البياض السردي: الأعراف ودلالات العدول
مجلة جامعة الملك سعود، م15، الآداب (2)، ص ص317 – 354 ( 1423هـ/2003م) - محمد بن سليمان القويفلي - أستاذ مشارك، قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب،جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية
(قدم للنشر في10/8/ 1421هـ ؛ وقبل للنشر في 6/3/1422هـ )
ملخص البحث:
موضوع هذه الدراسة هو البياض السردي، وهو الفراغ الكتابيّ/الطباعيّ بين الوحدات السردية: الأجزاء ، والفصول، والأقسام والمقاطع. وتحاول الدراسة، من جهة، أن تتبيّن الأعراف المتعلقة بالبياض السردي في الرواية العربية في فترة الستينيات وما قبلها، كالتسمية والعنونة والترقيم، وتنظر، من جهة أخرى، في ضروب العدول عن تلك الأعراف الموروثة ودلالاته في رواية الستينيات وما بعدها: كإلغاء البياض، وتوظيف ترقيم الوحدات السردية توظيفًا جديدًا، وتسمية الوحدات بأسماء ذات دلالات خاصة بالعمل نفسه، إلى جانب المؤثرات والمظاهر المتعلقة بالعنونة الداخلية، واختلافها عن الممارسات السائدة والسابقة.
من عناصر، أو استراتيجيات السرد الروائي، بوصفه نصا مكتوبا، تقسيم المادة المسرودة (القصة) أو (الحكاية)([1]) إلى وحدات متفاوتة الحجم تسمى: الأجزاء (في الروايات الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية-إلخ)، والأقسام داخل الرواية المفردة، والفصول، والمقاطع داخل الفصل الواحد. وتتفاوت الأعمال الروائية فيما بينها من حيث الأخذ بتلك الوحدات.
ويتبع التقسيم إلى وحدات، قصيرة كانت أم طويلة، الفصل بين كل وحدتين منها بفراغ كتابيّ/طباعيّ (بياض). ولما كان وجود البياض فعلا سرديا، جاءت تسميته (البياض السردي) في هذه الصفحات، تمييزا له عن البياض، أو "الفراغ الأبيض" وما يتعلق به في بقية أنواع الكتب،([2]) وعن (النقلة السردية) المعبرة عن تحولات السرد الزمانية والمكانية، وعما يمكن أن يسمى (الفجوة السردية) الناتجة عن غياب، أو تغييب السارد معلومات معينة تتعلق بالحدث أو الشخصيات أو الزمان أو المكان...إلخ.([3]).
وقد لازم (البياض السردي) الرواية في جميع مراحلها، وبمختلف اتجاهاتها، أي أن هذا البياض أضحى عرفا من الأعراف المؤسسية institutional conventions ([4]) المتعلقة بالرواية من حيث هي جنس أدبي، لا بوصفها كتابا فحسب.([5]) وهذا العرف، كغيره من الأعراف، مجموعة من الأعراف الفرعيةsub-conventions التي إما أن يستجيب لها الكاتب، وإما أن يعدل عنها.
هذا من جهة المؤسسة والكاتب؛ أما من جهة القارئ، فالأعراف تمثل مواثيق أو عقودا سردية narrative contracts بينه وبين الكاتب.([6]) ومن شأن هذه المواثيق أن تجعل القارئ دائم الحضور في وعي الكاتب إبان إنشاء العمل،([7]) مهما عدل عن الأعراف كجويس، وبوتور.([8])
فالكاتب، والحالة هذه، يواجه الماضي/الأعراف المؤسسية، ويواجه، في الوقت ذاته، المستقبَل/القارئ من خلال ذلك الماضي؛ ذلك أن اسم الجنس الأدبي الذي يجده القارئ على غلاف العمل المنجز يولد برنامجًا قرائيًا تحدد مساراته تلك الأعراف/المواثيق.([9]) وإذا ما وجد القارئ أن رصيد افتراضاته سلفا قد خولف، فإن من شأن ذلك الرصيد أن يكشف ضروب المخالفة، أو العدول؛ ويساعد في تأويل دلالاتها، والحال أنه "لا يمكن قراءة عمل ما، إلا مع النصوص الأخرى، أو ضدها."([10])
هذا هو مدخل هذه المحاولة لقراءة بعض تجليات أعراف البياض السردي في الرواية العربية. ففي ظل غياب الأطروحات النظرية والدراسات التطبيقية في هذا الموضوع، كان لا بد من الاستناد إلى معطيات معينة من الأعمال الروائية نفسها.
وتقوم الصفحات اللاحقة على معطيين، عام وخاص: أما العام فهو دلالة الأعراف بوصفها ممارسات أدبية موروثة، أي "أفق توقع" معطى. وأما الخاص فهو الدلالة الكلية للعمل المنجز المفارق للأعراف العامة، أو لمتعلق من متعلقاتها؛ ذلك أن الأعراف نفسها، وصيغ العدول عنها، بوصفها احتمالات نظرية،([11]) تظل –كغيرها من تقنيّات السرد- مجرد مفاهيم عامة، لا تجد خصوصيتها، إلا في الأعمال المنجزة.
ولمحاولة تبيّن الأمر في الحالين، كان لزاما علينا القيام بشيء من "المبادرات التأويلية" المبنية على حيثيات من معطيات الأعمال نفسها.([12]) ومع هذا فما يزعمه كاتب هذا البحث لا يخرج عن دائرة الاجتهاد بقطبيها.
وستحاول الصفحات اللاحقة تحديد أعراف البياض السردي الموروثة من ناحية، وتتناول معها، من ناحية أخرى، ضروب العدول عنها، وهي: إلغاء البياض، وتوظيف الترقيم توظيفا جديدا، وإبقاء البياض خاليا، وتسمية الوحدات السردية وعلاقتها بدلالات العمل المفرد، وطرائق العنونة الداخلية الجديدة والمؤثرات فيها. وحيثما وردت كلمة "البياض" مفردة في هذه الورقات، فهي تعني البياض السردي.
بين أيدينا الآن قرن أو نحوه من الكتابة الروائية العربية التي يمكن، بصفة عامة، التفريق بين ثلاث مراحل في تعاملها مع البياض السردي هي: مرحلة الأربعينيات وما قبلها، ومرحلـة الأربعينيات إلى الستينيات، ومرحلة الستينيات وما بعدها.([13])
وسيكون الاهتمام منصبًّا على المرحلة الثالثة، وذلك بعد إلقاء نظرة عامة على المرحلتين الأولى والثانية، وتبيّن جانب من أعرافهما المتعلقة بموضوعنا، وسنتوسع في هذا الجانب، وجوانب أخرى في سياق الحديث عن العدول عن البياض في المرحلة الثالثة؛ وذلك لتلافي التكرار، ولرؤية العدول في ضوء المعدول عنه.
لقد التزم النتاج الروائي في المرحلة الأولى بالبياض السردي، وعلى حين مالت الرواية التاريخية إلى تضمين كل بياض بين الفصول عنوانا –نسميه (عنوانا داخليا) لتمييزه عن العنوان الخارجي العام للرواية([14])- راوحت الرواية الرومانسية، وتلك التي مالت إلى الواقعية، بين العنونة والترقيم.
ففي مجال الرواية التاريخية، نجد الالتزام بالعنونة، على سبيل المثال، في روايات جرجي زيدان (روايات تاريخ الإسلام) الإحدى والعشرين كلها. وفي أعمال فرح أنطون التاريخية، وأعمال أميل حبشي الأشقر، ومعروف الأرناؤوط، وغيرهم، حتى محفوظ نفسه في مرحلته التاريخية.
ولربما كان الميل إلى العنونة الداخلية، آنذاك، عائدا، في جانب منه، إلى وسيلة النشر، من حيث إن عددا كبيرا من الأعمال الروائية، المعرّبة والموضوعة، كانت تنشر مسلسلة في الصحافة، بل كانت تعرّب أو تكتب من أجل الصحافة منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى ثلاثينيات القرن العشريـن، كحال جرجي زيدان ومجلـة الهلال،([15]) وأميـل حبشي الأشقر ومجلـة ألف ليلة وليلة ([16]) مثلا. والعنونة جزء من تقاليد الصحافة التي نبتت الرواية في ظلها وترعرعت.([17]) كما أن تنوع العناوين يستميل القراء أكثر من تكرار عنـوان العمل مع نشر كل فصل.([18]) يضاف إلى هذا العامل الخارجي –إن صحت العبارة- عامل آخر داخلي، أي داخل الممارسة الروائية نفسها، هو أن زيدانا كان "الكاتب الأنموذج" في مجال الرواية التاريخية في تلك الفترة؛ وكان لأعماله أن تؤثر في من كتب الرواية التاريخية بعده، من نواح عدة، من بينها طبيعة العنوان الداخلي، كما سيأتي.
أما الرواية الرومانسية، والرومانسية التي جنحت إلى الواقعية، في تلك الفترة –الأربعينيات وما قبلها- فقد راوحت بين العنونة والترقيم. فعلى حين نجد العنونة في روايات مثل: الأجنحة المتكسرة (1912م) لجبران، وأعمال المنفلوطي المعربة كلها، وجلال خالـد (1928م) لمحمود أحمد السيّد، وإبراهيـم الكاتب (1931م) لإبراهيم المازني، ونصف فصول رواية قدر يلهو (1938م) لشكيب الجابري، وسارة (1938م) للعقاد، والدكتور إبراهيم (1939م) لذي النون أيوب، والرغيف (1939م) لتوفيق يوسف عوّاد، نجد، في الفترة نفسها، روايات غير معنونة، مثل: زينب (1912م) لهيكل، وعودة الروح (1933م)، وعصفور من الشرق (1938م) لتوفيق الحكيم، ونداء المجهول (1939م) وسلوى في مهب الريح (1941م) لمحمـود تيمور، ودعاء الكـروان (1941م) وشجـرة البؤس (1944م) لطه حسين.
ولعدد من أصحاب الأعمال السابقة روايات أخرى تخالف الأمثلة المذكورة. والحال أننا لا نستطيع تبيّن ما يمكن أن نطمئنّ إلى تسميته "عرفا" عاما في هذه المرحلة. ومع هذا، يمكن، بصفة عامة، ملاحظة أنه كلما اقتربت الرواية من الواقع الزماني والمكاني،([19]) ولم تنشر مسلسلة، ابتعدت عن العنونة، والعكس صحيح.
هذا ما قد تؤكده المرحلة الثانية (الأربعينيات إلى الستينيات) التي شهدت شيئا من انحسار تقاليد النشر المسلسل في الصحافة، مقارنة بالمرحلة السابقة. والأهم من هذا أن الرواية التي صُنّفت بوصفها (واقعية)، والتي أخذت، في هذه المرحلة، تسيطر تدريجيا على المشهد الروائي العربي المؤسسي، تجنبت العنونة؛ بسبب من مطلب الموضوعية –الذي سنقف عنده لاحقا- بدءا من القاهرة الجديدة (1945م) لنجيب محفوظ.
ولقد كانت أعمال محفوظ في هذه الفترة –بعد صدور زقاق المدق (1947م) خاصة، حتى أواخر الستينيات في أقل تقدير، بل بداية السبعينيات- تحظى باحتفاء المؤسسة الأدبية، ويتمثل هذا في العدد الوافر من المقالات الصحفية، والدراسات التي كانت تتناول كل عمل حال ظهوره، وتلك التي تناولت، في هذه الفترة، مجمل أعماله، وكانت هذه وتلك ذات منحى قيمي وكانت إيجابية غالبا؛ مما أدى إلى صيرورة النص المحفوظي "النص الأنموذج" الممثل للأعراف السردية في النوع الروائي آنذاك.
وقد أفضى ذلك إلى التأثير، على نحو أو آخر، في عدد من كتّاب الرواية الذين ظهروا في أواخر الأربعينيات والخمسينيات، بل حتى منتصف الستينيات، أعني الكتّاب ذوي الاتجاه الواقعي بمعناه الواسع، الذين كان لأعمالهم –إلى جانب أعمال محفوظ- أن تلون بلونها معظم المشهد الروائي العربي حتى بداية السبعينيات، وكان لها أن تحوز احترام المؤسسة الأدبية. على أن هذا لا يعني أنهم عملوا على محاكاة محفوظ نفسه، وإنما سعوا -بمختلف توجهاتهم الفكرية، وضروب وعيهم بإمكانات هذا النوع- إلى الدخول تحت مظلة الأعراف الروائية العامة التي كانت المؤسسة الأدبية قد ارتضتها حينذاك، ورأت في أعمال محفوظ تجسيدا لها.
ومن تلك الأعراف ذات الصلة بالبياض السردي، التقسيم المنتظم المؤدي إلى ظهور بياض منتظم، ضُمِّن أرقاما مسلسلة بدلا من العنونة. هذا إلى جانب اعتماد صوت سارد واحد فحسب.
على أن أعراف البياض تلك، أخذت تتعرض منذ منتصف الستينيات لألوان من مجابهة الأجيال الجديدة من الكتاب، وبعض كتاب المرحلة السابقة. وتندرج هذه، بلا شك، ضمن الإطار العام لتيارات الحداثة والتجريب في الرواية العربية.
ولما كان القبول بالبياض وأعرافه الفرعية الموروثة يعدّ امتدادا للماضي؛ فسنتوقف عند مظهري العدول وإعادة الصياغة؛ ذلك أن كل عمل جدير بالاهتمام يتضمن جدلية مركبة من "احترام الأعراف، وإعادة صياغتها، وخرقها."([20])
ومع أن عدم وجود البياض السردي، أي اتصال الحكاية أو القصة، هو الأصل، ووجوده تحوير لهذا الأصل، فإن الأعراف المؤسسية المتعلقة بالسرد أدت إلى قلب القضية، أي أن البياض السردي صار أصلا، وبات عدم وجوده عدولا عن الأصل.
ولما كان البياض السردي المنتظم نتاج تقسيم المادة المسرودة، وكان هذا التقسيم يعني، من الناحية الشكلية، التنظيم؛ فيمكن أن نرى فيه دلالة رؤية إلى العالم بوصفه سيرورة ذات نظام متكرر.
ولعل من أكثر نماذج هذه الرؤية شيوعا في النوع الروائي، تلك القصص النمطية في الرومانسيات التاريخية: اللقاء، ثم الفراق وما يعقبه من عناء أو صراع، ثم اللقاء كرة أخرى، أو الفراق الأبدي بموت أحد الطرفين، وتلك التي تصور الصراع الطبقي من منظور أيديولوجي: القهر – الصراع - انتصار المقهور، وغيرهما. وقد يكون البياض السردي المنتظم، نتاج النظر إلى العالم بوصفه وحدات غير منظمة، فهمها يستدعي تنظيمها، يقول جعفر الراوي –بطل قلب الليل لنجيب محفوظ- محدثا صديقه: "أنت تريديني على أن أروي قصتي بالطريقة التي تعجبك، لا التي أرتاح إليها أنا" أجاب الصديق: "النظام هو ما يلزمنا لنلمّ بقصتك."([21])
وقد اتبع محفوظ النظام في ثلاثيته المعروفة، ليس من حيث التقسيم المولد للبياض السردي فحسب، بل من حيث توازن أحجام الفصول أيضا؛ إذ يبلغ متوسط عدد صفحات كل فصل ست صفحات في الأجزاء الثلاثة كلها. وهذا التقسيم المنتظم يعبر، من حيث هو، عن مجتمع يتمتع بقدر من النظام. وقد وصف محفوظ نفسه مجتمع الفترة التاريخية التي تناولها في الثلاثية بأنه "مجتمع مستقر واضح الملامح،"([22]) وذلك على الرغم من كل ما كان يكتنفه من مشكلات بسبب المستعمر.
بل نجد النظام في الثلاثية يتجلى في حياة الأفراد أنفسهم من حيث المشاعر والسلوك العام، حتى إن شخصية أحمد عبدالجواد المتناقضة تظهر منتظمة من حيث انفصال سلوكه في المنزل والحيّ عن سلوكه الليلي انفصالا تاما، واتساق كل منهما داخل سياقه الخاص. ونرى النظام بصيغة أكثر شمولا في عناية الرواية بتتبع عوامل تأثير الوراثة والبيئة في الأفراد.
تناول محفوظ في الثلاثية السنوات الفاصلة بين ثورة 1919م وثـورة 1952م. وتناول جزءا من الفترة اللاحقة: ثورة 1952م إلى اتفاقية كامب ديفيد 1979م في روايته الباقي من الزمن ساعة (1982م)، غير أنه خرج في هذه الرواية عن العرف الروائي العام، كما خرج عن رواياته هو، قبل هذا العمل وبعده؛ بأن ألغى البياض السردي، أي التقسيم؛ مما أفضى إلى اتصال السرد. هذا الاتصال الذي يمكن أن نقرأ فيه دلالة تتعاضد وتصوير الرواية نفسها واقعا يعاني من تصاعد في تداخل الحدود، أو ضبابية الرؤى الاجتماعية والسياسية. وهما أمران تلحّ عليهما الرواية في مسار أحداثها الرئيس، وفي صورة النسيج الاجتماعي-السياسي العام التي تجري فيه تلك الأحداث.
وشبيه بمحفوظ حنّا مينة؛ إذ جاءت روايته الولاعة (1983م) متصلة السرد، بخلاف أعماله السابقة واللاحقة، على الرغم من أنها تدور في إطارها الفكري العام، من حيث رفض الأبطال معطيات واقعهم والسعي إلى تغييره. ومع أن هذه الرواية تستغرق فترة أربعة أيام فحسب، فإن شخصية الفتى (البطل/السارد) تتغير خلالها، وتتحول قناعاته تحوّلا جذريّا بصورة سريعة. وقد عبر اتصال السرد شكليا عن هذه السرعة من حيث إن انقطاع السرد يؤدي بالضرورة إلى إبطاء حركة الحدث. وبما أن الفتى لم ينم خلال أربعة الأيام تلك؛ فكأن اتصال صحوه، أي وعيه المستمر بما حوله، عُضِّد شكليا باتصال السرد، أي أن الشكل هنا أفضى إلى تعاضد بين موقف البطل وحاله من ناحية، وبنية الحدث وإيقاعه من ناحية أخرى. فإلغاء البياض في الولاعة –إن صح التأويل السابق- يتجاوز كونه "لو[نًا] من المسرح التجريبي الذي يلغي حدود الـمَشاهد، ويحيل الساحة كلها إلى مسرح متصل يظلم جزء منه عندما ينير الجزء الآخر."([23])
وقبل روايتي محفوظ ومينة، صدرت روايتان لكاتبين من جيل لاحق، جيل الستينيات، الذي بدأ معه العدول عن الأعراف الروائية للتعبير عن الواقع، أو الموقف منه، هما: تلك الرائحة لصنع الله إبراهيم، وما تبقى لكم لغسان كنفاني، ومن اللافت للنظر أن صدورهما كان في عام واحد (1966م)، وهذا ذو دلالة.
وقد جاء العدول عن البياض في تلك الرائحة رفضا لمعطيات واقع العرف الروائي السائد آنذاك. وهذا "الموقف السردي" يتعاضد ورفض (البطل/السارد) معطيات الواقع من حوله. وقد كان هذا الرفض سببًا في دخوله السجن الذي خرج منه ليجد نفسه في سجن نفسي؛ بفعل بقاء موقفه من الواقع قائما، ومحاولته، في الوقت ذاته، التعايش معه. لهذا يمكن، من زاوية أخرى، أن نتأمل، أيضا، هذا التقابل (التعويضي؟) بين البطل والسجن (=الحدود/الانغلاق) من ناحية، والسارد واتصال السرد (=إلغاء الحدود/الانفتاح) من ناحية أخرى.
أما في ما تبقى لكم، فيرفض حامد الواقع الذي قبلت به أخته مريم وقَبِل به زكريا، وهو واقع الشعور بالعجز والإحباط، والعيش في سجن الزمن؛ فيفر من البيت حيث الساعة الكبيرة، ويتخلص من ساعته اليدوية أيضا. هذا الرفض للواقع، ولسجن الزمن والبحث عن عالم واسع مفتوح خالٍ من الحدود والقيود، عُضِّد دلاليا، بالعدول عن البياض، أي إلغاء الحدود، رفضا لواقع العرف الروائي.
على حين أن الرجال في رجال في الشمس للكاتب نفسه، قبلوا بالحصار (خزان الشاحنة)، وبسجن الزمن (البقاء داخل الخزان زمنا أسلمهم للموت)، وقد خضع العمل نفسه بدقة للعرف الروائي المتعلق بالتقسيم المولد للبياض السردي.
إن كان قِصر الأعمال السابقة النسبي قد ساعد على عدولها عن البياض، فلا يبدو أنه شرط للعدول عنه؛ إذ نجد ثلاثية أحمد إبراهيم الفقيه: سأهبك مدينة أخرى، وهذه تخوم مملكتي، ونفق تضيئه امرأة واحدة (1991م) التي يقارب عدد صفحاتها صفحات ثلاثية محفوظ، تعدل عن البياض السردي عدولا تامًا في كل جزء من أجزائها. البطل/السارد في هذه الثلاثية يكتب أطروحته الجامعية عن الحب والجنس في ألف ليلة وليلة في جامعة بريطانية. ومثلما يحدث في الليالي ينطلق البطل من الواقع، ولكنه ما يلبث أن يدخل في كل جزء من العمل في مدينة من مدن الحلم والأسطورة، ساعيا إلى تحطيم الأعراف المؤسسية كلها، باحثا عن الانعتاق من قولبة الإنسان.
وتطالعنا هذه الدلالة العامة في رفض الرواية عرف القولبة السردية؛ باتصال السرد واختفاء البياض. وإلى جانب محاكاتها الليالي من حيث المزاوجة بين الواقعي والعجائبي، حاكتها، أيضا، كتابيا (بصريا) بخلوها من البياض السردي، فالليالي في صورتها الأصلية، وفي طبعاتها المبكرة، كانت خالية من البياض؛ وذلك قبل تدخل الناشرين في وقت لاحق للفصل بين الليالي ببياض وتضمينه أرقام الليالي، أو الفصل بين القصص ببياض وتضمينه عناوين لها، أو هما معا.([24])
إن "كسر الإطار" في الرواية الحديثة، المتمثل هنا في العدول عن التقسيم المولد للبياض السردي، يندرج تحت نزعة التحرر من الأعراف الأدبية بصفة عامة. على أن هذا التحرر في الروايات السابقة حمل مع كل رواية دلالة تتناغم مع دلالة العمل العامة. وإن كانت رواية الولاعة قد حاكت، باتصال السرد فيها، يقظة بطلها واتصال الزمن، فإن الاتصال السردي، من حيث هو، يحمل محاكاة لتدفق الزمن الواقعي في العالم خارج الفن،([25]) وهو أمر لم تلتفت إليه الرواية الواقعية التقليدية التي كانت حريصة على توالي ظهور البياض على نحو منتظم، وكأنما هو جزء من متطلبات الواقعية بوصفها تصويرا للواقع. يقول ميشيل بوتور : "إن الابتكار الشكلي في الرواية بعيد كل البعد عن مناقضة الواقعية [...] وهو الشرط الذي لا غنى عنه لمزيد من الواقعية."([26])
هذا عن العدول عن عرف البياض السردي، أو اختراقه، أما إعادة صياغته، فتتعلق بصفة رئيسة بملء البياض إما برقم، وإما بعنوان، وسيأتي الحديث عن العنونة، بعد التوقف عند قضية الترقيم.
عندما عدلت الرواية في الفترة الثانية (الأربعينيات إلى الستينيات) عن العنونة، ضُمِّنت البياض السردي أرقاما مسلسلة، كما مرّ بنا. وقد جرى التعبير عن الأرقام إما برموز رياضية (1،2،3) وهو الأغلب، وإما هجائيا (الأول، الثاني، الثالث).([27]) ويمكن أن نقرأ في إعطاء كل فصل رقما خاصا به، دلالة عامة مزدوجة: فالرقم، من جانب، يمنح الفصل هوية مميزة، ومن جانب آخر، يكرّس كون هذا الرقم جزءا من منظومة أرقام مسلسلة، محور الاتصال بين الفصول وتراكمها؛ وبذا تبرز ماهية الفصل بوصفه وحدة متصلة/منفصلة.([28])
ويتفاوت عمق جانبي الدلالة العامة للترقيم المسلسل بتفاوت البنى السردية في الروايات، وعلاقتها بالمادة المسرودة (= القصة أو الحكاية). ومن ذلك، مثلا، ظهور دلالة الاتصال/الانفصال واضحة في الرواية ذات القصص المتعددة، والبنية السردية المتداخلة، كما يظهر عند محفوظ في زقاق المدق التي تتتبع فصولها -بعد الأول التقديمي- وعلى نحو متعاقب، مسارَ قصة أو أخرى، والتي نرى فيها، أيضا، اتصال أهل الزقاق في بيئتهم وانفصالهم خارجها. ومنه تضاؤل دلالة الانفصال مقابل تأكيد الاتصال في الرواية ذات القصة الواحدة -التي تؤطر عددا من الأحداث- والبنية السردية المتدرجة تبعا للتدرج البيوغرافي للزمن، كما هو أمر القمر والأسوار لعبد الرحمن مجيد الربيعي، التي جاءت أقسامها الستة (التي سُميت أجزاء) وفصولها مرقمة ترقيما مسلسلا، يمكن أن نرى فيه اتصالا متصاعدا يتواشج وحركة الأحداث نفسها.
أما الرواية التي تحمل فصولها عناوين إلى جانب الترقيم المسلسل، فيتجاذب كل فصل فيها الانفصال عن غيره بالعنوان، والاتصال بالرقم، كما في ليلتان وظل امرأة لليلى الأطرش، حيث رقمت الفصول تصاعديا، وبمحاذاة الرقم اسم (رقم يوم أو ليلة) يشمل أكثر من فصل، باستثناء الفصلين الرابع والثامن. هذا إلى جانب العنوان الخاص بالفصل نفسه، ومنها، مثلا: (الفصل الأول/الليلة الأولى/انتصارات صغيرة)، (الفصل الخامس/اليوم الثاني/رحلة ليلية). ولقد عمّق المراوحة بين الاتصال والانفصال، على مستوى أشمل، تكتيلُ الفصول؛ إذ تنضوي الفصول الأول والثاني والثالث تحت كتلة "الليلة الأولى" وتنضوي الفصول الخامس والسادس والسابع تحت كتلة "اليوم الثاني" مع انفراد كل من الفصلين الرابع "اليوم الأول،" والثامن "الليلة الثانية."
وتظل دلالات الترقيم السابقة دلالات عامة. على أن العمل يكتسب دلالة خاصة عند مخالفته العرف العام، أي تسلسل الترقيم. كما هو شأن نجمة أغسطس لصنع الله إبراهيم، التي تصور رحلة يقوم بها البطل/السارد من القاهرة إلى السد العالي، فآثار أبي سنبل، في ثمانية فصول مقسمة إلى قسمين كبيرين: قسم طردي تحمل فصوله الأرقام 1-2-3-4، وقسم عكسي تحمل فصوله الأرقام 4-3-2-1. وبين القسمين وحدة سردية واحدة (11 صفحة) متصلة (طباعيا) بالقسم الأول اتصالا مباشرا، ومنفصلة عن القسم الثاني ببياض، وهي لا تحمل اسمًا، كقسم أو فصل، ولا رقما ولا عنوانًا، وتتكون من جملة سردية واحدة متصلة مصمتة، أي خالية من التقسيم، وغير مفقرة، وخالية من علامات الترقيم أيضا.
ويمكن أن نقرأ في تقسيم الرواية دلالتين: تتعلق الأولى بتماثل التقسيم السردي للرواية وترقيم فصولها مع بنية السدّ؛([29]) إذ يمثل القسمان الأول والأخير من الرواية واجهتي السد المنحدرتين والمتساويتي السماكة من الجهتين (1 يقابل 1 و2 يقابل 2، وهكذا) وتمثل الوحدة الوسطى "المصمتة" نواة السد الصماء.
أما الدلالة الثانية، فتتعلق برحلة السارد، في القسم الأول، في الحاضر صعودا إلى السدّ العالي، ونزوله التدريجي، في القسم الثاني، إلى الماضي: آثار أبي سنبل (= مصر القديمة).
هل أراد الكاتب بتوظيف البياض السردي ومتعلقاته وربطهما ببنية السد على النحو السابق، التعبير عن رؤية ما، للعلائق بين مصر القديمة ومصر الحديثة، أو رؤية لمصر الحديثة وحدها؟ وماذا عن اتصال الوحدة الوسطى (المصمتة) المتصلة اتصالا طباعيا مباشرا بالقسم الأول (= الحاضر)، وانفصالها ببياض سردي عن القسم الثاني (= الماضي)؟
لقد جمعت هذه الرواية في مستواها العام بين حضارة الأمس واليوم: حضارة يد الإنسان في أمسه القريب: مايكل أنجلو وما يمثله، وأمسه البعيد: آثار أبي سنبل، وحضارته اليوم: حضارة يـد الآلة تشيّد أجزاء السد، وتقطّع آثار أبي سنبل أجزاء، في آن. فلعل تأمل هذا يعطي دلالات توظيف البياض السردي ومتعلقاته في الرواية بعدا إنسانيا عاماً، يعمق دلالاته على شخصية البطل/السارد، ورُؤاه المتعلقة بأوضاع مصر إبّان إنشاء السد، وغيرها من القراءات.([30])
ويظهر أن توظيف الترقيم، على نحو يخالف الأعراف، قليل في الرواية العربية؛([31]) إذ لا نجد إلا تجربة واحدة أخرى في ثلاثية أرض السواد (1999م) لعبدالرحمن منيف. فإذا كان العرف العام قد جرى على تقسيم فصول أو أقسام كل جزء على حدة في الروايات ذوات الأجزاء -كما في ثنائية، بندر شاه للطيب صالح، وثنائية رامة والتنين، والزمن الآخر لإداور الخراط (المفتوحة لأن تكون ثلاثية أو أكثر)، وثلاثيات كل من نجيب محفوظ، ومحمد ديب، وأحمد الفقيه، ورباعية الخسوف لإبراهيم الكوني، وخماسية مدن الملح لمنيف نفسه- فإن فصول أرض السواد حملت ترقيما مسلسلا، متصلا في أجزائها الثلاثة كلها (1 إلى 133) وكأنها جزء واحد. وذلك على الرغم من أن كل جزء ينتهي بحادثة رئيسة تمثل تحولا في صراع داود باشا مع أعدائه، وخاصة القنصل البريطاني، وسيد عليوي (الآغا)، قائد قوات الباشا، المتحالف مع القنصل ضد الباشا: إذ ينتهي الجزء الأول بخروج الآغا من بغداد إلى شمال العراق، وينتهي الجزء الثاني بمقتله في بغداد. أم الجزء الثالث، فقد اختتم، واختتمت الرواية، بخروج القنصل نفسه من العراق.
على أن عبد الرحمن منيف كتب في مطوية غلاف الرواية الخارجي، وكرر هذا في كل جزء: "إذا كنا في هذه الرواية، قد أخذنا مرحلة بعينها من التاريخ، فلم يكن ذلك إلا لبناء الأحداث. فالأساسي في هذه الرواية هو العراق […] في هذه الرواية الحدث هو العراق." فلعل الكاتب أراد بتتابع الترقيم أن يؤكد في الرواية نفسها على هذا: الأساسي في الرواية والحدث هو العراق، على الرغم من تعدد أحداثها الفرعية وتباين شخصياتها. ومما قد يؤيد هذا التأويل أن الأجزاء الثلاثة كلها حملت عنوانا واحدا هو أرض السواد؛ وذلك بخلاف الأعراف المتبعة -بلا استثناء، فيما أعلم- في الروايات العربية ذوات الأجزاء.
وقد تقبل الرواية التقسيم الفصلي غير المعنون، وتخرج عن قانون العادة فيما يتعلق بالترقيم، لا بمخالفته كالروايتين السابقتين، بل العدول عنه، أي بقاء البياض خاليا، وهو أمر غير مألوف مقارنة بالأعراف. وإن كان الترقيم يمنح الفصول نوعا من التمايز والترابط في آن معا؛ فإن تركه وترك العنونة، أي إبقاء البياض بياضا، ذو دلالة؛ ذلك أن "البيـاض نص غير قولي يعبر عن معنى."([32])
ويمكن أن نقرأ الدلالة العامة لإبقاء البياض السردي فارغا بوصفها تأكيدًا أو تعبيرًا شكليا عن المشابهة على الرغم من الاختلاف، كما هو أمر طيور أيلول لإميلي نصر الله. فعلى الرغم من اختلاف مصادر معاناة كل شخصية من شخصيات الرواية: منى، ومرسال، ونجلاء، ومريم؛ لاختلاف ظروف كل منهن الخاصة، وتباين تركيبها الوجداني عن الأخريات، فإن الأمر ينتهي بهن جميعا إلى الاستجابة للمواضعات الاجتماعية المحيطة المتشابهة. وكما هو أمر النهايات لعبدالرحمن منيف التي تقدم صورا يتكرر في مركزها إلغاء الفروق بين الإنسان (الحيوان الناطق)، والحيوان الذي تصوره الرواية (إنسانا صامتا) بسعيها إلى أنسنته.
وتتجاوز دلالة البياض السردي اختلاف/تشابه الكائنات إلى اختلاف/تشابه حياة الكائن الواحد، ففي شتاء مهجور لرينيه الحايك، تبدأ البطلة/الساردة حكايتها قائلة: "ابنتي الوحيدة سمر تزوجت قبل نصف ساعة،" وقبيل النهاية نسمعها تقول: "سمر لم تعد هنا."([33]) وبين البداية والنهاية تتوالى الأيام عليها مختلفة المضمون بعض الاختلاف، بفعل معطيات الواقع نفسه، أو بسعيها هي، غير أن أيام حياتها تتشابه من حيث إحساسها بالفراغ الوجداني. وهذه الدلالة يؤكدها الفصل الأخير الذي تسرد فيه خواطرها في صيغة يوميات، تختلف فيها الأيام وفاقا لأوراق التقويم، ولكنها تتشابه مضمونا.
تظهر في الأعمال السابقة كلها مساحات بيضاء واضحة في بداية كل فصل (8-10 أسطر) خالية من الترقيم ومن العنونة، ومن شأن هذا أن يعمق، على مستوى الشكل الطباعيّ أو الصورة البصرية، محورَ التشابه ويعبر عنه، في الوقت الذي عبرت فيه القسمة الفصلية عن الاختلاف، وكلاهما يعبر عن تكرار بنائي يعطي العمل أبعادا دلالية تتعلق بتماثل هذا التكرار/التشابه، والوعي الإنساني بالوجود وملابسات الحياة.
وتتحقق هذه الدلالة، على نحو مغاير نوعًا، في الجزء الأول من ثنائية الطيب صالح، بندر شاه، ويؤكد الجزء الثاني دلالة الأول، ويشير إلى مظاهر أخرى. يتكون الجزء الأول، ضوّ البيت، من أربعة فصول بياضها السردي خال من الترقيم والعنونة، على حين يحوي الجزء الثاني، مريود، أربعة فصول أيضا، مرقمة كلها ترقيما مسلسلا، إلى جانب عنونة اثنين منها. يصور الجزء الأول، بفصوله الأربعة المتشابهة من حيث خلوها من الترقيم والعنونة، مجتمع القرية رجالا ونساء، المتشابهين من حيث ركود حياتهم إلى أن ظهر ضوّ البيت. ويشمل هذا الحكم الفصل الأخير (الرابع) أيضا، الذي يظهر فيه ضوّ البيت خارجا من النيل، ويختلط بأهل القرية؛ ذلك أن الأحداث في هذا الفصل لا تعبر عن شخصية ضوّ البيت، أو تغير أحوال القرية، بقدر ما تعمل بوصفها مرآة تظهر على سطحها الأبعاد النفسية والاجتماعية لأهل القرية عند احتكاكهم بهذا الغريب.
أما الجزء الثاني من الرواية، مريود، فقد عُنون فصلاه الثاني والثالث فحسب، إلى جانب حمل الفصول كلها أرقاما مسلسلة. ويبدو أن خلو الأول من العنونة عائد إلى أن هذا الفصل خصص لمريود الذي عنون الجزء كله باسمه. أما الفصل الثاني، فقد جاء بعنوان (سعيد عشا البايتات القوي) وهو يتناول شأن سعيد هذا، وعُنون الفصل الثالث أيضا باسم شخصية رئيسة في الفصل هو (الطاهر ود الرواس). وأما الرابع، الذي يحكي قصة مريم مع مريود، فيحمل رقما فحسب. ويظهر أن عدم ظهور اسم مريود عنوانا لهذا الفصل يرجع إلى السبب نفسه الذي أدى إلى عدم ظهوره في الفصل الأول، إلى جانب أن الفصل مشترك بينه وبين مريم. ويمكن أن نقرأ في عدم ظهور اسم مريم عنوانا لهذا الفصل، على الرغم من حضورها القوي فيه، وظهور اسمي سعيد والطاهر في الفصلين السابقين، دلالة تتعلق بطبيعة موقع المرأة في نسيج المجتمع/المرجع من حيث استقلال الفرد. ويظهر مما سبق أن استقلال الشخصيات -ماعدا مريم- واتصالها في الوقت نفسه في هذا الجزء الثاني من الرواية، عضد بعنونة الفصول، من ناحية، وترقيمها ترقيما مسلسلا من ناحية أخرى، وهذا عكس ما نراه في فصول الجزء الأول من الرواية، حيث تشابهت حياة أهل القرية، وتشابهت الفصول نفسها.
وشأن رواية ضوّ البيت شأن كثير من الأعمال الروائية، إن لم يكن معظمها، من حيث خلوها من التسمية الصريحة لفصولها، أعني: الفصل الأول - الفصل الثاني، وهكذا. ولكن الدارسين يسمونها، على الرغم من ذلك، فصولا؛ وهذا ينقلنا إلى قضية تسمية الوحدات السردية التي هي جزء من أعراف البياض السردي.
لقد جرت الأعراف الروائية على تسمية الوحدات السردية الكبرى في الرواية الواحدة، أقساما في الأغلب الأعم، أو أجزاء، والوحدات الصغرى فصولا (القسم الأول، أو الجزء الأول، والفصل الأول…إلخ). وعند خلو البياض السردي من التسمية المباشرة، سواء حمل أرقاما مسلسلة، أم عناوين، أم بقي فارغًا، فإن الدرس الأدبي يسمي الوحدات السردية التي يفصل بينها بياض، (فصولا)، وإن كانت كل مجموعة منها تنضوي تحت وحدة كبرى سُميت الوحدة (قسما)، وقد تسمى (جزءا).
ومع أنه لا يمكن الحديث عن أعراف روائية عربية في القرن التاسع عشر، لأنها لم تكن قد بدأت في الظهور بعدُ، فإننا يمكن أن نلمس في المحاولات المبكرة لكتابة مطولات حكائية أو تعريبها، ما يمكن أن يعدّ توظيفا لأسماء الوحدات السردية. ومن ذلك أن رفاعة الطهطاوي في تعريبه مغامرات تليماك أسمى وحداتها "مقالات،" ولم يسمها "وقائع": الواقعة الأولى، الواقعة الثانية،…؛ لتنسجم والعنوان الذي اختاره لها، مواقع الأفلاك في وقائع تليماك، كانسجام أسماء المقامات –لا عناوينها- مع المقامات، وانسجام أسماء وحدات ليالي سطيح مع عنوانها، كما أنه لم يسمها فصولا أو أبوابا على نحو ما فعل في تخليص الإبريز قبلها بسنوات. فهل نقرأ في أسماء وحدات مواقع الأفلاك.. محاولة للتخفيف من حكائية النص، أي النأي به عن فكرة القصّ للتسلية، والإيحاء بأن المغامرات في الكتاب أقرب إلى المغامرات الفكرية/السياسية، منها إلى المغامرات الحدثية، مع محاولة ربط أسماء الأجزاء بالهدف من تعريب الكتاب: "الحملة على الاستبداد ودعوة الرعية للاتحاد،" إلى جانب الاحتجاج على الخديوي عباس؟([34])
ونلمس عند علي مبارك إجراء معاكسا في كتابه علَم الدين الذي أراد له أن يكون كتابا تعليميا في ثوب حكائي، على أن العنصر الحكائي الذي ظهر في البداية، ما لبث أن اختفى ليتحول الكتاب إلى سلسلة متوالية من المواد ذات الصبغة التعليمية، كان الأولى أن تسمى "مقالات،" لكنها سُميت "مسامرات": المسامرة الأولى، المســــامرة الثانية … . فلعله أراد من كلمة "مسامرة" - بما تحمله من إيحاءات قصصية وأحاديث ممتعة- أن تعمل، جزئيا، على التعويض عن القصور الحكائي في الكتاب، والتخفيف من صبغته التعليمية. وإن كان الاسم "مسامرة" جزءا من خطة الكتاب الأولى، وبقي على الرغم من ضعف حكائية العمل، أو تلاشيها، بعيد بدايته؛ فإن هذا لا يلغي إيحاء الاسم.
ولم يسمّ المويلحي وحدات كتابه حديث عيسى بن هشام، وإنما اكتفى بعنونتها، لكنه سمى كل جزء من جزئي الكتاب رحلة: الرحلة الأولى، الرحلة الثانية، للتعبير عن رحلة الراوي والباشا داخل المجتمع المصري في الأولى، ثم "المدنية الغربية" في الثانية. ولا شك أن كلمة "رحلة" تحمل دلالة عمل حقيقي، لكنها مغلفة بغلالة من الإيحاء القصصي الذي يصف مشاهدات الواقع لا اختراع الخيال. ويبدو أن المويلحي أراد بهذه التسمية المزج بين العنصرين اللذين ذكرهما في مقدمة الكتاب في معرض وصفه له بأنه "حقيقة متبرجة في ثوب خيال، لا أنه خيال مسبوك في قالب حقيقة."([35])
أما حافظ إبراهيم، فقد سمى كل وحدة من وحدات كتابه ليالي سطيح "ليلة" مع أن روح متنه العام أقرب إلى روح المقالات الصحفية المتفرقة([36]) التي يصح عليها الاسم "مقالة" أو "فصل،" لكن هذا كان سيفقد كتابه الإيحاء القصصي المراد أو بعضه، هذا الإيحاء الذي حاول حافظ تعميقه بجنوحه إلى هيكل المقامة وأسلوبها؛ إذ وظف ساردا واحدا "ابن النيل" وشخصية رئيسة (بطلا؟) يروي عنها هو "سطيح" ثم "ابنه،" إلى جانب التزام الكاتب السجع طوال العمل. ومع هذا، أيضا، لم يسمّ وحدات الكتاب "مقامات"؛ ربما تلافيا لما تحمله الكلمة من تداعيات تتعلق بوجود أحداث وبطل ذي صبغة معينة، وغيرها من العناصر الحكائية المقامية. على أن كلمة "ليالي" تنضوي، أيضا، على تداعيات تتعلق بألف ليلة وليلة، من بين أظهر تداعياتها أن زمن اللقاء/الحكي فيها هو الليل، إضافة إلى ما فيها من بعد غرائبي. فهل وجد حافظ مسوغا لهذه التسمية وإيحائها الحكائي -بقطع النظر عن طبيعة المحكي- في كون زمن كل لقاء بين سطيح، ثم ابنه مع أهل الرأي هو الليل، وكون سطيح الكاهن الجاهلي عنصرا غرائبيا؟
ولعدم وجود أعراف روائية حينذاك، يظل أمر أسماء الوحدات السردية في تلك المحاولات المبكرة غامضا، مع أن كل ما فيها أضحى جزءا من تلقيها. على أن تسمية الوحدات الكبرى (أقساما، أو أجزاء) والصغرى (فصولا) بدأت، في الأقل، مع أعمال زيدان والمنفلوطي، واستمرت إلى السبعينيات، بل إلى اليوم، أي أن هذه الأسماء باتت جزءا من الأعراف الروائية المتعلقة بالبياض السردي. ووجودها يضيء جانب المخالفة، ويسهم في المساعدة على قراءة دلالات العدول.
ولربما كانت رواية عودة الطائر إلى البحر (1969م) لحليم بركات من النماذج الروائية المبكرة التي عدلت عن أسماء الوحدات الشائعة في وقتها، مع الأخذ بجانب منها. فهي تتكون من وحدات ثلاث، سُمي كل منها "قسما،" وحمل كل قسم عنوانا خاصا به، كتبت تحته فترة تاريخية معينة، مع اشتراك القسمين الأول والثالث في الفترة (11-20 حزيران 1967م)، وانفراد الثاني بالفترة (5-10 حزيران 1967م). وجاء القسم الأول كتلة سردية واحدة، وكذلك الثالث. أما الثاني، الذي يشغل ثلاثة أرباع الرواية، فمقسم إلى ستة فصول سميت: اليوم الأول، اليوم الثاني…، اليوم السادس، وحمل كل منها عنوانا خاصا به.
يمكن أن نقرأ في تكرار تسمية فصول القسم الثاني مع تصاعد عدد الأيام دلالة مزدوجة، واضحا تعلق جانب منها، على نحو مباشر، بعدد أيام الحدث/المرجع (حرب 1967م)، الذي يصف هذا القسم مجرياته. أما الجانب الآخر، فذو صلة -فيما يبدو- ببناء السرد في الرواية على قصة "التكوين،" ولكن بطريقة معاكسة من حيث طبيعة الفعل، مع اختلاف الفاعل. يقول السارد في بداية القسم الثالث، الذي يلي اليوم السادس من القسم الثاني "وفي اليوم السابع، لم يسترح. ومن المؤسف أن يومه السابع ليس يوما واحدا." ويتضح من السياق لاحقا أن الضمير في "يومه" يعود إلى الشخصية الرئيسة في الرواية "رمزي صفدي،" وإلى العربيّ بصفة عامة.
ويشكل القسم الثالث مع الأول وحدة زمنية واحدة، كما سبقت الإشارة، بل وحدة سردية واحدة من حيث إن السارد يصف فيهما مشاهدات رمزي، بطل الرواية، إبان زيارته اللاجئين في الأردن. على أن الكاتب قسم هذه الوحدة إلى قسمين أطّر بهما القسم الأوسط. فكأننا أمام مفارقة أن ما قبل الحدث هو نفسه ما بعد الحدث من الناحية الدلالية، لا الزمنية (تماثل السبب والنتيجة)، أي أن "العتبة" وهي عنوان القسم الأول، لم تكن، في نهاية المطاف، إلا يوما من "أيام عديدة من الغبار" وهو عنوان القسم الثالث؛ وبهذا تصبح الأيام الستة وما حدث فيها (في القسم الثاني) مجرد جزء من أيام غبار سابقة ولاحقة. وأيام الغبار Days of Dust هو عنوان الرواية العام في ترجمتها الإنجليزية.
وجاءت رواية، الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل لإميل حبيبي مماثلة للرواية السابقة من حيث تقسيمها إلى وحدات ثلاث كبرى، على أنها خالفتها في مخالفة السائد، فعلى حين حملت الفصول داخل تلك الوحدات أرقاما مسلسلة، وعناوين مفردة، جاءت كل وحدة تحمل الاسم (كتاب) ولكل منها رقم مسلسل عُبّر عنه هجائيا: الكتاب الأول، الكتاب الثاني، الكتاب الثالث. ولما كانت الوقائع تعمل على مزج المتناقضات، كما يتضح من عنوانها، وكما يظهر من أبعادها الكوميدية/التراجيدية، وكانت تقوم على ضروب من المفارقة منها المفارقة اللغوية، هذا كله يجعل دلالة (كتاب) في الرواية دلالة ملتبسة، تبدأ عند معنى كلمة كتاب من حيث هي. فهل تعني ما يتبادر إلى الذهن توا، أي (المؤلَف)، كما فهمت ذلك الترجمة الإنجليزية للروايةbook ؟ إن كان ذلك كذلك، فهل نحن أمام مفارقة لفظية تندرج ضمن حس السخرية الحلو-المر الذي يسري في ثنايا المتن، أم نحن أمام مفارقة درامية تتعلق بالدلالة العامة للرواية، أم غير ذلك؟.
يمكن أن نقرأ طرفا من الإجابة المحتملة في حقيقة أن ما نطلع عليه تحت كل "كتاب" من كتب الرواية لا يعدو أن يكون "رسائل شخصية" موجهة من سعيد إلى صاحبه "المحترم،" بيد أن هذه الرسائل التي خطها بطل كوميدي "مغفل" يحكي فيها مجريات حياته بصفة خاصة، تدين العدوان وتعلي من شأن المقاومة -كما ترى سلمى الجيوسي- أكثر من الأعمال/الكتب ذات الصوت المباشر المرتفع.([37])
وإن كانت أسماء وحدات الوقائع الغريبة ملتبسة، فليست كذلك وقائع أخرى تلتها صدورا، أعني وقائع حارة الزعفراني لجمال الغيطاني التي سميت فصولها "ملفات" يتضمن كل منها تقارير بأساليب مختلفة عن أحوال الحارة وأهلها، والإيحاء البوليسي واضح هنا من حيث إن ملفات (أضابير) القضايا البوليسية تحوي وصفا لأحداث، وشهادات، وتقارير عن أشخاص…إلخ؛ فدلالة (ملف) تتعاضد والخطابات الموظفة في الرواية من جهة، وإيحاءات العمل من جهة أخرى، كما هو حال أسماء الوحدات في الروايتين السابقتين.
وتظل صيغ العدول السابقة عن الأعراف المتعلقة بأسماء الوحدات السردية، مع أهميتها، قليلة، مقارنة بما طرأ على العنوان الداخلي؛ ذلك أن العنوان الداخلي من أكثر الأعراف المتعلقة بالبياض السردي تشعبا من حيث الممارسة، ومن جهة الدلالة، وبخاصة البنى والعلائق الدلالية المتعددة بين عناصر العنوان المفرد، والعناوين مجتمعة، والعمل بصفة عامة ووحداته السردية، هذا إلى جانب إحالات العنوان المرجعية، والتناصّية.. إلخ. على أننا يمكن أن نلمس في هذه التشعبات ظواهر عامة. وستحاول الصفحات اللاحقة التوقف عند بعضها، بادئة بسؤال عن السلطة السردية الكامنة وراء العنوان الداخلي، بوصفها مدخلا للأعراف العامة للعنونة، وصيغ العدول عنها.
والمقصود بالسلطة السردية هو الصوت الموصل لجملة العنوان: أهو صوت السارد، أم صوت الكاتب، أم غيرهما؟ ميّز سيمور تشاتمان بين ستة مشاركين في كل حالة اتصال سردي، موزعين بين الإرسال والتلقي، هم: المؤلف الحقيقي، والمؤلف الضمني، والسارد، والمسرود له، والقارئ الضمني، والقارئ الحقيقي.([38]) وقد تناول غيره -قبله وبعده- القضية نفسها، وافترقوا عنه، إما باختزال عدد المشاركين، وإما باختلاف المصطلح. وما يعنينا منها هنا: الشخصيات أو الأصوات المرسِلة.
يقع المؤلف الحقيقي عند تشاتمان خارج النص، ويمثله في النص المؤلف الضمني، و"بوسع المؤلف الحقيقي أن يحدد ما يشاء من الأعراف من خلال المؤلف الضمني"،([39]) وسبق لوين بوث أن عرض فكرة قريبة من فكرة تشاتمان، ومع أنه اقترح مصطلح (المؤلف الضمني)، بداءة، فقد استقر على مصطلح (الشخصية الثانية للمؤلف) معرفا إياها بأنها الوعي المتحكم في النص، أي مصدر الأعراف الموجودة فيه.([40])
على أن أشكال حضور المؤلف الحقيقي في النص السردي، سواء أكان حضورا غير مباشر، أي بشخصية أخرى (ضمنية، أو ثانية) كما عبر عن ذلك مصطلحا بوث وتشاتمان، أم كان مباشرا بشخصيته الحقيقية أو الأولى، إن صحت التسمية: أي الكاتب (=أنا) أو المؤلف([41]) إشكال الحضور هذه لا تلغي، بطبيعة الحال، حضور السارد بصفة أو بأخرى، وإن كانت العلاقة بينهما شائكة، تلك العلاقة التي شبهها الروائي/الناقد أنجوس ويلسون Angus Wilson بالحرب، في سياق حديثه عن وجود صراع مستمر، في أثناء إنشاء النص، بين إرادة الكاتب بوصفه فلانا من الناس، وبوصفه كاتبا له خصوصيته من جهة، وإرادة السارد بوصفه ممثلا للأعراف المؤسسية من جهة أخرى.([42])
وإن كان القارئ (الضمني) دائم الحضور في أثناء إنشاء النص لتذكير الكاتب بالمواثيق السردية كما سلفت الإشارة، فإن معرفته بنتيجة الصراع لا تتحقق إلى أن يضحي قارئا (فعليًا) للعمل. ويمكن أن نلمس أنموذجا مبكرا لهذا الصراع بين المؤلف والراوي حول العنوان الداخلي في أعمال زيدان (المؤرخ) الذي أقبل على كتابة الرواية بوصفها وسيطا لحمل المعلومة التاريخية إلى القارئ العادي، فجاء هذا العنوان في أعماله متأرجحا بين دلالته على المعلومة التاريخية/الحدث التاريخي ودلالته على الحدث القصصي،([43]) وكأنه يحاول الحفاظ على التوازن بين مطلب الهدف، ومطلب الوسيلة، أو بين إرادة المؤلف/المؤرخ، وإرادة السارد/القاص. ففي رواية العباسة أخت الرشيد، على سبيل المثال، نقرأ العناوين الآتية: (بغداد - أبو العتاهية - غريبان - التلصص - العباسة عروس الرواية - البعثة - الهاجس - دار الرقيق - أصناف الرقيق - قصر الأمين).
وقد أثر زيدان على من كتب الرواية التاريخية بعده من نواح عدة،([44]) منها العنونة الداخلية، كما عند فرح أنطون، ومعروف الأرناؤوط، وأميل الأشقر، حتى نجيب محفوظ نفسه في رواياته التاريخية. فمن العناوين التاريخية في رواية الحارث الأكبر الغساني للأشقر: (الحارث الأكبر - زهير بن جناب - المنذر بن الحارث - قباذ ملك الفرس…) ومن العناوين القصصية: (همّ الملك: الاجتماع السري الخطير - المؤامرة: خيانة وإخلاص - بين الحب والواجب….).
ومع أن قصد محفوظ في رواياته التاريخية لم يكن تعليم التاريخ، وإنما كان يهدف إلى ما يسمى بإعادة بناء التاريخ reconstruction of history، أو كان يهدف إلى تناول الواقع تناولا غير مباشر من خلال التاريخ، فقد جاءت العناوين عنده شبيهة بعناوين زيدان من حيث تأرجحها بين الدلالتين التاريخية والقصصية، فمن العناوين التاريخية في كفاح طيبة: (عيد النيل - قصر بيجة - فرعون - بنامون - خنوم حتب) ومن القصصية في الرواية نفسها: (الرسالة - الاجتماع - الأمل والسم - سهم الشعب - الوداع).
وعلى حين أن محفوظا عنون اثنتين من رواياته الثلاث في مرحلته التاريخية، فإن رواياته جميعها خلت من العنونة في مرحلته الثانية (الواقعية)، منذ القاهرة الجديدة حتى الجزء الثالث من الثلاثية السكرية الصادرة عام 1957م، وباستثناء أولاد حارتنا، استمر في المرحلة الثالثة في تجنب العنونة إلى ثرثرة فوق النيل الصادرة عام 1966م. ولعل تجنبه العنونة، في المرحلة الثانية من نتاجه (المرحلة الواقعية)، عائد إلى سعيه لتحقيق مطلب أساس من مطالب الواقعية التقليدية، وهو ما يسمى (الموضوعية)، أي اختفاء الكاتب من عمله؛([45]) إذ قد تكون سيطرة الكاتب على صوته في العنونة أعسر من التحكم به في ثنايا المتن الأساس بسبب من وقوع العنونة خارج ذلك المتن، أي أن صوته قد يظهر بوضوح في جملة العنوان، على حين أنه يمكن أن يتوارى وراء صوت السارد في المتن الأساس، فلا يكون قد اخترق مطلب الموضوعية على نحو سافر. وهكذا، يبدو أن الواقعية حلت، بتجنب العنونة، الصراع بين المؤلف والسارد فنصرت الثاني.
وقد سلفت الإشارة إلى أن هذا كان نهج الرواية العربية التي صُنّفت بوصفها واقعية، والتي سيطرت على المشهد الروائي العربي حتى بداية السبعينيات. ويلاحظ، أيضا، أن أعمال تلك الفترة اتصفت، عدا استثناءات يسيرة، بانفراد سارد واحد بعملية السرد. يبد أن هذا السارد المفرد أخذ يتعرض، منذ السبعينيات خاصة، لمزاحمة أصوات أخرى: صوت الكاتب، وصوت السارد الإطاري، وغيرها. وذلك بسبب أن الروائي الحديث/المجرّب أضحى أكثر سلطة على نصه من سلفه الذي كان يمشي تحت مظلة الأعراف،([46]) وصار أكثر وعيا بحرفته.([47]) ولم يعد صوت الكاتب ذلك الصوت المتواري أو الخافت الذي كان يظهر بطريقة غير مباشرة في جملة العنوان في فترة الأربعينيات وما قبلها، أو ذلك الصوت، اللاحق، الذي حاول قسر نفسه على الاختفاء تلبية لمطلب الموضوعية؛ إذ أخذ كاتب السبعينيات وما بعدها يعلن عن نفسه بوضوح، ويتدخل في النص تدخلا سافرا. وإن كان صوته يظهر في المتن أحيانا، فقد أعطاه البياض السردي فرصة لإظهار صوته في العناوين الداخلية؛([48]) بحيث سعى بعض الكتاب إلى كتابة شفراتهم الذاتية من خلالها.
ومن ذلك أعمال يوسف القعيد، التي يلاحظ القارئ جرأة مؤلفها أمام صوته، بل سعيه إلى تأكيد حضوره، ففي بياض الفصل السادس من روايته أرق الفقراء نقرأ: "عنوان هذا الفصل طويل يقول: الكاتب المصري الذي جلس القرفصاء أربعين قرنا من الزمان يقوم بالرحلة الخرافية بحثا…"
وقد ذهب الكاتب الحديث إلى أبعد من التدخل السافر في جملة العنوان الداخلي، ليصبح هو نفسه شخصية قصصية،([49]) سواء في المتن أم في جملة العنوان ذاته، فمن عناوين يحدث في مصر الآن ليوسف القعيد: "لقاء بين المؤلف وزوجة الدبيش،" و"هل قابل المؤلف زوجة الدبيش عرايس،" و"بعض التساؤلات البريئة والساذجة من المؤلف." وفي رواية المزاد للكاتب نفسه، نقرأ: "المؤلف يسأل القارئ: أي العنوانين يعبر عن الفصل: 1- الحافة الأخرى لليأس، أو 2- اشتدي يا أزمة تنفرجي." وتلاحظ عناية الكاتب بإظهار كلمة المؤلف في العنوان، مع أن بالإمكان حذفها منه، والاكتفاء بدلالة المتن الواضحة على أن المقصود هو المؤلف؛ بحيث يبدأ العنوان الأول بـ":لقاء مع زوجة…" والثاني بـ"هل قابلتُ…" والثالث بـ"أي العنوانين يعبر… ."
وشهدت السبعينيات تصاعدا في انحسار دور السارد الواحد المهيمن على الرواية، وظهور أصوات سردية عدة في العمل الواحد، هذا التعدد الذي نراه ماثلا في عدد من الأعمال، لعل من أشهرها روايتي البحث عن وليد مسعود (1978م) والسفينة (1979م) لجبرا إبراهيم جبرا، إلى جانب ميرامار (1967م) لمحفوظ.
لقد استقلت الأصوات السردية في ميرامار والسفينة وما يماثلهما، عن بعضها بتخصيص الكاتب وحدة سردية واحدة، أو أكثر لكل منها، مع حمل البياض السردي في كل وحدة عنوانا محايدا -أي لا صوت سرديا واضحًا وراءه- هو اسم السارد مثل: "عامر وجدي،" و"حسني علام،" وغيرهما، في المرايا، و"عصام السلمان،" و"وديع عساف،" وغيرهما في السفينة.
وإن كانت الأصوات الساردة على ذلك النحو في العملين السابقين، فإن روايات أخرى أظهرت أصواتا أخرى في البياض السردي كصوت المؤلف نفسه، كما مر بنا عند القعيد في أرق الفقراء، وصوت المسرود له الذي قد يتحول إلى سارد إطاري، وصوت السارد الإطاري.
ومن أمثلة الصوت الأخير رواية البحث عن وليد مسعود لجبرا، التي يؤدي فيها شريط مسجل بصوت وليد مسعود إلى بدء السرد على ألسنة عدد من الشخصيات، بما فيهم مسعود نفسه. وعلى نحو ما حدث في السفينة، استقلت كل شخصية ساردة بوحدة حكائية واحدة أو أكثر، وتضمن البياض السردي في كل منها اسم السارد أيضا. بيد أن هذه الرواية لم تكتف بالاسم عنوانا، بل أظهرت إلى جانبه جملة تحمل صوتا سرديا، أو هو يحملها، وهذا حصر لعناوين الرواية: (جواد حسني يتسلم تركة صعبة - جواد حسني يبدأ البحث مستدلا بشيء من منظور كاظم إسماعيل وإبراهيم الحاج نوفل - عيسى ناصر يشهد موت مسعود الفرحان بعد أن عاصر بعضا من حياته - وليد مسعود يتذكر النسّاك في كهف بعيد - الدكتور طارق رؤوف يتأمل في برج الجدي - مريم الصفّار تتعلق بصخرة تسكن أعماقها - وليد مسعود يخترق أمطارا تتجدد - وصال رؤوف تكشف أوراقها - مروان وليد يقتحم أم العين مع رفاقه - إبراهيم الحاج نوفل ينبش الكوامن حتى الفجر - د. جواد حسني يعد بالمزيد).
إن كانت الأصوات الساردة قد سيطر كل منها على وحدة من وحدات المتن أو أكثر، وكان د. جواد حسني قد فتح السرد في الفصل الأول، وأوقفه في الفصل الأخير واعدا بالمزيد، فإن سارد العناوين، سيطر على البياض السردي بتضمينه صوته مؤطرا به الأصوات كلها. وواضح من العناوين أنه لم يكتف بتقديم اسم سارد كل وحدة من وحدات الرواية، بل سبق صوته صوت سارد المتن، موجزا -بطرائق مختلفة- ما سيحمله إلينا ذلك المتن؛ مثل: إيجاز القضية كما في العنوان الأول، وإيجاز المنظور -إن صحت العبارة- كما في الثاني، وإيجاز الحدث كما في الثالث … إلخ. على أن اكتفاء هذا السارد بتأطير السرد لا يقلل من قيمة صوته قياسا إلى أصوات ساردي المتن؛ ذلك أن للعناوين سلطتها الخاصة المؤثرة في تلقي المتن أيا كانت طبيعته، بل تكاد سُلطة العنـوان تقارب المتن سُلطة.([50])
تعدد ساردو متن الرواية السابقة، وجاء صوت سارد إطاري واحد، وهذا عكس ما نجده في الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل لإميل حبيبي؛ إذ سيطر على متنها صوت واحد هو صوت السارد/البطل، على حين ظهر إلى جانبه: مسرود له، قام في الوقت نفسه بمهمة سارد متن، وسارد إطاري أيضا. تبدأ الرواية بقول المسرود له: "كتب إليّ سعيد أبي النحس المتشائل قال:…" وتكرر هذه الصيغة في بداية كل كتاب (قسم) من كتب الرواية الثلاثة، ليترك بعدها صوت سعيد يسيطر على متون الكتب كلها، ويختفي منها هو – أي المسرود له – إلا في العبارات الموجهة إليه بوصفه متلقيا لرسائل سعيد، مثل "يا محترم" التي تتكرر طول المتن، و"لا تتساءل عن …"، "ألم تضحك من…" "يجب أن لا تفهم من هذا…" "لن أطيل عليك السرد…" ونحوها.
على أن المسرود له هذا استعاض عن ضآلة دوره في المتن، بسيطرته على البياض السردي بوصفه ساردا إطاريا؛ بحيث صنع نصه الموازي، أو نصه المحيط بنص المتن؛ إذ جاءت جمل العناوين الداخلية كلها بصوته، مقدما ما سيقوله سعيد تارة، وموجزا ما سيقوله تارة أخرى، ومعلقا على ما سيأتي تارة ثالثة، وغيرها. ومن ذلك، من كتب الرواية الثلاثة: (سعيد يدعي التقاء مخلوقات من الفضاء السحيق - سعيد يعلن أن حياته في إسرائيل كانت فضلة حمار! - سعيد يفشي بسر عجيب من أسرار العائلة - كيف أنقذ الفجر الصادق سعيدا من الضياع في دياميس عكا - كيف اضطر سعيد إلى الإمساك عن الكتابة لأسباب أمنية - الشبه الفريد بين كنديد وسعيد - باقية، التي أشركته في سرها قبل أن تصبح شريكة حياته - حادث أصعب على التصديق من الموت على الأحياء - سعيد يجد نفسه فوق خازوق بلا رأس - سعيد ينشد أنشودة السعادة - للحقيقة والتاريخ).
ولم يكتف السارد الإطاري في الوقائع الغريبة بالسيطرة على البياض السردي التقليدي، وإنما أوجد بياضا سرديا إضافيا ضمّنه خطابات "المستنسخ الاستهلالي والشعري،"([51]) أي تلك المقاطع الشعرية التي تسبق بداية كل كتاب من كتب (أقسام) الرواية الثلاثة، فقبل بداية الكتاب الأول، يظهر العنوان "مسك الختام"([52]) وتحته مقطع شعري لمحمود درويش، أي أن السارد الإطاري سبق السارد/البطل بإخبارنا أننا سنطلع بدءا على ختام حكاية سعيد أبي النحس لا على بدايتها؛ وذلك قبل أن يقوم بهذا البطل/السارد نفسه في أول فصول الرواية، وتكرر خطابات المستنسخ الاستهلالي بعد عنواني الكتابين الثاني، والثالث. كما أن المسرود له/ السارد الإطاري أضحى في نهاية العمل سارد متن، بعد اختفاء سعيد؛ إذ كتب خاتمة للرواية بعنوان "للحقيقة وللتاريخ" في صفحة ونصف الصفحة، ضمّنها قصة بحثه عن سعيد أبي النحس.
وهكذا سيطر السارد الإطاري في الوقائع على المستوى الأفقي: البداية والنهاية، ولكنه تجاوزه إلى السيطرة على جانب واحد من المستوى العمودي وهو العناوين. أما الجانب الثاني (الحواشي)، فيظهر فيها صوت المؤلف واضحا، من حيث هي علامات "ما وراء نصيّة" meta-textual " تعود إلى العالم المرجعي… [ وهي ذات ] صلة شارحة بالنص نفسه"([53]) ومنها، على سبيل المثال، الحواشي الثلاث في الصفحة الأولى عمن هو "زوج الليلدي بيرد"، وعن معنى "الندل" وعن المقصود بـ"مكاتب اللجنة التنفيذية،" وحاشيتا الصفحة الثانية عمن هو "قطز" وعن معنى "تينتنا القمراء،" إلى جانب توثيق النصوص الشعرية، والاقتباسات النثرية.
ومن مظاهر العدول عن أعراف البياض السردي، بل اختراقها، كثرة العناوين وتنوعها إلى درجة زعزعة المسلمات الخطابية لدى القارئ، أو رصيد افتراضاته المتصورة سلفا، لا مخالفتها فحسب، كما هو أمر العنونة في مذكرات ديناصور لمؤنس الرزاز، التي يظهر فيها ما معدله عنوان داخلي واحد في كل صفحتين. ونجد الظاهرة نفسها، أيضا، في روايتيه يوميات جمعة القفاري، والشظايا والفسيفساء، بل يظهر فيهما عنوان لسطر واحد فحسب. وهذه بعض العناوين الداخلية في الصفحات الأربعين الأولى من مذكرات ديناصور، الصفحات 5-45: (مؤخرة لا مقدمة لها حكاية حب - عن عبدالله الديناصور عن الراوي قال: - حدثتنا زهرة فلم تقل - لماذا لقب عبدالله بالديناصور - من أوراق زهرة - تقرير - هكذا تكلمت زهرة - هكذا تكلمت زهرة [ مكرر ] - عبدالله الديناصور يحلم بصوت مرتفع - عبدالله الديناصور يثرثر في منامه - من كوابيس الديناصور - من كوابيس الديناصور [ مكرر ] - هكذا تكلمت زهرة - هكذا تكلمت زهرة [ مكرر ] - مذكرات الديناصور - كيف كتبت مذكرات عبدالله الديناصور - متى ولد عبدالله الديناصور - الديناصور وباكونين - كيف اكتشف الديناصور أنه كذلك - الديناصور والذبابة وزهرة - الديناصور والذبابة يؤازران مرشحا تقدميا).
لقد راوحت العناوين السابقة بين ما يمكن أن نسميه عنوانا فصليا وعنوان مقطع سردي، أو عنوان فقرة، وسطر … إلخ، هذا إن أمكن أن نضبط فيها أنساقا جامعة؟ ويلاحظ تكرار بعض العناوين، مثل "هكذا تكلمت زهرة" الذي تكرر مرتين في موضعين مع أن السياق واحد في كل منهما.
ونجد العنوان كما في الروايات السابقة، وغيرها من رواية السبعينيات وما بعدها، يظهر أيضا مع اتصال النص، بمعنى أن ظهور العنوان، لم يعد مقتصرا على مواضع النقلة السردية: المكانية أو الزمانية أو الحدثية داخل الفصل الواحد، كما كانت تفعل النجوم، والوردات، وغيرها من الإشارات الطباعية في الأعراف السابقة، وإنما يمكن أن يظهر قبيل أية فقرة. وإن كانت عنونة الوحدات السردية الصغرى داخل الفصول تستدعي إيقاف تدفق السرد، مما يفضي إلى عزل تلك الكتل، وإبرازها؛([54]) فإن من شأن هذا أيضا أن يؤدي إلى تشظية النص بصريا في الأقل، ودلالة هذا الإجراء تختلف من عمل لآخر؛ إذ قد يكون تعبيرا عن رؤية ما للعالم، أو ذا دلالة تتعلق بالسارد نفسه، أو بشخصية البطل، وغيرها. هذا إلى جانب ما قد تحدثه التشظية من توتر بوصفها إيقافا/قَطْعا متكررا للسرد، وإعادة إطلاق/وصل. ومهما يكن من أمر، فإن كثرة العناوين الداخلية تستدعي بياضات سردية تماثلها عددا. وهذا يعني أن الكاتب يقوم بكسر الإطار، وتثبيته في آن واحد: كسر الإطار الموروث، ووضع إطاره الخاص.
ومثلما أثّرت الصحافة في الرواية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين، عادت في السبعينيات لتؤثر في طرائق السرد وأساليبه؛ إذ وجدت الرواية في بعض معطيات الإعلام المكتوب، وخصوصا الصحافة اليومية، وسائل للتعبير عن عصرها. فلم تتردد في محاكاة بعض القوالب الصحفية كالتحقيق والخبر، أو تضمين العمل نصوصا صحفية وإخبارية وإعلانية، كما فعل توفيق يوسف عواد في طواحين بيروت، وهاني الراهب في ألف ليلة وليلتان، وصنع الله إبراهيم في ذات.([55])
ويظهر التأثير الصحفي واضحـا فيما يتعلق بالبياض السـردي في الرواية الحديثة في كثـرة العناوين الداخليـة بصفة خاصة وتنوعها ومحاكاتها أساليـب العنوان الصحفي الحديـث وصيغه، مثـل: الإشاري، والتمهيـدي، والإخبـاري، والوصفـي، والتسـاؤل، والساخـر، والتذكيري، وعنـوان الاقتبـاس، وغيرها،([56]) إلى جانـب أساليب العنونـة الصحفية القديمة.([57])
وعلى حين أننا يمكن أن نرصد تقاليد معينة في فترة العنونة السابقة (الرواية التاريخية والرومانسية) فيما يتعلق بطول جملة العنوان، حيث كانت تتراوح بين كلمة واحدة وخمس كلمات؛ وأما نوعها: فإما حدثية أو تاريخية، أو وجدانية، أو مقالية، نجد العنوان يطول في الرواية الحديثة ليبلغ أسطرا مع تعقد تركيبه على نحو يشبه ما حدث في عناوين الكتب في فترة متأخرة من الحضارة العربية الإسلامية.([58]) ويمكن أن يقال إجمالا إن الرواية الحديثة وظفت البياض السردي عنوانيا بأساليب مختلفة، بحيث أسست العنونة نفسها بوصفها خطابا موازيا للمتن، أو نصا محيطا بالنص، وهي لهذا حقيقة بدرس مستقل.
ختاما، لقد وجدت الرواية العربية، منذ منتصف الستينيات، في عرف البياض السردي وما يتعلق به، مساحة للتعبير عن عصرها، وعن مواقفها، ووجد الروائي فيها مساحة للتعبير عن رؤيته الخاصة، بالعدول عن التقسيم المولد للبياض، أو الأخذ به مع تركه فارغا، أو الخروج عن الأعراف المتعلقة بالترقيم، أو العودة إلى العنونة بروح جديدة، وطرائق متنوعة.
White Narration:
Conventions and Denotations of Deviation
Muhammed S. Al-Goaifli
Associate Professor, Department of Arabic Language and Literature,
College of Arts, King Saud University, Riyadh, Saudi Arabia
Abstract. “White narration” is the blank space between the differing segments of the written narrative text: the section, the chapter, the sub-chapter, etc.
This study is an attempt, first, to point out some of the conventions that are related to the use of white narration in the pre 1960s Arabic novel, such as titling and numbering, and then to identify the types and denotations of deviation from those conventions since the 1960s.
________
([1]) تعددت المصطلحات الدالة على التفريق بين الحكاية، بوصفها سلسلة متوالية من الأحداث أو المواقف، وبين طرائق تقديمها. فسميت الأولى: حكاية، وقصة، وخرافة…، والثانية: عرضا، وسردا، ومعالجة، وخطابا… ولكل مصطلح من هذه المصطلحات دلالات أخرى عند نقاد آخرين، وقد حصرت هذا التباين مؤلفات عدة، أشملها فيما يبدو، ما جاء عند: Monicka Fludernik, The Fictions of Language and the Languages of Fiction (London: Routledge, 1993), 59-62. نقلا عن محمد عناني، = = المصطلحات الأدبية الحديثة: دراسة ومعجم إنجليزي عربي (بيروت: مكتبة لبنان، 1996م)، 103، 130.
([2]) والتر ج. أونج، الشفاهية والكتابية، ترجمة حسن البنا عزالدين (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، 182، فبراير، 1994م)، 232؛ وانظر الفصل الخامس كله "الطباعة والفراغ والاكتمال"، وانظر حديث ميشيل بوتور عن "الكتاب كمادة" في بحوث في الرواية الجديدة، ط3، ترجمة فريد أنطونيوس (بيروت: منشورات عويدات، 1983م)، 108 وما بعدها؛ وانظر عرضا لأوضاع الكتابة كما جاءت عند بوتور مع إضافات، في كتاب حميد الحميداني، بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، ط2 (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1983م)، 55 وما بعدها. وقد سمى الفراغات بين الفصول "بياضا"، 58.
([3]) إن كانت (الفجوة السردية) ترجح ظهور (البياض السردي)، وإن كانت الممارسة الغالبة هي مصاحبة البياض للنقلة السردية، فإن تلازمهما غير محتوم؛ إذ قد يتحول السرد مكانيا أو زمانيا أو منظوريا في فقرتين متتابعتين، أي بلا بياض سردي، وبالمقابل قد يظهر البياض السردي مع اتصال السرد، كظهوره بين فصلين أو فقرتين يمكن وصلهما سياقيا.
([4]) Johnathan Culler, Structuralist Poetics (Ithaca: Cornell Univ. Press, 1975), 134-35.
([5]) من اللافت للنظر أن الثقافة العربية لا تسمي الرواية (كتابا) تسمية صريحة، وذلك على العكس من الثقافات الأوروبية، مع أن كلمة كتاب في العربية أقرب إلى الدلالة على ما يفعله الروائي بوصفه كاتبا. فهل هذه بقية من تلك النظرة إلى صناعة القص التي استمرت حتى ثلاثينيات القرن العشرين؟
([6]) Culler, Structuralist, 196-97.
([7]) انظر: روبير إسكاربيت، سوسيولوجيا الأدب، ترجمة آمال عرموني، ط2 (بيروت: منشورات عويدات، 1980م)، 136-137.
([8]) يشير وين بوث إلى "تظاهر" بعض الكتّاب "الطليعيين" بعدم اكتراثهم بالقارئ، ولكنه يرى أن جويس كان يريد "بصورة بائسة" أن تكون أعماله مقروءة. انظر: بلاغة الفن القصصي، ترجمة أحمد عردات وعلي الغامدي (الرياض: جامعة الملك سعود، 1994م)، 124، وحاشيتها.
ويقول ميشيل بوتور: إن الكاتب "بحاجة ماسة إلى القارئ ليقوده بنجاح، كشريك في التأليف، كغذاء له في نموه وثباته"، بحوث، 13. ويرى إدوارد سعيد أن قراء القصص قاموا، في ازدهار هذا الشكل الأدبي، بدور يكاد يعادل من حيث أهميته دور الكتّاب أنفسهم. انظر مقدمته للترجمة الإنجليزية لرواية عودة الطائر إلى البحر.
Halim Barakat, Days of Dust, trans. Trevor Le Gassick (Washington D.C.: Three Continents Press, 1983), XIII.
([9]) Culler, Structuralist, 136.
([10]) Ibid., 139.
([11]) يمنى العيد، الكتابة تحول في التحول (بيروت: دار الآداب، 1993م)، 111.
([12]) انظر: إمبرتو إيكو، التأويل والتأويل المفرط، ترجمة ناصر الحلواني (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1996م)، 105، 189، 233.
([13]) غني عن القول أن هذه المراحل متداخلة، على أنها تتوافق، من حيث عددها، وتقسيم مؤرخي الرواية العربية لمراحل تطورها. والاختلاف حول تداخل المراحل، خاصة المرحلتين الثانية والثالثة، تحكمه الزاوية المنظور منها إلى الأمر. انظر مثلا: محسن جاسم الموسوي، الرواية العربية: النشأة والتحول، ط2 (بيروت: دار الآداب، 1988م)، 152-153؛ وعبدالرحمن ياغي، في الجهود الروائية ما بين سليم البستاني ونجيب محفوظ (بيروت: دار العودة، 1971م).
([14]) ثمة أربعة مصطلحات متداولة هي: "العنوان الجانبي،" و"العنوان الفرعي،" و"العنوان الفصلي،" و"العنوان الداخلي." وقد استعملت "العنوان الداخلي،" مع أنه أقلها تداولا؛ لأن "الجانبي" يحمل دلالة متصورة سلفا مقابل عنوان الرواية. أما "الفرعي،" فيحمل افتراضا سابقا بتفرعه عن عنوان الرواية ضرورة. وأما "الفصلي،" فيدل على نوع واحد من العناوين الداخلية، ولا يشمل العناوين داخل الفصل الواحد، ولا يعبر عن عناوين الأقسام التي تضم فصولا. على حين أن "الداخلي" يبدو مصطلحا محايدا، بمعنى أنه لا يحمل قيمة سابقة، ولا دلالة سابقة، سوى حقيقة أنه داخل الرواية، إضافة إلى أنه يستوعب عناوين أقسام الرواية الواحدة، وعناوين فصولها، والمقاطع داخل الفصول، وما قد يلحق كلا منها من تفريع.
([15]) ولعل من أسباب حرص زيدان على عنونة فصول رواياته كلها، تعامله مع كل فصل على حدة، من حيث الكتابة، والنشر. يقول: "نفرغ من كتابة الفصل ونحن نتشوق إلى كتابة ما يليه تطلعا إلى ما سيكون بعده." نقلا عن محمد يوسف نجم، القصة في الأدب العربي الحديث (بيروت: دار الثقافة، د.ت.)، 179-180. ولربما كان هذا دافعا من دوافع مواصلة زيدان وغيره الكتابة الروائية، في ذلك الزمان.
([16]) إبراهيم السعافين، تطور الرواية العربية الحديثة في بلاد الشام 1870-1967 (بغداد: وزارة الثقافة والإعلام، 1980م)، 140.
([17]) انظر: نجم، القصة، 14-21؛ وبدر، تطور، 125-127. وموضوع تأثير الصحافة في الرواية من الموضوعات الثابتة في الدراسات المتعلقة بنشأة الرواية وتطورها عربيا وغربيا. ولما كانت الرواية العربية قد تأثرت في بداية نشأتها بالصحافة العربية، وبالرواية الغربية التي تأثرت بدورها بالصحافة، فإن الصحافة أثرت فيها من هذا المنظور، مرتين –وعادت لتؤثر فيها مرة ثالثة، كما سيأتي- إذ يؤكد ألبيريس أن الرواية المنشورة في الصحافة هي التي قادت إلى ظهور الرواية الحديثة ونموها، وأننا لن نفهم طبيعة تطورها "ما لم نلحظ قبـل كل شيء أنها كانت موجهة أول الأمر للظهور في مجلة أو جريدة يومية" وأن أكبر الروايات التي ظهرت في القرن التاسع عشر كانت "روايات متسلسلة،" وأن ديكنز، وديوستوفسكي، وبلزاك، وفلوبير لم يصبحوا روائيين إلا بوساطة الصحافة وحثها لهم. انظر، تاريخ الرواية الحديثة، ترجمة جورج سالم، ط2 (بيروت: منشورات بحر المتوسط، ومنشورات عويدات، 1982م)، 41-43.
([18]) وكانت استمالة القارئ عنوانيا تشمل الرواية/الكتاب أيضا في أوروبا؛ إذ يشير بوتور إلى أن الناشرين كانوا يكررون عنوانا واحدا في رأس كل صفحة "إلا أن هذا العنوان، في القرن التاسع عشر خاصة، كان يتبدل من صفحة إلى أخرى، مذكرا بعناوين الفصول، أو مميزا كل صفحة عن مثيلتها، أو ملخصا إياها؛ ليسمح للقارئ أن يطالعها بارتياح"، بحوث، 124.
([19]) وقد يعود تجنب العنونة الداخلية في بعض المحاولات الواقعية المبكرة – قبل الأربعينيات – إلى أن كتّابها وجدوا فيه تعميقا لموقفهم المخالف للرواية الرومانسية على وجه الخصوص. ومن أمثلة هذا: موقف عيسى عبيد في مقدمته لإحسان هانم (القاهرة: الدار القومية، 1964م)، 5. وموقف محمود أحمد السيـد، انظـر: عمر الطالب، الفن القصصي في الأدب العراقي الحديث (بغداد: مكتبة الأندلس، 1971م)، 43.
([20]) كير إيلام، سيمياء المسرح والدراما، ترجمة رئيف كرم (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1992م)، 86.
([21]) نجيب محفوظ، قلب الليل (القاهرة: مكتبة مصر، د. ت.)، 36.
([22]) في مقابلة له مع عبدالرحمن أبي عوف بعنوان "الأصالة والاستقلال الفكري،" قضايا عربية، (1977م)، نقلا عن الموسوي، الرواية العربية، 152.
([23]) صلاح فضل، أساليب السرد في الرواية العربية (القاهرة: دار سعاد الصباح، 1992م)، 56.
([24]) مثل طبعة المكتبة الثقافية ببيروت (1980م)، بل نجد الناشرين يفعلون العكس أيضا، أعني حذف العناوين من الأصل التراثي، ومن ذلك أن ناشر رسالة الحيوان لإخوان الصفا، حذف عناوين الفصول واستبدل بها الأرقام. انظر: عبدالرزاق الموافي، القصة العربية، عصر الإبداع: دراسة للسرد القصصي في القرن الرابع الهجري، ط3 (القاهرة: دار النشر للجامعات، 1997م)، 178.
([25]) إيلام، سيمياء، 107.
([26]) بوتور، بحوث، 8. ومع إدراك أن مقولته أعم من قضية علاقة الزمن باتصال السرد، فمن الطريف ملاحظة أنه التزم بالبياض السردي/الفصلي في روايته ممر ميلانو، غير محاك تدفق الزمن الواقعي، بل قولبة الإنسان للزمن؛ إذ تعادل فصولها الاثنا عشر ساعات الليل الاثنتي عشرة. انظر حديثه عنها في ريمون لاهو، حوار في الرواية الجديدة، ترجمة نزار صبري (بغداد: الشؤون الثقافية العامة، 1988م)، 20.
([27]) قد يبدو أن للترقيم فائدة عمليّة، وإن كانت غير مقصودة من الكاتب، هي التنبيه إلى مواطن انقطاع السرد (التقسيم الفصلي) مما يمنع السهو عنها في أثناء مرحلة الصف الطباعيّ، خاصة الأعمال التي تحوي فصولا يمكن وصل بعضها ببعض دونما خلل سياقي بيّن. لكن الترقيم لا يحول دون وقوع هذا النوع من السهو حتى في الطبعات اللاحقة من تلك الأعمال، ومن ذلك وصل الفصلين السابع والثامن في الطبعة الثانية من رواية بقايا صور، لحنا مينة (بيروت: دار الآداب، 1978م) – الأولى، دمشق، 1975م؛ إذ يظهر فيها رقم الفصل السابع يليه التاسع. ولا يستطاع تحديد موضع بداية الفصل الثامن، استنادا إلى هذه الطبعة وحدها، فالجملة المعبرة عن مرور الزمن التي قد تكون مفتاحا لبداية الفصل "وبعد أيام ملأ…،" 147، تتكرر في الصفحة التي تليها "قال بعد أيام…".
([28]) ويرى عبدالفتاح كيليطو أن حركة الاتصال/الانفصال هذه تظهر في مقامات الحريري؛ إذ "تتضمن كل مقامة منها، إضافة إلى العنوان، رقما يجعل لها ترتيبا مع بعضها البعض،" وإذا لم يتبع القارئ هذا الترتيب في القراءة "فهو مع ذلك مضطر لأخذه بعين الاعتبار حين تأويل الكتاب،" ويرى أن كل مقامة تعتمل فيها حركة مزدوجة "حركة جاذبة، تعزلها وتفصلها وتغلقها حول حدودها، وحركة نابذة تنتزعها من الانكفاء والاستقلال والاكتفاء الذاتي". انظر: عبدالفتاح كيليطو، المقامات: السرد والأنساق الثقافية، ترجمة عبدالكبير الشرقاوي (الدار البيضاء: دار توبقال للنشر، 1993م)، 193.
([29]) انظر: صنع الله إبراهيم، "تجربتي الروائية،" في الرواية العربية: واقع وآفاق، تحرير محمد برادة (بيروت: دار ابن رشد، 1981م)، 297.
([30]) انظر دراسة محمد برادة، "الرؤية للعالم في ثلاثة نماذج روائية،" ودراسة محمود أمين العالم، "التاريخ والفن والدلالة في ثلاث روايات مصرية،" في الرواية العربية: واقع وآفاق.
([31]) من التجارب الطريفة في توظيف الترقيم والبياض معا، تجربة الروائي الأمريكي رونالد سكنك Ronald Sukenick في روايته Out (1973م) التي تتكون من أحد عشر فصلا رقمت ترقيما عكسيا من عشرة إلى صفر (0-10). وكل فصل يتكون من عشرة حزم (بلوكات) طباعية، وكل حزمة طباعية في كل فصل تحوي أسطرا يساوي عددها رقم الفصل، ويضم الفصل الأخير (0) صفحات بيضاء. وبذا يزداد البياض تدريجيا مقابل السواد، حتى يضمحل النص من أمام عيني القارئ.
([32]) ج. ب. براون و ج. يول، تحليل الخطاب، ترجمة محمد لطفي الزليطني و منير التريكي (الرياض: جامعة الملك سعود، 1997م)، 128.
([33]) رينيه الحايك، شتاء مهجور (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1996م)، 5، 127 على التوالي.
([34]) عبدالمحسن طه بدر، تطور الرواية العربية الحديثة في مصر 1870-1938 (القاهرة: دار المعارف، د. ت.)، 64-65.
([35]) محمد المويلحي، حديث عيسى بن هشام (تونس: دار الجنوب للنشر، 1984م)، 22.
([36]) انظر: بدر، تطوّر، 84-86؛ ومحمود حامد شوكت، مقومات القصة العربية الحديثة في مصر (القاهرة: دار الفكر العربي، د.ت.)، 50. وبعد أكثر من قرن، جمعت رواية سمر الليالي لنبيل سليمان (اللاذقية: دار حوار، 2000م) بين السمر والليالي في عنوانها العام، وفي اسم كل من أقسامها الخمسة وعنوانه ومنها: السمر الأول: ليالي ريّا…، السمر الرابع: لياليهن… .
([37]) Emile Habiby, The Secret Life of Saeed the Ill-Fated Pessoptimist: A Palestinian Who Became a Citizen of Israel, trans. Salma Khadra Jayyusi and Trevor LeGassick (New York: Vantage Press,
= 1982), XIII-XIV.
= وقد تحولت المفارقة إلى مطابقة في رواية إميل حبيبي اللاحقة، إخطية (نيقوسيا: بيسان برس، 1985م) من حيث إن كل وحدة من وحداتها الثلاث الكبرى سميت "دفترا"؟ والدفتر يحمل معنى "الكشكول،" والرواية من حيث طرائق السرد الموظفة فيها، وتلقائية السارد، وتسمية الأشياء بأسمائها، و إن بطريقة غير مباشرة، تقترب من أدب الكشاكيل الذي صرح إميل حبيبي عام 1981م بتأثره. انظر: الكرمل، 14(1981م)، 183 ، نقلا عن علوش، عنف المتخيل، 8. وفي روايته سرايا بنت الغول (لندن: رياض الريس، 1992م)، عاد حبيبي إلى الأعراف السابقة بتسمية وحداتها الأربع الكبرى فصولا.
([38]) Seymour Chatman, Story and Discourse (Ithaca: Cornell Univ. Press, 1978), 147- 51.
([39]) Chatman, Story, 149.
([40]) بوث، بلاغة، 84، 88.
([41]) إن كان النقاد يميلون إلى استعمال مصطلحات تجعل الكاتب ممثلا في النص بشخصية أخرى، فإن الروائيين/النقاد يعطونه، فيما يبدو، موقعا أكثر مركزية وحضورا في النص باستعمالهم كلمة (الكاتب). انظر بوتور، بحوث، 63؛ وإمبرتو إيكو، القارئ في الحكاية، ترجمة أنطوان أبو زيد (الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1996م)، 76. وأنجوس ويلسون، (الهامش التالي)، 228.
([42]) انظر: “The Novelist and the Narrator,” in Angus Wilson, Diversity and Depth in Fiction: Selected Critical Writings, ed. Kerry McSweeny (New York: The Viking Press, 1989), 225- 63.
([43]) بدر، تطور الرواية، 106.
([44]) بدر، تطور الرواية، 112-120؛ ونجم، القصة، 208؛ والسعافين، تطور، 140-141؛ وسيد حامد النساج، بانوراما الرواية العربية الحديثة (القاهرة: دار المعارف، 1980م)، 94.
([45]) شهد منتصف الأربعينيات توظيف مصطلح (الموضوعية) نقديا. انظر: أحمد إبراهيم الهواري، نقد الرواية في الأدب العربي الحديث في مصر (القاهرة: دار المعارف، 1978م)، 265.
([46]) انظر: Barakat, Days, XI-XII .
([47]) انظر: Jerzy Kutunik, The Novel as Performance (Carbondale: Southern Illinois Univ. Press, 1986), 40, 44.
([48]) انظر: بوث، بلاغة، 231.
([49]) Kutunik, Performance, 126.
([50]) انظر: براون، تحليل الخطاب، 162-163؛ وروبرت شولز، السيمياء والتأويل، ترجمة سعيد الغانمي (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1994م)، 73.
([51]) سعيد علوش، عنف المتخيل الروائي في أعمال إميل حبيبي (بيروت: مركز الإنماء العربي، د.ن.)، 6؛ وانظر تحليله لها، 32 وما بعدها.
([52]) سقط العنوان "مسك الختام" من الترجمة الإنجليزية للوقائع (1982م)، ووضع فوق المقطع الشعري لسميح القاسم اسم سعيد ولقبه، وسقط أيضا عنوان الكتاب الأول (يعاد)، انظر ص1.
([53]) إيكو، القارئ، 86، 317؛ وعن العمودي والأفقي في الكتاب بوصفه مادة، انظر: بوتور، بحوث، 166.
([54]) الفكرة مأخوذة من التأطير المسرحي، انظر: إيلام، سيمياء، 30.
([55]) انظر الفصل الخامس من كتاب الموسوي، الرواية العربية، 149-177.
([56]) انظر: محمود أدهم، عنوانات الصحف (د.م.: د.ن.، د.ت.)، 58 وما بعدها.
([57]) في أحد أعداد مجلة المجلات العربية الذي صدر بمناسبة وفاة مصطفى كامل (1908م)، جاءت العناوين الآتية عن حادثة دنشواي (1906م): "المحكمة المخصوصة وقانونها،" "بلاغ الحكومة في القضية،" "شيء من أقوال الجرائد في الحادثة،" "الذين لم تثبت عليهم التهمة." وفي أحد أعداد مجلة روضة المدارس (1870م)، جاءت العناوين: "التصريح بحميد الأخلاق والتلويح بالتوبة عن الاعتراض على الرزاق،" "إحسان السيرة بإخلاص السريرة." نقلاً عن، أدهم، عنوانات الصحف، 23. وتذكرنا هذه بوضوح ببعض عناوين رواية السبعينيات وما بعدها، خاصة عند الغيطاني والقعيد.
([58]) محمد عويس، العنوان في الأدب العربي: النشأة والتطور (القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1988م)، 41.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق