رواية ملامح
زينب حفني
تعتمد الكاتبة على الجراءة في الطرح والمعالجة ومن خلاله تستمرأ وعن طريق فصول روايتها خرق التابو والتحرش والتي يتحدث مضمونها عن “ثريا” الفتاة التي عاشت ضمن عائلة متواضعة ماديا ومحافظة أخلاقيا، إلا أن أحلامها ضاقت ذرعا تحت رحمة الفقر مما أدى إلى نشوزها عن قاعدة أخواتها فلجأت في شبابها إلى خوض أولى مغامرات الخروج والحب تتوالى أحداث الرواية لتتزوج من “حسن” الذي أستطاع ببراعة تسلق سلمه الوظيفي على حساب شرفه ورجولته التي تتمثل في زوجته ثريا وتنتهي بالطلاق بعد عدة سنوات وبعد إنجاب “زاهر” الذي لم يجد من يعتني به سوى الخادمة .
قراءة بين السطور في رواية زينب حفني (ملامح)
احمد محمود القاسم -الحوار المتمدن-العدد: 2329 - 2008 / 7 / 1
زينب حفني، أديبة سعودية شابة، سارت على نفس منهاج الكاتبة الشابة الدكتورة رجاء بنت عبد الله الصانع، في الجرأة والصراحة والكشف عن المستور، و المسكوت عنه، في المجتمع السعودي، بل كانت أكثر جرأة وصراحة من الكثير من الكاتبات والأديبات السعوديات، مما اضطرها للعيش خارج وطنها السعودية، هروبا من الملاحقات الرسمية والاجتماعية، لمجتمع غابت فيه مطلقا حرية الرأي والفكر، والحرية الشخصية، وحرية التعبير، وقد سارت على الدرب نفسه، الذي سرن عليه الكثيرات من الأديبات والكاتبات السعوديات، أمثال صبا الحرز وكتابها (الآخرون) وسمر المقرن وكتابها (نساء المنكر) ووردة عبد الملك وكتابها (الأوبة) وليلى الجهني وكتابها (الفردوس اليباب) وطيف الحلاج وكتابها (القران المقدس) وغيرهن كثيرات، فهذه الموجة من الكتب والكاتبات، والتي اتصفت بأكثر ما اتصفت به، الجرأة والشجاعة والصراحة، والتحدث عن المسكوت عنه، ومواضيع الجنس، المحظورة كلية في مجتمع يقال عنه، بأنه مجتمع محافظ، ويعتبر فيه المرأة، بل وكل جزء من جسمها عورة، من رأسها حتى أخمص قدميها، إضافة الى صوتها، وحتى اسمها، لا يجوز لأحد ذكره، وان ذكر اضطرارا يسبقه كلمة (تكرموا يالسامعين)ويكفي إشارة الى مدى تزمت، واستبداد، وتحجر، عقليات البعض فيه، أن زوجا سعوديا، لم ير وجه زوجته بعد 24 سنة من زواجهما، ولما تجرأ وكشف عن وجهها، مستغلا كونها نائمة، فلما شعرت به، طالبته، بتطليقها منه فورا، حتى تمكنت من ذلك.
ظاهرة انتشار وظهور الأديبات والكاتبات السعوديات بشكل كبير جدا، نهاية القرن الماضي و خلال العقد الحالي من القرن الواحد والعشرون، وجرأتهن في الكتابة، في ضلع واحد من أضلاع المثلث المحظور والمحرم والمسكوت عنه، وهو (الجنس)، وبشكل ما، في موضوعي (الدين والسياسة)، بكل تفاصيله وبدقة منقطعة النظير، بحيث شبه البعض كتاباتهن ببنطلون (التايت)، الذي إذا لبسته المرأة أو الشابة، فانه يظهر أدق التفاصيل والتقاطعات من مفاتن جسدها، وبكل وضوح، قل أن تجد مثله وضوحا.
في روايتها (ملامح)، الصادرة عن دار الساقي، في بيروت، عام 2006م، تقدم لنا الكاتبة والأديبة السعودية زينب حفني، نبذة من طفولتها، حيث تبدأ الرواية في مدينة مكة، في بداية شهر مارس، وتتذكر يوما كيف أن والدتها دخلت سريرها للنوم مع زوجها، وكيف أنها حاولت التلصص عليهما، من خرم الباب المغلق، وكيف أنها شاهدت والدها وقد أقبل عليها باندفاع شديد، وغطى جسدها بسيل من القبلات، على كافة أنحائه، بحيث لم يبق منه جزءا واحدا لم يقبله، وهي تنظر اليهما من خرم الباب، وتمتع نفسها، وتستمتع بنظرها، وهي ترى أمها تتأوه من شدة الألم والمتعة، الى أن انتشت، ووصلت في نشوتها الى الذروة، فهمت بالذهاب الى الحمام، كي تغسل ما قد يكون علق بجسدها، مما دفعها الى الهروب سريعا الى غرفتها، خوفا من أن تراها والدتها.
تقول الكاتبة زينب حفني، أن هذه الحادثة كانت البداية في فتح النوافذ مشرعة، على أحلامها الوردية والجنسية، في بداية نضوجها الجنسي.
(تعودت أمي، ألا تنام قبل أن تطمئن إلينا جميعاً، وتتأكد أننا خلدنا إلى النوم قبلها، ليلة ذاك، لم أنم، مشيت على رؤوس أصابعي، مددتُ عيني صوب فتحة باب غرفة نومهما، كان ضوء الصالة ينعكس على مخدعهما، رأيت أبي يُقبَلُ أمي في أنحاء جسدها، ثم يضمها بقوة إليه، وأمي تتأوه من اللذة بين ذراعيه، تابعت مشهد الالتحام بتفاصيله الدقيقة، حتى نهايته، حين وجدتُ أمي تهبُ من مكانها لتغتسل، أسرعت جرياً إلى حجرتي، ولهاثي يسبقني" ص(33) هذا التلصص فجَر براكين المراهقة."كانت هناك كتلةٌ من اللهب تستعر في بدني، تسري في شراييني؟ فرَ النوم من مقلتيَ، لم أستطع النوم قبل أن أُخمد سعير شهوتي، بيدي. منذ ذلك اليوم، غدت فكرة التلصص عادةً مستديمةً عندي، فكنتُ بين حينٍ وآخر، أستمتع برؤية صور الانصهار، أعود بعدها إلى غرفتي، وأستسلم لمداعبة نفسي، وأغمض عينيَ، متخيلةً أني في حضن فؤاد" ص (33-34) ).
ثريا في قصة (ملامح)، هي البطلة، حيث كانت متزوجة من موظف صغير، يعمل في القطاع الحكومي، يدعى (حسين)، وكان وضعه المادي ضعيفا، ولا يستطيع التقدم والرقي في وظيفته، إلا انه تمكن من أساليبه الخاصة وباستغلاله لجسد زوجته، و تقديمه الى مديره (علوي) وغيره من الأثرياء، بطريقة مبتكرة وحاذقة، مقابل أن يحصل منه على وعد بترقيته، ورفع منصبه الوظيفي، كما انه اقنع زوجته بالفكرة، حيث طلب منها مسايرة ضيفه هذا، وتسهيل مهمته عند زيارته لهما في بيتهما.
((بعد الزواج من ثريا وُلِدَ الابن زاهر، لتزداد مصاعب الحياة، بسبب راتب حسين الضئيل. هنا يظهر في الصورة مدير حسين في العمل "السيد علوي"، حيث يبدأ الرجل في التردد على منزل هذه العائلة، والسهر مع الزوجين، ومرة تلو الأخرى، وبفعل كؤوس الخمر التي ترافق السهرات، تزداد جرأته ووقاحته مع زوجة حسين، الذي يخبر ثريا أن هذا الرجل يستطيع منحه ترقية كبيرة، طالباً منها مجاراته، حتى كانت تلك الأمسية التي أتى فيها علوي بلا موعد، قائلاً إن لديه موعدٌ مع حسين، وسرعان ما وقع المحظور بين الرجل وثريا، خصوصا، بعد أن وعدها بأن يلبي لها كل طلباتها، تركته يلتهم جسدها فوق الأريكة، وقبل أن يغادر، أهداها علبةً من القطيفة الحمراء، انفجرت المرأة باكية بعد انصرافه، ووقفت تحت الدش وهي بكامل ملابسها، ليختلط بكاؤها بصوت الماء المنسكب، غير أنها عندما عادت لتفتح العلبة، شهقت، بعد اكتشافها أن الهدية، عبارة عن خاتم من الألماس، تبدد من أعماقها الندم، وحلت مكانه فرحة اقتناء خاتم الألماس، لأول مرةٍ في حياتها)).
يظهر هذا المقطع في قصة زينب حفني ضعيفا، ومن الصعب تصديقه في المجتمع السعودي، مع انه أيضا لا يمكن استبعاده، مع أن زوجها حسين، كانت له مغامرات كثيرة ومتعددة، وفوق الخيال أو التصور، خارج إطار العلاقات الزوجية، مع الكثير من السيدات وبنات الهوى، في كل مكان وزمان سار إليه، أو حل فيه، مع انه كان يحاول في أوقات كثيرة، العطف على الفقراء والمساكين، وعلى الأسر التي فقدت معيلها الوحيد، وفي مجال تعليم الطلبة، على حسابه الخاص، فهو بعد أن استغنى، يحاول نسيان ماضيه، والتخلي عن كل ما الم به وأصابه، من قذارة وحقارة، على حساب زوجته ثريا، والتعويض والتكفير عنه، ومحاولة إعادة تبييضه، وحتى إزالته من وجوده وكيانه، فقد كان وصمة عار في سجل ذكرياته، عليه التخلص منه، حيث تقول زوجة حسين في القصة:
(أما حسين، فهو يعترف في الرواية، بأنه تعمد التغيب عن البيت، أثناء قدوم مديره في ذلك المساء، وبمرور الوقت، اعتاد حسين دفن كبريائه ورجولته، في حين شهدت حياة ثريا أنواعاً مختلفة من الرجال، وتغيرت الأحوال المادية للزوجين..وتغيرت معها علاقتهما الجسدية: "قررنا أن ننام في جناحين منفصلين، لا يأتي جناحي، إلا إذا تحركت غريزته نحوي، وكان هذا يحدث في فتراتٍ متباعدة، فكان إذا ما أتمَ عملية الإنزال، وأراق ماءه داخلي، أُسرعُ إلى دورة المياه، أفرغُ كل ما في جوفي في كرسي المبولة" ص(54)).
تتابع بطلة القصة (ثريا) وعلى لسانها، عن ذكريات الطفولة، بأنها، بينما كانت تتلصص في مراهقتها على والديها، وما يقدمان عليه من مشاهد جنسية مثيرة جدا، وممتعة، كان حسين زوجها، يختلس نظراته الثاقبة والعميقة نحوهما، وهي مع مديره، وكيف كان يعبث بجسدها، بحيث لم يبق به جزءا لم يلثمه بشفاهه أو لسانه، وكان حسين، يتابع المشهد بشغف منقطع النظير من اختبائه خلف الكواليس، وإذا ما خرج ضيوفه من أحضاني، كان يسارع الى التجربة معي، وليقلد ما كان يفعله الآخرون أمام ناظريه.
يقول حسين، زوج ثريا، بعد أن تعود على إحضار زملائه وأصدقائه الى سرير الزوجية الخاص به:(كنتُ أوهم زوجتي وضيفي، بأن أمراً يستدعي خروجي، لأتركهما يتصرفان على سجيتهما، لكنني في حقيقة الأمر، كنتٌ أعود متسللاً، أمشي مشية سارقٍ محترف، أمدُ رأسي، لأشاهد بأم عينيَ براعة زوجتي، وقدرتها على إمتاع الرجل، الذي معها. كانت هذه المشاهد تثيرني، وعندما أختلي بزوجتي، أندفع نحوها كالمسعور، ومشاهد التصاقها بالآخر، تُلهب مخيلتي" ص (87)).
تقول ثريا أن زوجها حسين، كانت له مغامراته الخاصة قبل زواجه منها، حيث كان شابا ولا يملك المال الكافي لإشباع غريزته الجنسية مع مومسات، فكان يفرغها مع الخادمة في منزل والديه: (ثم جاء العريس حسين، ابن حي المنشية في مكة، الذي عاش طفولةً قاسية في كنف عمه، عقب وفاة والديه، في حادث حريق. في شبابه، عرف طَعم النساء لأول مرة مع فاطمة، الخادمة الصومالية، التي تعود أن يطفيء فيها رغباته، مقابل مبلغٍ زهيد من المال.
ويقول حسين في القصة على لسانه:
"أتذكر ضاحكاً، المواقعة الأولى لي، حيث كان العرقُ يتصبب من جبيني، وأنا أتحسسُ بأصابعي المرتعشة، كومتي صدرها، أحدقُ مذهولاً في شعر عانتها، وفي تكويرة بطنها، وفي ضخامة إليتها، كنتٌ مأخوذاً مثل الطفل، الذي يمسكُ بدميةٍ بين يديه، ليكتشف مكوناتها، ساقتني ليلة ذاك، وبمهارةٍ إلى جميع دروب أنوثتها"، ص (78)).
لم تدم حياة ثريا مع زوجها حسين طويلا، بعد أن أثرى واستغنى كثيرا على حساب جسدها، الذي يشع جمالا وأنوثة وتألقا، بحيث كان يتخلها عنده كالمومس، وهو قوادها، فعمل على تطليقها، حتى يتخلص مما لحقه به من عار عندما كانت زوجته وعلى ذمته، وبعد أن حقق هدفه منها، ولم يعد في فكره، حاجته إليها، حتى يستكمل طريقه بها، طريق الرذيلة والحقارة :
(تفاجأ ثريا بزوجها حسين، يوما ما يقف قبالتها، نظراته متحفزة، يحمل في يده ورقةً مطوية، رماها على الطاولة، قائلاً بنبرة مستفزة: ها هي ورقة خلاصي منك.
وبعد سيلٍ من الإهانات، يحدد لها الأموال والممتلكات التي كتبها باسمها قبل أن يطلقها، قائلاً: "أعتقد أنني تصرفت برجولة معك.
قهقهتُ لحظة ذاك، معلقةً بنبرةٍ هازئة: رجولة؟ منذ متى تعلمتها؟ هذه كلمة دخيلة على هذا البيت. حدجني بنظراتٍ تقطر عداوةً، نهضتُ من مقعدي، أعطيتُه ظهري، هززتُ له عجيزتي، وضربتُها بكفي، قائلةً: لولا مواهبي هذه، لكنتَ لا تزال إلى الآن، موظفاً صغيراً، ولما أصبحت تتمرغ في هذا النعيم.
تلفَت يمنةً ويسرة، تحسباً من أن يسمعنا الخدم، قائلاً بصوت خافت:أنت امرأةٌ سافلة، بلا أخلاق.
نعم، أنا كل هذا، لكن لا تنسَ أني تلميذتك النجيبة، التي تعلمت على يديك دروس الانحطاط" ص(7+8).)
في أول ليلةٍ لها في فيلتها، حيث سكناها بعد طلاقها، الذي تركه لها زوجها حسين، تجد نفسها مقبلةً على حياة جديدة، إذ تقول:
(وجدتُها فرصةً سانحة، لكي أتحسس معالم أنوثتي، ألقي نظرةٍ متفحصةٍ على خبايا أعماقي، إقامة مناظرة مع نفسي، خلعتُ ملابسي، وقفتُ عاريةٍ قبالة المرآة، تمعَنتُ في تضاريس جسدي، اكتشفتُ أنه ما زال غضاً، ممشوقاً، عجيزتي مرفوعةٌ، ثديي لم يصبهما الترهل، فخذاي مشدودتان، وهذا ما يعني، أنني ما زلتُ ورقةً رابحة"ص(13+14).
تتعرف ثريا في فلتها، على صديقتها (نور)، والتي تعرفها بدورها لاحقا، على صديق صديقها المدعو (فؤاد)، والذي تقيم معه علاقة صداقة، تبدأها في لقاء معه على البحر، حيث تبدأ رحلة الألف ميل بخطوة واحدة:
(تلتقي ثريا فتاة في مثل عمرها تدعى (نور)، تسألها في لقائهما الأول قائلةً: "هل لديك صديق؟" وسرعان ما تقودها إلى هذا العالم، عندما تدبر ذات يومٍ لقاءً بين ثريا وفؤاد، في الشاليه الذي يملكه خالد صديق نور على البحر.
في اللقاء التالي، كنتُ أكثر تحرراً، أحضرت لي نور (ميوهاً) على مقاسي، ترددتُ في ارتدائه بداية الأمر، ثم أذعنتُ لإلحاحها كالعادة، نزلنا نحن الأربعة إلى البحر، كان الماء بارداً، انطلقت مني صرخةُ، على غفلةٍ، التقط فؤاد يدي، قبض عليها بقوةٍ، تملكتني مشاعر لذيذة، نظرت في وجهه، كانت عيناه تتصفح مجرى هضبتي، تضاريس جسدي، بلعتُ ريقي، بدأت شفتاي ترتعشان، عينان تُطلقان إشارات نداءٍ ملتهبة، وجدتُ نفسي بلا وعي، أرتمي في حضنه، لم نتحدث طويلاً، تركنا شفاهنا تُعبَر عما نريده، حين ألفيتُ يده تحاول أن تعبث أكثر، في خبايا أنوثتي، أزحتها برفق، كانت تعليمات أمي برغم كل ما جرى معي، مسيطرةً على عقلي" ص 29).
تتحدث ثريا، بطلة القصة أيضا، كيف تحولت في علاقاتها بعد مدة وجيزة، الى العلاقات المثلية والسحاقية، عن طريق صديقتها نور، حيث تقص عليها نماذج لأربعة قصص، من قصص مختلفة، لبعض النساء، كمدخل توصل لها من خلاله الرسالة، قصة صديقة متزوجة من رجل يصاب بمرض السكري، وكيف انه لا يشبعها جنسيا بالمرة، وإنها تلجأ الى العادة السرية كي تشبع رغبتها، وكيف أن زوجها يهملها ويتزوج عليها من زوجة شابة أخرى:
(واحدة من صديقات أمي المقربات، تشكو دائماً من أن زوجها لا يُشبع رغباتها، لا يُضاجعها إلا في أوقاتٍ متباعدة، يؤدي دوره على نحوٍ آلي، كواجبٍ مفروض عليه. استسلمت نهاية المطاف لقدرها، برغم معرفتها أن له حياة أخرى سرية، يبعثر فيها ذكورته، غدت تُشبع حاجتها الغريزية بالعادة السرية، حتى باتت هذه عادةً مستديمة عندها.
وثانية تتحدث عن زوجها باستهزاء، تُبدي تذمرها منه، إنها لم تعد تصل إلى الذروة معه، منذ أن أصابه داء السكري، الذي أفقده جزءاً كبيراً من قدراته الجنسية.
ثالثة تعترف، صراحةً، أن زوجها لم يقربها منذ تزوج بأخرى في عمر بناته، لكنها لا تملك الشجاعة الكافية لطلاب الطلاق، حتى لا تخسر ما بنته معه في سنوات شبابها.
رابعة تفاقمت الخلافات بينها وبين زوجها، فأصبحا يعيشان كغريبين تحت سقفٍ واحد، لكنهما قررا الاستمرار معاً من أجل أبنائهم. ارتأت هذه المرأة أن تتجه إلى عالم المثليات، بعدما وصلت إلى طريق مسدود مع زوجها، اختارت لنفسها صديقة دائمة، ترتاح إلى صحبتها، تخرج معها، تسهر معها، تُنفِسُ معها عن رغباتها المكبوتة في وضح النهار، من دون أن تخشى تقريعاً من أحد"
عندما تسألها ثريا بفضول، عن عالم المثليات هذا، تضحك نور معلقةً:
"فهمتُ، أنها تعني اتخاذ امرأةٍ، امرأةً أخرى، خليلةً لها، تعاملها على غرار ما يُعامل الرجل امرأته). ص (31+32).
وهكذا تدخل ثريا في علاقات مثلية مع صديقة لها اسمها هند:
(تصفُ الساردةُ هند فتقول: إنها كانت تقارب الأربعين من عمرها، لكنها ذات جسدٍ جميل مغطى بجلدٍ خمري، وشعرٍ ناعم الملمس، فاحم طويل يصل إلى منتصف جذعها، واليتين شديدتي البروز، تظهران جلياً من فوق عباءتها، ولها عينين واسعتين، نظراتهما عميقة، تشع منهما شهوةٌ مكبوتة، تحاول جاهدةً مداراتها، تجرها البطلة بعد تقاربهما، كصديقتين إلى المنطقة المحظورة، إذ تسألها:
ألم تعرفي الحب في حياتك؟..فاجأها السؤال، وبدأت شفتاها تهتزان ويداها ترتعشان، وأنفاسها تتلاحق، وصدرها يعلو ويهبط، دفنت رأسها في صدر البطلة، وانفجرت في البكاء. ضمتها بين ذراعيها..كانت يداها تضغطان بقوةٍ على ظهرها، وبدأت تقبلها قبلاتٍ بطيئة في وجهها.
تتساءل: متى حدث اللقاء الأول؟ من المؤكد أنها لم تكن هي المبادرة..بل أنا..كانت لهفتي فائقة، لاكتشاف دنيا جديدة، وتذوق متعةٍ إضافية، من متع الحياة، وهكذا تشعل ثريا المدى المسحور، بأجنحةٍ تخفق في غابات هند العذراء، لترتعش المجرة، بلمساتٍ تنظم القصائد. وتستعرض لنا الساردةُ نماذج أخرى من المثليات اللاتي تعرفت إليهن، مثل سماهر التي اغتصبها أبوها وهي في العاشرة، وصولاً إلى سن الخامسة عشرة، حتى أصبحت منجذبةً إلى عالم النساء، نافرةً من دنيا الرجال).
وفي القصة، يظهر حقيقة إخوان هند، ومعرفتهم بكونها، ذات علاقات مثلية، ولكنهم لا يأبهون بالأمر لأسباب مادية، تتعلق بالإرث، وتتساءل هند فيما إذا كانوا إخوتها يعرفون حقيقتها أم لا؟؟؟ لكنها تؤكد جازمة، أنهم يعرفون ذلك، لكنهم يغضون البصر عنها:
(يتغاضى إخوة هند عن شذوذها طمعاً في الإرث، إذ نجدهم حريصين على الحفاظ على ممتلكاتها، والاستحواذ عليها، بدل أن تذهب إلى زوج (غريب). هنا تكمن عقدة هند ومأساتها. تقول هند:" أحياناً وأنا أنظر في وجوه إخوتي، يحيرني سؤال غبي، إن كان لديهم علم بعلاقاتي المثلية. أستخف من سذاجتي. بالتأكيد هم يغضون النظر، ما دام ميراثي بخير، بعيداً كل البعد، عن متناول رجل يطمع في الحصول عليه." ص(130)).
أما نهاية القصة، كعادة القصص العربية منذ القدم، فالقصة تنتهي بوفاة البطل، بشكل او بآخر، وفي هذه الرواية البطلة هي (ثريا)، مع أنها حقيقة، كانت أداة مصيرة، في يد زوجها حسين،مع أنها الأكثر إثارة ومحورية في القصة، منذ بداية زواجهما، مع أن الزوجين كليهما، يبحثان عن الجاه والمال، حتى يتخلصا من فقرهما ووضعهما غير المريح، والذي لا يتناسب مع طموحاتهما، فالفكرة الجهنمية التي راودت حسين، منذ بداية زواجه تقريبا، هو استغلاله لجسد زوجته، وجماله الأخاذ، ويبقى التساؤل المشروع كيف أن زوجته ثريا اقتنعت بهذه الفكرة بسهولة، بدون مقاومتها أو رفضها؟؟؟ لكن يبدو أنها كانت مستعدة لهذه المهمة، ومهيأة لهذا الدور، طالما أنها زوجة تتبع زوجها، فهو المسئول عنها، وهو رب الأسرة، وهو من يتحمل لوحده عاقبة أعماله.
رغم أنهما حققا طموحاتهما المادية والمالية والترف والبذخ، وامتلاك الأموال، بشكل سريع جدا، إلا أن هذه الثروة، لم تحقق لهما ما يحلم به كل زوجين، من عيشة رغدة، هانئة وسعيدة، وبناء أسرة كريمة متماسكة، يغمرها الحب والحنان والكرامة والعزة.
على الرغم من أن ثمرة زواجهما، انجابهما ولدا أسمياه (زاهر)، وقبل انخراطهم في حياة المجون والجنس، وجمع المال بأي ثمن، إلا أن وجود زاهر في تفكير وذهن والده، كان يذكره بماضيه السيء والفاضح، بحيث لم يكن يشرفه، كونه أنجبه من زوجته ثريا، والتي وصفها في موقع في القصة (بالمومس)، ومع هذا، فان حسين، بعد تصفية كل أعماله في وطنه، وانتقاله الى لندن، يتزوج من شابة إنجليزية، تنجب له ابنا، يكرر تسميته باسم (زاهر) ابنه من ثريا، وكأنه يستبدل ابنه الأول، بابنه المولود الجديد، وكأنه قد مات أو يعتبره ليس ولدا شرعيا له، كون والدته في ظنه وتفكيره بمثابة المومس، بينما زاهر الثاني، قد أنجبه بطريقة شرعية، حيث لم تكن زوجته الإنجليزية وممارستها بمثابة المومس.
بعد أن جمعت ثريا ما كانت تتمناه من المال، وبعد طلاقها من حسين، أقامت في لندن مع خادمتها، وقد تكالبت عليها الأمراض، ولم يعد أحد من حولها من العشاق والمحبين، بعد أن فقدت بريق جمالها، وترهل جسدها البض المثير، حتى ابنها زاهر، ابنها الوحيد، لم يكن له صلة بها، وفي يوم من الأيام، تفاجأ الخادمة بسيدتها ملقاة على الأرض بين غرفة نومها والحمام، وقد فارقت الحياة. وتصف الساردة هذا الموقف فتقول:
( دخلت الخادمة صباحا، لتعطي سيدتها دواءها كالمعتاد، وجدتها راقدة على وجهها، في الممر الفاصل بين غرفتها ودورة المياه، اتصلت سريعا بطبيبها، كان قد مضى على موتها بضع ساعات، كتب الطبيب في تقريره الشرعي:" سبب الوفاة، سكتة قلبية، وقد وافتها المنية عند الثالثة فجرا". قدرت ثروتها بملايين عدة، عادت جميعها لأهلها." ص (160).
بهذه القصة الجميلة والرائعة، وبأسلوبها الشيق والممتع والمثير والسلس، تنقلنا الكاتبة والأديبة الرائعة والمتألقة زينب حفني، الى أحداث وظواهر متنوعة وكثيرة جدا، و خاطئة، تبدوا تحت السطح، دفينة ولا تظهر فوق السطح، يغط بها المجتمع السعودي والخليجي بشكل عام، وبشكل متفاوت، تختلف من مجتمع لآخر، على ضوء ما يتوافر به من حريات اجتماعية، إذ تحدث مثل هذه الظواهر، في المجتمعات العربية المنغلقة، والمتزمتة والمقهورة و المقموعة، والمتحجرة، والتي تقمع فيها الحريات الشخصية، وتقمع فيها المرأة، وتسجن، وتعذب وتعتقل، ويداس، على كرامتها وحريتها الشخصية، وتقتل في أحيان كثيرة، ظلما وعدوانا من قبل الرجل، بدون أي إثباتات ظاهرة، باسم عادات وتقاليد بالية، نام عليها الدهر وشرب.
تبقى قصة زينب حفني واحدة من قصص الأديبات والكاتبات السعوديات المبدعات والرائعات، اللواتي ظهرن في نهاية القرن العشرين، وبداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. فكل التحايا والإعجاب والتقدير، للأديبات والكاتبات السعوديات، المبادرات، بفضحهن للمسكوت عنه، جرأتهن وشجاعتهن وصراحتهن وتمردهن، على القيم البالية والمزرية، وفضحهن لهذه الممارسات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق