عصي الدم
منهل السراج
رواية عن تاريخ مدينة حماة المحرم. رواية تسرد قصة عائلة حموية عادية في مرحلة ما قبل الأحداث، وما بعد الأحداث لهذه الرواية واقع خاص عند القارىء الحموي، لأن تفاصيلا وأحداثا كثيرة تتقاطع مع ما عاشه كل حموي وحموية، داخل الوطن وخارجه. رواية مليئة بالأحزان والذكريات.
مقتطفات الرواية
نظرت غادة إلى اخر الطريق النازل بحدة . اخذت نفسا عميقا و هبطت طيرانا قفزات قصيرة في الهواء ثوان وصلت نهايته حيث شارع الموت .
مات أولاد عديدون في هذا الشارع عفسا بالسيارات الشاحنة و الباصات المسافرة غربا . قبل البارحة فقط ماتت أم صفاء رفيقة غادة بالصف ماتت عفسا و هي تقطع الطريق لشراء حاجات البنت من المكتبة الوحيدة في المنطقة دفتر و قلم رصاص و براية و محاية . لم تأت صفاء إلى المدرسة منذ يومين لانها لم تستطع أن تحضر البراية و المحاية و القلم و الدفتر الاشياء التي طلبتها المعلمة عيشة الطبال .
قد تكون صفاء خائفة أن تمسكها المعلمة من شعرها و تخبط رأسها باللوح الجديد . لو ظل اللوح الاسود الخشبي القديم لكانت الخبطة اقل وجعا لكنهم استغنوا عن و دهنوا الجدار الطويل نفسه بالاخضر و تحول الحائط الاسمنتي إلى لوح للكتابة و الشرح و العقاب . كذلك تغيبت انتصار بعد أن عوقبت عقابا شديدا من المعلمة عيشة الطبال . كل يوم تضربها مرات عديدة تضربها بعصبية شديدة فيما تجعر انتصار : ما بعرف . لا تعرف الجواب .
وجدت غادة أن القسمة هي اصعب المواد شكرت ربها أن المعلمة عيشة الطبال و رغم علامة الحساب المتدينة لم تمسكها من شعرها و تخبط رأسها بالحائط . اعتطها ورقة العلامات و قالت : إلى البيت . كانت سيقان غادة ترتعد بوضوح برغم البنطال العريض و الصدرية البيج الطويلة تتعرق عند اصبع قدميها و غازات كثيفة تمسك نفسها بصعوبة مخافة أن تطلقها في حضرة عيشة الطبال .
انتهى دوام يوم من ايام المدرسة صعدت غادة النزلة بتثاقل راجعة إلى البيت ملوثة السروال بقطرات بول سقطت رغم عنها حين رأت ورقة العلامات و العلامة ضعيف في الحساب .
الصف الرابع الابتدائي هو الصف الاصعب قالت لها اختا الكبيرة فداء مواسية و جلست بجانبها على المقعد الخشبي الطويل تشرح لها تمارين الحساب بينما غادة غائبة في خيبتها تجرب أن تفهم عبثا تشرد في عقاب المعلمة و هي تنظر في اظافرها المحاطة ( بعروق الملح ) تعيد اختها الشرح بصبر : هل فهمت ؟
- أي
لكنها لم تفهم شيئا و لم تسمع شيئا .
لم تعيرها اخواتها بالنتيجة (( ضعيف )) كعادتهن فيما بينهن تجاهلن الامر حين دخلت بشفاة مزمومة و عيون منكسرة و متحفزة في آن .
اوت إلى فراشها سريعا لتنهي يوما مخزيا و تتهرب من لقاء امها و ابيها و اسئلة المساء و تحقيقات المساء . لم تغف راحت كعادتها تتأمل في انحاء الغرفة دهان الحيطان و السقف عمود تعليق الملابس زاوية الغرفة التي يتكدس عندها السجاد صيفا و الحصير شتاء تتخيلهم كائنات قادمة من كوكب اخر لها جلد املس و جاف توغل في التخيل حتى تصدق تخيلاتها تحبس ريقها في حلقها متوجسة من القادم من الحكاية التي خلقتها لنفسها ، مرعبة و مثيرة في آن .
دفنت وجهها تحت اللحاف احست بالاختناق كشفته ، طمرته و مضت في اللعبة ذاتها .. اصوات اهلها تأتي اليها من الغرفة البعيدة صاخبة و سعيدة كعادتهم مساء الا هي كيف تتخلص من المعلمة عائشة الطبال !
أو
أو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق