(منهج ابن مالك في وضع الألفية)
الدكتور عزمي
محمد عيال سلمان
باحث في الدراسات اللغوية
مقدمة:
تُعَدّ الألفية الموسومة بـ(الخُلاصَة) أشهر مُصَنَّفات
ابن مالك، بل لعلها أشهر كتب النحو العربي بعد كتاب سيبويه، وهي لا تستمد شُهرتَها
من كونها خُلاصَة دقيقة لأهم قواعد النحو العربي فقط، بل هنالك عامل آخر كان له
كبير الأثر في هذه الشهرة الذائعة، هذا العامل ينبع من المنهج الدقيق الذي اتبعه ابن
مالك وسار عليه في وضعه لألفيته، وبذل قصارى جهده في سبيل بثِّ معالمه في جميع
الأبواب والفصول على نحو مُتَّسِقٍ ودقيق، حتى غدت ألفيته عصية على كل ما يُمكِن
أن يُشينها ويُقلِّل من قيمتها العلمية والتعليمية.
ولقد أطَلْتُ النظر في شروح الألفية ـ المنشورة منذ فجر
النهضة ـ وما نُسِج حولها من بحوث ودراسات، فلم أجد أحداً يتناول منهجها بالبحث
والدرس، ويُبْرِز خصائصها وسِماتها على نحو جامع شامل، وإذ بي أقع على شرح من
شروحها قد طُبِع حديثاً يُلامس تلك المعالم المنهجية الدقيقة، التي تتراءى من بعيد
لكل من يُجِيل النظر ويُكرِّره في منظومة ابن مالك العظيمة، ومن حُسْن الطالع أن
يكون هذا الشارح من علماء الأصول الذين يمتازون بالمباحث الدقيقة والتحقيقات
الجليلة، ذلكم هو الإمام أبو إسحاق الشاطبي (ت:790هـ).
فقد تَصَدَّر هذا الإمام الكبير للإقراء بـ(الجامع
الأعظم) بغَرْناطة مُدّة، وكانت مجالسه تتناول علوماً مُتعدّدة، كان من ضمنها
النحو، وقد جعل من ألفية ابن مالك مُقرّراً لمجلسه النحوي، فكان يتناولها بالشرح
والتعليق ـ على عادة عُلماء عَصْره ـ مِمَّا حدا به إلى وَضْع شَرْح مُطَوَّل
عليها، غدا من أضخم المُصَنَّفات النحوية في كتب التراث، وقد وسمه بـ(المقاصد
الشافية في شرح الخُلاصَة الكافية)، فهذا الكتاب أوْسَع شُروح ألفية ابن مالك،
وأغزرها، وأوفاها جَمْعاً واستيفاء لمذاهب النحاة، وتعليلاتهم، وشَواهِدهم، مع
البَسْط والتَّفصيل، فهو بِحقّ مَوْسوعة نَحْوية قيمة.
وقد كان من عادة أبي إسحاق الشاطبي في شرحه أن يُشير إلى
الملامح المنهجية للألفية بين الفينة والأخرى، فكثيراً ما يقع القارئ في تضاعيف
كتابه على تلك الإشارات التي تُظهِر أبرز سمات الألفية وأجل خصائصها، ومثل هذه
الإشارات يَعِزُّ وجودها في شروح الألفية الأخرى المشهورة منها والمغمورة، ولكن
كيف السبيل إلى الوصول إلى هذه النواحي المنهجية، وهي مبثوثة في ثنايا هذه
الموسوعة الكبيرة على نحو عشوائي غير منتظم؟
لهذا عقد عزم الباحث على أن يبني من هذه المادة العلمية
المتناثرة في (المقاصد الشافية) دراسة مُستفيضَة تُظهِر تلك الملاحظ المنهجية،
وتُبرِز أهم السِّمات والخصائص المُطَّرِدة على نحو منتظم في ألفية ابن مالك،
وتكاد تكون هذه الدراسة هي الأولى في بابها - حسب اطلاع الباحث- من حيث الاستيعاب
والشمول، ولله الفضل والمنة من قبل ومن بعد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
1. الشِّعر التعليمي:
إنَّ تسمية (الشِّعْر التَّعليمي) مصطلح حديث نسبياً، لم
يكن معروفاً لدى القدماء من العلماء والمفكرين العرب؛ إذ إنَّ هذه التسمية إنمّا
هي ترجمة لكلمة (Didactic)
في اللغات الأوربية عموماً، وهي ذات جذر إغريقي. والتَّسميات التي تُرادف هذا
الاصطلاح في التراث العربي هي: (المنظومات)، و(المقطوعات)، و(النَّظْم العِلمي)([1])،
ولعل سبب شيوع مصطلح (النظم) في التراث العربي يرجع إلى اتسام هذا النوع من الشعر
بالطابع السردي الجاف، وهو بذلك يُغاير طبيعة الشعر الغنائي المتوهج عـاطفة
والمتدفق حرارة.
ولم يكن العرب سبَّاقين في هذا الفن، بل أصبح ذلك عندهم
في فترة متأخرة بالنسبة للأقوام الأخرى، فقد كان اليونان من أسبق الأمم في تطويع
الشعر لاستيعاب العلوم المتنوعة، ويظهر ذلك في العملين العظيمين: (الأعمال
والأيام)، و(أنساب الآلهة) للشاعر اليوناني (هيود) في القرن الثامن قبل الميلاد،
وفي هذا المضمار وضع شاعر الفرس الفردوسي (الشاهنامه)([2]).
وكان من ظواهر الاهتمام بالشعر التعليمي العربي أن أفسح
له بعض الشعراء والعلماء جانباً من نشاطهم لنظم المتون في مجالات اختصاصهم، فأسفرت
جهودهم عن مناهج دراسية محكمة متلائمة مع نفسية المتعلم ورغباته([3]).
وممّا يندرج ضمن إطار العوامل الثقافية المؤثرة في ظهور
الشِّعر التعليمي العربي سِمة السماع التي طبعت الثقافة العربية منذ عهد ما قبل
الإسلام، واعتماد العربي على حفظ النصوص واستظهارها مهما بلغت من الطول والتشعب،
والشعر التعليمي يُمثِّل هذا الأمر تمثيلاً دقيقاً من حيث كونه حفظاً للعلم في
الصدور، ووعياً له وتناقله شفاهاً دون واسطة([4])،
وقد شكَّلت هذه السمة مصدر قناعة لدى الناظمين بأفضلية الشعر في التعليم،
فالمُتعلِّم بالشعر لديه قدرة عالية على استحضار المعلومات واستدعائها بمجرد تذكر
الأبيات المتعلِّقة بها([5]).
وقد شكل الشعر التعليمي ـ بظهوره وتطوره ـ اتجاهاً
جديداً في الشعر العربي مع نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي([6])؛
إذ فتح الشعراء صفحة لم تكن تَخْطر لأسلافهم على بال، ولم يكن لهم بها عهد من قبل،
فهذا الشعر الجديد لا يُخاطب العاطفة والوجدان، ولا يُعبِّر عمّا يختلج في صدور
الشعراء من انفعالات الحب والكره، وبهذا بدأت مسيرة الشعر التعليمي ظاهرةً ثقافية
جسّدت منزلة الشعر لدى العرب، وكونه القاسم المشترك في الحضارة العربية ووسائل
التعبير عن الفكر فيها من حيث حضورُه الدائم والمؤثر في أي نشاط ثقافي وبخاصة
النشاط التربوي، فقد ظهرت فيه القدرة العالية على استيعاب المصطلحات العلمية
والفنية التي يبدو أنه لا يصلح للتعبير عنها واستيعابها إلا النثر؛ إذ سرعان ما
أثبت الشعر التعليمي صلاحيته لاحتوائها وأهليته للتعبير عنها([7]).
وقد غطَّت المنظومات التعليمية كل العلوم النظرية
والعملية المعروفة في عصرها نحو: التفسير والحديث والفقه والجغرافية والفلك والطب
والكيمياء...، وتجاوز ذلك كله إلى التدريب على بعض المهارات كالخط وصناعة الحبر
وتجليد الكتب والتشريح وصناعة الدواء والرماية وكثير من الجوانب العملية([8]).
وكان للنظم التعليمي أثره البارز في علوم العربية كاللغة
والنحو والصرف منذ نشوئه، فقد "بدأت المحاولات الأولى لوضع النحو وقواعد
العربية، وتطورت الدراسات النحوية ضمن مدرستي البصرة والكوفة حتى بلغت حد الوصول
إلى الاعتقاد بأنَّ الوسيلة الفُضلى لدراسة النحو وتدريسه هي نظمه شعراً، وتتابعت
الجهود المنظمة المنطلقة من أسس نفسية وفكرية لنظم قواعد العربية"([9]).
ويُمكن إرجاع كثرة المنظومات التعليمية المتعلِّقة بعلوم
العربية إلى هدف عام، هو الرغبة في تقعيد المسائل العلمية، فقد "كان للشعر
التعليمي دور بارز في لَمّ شعث قواعد اللغة العربية، وتسهيل حفظها وتذكرها
واستدعائها عند مباشرة الكلام؛ لذلك كاد الشعر أن يكون الوسيلة الأكثر اتباعاً في
التعبير عن النحو عبر أجيال متتابعة"([10])،
فقد كثرت في مؤلفات النحو العربي مقولات الجدل النظري، وتراكمت حولها خلافات
النحاة المُتشعِّبة، حتى استطاع الشعر التعليمي أن يستخلص منها قواعد سهلة
انتظمتها أبيـات قليلة.
ومن أُولى المنظومات التعليمية التي تُطالعنا في النحو
العربي ما ذكره خلف الأحمر في كتابه (مقدمة في النحو) بأن للخليل بن أحمد
الفراهيدي قصيدة شعرية في النحو نقل منها هذين البيتين([11]):
فانسق وصل
بالواو قولك كله
الفـاء ناسقة كذلك عندنـا |
وبلا وثم وأو
فليست تصعب
وسبيلها رحب المذاهب مشعب |
وأمّا ابن دريد
(ت:321هـ) عالم اللغة الكبير، فكان ينظم الشعر ويُحسنه([12])،
وله ديوان مطبوع، وقد عُني بتضمين طائفة من أشعاره بعض المعارف، وأشهر ما له في
هذا الباب مقصورته التي جمع فيها أكثر أغراض الشعر وفنون الأدب واللغة والبلاغة،
وقد بنى قافيتها على الحرف المقصور، وجعلها في نحو مئتين وخمسين بيتاً، ويُقال إنه
ضمَّنها ثلث المقصور في اللغة([13]).
ولابن دريد من وراء هذه القصيدة قصائد أُخَر تتضح فيها
هذه الغاية اللغوية التعليمية، من ذلك قصيدته في المقصور والممدود، وقد اشتملت على
سبع وخمسين كلمة مقصورة ومثلها ممدودة من نفس مادتها، وفي ديوانه قصيدة ملأها
بالغريب([14])،
نظمها تَحدِّياً لبعض علماء اللغة مُورِداً عليه طائفة كبيرة من ألفاظها الآبدة،
وهي لذلك تُضمّ إلى القصيدتين التعليميتين السابقتين، فغايتها هي الأخرى تعليمية
واضحة، وأيضاً في الديوان بجانب ما قدمنا ثلاث مقطوعات([15])،
أودع في أولاها ما يُذكَّر من أعضاء الجسم ولا يؤنث، وفي ثانيتها ما يؤنث ولا
يُذكّر، وفي ثالثتها ما يجوز فيه التذكير والتأنيث، وعلى هذا النحو سَخَّر ابن
دريد الشعر ليحمل مواد لغوية تعليمية([16]).
وذكر السيوطي أن أحمد بن منصور اليَشكريّ نظم أرجوزة في
النحو قديمة عدتها ثلاثة آلاف بيت إلا تسعين بيتاً، احتوت على نظم سهل وعلم جم([17]).
ومن الذين ساهموا في هذا المجال القاسم بن علي الحريري (ت:516هـ) صاحب المقامات
المشهورة حيث نظم أرجوزته المسماة (ملحة الإعراب)([18])،
وتبلغ عدة أبياتها ثلاثمائة وسبعة وسبعين بيتاً، وكذلك ساهم أبو العباس أحمد بن
عبدالعزيز الشَّنتمري ـ توفي في حدود سنة (553هـ) ـ في هذا المجال، فنظم أرجوزة في
النحو([19])،
ونظم الحسين بن أحمد بن خيزان البغدادي (ت:600هـ) أرجوزة حميدة في النحو([20])،
وكذلك فعل سالم بن أحمد بن سالم المعروف بالمنتجَب (ت:611هـ)([21]).
ولقد بدأت عند نحاة القرن السابع الهجري مرحلة الازدهار
والنضج في وضع المنظومات النحوية التي جمعت جلّ مهمات النحو العربي، والذي دفعهم
إلى هذا الصنيع محاولتهم تيسير النحو، وخوفهم على أصول اللغة العربية من الضياع؛
إثر النكبات والمصائب التي تعرض لها العالم الإسلامي بسقوط بغداد سنة (656هـ)،
وبناء على ذلك فإن هذه الفترة تُمثِّل مرحلة النضج والازدهـار للشعر التعليمي
المتعلق بعلوم العربية، وليس يصح ما يراه كل من الجعفري والذهب بأن هذا التاريخ
يُمثِّل بداية مرحلة ضعف وركود للشعر التعليمي بشكل مطلق، فيزعمان أن هذا الشعر قد
اتسم بالجفاف والجمود حتى صار مُنفِّراً، واحتاج نتيجة لذلك إلى الشروح التي
تراكمت بشكل ملحوظ حول أي نص شعري تعليمي، واحتاجت الشروح إلى حواشٍ وهوامش([22]).
ويرى الباحث أن مثل هذه الشروح والحواشي تُظهر لنا مدى
ازدهار هذه الوسيلة التعليمية وفاعليتها في هذه الفترة وما تلاها، فقد كانت
المنظومات التعليمية في ذلك العهد خُلاصات شديدة التركيز، مِمّا استدعى العلماء
المتأخرين أن يثبتوا عليها شروحاً وتعليقات تبسط ما ركّزته وتطيل فيما لخَّصته،
ولو كان الأمر كما يزعم الباحثان لَمَا انساق النحاة وراء هذه المنظومات التي لا
طائل تحتها يشرحونها ويُعلِّقون عليها الحواشي والطُّرَر، ولاستعاضوا عنها بمتون
نثرية تعليمية أعم فائدة وأكثر رُوَاء.
ومهما يكُن من أمر، فقد فُتِح في القرن السابع الهجري
باب النظم المتكامل في علوم العربية على يد ابن مالك (ت:672هـ) ومن قبله ابن معط
(ت:628هـ)([23])،
فقد استطاع هذان العالمان تسخير قوالب الشعر لصب حقائق النحو ودقائقه في إطار
منظوم سُمّي بـ(الألفية)، فابن معط وابن مالك من أوائل من نظم مسائل النحو بشكل
متسق متكامل، الأول في ألفيته الموسومة بـ(الدرَّة الألفية في علم العربية)([24])،
والآخر في ألفيته الموسومة بـ(الخُلاصَة)([25])،
وقد استطاعت كل واحدة منهما أن تجمع المُتفرِّق وتُرَتِّب المُختلِط من مسائل
النحو وقضاياه، وأن تختصر المُطوَّلات من التصانيف النحوية، وتعرض الموضوعات
بتسلسل وتدرج، مما جعل كل واحدة منهما تُشكِّل منظومة معرفية محددة المعالم
متكاملة الأجزاء.
هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن ألفية ابن معط هي السابقة
على ألفية ابن مالك، فقد نظر الأخير في ألفية السابق، وأقراها لتلاميذه([26])،
فألفاها منظومة ناجحة تَستحقُّ أن تُحتَذى، فشجعه ذلك على نظم ألفية على غرارها،
وصنيعه هذا ليس معارضة لابن معط في ألفيته، ولا لسُخْط يتعلَّق بها منه، بل هو
جارٍ على سبيل الرِّضا بما صَنَع ابن معط، وإن كانت قد فاقتها، وقد أوضح ذلك في
قوله([27]):
وتَقْتَضي
رِضاً بِغْير سُخط
|
فائقةً
ألفيةَ ابنِ مُعْط
|
فابن مالك
بَيَّن أنها في حال شُفُوفها على ألفية ابن معط وتفوّقها، ليست بِمُقتضية لسُخط،
بل هي مُقْتَضِية للرضا المَحض الذي لا يشوبه شيء، وهذا شأن العلماء والفُضلاء، أن
يأتوا بالفائدة مجردة من التنكيت والاستصغار لِما جاء به غيرهم، وإن كان ما يأتون
به أتمّ وأكمل([28]).
2.
الشعر التعليمي لدى ابن مالك:
يُعدَّ
ابن مالك أكبر نحويّ ظهر في القرن السابع الهجري، ومن أشهر النحاة الذين عرفهم
تاريخ النحو العربي منذ نشأته المبكرة في القرن الثاني للهجرة إلى يوم الناس هذا،
حتى ليُخيَّل للباحث أن ظهور ابن مالك يُعدّ بداية مرحلة جديدة في تاريخ النحو
العربي، وترجع أهمية ابن مالك إلى أنه قام بأكبر عملية تصفية تمت في تاريخ هذا
النحو، وخطا به الخطوة الأخيرة التي استقر بعدها في صورته الثابتة إلى اليوم، وقد
ترك هذا العالم الجليل ميراثاً ضخماً يبلغ نحواً من خمسين مصنفاً في النحو والصرف
واللغة والقراءات، وقد صاغ هذه المؤلفات بلغة النثر ولغة الشعر([29]).
وقد
وهب لابن مالك قدرة فائقة على النظم العلمي الرائق، فأخرج الكثير من مؤلفاته
النحوية واللغوية نظماً، وجاء هذا النظم على جفاف مسائله وصعوبة موضوعاته عذباً
سائغاً، ولعل هذا من العوامل التي ساعدت على رواج مؤلفات ابن مالك، وبخاصة الألفية
التي حجبت أو كادت أضواؤها أن تحجب ما سبقها من مؤلفات في النحو.
ولهذا يتفق الباحثون على أن ابن مالك
إمام النظم في علوم العربية غير مدافع، فهو صاحب الباع الطويل في هذا الميدان؛
لسهولة نظم الشعر التعليمي عليه سهولة مفرطة مع التعبير الناصع عن أدق الدقائق في
النحو والصرف واللغة، وتشهد بذلك كثرة أراجيزه ومنظوماته التي فاقت خمسة عشر
مصنفاً، في نحو عشرة آلاف بيت، منها ثلاثة في النحو، هي: (الكافية الشافية) في نحو
ثلاثة آلاف بيت، و(الألفية) في نحو ألف بيت، ونَظْمه كتاب (المفصل) للزمخشري باسم:
(المؤصَّل في نظم المفصل)، وله في الصرف منظومة لامية في أبنية الأفعال باسم:
(المفتاح أو اللاميات)، وهي في مئة وأربعة عشر بيتاً من وزن البسيط، ومنظومة ثانية
في تسعة وأربعين بيتاً من وزن الكامل، ضمنها الأفعال الثلاثية المعتلة بالواو أو الياء،
احتفظ بها السيوطي في الجزء الثاني من كتابه (المزهر)، وله في اللغة منظومة واوية
في مئة واثنين وستين بيتاً، سماها: (تحفة المودود في المقصور والممدود)، وهي تتضمن
الألفاظ التي تنتهي بألف مقصورة أو ممدودة مع اختلاف معانيها، ومنظومة ثانية في
اثنين وستين بيتاً من وزن البسيط سماها: (الاعتداد في الفرق بين الزاي والصاد)،
ضمنها الكلمات المتماثلة التي تنتهي بهما، وله (إكمال الإعلام) في نحو ألفين
وسبعمئة وخمسة وخمسين بيتاً، وأربع منظومات في الظاء والضاد، وله (النظم الأوجز
فيما يهمز وما لا يهمز)، ومنظومتان كبيرتان في القراءات هما: (اللامية)
و(المالكية)، وله منظومات صغيرة في خيل السباق، وأسماء الذهب، والألغاز، وكان هدفه
الأول من إكثاره من وضع المنظومات المتعلقة بعلوم العربية إنما هو لتيسير الحفظ
والضبط على الدارسين من خلال اختصار مسائل النحو والصرف واللغة في إطار منظوم يسهل
استدعاؤه([30]).
وتميز
نظم ابن مالك - مع أنه نظم علمي- بالرقة والصفاء، فقد أثبت براعة في هذا النوع من
التصنيف لدرجة لم يسبقه إليها سابق، ولم يلحقه لاحق؛ ذلك أنه قد كانت لديه قابلية
عفوية لنظم الشعر في جميع بحوره، فكثرة اطلاعه على شعر القدماء، وسرعة حفظه لِما
يقع بين يديه سهّل له نظم الشعر، بل طبعه عليه، حتى عالجه في أصعب مسالكه، وهو نظم
العلوم، فلا شك أن هذا اللون من أشق ألوان النظم؛ لأن أفكاره محددة ومفروضة، وعلى
الناظم للعلوم أن يستوفي ما أمامه من أفكار([31])،
والذي هيأ لابن مالك وضع تلك المنظومات التعليمية وتوظيفها في تعليم اللغة العربية
منهجه التعليمي ومدرسته التي تقوم على التلميذ والكتاب([32]).
وقد
حاول كثير من العلماء بعد ابن مالك خوض غمار الشعر التعليمي، وقد جانبهم التوفيق،
وكانت محاولاتهم أشبه ما تكون ضرباً في الحديد البارد، ومن هؤلاء حازم القرطاجني
(ت:684هـ)، فقد حاول وضع مختصر شعري في علوم العربية على نحو ما نرى في ميميته
النحوية التي نظمها من وزن البسيط، وهي في مئتي بيت وتسعة عشر، ولم يُتِمّ الحديث
فيها عن أبواب النحو ومسائله، وكأنه كان يريد أن يصنع ألفية مثل ألفية ابن مالك،
ووجد الطريق شاقاً فانصرف عنه.
ولأبي
حيان الأندلسي (ت:745هـ) أرجوزة في النحو، ذكرها في كتابه: (منهج السالك في الكلام
على ألفية ابن مالك)([33])،
سمّاها: (غاية الإغراب في علمي التصريف والإعراب)، لم تحظ بشيء من الشهرة، وبالمثل
الأراجيز النحوية التي نظمت بعد عصره؛ إذ سلبتها الشهرة جميعاً ألفية ابن مالك([34]).
فقد وضع السيوطي (ت:911هـ) ألفية في النحو، سمّاها: (الفريدة في النحو والتصريف
والخط)([35])،
وادَّعى بأنها فاقت ألفية ابن مالك، وجاء بعده الأجْهُورِيّ المالكي، ووضع ألفية
في النحو، وادّعى أيضاً بأنها فاقت ألفية السيوطي، وهما بهذا الصنيع يسيران على
خُطى ابن مالك عندما وضع ألفيته، ورأى بأنها فاقت ألفية ابن معط، ومثل هذه الأقوال
لا تُرسل إرسالاً دون تدقيق وتمحيص، فَلابن مالك أن يُطلق مثل هذا الحكم الذي
وافقه عليه معظم شُرَّاحه، فذهبوا إلى أن ألفيته فاقت ألفية ابن معط لفظاً؛ لأنها
من بحر واحد، وتلك من السريع والرجز، ومعنى؛ لأنها أكثر أحكاماً([36]).
ولنستمع
إلى أبي إسحاق الشاطبي (ت:790هـ) - صاحب أكبر شرح لألفية ابن مالك- وهو يُعْلِن
مُقِراً بأفضلية ألفية ابن مالك بأنها: "قد فاقت ألفية ابن معط بأوصاف حِسان:
كَتَثْقيف الأبواب، وتصحيح القوانين والتَّوْفِية بشروطها، واختصار الألفاظ مع
كثرة المعاني؛ إذ كلّ من نظر فيهما يَعلم أنها قد فاقتها بهذه الأوصاف"([37])،
ولم نسمع بمثل هذه الشهادة من علماء العربية المتأخرين في حق ألفية السيوطي أو
ألفية الأجْهُورِيّ، ولهما من بعد ذلك أن يقولا ما يشاءان.
3.
ألفية ابن مالك: (الخُلاصة):
لقد
نظم ابن مالك أرجوزتين في النحو، إحداهما كبرى وتُسمَّى: (الكافية الشافية)، وهي
نظم مطوَّل في النحو والصرف معاً، يحتوي على ألفين وسبعمئة وسبعة وخمسين بيتاً،
وقد نص ابن مالك على ذلك صراحة في آخر فصول الأرجوزة، وقد جاءت مقدمتها في سبعة
عشر بيتاً والختام في خمسة والباقي اختص بالمادة العلمية، وقسَّم المادة العلمية
إلى ستة وستين باباً واثنين وستين فصلاً.
وضمَّن
ابن مالك مقدمته السبب الداعي إلى هذا النظم، وقد حصره في إفادة المتعلمين، وبيَّن
فضل علم النحو ومكانته بين العلوم، ثم قرظ هذا النظم، وبيَّن لماذا اختار له اسم
(الكافية الشافية)، ومن خلال هذا التقريظ يلوح لنا المنهج الذي اتبعه في هذا النظم
وسار عليه، فقد جمع فيه معظم مسائل النحو والصرف، وبسطها ورتَّب الأبواب وضبطها،
وجلا الغامض، ويسَّر العسير، وضم المشتت، وقرَّب البعيد، حتى ظهرت في صورة كافية
عن كل كتاب، شافية للأساتذة والطلاب([38])،
ويذهب أبو إسحاق الشاطبي إلى أن أرجوزة ابن مالك (الكافية الشافية) أكثر ما
يستعملها أهل البلاد المشرقية، وقد نثرها ابن مالك في كتابه المُسمَّى بـ(الفوائد
المَحْويَّة في المقاصد النَّحوية)([39]).
وتُعَدُّ
(الكافية الشافية) أُمَّاً لأرجوزته الصُّغرى المُسمَّاة بـ(الخُلاصة)([40])،
وقد درج الباحثون على تسميتها بـ(الألفية)([41])،
وسبب تسميتها بـ(الخُلاصة) يعود إلى أن ابن مالك أودعها خلاصة ما في (الكافية
الشافية) من نحو وتصريف، وحصَّل فيها لُبابها وعيون فوائدها، فقد لاحظ ابن مالك
نفسه أن (الكافية الشافية) منظومة موسوعية، يتعذَّر على الدارس استيعاب مقاصدها
لِمَا تحويه من تفريعات ومذاهب وخلافات، فرأى أن يصطفي منها خلاصة تجمع أهم
المعلومات النحوية، وأشهر الأحكام والمذاهب؛ ولذلك اختار منها ما هو مناسب لمقصده
هذا، فكانت في ألف بيت، منها عشرات أخذت بلفظها من (الكافية الشافية)، وأُخَر
استقيت بتغيير طفيف، وما تبقَّى منها فنظم جديد وُزِّع بين تلك العشرات والعشرات([42]).
والغريب
حقاً أن تشغل هذه البُنيَّة عالم النحاة، وتحجب بسلطانها الأنظار عن أمها الكبرى،
فقد اكتفى الناس بالشرح الذي صنَّفه ابن مالك على (الكافية الشافية)، في حين توالى
على الألفية عشرات من العلماء، فصنَّفوا في ذلك قرابة مئتين وخمسين كتاباً، من
الشروح والحواشي والتقريرات والتهذيب والتنكيت والإعراب والنثر والتلخيص والترجمة
والتعقيب والاستدراك([43]).
وقد
كتب للألفية أن تشيع وتشتهر في حلقات الدرس النحوي، وأصبحت أهم منظومة، استقطبت جهود
الدارسين، وصارت محور نشاطهم، وكانت هي وما ألف عليها من تصانيف من أهم أعمدة
الدرس النحوي الرئيسة، منذ تأليفها إلى زماننا هذا([44]).
وسبب ذلك يكمن في أنها عظيمة الفائدة، استولت من علم النحو على جلّ القدر المحتاج
إليه، مُوفَّاة الأقسام، مُحرَّرة القوانين، خالية عن الحشو، قليلة الألفاظ، كثيرة
المعاني، سهلة المُلتمَس، لا يصعب فهمُها على اللبيب، ولا يقف دون الوصول إلى
حاجته منها لقُربها من الأفْهَام، وإحكام ضبطها للقوانين والمسائل([45]).
فالواقف
على الألفية ـ كما يرى أبو إسحاق الشاطبي ـ يعلم علم اليقين أن ابن مالك قد
"أتى فيها بالقوانين والضوابط موفاة، وبالأبواب مكملة المقاصد، مضمومة
الأطراف، بحسب ما يُحتاج إليه، لا يَنقُص ذلك عن المطلوب المقصود، ولا يَخْتلُّ له
فيه قانون، فمتى طلبت منها مسألة أو باباً أو قانوناً وجدته فيها موفَّىً لا
تَفْتقِر إلى نظر في غيرها، فوعد ابن مالك فيها مُنجَز([46])،
لا تأخير فيه عن حال التِماسك الفائدة، ليست كغيرها من الكُتُب التي تقع فيها
المسائل ناقصة الأغراض والأبواب، مبتورة المقاصد، غير مستوفاة الأقسام"([47]).
وبناءً
على ما سبق فإنه يمكننا القول بأن الألفية قد اشتملت على حُسنَين، أحدهما: تحصيل
لباب كتابه الأكبر: (الكافية الشافية)، حتى إنه لم يفته منه إلا ما لا يُعَدُّ
خلاصة ولُباباً؛ إذ ليس في طبقة الضروريات، والثاني: أنه مع اشتماله على هذا
الاختصار، وعدم الإحاطة بالجميع، فيه من العلم ما يستغني به الطالبُ، فيكفيه طلب
غيره والافتقار إليه، ممّا دعا كثيراً من الباحثين إلى ترك الاشتغال بـ(الكافية
الشافية) مكتفين بالألفية؛ لغناها في مسائل العربية([48]).
4.
خصائص ألفية ابن مالك ومنهجها:
يَتَّبع العلماء المحققون في غالب أمرهم
منهجاً دقيقاً في معالجة المسائل وعرضها ضمن مصنفات توضع بطريقة مُحْكمة تستعصي
على النقد والتنكيت، وممن حاز على قصب السبق في هذا الميدان ابن مالك، فهو في كُتُبه ممَّا يَقْصِد في وضع الألفاظ، وضَبْط
القوانين، والتَّحَرُّز من الاعتراض، والتَّوَقِّي من تَداخُل القواعد، وانكسار
الأصول ما لا يَقْصِدُه غيرُه، وقد ظهر لِشُرَّاحه وقُرَّائه من ذلك ما
يُسْتَحْسَن، ويُسْتَمْلَح، وتَقرُّ به عين المُنصف من مُفِيد ومُسْتَفيد، خصوصاً
للناظر في ألفيته (الخُلاصَة).
وقد
نَصَب ابن مالك نفسَه في هذه الصناعة لتحرير العبارات واختصارها، ووضعها على
الأساليب الحسنة، والمَنَازِع المُسْتَقرَبة، بخلاف غيره ممن لم يلزم إلا الإتيان
بالمعنى كيف كان، وعلى أيّ وجه أمكنت العبارة فيه، وعلى غير تَحَرُّز من حشو ولا
غيره، فابن مالك لم يَبْنِ في عبارته على سذاجة أولئك، وإنما بنى على التَّحَذُّق
في العبارة، وضَمّ أطراف الألفاظ، وإيرادها من تحت النظر والامتحان([49])، وهذا ما نجده في الألفية التي يلمس فيها الدارس والباحث
من الخصائص والسِّمات التي تتميز بها ما يُمكِن أن نُدرِجه في النقاط الآتية:
1. إن ألفية ابن مالك وإن كانت منظومة تعليمية إلا أنه
لم يضعها للصائم عن علم النحو جملة، ولو قصد ذلك لم يضعها هذا الوضع؛ إذ كثير من
أبياتها مبنيٌّ على أخذ الفوائد والقواعد والشروط من إشارات غامضة، والمبتدئ لا
يليق به هذا النوع من التعليم، ولا يَسهُل عليه قصد الإفادة، وإنما يليق
بالمُتعلِّم المُبتدئ تلك المتون النثرية الواضحة الدلالة نحو جُمل الزجاجي، وما
أشبهه ممّا يسهل تصوُّره، ويقرُب متناوله.
وأمَّا إذا كان الطالب قد شدا في النحو بِخَتْم كتاب
يَنْفَتِح له به اصطلاح العِلم، وتَنبَّه لِجُملة من مقاصده ومسائله، فهو
المُستَفيد بِنَظْم ابن مالك؛ لأنه يَضمُّ له ما انتشر، ويَجْمع له ما تشتَّت
عليه، ويَصير له في النحو قوانين يعتمد عليها، ولا يُخافُ انْطِماسُ فهمه عليه([50]).
وهذه حقيقة يؤكدها أبو حيان بقوله عن الألفية: "وهي كما قيل غزيرة المسائل،
ولكنها على الناظر بعيدة الوسائل، وهي مع ذلك كثيرة الإفادة، موسومة بالإجادة،
وليست لمن هو في هذا الفن في درجة ابتدائه، بـل للمتوسط يترقى بها درجة انتهائه"([51]).
2.
لقد اختار ابن مالك وزن الرجز لينظم عليه ألفيته - وكذلك فعل في (الكافية
الشافية)- ويعود ذلك إلى أنَّ هذا البحر من أوفر أوزان الشعر العربي أنغاماً، ومن
أكثرها قبولاً للتغيير في تفاعيله، وهو بذلك أكثر مرونة لحمل المعارف العلمية.
والعرب
تجعل القصيدة كلها تارة على رويٍّ واحد، وهو المشهور في أشعارها، وتارة تجعله على
حروف مختلفة([52])،
على نحو ما نرى في الألفية. ويرى الصبان أن اختلاف الروي في ألفية ابن مالك،
يُعدُّ سبباً في عدم تسميتها (قصيدة)، فهو لم يلتزم بناء قوافي هذه الأرجوزة على
حرف واحد، ولا على حركة واحدة، فلو جُعِل مجموع الأبيات قصيدة، للزم وجود
الإِكْفاء والإِجَازَة والإِقْواء والإصْراف في القصيدة الواحدة، وتلك عيوب يجب
اجتنابها، ويرى الدماميني أنهم لا يعدون ذلك في هذه الأراجيز عيباً([53])،
وهذا ما دعا معظم شُرَّاح ابن مالك لأن يُسَمُّوا هذه الأرجوزة قصيدة؛ لمشابهتها
لها في تعلق بعضها ببعض، وفي كونها على بحر واحد.
وقد
بلغ عدد أبياتها ألفاً وبيتين على أشهر الأقوال([54])،
فجاءت المقدمة في سبعة أبيات([55])،
والخاتمة في أربعة أبيات، وما تَبَقَّى كان مُختصاً بالمادة العلمية، التي قُسِّمت
إلى ثمانين باباً وفصلاً، جاعلاً من كل باب وحدة مستقلة تتميز عن غيرها، والذي حدا
به إلى هذا الصنيع رغبته في عدم اختلاط الأبواب والمسائل بعضها ببعض، فَيَسْهُل
على المُتَعلِّم الإلمام بها حفظاً وضبطاً. وطريقة ابن مالك هذه في تقسيم الأبواب
أدق من طريقة ابن معط، فقد كان الأخير يدمج المسائل الكثيرة تحت باب واحد؛ ولهذا
جاءت ألفيته في واحد وثلاثين باباً، بينما امتازت ألفية ابن مالك بتشقيق المسائل
وتصنيفها في أبواب منفصلة([56]).
3.
من عادة ابن مالك إذا أراد أن يتناول باباً من أبواب النحو أن يبدأ بتعريفه، ثم
بعد ذلك يقوم بذكر الخصائص والأحكام المتعلِّقة بهذا الباب، وهذه طريقة منطقية
مفيدة تتناسب مع المقصد العام الذي وضعت من أجله المتون التعليمية، ومن الأمثلة
على هذه الطريقة لدى ابن مالك قوله في باب: (الحال)([57]):
الحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبُ
|
مُفْهِم في حالٍ كفرداً أذْهبُ
|
فقد ابتدأ بتعريف الحال أولاً قبل
الحُكم عليه على غالب عادته، وهو الصواب؛ لأن الكلام في أحكام الشيء وأوصافه ثانٍ
عن فهم معناه([58])،
ثم أتى بعد ذلك بالمثال تَبْييناً لِما ذكر على عادته أيضاً، وبعد ذلك قام بذكر
أحكام الحال وخصائصه في الأبيات اللاحقة، وهذه الطريقة تطَّرِد لديه في معظم
الأبواب والفصول، ومثال ذلك أيضاً قوله في باب: (التمييز)([59]):
اسْمٌ بِمعنى مِنْ مُبِينٌ نَكِـرهْ
كَشِبرٍ أرْضـاً وقَفِيرٍ بُـرّاً |
يُنْصَبُ تَمْييزاً بِما قَدْ
فَسَّرهْ
وَمَنوَيْـنِ عَسَلاً وَتَمْـراً |
وقوله في باب: (النعت)([60]):
فَالنَّعْتُ
تَابِعٌ مُتِمٌّ مَا سَبَقْ
|
بِوَسْمِهِ أو وَسْمِ ما بِهِ
اعْتَلَقْ
|
وقوله في باب: (العطف)([61]):
تَالٍ
بِحَرْفٍ مُتْبِع عَطْفُ النَّسَقْ
|
كاخْصُصْ بِوِدٍّ وَثَناءٍ مَنْ
صَدَقْ
|
وقوله في باب: (البدل)([62]):
التَّابِعُ
المَقْصودُ بِالحُكْمِ بِلا
|
واسِطَةٍ هوَ المُسَمَّى بَدَلا
|
وهكذا يتكرر هذا الأسلوب التربوي المفيد
لديه في معظم أبواب الألفية وفصولها، ومن الجدير بالذكر أن ابن مالك بصنيعه هذا
يتوافق مع ابن معط في منظومته: (الدرة الألفية في علم العربية)، فقد بنى ابن معط
ألفيته وفقاً لهذا الأسلوب، وقد خبر ابن مالك هذه الطريقة أثناء تدريسه ألفية ابن
معط في مجالسه العلمية، فوجدها ذات نفع كبير في الموقف التعليمي، فقام بالنسج على
منوالها.
4.
لقد تَعرَّض ابن مالك في ألفيته للقوانين العامة والأنحاء التي نَحَت العَرب في
كلامها وتصرفاتها، تلك القوانين التي تُمكِّن المُتكلِّم ـ كما يرى أبو إسحاق
الشاطبي ـ من إحراز اللفظ عند التركيب التَّخاطُبي للإفادة، من غير تحريف وزيغ عن
معتاد العرب في نُطقِها، وما وقع عليه كلامها، حتى لا يرفع ما وضعُهُ في لسانهم أن
يُنصَب أو يُخفَض، ولا يُنصب ما وضعُه في لسانهم على أن يُرفع أو يُخفَض، ولا أن
يؤتى بِما حَقُّه أن يكون عندها على شكل وهيئة على شكل آخر وهيئة أخرى، بل يجري في
ذلك على مَهْيَع نُطْقهم ومَعْروف تَواضُعهم.
فإن
كان المُتكَلَّم فيه مِمَّا قد تقدَّمت العَربُ للتَّكلم به، وحُفِظ عنهم، لم
يُحرِّفه عما نطقوا به، وإن كان مِمَّا لم يُحفَظ عنهم من التركيب النُّطْقي،
إمَّا لأنهم لم يتكلموا به، أو تكلموا به ولم يَبْلغنا، أو بَلَغ بعضاً، ولم
يَبلُغ بعضاً، أعملنا في ذلك المقاييس التي استقرأناها من كلامهم حتى تُوصِّلنا
إلى موافقتهم، وحتى نقطع أو يغلب على ظنوننا أنهم لو تَكَلَّموا بهذا لكان نُطقُهم
كذا.
فإذا
تحصَّل لنا مُجاراتُهم في ذلك ومُساواتهم كُنَّا جديرين بأن نُسمَّى مُعربين،
واستَحقَّ المُتَّصِف منّا بذلك أن يُسمَّى نَحْوياً، وهذا هو المقصود من علم
النحو، وهو الذي أراد ابن مالك أن يأتي به في ألفيته، فلذلك قال([63]):
وأستعينُ اللهَ في ألفيهْ
|
مَقَاصِدُ النَّحوِ بِها مَحْويَّهْ
|
وأمَّا التَّنْبيِه على أصول تلك
القوانين وعِلل تلك المقاييس والأنحاء التي نحت العرب في كلامها وتصرفاتها، فإن
ابن مالك لم يتعرَّض له في الألفية إلا لِماماً، فهذا النوع في مثل هذه المنظومة
التعليمية مُتمِّم، وليس بواجب، ولا هو المقصود من علم النحو؛ إذ لا يُبنى عليه من
حيث انتحاء سَمْتِ كلام العرب شيءٌ([64]).
5.
لقد نَصَبَ ابن مالك نفسَه في هذه الأرجوزة لاختصار العبارات، ووضعها على الأساليب
الحَسَنة المُسْتَقربة، مُتحرِّزاً في ذلك من كُلِّ حشوٍ وتكرار، قاصداً ما يعطي
أصل المعنى من غير تطويل، فتجده يُدْرج المعاني الكثيرة في اللفظ اليسير، وقد أظهر
لنا هذه السِّمَة التي تمتاز بها (الخُلاصة) في قوله([65]):
تُقَرِّبُ الأقْصى بِلفظٍ مُوجَزٍ
|
وتَبْسُط البَذْل بِوَعْدٍ مُنْجَزِ
|
أي
تجمع أشتات المعاني الكثيرة في اللفظ اليسير، إشارة منه إلى الاختصار الذي نحاه،
فما بَعُدَ على غيره جَمْعُه من المعاني الكثيرة قرَّبه هو باللفظ المُوجَز، وإنه
لَكَما قال: فإنه يأتي بالقانون الواحد في الألفاظ القليلة، يَضبِطُ به ما يأتي به
الأقدمون من النَّحويين في ورقة أو ورقتين، وليس في هذه الأرجوزة في الغالب لفظة
لغير معنى، ولا لِمُجرَّد ضرورة وزن أو قافية، بل كُلُّ لفظ فيها تحته معنىً أو
معانٍ، فقد أخلاها من الحشو إلا نادراً([66])،
وتَتمثَّل مظاهر الإيجاز والاختصار لدى ابن مالك في النواحي الآتية:
أ.
كثيراً ما يَشحُّ ابن مالك بالألفاظ إذا فُهِمَ معناها، ورُكونه إلى هذا في ألفيته
ثقة منه بعلم القارئ والسامع أن الكلام لا يصحُّ إلا بتقدير محذوف، والقاعدة أن
الحذف في كلام العرب لا يكون إلا حيث دلَّ عليه دليل من قرينة لفظية أو معنوية،
وبناءً على هذا لا يكون هنالك فرق في المقاصد البيانية بين الحذف والإثبات، وقد
دعاه هذا النهج في نظمه إلى أن يلتزم في أكثره الشذوذات، حتى إنه ليكاد أن يكون
حرف العطف عنده مُجْتنباً شُحاً منه بالألفاظ، ومن أمثلة ذلك لديه قوله في باب
(المُعْرب والمَبْني)([67]):
ومِنهُ ذو فَتْح وذو كَسْر وضَم
|
كأينَ أمْسِ حَيثُ والسَّاكنُ كَمْ
|
فقوله: (كأينَ أمْسِ حَيثُ) على حذف
العاطف، أي: كأينَ وأمْسِ وحَيثُ، فحذف لضرورة الوزن، كالذي أنشده ابن جني في
(الخصائص)([68]):
كَيْفَ
أصبحتَ كَيْفَ أمْسيتَ مِمَّا
|
يَزْرعُ الوُدَّ في فُؤادِ الكريم
|
وقد جاء نظيره في لغة النثر قليلاً، حكى
ابن جني: (أكَلْتُ لحماً سمكاً تَمْراً)، كما أنه أراد في البيت: (كَيْفَ أصبحتَ
وكَيْفَ أمْسيتَ)([69]).
ومن أمثلة هذا الحذف أيضاً قوله([70]):
هاكَ
حُرُوفَ الجرِّ وهي: مِنْ إلى
|
حتَّى خَلا حَاشا عَدَا في عن عَلَى
|
مُذْ
مُنذُ رُبَّ اللامُ كي واوٌ وتا
|
وقوله
في باب: (كان وأخواتها)([71]):
تَرْفَعُ كان المُبتدا اسماً والخبرْ
ككان ظَلَّ باتَ أضحى أصْبحَا |
تنصِبـهُ ككان سَيِّـداً عُمَرْ
أمْسى وصـــارَ ليسَ زالَ بَرِحـا |
وكذلك
حُذِف حرف العطف في قوله([72]):
بالألف ارْفَع المُثنَّى وكِلا
كِلتا كذاك اثنَانِ واثْنَتانِ |
إذا بِمُضْمَرٍ مُضَافاً وُصِلا
كَـابْنَين وابنتين يَجْريـانِ |
إذ يُحتَمَل في إعراب (كلتا) أن تكون
منصوبة الموضع عطفاً على (كلا) في قوله: (بالألف ارْفَع المُثنَّى وكِلا)، فكأنَّه
قال: ارفع المُثنَّى وكلا وكلتا، إلا أنه حذف حرف العطف([73]).
ومن
الأمثلة التي تُظْهِر أيضاً نزوع ابن مالك إلى الشح بالألفاظ قوله في باب:
(الإبدال)([74]):
والواوُ لاماً بَعْدَ فَتْحٍ يا انْقَلَبْ
|
كالمُعْطَيَانِِ يَرْضَيانِ وَوَجْبْ
|
فقوله: (والواوُ لاماً بَعْدَ فَتْحٍ يا
انْقَلَبْ)، و(الواو): مبتدأ خبره (انقلب)، والضمير عائد إليه، و(يا) منصوب
بـ(انقلب) على المفعول به، وأصله: (ياءً انقلب)، لكن قصره، على قول من قال: شربتُ
مًا يا هذا، فصار: (يًا انقَلَب)، فحذف التنوين لالتقاء الساكنين على قول أبي
الأسود([75]):
فَألْفيتُهُ غيرَ مُسْتَعْتِبٍ
|
ولا ذاكِرَ اللهَ إلا قليلاً
|
فصار: (يا انقلبْ)، وهذا إجحاف كثير؛ إذ
ترك الاسم على حرف واحد من غير تنوين، فهو أكثَرُ حذفاً من (أيْشٍ)، إلا أن ابن
مالك لا يُبالي بهذا الإجحاف حرصاً على تحصيل المعاني الكثيرة في العبارة اليسيرة،
وما أكثر استعماله لنحو: شربتُ مًا يا هذا([76]).
وقد
يُعترَض على ابن مالك في قوله في مسألة التوكيد بـ(نفس) و(عين)([77]):
واجْمَعْهُما بِأفْعُلٍ إنْ تَبِعا
|
ما ليسَ واحِداً تَكُنْ مُتَّبِعَا
|
فقوله: (تَكُنْ مُتَّبِعَا) فَضلٌ لا
زيادة معنىً فيه؛ لأن من المعلوم أن كلَّ حكم يُقرَّر، فالمُتَّبِع له مُتَّبِع
للعرب، فما الذي أحرز بهذا، ومن عادته الشُّحُّ بالألفاظ إلا فيما يُعطي الفائدة؟
وللإجابة عن هذا الاعتراض، فإنَّ أبا إسحاق الشاطبي يرى أن قول ابن مالك (تَكُنْ
مُتَّبِعَا) أعطى فائدة خاصة، وهي التنكيت على ابن معط في أرجوزته، حيث خالف الناس
والعرب، فذكر فيها أن توكيد المُثنَّى بـ(النفس والعين) يُقَال فيه: نَفْساهُما
وعَيْناهُما، بتثنية (النفس والعين)، فقال([78]):
كَمثلِ
ما ورد في القُرآنِ
كذاك في نَفْسيهما عَيْنَيْهما |
والنَّفس
والعينُ مقدَّمـان
وما لِما ثُنِّي سِوى كليهم |
ويقع
في بعض النُّسخ هكذا: (كذاك في نَفْسِهما عَيْنِهما)، بإفراد (النفس والعين).
وجميع ذلك مُخالف لِما قالته العرب والتزمته، فهو خطأ بلا شكّ، فلهذا، أتى بقوله:
(تَكُنْ مُتَّبِعَا) تنكيتاً على من لم يَتَّبِع، وهو ابن معط في ألفيته التي نسج
ابن مالك على منوالها([79]).
وفي
قول ابن مالك في باب: (اشتغال العامل عن المعمول)([80]):
وإنْ تلا المعطوفُ فِعلاً مُخْبراً
والرفعُ في غيرِ الذي مَرَّ رَجَحْ |
به عن اسمٍ فاعْطِفَنْ مُخَيَّراً
فما أُبيحَ افْعَل ودعْ ما لَمْ يُبَحْ |
ذهب أبو حيان في كتابه: (منهج السالك)
إلى أن النصف الثاني من البيت الثاني حشو لا فائدة فيه([81])،
وأشار أبو إسحاق الشاطبي أيضاً إلى ما يُمكن أن يُدار حول هذا البيت من اعتراض،
يُظهِر أن قول ابن مالك: (فما أُبيحَ افْعَل ودعْ ما لَمْ يُبَحْ) زائد بغير
فائدة؛ لأنه قد تقدَّم له ما يباح فأباحه، وما لا يُباح فمنعه، فتقرَّر هذا المعنى
مع تكررٍ يأباه نظمُه المبنيّ على عدم الحشو؛ إذ كان فيه يجتزئ بأدنى إشارة،
وبالمفهوم، وبالإحالة على المثال في فهم القواعد، والموانع، والشروط، والشُّح
بالعبارة حتى يرتكب كثيراً من الحذف الاضطراري، كما مرَّ، فكيف يأتي بِشطر لا معنى
له.
ويرى
أبو إسحاق الشاطبي أن العُذر لابن مالك في وضع هذا الشطر يكمن في التنبيه على أن
ما أُجيز في هذين البيتين السابقين، فجائز التكلم به، والقياس فيه، وإنْ كان
قليلاً، فـ(زيدٌ ضربتُه) الوجه فيه الرفع، والنصب مرجوح، ولكنه مقيس، وكذلك:
(أزيدٌ ضربتُه) الرفع فيه قياس، وإن كان ضعيفاً بالنسبة إلى النصب، فنبَّه ابن
مالك بهذا الكلام على ذلك وما في معناه؛ لئلا يُتَوهَّمَ أن المُختار هو المقيس من
تلك الأقسام دون ما ليس بِمختار، وأن المرجوح موقوف على السماع، فرفع هذا التوهم،
وبيَّن أن ما أجيز في الأقسام فجائز، وإن كان على قِلَّة، وما مُنِع فهو الممنوع،
وبناء على ذلك فليس ثمة حشو في البيت([82]).
ب.
من عادة ابن مالك أن يُعطي الأحكام بالأمثلة، ويُقرِّر المسائل والضوابط بها،
اكتفاءً بذلك عن التنصيص عليها، طلباًً للاختصار، واتِّكالاً على فهم المُراد
منها، فهو يأتي بالمُثُل عوضاً من التقييدات، ويذكرها في معرض الاشتراط؛ لاشتمال
المُثُل على تلك الشروط، فهذه طريقته بأن يُحيلك بالمثال على جميع ما يتصور فيه من
الاعتبارات، ومثال الاستغناء بالأمثلة عن ذكر الشروط قوله في باب (المفعول له)([83]):
واجْرُرهُ بالحرف وليس يَمتَنِع
|
مَعَ الشُّروطِ كَلِزُهْدٍ ذَا قَنِعْ
|
قال أبو حيان: أفاد بهذا التمثيل
مسألتين: إحداهما: أنه يجوز جره باللام، وإن لم يكن مُختصاً بالألف واللام، ولا
الإضافة. والثانية: جواز تقديمه على العامل فيه، ألا تراه قدَّمه على (قَنِع)، ولا
يُنافي إفهامه ـ أيضاً ـ جواز تقديم معمول الخبر الفعلي؛ لأن الدليل منع من الأخذ
بهذا دون ذلك فيُعمَل به، وسواء أكان مجروراً أو منصوباً، فإنه يجوز تقديمه.
وقد
يَظنُّ ظان أن بعضاً من هذه الأمثلة الواردة في ألفيته من قبيل الحشو كما زعم ذلك
ابن الناظم في شرحه على الألفية، ففي قول ابن مالك([84]):
وانْعَتْ بِمُشْتَقٍّ كَصَعْبٍ وذَرِب
|
وشِبهه كذا وذي والمُنْتَسِب
|
رأى أن المثالين: (صَعْب) و(ذَرِب) حشو
البتة، جيء بهما لمُجرَّد التمثيل فقط، ولم يُحْرِز بهما ابن مالك أمراً([85]).
بينما
يرى أبو إسحاق الشاطبي أن لقائل أن يقول: بل أحرز بهما أموراً ضرورية عليه، فلو لم
يُمثِّل لدخلت عليه، وأخلَّت بكلامه، وذلك أن (صَعْباً) و(ذَرِباً) مُشتقَّان
للفاعل أو المفعول أو نحو ذلك، فحينئذٍ يقع نعتاً، وذلك أن اسم الفاعل، واسم
المفعول، والصفة المُشبَّهة ـ وهو مثال ابن مالك ـ وأفعل التفضيل، فهذه الأشياء
كلها مشتقة للفاعل أو للمفعول كما في المثال، فلو كان مُشتقَّاً لغير ذلك لم يصح
النعت، كأسماء الزمان، وأسماء المكان، وأسماء الآلة، وشبه ذلك، ولا بُدَّ للتحرُّز
من مثل هذا، فإذاً المثالان مقصودان، وهما في موضع الصفة لمُشتق؛ كأنه قال:
(وانْعَتْ بِمُشْتَقٍّ شَبيهٍ بِهذَينِ).
وبناءً
على ذلك فإن هذا الاعتراض غير لازم؛ لأن التمثيل يُحرِز ما قال، ويضيف الشاطبي
بأنه قد عُرِف من مقاصد الناظم الإشارة إلى التقييد بالمثال، واعتباره في ضبط
القوانين، وهو في كتابه (الخُلاصَة) أشهر من أن يُدلَّ عليه، فكثيراً ما يأتي
بالمثال ليستقرئ منه شروط الباب أو قانونه حرصاً على قلة الألفاظ وكثرة المعاني([86]).
ج.
لم يبنِ ابن مالك ألفيته على الاستيفاء، وإنما بُنِيتْ على الاختصار، وذكر الضروري
من قضايا النحو ومسائله، وما كَثُر استعماله وكان مُتداولاً، فهو لم يضع نظمه
للتَّتبُّع، بل للاقتصار على جل المهمات، ومن أراد الاستيفاء فعليه بالمُطَوَّلات
من كتب النحو واللغة؛ إذ من شرط ابن مالك في هذا النظم أن يأتي بالقواعد مُوفَّاة
وبالمسائل مُحَرَّرة، وليس من شرطه أن يذكر جميع مسائل النحو بإطلاق؛ إذ لم يقدر
على ذلك في كتابه: (التسهيل) الذي بناه على الاستيفاء فما ظنك بهذا المختصر، وتبدو
هذه السِّمة في قول ابن مالك([87]):
ومَا بِجَمْعِهِ عُنِيتُ قد كَمَلْ
|
نَظْماً عَلَى جُلِّ المُهِمَّاتِ
اشْتَمَلْ
|
وإنَّما قال: (عَلَى جُلِّ المُهِمَّاتِ
اشْتَمَلْ)؛ لأنه لم يحتوِ على جميع الضروريات، بل على أكثرها، فقد نقصه الكلام
على جُملة من فصول في الأبواب، ونقصه أيضاً بعض الأبواب من الرأس، فأما ما نقصه من
الأبواب فكالقسم، والتقاء الساكنين، فإن هذين البابين لم يُعرِّج عليهما، بل أهمل
جانبهما جملة، ومن ذلك باب التسمية، إلا أنه دونهما في الضرورة.
وأمَّا
ما أهمل من الفصول والمسائل، فكمسألة الفصل من المُضمرات، ومسألة الأمثلة الموزون
بها من الأعلام، ومسألة الموصولات الحرفية، ومسألة دخول الفاء في خبر المبتدأ،
ومسألة التأريخ في باب العدد، ومسألة معاني أبنية الأفعال، ومسألة ما زِيدت الميم
في أوَّله من أسماء المصادر والزَّمان والمكان، والكلام على جملة من الحروف كـ(أي)
التفسيرية، وحروف التنبيه والجواب، وغيرها، ومدة الإنكار والتَّذكُّر، وفصل مخارج
الحروف وصفاتها، والإدغام إذا كان في كلمتين، وقسم إدغام المتقاربين، ومسائل من
هذا النوع لم يتعرَّض إليها، فلذلك قال: (عَلَى جُلِّ المُهِمَّاتِ)، فحرَّز
الإخبار عما قصد ذكره؛ لئلا يُقال له: فأين جميع المُهِمَّات، وقد نقص منها جملة
كبيرة؟ وهو من الاحتراز الحَسَن، ونحن لا نُؤاخِذه بما سكت عنه من مسائل النحو،
ولا فصوله، بل ولا من أبوابه؛ إذ لم يبنِ على استيفاء أحكام الكلام كُلِّها، وإنما
قصده الإتيان بالجليل من الأحكام، والمشهور منها، والتنبيه على جملة من المسائل([88]).
ويقف
أبو إسحاق الشاطبي على موضع مُشْكل في الألفية، فابن مالك نَصَّ على أن ألفيته هذه
محتوية من النحو على جميع مقاصده؛ لقوله([89]):
وأسْتَعينُ الله في ألفيهْ
|
مَقَاصِد النحو بها مَحْوِيَّهْ
|
وهذه صيغة عموم تُفيد الاحْتِواء من
المقاصد على جميعِها، وعلى هذا فيه سؤال، وهو أن يُقال: إنه قد نصَّ آخر النَّظْم على
أنَّه إنما احتوى على الجُلِّ، لا على الجميع؛ لقوله هنالك: (نَظْماً عَلَى جُلِّ
المُهِمَّاتِ اشْتَمَلْ)، ولم يَقُل: على المُهِمَّات اشتمل، ولا على جميع
المُهِمَّات، ومُهِمَّات النحو ومقاصده بمعنىً، فإما أن يكون نَظْمه مُشتَمِلاً
على الجميع، وإمَّا على الجُلِّ دون الجميع، وعلى كلا التقديرين يكون أحد الموضعين
غير صحيح، ولا شكَّ أن الصحيح من الموضعين هو الآخِرُ منهما؛ إذ قد فاته أشياء من
مقاصد النحو ومُهِمَّاته مما تَبيَّن سابقاً، فَتَلَخَّص أنَّ كلامه هُنا غير
صحيح.
والجواب
عن هذا المُشْكِل يكمن في أن الكلامين غير مُتنافرين، بل هما مُتوافقان؛ وذلك أن
المُهِمَّات ليس بمرادف للمقاصد؛ لأن المقاصد أعمُّ من المُهِمَّات؛ لانقسامها إلى
المُهمّ وغيره، فمن مقاصد النحو ما هو مهم كالذي ذكره في نظمه، ومنها ما ليس بمهم
كباب التسمية، ومسألة الأمثلة الموزون بها في باب ما ينصرف، وفصل الاستثناء من
الاستثناء، وما أشبه ذلك، إلا أنه يبقى وجه إتيانه بلفظ العموم، مع أنه لم يتكلم
إلا على الجُلِّ من المقاصد، بل على الجُلِّ من مهماته، وذلك سهل؛ لأن العرب قد
تُطلِق لفظ الكُل على الجُلِّ، فتقول: جاءني أهل مصر، إذا جاءك جُلُّهم أو رؤساؤهم،
وأهل مصر صيغة العموم كمقاصد النحو، ومن هنا صَحَّ الاستثناء من العام على ما هو
مبسوط في موضعه من كُتُب النَّحو، فإذا كان كذلك سقط الاعتراض([90]).
د.
كثيراً ما يترك ابن مالك ـ اختصاراً ـ الحديث عن مسائل وقضايا تكون قريبة الفهم
سهلة التناول لمن له أدنى مُسْكَة بعلم النحو وأصوله، بحيث يُعَدُّ الحديث عن
مثلها من نافلة القول، وقد يكون عدم التنبيه على مثل هذه القضايا لدى ابن مالك
اعتماداً على إلقاء الشيخ للتلميذ، وهذا المنزع قد كان بعض علماء العربية يُؤنِّس به
في بعض المواضع من الكتاب المقروء عليه، إذا وقعت منه مسألة مُشْكلة، أو غَير
مُخَلَّصة حقَّ التَّخْليص، فيكون هذا مِمَّا تَرَكه الشيخ؛ ليقع الافتقار من
التلميذ إلى الشيخ المُقرئ في فهم ما أشْكَل، وإلا فلو بَيَّن كُلَّ شيء لم يُعْرف
مقدار الشيخ، بنحو هذا كان يُؤنِّس ابن مالك في ألفيته([91])،
ومن أمثلة ذلك قوله في باب (التصريف)([92]):
بِضمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأصُولَ في
|
وَزْنٍ، وَزَائدٌ بِلَفْظِ اكتُفِي
|
فلقائل أن يقول: إن على ابن مالك في هذا
الكلام شيئاً، وهو أنه ذكر في كيفية الوزن مُقَابلة الأُصُول بِضِمْنِ فِعْل،
والزائد بلفظه، ولم يُبيِّن كيفية الحركة والسكون، ولا أنه باقٍ على ما كان عليه،
ولا ذكر ترتيب اللام على العين، والعين على الفاء في الأصول، ولا إبقاء الزوائد في
موضعها سابقة كانت أو لاحقة، بل أتى بالمقابلة على الإجمال، فكان كلامه غير بَيِّن
في هذا المعنى، وذلك غير لائق بمنصب التعليم. والجواب: أن هذا المعنى لمَّا كان
قريباً للفهم، معلوماً لمن عنده أدنى فهم، لم يحتج إلى بيانه، وأيضاً فإنه كان
يحتاج إلى بعض تطويل مع أن قصده الاختصار، فلما اجتمع الأمران: سهولة فهم مقصوده،
وقصد الاختصار، ترك بيان ذلك، اتِّكالاً على فهم الطالب([93]).
وكذلك
الشأن في قوله في فصل: (الإعلال بالحذف)([94]):
فا أمْرٍ أو مُضَارع مِنْ كوَعَدْ
|
احْذِف، وفي كَعِدة ذاك اطَّرَدْ
|
فقد
ترك التنبيه على أصل (عِدَة) اتِّكالاً على الشيخ، أو على فهم الشادي الفطن؛ إذ هو
بالنسبة إلى فهمه قريب([95]).
وقد
جَعَلتْ تلك المظاهر السابقة من ألفية ابن مالك المنظومة التعليمية الأكثر إيجازاً
من بين جميع المتون النظمية، ولم يحد ابن مالك عن سبيل الإيجاز في كل بيت وضعه،
وقد فاقت ألفيته بإيجازها ألفية ابن معط؛ إذ نرى ابن معط في بعض الأحيان يبتعد عن
الإيجاز الذي هو من طبيعة المتون، فتجده يطنب في ألفيته، ومثال ذلك أنه حينما أراد
أن يُمثِّل للكلام أتى بمثالين، فقال([96]):
اللفْظُ
إنْ يُفِدْ هو الكَلام
|
نحو
مَضَى القَوْمُ وهُمْ كِرام
|
في
حين أوجزهما ابن مالك في مثال واحد، تدل عليه كلمة واحدة، وهي كلمة (استقم) من
قوله([97]):
كلامُنَا لَفْظٌ مُفيدٌ كاسْتَقِمْ
|
واسمٌ وفِعلٌ ثُمَّ حَرْف الكَلِمْ
|
6. لقد قَصَد ابن مالك في ألفيته الإخبار عما يُقاس خاصة، فليس من
ضروريات نظمه بيان الشذوذات الشاردة، والأمور النادرة جداً، وهذا أصل انتصب
لتقريره في معظم أبواب الألفية، وهو الذي بنى عليه، بل هو الذي بنى عليه جميع
النحويين، وإنما حكوا الشذوذات احترازاً منها، وتنبيهاً على عدم القياس فيها،
وذِكْرُها عندهم تكميل وزيادة على الحاجة؛ إذ إن أكثرها غير مُحقَّق في النقل،
وأكثر الكتب المشهورة في اللغة لا تجدها فيها، فكيف بهذا المُختصَر اللطيف الحجم.
وبناء
على هذا فإن ابن مالك لم يكن بدعاً من بين أصحاب المُختصرات النثرية والشعرية، فقد
جرى على طريقتهم، فَتَكَلَّم في القياس المجرد وما قاربه من القوانين العامة
المجملة التي يُمكِن تفصيلها بالتَّهَدِّي إليها، وهو وجه من وجوه التدريب، وأمَّا
المسموع فلم يَرْتَهن فيه، ولا جعله من قصده في هذا النظم، وإن كان ربما يأتي به
بالانجرار لا بالقصد، وإن أتى بشيء من ذلك فَبِها ونِعْمَتْ، وإلا فلا عَتَب عليه،
فليس هذا من شأنه هنا؛ إذ لم يلتفت إلى تلك الأشياء إلا في (التسهيل) على الإجمال
لا على التفصيل([98]).
وقد
دفعت هذه السِّمة كُلَّ اعتراض يُمكن أن يحوم حول أبيات الألفية، ومن أمثلة ذلك
قوله في باب: (تعدي الفعل ولزومه)([99]):
عَلامةُ الفعل المُعَدَّى أن تَصِل
|
(ها)
غير مصدرٍ به، نحو عَمِلْ
|
فقد يُقال: إن في هذا التعريف نظراً،
فما كان يتعدَّى تارة بنفسه، وتارة بحرف الجر كـ(شكرت) و(نَصَحْتُ) و(كِلْتُ)
و(زِنْتُ) يُشكِل دخوله تحت قاعدته وخروجه عنها؛ إذ إن مُراده دخول الهاء على ما
هو الشأن، ونحن نجد مثل هذا لا يستتبُّ فيه إسقاط حرف الجر؛ لِمُشاركة إثباته، فلا
تقول: (شَكَرْتُه) بإطلاق، ولا (نَصَحْتُه) كذلك، فيقتضي أنه غير متعدٍّ، وأيضاً
فلا يَستتبُّ فيه ثبوت حرف الجر، وذلك يقتضي أنه مُتعدٍّ؛ إذ كان يصحُّ أن تقول:
(نَصَحْتُه) و(شَكَرْتُه) على الجملة، وهذا اضطراب، والجواب عن هذا الاعتراض: أن
باب (نَصَحْتُ) و(شَكَرْتُ) متوقِّف على السماع، وابن مالك إنما تكلَّم على
القياس، فلا يُعترض بالسماع عليه؛ إذ لم يَتَعرَّض له([100]).
وإذا
كانت الصبغة التعليمية للألفية قد أملت على صاحبها أن يسير وفقاً لهذا النهج، فإن
هنالك عاملاً آخر - يتعلَّق بطبيعة الدرس النحوي دون اللغوي-وراء اقتصار ابن مالك
غالباً على الأنماط القياسية دون غيرها من الأداءات الاستعمالية المسموعة والشاذة،
حيث إن التغيير الذي يطال كلام العرب يأتي على ضربين: أحدهما: تغيير عُلِم من
استقراء كلام العرب اطِّرادُه وقياسه، والآخر: تغيير لم يُعلَم له اطِّراد، بل
عُلِم قَصْرُهُ على السماع، وأن غيره هو المُطَّرِد.
فأما
الأول: فهو الجزء الذي يجب على النحوي التعرُّض له من حيثُ هو نحوي([101])،
وهو الذي أخذ ابن مالك في الكلام عليه في ألفيته، وأما الثاني: فليس للنحوي من حيث
هو نحوي، وإنما هو للُّغوي؛ إذ كان شأن النَّحوي أن يتكلَّم فيما اطَّرد، لا فيما
خرج عن باب الاطِّراد، فإذا تكلَّم على المُطَّرِد عُلِم أنَّ ما خرج عنه مقصور على
السماع، فلذلك لم يتعرَّض له ابن مالك غالباً لا سيَّما في هذا المُختَصَر.
وقد
يتعرَّض النحويون لذكر بعض هذا الذي لم يطَّرِد تجاوزاً، وأوَّلهم في ذلك سيبويه،
واتَّبعه أرباب المُطوَّلات، واقتدى بهم بعض أرباب المُختصرات، كأبي القاسم
الزجاجي في (جمله) وغيره، وهم في ذلك لغويون لا نحويون، فابن مالك بقي على طريقته
في الألفية لم يتعدَّها إلا نادراً، وغيره أنِس بذكر بعض المسموع على جهة التمثيل
والتوجيه لِمَا سُمِع، وكُلٌّ في طريقته على صواب([102]).
وقد
أضفى على الألفية اقتصارُ ابن مالك الإخبار عمَّا يُقاس خاصة، وارتهانه للحديث عن
القوانين العامة والأنماط الكثيرة المُطَّرِدة سِمتين تبرزان بروزاً ظاهراً، وهما:
أ.
بناؤه على الشهير من كلام العرب في غالب أحيانه، تاركاً كلام من بعدت به الدار،
ونأى به المحل من شواذ قبائل العرب، والذي أملى عليه ذلك هو أن نظمه غير موضوع
لنقل اللغات، وإنما وضع لضبط القوانين، وتظهر معالم هذه السِّمة في مثل قوله([103]):
بالألف ارفع المُثَنَّى وكِلا
|
إذا بِمُضْمَرٍ مُضَافاً وُصِلا
|
فكلامه هنا، إنما هو على اللغة المشهورة
في (كلا)، وقد ترك وجهين للعرب فيهما: أحدهما لِكنانة، وهو إجراؤها مُجرَى
المُثَنَّى مُطْلقاً، مضافة إلى المضمر أو إلى الظاهر، والثاني: إجراؤهما مُجرى
المقصور مُطلقاً، وهو الجاري على لغة بلحارث بن كعب، وعلى لغة من قال: (إلاك)
و(علاك)، وإنما ترك ذكرهما لقلتهما، فاكتفى بما هو الشهير في الكلام([104]).
ويمكن أن نقف على هذه السِّمة أيضاً في قوله([105]):
ذُو اللين فا تا في افْتِعالٍ
أُبْدِلا
|
وشَذَّ
في ذِي الهَمْزِ نَحْوُ ائْتَكَلا
|
أي أن حرف اللين في القياس المُطَّرِد
يُبْدل تاءً في بِنْية (الافْتِعال)، إذا كان حرف اللين فاء الكلمة، ولقائل أن
يقول: إن في كلام ابن مالك نظراً، فقد أطلق الحُكم بالإبدال، فاقتضى بظاهره أن ذلك
واجبٌ؛ إذ لم يأتِ بلفظ يَدلُّ على الجواز، وإطلاق الوجوب غير صحيح، فللعرب في هذا
الإبدال وجهان: أحدهما ما ذكر، والآخر البقاء على الأصل، فتقول: (ايتَعَد ياتَعِدُ
ومُوتَعِدُ وموتَعَدٌ)، و(ايتَسَر ياتَسِرُ وموتَسَرٌ)، وكذلك سائر الباب، فإذاً
الوجهان جائزان، وهو على خلاف ما ظهر من كلامه.
والجواب
عن هذا الاعتراض: أن الإبدال هو الأشهر والأكثر استعمالاً، وهي لغة الحجاز التي
نزل بها القرآن، ولذلك قال في التسهيل: تُبدَل في اللغة الفصحى التاء من كذا، وأما
البقاء على الأصل دون إبدال، فلغة ليست في الشهرة هنالك، وإذا كانت قليلة، فقد
تَبَيَّن من عادته في هذا النظم الاعتماد على نقل الشهير والأشهر، والبناء على
الكثير والأكثر، وجَعْلَ ما عداه في حيِّز الإغفال، وفي جانب الإهمال، فهذا من تلك
المواضع المعلومة، فليس بملوم في هذا([106]).
وقد
يضطره الأمر في اتباع اللغة المشهورة لأن يُفاضِل بين لغة الحجازيين ولغة
التميميين، فيجتزئ بنقل لغة الحجازيين؛ لكونها أشهر، وبها نزل القرآن، ألا تراه في
باب (ما)، إنما ذكر الإعمال خاصة، وهي لغة أهل الحجاز، وترك لغة بني تميم، وإن
كانت هي الجارية على القياس، فليس من شرطه في هذا المُختَصر أن يأتي بِنَقْل
اللغتين جميعاً([107]).
ب.
إنَّ أغلب ما نقله ابن مالك في الألفية، إنما هو على مذهب البصريين أصحاب القياس
المُنضبِط، فكثيراً ما يقف في هذا النظم مع مذهب الجمهور، وبعيد غاية البعد أن
يترك مذهب (الكتاب)، وظاهر كلام سيبويه، ومن راجع النظر في الألفية، يجد أن
المسكوت عن ذكره من مذهب الكوفيين فيها مسكوت عنه في الحقيقة، وهذا خلاف لمذهبه
الذي سار عليه في باقي تصانيفه([108])،
فقد كان في تلك المُصنَّفات مُتَصدِّياً للاجتهاد، معلناً بمخالفة من لم ينهض
دليله عنده، لا يتحاشى من الخليل فما دونه، سيرة أهل الاجتهاد المطلق، وله في
مخالفة الجمهور مسائل مشهورة([109]).
وأمر
بَدَهِي أن ينساق ابن مالك في منظومته التعليمية وراء مذهب البصريين؛ ذلك أن
البصريين ـ على عكس ما صنع الكوفيون ـ اشترطوا في الشواهد المستمد منها القياس أن
تكون جارية على ألسنة العرب الفصحاء، وأن تكون كثيرة بحيث تُمثِّل اللهجة الفصحى،
وبحيث يُمكِن أن تُستَنتج منها القاعدة المُطَّردة، وبذلك أحكموا قواعد النحو
وضبطوها ضبطاً دقيقاً، فأصبحت علماً واضح المعالم بَيِّن الحدود والفصول، وجعلهم
ذلك يرفضون ما شذَّ على قواعدهم ومقاييسهم لسبب طبيعي، وهو ما ينبغي للقواعد في
العلوم من اطرادها وبسط سلطانها على الجزئيات المختلفة المُندَرِجة فيها، ولعلنا
بذلك نستطيع أن نفهم السبب وراء سيطرة نحو المدرسة البصرية على ألفية ابن مالك([110]).
وهذا
الاتِّبَاع من ابن مالك لنحو البصريين لا يُخوِّلنا لأن نَطْمِس سخصيته العلمية،
فقد كانت له آراء خاصة تظهر في ثنايا الألفية بين الفينة والأخرى، ومن ذلك قوله في
باب: (النكرة والمعرفة)([111]):
وَصِلْ أو افْصِلْ هاءَ سَلْنِيه وما
كَـذَاكَ خِلْتَنِيـهِ واتِّصَـالا |
أشْبَهَهُ فـي كُنْتُهُ الخُلْفُ
انْتَمَى
أخْتَارُ غَيْري اخْتارَ الانْفِصَالا |
وفي
باب: (النائب عن الفاعل)، نجد ابن مالك يُوضِّح رأيه في هذه المسألة، فيقول([112]):
وبِاتِّفاقٍ قَدْ يَنوبُ
الثَّانـي مِنْ
في باب ظَنَّ وأرى المَنْعُ اشْتَهَرْ |
بـابِ كَسا فِيمَا الْتِباسُهُ أُمِـنْ
ولا أرَى مَنْعاً إذا القَصْدُ ظَهَرْ |
ومثل
هذه الآراء الخاصة التي تتناثر في تضاعيف الأبواب والفصول، لا تنفي عن الألفية
صبغة النحو البصري الذي يظهر ظهوراً بائناً في معظم المسائل والقضايا.
وقاد
ابن مالك اتباع النحو البصري في ألفيته إلى الإحجام عن ذكر المسائل الخلافية بين
المذاهب النحوية المتعددة، تلك المسائل التي لا ينبني على الخلاف فيها حُكم لفظي،
فكأنه رأى أن نقل مثل هذا الخلاف هنا شطط، فتركه؛ إذ إن الكلام في استقصاء الأدلة والفصل بين الخصوم له
مجال واسع لا يليق بهذه الخُلاصة المُختصرة، ومن ذلك قوله في باب: (الابتداء)([113]):
وَرَفعوا
مُبتدَأ بالابْتِدا
|
كَذاكَ
رَفْعُ خَبَرٍ بِالمُبتدَا
|
فلَم يَنُص ابن
مالك على مسألة الخلاف في عامل المبتدأ والخبر، مع أنها من مسائل الخلاف المشهورة
بين نحاة البصرة ونحاة الكوفة، وسبب ذلك الإحجام مرده إلى أن هذه القضية الخلافية
لا ثمرة لها في النحو، وهي طويلة،
والخلاف فيها يرجع إلى تحقيق اصطلاحي، لا يَنْبَني عليه في التفريع فائدة، ولا
يَتَرتَّبُ عليه في العربية حُكْم، إلا حُسْنُ ترتيب الحِكمة في الصناعة، ورَبْط
الاصطلاح، فالأَوْلى في هذه المسألة وفي أمثالها تَرك الاشتغال بالرد والترجيح؛
لهذا فقد ضرب ابن مالك عن ذكر الحجج فيها واستيعابها صفحاً([114]).
وإذا اتصل الخلاف بين المذاهب النحوية بِحُكم لفظي، فإن
ابن مالك في غالب أحيانه يأتي بمثل هذا الخلاف في مساق التخيير، ومثال ذلك قوله في
باب (نعم) و(بئس) وما جرى مجراهما([115]):
ويُذكر
المَخْصوصُ بَعْدُ مُبتَدا
|
أو خَبَرَ
اسمٍ ليس يَبدو أَبَدا
|
فقد ذكر هنا إعرابين لـ(المخصوص) بالمدح والذم ساقهما
مساق التخيير، أحدهما: أن يكون مبتدأ، ولم يُعيِّن له خبراً، وواضح أن يكون الجملة
المتقدِّمة؛ إذ بها تَمام الفائدة، والثاني: أن يكون المخصوص خبر مبتدأ محذوف لازم
الحذف([116])،
ومثل ذلك أيضاً قوله في باب: (الابتداء)([117]):
وَأخْبَروا
بِظرفٍ أو بِحرف جَرّ
|
نَاوين
مَعْنَى كائِنٍ أو اسْتَقَر
|
وكذلك قوله في باب: (المُعرَّف بأداة التعريف)([118]):
أل حرف تعريف أو اللامُ فَقَط
|
فَنَمَط عَرَّفتَ قُلْ فيه النَّمَطْ
|
فقد خيَّر هاهنا بين أمرين في تعيين الحرف المُعَرِّف،
أحدهما: أن يكون (أل) بكمالها، كما تدل (قد) على معنى التوقُّع و(لم) على النَّفي،
وما أشبه ذلك، وهذا مذهب الخليل وسيبويه، والثاني: أن يكون حرف التعريف اللام
وحدها دون الهمزة، وهذا مذهب الجمهور، وهما وجهان مسوقان مساق التخيير في اعتقاد
أحدهما، وكأنه خَيَّر بين القولين المنقولين عن النَّحويين([119]).
7. لم يَتَصَدَّ ابن مالك في ألفيته للنظر في تعليل
المسائل، ولا قصد ذلك، وإنَّما قصده ذكر الضروري من القوانين العامة والأحكام
القياسية، والتعليل في مثل هذه المنظومة التعليمية من قبيل الزائد على الضروري،
وإن لجأ ابن مالك إليه في بعض المسائل، فإمَّا لأنه شامل لأكثر من قضية، وإمَّا
لإفادة حُكم ضروري من تنكيتٍ على مخالف أو غير ذلك، ومثال هذا النوع من التعليل
الذي يلجأ إليه ابن مالك أحياناً قوله في باب: (الموصول)([120]):
موصولُ
الأسماء الذي الأُنثى التي
بَـلْ ما تَليـهِ أوْلِـهِ العَلامَـهْ والنُّـونُ مِنْ ذَيْـنِ وتَيْـنِ شُدِّدا |
واليـا إذا
ما ثُنِّيـا لا تُثْبِتِ
والنُّونُ إن تُشْدَدْ فلا مَلامَهْ أيْضاً وَتَعْويضٌ بِذَاكَ قُصِدَا |
فابن مالك في
البيت الأخير يُريد أنَّ نون (هذين) و(هاتين) شُدِّد كما شُدِّد نون (اللذين)
و(اللتين)، فتقول: هذانِ الزيدان، وهذانِّ الزيدان، ثُمَّ بَيَّن عِلَّة التشديد،
فقال: (وَتَعْويضٌ بِذَاكَ قُصِدَا)، فقوله: (ذاك)، إشارة إلى التشديد المذكور،
ولما ذكره شاملاً لاسم الإشارة والموصول كان تعليله شاملاً لهما، وهو يعني أن
العرب قصدت بهذا التشديد أن تُعوِّض من الحرف المحذوف في التثنية، فإن الياء
تُحذَف وجوباً من (الذي) و(التي)، كذاك الألف من (هذان) و(هاتان)، فأرادوا أن
يجعلوا التشديد في ذلك كالعوض مما حذفوا جبراً له، والعوض يقوم مقام المُعوَّض منه
حتى كأنه موجود([121]).
فإن قيل: هذا الكلام أتى به تعليلاً للتشديد، وهو لم
يَتَصدَّ للنظر في تعليل المسائل ولا قصد ذلك، وإنما قصده ذكر الأحكام القياسية في
الكلام ولا كل ذلك، بل الضروري خاصة، والتعليل من قبيل الزائد على الضروري، فلِم
أتى به وقد كان في غنى عنه، ويلزم من تعرضه لتعليل بعض المسائل أن يتعرَّض لتعليل
الجميع أو يترك التعليل في الجميع؟
ويُجيب أبو إسحاق الشاطبي عن هذه المسألة بقوله: إن ابن
مالك لم يقصد التعليل خالياً من إفادة حُكم ضروري، وإنما قَصَد التنكيت على
المُخالف الذي زعم أن التشديد دالٌّ على المرتبة القصوى في الإشارة، كما كانت
اللام في (تلك) و(ذلك) عند ذلك القائل دالة على المرتبة القصوى، وابن مالك قد نفى
أن يكون ثَمَّ مرتبة ثالثة، وإنما هما رتبتان خاصة، فكأنه قيل له: فهذه الزيادة ما
فائدتها، وقد علم أن الزيادة في أسماء الإشارة تُفيد الانتقال؟ فأجاب عن هذا: بأن
قصد العرب التعويض لا ما قالوه، فإن كان من زعم هذا يقوله بالرأي، فلا رأي مع
السماع؛ لأنه نقل لغة، واللغة لا تثبُتُ بالرأي، وإن كان يقوله بالنقل، فقد قال
ابن مالك: يُبطِلُ هذا القول جواز التشديد في نون (هذين) و(تين)، يعني إذا أُشير
إلى القريب([122]).
8. لقد أبدى ابن مالك اعتناء فائقاً باختيار المصطلحات
المتعلِّقة بالأدلة النحوية، وقام بتوظيفها توظيفاً دقيقاً خاصاً يخلو من كل
اضطراب وازدواج، ولنقف هنا على استخدامه الخاص لمصطلح (قَلَّ) و(نَدَر) من جهة،
ومصطلح (شذَّ) من جهة أخرى، فقد جرت عادة ابن مالك في غالب أحيانه أن يُطلق
المصطلحين الأولين على الأنماط النثرية، بينما يُطلِق مصطلح (شَذَّ) على الأنماط
الشعرية، ومثال توظيفه لمصطلح (القلة) قوله في باب (النكرة والمعرفة)([123]):
وفـي
لَدُنِّي لَدُني قَلَّ وفـي
|
قَدْنِي
وقَطْنِي الحذف أيضاً قد يَفي
|
يعني أن تخفيف
نون (لَدُنِّي)، وهو عدم إلحاقها نون الوقاية قليل، فيلزم عليه أن يكون لحاقها هو
الكثير، وقد قُرِئ قوله تعالى([124]):
"قَدْ بَلَغْتَ مِنْ
لَدُنِّي عُذرا"
بالوجهين، فالتشديد الذي هو الكثير، قرأ به الأئمة السبعة ما عدا نافعاً وعاصماً
من رواية أبي بكر عنه، والتخفيف الذي هو القليل قرأ به نافع وأبو بكر([125]).
ويذهب أبو إسحاق الشاطبي إلى أن قول ابن مالك (قَلَّ)
دليل على أن هذا جائز عنده في الكلام، لا مُختصٌّ بالشِّعر، وهذا دأبه في هذا النظم
إنما يُعبِّر بلفظ (القلة) عما جاء في النثر، وهو ثابت بقراءة نافع وأبي بكر([126])،
ونبَّه بذلك على مخالفة ظاهر كلام سيبويه، قال في شرح التسهيل: وزعم سيبويه أن عدم
لحاقها من الضرورات([127])،
وليس كذلك، بل هو جائز في الكلام الفصيح، ثم حكى القراءة([128]).
وأما إطلاقه مصطلح (الندرة)، على الأنماط النثرية، فيظهر
في قوله من باب: (المعرب والمبني)([129]):
أبٌ أخٌ حَمٌ
كَذاكَ وهَنٌ
وفي أبٍ وتالييه يَنـدُر |
والنَّقص في
هذا الأخير أحْسَنُ
وَقصرُها من نَقصِهنَّ أشهـرُ |
فلمَّا كانت لغة النقص خارجة عن جمهور كلامهم أطلق عليها
لفظ الندور لذلك، وفي أصل اللغة يرادف لفظ الندور لفظ الشذوذ؛ إذ هما بمعنى الخروج
عن الجمهور([130])،
إلا أن ابن مالك اصطلح في كلامه على إطلاق الندور على ما ندر في الكلام المنثور،
وإطلاق الشذوذ على ما ندر في الشعر، هذا في الغالب، فليعرف ذلك من اصطلاحه، فيريد
هنا أن النقص في (أبٍ) وتالييه جاء قليلاً، فتقول على القلة في (أبٍ): (هذا أبُك)،
و(رأيتُ أبَكَ)، و(مررت بِأبِكَ)، وهي لغة محكية عن أحمد بن يحيى ثعلب([131]).
وفي غير الغالب يحدث لدى ابن مالك خلط واضطراب في توظيف
هذه المصطلحات، فقد قال في باب: (النكرة والمعرفة)([132]):
ونُونُ
مَجْموعٍ وما به التَحَقْ
|
فافتح،
وقَلَّ مَن بِكَسْرِه نَطَقْ
|
يُريد أن النون اللاحقة للمجموع وما جرى مجراه يلزم
فَتحها، ولا يجوز فيها الضم مُطلقاً، ولا الكسر إلا قليلاً يُحفَظ ولا يُقاس عليه،
ويذهب أبو إسحاق الشاطبي إلى أن قوله: (وقَلَّ مَن بِكَسْرِه نَطَقْ) أراد به أن
الذين كسروا هذه النون من العرب قليل، وأطلق لفظ (القلة) ها هنا، ومراده به
الشُّذوذ، وغالب استعماله له مُراداً به ما جاء في الكلام قليلاً، لا على ما
اختصَّ بالشعر، كما أن أصل استعماله للفظ الشُّذوذ أن يكون مراداً به الاختصاص
بالشعر، لكن قد يخرج عن هذا الأصل، فيُطلِق الشذوذ على ما جاء في الكلام، كما قال
في (أهلين) ونحوه([133]):
وارفعْ
بِواوٍ وبيا اجْرُر وانْصِبِ
وَشِبْهِ ذَيْـنِ وبِـهِ عِشْرُونـا أُولُـو وعالمـون عِلِّيُّـونـا |
سالِـمَ
جَمْـع عامرٍ ومُذْنبِ
وبَـابُه الحِـقَ والأهْلُونـا وأَرَضُونَ شَـذَّ والسِّنُونَـا |
ويُطلِق لفظ
القلة على الشاذ كهذا الموضع، اتساعاً واتكالاً على فهم المقصود، ويورد الشاطبي
بعد ذلك أمثلة على هذا النمط القليل من شعر العرب([134]).
ويستعمل ابن مالك كلمة (قد) في ألفيته استعمالاً خاصاً
يكثر دورانه ويطرد في معظم أبواب الألفية، فهذه الكلمة وإن دلَّت في معناها العام
على القلة إلا أن ابن مالك يوظفها في مواضع يَحْسُنُ في مثلها القياس، ويظهر ذلك
في مثل قوله في باب (الحال)([135]):
والحال قد يُحذَف ما فيها عَمِل
|
وبعضُ ما يُحذَفُ ذكره حُظِلْ
|
فهذه مسألة من أحكام العوامل في الحال، وهو الحذف،
فبيَّن أن عامل الحال قد يُحذف في بعض المواضع كما يُحذف عامل غيره كعامل المفعول
به، والعامل في خبر المبتدأ، وهو المبتدأ، ومن شأن العرب الحذف اختصاراً، إذا
استطالت الكلام، فهو من جملة تصرفاتها في الكلام، وعامل الحال قد يكون فعلاً، وقد
يكون صفة، وقد يكون حرفاً من الحروف المُشْرَبة معنى الفعل، أو من الأسماء
الجامـدة التي أشربت معنى الفعل. وهذا الحذف يُمكن أن يكون قياساً كله أو سماعاً
كله، أو يكون بعضه قياساً، وبعضه سماعاً. وابن مالك قد أطلق هنا القول بقلة الحذف
على الجملة، ولم يحصل تصريح بقياس ولا سماع، فقد يوهم إطلاقه أمراً لم يقصده.
وأمَّا الجواب عن هذا المُشْكِل، فإن قول ابن مالك:
(والحال قد يُحذَف ما فيها عَمِل) يُشْعِر بالقياس؛ لأن (قد) في استعماله الخاص
لها في الألفية، وإن دلَّت على التقليل إنَّما يُطلقها في موضع القياس، وإلا
فيقول: (شذَّ) أو (ندر) أو ما يُعطي هذا المعنى، ومثل هذا الاستعمال الخاص بـ(قد)
شائع كثيراً في الألفية، وهذا الإطلاق شامل لما الحذف فيه جائز أو واجب؛ لأنه
لمَّا أطلق هذا القول قَسَم الحذف إلى جائز ولازم، فقوله: (وبعضُ ما يُحذَفُ ذكره
حُظِلْ)، يعني أن هذا الحذف المذكور بعضه لا يجوز ذكر المحذوف معه، فذكره حُظِل،
أي مُنِع، فلا يُنطَق به البتة([136]).
9. قد تضيق على ابن مالك العبارةُ حتى يأتي بها في غاية
من التثبيج، فَيُسمح له لمكان ضرورة النظم، ولذلك سومح الشعراء في الضرورات، وأجيز
ارتكابها قياساً على ما هو مبسوط في مظانه([137])،
وللضرورة كما يرى ابن مالك سطوة على الشعراء، بحيث لا يكون للشاعر مندوحة عنها،
وهذه نظرة خاصة من ابن مالك خالف فيها جمهور النحاة([138]).
والمُطَّلِع على ألفية ابن مالك يراها قد مُلِئتْ بأنواع
الضرائر المُتعدِّدة، كيف لا وهي منظومة تعليمية تضمَّنت جُلَّ أبواب النحو وفصوله
في قالب شعريٍّ يَحْكُمه الوزن والقافية، وإذا كان الشعر الغنائي وما امتاز به من
فضاءات شعرية واسعة يَعُجُّ بالضرائر، فما عسى أن يكون شأن النظم أمام مادة علمية
من أبرز سِماتها دقة الفكر وجفاف المسألة، وقد دعت كثرة وقوع الضرائر في الألفية
أحد شُرَّاحِها المعنيين بتحليل ألفاظها ونقدها إلى أن يَقول: "وكثيراً
ما أحْظُر ـ أي أقعُ ـ في هذا النظم على ضرائر شعرية، فلا أُنبِّه عليها؛ لكوني قد
قَدَّمتُ التنبيه عليها مراراً، والعذرُ في مثل هذا مقبول"([139])،
ومن أمثلة الضرائر التي وقع فيها ابن مالك في ألفيته قوله في باب: (الكلام وما
يتألَّف منه)([140]):
وماضيَ الأفْعَالِ بِالتَّا مِزْ
وَسِمْ
|
بالنُّونِ فِعْلَ الأمْرِ إنْ أمْرٌ
فُهِمْ
|
وقوله في باب: (المعرب والمبني)([141]):
وارْفَعْ وانْصِبَنَّ بالألفْ
|
واجْرُرْ بِيَاءٍ ما مِنْ الأسْمَا
أَصِفْ
|
وارفعْ
بِواوٍ وبيا اجْرُر وانْصِبِ
|
سالِمَ جَمْع
عامرٍ ومُذْنبِ
|
فقصر
(التاء) و(الأسْمَاء) و(ياء) ضرورة، وكثيراً ما يفعل ذلك، ومن أنواع الضرائر
الأخرى التي وقع فيها قوله في باب: (المضاف إلى ياء المتكلم)([143]):
وَألِفاً سَلِّمْ وفي المقصورِ عَنْ
|
هُذَيْلٍ انْقِلابُها ياء حَسَنْ
|
فقوله:
(ألِفاً) مفعول: (سَلِّمْ)، و(في المقصورِ) متعلِّق بـ(انْقِلابها)، وهذا شذوذ؛
لأن (انقلاب) مصدر موصول، فلا يتقدَّم عليه ما في صلته، لكن يُقال بجوازه في
الضرورة مراعاةً لمَن قال بجواز ذلك في قوله تعالى: "وكانوا
فيه مِن الزَّاهِدينَ"([144])،
ونحو قول الشاعر([145]):
تَقولُ وصَكَّتْ صَدْرَها بِيمينِها
|
أزَوْجي هذا بالرَّحَى المُتَقاعِسُ
|
وهذه
عادة ابن مالك في أمثال ذلك لا يتحاشى عنه، ولا عن غيره من الضرورات الشِّعرية،
واستعمال اللغات النادرة، لداعية الوزن والقافية([146]).
وبعد، فهذه أبرز السِّمات والخصائص المنهجية التي تلوح
لكل من يديم النظر ويُمعِنه في ألفية ابن مالك: (الخُلاصَة)، ونستطيع القول بعد
الوقوف على هذه المعالم: لقد وضع ابن مالك ألفيته وفقاً لمنهج تعليمي دقيق
تَطَّرِد جزئياته في معظم الأبواب والفصول، ولا تكاد تحيد عن هذا المنهج إلا فيما
ندر، ولعل هذا من أهم العوامل التي ساعدت على رواجها، بحيث لم يكن غريباً أن
يُشغَل بها العلماء منذ زمن تأليفها إلى يوم الناس هذا.
ثبت
المصادر والمراجع
1.
الأحمر،
أبو محرز خلف بن حيان (ت:180هـ): مقدمة في النحو،
تحقيق: عز الدين التنوخي، دمشق، 1961م.
2. أبو الأسود الدؤلي: ديوانه،
صنعة أبي سعيد السكري، تحقيق: محمد حسين آل ياسين، دار الكتاب الجديد، بيروت،
1974م.
3. أمين، أحمد: ضحى
الإسلام، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط9، 1978م.
4. بروكلمان، كارل:
تاريخ الأدب العربي، نقله إلى العربية: رمضان عبدالتواب، راجع الترجمة:
السيد يعقوب بكر، دار المعارف، ط3، 1983م.
5. البغدادي، عبدالقادر بن عمر (ت:1093هـ):
خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب, تحقيق: عبدالسلام هارون, مكتبة الخانجي,
القاهرة، ط4، 2000م.
6. ثعلب: أحمد بن
يحيى (ت:291هـ): مجالس ثعلب، تحقيق: عبدالسلام هارون، دار المعارف،
القاهرة، ط5، 2006م.
7. الجعفري: ماهر إسماعيل، والذهب: محمد عبدالعزيز: دور
الشعر التعليمي في تطور الفكر التربوي العربي، مجلة المجمع العلمي العراقي،
المجلد الرابع والأربعون، الجزء الرابع، سنة 1997م.
8.
ابن
جني، أبو الفتح عثمان الموصلي (ت:392هـ):
الخصائص، تحقيق: محمد علي النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،
ط4، 1999م.
9. جواد، مصطفى: في
التراث العربي، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1969م.
10. ابن حمدون،
أحمد بن محمد (ت:930هـ): حاشية على شرح المكودي، دار إحياء الكتب العربية،
القاهرة.
11. حمزة،
عبداللطيف: الحركة الفكرية في مصر في العصرين الأيوبي والمملوكي الأول، دار
الفكر العربي، القاهرة، ط8، 1968م.
12. أبو حيان، محمد بن يوسف
(ت:745هـ):
منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك، تحقيق: سدني كلازر، الجمعية
الأمريكية الشرقية، نيوهافن، 1947م.
13. الخضري، محمد الشافعي (ت:1286هـ): حاشية
الخضري على شرح ابن عقيل، تحقيق: تركي فرحان المصطفى، دار الكتب العلمية،
بيروت، ط2، 2005م.
14. ابن دريد،
محمد بن الحسن (ت:321هـ): ديوانه،
مطبعة لجنة التأليف والترجمة، القاهرة، 1946م.
15. السعودي: أحمد
عطية، وعيال سلمان: عزمي محمد: "النوادر في اللغة العربية"،
المجلة الأردنية في اللغة العربية وآدابها، المجلد (6)، العدد (1)، 1431هـ، 2010م.
16. سعيد، محمد علي حمزة: ابن الناظم
النحوي، مطبعة أسعد، بغداد، 1977م.
17. سيبويه، عمرو بن عثمان (ت:180هـ):
الكتاب, تحقيق: عبدالسلام هارون, مكتبة الخانجي، القاهرة، ط4، 2004م.
18.
السيوطي،
جلال الدين عبدالرحمن (ت: 911هـ): بغية الوعاة في طبقات اللغويين
والنحاة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت،
1964م.
19. الشاطبي، إبراهيم بن موسى (ت: 790هـ):
المقاصد الشّافية في شَرح الخُلاصة الكافية، الجزء الأول بتحقيق: عبدالرحمن
بن سليمان العُثيمين، والجزء الثاني بتحقيق: محمد إبراهيم البنَّا، والجزء الثالث
بتحقيق: عيَّاد بن عيد الثُّبيتي، والجزء الرابع بتحقيق: محمد إبراهيم البنَّا
وعبدالمجيد قطامش، والجزآن الخامس والسادس بتحقيق: عبدالمجيد قطامش، والجزء السابع
بتحقيق: محمد إبراهيم البنَّا وسليمان بن إبراهيم العايد والسيِّد تقي، والجزآن
الثامن والتاسع بتحقيق: محمد إبراهيم البنَّا، جامعة أمّ القرى، مكة المكرمة،
2007م.
20. الصبان، محمد بن علي (ت:1206هـ):
حاشية الصبان على شرح الأشموني، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب
العلمية، بيروت، 1997م.
21.
ضيف،
شوقي: تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول)، دار المعارف، القاهرة،
ط16، 2004م.
22. ضيف، شوقي: تاريخ الأدب العربي
(العصر العباسي الثاني)،
دار المعارف، القاهرة، ط13، 2004م.
23. ضيف، شوقي: تاريخ الأدب العربي (عصر
الدول والإمارات ـ الأندلس)،
دار المعارف، القاهرة، ط3، 1999م.
24. ضيف، شوقي: التطور
والتجديد في الشعر الأموي، دار المعارف، ط9، 1991م.
25. ضيف، شوقي: المدارس
النحوية، دار المعارف، القاهرة، ط8، 1999م.
26. الطناحي:
محمود محمد: ابن معط وآراؤه النحوية، رسالة ماجستير مرقونة في جامعة
القاهرة.
27. العلي، صالح
أحمد: "الرواية والأسانيد"، مجلة المجمع العلمي العراقي، مجلد
31، العدد1، سنة 1980م.
28. غوشة، عصمت عبدالله: الشعر التعليمي
في القرون الأربعة الأولى، رسالة دكتوراه مرقونة في جامعة القاهرة، 1970م.
29. القفطي، علي
بن يوسف (ت:215هـ): إنباه الرواة على أنباء النحاة، تحقيق: محمد أبو الفضل
إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، بيروت، 1986م.
30. ابن مالك،
محمد بن عبدالله (ت:672هـ): تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، تحقيق: محمد
كامل بركات، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967م.
31. ابن مالك، محمد بن عبدالله (ت: 672هـ)،
1990م، شرح التسهيل، تحقيق: عبدالرحمن السيد ومحمد بدوي المختون، هجر
للطباعة والنشر، القاهرة، 1990م.
32. ابن مالك،
محمد بن عبدالله (ت:672هـ): شرح الكافية الشافية، تحقيق: عبدالمنعم أحمد
هريدي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1982م.
33. ابن مالك،
محمد بن عبدالله (ت:762هـ): متن الألفية، مكتبة دار البيان، دمشق، ط2،
1970م.
34. المبرِّد، محمد بن يزيد
(ت:285هـ)،
المقتضب، تحقيق: محمد عبدالخالق عضيمة، عالم الكتب، القاهرة،
1963م.
35.
ابن
مجاهد، أحمد بن موسى (ت: 324هـ): السَّبعة في القراءات، تحقيق:
شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1980.
36. المُرادي،
الحسن بن قاسم (ت:749هـ): الجنى الداني في حروف المعاني، تحقيق: فخر الدين
قباوة ومحمد نديم فاضل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992.
37. المُرادي، الحسن بن قاسم (ت:749هـ):
شرح الألفية لابن مالك، تحقيق: فخر الدين قباوة، دار مكتبة المعارف، بيروت،
2007م.
38. ابن معط، زين
الدين يحيى (ت:628هـ): الدرة الألفية في علم العربية، تحقيق: ك.ف.سترستين،
ليبزيج، 1900م.
39. المَقَّرِي،
أحمد بن محمد (ت:754هـ)، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان
عباس، دار صادر، بيروت، 1968م.
40. مكرم، عبد العال سالم: المدرسة
النحوية في مصر والشام في القرنين السابع والثامن من الهجرة، دار الشروق، بيروت،
1980م.
41. ابن الناظم، بدر الدين بن مالك (ت:686هـ): شرح ألفية
ابن مالك، تحقيق: عبدالحميد السيد، دار الجيل، بيروت.
42. هدارة، محمد
مصطفى: اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني
للهجرة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1981م.
43. الينبعاوي،
غنيم غانم عبدالكريم: الدراسات اللغوية عند ابن مالك بين فقه اللغة وعلم اللغة،
جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1418هـ.
[1]. انظر: جواد، مصطفى: في التراث العربي، دار الشؤون
الثقافية، بغداد، 1969م، ج2، ص261؛ الجعفري: ماهر إسماعيل، والذهب: محمد
عبدالعزيز: دور الشعر التعليمي في تطور الفكر التربوي العربي، مجلة المجمع
العلمي العراقي، المجلد الرابع والأربعون، الجزء الرابع، سنة 1997م، ص181.
[2]. اختلف مؤرخو الأدب العربي في أصالة الشعر التعليمي لدى العرب،
فقد ذهب أحمد أمين في (ضحى الإسلام، ج1، ص256 ـ 258) إلى أن هذا الاتجاه
عند اليونان والهنود، ربما كان له تأثير في نشأة هذا الفن التعليمي عند العرب، وقد
وافقه في ذلك ماهر إسماعيل الجعفري ومحمد عبدالعزيز الذهب في بحثهما الموسوم بـ(دور
الشعر التعليمي في تطور الفكر التربوي العربي، ص185)، حيث يذهبان إلى أن الشعر
التعليمي العربي ظاهرة ثقافية تربوية، نشأ أواخر القرن الأول الهجري كمحاولات
تجريبية أولى في حفظ المعلومات وتناقلها ضمن حدود بلغها تطور الفكر العربي عموماً
في مختلف المجالات ولا سيما المجال التربوي، ومناخ فكري أوجدته بواكير الاتصال
بثقافات الأمم المحيطة بالعرب، بينما يقطع شوقي ضيف في (كتابه التطور والتجديد
في الشعر الأموي، ص279، 280) بأن النظم التعليمي نشأ نشأة عربية خالصة في
أواخر الدولة الأموية.
[3]. انظر: الجعفري والذهب: دور الشعر التعليمي في تطور الفكر
التربوي العربي، ص194.
[4]. العلي، صالح أحمد: "الرواية والأسانيد"، مجلة
المجمع العلمي العراقي، مجلد 31، العدد1، سنة 1980م، ص11.
[5]. انظر: الجعفري والذهب: دور الشعر التعليمي في تطور الفكر
التربوي العربي، ص196.
[6].
يقول محمد مصطفى هدارة في كتابه (اتجاهات الشعر العربي في القرن الثاني للهجرة،
ص354، 355): "إن أحد الاتجاهات الجديدة التي لاحظنا نشأتها في القرن الثاني
هو الفن التعليمي الذي يصطنعه الشعراء عادة لنظم أنواع شتى من المعارف والعلوم
تسهيلاً لحفظها".
[7].
انظر: ضيف، شوقي: تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول)، دار المعارف،
القاهرة، ط16، 2004م، ص5، ص190 ـ 191؛ الجعفري والذهب: دور الشعر التعليمي في
تطور الفكر التربوي العربي، ص190، 191.
[8].
غوشة، عصمت عبدالله: الشعر التعليمي في القرون الأربعة الأولى، رسالة
دكتوراه مرقونة في جامعة القاهرة، 1970م، ص6 ـ
13؛ الجعفري والذهب: دور الشعر التعليمي في تطور الفكر التربوي العربي،
ص178.
[9].
الجعفري والذهب: دور الشعر التعليمي في تطور الفكر التربوي العربي، ص190.
[10]. السابق نفسه، ص199.
[11].
الأحمر،
أبو محرز خلف بن حيان (ت: 180هـ): مقدمة في النحو،
تحقيق: عز الدين التنوخي، دمشق،1961م،
ص85، 86. يرى محقق كتاب (مقدمة في النحو) أن النحاة لا يذكرون
للخليل قصيدة في النحو، وإن صحت هذه النسبة، فعلى هذا تكون هذه القصيدة من جملة ما
ضاع من كتب الخليل.
[12].
ذكر
السيوطي في (بغية الوعاة، ج1، ص76، 77) أن ابن دريد كان أحفظ الناس،
وأوسعهم علماً، وأقدرهم على الشِّعر، وما ازدحم العلم والشعر في صدر أحد ازدحامهما
في صدر خلف الأحمر وابن دريد، وكان يُقال: ابن دريد أشعر العلماء وأعلم
الشعراء.
[13].
انظر:
البغدادي،
عبدالقادر بن عمر، (ت:1093هـ): خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب, تحقيق:
عبدالسلام هارون, مكتبة الخانجي, القاهرة، ط4، 2000م، ج3، ص105.
[14].
انظر:
ابن دريد، محمد بن الحسن (ت:321هـ): ديوانه،
مطبعة لجنة التأليف والترجمة، القاهرة، 1946م، ص88.
[15].
انظر: ديوان ابن دريد، ص123.
[16].
انظر: السيوطي:
بغية الوعاة، ج1، ص76ـ 81؛ ضيف، شوقي: تاريخ الأدب العربي
(العصر العباسي الثاني)،
دار المعارف، القاهرة، ط13، 2004م، ص251 - 254؛ غوشة:
الشعر التعليمي في القرون الأربعة الأولى،
ص166، 201.
[17].
انظر:
السيوطي،
جلال الدين عبدالرحمن (ت: 911هـ): بغية الوعاة في طبقات اللغويين
والنحاة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصـرية،
بيـروت، 1964م، ج1، ص392.
[18].
انظر: القفطي:
إنباه الرواة، ج3، ص23ـ 26؛ السيوطي: بغية الوعاة، ج2، ص257-
259، لقد نُشرت (ملحة الإعراب) في باريس
عام 1885م، بشرح وتعليق: ل.بنتو (ت:1889م)، ومن ثم توالت طبعاتها أيضا
في باريس عام 1904م بترجمة فرنسية، وطُبعت في القاهرة في مطبعة الطوخي سنة 1296هـ،
وفي مطبعة مصطفى الحلبي سنة 1353هـ ـ 1934م.
[19].
انظر: السيوطي: بغية الوعاة، ج1، ص225، 226، يقول
السيوطي عنه: كان شاعراً مُحسِناً، كاتباً بليغاً...، له أرجوزة في النحو وشرحها،
وأرجوزة في الغريب، وأخرى في الخط.
[20]. انظر: السيوطي: بغية الوعاة، ج1،
ص531.
[21]. السابق نفسه، ج1، ص575.
[22]. انظر: الجعفري والذهب: دور الشعر التعليمي في تطور الفكر التربوي
العربي، ص195، 196.
[23].
ابن معط ناظم الألفية التي أشار إليها ابن مالك، هو زين الدين أبو زكريا يحيى بن
مُعط بن عبدالنور المَغْربيّ الأصل والمَنشأ، الزَّواويّ القبيلة، الجزائريّ
البلد، اشتغل بالعربية في المغرب على شيخه أبي موسى الجُزُليّ، فَتَمهَّر فيها،
ثُمَّ رحل إلى بلاد المشرق، فلقي المشايخ، وباحث العُلماء وناظر الفضلاء، ثُمّ
أقام بدمشق، وفي ذلك الوقت نظم ألفيته في النحو، وبعد ذلك انتقل إلى مصر، فأقام
بها إلى أن تُوفِّي ـ رحمه الله ـ يوم الاثنين في آخر يوم من ذي القعدة، ودفن يوم
الثلاثاء أوَّل يوم من ذي الحجة بالقَرَافة،
سنة ثَمانٍ وعشرين وستِّمائة، وكان مُبرِّزاً في علم الأدب قادراً على النظم
للعلوم، نظم الألفية، ونظم العروض، وشرع في نظم كتاب (الصحاح) للجوهري فتوفي قبل
إتمامه، ونظم كتاب الجمهرة لابن دريد في اللغة، وله كتاب نظم فيه
شرح أبيات سيبويه، وله قصيدة في القراءات السبع، ومن
وقف على تصانيفه عَلِمَ غزارة علمه، وقوَّة فهمه، وجودة طبعه، وفصاحة نظمه. انظر:
الشاطبي،
إبراهيم بن موسى (ت:790هـ): المقاصد الشّافية في شَرح الخُلاصة
الكافية، الجزء الأول بتحقيق: عبدالرحمن ابن
سليمان العُثيمين، جامعة أمّ القرى، مكة المكرمة، 2007م، ج1، ص25،
26؛
السيوطي: بغية الوعاة، ج2، 344.
[24].
يقول
أبو إسحاق الشاطبي في (المقاصد الشافية، ج1، ص24): "وألفية ابن معط
مشهورة بأيدي الناس، وهي ذات محاسن من تقريب المرام للأفهام وعذوبة المَسَاق،
وسهولة الحفظ، والبيان بالمُثُل مع قلة الحشو، مع أنها مؤذنة بفصاحة صاحبها، شاهدة
له بجَوْدة القريحة، وسعة العلم"، وقد حظيت باهتمام كبير خلال القرنين السابع
والثامن الهجريين حيث تناولها نحاة كثيرون يدرسونها، ويقومون بشرحها وتفصيلها، ومن
أولئك: ابن الخباز (ت:627هـ)، والشريشي (ت:685هـ)، وعبدالعزيز الموصلي (ت:696هـ)،
ومحمود بن يعقوب الدمشقي (ت:718هـ). وقد طبعت ألفية ابن معط في ليبزيج عام
1895م، بتحقيق: المستشرق السويدي ك.ف.سترستين، وصدرت الطبعة الثانية في ليبزيج
عام
1900م ـ 1317هـ بتحقيق سترستين أيضاً إلا أنه اعتمد فيها على مخطوطات برلين
والأسكوريال وليدن، مع ترجمة هولندية وتعليقات.
[25]. لقد طبعت ألفية
ابن مالك لأول مرة في باريس عام 1833م، بتحقيق وشرح: سلفستر دي ساسي مع ترجمة إلى
الفرنسية، وبعد ذلك توالت الطبعات في بولاق والمطبعة الأدبية والميمنية والحسينية
وغيرها من دور النشر، حتى فاقت طبعاتها عشرين
طبعة.
[26]. انظر: الطناحي: محمود محمد: ابن معط وآراؤه النحوية،
رسالة ماجستير مرقونة في جامعة القاهرة، ص36.
[27]. انظر: ابن مالك، محمد بن عبدالله (ت:762هـ): متن الألفية،
مكتبة دار البيان، دمشق، ط2، 1970م، ص9.
[28]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص23، 24.
[29]. انظر: ابن مالك، محمد بن عبدالله (ت:672هـ): تسهيل الفوائد
وتكميل المقاصد، تحقيق: محمد كامل بركات، دار الكاتب العربي، القاهرة، 1967م،
ص هـ ـ ز (تقديم يوسف خليف للكتاب)؛ وانظر كذلك الثبت الوافي لمصنفات ابن مالك
الذي قام بإعداده حاتم صالح الضامن في مقدمة تحقيقه لكتاب ابن مالك: (الاعتماد
في نظائر الظاء والضاد)، ص13 ـ 16.
[30]. انظر: ابن مالك: تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، ص17، 44.
(مقدمة المحقق)؛
وانظر: ضيف، شوقي: تاريخ الأدب العربي (عصر
الدول والإمارات ـ الأندلس)،
دار المعارف، القاهرة، ط3، 1999م، ص243- 244.
[31]. انظر: حمزة، عبداللطيف: الحركة الفكرية في مصر في العصرين
الأيوبي والمملوكي الأول، دار الفكر العربي، القاهرة، ط8، 1968م، ص223، 224؛
الينبعاوي، غنيم غانم عبدالكريم: الدراسات اللغوية عند ابن مالك بين فقه اللغة
وعلم اللغة، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1418هـ، ص359، 360.
[32]. يُعد ظهور الكتاتيب من العوامل الثقافية ذات الصلة بظاهرة الشعر
التعليمي العربي واستخداماته التربوية، وكان من شأن هذا العامل أن شكل إطاراً
فكرياً تحددت بموجبه الملامح الأولى لمهنة التعليم، وآداب المعلم والمتعلم، ومن ثم
البحث في مواصفات المعلم وما ينبغي أن يتحلى به من قدرات، من بينها الاطلاع على
تراث الأمة الذي يتصدره الشعر، والقدرة على فهمه، وتخطي الفهم إلى النقد، مما أفضى
في نهاية الأمر إلى البحث في إمكانية الاستفادة منه في التعليم، نظراً إلى عمق
تأثيره في النفوس. انظر: الجعفري والذهب: دور الشعر التعليمي
في تطور الفكر التربوي العربي، ص187، 188.
[33].
انظر: أبو حيان، محمد بن يوسف (ت:745هـ):
منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك، تحقيق: سدني كلازر، الجمعية
الأمريكية الشرقية، نيوهافن، 1947م، ص45.
[34]. انظر: ضيف: تاريخ الأدب العربي (عصر
الدول والإمارات ـ الأندلس)، ص243 ـ 250.
[35].
لقد طبعت ألفية السيوطي لدى مطبعة الترقي بالقاهرة سنة 1332هـ،
وظهرت طبعة أخرى عنيت بها مطبعة عيسى الحلبي سنة 1979م، وقد أدرجت
ألفية السيوطي
ضمن مجموعة: (الفرائد الجديدة)،
التي تحتوي عليها وعلى (المطالع السعيدة)، وهي شرح للفريدة قام بوضعه السيوطي صاحب
الألفية.
[36].
انظر:
الصبان،
محمد بن علي (ت:1206هـ): حاشية الصبان على شرح الأشموني،
تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م، ج1،
ص26؛
الخضري، محمد الشافعي (ت:1286هـ): حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، تحقيق:
تركي فرحان المصطفى، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 2005م، ج1، ص23.
[37]. الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص23، 24.
[38]. انظر: ابن مالك، محمد بن عبدالله (ت:672هـ): شرح الكافية
الشافية، تحقيق: عبدالمنعم أحمد هريدي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1982م،
ج1، ص38 ـ 42.
[39].
انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص4، 5/ ج9، ص484.
لقد اختلف العلماء هل لابن مالك كتاب يُسمَّى بـ(الفوائد
المحوية في المقاصد النحوية) أو لا؟ وذلك مُفصَّل في (بغية
الوعاة)، ج1، ص130.
[40].
لقد ألف ابن مالك أبيات ألفيته (الخلاصة) في مدينة حماة، بعد انصرافه من حلب قاصداً
دمشق، ففي حماة لقي الشيخ شرف الدين هبة الله المعروف بابن البارزي (ت:738هـ)،
ونزل في داره ضيفاً، ونظم له هذه الخلاصة المشهورة شكراً على جميله وتقديراً
لكرمه. (نفح الطيب، ج2، ص222)، وزعم بعض المؤرخين أنه نظمها لابنه تقي الدين محمد
الأسد، والصواب أن ما ألفه لابنه هذا هو (المقدمة
الأسدية) لا الألفية، (بروكلمان:
تاريخ الأدب العربي، ج5، ص277).
[41].
سُمِّيت بـ(الألفية) نسبة إلى ألف مزدوج، لا إلى ألف بيت؛ لأنها ألفا بيت من مشطور
الرجز، ويصعب أن يكون قصده النسبة إلى الألفين وإن كان في اللفظ ممكناً. انظر:
الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص17. وجاء في (حاشية
الصبان على شرح الأشموني، ج1، ص21) أن عدة أبياتها ألف أو ألفان بناء على أنها
من كامل الرجز أو مشطوره، ووزن كامل الرجز: (مستفعلن) ست مرات، والشطر حذف النصف،
بأن يكون البيت على (مستفعلن) ثلاث مرات، فعلى أنها من كامله يكون مثلاً: (قال
محمد هو ابن مالك **** أحمد ربي الله خير مالكِ) بيتاً مصرّعاً، عروضه موافقة
لضربه، ويكون كل بيت شعراً مُستقلاً، وعلى أنها من مشطوره يكون مثلاً: (قال محمد
هو ابن مالك) بيتاً، و(أحمد ربي الله خير مالكِ) بيتاً، ويكون كل بيتين شعراً
مزدوجاً مستقلاً.
[42].
انظر:
المُرادي، الحسن بن قاسم (ت: 749هـ):
شرح الألفية لابن مالك، تحقيق: فخر الدين قباوة، دار مكتبة المعارف،
بيروت2007م، ج1، ص5؛ الشاطبي: المقاصد الشافية، ج9،
ص484 ـ 489؛ الصبان: حاشية على شرح الأشموني، ج4، ص501.
[43].
انظر: المرادي: شرح الألفية لابن مالك، ج1، ص6. (مقدمة المحقق)؛ كشف
الظنون، ص151 - 153؛ إيضاح المكنون، ج1، ص119، 120؛ بروكلمان: تاريخ
الأدب العربي، ج5، 277 -291؛ مكرم، عبدالعال سالم: المدرسة
النحوية في مصر والشام في القرنين السابع والثامن من الهجرة، دار الشروق،
بيروت، 1980م، ص172 ـ 179.
[44].
انظر: سعيد، محمد علي حمزة: ابن الناظم النحوي، مطبعة أسعد، بغداد، 1977م،
ص67، 68.
[45]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص5، ص22.
[46]. يظهر هذا الوعد الذي أخذه ابن مالك على نفسه في قوله: (تُقَرِّب
الأقصى بلفظٍ مُوجَزٍ وتَبْسُطُ البذلَ بِوَعدٍ مُنْجزٍ)، انظر: ابن
مالك: متن الألفية، ص9.
[47]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص21، 22.
[48]. السابق نفسه، ج1، ص21؛ والصبان: الحاشية، ج4، ص501.
[49]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج3، ص517، 518/ ج8،
ص366، ص367، ص443.
[50]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج9، ص485.
[51]. المقري: نفح الطيب، ج2، ص232.
[52]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص16، 17.
[53]. انظر: الصبان: الحاشية، ج1، ص21.
[54].
معظم
المصادر والمراجع تثبت هذا العدد لأبيات الألفية، انظر في ذلك: شرح المرادي، وشرح
ابن عقيل، وشرح الأشموني، وانظر كذلك متن الألفية الصادر عن دار البيان، والمتن
الذي عني بتحقيقه عبداللطيف بن محمد الخطيب الصادر عن دار العروبة، ويخالفهم في
هذا العدد مُحقق
كتاب شرح الألفية لابن
الناظم؛ إذ يرى أن عدد أبياتها قد بلغ 988 بيتاً،
انظر: ابن الناظم، بدر الدين بن مالك (ت:686هـ): شرح ألفية ابن مالك،
تحقيق: عبدالحميد السيد، دار الجيل، بيروت، ص17.
[55]. ذكر المكودي في الشرح الكبير أن أهل العراق يزيدون بيتاً ثامناً،
هو: (فَمَا لِعبدٍ وَجِلٍ مِن ذَنبِه
غَيرُ دُعاءِ ورجاءِ ربِّهِ)، انظر: ابن حمدون، أحمد بن محمد (ت:930هـ): حاشية
على شرح المكودي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ج1، ص: 16.
[56]. انظر: مكرم (عبدالعال): المدرسة النحوية في مصر والشام في
القرنين السابع والثامن من الهجرة، ص179.
[57]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص32.
[58]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج3، ص417.
[59]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص34.
[60]. السابق نفسه، ص44.
[61]. السابق نفسه، ص47.
[62]. السابق نفسه، ص49.
[63]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص9.
[64]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص19، 20.
[65]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص9.
[66]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص21.
[67]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص10.
[68].
انظر:
ابن
جني، أبو الفتح عثمان الموصلي (ت: 392هـ):
الخصائص، تحقيق: محمد علي النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،
ط4، 1999م، ج1، 290/ ج2، 280.
[69]. انظر: ابن جني: الخصائص، ج1، ص290؛ الشاطبي: المقاصد
الشافية، ج1، ص114 ـ 129.
[70]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص34.
[71]. السابق نفسه، ص19.
[72]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص11.
[73]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص163، 164/ ج2،
ص167.
[74]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص76.
[75]. انظر: أبو الأسود الدؤلي: ديوانه،
صنعة أبي سعيد السكري، تحقيق: محمد حسين آل ياسين، دار الكتاب الجديد، بيروت،
1974م،
ص123؛ سيبويه: الكتاب، ج1، ص169؛ المبرد: المقتضب، ج1، ص157/ ج2،
313.
[76]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج9، ص137، 138.
[77].
انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص45.
[78]. انظر: ابن معط، زين الدين يحيى (ت: 628هـ): الدرة الألفية في
علم العربية، تحقيق: ك.ف.سترستين، ليبزيج، 1900م، ص30.
[79]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج5، ص5 - 7.
[80]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص27.
[81]. انظر: أبو حيان: منهج السالك، ص123.
[82]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج3، ص105، 106.
[83].
انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص30.
[84].
السابق نفسه، ص45.
[85]. ابن الناظم: شرح الألفية، ص493.
[86]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج4، ص623 - 627/ ج1،
ص21.
[87]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص80.
[88]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج9، ص482، 483.
[89]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص9.
[90]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص18، 19.
[91]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج4، ص88.
[92]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص74.
[93]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج8، ص326، 327.
[94]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص79.
[95]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج9، ص406.
[96]. انظر: ابن معط: الدرة الألفية في علم العربية، ص2.
[97]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص9.
[98]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج4، ص191/ ج7، ص23، 511/
ج8، 303، 304.
[99]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص27.
[100]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج3، ص124 -129.
[101].
يُقرر
أبو إسحاق الشاطبي هذه الحقيقة بقوله: "إن علم النحو إنما هو الكلام على قياس
كلام العرب، فإذا أطلق القول فيه،
فهو محمول على أصله الذي بني عليه،
وأما السماع فإنما يتكلم فيه النحوي بالانجرار،
وعلى جهة الاحتراز أن لا يقاس". انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية،
ج4،
ص149.
[102]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج7، ص434، 435. لقد
تناول الشاطبي هذه القضية في جزئية تتعلَّق بـ(باب النسب)، لكن يمكن إسقاطها على
بقية أبواب النحو.
[103]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص11.
[104]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص159 ـ 163.
[105]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص79.
[106]. انظر: ابن مالك: التسهيل، ص312؛ الشاطبي: المقاصد
الشافية، ج9، ص365 ـ 373.
[107]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص20؛ الشاطبي: المقاصد
الشافية، ج6، ص343.
[108]. نستثني من هذه التصانيف منظومته (الكافية الشافية)، التي نثرها
في كتابه: (الفوائد المحوية في المقاصد النحوية)، فقد كانت اختياراته في هذين
المُصَنَّفين متوافقة في الغالب لما اختاره في الألفية. انظر: الشاطبي: المقاصد
الشافية، ج9، ص484.
[109]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج2، ص107/ ج8، ص43، ص67.
[110]. انظر: ضيف، شوقي: المدارس النحوية، دار المعارف، القاهرة،
ط8، 1999م، ص159 - 165.
[111]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص13.
[112]. انظر: ابن مالك: متن الألفية ،
ص26.
[113]. السابق نفسه، ص17.
[114]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص615/ ج2، ص546/ ج3،
ص61، ص706/ ج6، ص49/ ج7، ص230.
[115]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص43.
[116]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج4، ص529، 535، 536.
[117]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص17.
[118]. السابق نفسه، ص16.
[119].
المرادي، الحسن بن قاسم (ت:749هـ): الجنى الداني في حروف المعاني، تحقيق:
فخر الدين قباوة ومحمد نديم فاضل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992م، ص192؛
انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص549، 550.
[120]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص15.
[121]. ابن مالك: شرح التسهيل، ج1، ص213.
[122]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص425، 435.
[123]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص13.
[124]. سورة الكهف، آية: 76.
[125].
انظر:
ابن
مجاهد، أحمد بن موسى (ت: 324هـ): السَّبعة في القراءات، تحقيق:
شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1980م، ص396.
[126]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص336، 337.
[127]. انظر: سيبويه: الكتاب، ج1، ص387.
[128]. ابن مالك، محمد
بن عبدالله (ت: 672هـ)، 1990م، شرح التسهيل، تحقيق: عبدالرحمن السيد ومحمد
بدوي المختون، هجر للطباعة والنشر، القاهرة، 1990م، ج1،
ص149.
[129]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص11.
[130]. انظر: السعودي: أحمد عطية، وعيال سلمان: عزمي محمد: "النوادر
في اللغة العربية"، المجلة الأردنية في اللغة العربية وآدابها، المجلد
(6)، العدد (1)، 1431هـ، 2010م، ص123.
[131]. انظر: ثعلب: أحمد بن يحيى (ت:291هـ): مجالس ثعلب، تحقيق:
عبدالسلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط5، 2006م، ص400.
[132]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص11.
[133]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص11.
[134]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج1، ص199 ـ 202.
[135]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص34.
[136]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج3، ص518 ـ 521.
[137]. السابق نفسه، ج7، ص538.
[138]. انظر: ابن مالك: شرح الكافية الشافية، ج1، ص300.
[139]. انظر: الشاطبي: المقاصد الشافية، ج8، ص97.
[140]. انظر: ابن مالك: متن الألفية، ص10.
[141]. السابق نفسه، ص11.
[142]. السابق نفسه.
[143]. السابق نفسه، ص38.
[144]. سورة يوسف، آية: 20.
[145]. انظر: ابن جني: الخصائص، ج1، ص245.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق