الخميس، 2 أبريل 2015

لأنها ثقافة أيضاً .. تعلم كيف تختلف ؟...

                    لأنها ثقافة أيضاً .. تعلم كيف تختلف؟ 

     " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) هود /118 ، 119 آية قرآنية تدل لمن يتأملها على أن الاختلاف حكمة كونية ربانية، ودائما ما نعاني في العالم العربي من افتقاد ثقافة " الاختلاف" مع الآخر ، فبرامج الفضائيات الحوارية المنتشرة في الوقت الحالي والمليئة بالصراخ ، والنبرة الحادة التي تسود الصحف العربية في القضايا الخلافية المتنوعة ، تدل على أننا لم نع بعد ما معنى الاختلاف .... فليست المشكلة أن نختلف وإنما المشكلة هي ألا نعرف كيف نختلف.

    بداية .. يسوق خبراء التنمية الذاتية تلك النصائح التي تمكنك من حوار فعال مع الآخر يصل بكما للقناعات السليمة مهما اختلفت وجهات النظر :
 
- دع محدثك يتكلم ويعرض قضيته كاملة حتى لا يشعر بأنك لم تفهمه لأنك إذا قاطعته أثناء كلامه فإنك تحفزه نفسيا على عدم الاستماع إليك لأن الشخص الذي يبقي لديه كلام سيركز تفكيره في كيفية التحدث ولن يستطيع الإنصات لك جيدا ولا فهم ما تقوله، كما أن سؤاله عن أشياء ذكرها أو طلبك منه إعادة بعض ما قاله له أهمية كبيرة لأنه يشعر الطرف الآخر بأنك تستمع إليه وتهتم بكلامه ووجهة نظره وهذا يقلل الحافز العدائي لديه ويجعله يشعر بأنك عادل.

- توقف قليلا قبل أن تجيب، فعندما يوجه لك سؤالا تطلع إليه وتوقف لبرهة قبل الرد لأن ذلك يوضح انك تفكر وتهتم بما قاله ولست متحفز للهجوم.

- لا تصر على الفوز بنسبة 100% فلا تحاول أن تبرهن على صحة موقفك بالكامل وأن الطرف الآخر مخطئ تماما في كل ما يقول .

   و إذا أردت الإقناع فأقر ببعض النقاط التي يوردها حتى ولو كانت بسيطة وبين له انك تتفق معه فيها لأنه سيصبح أكثر ميلا للإقرار بوجهة نظرك وحاول دائما أن تكرر هذه العبارة "أنا أتفهم وجهة نظرك"، "أنا اقدر ما تقول وأشاركك في شعورك".

- اعرض قضيتك بطريقة معتدلة، فأحيانا عند المعارضة قد تحاول عرض وجهة نظرك أو نقد وجهة نظر محدثك بشيء من الانفعال، وهذا خطأ فادح فالشواهد العلمية أثبتت أن الحقائق التي تعرض بهدوء اشد أثرا في إقناع الآخرين مما يفعله التهديد والانفعال في الكلام.

  وقد تستطيع بالانفعال والصراخ والاندفاع أن تنتصر في نقاشك وتحوز على استحسان الحاضرين ولكنك لن تستطيع إقناع الطرف الآخر بوجهة نظرك بهذه الطريقة وسيخرج صامتا لكنه غير مقتنع أبدا ولن يعمل برأيك .

- تحدث من خلال طرف آخر، فإذا أردت استحضار دليل على وجهة نظرك فلا تذكر رأيك الخاص ولكن حاول ذكر رأي أشخاص آخرين لأن الطرف الآخر سيضيق بك وسيشكك في مصداقية كلامك إذا كان حديثك يقتصر فقط علي تجاربك الشخصية على العكس مما لو ذكرت له آراء وتجارب بعض الأشخاص المشهورين وغيرهم . وبعض ما ورد في الكتب والإحصائيات لأنها أدلة أقوى بكثير.

- اسمح له بالحفاظ على ماء وجهه، لأن الأشخاص الماهرين والذين لديهم موهبة النقاش هم الذين يعرفون كيف يجعلون الطرف الآخر يقر بوجهة نظرهم دون أن يشعر بالحرج أو الإهانة ويتركون له مخرجا لطيفا من موقفه، إذا أردت أن يعترف الطرف الآخر لك بوجهة نظرك فاترك له مجالا ليهرب من خلاله من موقفه كأن تعطيه سببا مثلا لعدم تطبيق وجهة نظره أو معلومة جديدة لم يكن يعرف بها أو أي سبب يرمي عنه المسئولية لعدم صحة وجهة نظره مع توضيحك له بأن مبدأه الأساسي صحيح ولكن لهذا السبب "الذي وضحته" وليس بسبب وجهة نظره نفسها- فإنها غير مناسبة.

   أما الهجوم التام على وجهة نظره أو السخرية منها فسيدفعه لا إراديا للتمسك بها أكثر ورفض كلامك دون استماع له لأن تنازله في هذه الحالة سيظهر وكأنه خوف وضعف وهو مالا يريد إظهاره مهما كلفه الأمر.

- احترمه لشخصه كإنسان ولا تعامله كشخص مذنب وأن عليك أنت تأديبه وتوجيهه لأن ذلك من شأنه أن يجعله ينفر منك ومن كلامك .

    وتذكر أنه علينا أن نحسن الاختلاف .. أن نختلف بحيث لانصل إلى الحقد والكراهية، وعلينا ان نوقن بأن الاختلاف يثري حياتنا، ومن ثم علينا أن نعرف جيدا أن أي موضوع له عدة زوايا ولا يمكن لأي إنسان مهما أوتي من علم وإدراك أن يدعى بأنه يمكن الإحاطة بموضوع واحد من كل زواياه .

من فضلك .. افهمني

    في مقالة د. فايز رشيد بجريدة " الخليج " يؤكد أن المصابين بعقدة النقص هم الأكثر علوا في أصواتهم، وهم الأكثر ادعاء بامتلاك الحكمة والحقيقة المطلقة.

   ويتابع : تترافق هذه المسألة مع قضية أخرى ، وهي تقييم الآخر ، فإذا كنا نحب إنسانا، نراه في صورة نقية ناصعة البياض بعيدة عن الخلل، وإذا اختلفنا معه لموقف شخصي نراه بالعكس ، وهذا بعيدا عن التقييم الموضوعي الذي يقر بالإيجابيات والسلبيات، ولعل ذلك يبدو جليا في البرامج الحوارية العربية.

   ويحذر كتاب "احترام الصراع" لمؤلفيه يجي غوت، وفويتشيخ هامان ، من أننا دائما ما نخضع لانفعالاتنا وقت الاختلاف وننسى تحقيق مصلحتنا، نتعارك مع الآخر ونحاول بشتى الطرق إقناعه بوجهة نظرنا، نحاول أن نثبت أننا على حق ونتمسك بأمل خادع مفاده أن النصر اللحظي في موقف الصراع سيضمن لنا النجاح الدائم والواقع ليس كذلك.

  وكما جاء في الكتاب فإن محاولات التوفيق بين المصالح والحاجات والأفكار المتضاربة يشكل منبعاً أساساً للأفكار المبدعة والحلول المبتكرة، فمواقف الخلاف تفجر مخزوناً هائلاً من الطاقة يمكن لفائدتها أن تكون عظيمة لو وجهت الاتجاه الصحيح ، كما أن الانتصار كثيراً ما يكون هدفاً بحد ذاته لدى البعض ، فإذا كان هدفك التفاهم والتعاون المستمر مع الآخرين فعليك أن تمتلك المهارات والقدرات التي تمكنك من إقامة التواصل الجيد والتقيد بقواعد التفاهم المثمر وعدم إظهار التفوق والقوة على الطرف الآخر.

   وكما قال الإمام الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.

ثقافة قبول الآخر :

د. عامر ملوكا 

    كتب د. عامر ملوكا الأكاديمي بجامعة ملبورن باستراليا أن مصطلح ثقافة قبول الاخر ظهر عام 1997 بعد صدور مسرحية الكاتب الكبير ادوارد البي عن قصة حديقة الحيوان, وقد جاء على لسان احد شخوصها "ان الجحيم هو الآخر ".

    ويقول أنه للوصول إلى ثقافة قبول الآخر يجب أن نبدأ مع الصغار ولأننا قد عودنا مجتمعنا وطلبتنا على ثقافة التلقين وليس ثقافة الحوار وتعليم الطفل الحفظ وليس التنوع في الإجابات معتمدا على القدرة على إيجاد الحلول المناسبة .

     يجب أن يسود الاحترام والفرح والقبول للآخر  كما هو وليس كما نحن نريد من غير أي تمييز فكري , ديني, طائفي أو عرقي، وأن تعددية الآراء والأفكار والنظريات لاتمنع من العمل سويا للوصول إلى كل ما يسعد الإنسان على هذا الكوكب.

    ويتابع د. عامر : يجب الاهتمام بسلسلة من الأمور والنقاط التي تساعد في قبول الآخر ومنها تغيير وتعديل مناهج التعليم لزرع ثقافة قبول الآخر ، توجيه وسائل الإعلام المختلفة كي تؤكد على ثقافة قبول الآخر ونبذها لكل الثقافات التي تشجع على التعصب والتطرف، التركيز على أن يكون الخطاب الديني خطاباً معتدلاً ويدعم ثقافة التسامح وقبول الآخر ، خلق مجتمع مدني ديمقراطي إضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بالنسبة للحاجات البشرية المعنوية والمادية بناءً على هرم ابراهام.

    وعلى المستوى الشخصي ترسيخ مفاهيم كالموضوعية على حساب الذاتية ونشر ثقافة التنوع والاختلاف على حساب ثقافة التجانس والتشابه والتحول من ثقافة القهر إلى ثقافة المشاركة ومن السلبية إلى الايجابية.

    إننا بحاجة إلى قبول الآخر وتحويل الآخر إلى اللآخر عبر إيماننا بأن الذي يجمعنا يتجاوز ما هو ظاهري وشكلي.

  وبالتأكيد أن قبول سيقودنا إلى التغيير, ولا نقصد تغيير الآخر بل تغييرنا نحن كي يمكننا من قبول الآخر .

ومن العوامل الأخرى التي تساعد على قبول الآخر ، وفق د. عامر ، المحبة واحترام الآخر وتشجيعه والانصات إليه وسماعه وإعطاؤه فرصة للتعبير عن رأيه وإن فن الانصات والحوار من أهم عوامل قبول الآخر والتضحية من أجل الآخر .

    ومؤخرا صدر للكاتب المصري ممدوح الشيخ كتاب عنوانه "ثقافة قبول الآخر" الكتاب تتصدره عبارة للمؤرخ البريطاني دافيد أندرس تقول: "يَجِبُ ألا نفترض أننا مستقيمون، وأعداؤنا أشرار".

    الباب الأول من الكتاب عنوانه "ثقافة رفض "الآخر"، ويتضمن فصلا عنوانه: 

   "ثقافة رفض الآخر في القرآن الكريم" وفيه يعتبر إبليس المؤسس الأول لثقافة رفض الآخر بموقفه من آدم، ويتناول قضايا: "التخلص من الآخر"، و"الآخر كمشكلة أخلاقية".

   وقد قال الرافعي: "متى ما وقع الخلاف بين اثنين وكانت النية صادقة مخلصة لم يكن اختلافهما إلا من تنوع الرأي، وانتهيا إلى الاتفاق بغلبة أقوى الرأيين ما من ذلك بد".

ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة