تحميل كتاب كيف تحفظ القرآن الكريم
راغب السرجاني
عن هذا الكتاب:
كثير من الناس يريدون الحفظ ويقولون ما عندنا وقت ـ لو أدركت قيمة القرآن وقيمة حفظك لبدئت بالحفظ فوراً.
كُتيب بسيط ، بأسلوب سلس جداً، خالى من الإطالة والحشو ، ويعطي دفعة جيدة لمن يريد الحفظ ويغلبه الكسل ، فيبدأ حديثه بفضل حفظ القرأن ومكانة حافظ القرأن في الإسلام و يقدم مجموعة من القواعد الأساسية والمساعدة القابلة للزيادة ، لمساعدة من يريد حفظ القرأن.
ويكمن سر الحفظ في العزيمة والجهد والإخلاص في العمل الذي هو أحد القواعد الأساسية.
الدكتور : راغب السرجاني
مقدمة الكتاب
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهدي الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم نسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا ، ونور صدورنا ، وجلاء حزننا ، وذهاب همنا..
أما بعد..
فإن نعمة القرآن العظيم من أعظم النعم التي منّ الله بها على عباده المؤمنين..لدرجة أن الله سبحانه وتعالى قدم هذه النعمة على خلق الإنسان أصلاً..وذلك كما جاء في سورة الرحمن ، حيث قال سبحانه: "الرحمن، علم القرآن، خلق الإنسان".. وكأن الإنسان الذي لا يتعلم القرآن لم يخلق أصلاً.. وكأنه ليست فيه حياة..
ورد هذا المعنى أيضاً في سورة الأنفال حيث قال ربنا عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم".. وكأن الإنسان الذي لا يستجيب لكلام الله ولا لكلام رسوله إنسان ميت لا حياة له..
وقد اختص الله عز وجل طائفة من عباده المؤمنين بنعمة جليلة، ومنة غالية وهي أن جعلهم يحفظون هذا الكتاب القيم عن ظهر قلب..ورفع جداً من قدرهم، وعظم جداً من أجرهم.. وأمر المؤمنين جميعاً أن يجلوا أمرهم، ويقدموهم على غيرهم.. وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر في أكثر من حديث.. حيث قال على سبيل المثال:
"إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين"..
ونحن في هذا الكتاب نحاول أن نضع أيدينا على بعض الأسباب التي تساعد في هذه المهمة العظيمة، والغاية الجليلة.. "مهمة حفظ القرآن الكريم"..
وقد أحصيت لكم في هذا الكتاب عشر قواعد أساسية - لا غنى عنها أبداً - لمن أراد أن يحفظ هذا الكتاب الكريم، ثم أضفت إليها عشر قواعد أخرى مساعدة، وهي ـ وإن كانت أيضاً في غاية الأهمية ـ فإنها لا تغني أبداً عن القواعد الأساسية..
فتلك عشرون كاملة!..
أسأل الله عز وجل أن يمن علينا بحفظ كتابه وتدبر معانيه والعمل بما فيه، وأن يجعلنا ممن حفظوا للقرآن حرمته، وممن عظموا منزلته، وبمن تأدبوا بآدابه، والتزموا بأحكامه.. وأسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل في ميزان حسناتي وحسناتكم أجمعين.. إنه على كل شئ قدير، وبالإجابة جدير.
القواعد الأساسية لحفظ القرآن الكريم
القاعدة الأولى
الإخلاص
وهي أهم قاعدة في هذا الموضوع.. وذلك أن الإنسان إذا عمل عملاً لا يبتغي به وجه الله عز وجل، فإن هذا العمل يكون محبطاً.. قال الله عز وجل:
"ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك، لئن أشركت ليحبطن عملك، ولتكونن من الخاسرين"..
فإياك..إياك أن تبتغي بالقرآن جاهاً، أو وجاهة، أو ارتفاعاً فوق الناس، أو إمامة للصلاة، أو أن يشار إليك ويقال: هذا قارئ، أو تحصيل مال، أو أي عرض من أعراض الدنيا..
روى أبو داود بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي رِيحَهَا".
وروى الإمام مسلم والنسائي وأحمد رحمهم الله جميعاً حديثاً عن أبي هريرة رضي الله عنه يوضح فيه خطورة أن يفعل الإنسان الخير ابتغاء مرضاة الناس، وليس ابتغاء رضا الله عز وجل، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ".
فكان من الممكن أن تسعر جهنم أول ما تسعر بقاتل أو بزانٍ أو بشارب خمر، ولكن الله عز وجل أراد أن يوضح خطورة هذا الأمر، وخطورة طلب رضا الناس على حساب رضا الله عز وجل، فجعل أول من يقضى عليهم يوم القيامة مجموعة من غير المخلصين، الذين لم يضعوا في اعتبارهم ثواب العمل ورضا الله عز وجل، بل طلبوا أعراض الدنيا فقط..
روى الحاكم – وقال صحيح – عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تعلموا القرآن وسلوا الله به الجنة ، قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا ، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به ، ورجل يستأكل به ، ورجل يقرأه لله".
وكلما زاد إخلاصك كلما عظم أجرك عند الله تعالى ، وذلك كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وهو حديث جامع في أمر الإخلاص - حيث قال عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ".
وكلما أكثرت من النوايا الصالحة كلما عظم أجرك كذلك.. فقد ينوي الإنسان بعمل صالح واحد أكثر من نية صالحة، وهنا - في مقام حفظ القرآن الكريم - تستطيع أن تعدد النوايا الصالحة أيضاً..
فعلى سبيل المثال تستطيع أن تأخذ النوايا الآتية :ـ
1ـ نية القراءة الكثيرة للقرآن:
فالذي يحفظ القرآن يستطيع أن يقرأ القرآن بصورة أكبر عن طريق التسميع لما يحفظ، وذلك في أماكن لا يستطيع فيها أن يخرج مصحفه ويقرأ.. فمثلاً وهو يسير في الطريق، أو عند قيادة السيارة، أو ركوب المواصلات المزدحمة وهو لا يستطيع أن يخرج مصحفه، أو عند وجوده في مكان لا يتوفر فيه مصحف.. في عيادة طبيب.. في مكتب.. في سفر.. أو في أي مكان آخر.. ولا يخفي على القارئ أن الحرف من القرآن بعشر حسنات.. والثواب هائل لا يتخيله العباد!!..
2ـ نية قيام الليل بما تحفظ:
فالإنسان قد يفتر عن القيام إذا كان في كل مرة يقرأ سوراً معينة بعينها، ولا يحفظ غيرها.. أما إذا كان حافظاً للقرآن فهو يتجول كل يوم في سورة ، ويستمتع بكتاب الله عز وجل..
3ـ نية أن تنال شرف أن تكون من حمال القرآن:
وبذلك يدافع القرآن بكامله عنك يوم القيامة، وهذا مطلب عزيز ، وهدف عظيم تبذل من أجله الأرواح والأبدان..
4ـ نية أن تلبس والداك تاجاً يوم القيامة:
روى أبو داود عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا فما ظنكم بالذي عمل بهذا"..
والحديث وإن كان ضعيف الإسناد إلا أنه لا شك أن ثواب الآباء الذين يحفظون أبناءهم القرآن سيكون كبيراً جداً ، وهي فرصة لتذكير الآباء باستغلال سن الأطفال الصغيرة للتحفيظ لأن ذاكرتهم أقوى بكثير من ذاكرة الكبار. وقديماً قالوا: التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.
5ـ نية الوقاية من عذاب الآخرة:
روى الدرامي بسند صحيح عن أبي إمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال:
"اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْمَصَاحِفُ الْمُعَلَّقَةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ قَلْبًا وَعَى الْقُرْآنَ"
6ـ أن تعلمه غيرك:
فأنت إذا حفظت القرآن ونقلته إلى غيرك تحفيظاً وتجويداً وتفسيراً ، كان هذا بياناً بأنك أصبحت من خير هذه الأمة.. لم أقله أنا، بل قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقال فيه:
"خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ".
7ـ أن تكون قدوة حسنة للمسلمين ولغير المسلمين:
فنحن نريد الطبيب الملتزم الحافظ، والمهندس الملتزم الحافظ، وكذلك الفلاح الملتزم الحافظ ، والنجار الملتزم الحافظ.. فإذا أضفنا إلى الحفظ والالتزام تفوقاً في المهنة، كانت هذه دعوة متحركة.. وسيربط الناس بسهولة بين التفوق في المهنة والمهارة فيها والآداب في ممارستها، وبين الإسلام والالتزام وحفظ القرآن.. وهذه دعوة بالقدوة، لا تعدلها دعوة أخرى..
هذه بعض النوايا الطيبة في حفظ القرآن الكريم، ولا شك أن هناك نوايا صالحة أخرى في حفظ هذا الكتاب الجليل، والأمر على إطلاقه بين المسلمين..
القاعدة الثانية
العزيمة الصادقة مهمة حفظ القرآن الكريم مهمة جليلة وكبيرة، ولن يقوى عليها إلا أولوا العزم.. وأولوا العزم يتصفون بصفة هامة واضحة وهي ببساطة: صدق العزم.. ولذلك ُسموا "بأولي العزم".. بمعنى أن يكون حريصاً على تنفيذ ما نواه والإسراع فيه قدر المستطاع.. فكل مسلم "يرغب" في حفظ القرآن الكريم، ولكن "الرغبة" وحدها لا تكفي.. لابد أن تُتبع هذه الرغبة "بإرادة" قوية لتنفيذ العمل.. استمعوا إلى قول الله عز وجل:
"ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن، فأولئك كان سعيهم مشكوراً"..
فكل الناس "يرغب" في الآخرة، لكن من الصادق منهم ؟!.. الصادق هو من أراد ذلك حقيقة ، ثم تحولت إرادته إلى عزم أكيد، ثم تحول العزم إلى عمل حقيقي ملموس، وذلك كما قال الله عز وجل: "وسعى لها سعيها".. ويظل المؤمن مواظباً على هذا العمل حتى يصبح "عادة" عنده.. فلا يمر يوم من حياته، إلا وقد "تعود" أن يراجع القرآن الكريم ويحفظ القرآن الكريم ويثبت ما حفظه قبل ذلك..
هذه العزيمة هي التي تؤدي فعلاً إلى حفظ الكتاب الكريم..
روى الترمذي وابن ماجة وأحمد عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:َ
"الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ".
قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
فالذي يتمنى على الله أن يحفظ القرآن ، ولم يعزم على ذلك عزماً أكيداُ، هو عاجز واهم لم يدرك طبيعة هذا الدين.
ولذلك - يا أخي في الله ـ ابدأ اليوم فور انتهائك من هذا الكتاب في عملية الحفظ، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد ، وإياك من كلمة "سوف" ، فإن كثيراً من الأعمال الصالحة تضيع لأن أصحابها قالوا: سوف أقوم بها غداً أو بعد غد، أو بعد الانتهاء من كذا وكذا.. فابدأ اليوم أنت وأبناءك.. وكن من "أولي العزم"!!..
القاعدة الثالثة
أدرك قيمة ما تعمل
فالذي يدرك قيمة الشئ يضحي من أجله، والناس عادة يبذلون المجهود ليحصلوا على أعمال دنيوية معينة ، وذاك لإدراكهم قيمة هذه الأعمال، ووفرة العائد من ورائها..
وكذلك أعمال الآخرة.. فكلما أدركت قيمة الأجر وقيمة الثواب لفعل من الأفعال، ازددت شوقاً إليه، فالذي يعرف فضل قيام الليل تفصيلاً، ليس كالذي يعرف أنه شئ طيب وكفى، والذي يعرف فضل صلاة الجماعة معرفة دقيقة غير الذي يعرف أن صلاة الجماعة شئ طيب وكفى..وكذلك الذي يعرف فضل القرآن بالتفصيل، ليس كالذي يعرفه إجمالاً..
وإليك ـ أخي الحبيب ـ طرفاً من فضله، فوق الذي ذكرناه من قبل، وهذا ليس على سبيل الحصر، بل على سبيل المثال فقط..
· روى النسائي بإسناد حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل القرآن أهل الله وخاصته"..
·روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ".
· روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِب"ِ.
قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
· وروى الترمذي - وقال حسن صحيح - وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا"..
فإذا علمت هذه القيمة ـ أخي في الله ـ فإنك ولابد ستفرغ الوقت والمجهود والفكر لهذه المهمة ، والله عز وجل هو الموفق..
القاعدة الرابعة
العمل بما تحفظ من القرآن
وهي من أهم القواعد على الإطلاق. .وويل لمن جمع العلم ولم يعمل به!!
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "رب تالٍ للقرآن، والقرآن يلعنه"..
ولماذا يلعن القرآن قارئاً له ؟!.. ذلك لأنه يقرأ الآيات ويحفظها ثم لا يعمل بها..
يقرأ آيات الربا، ويحفظها، ويعلم أن المتعامل بالربا في حرب مع الله ورسوله ثم هو يتعامل بالربا!!.. يقرأ آيات بر الوالدين، ويحفظها، ويعلم درجة بر الوالدين، وعقوبة عقوق الوالدين، ثم هو يعق والديه!!.. فهذا يوجب له اللعنة..ونعوذ بالله من ذلك..
يعلمنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه منهجاً راقياً في التعامل مع القرآن الكريم.. فهو لم يكن يحفظ شيئاً إلا وعمل به، ثم ينتقل إلى غيره وهكذا.. لقد فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن القرآن ليس كتاباً أنزل لمجرد الحفظ أو البركة.. إنما هو دستور للمسلمين، وقانون يحكم كل صغيرة وكبيرة في حياتهم..
قال تعالى: "واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون".
وقال أيضاً: "وهذا كتاب مبارك أنزلناه مبارك ، فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون".
ولذلك من حفظه ولم يعمل به، فلم يفقه حقيقة هذا الكتاب وأهميته..
قال سفيان بن عيينة رحمه الله:..
"أجهل الناس من ترك ما يعلم وأعلم الناس من عمل بما يعلم وأفضل الناس أخشعهم لله".
وعلى هذا الفقه والفهم كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين..
روى الدرامي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:
"يا حملة العلم اعملوا به، فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله ، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم ، يخالف عملهم علمهم ، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقاً فيباهي بعضهم بعضاً ، حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله".
وكذلك كان يفعل عمار بن ياسر رضي الله عنه في موقعة اليمامة ، فكان إذا أراد أن يحمس المسلمين الحفاظ للقرآن الكريم، قام وقال لهم:
" يا أهل القرآن: زينوا القرآن بالفعال".
فليس حفظ القرآن غاية محدودة، وإنما لابد أن يتبع الحفظ بعمل..
وفوق كل ذلك، فإن العمل بما تحفظ يسهل عليك الحفظ الجديد.. وقديماً قالوا: "من عمل بما يعلم، أورثه الله علم ما لم يعلم".
فالعمل بما تحفظ ، طريق لحفظ الجديد من القرآن..
القاعدة الخامسة
ترك الذنوب
القلب الذي أشرب حب المعاصي لا يمكن أن يعي القرآن.. وكلما أذنب العبد ذنباً كلما تأثر قلبه، وكلما تأثر قلبه ضعفت قدرته على حفظ هذا الكتاب الطاهر..
روىَ الترمذي وأحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ".
قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وليست الذنوب الواضحة فقط ، بل أمرنا الله عز وجل باجتناب الشبهات.. روى البخاري ومسلم عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ".
وقد فقه ذلك الشافعي رحمه الله في درس عملي أعطاه إليه معلمه ومدرسه "وكيع" رحمه الله.. وذلك أن الشافعي رحمه الله كان مشهوراً بالذاكرة القوية العجيبة، وكان يحفظ الشئ بمجرد النظر إليه، ثم اكتشف في يوم أنه لا يجيد الحفظ كما اعتاد، فذهب إلى أستاذه "وكيع" رحمه الله، واشتكى إليه سوء حفظه، فقال له وكيع رحمه الله: إن ذلك يرجع إلى أنك ارتكبت ذنباً من الذنوب ، فأثر على قوة حفظك، فراجع الشافعي نفسه ، فوجد أنه قد وقع بصره ذات مرة على ساق امرأة رفع الهواء ثوبها.. فاعتبر أن هذا هو الذنب الذي أثر على حفظه.. فنظم هذه الأبيات الرائعة والتي تفيض بالفقه والحكمة..
قال الشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفـظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقـال لي: إن العلــم نـورٌ ونور الله لا يهدي لعاصي
وسبحان الله!!.. إذا كان هذا هو الذنب الذي أثر على حفظ الشافعي، فلعلنا ندرك الآن لماذا يصعب علينا الحفظ أحياناً!!..
وما أفقه التابعي الجليل الضحاك بن مزاحم رحمه الله عندما قال فيما رواه أبو عبيد رحمه الله:
"ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه، لأن الله يقول: "وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم" ، ونسيان القرآن من أعظم المصائب!!".
القاعدة السادسة
الدعاء
وسيلة لا تخيب أبداً.. الدعاء إلى الله عز وجل بإخلاص وصدق..
اسأل الله عز وجل أن يمن عليك بحفظ القرآن الكريم، وأن يجعل نيتك خالصة له سبحانه، وأن ييسر لك العمل به..
واحرص يا أخي على تخير الأوقات الشريفة للدعاء، والتي أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء فيها، كوقت السحر، وبعد ختام الصلاة، وفي العشر الأواخر من رمضان ، وبالذات في الليالي الفردية ، وأثناء المطر، وأثناء السفر ، وغير ذلك من الأوقات الشريفة..
ويجدر هنا الإشارة أنه ليس هناك دعاء مخصوص لحفظ القرآن، وليس هناك صلاة معينة تعين على الحفظ، وكل ما ورد في ذلك لا أصل له، وإنما تدعو الله بما فتح عليك.. واسأل الله الإجابة..
القاعدة السابعة
الفهم الصحيح
لا شك أن الذي يفقه معاني الآيات التي يحفظها سيكون الحفظ عليه أيسر.. وبالذات عند حفظ السور التي تحتوي على قصص كثير، أو على آيات لها أسباب نزول معروفة، وكذلك الآيات التي تحوي أحكاماً فقهية، كالوضوء وكفارة اليمين وكفارة الظهار والصيام ودية القتل الخطأ وغير ذلك من الأحكام..
تذكر!!القواعد الأساسية لحفظ القرآن الكريم
1. أخلص عملك لله ، وأكثر من النوايا الصالحة.
2. اعقد العزم ، وابدأ اليوم أنت وزوجتك وأبناؤك وإخوانك ، وإياك وكلمة "سوف".
3. أدرك قيمة ما تنوي أن تفعل.
4. اعمل بما تحفظ ، وإياك أن يخالف علمك عملك.
5. اترك الذنوب ، واستغفر الله عما سبق ، واعزم على ألا تعود إليها.
6. ادع الله بإخلاص أن ييسر لك النية الصادقة ، والحفظ الصحيح ، والعمل الصالح.
7. استعن دائماً بكتب التفسير حتى تفهم القرآن الكريم.
8. تعلم التجويد بإتقان ، وبسرعة.
9. اجتهد أن تختم تلاوة القرآن كاملاً في شهر أو أقل.
10. احرص على الصلاة بما تحفظ ، وبالذات في صلاة قيام الليل.
تذكر!!القواعد المساعدة لحفظ القرآن الكريم
1ـ ضع خطة واضحة ولتكن على مدار خمس سنوات.
2ـ ارتبط بمجموعة.
3ـ احمل مصحفاً صغيراً.
4ـ احرص على متابعة الإمام في الصلوات الجهرية.
5ـ ابدأ بالأجزاء السهلة.
6ـ حافظ على رسم واحد للمصحف.
7ـ لا تتجاوز مقرر الحفظ قبل إتقانه.
8ـ اجعل السورة وحدة واحدة قبل الانتقال إلى غيرها.
9ـ اعتني بالمتشابهات.
10ـ اشترك في مسابقات حفظ القرآن الكريم.
للمزيد حمله من الروابط التالية :
أو
أو
أو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق