ﻤﻘﺎﺭﺒﺎﺕ ﻨﻘﺩﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻷﺴﻁﻭﺭﺓ ﺸﻌﺭﺍ ﻭﻓﻜﺭﺍ
إعداد . د: محمد عبد الرحمن يونس
دكتور في الأدب والنقد اختصاصى اللغة العربية وآدابها
باحث وقاص وروائي وأستاذ جامعي
عضو هيئة تحرير شبكة حيفا
توظيف الأسطورة في النص الشعري العربي المعاصر مسألة في غاية الأهمية، فمـا مـن شاعر عربي معاصر معروف إلا و استخدم الأسطورة في أعماله، و هناك حالات استثنائية و طفيفة لا يقاس عليها .
إن الأسطورة تشكّل نظاماً خاصاً في بنية الخطاب الشعري العربـي المعاصر، و قد يبدو هذا النظام عصياً على الضبط و التحديد، و ذلك لضبابية الرؤية المراد طرحها في النص الشعري، و لكثافة الأسطورة نفسها غموضاً و تداخلاً مع حقول معرفيـة أخرى. فعندما نستحضر الأسطورة فإن نا نستحضر التـاريخ متـداخلاً مـع الميثولوجيـا و الخرافة، و الحكاية الشعبية، و هنا يصعب علينا معرفة أوجهها كاملة، و ذلك لتناصها مـع هذه الحقول المعرفية الأخرى، فهل الأسطورة هي الخرافة أم هي التاريخ أم الفلكلور أم هي الحكاية الشعبية أم هي جزء مهم من اثنولوجيا و صفية، لاتزال بوصفها بنية معرفية عميقة، تتعلق بمعتقدات الشّعوب و روحانياتها و تقاليدها، تفعل فعلها في حياتنا المعاصرة ؟ . إنّهـا مزيج من هذا و ذاك، و لذا فهي عصية على الضبط و التحديد . إنها رؤية متنامية متـشعبة في بنية الزمان التاريخي، و المكان الأثنوجرافي، و تصبح الأسطورة أحياناً تاريخاً و « كل أسطورة تروي تاريخاً ». على حد تعبير كلود ليفي شتراوس .
وتصبح خرافة، و تداخلها مع الخرافة يزيدها تعمية و غموضاً، و التاريخ نفسه يصبح لدى جيل من الأجيال أسطورة . فبغض النظر عن كون شخصيتي شهرزاد و شهريار من التاريخ أو الأسطورة، فإنهما يبقيان في بنيتهما العامة جزءاً من السحر و الأسطورة و الخرافـة و التاريخ و الميثولوجيا و الفكر و الفن في آن.
و تاريخياً كانت الأسطورة هي ملاذ الإنسان الأول، للانتصا ر على خيباته، و لتخطي فواجعه، وسياسياً كانت محاولة لخلق بديل جديد، أكثر إشرا قاً وجمالاً، إنها النافذة التي يرى الإنسان العربي من خلالها النور و الفرح، لأنها تخلق له حالة توازن نفسي مع محيطه و مجتمعه، فبوساطتها تتم عملية الحلم و التخيل، و الاستذكار، فإذا كان الواقع فاسداً ظالماً، و مـراً، و الإنسان فيه غير قادر على تحقيق أبسط مت طلباته، نتيجة لسلطة هذا الواقع المدمرة إنسانياً وأخلاقياً، فالحلم و الثورة هما الوسيلتان الوحيدتان لتخطي هذا الواقع، قد تتأخر الثـورة، و قد تلغى، و قد تُغَيب، لكن الحلم دائماً يحضر، و « يجن الانسان حينما يمنَع من الحلم » على حد تعبير بودلير. إن الحلم هو الوجه الآخر للشعر كما يرى هربرت ريد .
و« لو استطعنا أن نروي أحلامنا لأمكننا أن نـروي شـعراً متواصـلاً .« و بـالرغم مـن التحليلات الاجتماعية التي تؤكد أن اللجوء إلى الفكر الأسطوري، هو هروب مـن مواجهـة الواقع، و هو دعوة لسيادة الظلم، و دعوة إلى إلغاء الع قل « فالفكر الأسطوري القائم علـى أساس غيبي لا عقلاني له منطقُه المختلف تماماً عن منطق الفكر الموضوعي. و الأسطورة المكوِّنة لهذا الفكر تنزع دائماً إلى إضفاء صفات قدسية غامضة على مواضيعها و أشيائها و أشخاصها. ولا مساحة أن الأسطورة لها، عملياً، مستلزمات غيبية تستند إليها في الواقع، و تنعكس بواسطتها على المجتمع و على السلوك السياسي، الطبقي فيه . فالوسائل المتولـدة من جراء الأسطورة أو المولّدة لبعضها، تتحول في المجتمع إلى أدوات إضافية للسيطرة ـ ملكية طبقة محددة لوسائل الممارسة الأسطورية إذا جاز التعبير والافتراض .
وهو تكريس للعبودية الاجتماعية التي تعتمد عليها السلطة الـسياسية ضـماناً لاسـتمرار سلطتها، فـ « الفكر الأسطوري إذ يقدم للإنسان مثالاً عن إرادة القوة الغيبية، يـضعه فـي نفس الوقت في وضع (العبد) المندهش، المر تعب من سلطان هـذه القـوة، التـي يـزعم المستبدون أنّهم يمثّلونها أو ينطقون باسمها .
وبالرغم من هذه التحليلات، فإن الأسطورة من حيث كونها فكراً و فنّـاً و تاريخـاً، تـشكّل خطاباً يمكن أن يقال عنه إنّه أدبي يتناص مع التاريخ و الميثولوجيا . و ما يجعل الأسطورة خطاباً أدبياً، قدرتها على توسيع آفاق المخيلة عن طريق الحلم والتخيل، و مـا الأدب فـي بنيته العميقة إلا نظام رمزي قادر على الإيحاء و التأويل، و من ثـم كـشف اللاإنـساني و اللاأخلاقي في رؤية المجتمعات البشرية و نظام قيمها، وإدانته .و حتى لو آمنّا بأنـه كلّمـا تراجع المجتمع حضارياً و ثقافياً، و بقي مغلّفاً بالغيبيـات و الـشعوذات و الـسحر، زادت أساطيره و خرافاته فإن ذلك لا يعني التقليل من شأن الأسطورة، لأنها تبقى عنصراً بنائيـاً مكوناً للفكر الإنساني . ينمو الفكر الإنساني و يتحرر، و يزداد عقلانية مع تطور المعارف و العلوم، لكن ذلك لا يمنع عنه حالة الحلم و التخيل . و الأسطورة في أهم خصائـصها أنهـا رؤية حلمية تخيلية.
و ترافق الأسطورة الإنسان في حلّه و ترحاله باعتبارها رمزاً مضيئاً، و قد تتعدد مستويات هذا الرمز، لكنّه يبقى على صلة قوية بصيرورة التاريخ، و تَشَكُّلْ طبقاتـه الاجتماعيـة، و حينما يسود الفكر الأسطوري قوياً و فاعلاً لدى أمة من الأمم، فإن ذلك يعني وجود سلطة ـ بتعدد أوجهها ـ تمنع شرائح مجتمعها من العيش بأمان و طمأنينة و سلام روحـي، لكـن الأسطورة تبقى في المجتمعات المتخلِّفة حلاً جمالياً لرفض حالات الاستلاب و الخيبة التـي يمر بها إنسان هذه المجتمعات، المفجوع و المقهور في توجهاتـه و تطلعاتـه . أمـا فـي المجتمعات المتقدمة حضارياً و تكنولوجياً، المتراجعة على مستوى العلاقـات الاجتماعيـة بشرطها الإنساني، فإنها « مرض من أمراض اللغة .
وهي في آن مرض من أمراض لوثات العصر بتعقيداته، و ما تفرزه الحـضارة المتقدمـة صناعياً من استلاب و تشيؤ.
إننا إذ نستحضر الأسطورة في وقتنا الراهن، حيث الهزائم على كل المستويات، فإن نزعـة (نوستالجية) تتأجج في أعماقنا نحو الماضي، و نحو المجهول، و نحـو عـوالم بِكْـرٍ لـم تُستكشف بعد . و تزداد هذه النزعة مع خيباتنا المتكررة في ظلّ أنظمتنا الاجتماعية الغا صـة بالتعقيد و الفساد و الجهل.
إن عصر توليد الأساطير Mythopoec Age، قابلٌ لأن يمتد حاضراً و مستقبلاً. من منا لم يعجب بأسطورة جلجامش و أنكيدو و توقهما المطلق للدفاع عن قضايا الإنسانية ؟ .و مـن منّا لم يعجب بتصميم جلجامش على قطع غابات واسعة، و بحار طو يلة للبحث عـن النبتـة المقدسة التي تعطيه هو و قومه في « أوروك » سر الخلود الأبدي، و التحول مـن طبقـة البشر إلى طبقة الآلهة ؟ . و كم كان محزناً حينما سرقت الأفعى النبتة المقدسة التي حـصل عليها !. ومن منّا لم يعجب بشجاعة جلجامش و أنكيدو حينما قتلا الثور الـسم اوي الـذي أرسلته الآلهة لقتل أنكيدو، بعد أن طلبت عشتار ذلك من الإله « آنو ؟» .
لقد أمسكا بالثور السماوي و مزقا قلبه..
وهنا اعتلت الربة عشتار سور أوروك ذات الأسوار
و صعدت على شرفات السور و صارت تطلق اللعنة منادية:
الويل لجلجامش الذي أهانني و قتل الثور السماوي
وسمع أنكيدو كلام عشتار هذا
فقطع فخذ الثور السماوي الأيمن و رماه في وجهها
وأنت سوف أصل إليك مثله (سيصيبك مني ما أصابه)
وأعلّق أحشاءه إلى جنبك.
وجمعت الربة عشتار الكاهنات المنذورات
والكاهنات الحبيبات و البغايا المقدسات
ونصبوا النواح على فخذ الثّور السماوي الأيمن .
]1 [ الأسطورة والمعنى، ترجمة د .شاكر عبد الحميد، دار الشؤون الثقافية العامـة، بغـداد، الطبعة الأولى،١٩٧٧م.
]2 [ عن د .شاكر عبد الحميد، من مقال له بعنوان:" لغة الحلـم و الأسـطورة فـي شـعر السبعينات بمصر "، ألف، مجلة البلاغة المقارنة، الجامعة الأمريكية، القاهرة، العدد الحـادي عشر، ١٩٩١ ، ص .85
]3 [ د. خليل أحمد خليل، مضمون الأسطورة في الفكر العربي الطبعة الأولى والثالثـة، دار الطليعة، بيروت، طـ 1973 ،1م، طـ ١٩٨٦ ،٣ م ، ص ٧٥.
]4 [ نفسه ، ص ٨٦.
]5 [ على حد تعبير ماكس ملرعن / .د محمد عبد المعين خان، الأساطير و الخرافـات عنـد العرب،، الطبعة الثالثة، دار الحداثة، بيروت، ١٩٨١ م، ص ١٧.
]6 [ ملحمة جلجامش، ترجمة د. سامي سعيد الأحمد، دار التربيـة، بغـداد، و دار الجيـل بيروت، طبعة ١٩٨٤ م، ص ٣١٥..
]7 [ هذه رموز تاريخية و أسطورية وظفها الشاعر عبدالعزيز المقالح في أعماله الشعرية
]8 [ د. جابر قميحة، التراث الانساني في شعر أمل دنقل، دار هجر للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى١٩٨٧ م، ص . 13
]9 [ أدونيس، زمن الشعر، دار العودة، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٩٨٣ م، ص ٢٢٨:.
]10 [ عصام بهي، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتـاب، القـاهرة ، العـدد الأول، المجلد الثاني، اكتوبر 1981م، ص ١٤٠.
]11 [ د. عبد العزيز المقالح، من حوار أجراه معه جهاد فاضل في كتابـه : قـضايا الـشعر الحديث،دارالشروق، بيروت، الطبعة الأولى، ١٩٨٤ م، ص ٣٤٣ - ٣٤٢.
]12 [ أحمد عبد المعطي حجازي، أسئلة الشعر، منشورات الخزندار، جدة، الطبعة الأولـى، ١٩٩٢ م، ص ٢٣٨.
]13 [ ملحق جريدة النهار الأسبوعي، بيروت، تاريخ ١٩٦٨-٤-٢٨ م.
]14 [ د. عبد العزيز المقالح، قضايا الشعر الحديث، م، س، ص ٣٤٥.
]15 [ د . موريس أسعد، مجلة الكاتب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، العدد ٢٠٥، السنة الثامنةعشرة، مايو ١٩٧٨ م، ص ٢٨..
]16 [ . د عبدالعزيز المقالح، م، س، ص .347
]17 [ محمد عصمت حمدي، الكاتب العربي والأسطورة، المجلس الأعلـى لرعايـة الفنـون والآداب والعلوم الاجتماعية، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٩٦٨ م، ص ١٢.
]18 ] [ د. محمد لطفي اليوسفي، في بنية الشعر العربي المعاصـر، دار سـراس للنـشر، تونس، الطبعة الأولى، ١٩٨٥م، ص . 137
]19 [ اعتدال عثمان، اضاءة النص، دار الحداثة، بيروت، الطبعـة الأولـى، ١٩٨٨ م، ص .٧١
]20 [ نفسه، ص ٧٢.
]21 [ د. غالي شكري، شعرنا الحديث ... إلى أين؟، دار الآفاق الجديدة، بيـروت، الطبعـة الثانية، ١٩٧٨ م،ص ١٦٣
]22 [ محمد لطفي اليوسفي، م، س، ص .142
]23 [ م، س، ص ٢٢.
]24 [ النص عن . د/ أحمد كمال زكي، الأساطير دراسة حضارية مقارنة، الطبعة الثانية، دار العودة، بيروت، ١٩٧٩ م ، ص ١٩٩
]25 [ ابراهيم عباس ياسين، مجلة إبداع، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الـسنة الحاديـة عشرة، العدد الثاني،فبراير" ١٩٩٣ م، ص ١٠١ - ١٠٠(.
]26 [ اعتدال عثمان، م، س، ص ٧١
]27 [ محمد لطفي اليوسفي، م، س، ص .144
]28 [ الأعمال الشعرية الكاملة، دار العودة، بيروت، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الثانيـة .٢٣١-٢٣٠ ص ،م ١٩٨٥
]29 [ تجربتي الشعرية، منشورات دار نزار قباني، بيروت، الطبعة الأولى، اكتوبر ١٩٦٨ م، ص ٣٤.
]30 [ ضرورة الفن، ترجمة ميشال سليمان، دار الحقيقة، بيروت د.ت، ص ١١٦، ولمزيـد من الايضاح يراجع فصل نزعة التعمية من المرجع نفسه من ص ١١٦ إلى ص ١٢٢.
]31 [ د. أحمد كمال زكي، الأساطير، دراسة حضارية مقارنة ص ١٢٢.
]32 [ عن / ضرورة الفن، م، س، ص ١١.
]33 [ ديوان صلاح عبد الصبور، المجلد الثالث، حياتي في الشعر، دار العودة، بيروت، طبعة .١٨٤ - ١٨٣ ص ،م ١٩٨٨ .)
] 34[ نفسه ، ص١٨١ - ١٨٠.
]35 [ مجلة شعر، العدد الثالث، بيروت، صيف ١٩٥٧ م، ص ١١١.
]36 [ عن / عبد الوهاب البياتي، "الشاعر العربي المعاصر والتراث"، مجلة فصول، المجلد الأول، العدد الرابع، يوليو ١٩٨١ م، ص ٢٢.
]37) [ مجلة شعر، بيروت، العدد ١٢، خريف ١٩٥٩ م، ص ١٢٦(.
]38) [ م، س، ص ١٢٦(.
]39) [ مقدمة ديوان عبد العزيز المقالح، دار العودة، بيروت، طبعة ١٩٨٦ م، ص ١١.
]40) [ من حوار أجراه نبيل فرج في كتابه: مملكة الشعراء، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الأولى، ١٩٨٨ م، ص ٣٤.
]41 [نفسه، ص ٣٤
]42 [ نفسه، ص ٣٤
]43) [ من حوار أجراه نبيل فرج مع الشاعر بلند الحيدري، م، س، ص - ٤٠ ٣٩(.
]44 [ عبدالرضا علي، الأسطورة في شعر السياب، منشورات وزارة الثقافة والفنون، بغداد، الطبعة الأولى١٩٧٨ م، ص 25
]45 [ شعرنا الحديث ...إلى أين ؟، م س، ص ١٣٩.
]46" [على هامش الأسطورة الاغريقية في شعر السياب"،، مجلة فصول، الهيئة المـصرية العامة للكتاب، القاهرة، المجلد الثالث، العدد الرابع، يوليو، سبتمبر، ١٩٨٣ م، ص ٣٧.
]47 [ الأسطورة في الشعر العربي الحديث،، الطبعة الثالثة، دار المعارف، القـاهرة، ١٩٩٢ م، ص ٢٤٥.
]48 [خلدون الشمعة، النقد والحرية، منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق، الطبعة الأولـى ١٩٧٧ م، ص ١١٦ .
]49 [ نورثروب فراي، نظرية الأساطير في النقد الأدبي، ترجمة حنّا عبود، الطبعة الأولـى، دار المعارف، حمص ١٩٨٧م ص ٢٨.
]50 [ ديوان نخلة االله، دار الآداب، بيروت، طبعة ١٩٦٩ م، ص ٣٢.
]51 [ د. شربل داغر، الشعرية العربية الحديثة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء (المغرب ، ) الطبعة الأولى، ١٩٨٨ م، ص المصدر/ حيفا لنا مجلة أدبية فكرية ثقافيه شهرية . الكاتب . د/ محمد عبد الرحمن يونس . دكتور في الأدب والنقد اختصاص اللغة العربية وآدابها.
المصدر/ حيفا لنا مجلة أدبية فكرية ثقافيه شهرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق