النسق النصي والنسق المتني في الحركتين المتضافرتين للقصيدة (الانبناء/ الانهدام) 6
بشير حاجم ...
6:
6ـ0: بذلك،
أخيرا، تكون هذه الدراسة، الحاضرة، التي بحثت في الحركتين المتضافرتين للقصيدة:
الانبناء/ الانهدام، أداتيا وأدائيا، قد انتهت من تحقيق التمييز، الاستغواري/
الاستكشافي، ما بين النسق النصي والنسق المتني. وإذ ركزت على ثاني النسقين هذين،
أكثر من تركيزها على أولهما، لا سيما في الفقرة (5:)، منذ (5ـ1ـ1ـ1:) حتى
(5ـ2ـ5ـ2:) تحديدا، فلأنها أرادت، تنظيريا وإنجازيا، أن تصل إلى أهم نتيجة. تلكم
هي أن نسق المتن ـ كونه جزءا من نسق النص ـ إنما هو أبرز تجليات المهيمنة الواحدة
على المستويات الثلاثة (: الدلالي/ الصوتي/ التركيبي) في إيقاع القصيدة، أية قصيدة
معتمدة كقصيدة، ولو كان إيقاعا داخليا لقصيدة نثرية(1).
6ـ1: يُعنى
بالإيقاع الداخلي لقصيدة النثر(2)، تشطيرية كانت أم سطرية، ذاك المكوِّن،
المقوِّم، الذي يهبها مزاياها الشعرية الخاصة. فهو، مما يهب من مزايا كهذه، يعوضها
عن الموسيقى الخارجية الغائبة. حيث أنه، عادةً، يُحَسّ، أولا، ويُدرَك، ثانيا،
وإنْ دون وصف محدد. ذلك لأنه، إيقاعا كهذا، متغير حسب معطيات القصيدة، هذه، متمركز
حول الفكرة والصورة واللفظة. لكن تمركزه حولها، هنا، لا يحد من إسهامها في نمو
الدلالة، وتولدها، عبر كل المكونات النصية، للقصيدة، وليس في جزء منها.
6ـ1ـ1: لقد
وقع الخلط، السهوي؟، بين الوزن والإيقاع، من جهة أولى، وبين الموسيقى والإيقاع، من
جهة ثانية، غالبا. إذ تتقرر، في بعض الدراسات، أسبقية الوزن على الإيقاع، نعم،
باعتبار الأول نمطا للثاني، ليس صورته، مما يرتب، طبعا، أن يكون الإيقاع خارجيا
متحققا بالصوت(3). ثم يوصف الإيقاع بالانتظام، من دراسات أخرى، ليكون هذا الوصف
انحيازا إلى مفهوم محدد للشعر، عموما، كالقول بأن الإيقاع المنتظم عنصر أساسي من
عناصر الشعر لا غنى عنه ومن المغالطة التعامل معه كأنه قيد محض(4). ذاك أن وصف
الإيقاع بالانتظام تحديدا، لا بغيره، يعكس مفهوما محددا للشعر، كل شعر، يتسم
بالمعيارية، الصرف، ولا غرو، بعد ذلك، أن يجد هذا الواصف أدلته في حركة الكون
وتعاقبية الفصول ودورة السنين، وأمثالها، كما يجد واصف آخر هذه الأدلة في انسجام
العالم وقواعد الحياة(5).
6ـ1ـ2: إن
وصفا ـ للإيقاع الشعري ـ كهذا، استشفافا من الفقرة السابقة (6ـ1ـ1:)، إنما يؤدي،
لا محالة، إلى ربط الشعر بالوزن، تماما، أي اعتبار الوزن ـ هو ـ الشكل المميز
للشعر. أما هذا الاعتبار، من ذاك الربط، فهو دعوة، غير جديدة، ترجع في أصولها
النقدية الحديثة إلى كولردج(6). حيث رأى، في هذا الخصوص، أن الشعر ناقص معيب، أو
يصبح ناقصا معيبا، دون الوزن. وقد احتج، لإسناد رأيه، بأسباب، أربعة، مفاداتها:
مصدر الوزن (التوازن في العقل) ـ أثره (زيادة الحساسية/ إثارة الانتباه) ـ الغريزة
ـ الارتباط.
6ـ1ـ2ـ1:
هذه الأسباب، الأربعة، توصف بالاشتراطات الملبية ـ من غير ما شك ـ للفهم القائم
على افتراض موسيقى محددة المصدر في الشعر. ويُقصد بموسيقى كهذه، ذات مصدر محدد،
تلك الموسيقى المتحققة بالوزن من دون فحص الشعر على وفق المستويين الدلالي
والتركيبي. أي المكتفية، لكي تتحقق وزنيا دوناً عن هذا الفحص، بمستوى إيقاعي واحد،
فقط، هو المستوى الصوتي.
6ـ1ـ2ـ2:
هنا يُعْلَمُ بأن قصيدة النثر، تحديدا للشعر الأحدث، تستثمر بعض الجوانب الصوتية
دون اعتبار الوزن. يأتي هذا الاستثمار، البعضي، على أساس أن لكل نص ـ من نصوص هذه
القصيدة ـ إيقاعه، الخاص، الذي تصنعه المهيمنة دلاليا أو صوتيا أو تركيبيا.
6ـ1ـ2ـ2ـ1:
فنص: أغنية لباب توما، من محمد الماغوط(7)، يجسد إيقاعه بالتناقض من خلال الصور
الحادة المتنافرة، ما يخلق ذلك المسمى عند رتشاردز ـ خصوصا ـ بالمفاجآت المولَّدة
من سياق المقاطع(8)، وهو يعوض النظم الغائب، عن النص، ويستثمر المستوى الدلالي
الموظفة فيه العناصر النصية.
6ـ1ـ2ـ2ـ2:
ونص: خطة، من أنسي الحاج(9)، تمنح معاينته وفق المستوى التركيبي رؤية الدليل
النحوي، خصوصا، وهو يؤكد قيام النص على منطقه الداخلي المقتصد والمكثف، دون فضاء
إنشائي أو مبالغات تهويلية، بحيث يستطاع تلمس إيقاعه هكذا.
6ـ1ـ2ـ2ـ3:
أما نص: رقعة من تاريخ سري للموت، من أدونيس(10)، فيُدرَك على المستوى الصوتي،
ويُحسُّ به، إيقاعه، جليا، عبر التوازي بين الفكرة وتجلياتها النصية، التي يظهرها
البناء المتحقق للنص، أو من خلاله.
6ـ2: يجوز،
إذن، تواصلا مع نهايات الفقرة (6ـ1:)، أي (6ـ1ـ2ـ2ـ1:) تعيينا، أن يُطَوَّرَ
استنتاج قولي بأن (لكل قصيدة إيقاعها الذي تصنعه المهيمنة سواء على المستوى
الدلالي أو الصوتي أو التركيبي). مفاد هذا التطوير، الذي يرام هنا، هو اعتقاد في
أن لقصيدة النثر ـ حيث هي منصوص شعري ـ إيقاعا داخليا ((إحساسيا/ إدراكيا)) ذا
مهيمنة واحدة ((صانعة)) على مستويات ثلاثة ((دلالي/ صوتي/ تركيبي)) معا. هذي
المَعْيَوِيّة، الدلالية/ الصوتية/ التركيبية، تعني، مما تعنيه، أن كل مستوى من
تلكم المستويات ـ الثلاثة ـ إنما هو: مؤد منه ومؤدى إليه ـ سواء بسواء ـ في جلّ
نصوص هذه القصيدة.
6ـ2ـ1: ثمة
جلاء فعلي لهذا المعنى، لعله مبدئي ـ؟!ـ لا تفصيلي، سيعزز هذه الدراسة، عموما، إذ
يعزز فقرتها (4:)، خصوصا، في نص: طبعا.. وإلى الأبد(11). إنه، لغويا في الأقل
وشكليا على الأكثر، وعر وشائك وملتبس. لذا تبدو فيه مَعْيَوِيّة الدلالة والصوت
والتركيب، حتما، عُقْدَوِيّة، بتوترية خطابه الشعري، لكنها ذات انحلال سريع.
6ـ2ـ1ـ1:
تظهر أولى بوادر هذا الانحلال السريع، مبكرة جدا، حين يتشارك بث النص وتلقيه في
خلق متنه دلاليا(12)، دالا ومدلولا، منذ استهلال المتن (( مثل أب لطفلين/ أقبل
الخارطة من جهة الشمال/ وأفلي النخلة من دبيب الشظايا/ أحترم الله وقصيدة النثر
وأنت/ وأعرف ان الطريق المؤدي اليك/ قنبلة تغص بالأحلام حين تأكل السقوف...)). هذا
الظهور، الجد مبكر، كان مهما، للغاية، لا سيما أن للاستهلال وظيفتين(13)،
متضافرتين، أولاهما الشد إلى الموضوع، بجلب الانتباه، وأخراهما التلميح عن
المحتوى، بأيسر القول، بثا وتلقيا. ثم أنه، ظهورا كهذا، سيمهد لما بعد كمونية
الاختلاف الكيفي بين ((أحترم)) و((أعرف))، في ((أنت)) و((إليك)) سوية، حيث حدث أنْ
((لم يبق مني... سوى علاك))، من هذه الكمونية، وهو نفي فذ، بجدارة شعرية، كونه ـ
سطحيا وعمقيا ـ ذا حضورية تركيبية: مناسِبة، متناسبة، ربما لأن أداة النفي ((لم)) استهلالية
أفقيا وانتصافية عموديا، هنا، بالضد، جزئيا أم كليا، حين تكون ـ هذه الأداة ـ استهلالية
أفقيا وعموديا أو انتصافية أفقيا وعموديا كذلك.
6ـ2ـ1ـ2:
فضلا عن حضوريته التركيبية ـ هذه ـ المناسبة، المتناسبة، يلاحَظُ أن النقط الثلاث
((...)) للنفي هذا، كونها وحدته السطحية، إنما هي فاصل إستراحي بين ضميرين: متكلم
((لم يبق مني))/ مخاطبة ((سوى علاك))، كونهما وحدتيه الابتدائية والانتهائية
متراتبتين، وهذا الفاصل، علاوة على استراحيته، يعتبر، من حيث إشاريته، فاصلا
علاميا، هنا، ما يَتْبَعُ، من اعتبارية كهذه، أن يقابله، حتما، فاصل دلالي. ذاك
هو، الفاصل الأخير، ما بعد ((علاك)) وقبل ((أتسلق)) في ((لم يبق مني... سوى علاك/
أتسلق ظلك المستنير/ صائحا من ذروة في منارة:ـ/ الـ(آه) أكبر/ الـ(آه) أكبر/
الـ(آه) أكبر مما تدركه رزم الاغاثات..))، تحديدا، حيث يتسق ثلاثيا مع تلك
التتابعية للنقط ((...)) تكرار ((الـ(آه) أكبر)) هذا. فإذا تجلى أن تكرارا كهذا ذو
دافع مزدوج: نفسي وفني، إستنادا إلى فلسفة التكرار(14)، سوف يتجلى أن هذا الاتساق،
الثلاثي، إنما هو انسجام، بين ". × 3" و"الـ(آه) أكبر × 3"،
له سياق، أفقي، يساوي بين الصورة والعلامة، من جهة أولى، وله نسق، عمودي، يوازي
بين الصوت والدلالة، كما يراه دارسون(15)، من جهة ثانية.
6ـ2ـ1ـ3:
حتى أن هذا التوازي النسقي، الصوتي/ الدلالي، أكثر من ذاك التساوي السياقي،
الصوري/ العلامي، سينتاب سبعة أشطر لاحقة، بعد "الـ(آه) أكبر × 3"
مباشرة، بصيغة ثلاثية ـ عمودية مثل ما هي أفقية ـ هكذا: ((لا إرث لي غير
"حديقة الأمة"/ وصغار مقذوفين من شرفة "اليونيسيف"...))
فـ((أنت سمائي التي... يا إلهي لم أستطع التذمر من ليلها/ مخافة أن أثلم الهلال))
ثم ((ولا من عادتي ـ كما تعرفين/ الاتكاء على درهم يترنح في رسالة..)). إنها، إذا
لوحظت مليا، صيغة عاملة، فاعلة، تحقق، مما تحققه، لنوعي التوازي، وفق تقسيمه من
رومان جاكوبسون حصرا(16)، أثريهما، كليهما، بالتشابه، أولا، وبالتغاير، ثانيا،
ممتزجين. لكن أثر النوع الثاني، للتوازي، والذي تم بالتغاير تحقيقه، من هذه
الصيغة، هو، وحده، ما سينأى بالإيقاع، المحسوس ـ والمدرك؟ ـ الى الآن، عما يُظَنُّ
أنه وقف قسري بعد ((الاتكاء على درهم يترنح في رسالة..)). فلا وقف قسريا، على الإطلاق،
عند ((أتزمت للتراب))، قبل ((محتكما لمراسيم ثكلى توجها الطين..))، ما دام ثمة
تواز تغايري: الشطر الأول ((/ أقبل الخارطة من جهة الشمال/ وأفلي النخلة من دبيب
الشظايا/ أحترم الله وقصيدة النثر وأنت/ وأعرف ان الطريق المؤدي إليك/)) الشطران
السادس والسابع ((/ أتسلق ظلك المستنير/)) الأشطر من التاسع إلى التاسع عشر ((/
أتزمت للتراب/)) الشطر الحادي والعشرون.
6ـ2ـ1ـ4:
إثر هذا التوازي التغايري، وهو فعلي مضارعي، يظل إيقاع النص محسوسا، ومدركا، منذ
الشطر الثاني والعشرين ((ثم أتعرفين لماذا يموت الجنود)) حتى الشطر السابع
والثلاثين ((ـ فتعاني من تخطيه الشموع..)). أهم ما في هذه الأشطر، الستة عشر، أن
الشاعر، هنا، بعدما دوّم ((لذا انصحي الخطى أن تكون لامعة حين تلمس التراب/ كما
انصحي الخطى أن تكون لامعة حين تلمس التراب))، مباشرة، أحْسَنَ، صنعا، عندما قال
((ستعرفين عند ذاك/ كم كنت مشتبكا مع الطريق)). لقد أدخل السين الاستقبالية على
الفعل المضارع (تعرفين) بدل جزمه، كونه جوابا لفعل الأمر ((أنصحي))، حيث استخدم
((ستعرفين)) بانزياحية بلاغية، استثنائية، لم يستخدم (تعرفي) بمعيارية نحوية،
إعتيادية، فأنقذ الإيقاع من انحراف مؤكد ـ؟ـ صوب نثرية باردة.
6ـ2ـ1ـ5:
لذلك، بإنقاذٍ كهذا، تتواصل محسوسية الإيقاع ـ ومدركيته ـ منذ "أستوقف العابرين
إلى الربايا/ إلى الوظيفة/ إلى الجريدة/ إلى حبيب" فـ"ـ انتبه يا صاح
مره/ ـ رقصة الفرشاة تسعى في خشوع/ ـ لحذاء تكشف الألوان سحره/ ـ فتعاني من تخطيه
الشموع..(17)" حتى "لن أموت/ فلا تقلقي/ ما زال في الحصة شيء يمط الحياة
إلى ساعتين/ فانتبهي لأراك". هذا التواصل، بدوره، سيقويه توازٍ تشابهي، هذه
المرة، عماده: قد (و) مضارع، ثابت ومتغير تراتبيا، ومداه أشطر تسعة، متتابعة لا
متراوحة، من ((قد أصطاد رؤوس الفجل بربطة عنق..)) إلى ((قد أتسلسل
"أولا" في بلاط الضحايا وأغيب عن البيت)). ثم تربط ((لكنّي))، استدراكا
وتوكيدا ـ في مقام واحد؟ ـ هنا، هذه الأشطر، التسعة، بما بعدها من أشطر، أربعة،
فيحافظ النص على إيقاعه محسوسا مدركا، دلالته وصوته وتركيبه، للنهاية ((لكني بريء
من فردوس يلمع في مدفن الغرباء/ وأمين لأصدقائي المشتعلين هناك/في/العامرية..)).
6ـ2ـ2: قد
يبدو هذا الجلاء صعبا، عسيرا، كونه يمتثل لتأكيد جاك ديريدا(18)، خصوصا، أن هنالك
إمكانية، دائما، لأن نجد في النص المدروس، عينه، ما يدفع، بالضرورة، نحو استنطاقه،
تكليمه، وجعله، حتما، يتفكك بنفسه. على أن صعوبته، عسرته، كان لا بد منها له،
استنطاقا وتفكيكا، كي يثبت، بهذا الامتثال، أن: المؤدي المؤدى في الشعر الأحدث،
جزءا من حركة عامة باتجاه شعر حر(19)، هو كل مستوى ـ بعينه ـ من: مستويات
(الدلالة/ الصوت/ التركيب) لإيقاع قصيدة النثر. ذلك لأن هوية كهذه، أنّى ثبتت، هي
تعريف بأن إيقاع هذه القصيدة، التي يمثلها هنا نص عراقي، محسوس/ مدرك، سويا، أي:
مسموع/ مقروء، ربما مجرد خلال الأذنين/ إنما مجسد قبال العينين، وإنْ كان، لأنه
شخصي ومتغير، لا يحدد. وهذا التعريف، بدوره، يقود إلى أن للقصيدة هذه، ذاتها،
شعرية وسردية/ معنوية وإيحائية/ عمودية وأفقية/ كلية وجزئية، نسبيا أو تناسبيا،
فضلا عما لها من شفاهية وكتابوية، طبعا، حالها حال قصيدة النظم، الموزونة، بشقيها:
الأحادي والتناظري، سيّان، كما اصطلحهما كمال أبوديب(20)، أولا، للشعرين العربيين:
الحر (التجديدي/ التفعيلي) والمقيد (التقليدي/ الخليلي) تراتبيا.
6ـ3:
تناولت الفقرة (6ـ2ـ1:)، مثلها مثل الفقرة (4:) قبلها، نصا واحدا، فقط، لكنه
ملتبس، وعر وشائك، على أملٍ، ما، في، أو بـ، أن يتم من خلال دراسة قابلة، لاحقة
بالدراسة هذه، تناولُ نصوص أخرى، غيره، يراد، لاشتغال أوسع حتما، أن تكون،
بالضرورة، أشد منه التباسا، ووعورة وشائكية، أو مثله في الالتباس، والوعورة والشائكية،
على الأقل. حتى ذلك الحين، حين الشروع في الدراسة القابلة، تبقى الغاية الأولى
للدراسة الحاضرة، كما صرحت فقرتها (6ـ0)، إثبات أن النسق المتني أبرز تجل للمهيمنة
على مستويات الدلالة والصوت والتركيب في إيقاع القصيدة. لقد أرادت لهذا الإثبات،
وفقا لما هو مخطط لها، أن يتمتع بمصداقية عظمى، من لدنّ القارئ، بحيث، اشتغالا له،
لم تختر الإيقاع الخارجي لقصيدة النظم، على وضوحه، بل اختارت الايقاع الداخلي
لقصيدة النثر، رغم غموضه، منذ الفقرة (6ـ1:)، ابتداءً، حتى الفقرة (6ـ2ـ2:)،
انتهاءً، مرورا بما بينهما من فقرات. إذ أنها، من ثم، في هذه الفقرات، جميعها، بما
فيها الفقرة (6ـ2:)، خصوصا، قد سعت، تحصيل حاصل، لتطوير استنتاج قولي عن إيقاعٍ
كهذا بتقديم جلاء فعلي على نموذج منه، فذ، دون ما حاجة إلى أية تنظيرات تأريخية أو
توثيقية أو تعريفية أو سواها. لذلك آثرت، كونها دراسة تطبيقية أكثر مما هي
تنظيرية، ألاّ تجتر ولو قليلا، ذاك، الذي طرحته ـ قبل أربعين عاما ـ سوزان بيرنار،
مثلا، وإنْ ظلت المرجع الأول ـ في التنظير لهذه القصيدة ـ إلى الآن، عند جلّ
الباحثين، مذ عللت(21)، احتماليا، ما يجعل مسألة قصيدة النثر صعبة ـ شائكة ـ
ومثيرة أيضا.
* توضيحات
(6:) *
(1) أنظر،
هنا، بشير حاجم: المؤدي المؤدى في الشعر الأحدث ـ مستويات (الدلالة/ الصوت/
التركيب) لإيقاع قصيدة النثر، المربد ـ جريدة يومية، اللجنة التحضيرية لمهرجان
المربد الخامس ـ البصرة، العدد الثالث/ 11ـ5ـ2008
(2) تفيد
هذه الفقرة، أي (6ـ1:) إجمالا، من/ حاتم الصكر: ما لا تؤديه الصفة ـ بحث في
الإيقاع والإيقاع الداخلي، الأقلام ـ مجلة تعنى بالأدب الحديث، دار الشؤون
الثقافية العامة ـ بغداد، العدد الخامس/ آيار 1990 (ينظر، البحث ذاته، في كتابه:
ما لا تؤديه الصفة ـ المقتربات اللسانية والأسلوبية والشعرية، دار كتابات ـ بيروت،
ط1/ 1993/ ص27ـ ص46 (وهو، أي الصكر، يعد واحدا من أوائل نقادنا، العراقيين، الذين
بحثوا في القصيدة النثرية (أنظر، خصوصا، بحثه: قصيدة النثر والشعرية العربية
الحديثة، فصول ـ مجلة النقد الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة، المجلد15/
العدد3/ 1996)
(3) سعيد
الغانمي: قصيدة النثر.. أسطورة الإيقاع الداخلي، الأقلام ـ سابق، العدد الخامس/
آيار 1985. يُنوَّه، من دون تعليق، بأن ثمة دراسات، على اختلاف مناهجها، شككت في
أن لقصيدة النثر إيقاعا داخليا.. بعضها تصريحيا، مباشرةً، كما هي دراسة الغانمي
هذه.. وبعضٌ آخر تلميحيا، مداورةً، كدراسة حورية الخمليشي: الشعر والنثر.. السياق
التاريخي والمفاضلة، نزوى ـ مجلة ثقافية، مؤسسة عمان للصحافة والأنباء والنشر والإعلان
ـ مسقط، العدد45/ يناير 2006
(4) سامي
مهدي: أفق الحداثة وحداثة النمط ـ دراسة في حداثة مجلة ((شعر)) بيئة ومشروعا
ونموذجا، دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد، 1988/ ص105. جدير بالذكر، في هذا
الصدد، أنه أحد الذاهبين إلى أن "كسر بعض قواعد النظم الموروثة" للشعر
العربي "إنما هو محاولة لمجاراة بعض ما حدث في الشعر الأوربي" (ينظر، له،
وعي التجديد والريادة الشعرية في العراق، دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد،
1993/ ص10)
(5) محمد
العياشي: نظرية إيقاع الشعر العربي، المطبعة العصرية ـ تونس، 1976/ ص329. للتعرف
على أكثر المهتمين بالإيقاع، ممن رأوه صفة صوتية أساسية، أنظر ـ مثلا ـ علي يونس:
النقد الأدبي وقضايا الشكل الموسيقي في الشعر الجديد، الهيئة المصرية العامة
للكتاب ـ القاهرة، 1985/ ص27ـ ص30
(6) نقلا
عن محمد مصطفى بدوي: كولردج، دار المعارف ـ القاهرة، ص178. الطريف، مصادفة؟، كأن
أسباب كولردج الأربعة هذه صنوٌ لمؤتلفات قدامة بن جعفر الأربعة أيضا! أي تلك،
المؤتلفات، التي وصفها جودت فخرالدين بـ(التقسيم) الذي له "تعليل منطقي يسهب
قدامة في تفصيله، إسهابا يتوخى الدقة، ولا يسلم من التعقيد" (ينظر، حيث هذا
الوصف، شكل القصيدة العربية في النقد العربي حتى القرن الثامن الهجري، دار الحرف
العربي ـ بيروت، ص154)
(7) الآثار
الكاملة، دار العودة ـ بيروت، 1973/ ص26
(8) حيث
الإيقاع، عنده، نسيج متألف من توقعات وإشباعات أو مفاجآت "يولدها سياق
المقاطع" (راجع، هنا، كتابه: مبادئ النقد الأدبي، ترجمة وتقديم ـ مصطفى بدوي،
المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة ـ القاهرة، 1963/ ص192)
(9) لن، المؤسسة
الجامعية للدراسات والنشر ـ بيروت، ط2/ 1982/ ص14
(10)
الأعمال الشعرية الكاملة، دار العودة ـ بيروت، ط4/ 1985/ ص710
(11)
يُعتمد، هنا، كما هو ـ عليه ـ في ديوان سلمان داود محمد: ازدهارات المفعول به، دار
الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد، ط1/ 2007/ ص73ـ ص85
(12) كما
هو التشارك، هذا، عند صلاح فضل (راجع، له، نظرية البنائية في النقد الأدبي، دار
الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد، ط3/ 1987/ ص445 "وينظر، أيضا، محمد فكري
الجزار: العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ
القاهرة، 1998/ ص40")
(13) بحسب
ياسين النصير، خصوصا، من: الاستهلال ـ فن البدايات في النص الأدبي، دار الشؤون
الثقافية العامة ـ بغداد، 1993/ ص22ـ ص25
(14) لدى
مصطفى السعدني، هنا، حيث: البنيات الأسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث، منشأة
المعارف ـ الإسكندرية، 1987/ ص172ـ ص175
(15) أحدهم
محمد كنوني، مثلا، ضمن: اللغة الشعرية ـ دراسة في شعر حميد سعيد، دار الشؤون
الثقافية العامة ـ بغداد، ط1/ 1997/ ص99. هذه الموازاة، التي يؤديها نسق الانسجام،
تعد خصيصة أساسية للجملة النثرية.. أما النظم، من جهته، فنقيض لها، لهذه الجملة
ذاتها، كونه انزياحا عاملا على المخالفة بين عنصرين بنائيين مؤالفين من النثر..
هذا بحسب جان كوهن، خصوصا، إذ يعتقد بأن النظم دوري والنثر خطي مساريا (راجع، حيث
اعتقاده هذا، بنية اللغة الشعرية، ترجمة ـ محمد الولي/ محمد العمري، دار توبقال
للنشر ـ الدار البيضاء، ط1/ 1986/ ص96)
(16) قضايا
الشعرية، ترجمة ـ محمد الولي/ مبارك حنون، دار توبقال للنشر ـ الدار البيضاء، ط1/
1988/ ص48. بعده، تمحيصا وتطويرا؟، سيقترح آخرون للتوازي غير هذين النوعين..
عراقيا، في الأقل، ليس آخرهم فاضل ثامر، مثلا، حيث اقترح له نوعي
"التصاعد" و"الذروة" (أنظر، تحديدا، بحثه "الخطاب الشعري
ونسق التوازي" في: بحوث المؤتمر العام الخامس عشر للاتحاد العام للأدباء
والكتاب العرب ـ الجزء الثاني، دار الثورة للطباعة والنشر ـ بغداد، 1986/ ص204)
(17)
الدراسة تعي، بالتأكيد، أن هذه الأشطر، الأربعة، نظمية، ليست نثرية، بدءا من الشطر
الأول (ـ انتبه يا صاح مره) هنا: نواتيّا = فا (ـ ه) + علن (ـ ـ ه) + فا (ـ ه)/
وحدتيّا ً= فاعلاتن (ـ ه ـ ـ ه ـ ه) × 2/ تشكليّا ً= الرمل (فاعلاتن ـ ه ـ ـ ه ـ ه
× 3). لكنها ترى، مع وعيها به، أن هذا المنظوم، غير المنثور، لا يهدم، إطلاقا، ما
بنته الفقرة (6ـ2:) تطويريا، على أساس أن لقصيدة النثر إيقاعا داخليا ذا مهيمنة
مستوياتية (دلالية/ صوتية/ تركيبية) واحدة، بل أنه، بعكس ذلك، قد يقوّي بناءها
التطويري ذاك. فمنظوم كهذا، بين منثور، يدل، في الأقل، على أن جزءا من إبانة
الإيقاع الداخلي لقصيدة النثر، كما في هذا النص، إنما هو متأتٍّ من إجادة الإيقاع
الخارجي لقصيدة النظم. حتى أن أبرز مظاهر هذه الإجادة، عند كاتب الدراسة الحاضرة،
لَهُوَ مظهر "الخلط العروضي بين تفعيلات أكثر من بحر حيث يساهم في كسر حدة
المهيمن العروضي على البنية الإيقاعية بفرض مهيمنات جديدة في النص الشعري تخفف من
حدة الإيقاع الخارجي المتحقق بالوزن والقافية" حسب حاتم الصكر (أنظر، حيث
"ممهدات إيقاعية"، كتابه: ما لا تؤديه الصفة ـ سابق/ ص35). وهو يذكر،
هنا، أن قصيدة (هذا هو اسمي)، كانت، قد قرئت على أنها نثر، لا تفعيلة، مضمنا قول
أدونيس عنها "ظن بعضهم، وبينهم نقاد وشعراء، أنها نثر، ولعل ذلك عائد إلى
أنهم لم يروا فيها الشكل المألوف، المشطر، لقصيدة ما سمي بالشعر الحر أو شعر
التفعيلة" (تنظر، أيضا، مقدمته لـ: الأعمال الشعرية الكاملة ـ سابق/ ص7)
(18)
الكتابة والاختلاف، ترجمة ـ كاظم جهاد، دار توبقال للنشر ـ الدار البيضاء، ط1/ 1988/
ص48. لذا يجد الكثير من القراء أن كثافة نصوصه، لا سيما هدمها الألفاظ الحاسمة غير
المألوفة، ذات ثمن باهض، مكلِف، لا يستطيعون دفعه (يراجع، هنا، وليم راي: المعنى
الأدبي ـ من الظاهراتية إلى التفكيكية، ترجمة ـ يوئيل يوسف عزيز، دار المأمون
للترجمة والنشر ـ بغداد، ط1/ 1987/ ص162)
(19) بعدما
يؤكد أن التصالح بين الشعر والنثر، عقب أشكال متعددة من غزواتهما المتقابلة، إنما
تأتّى ـ بصورته التامة المتطورة ـ عن طريقها، فقط، يستنتج كلايف سكوت: إذن فقصيدة
النثر هي جزء من حركة عامة باتجاه شعر حر (تنظر دراسته "قصيدة النثر والشعر
الحر"، حصرا هنا، ضمن كتاب: الحداثة ـ الجزء الثاني، تحرير ـ مالكم برادبري/
جيمس ماكفارلن، ترجمة ـ مؤيد حسين فوزي، دار المأمون للترجمة والنشر ـ بغداد،
1990/ ص61ـ ص86)
(20) في
البنية الإيقاعية للشعر العربي ـ نحو بديل جذري لعروض الخليل ومقدمة في علم الإيقاع
المقارن، دار العلم للملايين ـ بيروت، ط1/ 1974/ ص85. وهو يرى، هنا، أن إيقاعات
الشعر الأحادي (يتتابع فيها حدوث النوى دون حدود خارجية مفروضة، مثل عدد الوحدات
الممكنة، أو تركيب هذه الوحدات) بينما إيقاعات الشعر التناظري (يحدث فيها عدد محدد
من الوحدات، بتتابع مفروض)
(21) قصيدة
النثر من بودلير إلى أيامنا، ترجمة ـ زهير مجيد مغامس/ مراجعة ـ علي جواد الطاهر،
دار المأمون للترجمة والنشر ـ بغداد، ط1/ 1993/ ص13 (الكتاب مترجم مرة أخرى،
لاحقة، بعنوان: قصيدة النثر من بودلير حتى الوقت الراهن، ترجمة ـ راوية صادق، دار
شرقيات ـ القاهرة، 1998). وراجع، أخيرا، ميشيل ساندرا: قراءة في قصيدة النثر،
ترجمة ـ زهير مجيد مغامس، وزارة الثقافة والسياحة ـ صنعاء، 2004 (الغريب، هنا، أنه
ليس ضمن مراجع إيمان الناصر، ولا مصادرها أيضا، في كتابها: قصيدة النثر العربية ـ
التغاير والاختلاف، وزارة الاعلام ـ البحرين/ الانتشار العربي ـ بيروت، ط1/ 2007).
كذلك ينظر، أمثلة، كلٌ من ((أ)) يوسف حامد جابر: قضايا الإبداع في قصيدة النثر،
دار الحصاد ـ دمشق، ط1/ 1991 ((ب)) أحمد بزون: قصيدة النثر العربية، دار الفكر
الجديد ـ بيروت، ط1/ 1996 ((ج)) عبدالعزيز موافي: تحولات النظرة وبلاغة الانفصال ـ
دراسة وقضايا في قصيدة النثر العربية، الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة،
1999 ((د)) عبدالإله الصايغ: دلالة المكان في قصيدة النثر، دار الأهالي للطباعة ـ
دمشق، 1999 ((هـ)) محمد العباس: ضد الذاكرة ـ شعرية قصيدة النثر، المركز الثقافي
العربي ـ بيروت/ الدار البيضاء، ط1/ 2000
* الاستنادات والإحالات (فقط
الأهم) *
((أ)) مرجعيا
(1) نظرية
المنهج الشكلي، الشكلانيون الروس، الرباط، 1982
(2) قضايا
الشعرية، رومان جاكوبسون، الدار البيضاء، 1988
(3) معايير
تحليل الأسلوب، مايكل ريفاتير، الدار البيضاء، 1993
(4) أنظمة
العلامات، متعددون، القاهرة، 1986
(5)
الشعرية البنيوية، جوناثان كلر، القاهرة، 2000
(6) المعنى
الأدبي، وليم راي، بغداد، 1987
(7) جدلية
الخفاء والتجلي، كمال أبو ديب، بيروت، 1979
(8) نظرية
البنائية، صلاح فضل، بغداد، 1987
(9) البنيوية
وعلم الإشارة، ترنس هوكز، بغداد، 1986
(10) نظام
الخطاب، ميشيل فوكو، بيروت، 1984
(11)
الكتابة والاختلاف، جاك دريدا، الدار البيضاء، 1988
(12) قوة
الشعر، جيمز فنتن، بغداد، 2004
(13) بنية
اللغة الشعرية، جان كوهن، الدار البيضاء، 1986
((ب)) مصدريا
(1) نظرية
الأدب، ويلك/ وارين، دمشق، 1972
(2)
دلائليات الشعر، مايكل ريفاتير، الرباط، 1997
(3) في
"الميتا ـ لغوي" والنص والقراءة، مصطفى الكيلاني، تونس، 1994
(4)
الهندسة الصوتية الإيقاعية في النص الشعري، مراد عبدالرحمن مبروك، القاهرة، 2000
(5)
العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، محمد فكري الجزار، القاهرة، 1988
(6) الاستهلال،
ياسين النصير، بغداد، 1993
(7) ما لا
تؤديه الصفة، حاتم الصكر، بيروت، 1993
(8)
البنيات الأسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث، مصطفى السعدني، الإسكندرية، 1987
(9) اللغة
الشعرية، محمد كنوني، بغداد، 1997
(10) بلاغة
الخطاب وعلم النص، صلاح فضل، الكويت، 1992
(11)
الكلمات والأشياء، حسن البنا عزالدين، بيروت، 1989
(12)
علاقات الحضور والغياب في النص الشعري، سمير الخليل، بغداد، 2008
(13) نظرية
إيقاع الشعر العربي، محمد العياشي، تونس، 1976
(14) في
البنية الإيقاعية للشعر العربي، كمال أبوديب، بيروت، 1974
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق