيتها أو تخيلها فهي على درجة من التأثير والإيحاء لا محالة.

  ((فكل بيئة كانت تمد الشاعر بروافد طللية تبعاً لمسميات أمكنتها التي أودعها خلاصة ذكرياته، فأثرت فيه حتى أسقط عليها نفسه ووجدانه، لأنه يريد أصحابها، لذلك أسرف في ذكرها لأنها متنفس عواطفه وأحلامه، كما كان لهذه الأمكنة في المقدمات الطللية دلالات فنية، هو من العلم بحيث كان الشاعر يقصدها قصداً فهي ليست سنّة طللية فحسب بل كانت سنّة فنية ونفسية))([10]).

  ويذهب أحد الباحثين إلى حد الاعتقاد بأن المقدمة الطللية تقوم بعملية التطهير، حيث تساعد على تحمل المواقف الصعبة، فتجدد طاقات نفسه، وتبعد ظلمات وحشتها، وتلطف من ذهولها كلما تعكر صفوها ومن هنا لم يأت بكاء الشاعر للبكاء، ولكنه أتى علّةً لشفاء نفسه الملتاعة، حيث تبلغ هذه النفس درجة التأزم، فتارة تتلمس التماسك والتجلد، وأخرى تلجأ إلى الدموع والنداء والاستفهام، وكل ذلك قصد التخفيف من تلك المعاناة النفسية([11]).

   ولا شك أن مثل هذا الحكم يصح عندما يكون الشاعر في موقف معاناة حقيقية، إذ أنه حين يذرف الدموع على ذكريات الحبيبة في خضم ماضيه الجميل مستعملاً تلك التعابير الاستفهامية التي لا تخلو من الإمدادات النفسية التي تشخصها نداءاته وآهاته، فمثل هذه التوسلات تخفف من أزمته النفسية، وتطهر نفسه من أدران تلك اللواعج والمآسي، ولكننا لا نرى أن كل هؤلاء الشعراء سواء في تلك المعاناة.

  كما أن البعد الطللي –في الشعر الجاهلي بعامة- غني بالمعاني الرمزية من الوجهة النفسية بخاصة، فقد اعتمد الشعراء في صياغتهم الفنية على الطاقات التي تفتقها خبايا النفس وتجارب الذات الشاعرة، وهكذا تلونت هذه المقدمات بتلونات النفس الإنسانية في تعاملها مع ملابسات الحياة، ثم أسقطت كلها على الأطلال، ومن هنا كانت رمزية الطلل تختزن هذه المعالم النفسية وتعمق من تجربتها، فكان الشاعر حين يشير إلى مخلفات الأطلال من "نؤى وأتافي، وبعر الآرام وعرصات الدار، يشير –في الواقع- إلى كل ما ظل خامداً في نفسه أو في شعوره الباطني ((لذلك لم تعف هذه المعالم من ذكرى كما عفت هذه الآثار مهما غامر الزمن واستحدثت المعطيات في حياتنا لأن النفس لا تفنى، وأن عواطفها وتجربتها هي التي خلدت هذه الأشياء المقدسة والكائنة في نفوسنا))([12]).

   أما يحيى الجبوري فيرى أن المقدمة الطللية تمثل جزءاً من حياة الجاهلي فهو عند وقوفه يستحضر ذكرياته، هذه الذكريات التي تثير في نفسه مكامن الأسى والشجى والحنين، فيندفع مناجياً ديار الحبيبة، مخاطباً آثارها، ومن ثم فهو يصور أحاسيس صادقة وعواطف جياشة، لاسيما أن الديار تمثل الوطن المهجور وما يحويه هذا الوطن من أحبة وصحب وأهل([13]).

   ولئن لم نختلف جوهرياً مع هذا الرأي، وما يماثله من آراء نقدية أخرى تصب في هذا المعنى أو ذاك، مما يذهب إلى أن الطلل يمثل حيزاً واسعاً من حياة الجاهلي الذي اعتاد حياة الحلّ والترحال، حتى إنه حين يقف عند الطلل لا يعبر عن أساه وحزنه لفراق الحبيبة بل يمكن أن يتجاوز ذلك الحنين إلى الوطن المصغر بكل ما يثيره في نفسه من لهو وفرح، وعذاب وضنى في الزمن الغابر.

  لكن التساؤل الذي يمكن طرحه بهذا الصدد، هل بالضرورة أن جميع الشعراء الذين تغنوا بالأطلال عاشوا التجربة أو عايشوها؟ وهل بالضرورة رحلت عنهم حبيباتهم فوقفوا واستوقفوا في زمن بعينه وأماكن محددة، وبكوا واستبكوا؟ أم أن تلك سنة فنية - كما أسلفنا - رسمت من قبل شاعر ما، فوجدت صدى نفسياً مقبولاً ومؤثراً لدى لفيف من الشعراء الذين تأثروا بهذا المطلع، وأتوا بما أتى به هذا الشاعر الأول الذي لا نشك في صدق تجربته ولوعة مأساته العاطفية، لتصبح تقليداً فنياً متبعاً يسير على منواله الجميع على أنه يمثل النموذج أو المثال المحتذى، ولعل ما جعلنا نميل إلى هذا الطرح أن المقدمات الطللية –في جملتها- لا تخلو من المواصفات التالية:

   أنها تعطينا –على اختلافها- نصاً شعرياً تناصياً مكروراً فعلى ما في هذا النص من خصائص شعرية متميزة بعض التميز، تدل على فردية كل شاعر، وعلى شخصيته الشعرية إلا أن هذا الموضوع العام، أو السياق العام الذي تدور حوله معاني المقدمة وتراكيبها يكاد يكون نفسه في أغلب الأحيان، ناهيك عن بعض المقدمات التي تأتي بعض أبياتها متضمنة في أبيات أخرى من مقدمة أخرى، ثم إن هناك ذكراً مكرراً لآثار الدار وبقاياها ولوازمها تتكرر بأساليب متشابهة مثل: ((ذكر الطلل، والبكاء عليه، والوشم، والنوى، وبعر الآرام والآتافي وذكر الأماكن أو المواضع التي كانت منبع هذه الذكريات)).

   ويبدو أن التساؤل الذي يحمل مشروعية طرحه في هذا المجال هو –ببساطة- ما دامت هذه المقدمات الطللية استجابة نفسية لحاجات الشعراء النفسية والفنية، لِمَ لم تأت متنوعة بتنوع الأسلوب والتجربة؟ ولِمَ لم نقرأ اختلافاً في المنهج والرؤيا لدى هؤلاء الشعراء الذين التزموا بنمط واحد في البنيتين التركيبية والمعنوية؟، بل لِمَ لم يتنوع الموضوع –في حد ذاته- وفي طريقة تعامله مع المرأة ولوازمها- بصفتها جوهر الموضوع؟ وبذلك تكتسب هذه الظاهرة الشعرية خصوبة وتنوعاً واستجابة حقيقية لتطور الشعر عبر التطور الزمني، وتطور الأخيلة، وبذلك نستطيع أن نضع أيدينا على إبداع شعري متميز.

   وبطبيعة الحال، فإن ما ذكرناه لا يعني أن تلك المطالع قد خلت من الجوانب الجمالية، والأحاسيس الإنسانية التي تدل على رقة شعور الشاعر الجاهلي، وصدق تجربته:((أما المطالع الغزلية ففيها إحساس دقيق بالجمال، وتذوق لمحاسن المرأة. والقارئ لمشاهد الارتحال والفراق، يشعر بهزة من شوق ورهبة وحنين لهذا الفراق، وحين تذكر المرأة، وتوصف محاسنها، نجد في هذا الشعر إقبالاً على الحياة وامتزاجاً بها وتعلقاً بمباهجها))([14]).

   بيد أن المشكلة التي ظلت عالقة في ثنايا الشعر الجاهلي بعامة، أن هذا الشعر على دقته في تصوير الجوانب الحسية للمرأة وإقباله المفرط على تصوير رغبته فيها، تلك الرغبة التي تقف –تقريباً- عند الجانب المادي دون الإطلالة على جوانبها الأخرى من نفسية وروحية وجمالية توحي بجوهرها الإنساني البعيد عن الجوانب الحسية.

   فقد صور الشعر الجاهلي المرأة على أنها متاع للرجل، وأنها فتنة- قد تزول حين يقضي وطره منها، في حين أهمل جوانبها الأخرى، على الرغم من إحساسنا حين نقرأ هذا الشعر أنه يعترف ضمناً أن المرأة ليست جسداً للمتعة فحسب، بل هي أشياء أخرى أيضاً.

ب- المنظور التطبيقي:

   حبذنا في هذه الدراسة أن نقسم معالجة المقدمة الطللية إلى قسمين، جانب نقدي يلقي نظرة موجزة على مختلف الآراء النقدية التي تناولت هذه الظاهرة الشعرية بالنقد تارة، وبالوقوف عند جوانبها التاريخية والموضوعية تارة أخرى، وجانب تطبيقي تحليلي يقف عند أهم الشعراء الذين استهلوا قصائدهم ((مطلولاتهم) بالوقوف على الأطلال، ساعين من وراء ذلك إلى استعراض أهم القواسم المشتركة بين هذه المقدمات مبنى ومعنى وربما فنياً أيضاً.

   حين نتأمل المقدمة الطللية التي هي نتاج حقبة زمنية تمثل مرحلة نضج الشعر الجاهلي، يمكن الخروج بعدة ملاحظات وآراء تبدو ذات أهمية قصوى، أولى هذه الملاحظات أن تلك المقدمات تنم عن روح شاعرية مضطربة قلقة، حيث استهل شعراؤنا الجاهليون قصائدهم بمقدمات فيها أساليب الأمر والتحفيز على فعل شيء ما، كما فعل امرؤ القيس الذي راح يحث رفيقيه على البكاء قبل الرحيل، ثم إن بعضهم الآخر استعمل أسلوباً استفهامياً فيه ما فيه من ملامح القلق والحيرة، مما يزيد إيماننا على أن هناك نفسية قلقة حزينة واكبت الشعراء في أشعارهم، كما يبدو ذلك على سبيل المثال في قول عنترة: ((هل غادر الشعراء من متردم))، وفي قول زهير بن أبي سلمى: ((أمن أمّ أوفى دمنة لم تكلم، وفي أسلوب النداء الذي يمثله قول النابغة الذبياني: ((يا دار ميّة بالعلياء فالسند)).

   ثم إنّ ما يمكن ملاحظته أيضاً أن المقدمات الطللية قد تختلف من حيث عدد أبيات كل مقدمة، إلا أن هذه الأبيات تتسم بالقلة في الغالب، وذلك ينم عن الحالة النفسية للشاعر الذي يريد أن يسجل آهاته وتنهداته على ماضي غابر، رحل بأيامه ليظل ساكناً في وجدانه بما احتفظ به من ذكريات عذبة وحنين جارف، بيد أن هذا الشاعر سرعان ما يعود إلى طرق موضوعات أخرى داخل القصيدة الواحدة، وكأننا بالشاعر يستهل مطولته بالانطواء على الذات ومعاودة النفس فيما فرطت فيه وأصبح مجرد حلم عابر جميل، ثم يعود من جديد بعد أن يستفيق من غفلته لينغمس في غيرها من القضايا التي يشغل نفسه بها، عساه ينسى أثر ذلك الماضي في نفسه الملتاعة، فهو هنا مثل الهارب من نفسه حين يتذكر شيئاً له علاقة حميمة بماضيه الجميل.

  أما الملاحظة الثالثة التي أردنا التنويه بها هنا، فتكمن في أن بكاء الطلل أو الوقوف عليه وهو بكاء المرأة الراحلة التي لم يعد لها من أثر، وهو بكاء الوطن المتنقل، هذا الوطن الصغير الذي يمثل جزءاً من حياة الجاهلي، ولكنه سرعان ما يستبدله بوطن آخر حين يعز الماء والكلأ، وكأن الأمر يتعلق بلعنة جماعية أصيب بها جميع الشعراء، والواقع أن الأمر ليس على هذه الصورة، حيث أن المسألة تتلخص في صراع الإنسان مع الوجود، ومغالبة الزمن الذي يسير نحو النهاية الأبدية، ومن ثم فإن الطلل الدارس بكل ما يحويه من المعاني الرمزية التي تجعل هذا الشاعر يرمز لهذا الفناء أو تلك النهاية لهذا الطلل.

   في حين تمثلت الملاحظة الرابعة في تكرار المعاني والتراكيب بحيث يظل الطلل نفسه –تقريباً- لدى جل هؤلاء الشعراء، وتظل أدواته التي تمثل بقايا آثاره أو الدالة عليه مما يجعل القارئ المتمعن يضع أكثر من تساؤل أمام ذلك التقيد بتكرار نغمة بعينها، فهل هي واقعية الطلل وما فيه التي أملت على الشاعر التقيد بهذا التكرار، أم هي سنة يجب ذكرها أو تذكرها قبل الانتقال إلى غرض آخر، ومن ثمة لا يكلف الشاعر نفسه عناء البحث عن بدائل معنوية وتركيبية؟

   أم أن الشاعر الجاهلي بما فطر عليه من قدرات خيالية محدودة أجبرته على أن يتغنى بطريقة مشابهة أو مكررة بما تغنى به من سبقه في هذا المجال القولي؟

   أم أن هناك سراً في هذه الظاهرة يحتفظ به الشعراء، ولاسيما حين نلاحظ –مثلاً- أن التكرار يأتي- أحياناً- على شكل "اقتباس" فهل الأمر في مثل هاته الحالة يتعلق بتأثر شاعر بآخر إلى حد الإعجاب ببيت أو بيتين من حيث المبنى والمعنى معاً مما يجعله ينقلهما ويدمجهما في شعره، أم أن السر في ذلك كامن في ما يقوم به الرواة من خلط بين ماهو لعمر وماهو لزيد؟

  تلك مجموعة من الأسئلة التي رأينا مشروعية طرحها قبل الوقوف عند هذه المقدمات تحليلاً ونقداً، وذلك، من قراءة ثانية لتراثنا الشعري العربي الذي ما زال حياً في نفوسنا بحكم ما يحمله من خصائص موضوعية وجمالية أهلته لأن يجتاز أطواراً زمنية، وكل ذلك يؤكد أصالته وإنسانيته، وما يزخر به من قيم جمالية وفنية.

  تحتل المقدمة الطللية - إذن - صدارة القصائد الطوال التي تسمى بالمعلقات أو المذهبات والمشهورات، كما تأتي في مقدمة القصائد الجاهلية الأخرى مما ألحقت بالمعلقات أم لم تلحق، وإذا كان المجال لا يتسع هنا للخوض في اختلاف التسمية، وعدد المعلقات، فإن ما يمكن الإشارة إليه هو أن هذه القصائد تعد من أنفس ما أنتجه خيال الشعراء الجاهليين، ويمكن النظر إليها على أنها تعد البناء المكتمل من حيث المبنى والمعنى للنص الشعري الجاهلي.

   وفي مقدمة هذه القصائد مطولة امرئ القيس التي يستهلها قائلاً:

قِفَا نبكِ منْ ذكرَى حبيبٍ ومنزلِ 

بسِقْطِ اللَّوى بينَ الدَّخُولِ فَحَومَلِ

فَتُوضِحَ فالمقراةِ لم يعفُ رسمُها 

لما نسجتْها من جـــنوبٍ وشَمألِ

ترَى بــعرَ الأرامِ في عَرَصَــاتِها 

وقيــــعانِها كأنَّه حـــــبُّ فُلْــــفُلِ

كأَنِّي غداةَ البــــيْنِ يومَ تحمَّلوا 

لدَى سَمُراتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ

وقوفاً بها صحْبِي عليَّ مطيَهم 

يقولون لا تهــلِكْ أسىً وتجمَّلِ

وإنَّ شِـــفائِي عــــبرةٌ مُهَرَاقَةٌ 

فهلْ عند رسم دارس من معولِ([15])

  وسواء أخاطب امرؤ القيس رفيقاً واحداً، أو رفيقين، فقد استوقف غيره ليبكي وإياه ذلك المنزل الداثر الموحش الذي ظلت بعض بقاياه شاهدة عليه بفعل رياح الجنوب والشمال، فواحدة تزيل عنه الأتربة وأخرى تعيد تغطيته، لتبقى آثاره شاهدة على تلك الذكريات السعيدة التي يفترض أنها جمعت بين الشاعر وحبيبته، ويأبى امرؤ القيس إلا أن يستدل على الوجود الفعلي للطلل البالي حين يأتي على ذكر بعر الآرام التي أصبحت تسرح في ذلك المكان الذي كان عامراً بأهله، وصار مرتعاً للظباء والوحوش البرية، ثم يعود الشاعر من جديد ليعبر عن أثر يوم الرحيل في نفسه، فقد ظل تائهاً حائراً حين اشتدت أزمته النفسية فبعد البكاء تأتي مرحلة أشد وأقسى حيث تجتمع الذكريات، ويعيش الإنسان مرحلة من التيه عبّر عنها بناقف الحنظل، وربما رافقت هذه الحيرة دموع الشاعر المنهارة كما تفعل حبة الحنظل التي تُدمِع العيون لحرارتها، وأمام ذلك الموقف النفسي المؤثر، موقف الشاعر أمام الطلل، يجد المواساة من أصحابه الذين يخففون عنه بدعوتهم إياه أن يتجمل بالصبر والتجلد.

  وكأنه يجيب هؤلاء الصحب، أن لا شفاء له مما يعانيه إلا بإراقة دموعه مدراراً.

   ويخيّل إلينا أن امرأ القيس وصف الأماكن ليوهم السامع أنه عبر عن مأساته الفعلية، وأن حديثه جاء مباشراً صريحاً، فقد حدد المواضع التي كانت تؤوي الحبيبة، ثم استدل على وجودها في ذلك الحيز المكاني الذي ظل محتفظاً ببعض ما ينبئ عن آثار الدار، لينتقل بعد ذلك إلى وصف ما نستشف منه خلو هذه الدار إلا من تلك الملامح التي تدل على بقاياها.

   ولعل ذلك ما توحي به المعاني الغريبة التي تثيرها فينا أبيات الشاعر، غير أن هناك من الدارسين من يذهب إلى أن الشاعر لا يبكي إذ يبكي حبيبة درست منازلها، وغادرت حيها القديم ((ولكنه يبكي حروقاً قلبية، ومواجد مصيرية، وإحساسات جدية، وأحداثاً مأساوية، صدر عن عاطفة حقيقية، تبكي المجد الآفل والعز المعفى والدماء المسفوحة والأمل المشبع والأب المغدور، وليبكي مع هذه العواطف الباكية كل خلي وشجي وصديق وقريب وبعيد))([16]).

   ومع أننا نشاطر هذا الرأي في بعض جوانبه، فلا بد من الإشارة إلى أن التعامل مع الشعر قد يسمو بنا إلى درجة من التمثل أو التخيل تجعلنا نذهب مذاهب بعيدة، لا لنقوّل الشاعر ما لم يقله أو يخطر على باله، ولكن لأن طبيعة الشعر قد تُثير في نفس القارئ أو الدارس خواطر ورؤى قد لا تخطر للشاعر على بال، فتلك مسلمة لا نستطيع إنكارها ونحن نتعامل مع شيء اسمه شعر، ويبدو أننا حين نتعامل مع مقدمة امرئ القيس السابقة من دون أن نوظف ما نمتلكه من خلفية تاريخية أو مرجعية عن حياة هذا الشاعر، فإن هذه الأعباء التي حمّلنا بها مقدمته تبدو مجرد تخيل، حيث أن الرأي السابق بُني على خلفية معرفية لملابسات حياة الشاعر، ولم يبْنَ على ما أثاره النص الشعري في نفس هذا الباحث، فلو تناول أي دارس مقدمة امرئ القيس بصفتها عالماً مغلقاً، فإنه يستعمل مفاتيح معرفية غير التي يستعملها المتأثّر بمعلومات عن حياة صاحب النص، ومن ثم فإن المفاتيح التي يستعملها الدارس الثاني المفترض لدخول النص ليس بالضرورة نفس المفاتيح، ومن هذا المنطلق فإن المقدمة الطللية لا تثير فينا ذلك التأويل البعيد، اللهم إلا إذا وضعنا نصب أعيننا حياة الشاعر وما اكتنفها من مآسٍ نفسية وعاطفية.

   أما طرفة فيقف على الأطلال كما وقف امرؤ القيس من قبل ويناجي أماكنها بعد تحديدها ((ببرقة ثهمد)) حيث كانت حبيبته ((خولة)) التي ظل يبكي ذكرياتها، ويعد البكاء إلى اليوم التالي، وهو هنا ينسجم مع امرئ القيس في البكاء، لكنه يختلف عنه في طريقة هذا البكاء، فهو حين يقول:

((لخولة أطــــلال بــــبرقة ثهــمد 

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد))

  لا ينقل أثر الطلل في نفسه بقدر ما يصور بقايا هذا الطلل التي تدل عليه، كما يبرق الوشم في ظاهر اليد.

   ثم يأتي البيت الثاني من مقدمة طرفة الذي هو تكرار للبيت الخامس في مقدمة امرئ القيس، مع فرق ضئيل جداً بين كلمتي ((تجمل)) عند امرئ القيس، و((تجلد)) عند طرفة، ويبدو أن طرفة استعمل تجلدا لضرورة شعرية تماشياً مع حرف الروي.

   وفي ذلك ما يدل على تصرف الرواة في كثير من الأشعار إما بالتحريف أو بنسبة شعر شاعر إلى شاعر آخر، إذ لا نعتقد – مثلاً – أن شاعراً مثل طرفة يعمد إلى نقل بيت كامل ليقحمه في معلقته، ما دام هذا الشاعر بالذات يتميز بموهبة شعرية تؤهله لأن يعبر عن المعنى الذي عبر عنه غيره بطريقته الخاصة، اللهم إلا إذا أعجب طرفة ببيت امرئ القيس ونقله على سبيل التضمين.

   وأياً كان الأمر، فإن الشاعر بعد أن يصور موقف الرحيل، وما ينتابه من إحساس بالأسى واللوعة، يصف مركب الحبيبة، وهي على أهبة الرحيل، ويسم هذا المركب بالسفن العظام، وكأني به أراد أن يشيد بذلك الركب الذي يشمل نساء وأولاداً، وهو يتجه نحو أمكنة أخرى.


لخولةَ أطـــلالٌ بـــبرقةَ ثهـــمدِ 


ظللتُ بِها أبكِي وأبكِي إلى الغدِ*

وُقُوفاً بها صحبي على مطيَّهم 

يقولون لا تهــلِكَ أسىً وتجـلَّدِ

كأن حُــدوجَ المالكـــيةِ غدوةً 

خلايا سفينٍ بالنواصِفِ مِنْ دَدِ([17])

   في حين نلاحظ أن زهير بن أبي سلمى يختلف اختلافاً طفيفاً عن امرئ القيس أو غيره من أصحاب المعلقات، إذ يستهل مقدمته بالتساؤل الذي يعتريه الشك حول تحديد الأماكن الدالة على طلله الدارس، ولكنه سرعان ما يهتدي إلى تحديد تلك الأماكن تحديداً دقيقاً، وكأنه يريد أن يوهمنا أو يقنعنا بصدق التجربة الشعرية، وبواقعية تلك المواضع، فبعد هذا الاهتداء – إذن – راح يسائل الطلل، طلل الحبيبة بين تلك المعالم التي ظلت شاهدة على ماض تخللته حياة سعيدة، وها هو الآن لا يجيب، فقد صار مكاناً قفراً موحشاً، وكل ما هنالك بقايا آثار الدار وبعض مخلفات أثاث البيت، وكل ذلك قصد تعميق الإحساس بالوحشة النفسية التي تنتاب الإنسان أثناء وقوفه على الأطلال التي ارتبطت من قبل بجزء من حياته السعيدة في ظل علاقة إنسانية تطفح حباً وهياماً، وتحولت– فجأة – إلى مجرد ذكرى.

   ويأبى زهير إلا أن يحدّد الزمان، كما حدد المكان، فقد عاوده الحنين إلى حبه القديم بعد مضي عشرين سنة، تعرف بعدها إلى آثار الدار من خلال ما تبقى من أثافي ونؤى، وحينها لم يتمالك نفسه، فراح يحيي ذلك الطلل البالي تلك التحية التي ترمز إلى تحية الحبيبة التي أضفت على تلك الأماكن رونقاً وأنساً وجمالاً فجملت الحياة بوجودها، وأصابتها الوحشة والرهبة بعد ذهابها.

أمن أم أوفى دمنة لم تكلم 

بحومانة الدراج فالمتــثلم

ديار لها بالرقمتين كأنها 

مراج وشم في نواشر معصم

بها العين والآرام يمشين خلفة 

وأطلالها ينهضن من كل مجثم

وقفت بها من بعد عشرين حجة 

فلأيا عرفت الدار بعد توهم

أثافي سفعاً في معرّس مرجل 

ونؤيا كجذم الحوض لم يتثلم

فلما عرفت الدار قلت لربعها 

ألا انعم صباحاً أيها الربع واسلم([18])

  ولعل السؤال الذي يطرح بإلحاح كلما تعاملنا مع المطولات بعامة، والمقدمات الطللية بخاصة، وهو ما السر في ذلك الإلحاح على استخدام نفس الأدوات اللغوية والمعنوية في المقدمة الطللية؟

  صحيح أن البيت الجاهلي الذي عني به الشعر الطللي لا يختلف كثيراً من حيث هندسته المعمارية، ومن حيث احتواؤه على أثاث غاية في البساطة، فالتشابه كبير لا محالة، إذ لا نتصور هذه البيوت أكثر من خيام منصوبة وبيوت طينية عموماً، لكن المسألة لا تكمن في البيت بقدر ما تكمن في طريقة تصويره والتعبير عن خباياه، إذ نلاحظ أن جلّ التشابيه مستقاة من منبع واحد، فهناك تشابه من حيث المواقف كالوقوف على الطلل والبكاء عليه، بعد التوهم، وتشبيه الطلل بالوشم في ظاهر اليد أو المعصم الخ…

   وبطبيعة الحال فإن هذا يقودنا إلى شيء أهم، وهو السمة التعبيرية الغالبة التي تدل على تأثر واضح بنموذج تعبيري سائد، فضلاً عن معاني محدودة لم يستطع الجاهلي أن يتجاوزها إلى غيرها من التراكيب الشعرية التي تتسم بالجدة والابتكار، أو أن هذا الشاعر كان ينظر إلى مثل هذه التراكيب الجاهزة على أنها تمثل الأصالة والثراء الدلالي والمعنوي، ومن ثمة لم يشأ أن يصنع لها بديلاً، ومع ذلك لا تخلو بعض هذه المقدمات من بعض الصور الشعرية، والتعابير الرمزية، كما هو الشأن في مقدمة زهير الغنية بمعاني الاكتئاب النفسي، وتصوير الإحساس بالوحشة في ظل غياب منزل الحبيب الذي يعني –في الوقت نفسه- غياب الحبيب.

   فالدمنة السوداء - مثلاً - قد ترمز إلى ماضي الشاعر الغابر، وتجربته النفسية والاجتماعية، كما أن الأثافي السود هي رمز –كذلك- للعهد البائد الذي لم يعد يحمل إمكانية التجدد.([19])

   أما عنترة بن شداد فيسائل الطلل مساءلة إنكارية، ولكنه يؤكد بذلك قدسية الوقوف على الطلل، فالشاعر يعي تماماً أن الشعراء لم يتركوا موضعاً مسترقعاً إلا ورقعوه وأصلحوه، وبذلك لم يعد هناك مجال لقول غير ما قالوه، ومن هنا فإن استفهامه هو استفهام إنكاري مقصود لذاته، إذ أن الشعراء قبله لم يتركوا للأواخر شيئاً يذكر على سبيل الجدة والابتكار، وهذا ما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأن الشعراء الجاهليين قد أثّر بعضهم في شعر بعضهم الآخر من حيث الشكل والمضمون معاً، ويؤكد ذلك عنترة نفسه الذي يقرّ بأنه يعيد صيغة ما كان قد صيغ من قبل، فمعرفة الدار بعد التوهم –على سبيل المثال لا الحصر- ليست بالشيء الجديد، كما أن مخاطبة الطلل أو الحبيبة، وتحيتها من خلال تحية الربع هي من الأدوات التعبيرية التي استعملت بإسهاب، كما أن مسألة تقادم الطلل، ووحشته، وانتشار بعر الآرام وغيرها من الحيوانات الوحشية بعد رحيل الحبيبة –هي أيضاً- من الأدوات التعبيرية التي استعملت بشكل جماعي، فهل هذا يعني أن عنترة كان مقلِّداً دون غيره؟ ويبدو أن المسألة هنا ليست مقتصرة على عنترة فحسب، وإنما تتعلق بهذا المثل الفني المحتذى الذي أصبح نموذجاً يقاس على منواله، يقول عنترة:

هلْ غادَرَ الشعراءُ من مُتَردّمِ 

أمْ هلْ عرفت الدارَ بعْدَ توهُّمِ

يا دار عبلةَ بالجِواءِ تكلَّمِي 

وعِمي صَباحاً دارَ عبلةَ واسلمِي

فوقفتُ فيها ناقَتِي وكأنَّها 

فدَنٌ لأقضِيَ حاجةَ المتلومِ

وتَحُلُّ علبةُ بالجِواءِ وأهلُنا 

بالحزَن فالصّمانِ فالمتثلّمِ([20])

حييتَ من طللٍ تقادَمَ عهدُهُ 

أقوَى وأقفرَ بعدَ أمّ الهيْثَمِ

   أما الحارث بن حلزة فيستهل مطولته على نمط من سبقوه من أصحاب المعلقات إذ يقف جزعاً حائراً بعد أن أعلمته الحبيبة بساعة الفراق، وأمام هذا النبأ المحزن ربما هناك مقيم يملّ منه إقامته، ولكن الشاعر لا يملّ ثواء هذه الحبيبة، ولعل ما جعله يذهب ذلك المذهب يعود إلى العهد السعيد الذي قضاه صحبة تلك المرأة بتلك المواضع التي أضحت اليوم أطلالاً تثقل كاهليه وتزيد من أعباء حياته ذكرياتها، لاسيما حين يتذكر مختلف الأماكن التي كانت مسرحاً لحياة مفعمة بالحب والطمأنينة، ولكن أين الشاعر من تلك الأيام فما له بدّ اليوم إلا البكاء حباً وشوقاً إلى تلك الأيام الخوالي، ولكن أنى لهذا البكاء أن يرد ما فات، ومع ذلك فهو يشفي ما به من أسى وحزن على فراقها:

آذنتنا ببيْنِها أسماءُ 

ربَّ ثاوٍ يملُّ منه الثواء

بعد عهد لها ببرقة شمّاء 

فأدني دارها الخلصاء

فمحياة فالصّفاح فأعلى 

ذي فتاقٍ فعاذِبٌ فالوفاءُ

فرياضُ القطا فأوديةُ الشر 

بَبِ فالشعبتانِ فالأيلاءُ

لا أرى من عهدتُ فيها فأبكي 

اليوم دَلْهاً وما يردُّ البكاءُ([21])

    فحين نتأمل أبيات الشاعر، نجدها مثل سابقاتها من المقدمات، فيها إصرار على ذكر الأماكن التي تمثل موطن الذكريات ومراتع الهوى، ويتجوّل بنا الشاعر صاعداً إلى الهضاب والمرتفعات تارة، ونازلاً بنا فجأة إلى الشعاب والأودية، ويبدو –كما سبق أن أشرنا من قبل- أن الشعراء في مثل هذا الموقف لا يسعون إلى تكثيف الصور الشعرية من خلال الوقوف على تحديد المواضع والأماكن، بقدر ما يهدفون إلى إيهام القارئ أو السامع بصدق تجاربهم وواقعيتها، ومن ثمة يخبرنا الشاعر بأنه كان سخياً في سكب الدموع مدراراً هياماً واشتياقاً إلى الحبيبة التي مثلت بالأمس فيضاً من الحياة السعيدة، والذكريات العذبة، وهي اليوم تمثل فيضاً إلهامياً.

  ولكن الملاحظ هنا أن الشاعر لا تستوقفه الديار الدارسة غير أن ما يستوقفه حقاً هو ذكرياته من خلال تلك الأماكن، فهو يشير إلى المواضع التي تحمل في طياتها دلالة الذكرى دون أن يطلعنا على ما أصابها من دمار وتخريب، عساه يحتفظ بشيء أثمن وهو أن يظلّ جمال الذكرى حيّاً في نفسه، متحرِّكاً في وجدانه، دون أن يشوّه صورته، أو ينقص من جماليته شيء.

   ومن الشعراء الجاهليين الذين صنفوا ضمن أصحاب المعلقات، لبيد بن ربيعة، والذي لم يختلف –هو الآخر- عن بقية زملائه في بناء قصيدته من حيث هيكلها المعماري، إذ استهل مطلع معلقته بالحديث عن الديار الدارسة التي امحت وزالت جل معالمها مما جعل كل ما بقي فيها يوحي بالوحشة والرهبة، ليصنع بذلك صورة سوداوية قاتمة لتلك الديار سواء ما كان منها للحلول دون الإقامة، وما كان منها للإقامة، ولا ينسى تحديدها حيث يخبرنا أنها كانت بالموضع الذي يدعى ((منى)) وقد توحشت الديار الغولية والرجامية منها لارتحال قطانيها ولعل الغولية والرجامية كناية عن الديار بشكل عام.

عفتِ الديارُ محلُّها فمقامُها 

بمنىً تأبَّّدَ غولُها فَرِجامُها

فمدافعُ الريانِ عُريَّ رسمُها 

خَلَقَا كما ضَمِنَ الوُحيَّ سلامُها

دِمَنٌ تجرَّمَ بعد عهدِ أنيسها 

حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلاَلُها وحرامُها([22])

  وقد لا نجد كبير عناية أو احتفال بالطلل - في حد ذاته - لدى الأعشى، إذ لا يصور في مقدمته بقايا الأطلال - كما فعل غيره - ولكنه يصور موقفه النفسي، حين يقف مودِّعاً أحبَّتَه، فتبدو لحظات الحسرة والأسى ولواعج الألم ومن ثمة فهو يصور لحظة الفراق أكثر مما يصور الطلل، وهو حين يستعمل ((فعل الأمر)) لا يستعمله آمراً صاحبه بضرورة هذا الوداع، ولكن ليفاجئ المتلقي أو السامع بالموقف الذي جاء اضطرارياً، فهو لا يرغب في تلك اللحظة المؤثرة ((لحظة الوداع)) ولكنها فرضت عليه فرضاً، فالحبية بصدد المغادرة، ومن هنا، فالشاعر لا يمتلك حق إبقائها في الموضع الذي يقيم به، لهذا فهو لا يخاطب –في الواقع- إلا نفسه، إذ لا مناص من هذا الوداع ما دام الركب قد أعدَّ العُدَّة للرحيل، فالخطاب –إذن- لا يحتمل الازدواجية، اللهم إلا من باب المواساة، ومشاطرته ذلك الموقف الإنساني المؤثر:

ودّع هريرةَ إنَّ الركبَ مرتحلُ 

وهل تطيقُ وداعاً أيُّها الرجلُ؟

غرَّاءُ فرعاءُ مصقولٌ عوارضُها 

تمشي الهوينا كما يمشي الوجيُّ الوحِلُ

كأنَّ مشيتَها من بيت جارتها 

مرُّ السحابةِ لا ريثٌ ولا عَجِلُ

تسمّعُ الحليَ وسواساً إذا انصرفتْ 

كما استعانَ بريح عشرق زجِلُ


ليست كمنْ يكرهُ الجيرانُ طلعتَها 

ولا تراها لسِرِّ الجارِ تخْتَتِلُ([23])

   ويمكن الإشارة هنا إلى أن الأعشى يختلف - نسبياً - عن بقية الشعراء الذين تناولوا المقدمة الطللية، فقد وقف حيث وقفوا، وبكى كما بكوا ولكنه اختلف عنهم من حيث التركيز على تصوير موقف الوداع، دونما إسهاب في تصوير الأطلال وما تشمله من ملامح عارضة تدل على وجودها، فقد وصف ((الركب المرتحل)) دون أن يصف الطلل، وكأنه بذلك أعطى القارئ حرية التخيل والتصور، فالموضع هنا لم يأخذ حيزاً واضحاً من اهتمام الشاعر، حيث أن حيزه هو حيز نفسي أساساً وأنه تعبير عن لحظة الوداع، وداع الحبيبة الذي جعله يتساءل تساؤلاً إنكارياً عن مدى احتماله للحظة الفراق، وقدرته على العيش من دون هذه الحبيبة، ولعل سياق البيت الأول من المقدمة هو الذي رسم المنحى العام لبقية الأبيات، حيث راح الشاعر –في تلك اللحظات النفسية المؤثرة- يسرد علينا ملامح حبيبته الجمالية، وخصالها الإنسانية النبيلة، التي جعلتها فتاة متميزة محبوبة لما توفر فيها من خصائص جمالية مزدانة بشمائل طيبة، وكل ذلك من خلال أوصاف تليق بمكانتها في نفس الشاعر.

   وليس هذا فحسب الذي لفت انتباهنا في مقدمة الأعشى، فالمعهود لدى الشعراء الجاهليين أنهم يركزون على الطلل وصولاً إلى تصوير حبهم وهيامهم على ماضيهم الجميل صحبة المرأة بالطبع، ولكن الشاعر الأعشى هنا، حاول أن يجمع بين تصويره للأجواء النفسية الذاتية التي اعترته ساعة الفراق، فضلاً عن الإشادة بتلك الخلال الكريمة لحبيبته، مما يجعل إحساسه إحساساً عفيفاً من جهة، ويجعلنا نتصور الجانب المعنوي العفيف إزاء المرأة من جهة أخرى، حيث أن هذا الكائن الإنساني لا يمثل مجرد المتعة الحسية وإشباع الغرائز بقدر ما يمثل أشياء أخرى أهم من ذلك.

   ففي ضوء ما سبق نستشف أن المقدمة الطللية ارتبطت ارتباطاً عضوياً بالقصيدة الطويلة أو ما اصطلح عليه بالمعلقات خاصة، فكان الشاعر يعمل الرؤية ويشحذ قريحته الشعرية لصنع تلك المقدمة استعداداً لطرق الموضوع الأصلي أو الموضوعات التي تشملها المطولة الواحدة.

   وبناء على المقولة التي تؤكد نضج القصيدة الجاهلية، التي وصلت إلينا على أيدي امرئ القيس والنابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى وطرفة وعمرو بن كلثوم والمهلهل وغيرهم، فإن تلك المقدمة مثلت سنة حميدة متبعة أو مثالاً محتذى لا يجوز –في تلك المرحلة الزمنية والفنية- تجاوزه.

إذا كانت هذه المقدمة شيئاً ملازماً للمطولات، فهل صاغها هؤلاء الشعراء لمجرد تقليد نمط فني سابق؟ قد لا نتردد هنا في القول إن الانطلاق من المثال المحتذى لا يفرض الوقوف عنده، فالشاعر الذي يقف على الأطلال لا يضيره أن يبدع ويأتي بالجديد لمجرد أن هناك من سبقه في الوقوف عليها وبكائها، فالمواهب الشعرية مختلفة ومتفاوتة بين شاعر وآخر، ومن ثمة فقد يبدع شاعر معاصر في تصوير مواقف نفسية حين يقف على أطلال حبيبته التي تحولت إلى ماض لا يحمل من الملامح والمعالم إلا ومضات ذكرى في نفس ذلك الشاعر، على الرغم من أن هناك عشرات الشعراء الذين تناولوا الطلل منذ عشرة قرون ونيف.

   أما التساؤل الذي لم نقدم بشأنه جواباً شافياً بعد، فهو إلى أي حد استطاع الشعراء الجاهليون أن يتجاوزوا نموذج الطلل فنياً وتعبيرياً؟

   فعلى الرغم من أن الإجابة عن مثل هذا التساؤل لا تتأتى بحيث ننهي الإشكالية القائمة، ولكنها وجهة النظر التي تحاول تقديم موقف أو رؤية إزاءها.

  إن الشاعر الجاهلي الذي يفترض أنه وجد شكلاً معمارياً للقصيدة لم يفكر منذ الوهلة الأولى أن يثور على ذلك الشكل، بل أول ما يفكر فيه هو أن يحاكي ذلك النمط، ثم يعمل على تجاوزه، ومن هذا الموقف فإن الشاعر يكون مهيئاً نفسياً للتعامل مع ما هو موروث بطريقة غير عدائية، لا سيما حين يجد مشاعره وأحاسيسه مرتبطة بذلك الانسياق الوجداني الذي يمليه موضوع الطلل، وما يشمله من ذكريات الشباب ومشاعر الصبابة والهوى في ظل مكان وزمان معينين فموضوع الطلل –إذن- من الموضوعات الحافلة بمختلف الإيحاءات والرموز والدلالات النفسية، ولا مناص للشاعر في ضوء ذلك من أن يستهل موضوع شعره بمساءلة الذات، وبالوقوف على لواعج النفس والمؤثرات الوجدانية مثل الانتقال إلى الموضوعات الجانبية الأخرى.

   فبكاء الطلل - إذن - حفل بغناه الفني وبدلالاته النفسية والرمزية المتنوعة، فضلاً عن كونه نمطاً شعرياً، فهل استطاع الشعراء الجاهليون أن يكونوا في مستوى دلالاته الفنية والرمزية الكثيفة أم أنهم وقفوا عند مظهره العام الذي اتصف به أول من وصفه؟

   لا بد في البداية من الاتفاق حول طبيعة البنية التركيبية اللغوية التي جاءت متشابهة ومتقاربة بين جل الشعراء الذين تناولوا الطلل، بحيث أن المسافة الزمنية والمكانية بين هؤلاء الشعراء كانت متقاربة جداً، ولذلك لا يطرأ تحول واضح على بنية اللغة أو الموسيقى.

____________

([1]) شكري فيصل، تطور الغزل بين الجاهلية والإسلام، ط5، ص23.

([2]) المرجع السابق، ص، 27.

([3]) المرجع نفسه، ص ، 24.

([4]) ديوان امرئ القيس. ص200.

([5]) عدنان عبد النبي البلداوي، المطلع التقليدي في القصيدة العربية، ص13.

([6]) ديوان امرئ القيس، ص1.

([7]) محمد صادق حسن عبد الله، مقدمة القصيدة الجاهلية، ص192.

([8]) المرجع السابق، ص193.

([9]) المرجع السابق، ص/194.

([10]) المرجع السابق، ص295.

([11]) المرجع نفسه، ص109.

([12]) المرجع السابق، ص/203.

([13]) يحيى الجبوري، الشعر الجاهلي، خصائصه وفنونه، ط6/350.


([14]) المرجع السابق، ص150.

([15]) الزوزني، شرح المعلقات السبع، ص، 6، 7، 8. وشرح القصائد السبع الطوال الجاهليات لأبي القاسم الأنباري، ص5-25.

([16]) محمد صادق حسن عبد الله، خصوبة القصيدة الجاهلية، ص151.

* في رواية الزوزني:

((لخولةَ أطلالٌ ببُرقةَ ثَهْمدِ 

تلوحُ كباقِي الوشمِ في ظاهِرِ اليدِ))

([17]) شرح القصائد السبع الطوال، الأنباري، ص132، 135.

([18]) شرح القصائد السبع الطوال، الأنباري، ص237-243. والزوزني، شرح المعلقات السبع، ص77، 78، 79.

([19]) محمد حسن عبد الله، خصوبة القصيدة الجاهلية، ص183.

([20]) القصائد السبع الطوال، الأنباري، ص 194-198. والزوزني.

([21]) شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، الأنباري، ص 433-436.

([22]) الزوزني، شرح المعلقات السبع، ص96، 97. وانظر القصائد السبع الطوال الجاهليات، الأنباري، ص517، 520.

([23]) الزوزني، شرح المعلقات السبع، ص183، 184.

ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة