الأربعاء، 6 مايو 2015

أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ - أبو فراس الحمداني ...


أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ - أبو فراس الحمداني

    أبو فراس هو الحارث بن سعيد الحمداني ، أمير وشاعر عربي وُلِدَ سنة (320هـ) في الموصل بالعراق ، وتوفي سنة (357هـــ) نشأ يتيمًا في كَنَفِ ابن عمه سيف الدولة صاحب حلب ، الذي كان يميزه ويصطحبه.



أراكَ عصـيَّ الدَّمْـعِ شيمَتُـكَ الصَّـبْـرُ
أمـا لِلْهَـوى نَهْـيٌ علـيـكَ و لا أمْــرُ؟
بَلـى، أنــا مُشْـتـاقٌ وعـنـديَ لَـوْعَـةٌ
ولـكـنَّ مِـثْـلـي لا يُـــذاعُ لـــهُ سِـــرُّ!
إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْتُ يَـدَ الهـوى
وأذْلَـلْـتُ دمْـعـاً مــن خَلائـقِـهِ الكِـبْـرُ
تَكـادُ تُضِـيْءُ الـنـارُ بـيـن جَوانِـحـي
إذا هــي أذْكَتْـهـا الصَّبـابَـةُ والـفِـكْـرُ
مُعَلِّلَـتـي بالـوَصْـلِ، والـمَـوتُ دونَــهُ
إذا مِــتُّ ظَمْـآنـاً فــلا نَــزَلَ الـقَـطْـرُ!
حَـفِـظْـتُ وَضَـيَّـعْـتِ الـمَــوَدَّةَ بيْـنـنـا
وأحْسَنُ من بعضِ الوَفـاءِ لـكِ العُـذْرُ
ومـــا هـــذه الأيــــامُ إلاّ  صَـحـائــفٌ
ِلأحْرُفِهـا مــن كَــفِّ كاتِبِـهـا بِـشْـرُ
بِنَفْسي من الغادينَ فـي الحـيِّ غـادَةً
هَـوايَ لـهـا ذنْــبٌ، وبَهْجَتُـهـا عُــذْرُ
تَـروغُ إلـى الواشيـنَ فــيَّ، وإنَّ لــي
لأُذْنــاً بـهـا عــن كــلِّ واشِـيَـةٍ وَقْــرُ
بَـدَوْتُ، وأهـلـي حـاضِـرونَ، لأنّـنـي
أرى أنَّ داراً، لستِ مـن أهلِهـا، قَفْـرُ
وحارَبْـتُ قَوْمـي فـي هـواكِ، وإنَّـهُـمْ
وإيّـايَ، لـو لا حُبُّـكِ المـاءُ والخَـمْـرُ
فـإنْ يـكُ مـا قـال الوُشـاةُ ولـمْ يَـكُـنْ
فقـدْ يَهْـدِمُ الإيمـانُ مــا شَـيَّـدَ الكـفـرُ
وَفَيْـتُ، وفـي بـعـض الـوَفـاءِ مَـذَلَّـةٌ
لإنسانَـةٍ فـي الحَـيِّ شيمَتُـهـا الـغَـدْر
وَقــورٌ، ورَيْـعـانُ الصِّـبـا يَسْتَـفِـزُّهـا
فَـتَـأْرَنُ، أحْيـانـاً كـمـا، أَرِنَ الـمُـهْـرُ
تُسائلُنـي مــن أنــتَ؟ وهــي عَليـمَـةٌ
وهـل بِفَتـىً مِثْلـي علـى حالِـهِ نُـكْـرُ؟
فقلتُ كما شاءَتْ وشاءَ لهـا الهـوى:
قَتيـلُـكِ! قـالـت: أيُّـهـمْ؟ فَـهُــمْ كُـثْــرُ
فقلـتُ لـهـا: لــو شَـئْـتِ لــم تَتَعَنَّـتـي
ولم تَسْألي عَنّـي وعنـدكِ بـي خُبْـرُ!
فقالـتْ: لقـد أَزْرى بـكَ الدَّهْـرُ بَعدنـا
فقلـتُ: معـاذَ اللهِ بـل أنــتِ لا الـدّهـر
وما كان لِلأحْزان، ِ لـولاكِ، مَسْلَـكٌ
إلى القلبِ، لكنَّ الهـوى لِلْبِلـى جِسْـر
وتَهْلِـكُ بيـن الـهَـزْلِ والـجِـدِّ مُهْـجَـةٌ
إذا مـا عَداهـا البَيْـنُ عَذَّبهـا الهَـجْـرُ
فأيْقَـنْـتُ أن لا عِــزَّ بَـعْـدي لِـعـاشِـقٍ
و أنّ يَــدي مـمّـا عَلِـقْـتُ بــهِ صِـفْـرُ
وقلَّـبْـتُ أَمــري لا أرى لـــيَ راحَـــةً
إذا البَيْـنُ أنْسانـي ألَــحَّ بــيَ الهَـجْـرُ
فَعُـدْتُ إلـى حُـكـم الـزّمـانِ وحُكمِـهـا
لها الذّنْـبُ لا تُجْـزى بـهِ ولـيَ العُـذْرُ
كَـأَنِّــي أُنـــادي دونَ مَـيْـثـاءَ ظَـبْـيَـةً
علـى شَـرَفٍ ظَمْـيـاءَ جَلَّلَـهـا الـذُّعْـرُ
تَـجَـفَّـلُ حـيـنـاً، ثُـــمّ تَـرْنــو كـأنّـهــا
تُنادي طَلاًّ بالـوادِ أعْجَـزَهُ الحَُضْـرُ
فــلا تُنْكِريـنـي، يـابْـنَـةَ الـعَــمِّ، إنّـــهُ
لَيَعْـرِفُ مـن أنْكَرْتـهِ البَـدْوُ والحَضْـرُ
ولا تُنْكِريـنـي، إنّـنــي غـيــرُ مُـنْـكَـرٍ
إذا زَلَّـتِ الأقْـدامُ، واسْتُنْـزِلَ النّـصْـرُ
وإنّـــــي لَــجَـــرّارٌ لِــكُـــلِّ  كَـتـيــبَــةٍ
مُـعَــوَّدَةٍ أن لا يُـخِــلَّ بـهــا الـنَّـصـر
وإنّــــي لَــنَـــزَّالٌ بِــكـــلِّ  مَـخــوفَــةٍ
كَثـيـرٍ إلــى نُزَّالِـهـا النَّـظَـرُ الـشَّــزْرُ
فَأَظْمَـأُ حتـى تَرْتَـوي البيـضُ والقَـنـا
وأَسْغَبُ حتـى يَشبَـعَ الذِّئْـبُ والنَّسْـرُ
ولا أًصْـبَـحُ الـحَـيَّ الخُـلُـوفَ بـغـارَةٍ
و لا الجَيْشَ ما لـم تأْتِـهِ قَبْلِـيَ النُّـذْرُ
ويــا رُبَّ دارٍ، لــم تَخَفْـنـي، مَنـيـعَـةً
طَلَعْـتُ عليهـا بالـرَّدى، أنـا والفَـجْـر
وحَــيٍّ رَدَدْتُ الخَـيْـلَ حـتّــى مَلَـكْـتُـهُ
هَزيـمـاً ورَدَّتْـنـي البَـراقِـعُ والـخُـمْـرُ
وساحِـبَـةِ الأذْيــالِ نَـحْـوي، لَقيـتُـهـا
فلَـم يَلْقَهـا جـافـي اللِّـقـاءِ ولا وَعْــرُ
وَهَبْـتُ لهـا مـا حـازَهُ الجَـيْـشُ كُـلَّـهُ
ورُحْـتُ ولـم يُكْشَـفْ لأبْياتِـهـا سِـتْـر
ولا راحَ يُطْغـيـنـي بـأثـوابِـهِ الـغِـنـى
ولا بـاتَ يَثْنينـي عــن الـكَـرَمِ الفَـقْـرُ
ومـا حاجَتـي بالـمـالِ أَبْـغـي وُفــورَهُ
إذا لـم أَفِـرْ عِرْضـي فـلا وَفَـرَ الوَفْـرُ
أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى
ولا فَـرَسـي مُـهْـرٌ، ولا رَبُّــهُ غُـمْــرُ
ولكـنْ إذا حُـمَّ القَضـاءُ علـى امــرئٍ
فلـيْـسَ لَـــهُ بَـــرٌّ يَـقـيـهِ، ولا  بَـحْــرُ
وقال أُصَيْحابـي: الفِـرارُ أو الـرَّدى؟
فقلتُ:هـمـا أمــرانِ، أحْـلاهُـمـا مُـــرُّ
ولكـنّـنـي أَمْـضــي لِـمــا لا يَعيـبُـنـي
وحَسْبُكَ مـن أَمْرَيـنِ خَيرُهمـا الأَسْـر
يَقولونَ لـي: بِعْـتَ السَّلامَـةَ بالـرَّدى
فقُلْـتُ: أمـا و اللهِ، مـا نالـنـي خُـسْـرُ
وهـلْ يَتَجافـى عَنّـيَ الـمَـوْتُ سـاعَـةً
إذا ما تَجافـى عَنّـيَ الأسْـرُ والضُّـرُّ؟
هو المَوتُ، فاخْتَرْ ما عَـلا لـكَ ذِكْـرُهُ
فلـم يَمُـتِ الإنسـانُ مـا حَـيِـيَ الـذِّكْـرُ
ولا خَـيْـرَ فــي دَفْــعِ الــرَّدى بِمَـذَلَّـةٍ
كمـا رَدَّهـا، يومـاً، بِسَوْءَتِـهِ عَـمْـرُو
يَـمُـنُّـونَ أن خَـلُّــوا ثِـيـابـي، وإنّـمــا
عـلـيَّ ثِـيـابٌ، مــن دِمـائِـهِـمُ  حُـمْــرُ
وقـائِـمُ سَـيْـفٍ فيـهِـمُ انْــدَقَّ نَـصْـلُـهُ
وأعْقـابُ رُمْـحٍ فيهُـمُ حُـطِّـمَ الـصَّـدْرُ
سَيَذْكُـرُنـي قـومـي إذا جَـــدَّ جِـدُّهُــمْ
وفـي اللّيـلـةِ الظَّلْـمـاءِ يُفْتَـقَـدُ الـبَـدْرُ
فـإنْ عِشْـتُ فالطِّعْـنُ الـذي يَعْرِفونَـهُ
وتِلْكَ القَنا والبيضُ والضُّمَّـرُ الشُّقْـرُ
وإنْ مُـــتُّ فـالإنْـسـانُ لابُـــدَّ مَــيِّــتٌ
وإنْ طالَـتِ الأيـامُ، وانْفَـسَـحَ العُـمْـرُ
ولو سَدَّ غيري ما سَدَدْتُ اكْتَفـوا بـهِ
وما كان يَغْلو التِّبْرُ لـو نَفَـقَ الصُّفْـرُ
ونَـحْـنُ أُنـــاسٌ، لا تَـوَسُّــطَ عـنـدنـا
لنـا الصَّـدْرُ دونَ العالميـنَ أو القَـبْـرُ
تَهـونُ علينـا فـي المعـالـي نُفوسُـنـا
ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِها المَهْـرُ
أعَـزُّ بَنـي الدُّنيـا وأعْلـى ذَوي الـعُـلا
وأكْـرَمُ مَـنْ فَـوقَ الـتُّـرابِ ولا فَـخْـرُ


ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة