أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ - أبو فراس الحمداني
أبو فراس هو الحارث بن سعيد الحمداني ، أمير وشاعر عربي وُلِدَ سنة (320هـ) في الموصل بالعراق ، وتوفي سنة (357هـــ) نشأ يتيمًا في كَنَفِ ابن عمه سيف الدولة صاحب حلب ، الذي كان يميزه ويصطحبه.
|
أراكَ عصـيَّ الدَّمْـعِ شيمَتُـكَ الصَّـبْـرُ
أمـا لِلْهَـوى نَهْـيٌ علـيـكَ و لا أمْــرُ؟
|
|
بَلـى، أنــا مُشْـتـاقٌ وعـنـديَ لَـوْعَـةٌ
ولـكـنَّ مِـثْـلـي لا يُـــذاعُ لـــهُ سِـــرُّ!
|
|
إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْتُ يَـدَ الهـوى
|
|
تَكـادُ تُضِـيْءُ الـنـارُ بـيـن جَوانِـحـي
إذا هــي أذْكَتْـهـا الصَّبـابَـةُ والـفِـكْـرُ
|
|
مُعَلِّلَـتـي بالـوَصْـلِ، والـمَـوتُ دونَــهُ
إذا مِــتُّ ظَمْـآنـاً فــلا نَــزَلَ الـقَـطْـرُ!
|
|
حَـفِـظْـتُ وَضَـيَّـعْـتِ الـمَــوَدَّةَ بيْـنـنـا
وأحْسَنُ من بعضِ الوَفـاءِ لـكِ العُـذْرُ
|
|
ومـــا هـــذه الأيــــامُ إلاّ صَـحـائــفٌ
ِلأحْرُفِهـا مــن كَــفِّ كاتِبِـهـا بِـشْـرُ
|
|
بِنَفْسي من الغادينَ فـي الحـيِّ غـادَةً
هَـوايَ لـهـا ذنْــبٌ، وبَهْجَتُـهـا عُــذْرُ
|
|
تَـروغُ إلـى الواشيـنَ فــيَّ، وإنَّ لــي
لأُذْنــاً بـهـا عــن كــلِّ واشِـيَـةٍ وَقْــرُ
|
|
بَـدَوْتُ، وأهـلـي حـاضِـرونَ، لأنّـنـي
أرى أنَّ داراً، لستِ مـن أهلِهـا، قَفْـرُ
|
|
وحارَبْـتُ قَوْمـي فـي هـواكِ، وإنَّـهُـمْ
وإيّـايَ، لـو لا حُبُّـكِ المـاءُ والخَـمْـرُ
|
|
فـإنْ يـكُ مـا قـال الوُشـاةُ ولـمْ يَـكُـنْ
فقـدْ يَهْـدِمُ الإيمـانُ مــا شَـيَّـدَ الكـفـرُ
|
|
وَفَيْـتُ، وفـي بـعـض الـوَفـاءِ مَـذَلَّـةٌ
لإنسانَـةٍ فـي الحَـيِّ شيمَتُـهـا الـغَـدْر
|
|
وَقــورٌ، ورَيْـعـانُ الصِّـبـا يَسْتَـفِـزُّهـا
فَـتَـأْرَنُ، أحْيـانـاً كـمـا، أَرِنَ الـمُـهْـرُ
|
|
تُسائلُنـي مــن أنــتَ؟ وهــي عَليـمَـةٌ
وهـل بِفَتـىً مِثْلـي علـى حالِـهِ نُـكْـرُ؟
|
|
فقلتُ كما شاءَتْ وشاءَ لهـا الهـوى:
قَتيـلُـكِ! قـالـت: أيُّـهـمْ؟ فَـهُــمْ كُـثْــرُ
|
|
فقلـتُ لـهـا: لــو شَـئْـتِ لــم تَتَعَنَّـتـي
ولم تَسْألي عَنّـي وعنـدكِ بـي خُبْـرُ!
|
|
فقالـتْ: لقـد أَزْرى بـكَ الدَّهْـرُ بَعدنـا
فقلـتُ: معـاذَ اللهِ بـل أنــتِ لا الـدّهـر
|
|
وما كان لِلأحْزان، ِ لـولاكِ، مَسْلَـكٌ
إلى القلبِ، لكنَّ الهـوى لِلْبِلـى جِسْـر
|
|
وتَهْلِـكُ بيـن الـهَـزْلِ والـجِـدِّ مُهْـجَـةٌ
إذا مـا عَداهـا البَيْـنُ عَذَّبهـا الهَـجْـرُ
|
|
فأيْقَـنْـتُ أن لا عِــزَّ بَـعْـدي لِـعـاشِـقٍ
و أنّ يَــدي مـمّـا عَلِـقْـتُ بــهِ صِـفْـرُ
|
|
وقلَّـبْـتُ أَمــري لا أرى لـــيَ راحَـــةً
إذا البَيْـنُ أنْسانـي ألَــحَّ بــيَ الهَـجْـرُ
|
|
فَعُـدْتُ إلـى حُـكـم الـزّمـانِ وحُكمِـهـا
لها الذّنْـبُ لا تُجْـزى بـهِ ولـيَ العُـذْرُ
|
|
كَـأَنِّــي أُنـــادي دونَ مَـيْـثـاءَ ظَـبْـيَـةً
علـى شَـرَفٍ ظَمْـيـاءَ جَلَّلَـهـا الـذُّعْـرُ
|
|
تَـجَـفَّـلُ حـيـنـاً، ثُـــمّ تَـرْنــو كـأنّـهــا
تُنادي طَلاًّ بالـوادِ أعْجَـزَهُ الحَُضْـرُ
|
|
فــلا تُنْكِريـنـي، يـابْـنَـةَ الـعَــمِّ، إنّـــهُ
لَيَعْـرِفُ مـن أنْكَرْتـهِ البَـدْوُ والحَضْـرُ
|
|
ولا تُنْكِريـنـي، إنّـنــي غـيــرُ مُـنْـكَـرٍ
إذا زَلَّـتِ الأقْـدامُ، واسْتُنْـزِلَ النّـصْـرُ
|
|
وإنّـــــي لَــجَـــرّارٌ لِــكُـــلِّ كَـتـيــبَــةٍ
مُـعَــوَّدَةٍ أن لا يُـخِــلَّ بـهــا الـنَّـصـر
|
|
وإنّــــي لَــنَـــزَّالٌ بِــكـــلِّ مَـخــوفَــةٍ
كَثـيـرٍ إلــى نُزَّالِـهـا النَّـظَـرُ الـشَّــزْرُ
|
|
فَأَظْمَـأُ حتـى تَرْتَـوي البيـضُ والقَـنـا
وأَسْغَبُ حتـى يَشبَـعَ الذِّئْـبُ والنَّسْـرُ
|
|
ولا أًصْـبَـحُ الـحَـيَّ الخُـلُـوفَ بـغـارَةٍ
و لا الجَيْشَ ما لـم تأْتِـهِ قَبْلِـيَ النُّـذْرُ
|
|
ويــا رُبَّ دارٍ، لــم تَخَفْـنـي، مَنـيـعَـةً
طَلَعْـتُ عليهـا بالـرَّدى، أنـا والفَـجْـر
|
|
وحَــيٍّ رَدَدْتُ الخَـيْـلَ حـتّــى مَلَـكْـتُـهُ
هَزيـمـاً ورَدَّتْـنـي البَـراقِـعُ والـخُـمْـرُ
|
|
وساحِـبَـةِ الأذْيــالِ نَـحْـوي، لَقيـتُـهـا
فلَـم يَلْقَهـا جـافـي اللِّـقـاءِ ولا وَعْــرُ
|
|
وَهَبْـتُ لهـا مـا حـازَهُ الجَـيْـشُ كُـلَّـهُ
ورُحْـتُ ولـم يُكْشَـفْ لأبْياتِـهـا سِـتْـر
|
|
ولا راحَ يُطْغـيـنـي بـأثـوابِـهِ الـغِـنـى
ولا بـاتَ يَثْنينـي عــن الـكَـرَمِ الفَـقْـرُ
|
|
ومـا حاجَتـي بالـمـالِ أَبْـغـي وُفــورَهُ
إذا لـم أَفِـرْ عِرْضـي فـلا وَفَـرَ الوَفْـرُ
|
|
أُسِرْتُ وما صَحْبي بعُزْلٍ لَدى الوَغى
ولا فَـرَسـي مُـهْـرٌ، ولا رَبُّــهُ غُـمْــرُ
|
|
ولكـنْ إذا حُـمَّ القَضـاءُ علـى امــرئٍ
فلـيْـسَ لَـــهُ بَـــرٌّ يَـقـيـهِ، ولا بَـحْــرُ
|
|
وقال أُصَيْحابـي: الفِـرارُ أو الـرَّدى؟
فقلتُ:هـمـا أمــرانِ، أحْـلاهُـمـا مُـــرُّ
|
|
ولكـنّـنـي أَمْـضــي لِـمــا لا يَعيـبُـنـي
وحَسْبُكَ مـن أَمْرَيـنِ خَيرُهمـا الأَسْـر
|
|
يَقولونَ لـي: بِعْـتَ السَّلامَـةَ بالـرَّدى
فقُلْـتُ: أمـا و اللهِ، مـا نالـنـي خُـسْـرُ
|
|
وهـلْ يَتَجافـى عَنّـيَ الـمَـوْتُ سـاعَـةً
إذا ما تَجافـى عَنّـيَ الأسْـرُ والضُّـرُّ؟
|
|
هو المَوتُ، فاخْتَرْ ما عَـلا لـكَ ذِكْـرُهُ
فلـم يَمُـتِ الإنسـانُ مـا حَـيِـيَ الـذِّكْـرُ
|
|
ولا خَـيْـرَ فــي دَفْــعِ الــرَّدى بِمَـذَلَّـةٍ
كمـا رَدَّهـا، يومـاً، بِسَوْءَتِـهِ عَـمْـرُو
|
|
يَـمُـنُّـونَ أن خَـلُّــوا ثِـيـابـي، وإنّـمــا
عـلـيَّ ثِـيـابٌ، مــن دِمـائِـهِـمُ حُـمْــرُ
|
|
وقـائِـمُ سَـيْـفٍ فيـهِـمُ انْــدَقَّ نَـصْـلُـهُ
وأعْقـابُ رُمْـحٍ فيهُـمُ حُـطِّـمَ الـصَّـدْرُ
|
|
سَيَذْكُـرُنـي قـومـي إذا جَـــدَّ جِـدُّهُــمْ
وفـي اللّيـلـةِ الظَّلْـمـاءِ يُفْتَـقَـدُ الـبَـدْرُ
|
|
فـإنْ عِشْـتُ فالطِّعْـنُ الـذي يَعْرِفونَـهُ
وتِلْكَ القَنا والبيضُ والضُّمَّـرُ الشُّقْـرُ
|
|
وإنْ مُـــتُّ فـالإنْـسـانُ لابُـــدَّ مَــيِّــتٌ
وإنْ طالَـتِ الأيـامُ، وانْفَـسَـحَ العُـمْـرُ
|
|
ولو سَدَّ غيري ما سَدَدْتُ اكْتَفـوا بـهِ
وما كان يَغْلو التِّبْرُ لـو نَفَـقَ الصُّفْـرُ
|
|
ونَـحْـنُ أُنـــاسٌ، لا تَـوَسُّــطَ عـنـدنـا
لنـا الصَّـدْرُ دونَ العالميـنَ أو القَـبْـرُ
|
|
تَهـونُ علينـا فـي المعـالـي نُفوسُـنـا
ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يُغْلِها المَهْـرُ
|
|
أعَـزُّ بَنـي الدُّنيـا وأعْلـى ذَوي الـعُـلا
وأكْـرَمُ مَـنْ فَـوقَ الـتُّـرابِ ولا فَـخْـرُ
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق