ثروت أباظة
(1927-2003م)
ملتقى اسمار - د . حسين علي محمد
سيرة موجزة :
ولد في 15 يوليو 1927م في بلدة غزالة بمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، وهو من أسرة أدبية أخرجت للأدب العربي عمالقة من الأدباء, على رأسهم والده الأديب إبراهيم الدسوقي باشا أباظة الذي تولي الوزارة عدة مرات، وعمه الشاعر الكبير عزيز أباظة وابن عمة الكاتب الكبير فكري أباظة.
تخرج ثروت أباظة في كلية الحقوق جامعة القاهرة 1950م, لكنه بدأ الكتابة قبل تخرجه في الجامعة, حينما كان طالباً في المرحلة الثانوية.
وقد استهل حياته العملية بالعمل بالمحاماة ثم تولى العديد من المناصب في الهيئات الأدبية والصحفية والسياسية.
وقد رأس تحرير مجلة (الإذاعة والتليفزيون) عام 1974م, ثم رأس القسم الأدبي بجريدة (الأهرام) (1975-1988م), وظل يكتب في الصحيفة نفسها حتى وفاته.
حصل علي العديد من الأوسمة والجوائز منها وسام العلوم والفن ونمن الطبقة الاولي ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولي وجائزة الدولة التشجيعية عام 1959 عن رواية (هارب من الايام) وجائزة الدولة التقديرية في الآداب 1982م, كما منحته جامعة الزقازيق درجة الدكتوراه الفخرية 1998م, وتبلغ مؤلفاته أكثر من 40 مؤلفاً، منها 30 رواية، ومسرحيتان، و10 كتب في الدراسات الأدبية والتراجم. وتم تحويل نحو 25 عملاً أدبيا إلي مسلسلات تليفزيونية ,كما كتب سيرته الذاتية تحت عنوان (لمحات من حياتي).
كان وكيل مجلس الشورى، كما كان عضوا بالمجلس الأعلى للثقافة والمجالس القومية المتخصصة ومجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون والمجلس الأعلى للصحافة. وكان رئيس شرف رابطة الأدب الحديث وعضو نادي القلم الدولي, بالإضافة إلى رئاسته لاتحاد كتاب مصر حتى قدم استقالته عام 1997م.
وقد ألف الراحل ثروت أباظة عدة قصص وروايات، تحول عدد منها إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، كان أهمها: "هارب من الأيام"، "ثم تشرق الشمس"، "الضباب"، و"شيء من الخوف"، "أحلام في الظهيرة"، "طارق من السماء"، "الغفران"، "لؤلؤة وأصداف".
ولم يكن ثروت أباظة يسير على هدي نجيب محفوظ الذي اختار أن تصدر أعماله كلها عن ناشر واحد، هو «مكتبة مصر»، فقد صدرت مؤلفات ثروت أباظة عن خمسة عشر ناشراً بدءا من دار المعارف التي أصدرت كتابه الأول «ابن عمار» في عام 1954م في سلسلة «اقرأ»، ومرورا بأخبار اليوم، ونهضة مصر، ودار غريب، ودار الشروق، ومكتبة مصر، والمكتب المصري الحديث، ودار الكتاب اللبناني، ودار النهضة العربية،ودار القلم، وروز اليوسف، ودار الكاتب العربي، والمركز الثقافي الجامعي، ودار التعاون، والهيئة المصرية العامة للكتاب التي أصدرت أعماله الكاملة.
وقد توفي فجر الأحد 17-3-2002م بعد صراع طويل مع المرض إثر إصابته بورم خبيث في المعدة، ونُقل جثمانه من مستشفى "الصفا" بالقاهرة إلى مسقط رأسه في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية حيث أوصى بدفنه.
ظلمه النقاد :
وقد ظُلِم ثروت أباظة ظلماً بينا فلم يمنحه النقاد الكبار ما يستحقه من جهد نقدي يتفق مع حجم عطائه في الرواية أو القصة أو المقال، ولولا محاولات عشوائية مثل كتاب ثروت أباظة 'الفلاح الأرستقراطي' لمحمود فوزي، ودراسات مثل : 'الدين والفن في أدب ثروت أباظة' لمهدي بندق، و'النماذج البشرية في أدب ثروت أباظة' للدكتور عبد العزيز شرف، وكتابين آخرين صدرا مؤخراً، ورسالتين أكاديميتين: 'الخطاب الروائي عند ثروت أباظة' للسيد أحمد السوداني 'من جامعة عين شمس'، و'الفن القصصي عند ثروت أباظة' لوجيهة المكاوي 'كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالإسكندرية'، أقول لولا هذا لما واكبه أي جهد نقدي.
وإن كان توجه جائزة الدولة التشجيعية في الرواية في أولى دوراتها عام 1958 له عن 'هارب من الأيام' هو في حد ذاته تقدير لإبداعه أكده بعد ذلك منحه جائزة الدولة التقديرية في الآداب في بداية الثمانينات.
معارك سياسية :
خاض ثروت أباظة معارك سياسية كثيرة مدافعاً عن مواقف يرى أنها صحيحة، ولم يحاول أن يُغيرها لإرضاء أحد حتى ولو أغضب منه الكثيرين، وقد كان الخلاف الأساس بين أباظة وبين كتائب اليسار والناصريين وذلك لمهاجمته عبد الناصر بعد رحيله في مقال شهير بعنوان «في أي شئ صدق؟»، والذي مثل بداية حرب سياسية ضد كاتبنا الكبير.
ولاشك في أن السياسة لعبت دوراً كبيراً في حياة ثروت أباظة، وربما كان السبب في ذلك المناخ السياسي الذي عاش فيه وتشبع بمفاهيمه حول قضايا الحرية بصفة عامة.
وما بين السياسة والأدب مضت رحلة كاتبنا الكبير .. فقد خاض أكثر من معركة سياسية ابتداء بمعركته مع الناصريين وانتهاء بالإخوان المسلمين وفي كل الحالات لم يغير الرجل مواقفه مهما كانت ضراوة المواجهة .
وقد أثارت روايته "شيء من الخوف" التي تصور زواج فتاة رغم أنفها من رجل خارج على القانون جدلاً؛ حيث اعتبرها كثيرون انتقاداً لحكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
ثروت أباظة وعبد الناصر :
وقد كتب محمد الخولي في صحيفة العربي الناصرية في عموده «آخر زمن» ـ العدد 884 ـ السنة 11، في 9/11/2003م، تحت عنوان «مشكلة الأستاذ أنيس»، يقول:
من حق السيدة عفاف أباظة أن تنشر كتاباً تشيد فيه بسيرة زوجها الأديب الراحل ثروت أباظة ومن حق السيد أنيس منصور أن ينشر مقالا يتغنى فيه هو الآخر بمآثر الكتاب المذكور أعلاه لكن ليس من حق أنيس منصور أن يقول إن ما كتبه ثروت أباظة في سب الزعيم عبد الناصر وبعنوان "وفى أي شيء صدق" هو أجرأ وأقوى مقال كتبه أديب عن عبد الناصر.. واصفا سخائم المقال بأنه قذائف صاروخية وأن كاتبها المرحوم أباظة كان صادقاً شجاعاً.. إلخ.
نقول إن من حق هؤلاء جميعاً.. أن يقولوا ويكتبوا ما يشاءون لكن شرط أن نسجل نحن الحقيقة الأبلغ والأسطع والأبقى وهى:"إن الأديب ثروت أباظة كتب مقاله الموصوف بالجرأة والقوة والشجاعة وبأفعل التفضيل بعد رحيل جمال عبد الناصر إلى عالم الخلود وقد كتبه في إطار الحملة المسعورة والمشبوهة على ما كان يمثله عبد الناصر ـ الرمز والإنجاز وهى الحملة التي باتت تعرف الآن في أدبيات السياسة الأمريكية تحت مصطلح "تفكيك ناصرية مصر" وقد بدأت بحكاية الرئيس المؤمن والزبيبة والمسبحة وشارك فيها عدد من الكتاب الذين أتاح لهم النظام "المؤمن" إياه منابر جهيرة وكان منهم صالح جودت في مقاله "لو استطعت لأطلقت عليه الرصاص" وجلال الحمامصي الذي تجاسر ـ وهيهات ـ في التشكيك في ذمة عبد الناصر، ثم كتابات ومقالات ثروت أباظة ومنها المقال الذي يعتبره الأستاذ أنيس منصور الأجرأ والأشجع بين ما قالته العرب في باب "الهجاء بطبيعة الحال".
مشكلة الأستاذ أنيس منصور أن الجرأة والشجاعة والقوة وكل المسائل كانت جميعا بأثر رجعى.. وبعد أن رحل عبد الناصر بوقت طويل وباتت شتيمته أمراً مطلوباً ومريحاً ومربحاً من حيث الزلفى إلى الرئيس الجديد الذي رأى أيامها أن يعدد ما تركه سلفه من إنجازات فقال "لقد ترك جمال لي شيئاً مهما للغاية هو.. الحقد".. وغفر الله للجميع.
من أقواله :
يقول عن مولده: «ولدت بالقاهرة عام 1927 في 28 يونيه وقد كنت في غناء عن ذكر هذا التاريخ إلا إنني أذكره لأن أبي لم يشأ أن يقيد ميلادي بالقاهرة وإنما أنتظر حتى ذهب إلى بلدتنا في الريف غزالة الخيس مركز الزقازيق بإقليم الشرقية وقيدني هناك ولذلك فتاريخ ميلادي الرسمي المقيد بشهادة الميلاد في البطاقة هو 15 يوليو 1927 وقد ذكرت هذه الواقعة على بساطتها لابين مدي ارتباطنا بالريف ويوم ولدت كان أبي عضواً بمجلس النواب ثم صار وكيلاً لمجلس النواب سنة 1930 إلى 1938 ثم عين وزيراً عدة مرات واستمر في إحدى هذه المرات خمس سنوات متتالية في الوزارة، وهذا المولد وتلك النشأة التي تجمع بين أب فلاح ينتمي الي الريف ويدين له بكل ما وصل إليه من مجد وأب وصل في نفس الوقت إلى أعلى المراتب في الدولة جعلتني أخالط كل الطبقات مخالطة معاشرة تامة.
وكان أبي أديباً.. وهكذا بدأت القراءة وأنا في السابعة وكان يرعي بماله وجاهه الشعراء فكان بيتنا لا يخلو من شاعر كبير.. ولهذا إتقنت اللغة العربية إتقاناً قل أن يتاح لمن تعلموا مثلي في غير المدارس المتخصصة في العلوم الدينية واللغوية وقد قضيت طفولتي الباكرة بحي المنيرة وهو حي شعبي، ثم إنتقلت قبيل حصولي على الابتدائية الي حي العباسية وهو حي يجمع بين كل الطبقات، فصراع الطبقات الذي يقولون عنه إنما هو عندي إكذوبة كبيرة لا حقيقة وراءها أبداً.
تزوجت عن حب من عفاف أباظة ابنة شاعر العربية والمسرح الكبير عزيز أباظة ولنا ابنة تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية واسمها أمينة، وابن واسمه دسوقي تخرج في كلية الحقوق وعين معاوناً للنيابة وهي أولى درجات السلم القضائي.
لم أجد صعوبة في نشر مقالاتي ولا وجدت صعوبة في نشر كتبي، فأول مقالة لي نشرت بمجلة الثقافة القديمة سنة 1943 وكان عمري 16 سنة، وأول كتاب وهو 'ابن عمار' نشرته لي دار المعارف في سلسلة اقرأ عام 1954 وكان عمري 27 سنة والشيء الوحيد الذي آسف عليه أن أبي لم ير شيئاً من كتبي لأنه توفي في 22 يناير عام 1952، ولكنه كان قد قرأ كل ما كتبته بالصحف والمجلات حتى وفاته، وكنت أنشر بجميع الجرائد المصرية تقريباً، ولكنني إنتظمت في النشر أولاً في مجلة الثقافة ثم جمعت إليها مجلة الرسالة، ثم أصبحت أكتب مقالاً إسبوعياً بجريدة المقطم، ثم تركتها لأكتب مقالاً إسبوعياً بجريدة المصري وقد ظللت أكتبه حتى إستولت الثورة على الجريدة وأغلقت أبوابها وصادرت أموال أصحابها، ثم أصبحت أكتب القصص بمجلة المصور ثم 'أخبار اليوم' ثم الجمهورية وعملت فترة بجريدة القاهرة من 1954 إلى نهايتها.
ولم أكتب في كل ما كتب كلمة واحدة تمجد العهد السابق في مصر فجزائي أنني لم أعين في أي وظيفة منذ تخرجي عام 1950 أما جريدة القاهرة فقد كانت ملكاً للأمير فيصل وعيني الرئيس السادات رئيساً لمجلس إدارة مجلة الإذاعة عام 1974، وكانت الجامعة العربية تريد تعييني بها ولكن السلطات المصرية قبل السادات رفضت وكانت كتاباتي كلها في هذه الفترة من خارج الصحف فإذا إلتحقت بوظيفة فلمدة شهور بإحدى المجلات الأهلية، ولم أكن أرفض أي وظيفة خوفاً من الفراغ، ولعله من الطريف أنني حين نلت جائزة الدولة التشجيعية في أول سنة إنشأت فيها عام 1958 عن رواية هارب من الأيام نلت معها وسام العلوم والفنون فصدرت البراءة به ووظفني في البراءة رئيس تحرير مجلة الإعلان حتى أحس حين أستيقظ في الصباح أن لي عملاً يمكن أن أذهب إليه.
ولعل أهم أعمالي التي وضح فيها الرمز هما هارب من الأيام وشيء من الخوف وقد ظهر كلاهما بالسينما والإذاعة والتليفزيون وظهرت هارب من الأيام على المسرح في علاج درامي قامت به المرحومة السيدة أمينة الصاوي.
وقد أثارت شيء من الخوف ضجة كبرى في مصر والعالم العربي وقد كان المحور الأساسي فيها هو الشرعية وكانت هناك جملة تنطق بها الجموع وهي 'زواج عتريس من فؤادة باطل' وكانت الجموع في دور السينما تهتف زواج عتريس من فؤادة باطل' ولذلك لم يستمر عرض الرواية أكثر من ثلاثة أسابيع في دارين للسينما بالقاهرة، ثم مرت مروراً سريعاً بالأقاليم، لكنها في عهد الحرية أصبحت تعرض كثيراً بالتليفزيون، وقد أصبحت هذه الجملة مثلاً سائراً يستعمل كثيراً في المسرحيات كلما أراد المؤلف أن يعبر عن الحرية.
شغل المناصب التالية :
رئيس القسم الأدبي لجريدة الأهرام ، رئس مجلس إدارة مجلة الإذاعة والتلفزيون ، نائب رئيس اتحاد الكتاب في مصر ، عضو مجلس الشورى وغيرها من المناصب .
المؤلفات :
الروايات :
ابن عمار ، 1954
هارب من الأيام ، 1956
قصر على النيل ، 1957
ثم تشرق الشمس ، 1959
لقاء هناك ، 1960
الضباب 1965
شيئ من الخوف ، 1966
أمواج ولا شاظى ، 1969
أوقات خادعة ، 1970
جذور في الهواء ، 1974
خائنة الأعين ، 1977
نقوش من ذهب ونحاس ، 1979
خيوط السماء 1982
طائر في العنق ، 1983
أحلام في الظهيرة ، 1984
لؤلؤ وأصداف ، 1985
النهر لا يحترق ، 1986
طارق من السماء ، 1986
وبالحق نزل ، 1988
بريق في السحب ، 1992
القصص القصيرة
الأيام الخضراء ، 1961
ذكريات بعيدة ، 1963
هذه اللعبة ، 1967
حين يميل الميزان ، 1970
السياحة في الرمال ، 1973
لأنه يحبها ، 1977
وبقي شيئ ، 1979
المسرحيات
الحياة لنا ، 1955
حياة الحياة ، 1968
من أقاصيص العرب ، 1968
مقالات :
11 مؤلفا من المقالات أهمها خواطر ثروت أباظة 1980 ، كما صدر في العام 1992 مؤلفات ثروت أباظة في 6 مجلدات.
دراسة عن المقالة عند ثروت أباظة :
حصل شكيل أحمد خان الندوي( هندي الجنسية) على درجة الماجستير بتقدير ممتاز عن موضوع فن المقالة عند ثروت أباظة ـ دراسة فنية من قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.
تكونت لجنة المناقشة من الدكاترة: شعبان محمد مرسي أستاذ الأدب العربي بالكلية مشرفا, ومحمد موسي خشبة أستاذ الأدب العربي بالكلية, وأحمد حلمي حلوة رئيس قسم اللغة العربية بأكاديمية الفنون بالهرم عضوين.
وقد بدأ الباحث دراسته باستعراض تاريخي لفن المقال من حيث تطوره وأساليبه. فقد كتب ثروت أباظة أكثر من1500 مقال صحفي ما بين سياسي واجتماعي وأدبي ونقدي وثقافي واقتصادي. وأهم النتائج التي توصل إليها: الكاتب ثروت أباظة استطاع أن يناقش قضايا مجتمعه المصري من خلال قلمه, وقد حاول أن يجد حلولا لهذه المشاكل. وأن هذه المقالات تأريخ لمصر. وقد اهتم ثروت أباظة بقضية العدل واهتم بكل طبقات المجتمع.
كما عني الكاتب باللغة العربية الفصحي الجميلة, واستخدم لغة سهلة وأبتعد عن الألفاظ الحوشية غير المتداولة. وكثر اقتباس الكاتب من القرآن والأحاديث النبوية والشعر والأمثال.
ويقول الباحث: إنه يرى ضرورة أن تهتم الدوائر الثقافية بإعاد ة نشر مقالات الكاتب الكاملة, لأن ما نشر لا يضم كل مقالات ثروت أباظة.
الأهرام ـ في 25/10/2009م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق