الاثنين، 2 مارس 2015

اعترافات الحاج باولو كويلو - حوار: خوان ارياس ...


 اعترافات:الحاج باولو كويلو


الفصل الاول:نذر الشؤم.


” نذر الشؤم هي الالف باء او العلامات ،التي يمكن 


أن نطورها للحديث عن روح العالم”


الناقد العراقي -2011/02/27 - حوار: خوان ارياس - ترجمة: خضير اللامي :


   باولو كويلو هو كاتب متعدد الأوجه ‘ ومتعدد الرموز ‘ عسير الفهم على كثير من نقاده في مجال الأدب. ومن هنا ‘ تطلق رواياته الصادقة عنان الآم الصراع ‘ والقيود العصية على الانحناء ‘ فضلا عن ذلك ‘ أن علاقته مع قرائه لم تكن علاقة كاتب نمطي بقارئ . وكان كويلو يجب أن يُقرا ابتداء من رواية ” الجبل الخامس ” كواحدة من سلسلة قراءات ‘ وبشكل عام ‘ فإن ألاف المتلقين يطرحون تساؤلاتهم ‘ وبهذا وفي ذات الموضوع ‘ فأن الحالة الثقافية تحولت إلى مجموعة من جلسات العلاج النفسي . وكانت تلك التساؤلات ‘ تطرح على الورق ‘ ولكن بمواجهة مباشرة  مع الكاتب ‘ معترفين بشكل عام ‘ أن كتبه قد غيرت مجرى حياتهم ‘ أنهم يريدون أن يعرفوا المزيد ‘  وكل شيء عنه . أنهم يحيطون به. وهو يوقع لهم على نسخ من كتبه ‘ وقد يستمر هذا ساعات طويلة.

   وحياة كويلو ‘ تنحصر أصلا  كونه كاتبا مبدعا ‘ وأحيانا كان يصارع إزاء ذلك كل حياته . وقد أنجز ذلك عبر آماله . لأنه كاتب يجب أن يغمر ذاته في خضم الحياة ‘ ويمعن النظر فيها ‘فضلا عن أنه‘  قرأ سر ألف باء العالم ‘ والنذر التي ترسل إلينا . تشبه الرسائل المشفرة.
ومن الغريب جدا أن مقابلتنا له بدأت مع واحدة من هذه النذر ‘ في ريودي جانيرو. وهي أول لقاء ينظم لنا في الساعة الثانية بعد الظهر . وكنا نخطط للحوارات منذ ستة أشهر , عندما  وصلنا منزله ‘ أخبرنا البواب أنه لم يعد بعد من رياضة المشي الصباحي ‘ عبر شاطئ البحر . وهي الرياضة التي يقوم بها كل يوم ‘   ليستمتع بها في  شرب حليب  جوز الهند ‘ وخلالها يحيي الناس الذين يعرفهم ‘ أو الذين يأتون بهدف الحديث معه . جلست بانتظاره في بار مجاور لمنزله . وقد وصل بعد نصف ساعة ‘ مبتسماَ ‘ لكنه قلق بعض الشيء . وقبل  أن أهيئ شريط التسجيل بادر ليخبرني ما قد حدث له الآن ‘ لأنه يعد ذلك نوعا من ” نذير شؤم ” الذي يرغمك على التأمل في الحياة. ويخلق انطباعا عميقا في داخلك . وقد أراد  كويلو أن يستخدم هذه الحادثة  موضوعا لأحد أعمدته اليومية في 
صحيفة O Globo ، وعنوانه ” رجل يضطجع على الأرض “. وهو كما يلي:
     في الأول من تموز يوليو ‘ وفي الساعة الثالثة وخمس دقائق ‘ كان ثمة رجل في الخمسين من عمره مضطجعا على رصيف قرب شاطئ كوبا كابانا ‘ كنت أسير قربه ‘ ألقيت نظرة سريعة عليه . وتجاوزته باتجاه مقعد خشبي ‘ حيث اجلس عليه كل يوم لشرب حليب جوز الهند ‘ولأنني من ريودي جانيرو فقد رأيت المئات ‘ ربما الآلاف من الرجال والنساء والأطفال ينامون على الأرض ولكوني   سافرت كثيرا ورأيت مثل هذه المشاهد في كل بلد زرته – من سويسرا الغنية الى رومانيا الفقيرة- وقد رايتهم في كل فصل من فصول السنة ‘ وفي شتاءات مدريد الباردة ‘ ونيويورك ‘ وباريس ‘ حيث يسكنون قرب الهواء الدفيء الذي يأتي من مداخل الشارع الفرعي ‘ في الارض المحترقة في لبنان ‘ بين البنايات المدمرة نتيجة الحرب . يضطحع الناس على الأرض – يشربون ؛ ويمارسون حياتهم ويستعرضون ما في دواخلهم ولم يكن ثمة شيء جديدا في حياتنا.
   شربت حليب جوز الهند . قلت ‘ يجب أن أعود حالا ‘ لأنه لدي موعد مع خوان ارياس   ‘ من جريدة ” البايس ” الاسبانية .وعند عودتي ‘ رأيت الرجل ما زال نائما هناك تحت أشعة الشمس ‘ يمر به الناس كما مررت به انأ . يلقون نظرة عليه ‘ ثم يستمرون في طريقهم .
    حدث ذلك – رغم أنني لم الحظ – أنني شعرت بالانقباض النفسي لرؤية المشهد مرات عديدة . عندما اجتزت ذلك  الرجل للمرة الثانية‘ كان ثمة شيء قويا في داخلي دفعني إلى أن انحني وأحاول أن أساعدهما استجاب لي . أدرت رأسه ‘ إلى جانب ورأيت دما قرب صدغيه ‘ وأنه كان شيئا خطيرا ؟ نظفت الدم بقميصي ‘ بدت لي العملية قاسية جدا .
  وفي اللحظة التي بدا فيها ذلك الرجل يدمدم بكلمات قليلة : أخبرهم إلا يضربوني …” إذا ‘ كان حيا . كان علي أن أنهضه ‘ واستدعي الشرطة.
    أوقفت أول رجل مر من أمامي ‘ وطلبت منه أن يمد يد المساعدة لإنهاضه وإسناده تحت الظل بين الرصيف ورمل الشاطئ .
   ترك الرجل كل شيء وهبّ لمساعدتي . ربما أن روحه قد تعبت من رؤية هذه المشاهد أيضا.
   وضعنا الرجل في الظل ‘ واتجهت أنا الى اقرب مركز للشرطة ‘ وطلبت منهم النجدة ‘ ولكن قبل أن أصل الى هناك ‘ اتجهت الى ضابطي  شرطة ‘ قلت لهما ‘ ثمة رجل جريح في مقدمة كذا ‘ وكذا. وأوضحت لهما أنني نقلته الى ظل وطرحته على الرمل ‘ وعليكما ان تستدعيا سيارة إسعاف . قالا لي أنهما سيتدبران الأمر.. وهكذا شعرت بالارتياح ‘ وإنني قمت بانجاز واجبي قلت.. هذا يوم عمل جيد.. بيد ان المشكلة – هكذا شعرت- بيد أناس آخرين ‘ ويجب عليهم الاهتمام به . وفكرت في ذات الوقت ؛ ان الصحافي الاسباني لا بد وانه قد وصل منزلي .
   لم أخطو أكثر من عشر خطوات ‘ حتى أقبل عليّ  رجل غريب ‘ تحدث بلغة برتغالية ركيكة قائلا : قد بلغت الشرطة الآن ‘ عن ذلك الرجل ‘ بيد أنهم قالوا لي : إذاً لم تكن سرقة فإن الأمر لا يعنيهم”.
  لم أدع الرجل يكمل كلامه ‘ فقد عدت الى الشرطة مقتنعا أنهم قد عرفوني ‘ أنني الشخص الذي يكتب المقالات في الصحف ‘  وتظهر صورته على شاشات المحطات الفضائية . وقد عدت إليهم بانطباع خادع ؛ ان النجاح يمكن أن يحل كثيرا من المشاكل . لكن احدهم سألني عندما راني إنني التمس المساعدة بطريقة جادة ‘ ويبدو أنه لا يملك أدنى فكرة عن هويتي ‘ قال: هل تملك تخويلا ؟” كلا ‘ دعونا نهتم به حالا . قلت .
  كنت أرتدي ملابس رثة ‘ سروال جينز ‘ وقميص نصف ردن ‘ ملطخا بدم ذلك الرجل . وأنا أتصبب عرقا ‘ وكنت بالنسبة لهم رجلا عاديا حسب. قلت لهم : كلا ‘ لا أملك تفويضا سوى أنني رجل قادم من شاطئ البحر نتيجة ساْمي لرؤية أناس نائمين على ساحل ذلك الشاطئ؛ وكنت لسنوات عديدة غير قادر في حياتي على القيام بأي شيء مهم.
   وفجأة ‘ تغير كل شيء ‘ وحان الوقت لتجد نفسك بمناْي عن أي خوف ‘ وجاءت اللحظة ‘ لتكون فيها عيناك ترى الأشياء بطريقة مختلفة . ويدرك الناس انك تتحدث بلغة جادة. عند عودتي إلى المنزل ‘ فكرت بثلاثة دروس لاستخلاص تلك التجربة.
أ ــ نستطيع ان نوقف حدثا عندما نكون أنقياء .
ب ــ ثمة نداء داخلي  سيقول لك ‘ حسن ‘ أنك قد ابتدأت ‘ استمر حتى النهاية .
ج ــ جميعنا مسؤولون ‘ عندما نكون متأكدين تماما مما نقوم به .
ــــــــــــــــــــــ

ــ  موضوع النذر ‘ ذلك من النوع الذي عشته من خلال حادثة الشاطئ ‘ قبل ان نلتقي كيف تشخص تلك النذر ‘ وماذا تعني في حياتنا؟ . هل هي مواضيع تتكرر في كتاباتك ؟ ‘ ولكن كيف تعرف ‘ عندما تكون نذرا حقيقية ؟ إذ أنه من السهولة بمكان ‘ أن تقرا إشارات في كل شيء ؟.
ــ أنك مصيب ‘ لأنه في محاولة قراءة النذر قبل كل شيء ‘ فإننا بذلك ‘ نستطيع أن نضع حدا للريبة . أنظر ! أنني أرى الآن ‘ وردة مطرزة على الحقيبة اليدوية لروزينا . وهناك بالقرب من جهاز الانترنيت أرى القديسة تيريزا و ثمة وردة . وإنني استطيع أن أرى أيضا ‘ علامة واضحة ‘ بمثابة جريمة قد تقع لتيريزا. ولكن ‘ يمكن ان تصاب بالجنون ‘ لأنك ربما ترى شعاع مجرة ‘ ثم تفكر في الحديث عن المجرات ‘ وربما غير ذلك.
ـــ إذن ‘ ما هي النذر ‘ بعد ذلك؟.
ــ النذر هي لغة . هي  علامات نطورها للحديث عن روح العالم ‘ أو الكون ‘ أو الإله . مهما كان الاسم الذي نلفظه ‘ مثل أي علامة ؛ أنها مسالة ذاتية ‘ يتعلمها الإنسان عن طريق ارتكاب الأخطاء ‘ وهذا بالتالي يبعدك عن عولمة البحث الروحي .
ــ ماذا تفهم عن عولمة البحث الروحي ؟.
ــ انظر! طريقتي في التفكير ‘ هي أن مئات السنين الآتية ‘ ستنزع فيها الإنسانية إلى البحث عن الروح . أنني أرى الناس حاليا أكثر انفتاحا على هذا الموضوع‘ على ما كانوا عليه خلال القرن الماضي . وقد شرعنا ندرك أن القول عن الدين بوصفه تخديرا لعقول الجماهير هو قول لا مسوغ له . وبخاصة أولئك الذين قالوا أنهم لم يحاولوا الدخول في تجربة الأفيون أبدا , ما قد يحدث ‘ هو عندما يشرع الناس بالتحول إلى إعتناق الدين ‘ فأنهم حينئذ يخوضون في مياه مجهولة . وعندما نجد أنفسنا غارقين في بحر غير مألوف يستولي علينا الخوف ‘ وعندئذ نتشبث بالقشة التي نعتقد أنها ستنقذنا . إننا جميعا بحاجة إلى التواصل مع الناس ‘ بهدف الحديث مع روحهم .
     إننا نسير  باتجاه الحج إلى سانتياغو. أنك تبدأ في الظلام ‘ وتجهل ما قد يحدث لك. مع انك تبحث ولكن ‘ في الوقت ذاته ‘ إننا بحاجة إلى أن نقف على أقدامنا . وان نسير بسيقاننا .  كما لو أنك تبحث عن مفاتيح لتواجه بها ذاتك. قدرك . وهذه المفاتيح تأتي إلينا عن طريق الأبجدية  الغنية جدا ‘ التي تتيح لنا ان نحس ماذا ينبغي ان نفعل  وما لا ينبغي فعله.
ــ ولكن ‘ ألا تعتقد أن ثمة خطرا ‘ في أن تلك النذر قد تناسبنا ‘ أو تبعدنا كثيرا عن المنعطف الحقيقي ؟ وكيف تتأكد أنها علامة حقيقية ؟.
ــ كلا ‘ أن ما يحدث في البداية ‘ من الصعوبة بمكان أن نصدق أي شيء ‘ وفي الخطوة الثانية ‘ نعتقد إننا على خطاْ ‘ وفي الثالثة يبدو أن كل شيء نذير شؤم . وبعد ذلك ‘ وفي النهاية ‘ حسب‘ تعبر النذر منعطفا ‘ مرة أخرى ‘ دون أن ندرك إننا نواجه لغة تقارب لغة الواقع .
ــ  هل بالإمكان ‘ أن تقدم لنا مثالا شخصيا عن شيء ما ‘ حدث لك حاليا ‘ وأنك عللته على أنه نذير شؤم؟.
ــ  ذكرت لك قبل قليل ‘ إنني رأيت القديسة تيريزا ‘ على آلة الانترنيت ‘ ربما يصعقك المشهد ‘ مثل أي شيء غريب . ولكن إخلاصي للقديسة الفرنسية  ــ التي رحلت عنا ــ عندما كانت في الغالب طفلة ‘ جاء هذا المشهد نتيجة العملية التي وصفتها لك تماما . فأنني لم أقم بأي شيء إزاء ذالك المشهد ‘ ولكن بالتدريج بدأت تيريزا بالظهور في حياتي . فقد قرأت معظم كتبها ‘ وكان رد فعلي هو الشفقة ‘ وبدت لي مثل هستيريا.
ــ  لكي نستطرد قليلا ‘ فإن أول كتاب دوّن في فرنسا ‘ بخط يد قديسي الكنيسة الكبار قد سبب فضيحة .والنتيجة‘ كانت هي.. إذا لم يتبع هؤلاء المنعطف الديني سيتحولون إما إلى شخصيات عريقة بالإجرام ‘ أو عريقة بالعهر.ويوضح لنا خبراء الخط ‘ أنهم شخصيات قوية لم يتساموا في دوافعهم أي مع الدين ؛ وعلى هذا الأساس ‘ وكما قلنا متمرسين بالجريمة والعهر.
ــ لا شك في ذلك ‘ وهذا لا ينطبق حسب؛ على القديسين ‘ والمثل يقول : أن أفضل الجراحين هو من يملك علاجا قويا للسادية ويقمعها ‘ وبعكس ذلك ‘ فأنهم غير قادرين ‘ على إجراء العملية بشكل جيد . تماما كما يقولون ، أن الطبيب النفساني الجيد عليه في الأقل أن يشذب الجنون إذا لم يكن قادرا على وصف العلاج.
ــ  وماذا عن الكتّاب ؟.
( ضحك باولو كويلو ‘ وهو يقول “ أعتقد نحن الكتّاب نملك شيئا آخر ‘ نوعا من الجنون في دواخلنا أيضا ‘ وبخاصة أولئك الذين يكتبون عن الغموض وروايات الجريمة).
ــ  والعودة إلى الخلف ‘ إلى قديستك تيريزا  ‘كيف بدأ لك كل ذلك؟.
ــ في السنة الماضية ‘ قبل أن التقي وإياك بأسابيع في مدريد . كنت عائدا من ألمانيا‘ وكنت قد سُئلت أن أكون عراباً إلى أحد الأطفال و أن القس الذي أنجز التعميد شرع بالحديث معي عن القديسة تيريزا ‘ خلال وجبة طعام ‘ وقد أهداني أحد كتبها. وتركته في الفندق. إذ كما تعلم أنه من الصعوبة جدا الاحتفاظ بالكتب أثناء السفر . والأسوأ من ذلك إذا لم تكن ذا فائدة تذكر.ولكن قبل المغادرة ساْلت القس ‘ أن يمنحني بركته ‘ لأنني كنت على وشك أن اشرع بجولة طويلة جدا . اقتادني القس الى إحدى زوايا الفندق وباركني ‘ بيد أنه ركع ‘ وقال لي : الآن عليك أن تباركني ” أنا ” سالت لا أفهم ماذا يجري؛ لأنني اعرف أن الكهنة هم الذين يمنحنون الناس بركتهم. وليس العكس . بيد أنه أصر ‘ وكان سعيدا لأنني منحته بركتي .
   هذه كانت البداية . وقد جاءني شخص قبل افتتاح معرض الكتاب ‘ – رميت الكتاب الذي أعارني إياه الكاهن دون أن أكلف نفسي قراءته- وقلت له ‘ لدي رسالة لك من القديسة تيريزا ‘ سأخبرك بها . على فكرة أنني وصلت مرحلة في حياتي اصدق فيها كل شيء . فإن قال لي شخص ما ” تعال ‘ نشاهد الخيول الطائرة ‘ فأنني سأذهب معه دون تردد . غريزتي الأولى ‘ هي أن أعطي الناس فائدة الشك . مع أنه يجب علي القول ‘ اذهب ‘ لأنني لا احترم الكذابين . وقد شاهدت معجزات كثيرة  في حياتي ‘ لدرجة عندما يقول لي غريب ‘ أنه يحمل رسالة لي من القديسة تيريزا ‘ فأنني سرعان ما أصدقه.
ــ  لكن يجب أن يكون الأمر أكثر من ذلك ‘ ان تلك القديسة ستلعب دورا في حياتك؟.
ــ  بالطبع ‘ لأنه منذ تلك اللحظة ‘ فصاعدا بدأت اكتشف أشياء لا ينتابني أي شك فيها . فعلى سبيل المثال‘ اخبرني والدي ــ والدي الذي أرغمني على الدخول الى مستشفى المجانين عندما كنت صبيا ــ أن والدتي كانت دائما مخلصة جدا لتلك القديسة  وعلى فكرة ؛ يصور الآن فيلم عن رحلاتي . أنه نتاج فرنسي ـكندي أميركي مشترك . وذكر لي المصور ‘  في اليابان ــ إننا لم نذكر ثمة الموضوع ــ ‘ وأنا الآن أقوم بإنتاج فيلم عن القديسة تيريزا‘ لأنها قديسة حياتي . هل باستطاعتك أن تحدثني عنها؟ أعرف أنك لا تؤمن بالقديسة تيريزا‘ ولكن … ماذا تعني إنني لا أؤمن بالقديسة تيريزا ! قلت أن  ثمة نذر شؤم ‘ أنني سأقص عليك الحكاية ‘ لأنك منذ البداية شرعت تنكر علي هذه النذر ‘ عندما تحافظ النذر على الظهور فإنها تقوم بطريقة فردية جدا ‘ وبلغة غير قابلة للخطأ  ؟.
ــ ولكن ‘ ماذا يحدث إذا أخطأت ‘ واتبعت آثارها الكاذبة هل هذا سيدمر حياتك ؟.
ــ أنها مسالة حساسة ومهمة بالنسبة لي. فأن الخطر من وجهة نظري لا يحتوي على إمكانية صنع غلطة ‘ وإتباع نذر تتحول إلى شيء كاذب . فالأخطار العظيمة في البحث الروحي يشكلها  مرشدون روحيون ‘ و أساتذة ‘ وأصوليون : ما أشرت إليه سابقا بوصفه عولمة الأشياء الروحية . عندما يأتي إنسان ما ويخبرك : هذا الإله ‘ ذلك الإله ‘ إلهي أقوى من إلهك ‘ بهذه الطريقة تبدأ الحرب . فالطريقة الوحيدة للهرب من كل ذلك ‘ هي أن تدرك أن البحث الروحي هو مسؤولية ذاتية لأنك لا تستطيع أن تتحول عنها وتأتمن الآخرين. ومن الأفضل أن تقوم بغلطة متبعا النذر ‘ لأن ضميرك يخبرك أنه ما زال يقودك . أفضل مما تدع الآخرين يقررون قدرك . وكل هذا يجب ألا يؤخذ على أنه نقد ديني ‘ والذي اعتبره ظاهرة مهمة جدا في الحياة الإنسانية.
ــ إذن ‘ ماذا يعني الدين بالنسبة لك ؟.
ــ إنني أرى الدين عبارة عن مجموعة من الناس الذين يجدون لهم طريقة جمعية للعبادة . قلت عبادة .وليس طاعة . لأنهما شيئان متباينان .هذه المجموعة من الناس يمكن أن تعبد ‘ بوذا ‘ الله ‘ الرب ‘ الأب اليسوع ‘ وهذا لا يهم . وما يهم هو ‘ في اللحظة التي نصل بها إلى الغموض ‘ نشعر باتحاد أكثر. وانفتاح أكثر للحياة .وندرك إننا لسنا وحدنا في هذا العالم . ذلك إننا لا نعيش العزلة . هذا هو الدين بالنسبة لي . وليس مجموعة من القواعد والأنظمة المفروضة علي من قبل الآخرين .
ــ  ولكن ‘ إذا لم أكن مخطئا ‘ أنك قبلت بتعاليم الكنيسة الكاثوليكية التي عدت لها بعد فترة العلمانية.
ــ نقاش التعاليم يمكن أن يستمر مدة طويلة ‘ أنك تقبل بالتعاليم لأنك تريد أن تؤمن بها . وليس لأنها مفروضة عليك ,حينما كنت صبيا قلت ‘ دون أن أملك ذرة واحدة من الوعي ‘ هذا الشيء هو نفسه يحدث لدى الآخر؛ فمريم قد حملت بعيسى دون أن تقترف ذنبا ‘ لأن المسيح هو الرب ‘ والرب هو الثالوث المقدس . وبعد ذلك ‘ فهمت ماذا يعني اللاهوت اليميني ‘  واللاهوت الليبرالي . وكلا الاثنين متساويين . أنهما يشكلان ذلك التغير والنمو. ولكنني الآن ‘ في الخمسين من عمري ‘ في حين تبلغ التعاليم قرونا من عمرها . وطبقا ليونغ Yung  فإن التعاليم هي شيء عبثي جدا ‘ ومظهري ‘ في التفكير البشري لأنها  ما وراء فكرة الوعي .
   وهذه الأيام ‘ لا يهم كم من العبثية التي قد تظهر ‘ إنني أقبل التعاليم بحرية ومن أعماق قلبي ‘ ليس لأنها مفروضة علي؛ وليس لأنني اشعر مرغما  بقبولها ‘ كما هو الحال في الماضي . بيد إنني أحاول أن أكون متواضعا أمام الغموض . وإذا تعمقنا في الموضوع ‘ فإن جميع الأديان لها تعاليمها ‘ التي هي مثال لأغلب الغموض السري العميق . ويبدو لي ذلك جميلا ‘ لأنه ليس ثمة سبب أن شيئا ما ‘ لا أفهمه عقليا ‘ ويجب ألا يكون حقيقة . ذلك أن الغموض موجود من حولنا .
ــ  المشكلة ‘ أن الأديان تحاول ان تفرض تعاليمها من خلال الخوف من  العقوبة الأبدية ؟.
ــ عشت هذا في طفولتي ‘ لذلك تخليت عن الدين ‘ وتحولت إلى رجل علماني ‘  وكنت مقتنعا أن الكاثوليكية كانت أسوأ شيء في العالم ‘لا تعدو كونها  طائفة أخرى ليس إلا .ولذلك أيضا ‘ علي أن أقوم برحلة طويلة قبل رجوعي إليها . إنني لا أقول أن الكاثوليكية هي أفضل من أي دين آخر ‘ ولكنها تكمن في خلفيتي الثقافية ‘ و تجري في عروقي. وكانت تشكل لدي مسألة شخصية واختيار حر . فأنا استطيع أن اختار الدين الإسلامي ‘ أو البوذية‘ أو لا شيء. بيد أنني شعرت أنني بحاجة إلى شيء آخر أكثر من العلمانية في حياتي . ولهذا اخترت الكاثوليكية كطريق للتماس مع الغموض مدة طويلة مع الناس الآخرين الذين يؤدون القداس . والتعاليم بالطبع ‘ هي شيء يمارس عبر الطقوس . والبحث عن الغموض هو البحث عن الحرية العظيمة .
ــ  ولكن ‘ ألم تجد أنها تشكل معضلة ‘إذ أن تلك التعاليم التي قبلتها ‘ هي طريقة تمارس للاتصال  مع النور الإلهي ‘ المتأتي أيضا من مؤسسة تخلق البحث الذي يشكل فعلا ضد أولئك الذين يرفضون تلك التعاليم.؟.
ــ  نعم ‘ ومن كنيسة ما زالت تنكر على المرأة حقها في المشاركة الكاملة في الحياة الكنسية (الاكليركية).
ــ  كمؤسسة تملك حق السلطة ‘ وهكذا  فإنها‘ في الغالب مقيدة أخلاقيا.
ــ  في أميركا اللاتينية ‘ سببت معاناة كثيرة ‘ وفي اسبانيا أيضا .
ــ  بالرغم من ذلك ‘ ليس لديك مشاكل ….؟
ــ كلا ‘ لأنني اعرف كيف أميز بين الجوهر والدين ومواقف إتباعهما ‘ الذين ربما يكونون أخيارا أو أشرارا والذين يمكن أن يسيطروا على الدين . فأنا أرى الدين هو مجموعة من الناس الذين يصفّون جسدا حيا يتطور أو يتضمن  مظاهر كل بؤسها وسموها .
ــ إذا كنت قد فهمتك تماما ‘أن ما تريد إنقاذه من الدين هو الغموض وتبادل الأفكار بين المؤمنين .
ــ إنني مهتم بالناس الذين يؤمنون بذلك الغموض ‘ وليس أولئك الذين يحتفلون به .  ربما لا يحظون بالاحترام  .. ففي حكاية السومري الطيب ، فإننا نرى أن اليسوع يوبخ سلوك لاوي Levite الذي صادف ان مر قرب رجل جريح ولم يتوقف عنده . وكان لاوي هذا رجل دين في ذلك الزمان .وعلى الضد من ذلك؛ اثني اليسوع على السومري الذي ساعد رجلا جريحا .وكان السومري رجلا علمانيا كما هو معلوم .
ــ  هل تعتقد ان كل بحث روحي يتطلب قيام كنيسة؟.
ــ  كلا ‘ العكس تماما ‘ يجب أن  تكون دقيقا جدا عندما تنضم إلى الكنيسة ‘ كي لا ندعهم يحاولون أن يتولوا مسؤولياتك . وما اعتقده هو الدين ذاته وليس خارجه . وليس في التناقض في البحث الروحي الذاتي . والشيء المهم هو أن تخلق فضاء واسعا داخل ذاتك. وتتحرر من الفائض . وتبحث عن الامتلاء الروحي‘ والأهم أن تكون دائما في الطريق .
    وأتذكر في حياتي الهيبية ‘ كانت دارنا مزدحمة بالأشياء : بوسترات ‘ ومسجلات ‘ وكتب ومجلات أخرى .
    وقد حررت نفسي من كل ذلك الآن . وكما ترى فان بيتي واسع جدا ‘ بيد أنه فارغ . ولا احتفظ فيه باستثناء أشياء رمزية قليلة.
    وحتى كتبي فهي مخفية بعيدا عن الأنظار ‘ لأنني لا أرغب أن أعرض ما اقرأ أو الذي قرأته .
ــ  إنني مستمتع جدا في أهمية ما تعزوه أنت إلى الفراغ ‘ وهناك قصيدة رائعة ل لوتسي Lao- tse   تقول :
إننا نضع ثلاثين دولابا معا ونسميها عجلة 
ولكن في الفضاء ‘ لا شيء هناك
مفيد للعجلة
يمكن أن نحول الطين إلى وعاء
ولكن في الفضاء لا شيء ثمة
مفيد في الوعاء.
إننا نثقب الأبواب والشبابيك لنبني بيتا
ولكن في الفضاء لا شيء مفيد
لتلك البيوت
وعلى هذا ‘ فقد استفدنا بما قد يكون مفيد
ونميز المفيد من غير المفيد..
   هذه قصيدة رائعة فعلا ‘ وفي واقع الحال ‘ أحاول الآن أن أبسّط حياتي إلى أقصى درجة ممكنة . و اختزلها لتكون أصيلة . وحتى في سفري فأنني آخذ معي الأشياء الضرورية تماما . وهكذا فإنني اشعر بالخفة والحرية.
قال بوذا : أنه من البساطة جدا للرجل المهم ان يتسم بالعفة ‘ وعلى الفقير أن  يبتعد عن الثروة. لم أكن عفيفا ‘ ولكن من جانب آخر ‘ ومنذ أن بدأت تدريجيا اكتشف الحياة البسيطة والاكتفاء بالحاجات القليلة التي تمنحك حياة سعيدة . وفي الحقيقة عند ما أسافر فأنني أحمل معي حقيبة صغيرة ‘ وأدركت أن هذه الحقيبة المتواضعة تلازمني في سفرات طويلة أو سفرات قصيرة . ليس  ثمة أحد يشعر بالامتلاء إذا لم يكن قادرا على إفراغ نفسه من الداخل ‘ كما يفعل المتصوفة ‘و كما أخبرتنا الديانات الكبيرة .
ــ إنك تؤكد ‘ أن على الرجل أن يتبع المنعطف الروحي ‘ مهما يكن الأمر ‘ لأنه لا يمكن أن يكون سعيدا تماما مع الأشياء  المادية ‘ مهما كانت ممتعة . ولكن ألا تعتقد في بعض الأحيان أن الخوف هو الذي يقود الناس الى الالتجاء نحو الأشياء  الروحية.؟.
ــ كلا ‘ كلا لماذا؟في كل عصر يبحث الإنسان عن المجهول ‘ لما ذا لا يكون واضحا وجليا وملموسا ‘ أنهم بحثوا بآلاف الوسائل ‘ أحيانا ارتكبوا أخطاء في الاستعدادات والمنطلقات ولكن ‘ أفضل الرجال وأفضل النساء هم الذين يحجون دائما من أجل البحث عن المجهول.
ــ إذا إرتأينا الدقة ‘أن الحقل الذي اكتشفه الإنسان دائما ما يكون في حالة ازدياد ‘ وانه ينزع غلى ما هو غير مكتشف ‘ مهما يكن ذلك الحقل ‘ أليس كذلك؟.
ــ  تماما ‘ ما يحدث إننا أحيانا نعيش فخ خدعة اليوتوبيات : فقد حاولت يوتوتبيات ماركس أن تغير كل شيء ‘ عن طريق تغيير بنى المجتمع والتحرر من الرأسمالية ‘ ولم يتغير شيء . وثمة يوتوبيا أخرى ‘ هي يوتوبيا فرويد التي أخضعت علاج الروح بالعودة إلى الماضي ‘. واليوبوبيا الثاثة ‘ هي اليوتوبيا المحافظة ‘ التي حاولت أن تحل كل شيء عن طريق ترك الأشياء كما هي  . دون أن تحرك شيئا . لم يتغير شيء باستثناء الحد الادنى من المحافظة على الأشياء كما هي . والآن، فإن جميع يوتوبيات القرن العشرين قد أخفقت في الأقل في أغلب أقسامها.
ــ  وما هو البديل إذن ؟!.
ــ  التواصل مع البحث العظيم ‘ الانعطاف إزاء مكان ما ‘ ما يزال مجهولا ‘ إزاء البحر الهائج ‘ ومواجهة الأخطار ‘ وخدع السادة والرؤساء الذين يريدون أن يفرضوا علينا  الأشياء والعالم ‘ من خلال رؤيتهم . .
أنت قلت في وقت مبكر ‘ أن الناس أحيانا يذهبون باتجاه البحث الروحي خارج الخوف ‘ ولكن خارج الناس الخائفين ‘ فإن ذلك ‘ يعني أنهم سيبقون جالسين على الشاطئ دون محاولة إي شيء . أن البشرية في حالة تقاطع طرق . من جانب  الاتجاه المألوف الحالي في المحافظة ‘ والشفافية ‘ والنظام الشرعي ‘ والفرض ‘ والدين كنظام شرعي للسلوك ؛ يقابل ذلك من جانب آخر‘ الغابة المظلمة ‘ والمجهول ‘ الجديد ‘ والثقافة الإبداعية ‘الحقيقية ‘ والبحث عن الأسئلة التي ما زالت بحاجة الى أجوبة ‘ وقبول الحياة كمغامرة في البحث عن الروح .
ــ  أن أحد نقاد كتبك ‘ زعم أن هذا لقرن ‘ والألفية الجديدة لم يعودا بحاجة إلى  مطالعة كتبك ؟.
ــ  من اللافت للنظر ‘ أن نهاية القرن ما غيرت شيئا بالنسبة لي . وفجأة وجدنا أنفسنا ‘ لا نتحدث عن الألفية الجديدة كثيرا . لأننا قد رأينا كيف أن الأشياء لم تتغير وبقي كل شيء كما هو . وأولئك الذين ينتقدونني ربما يتوقعون شيئا خاصا قد يحدث . بينما كنت متأكدا ‘ أن لا شيء من ذلك يحدث . والمشاكل التي واجهنا في منتصف الليل لتلك الليلة ‘ فإننا ما زلنا في اليوم الأول من الألفية الجديدة . العالم مستمر ‘ ما زال الناس ينتابهم الخوف . الآمال والرغبات ذاتها ما زالت تبحث عن شيء ما ‘ يروي ظمأها . وتبحث عن شيء لم ينضب لازم البشرية طيلة هذه القرون كان وما زال هو الدافع للبحث عن المجهول .
( في هذه اللحظة من الحوار عبرت طائرة سمتيه سماء الشاطئ تجر خلفها ذيلا طويلا مثيرا للانتباه باتجاه المحطة الثانوية في ريودي جانيرو و بعد خمس عشرة سنة من الانتظار قد وصلت أخيرا على مسافة خمسين مترا من شاطئ كوباكابانا الأسطوري).
ــ والعودة إلى موضوع البحث الروحي ‘  هل ترى حقيقة أنه مخاطرة كبيرة؟.
ــ أنه بالفعل مخاطرة كبيرة ‘ أنه الشيء الأكثر إثارة الذي حصلنا عليه . في غرناطة من العام 1492 ‘ ــ المدينة التي وجدتها أكثر سحريةــ ان المنطق قاد ذلك باتجاه أفريقيا‘ وأعيد مرة ثانية غزو غرناطة . وقد نفوا عبد الله   Baobdil آخر حكام المغرب العربي.ما هي مخاطرتهم القادمة إذن ؟عبور المضيق باتجاه أفريقيا . ولكن الحاكم الذي تنازل عن حكم المغرب قال : ما هي أفريقيا ؟ إننا نعرف أفريقيا جيدا ‘ إنني أريد  المال للذهاب إلى بلاد لانديز   Indies ‘وماذا تعني الانديز‘ هل هي رجلا ؟ أفريقيا هي المكان المنطقي . لهذا أنا لا أحب إتباع المنطق ؛ ولكنني أفضل فلسفة التناقض  التي غالبا ما تنتصر على المنطق والوضوح . والحقيقة ‘ أن ذلك الرجل الذي كان هناك هو كريستوف كولومبس ‘ ولم يكن يرغب في المغادرة حتى السنة القادمة ‘ ولم يغادر في السنة السابقة . كما أنه لم يغادر في السنة التي أعيد فيها غزو غرناطة. وفي الثاني عشر من أكتوبر في تلك السنة تماما 1492‘ذهب كولومبس إلى أميركا. تدفق الجميع نحو اسبانيا ذات الطاقات الهائلة وهذا يعني من الناحية المنطقية التدفق نحو أفريقيا ؛ ومن بعد ذلك ‘ تحول التدفق باتجاه أميركا.
ــ  وشكرا لذلك ‘ إننا هنا.
ــ أن ذلك الإنسان ‘ ليس هو النظام السياسي أو المنطق العسكري ــ أنه رأس خنزير خطر ‘ كان قادرا على تغيير الاتجاه في كل شيء يتوقعه سياسيو هذا العصر .
هذه أشياء تغير العالم ‘ واليوم ما زال الشيء ذاته يحدث على نطاق واسع  أو ضيق ‘ وبالطبع ‘ ليس من السهولة بمكان أن يغير إنسان واحد اتجاه العالم . ولكن عندما يكون جميع أولئك المغامرين الذين يؤمنون وما زالوا مستمرين في البحث عن المجهول . يوضعون معا ‘ وأولئك الذين يَدعون أنفسهم يحملون عن طريق طاقتهم الروحية ‘ دون الشعور بالألم لمنطق ديكارت . انتهوا إلى خلق جماهير تمتلك حسا عاليا بالنقد قادرة على تغيير مسار الأشياء . فضلا عن مخاطرات روحية. ثمة اليوم مغامرون روحيون أكثر مما يفكر فيه غالبية الناس . فقد سافروا إلى بحار غير معروفة وكانوا في نهاية المطاف لم يعرفوا كيف يبحرون ‘ وفجأة أنهم غيروا رياح التاريخ.
ــ  هل بالإمكان معرفة هؤلاء المغامرين الروحيين من بين تلك الجماهير التي تناضل في داخلها من أجل رغيف خبز ؟.
ــ  نعم ‘ لأن عيونهم تلمع بضوء الحماس . وقد قمت بتأليف رواية أطلقت عليها اسم : يوميات محارب النور” أنها تتحدث عن أناس عاديين ما زالوا يؤمنون باكتشاف المجهول . أنهم معلمون دون أن يكون لهم أساتذة . والحقيقة إننا في هذا العصر‘جميعا مريدون ومعلمون في ممارسة حياتنا اليومية ‘ كالرجل الأجنبي الذي لفت انتباهي عن موقف ضابط الشرطة إزاء الرجل الجريح على شاطئ كابانا . كان أستاذي لأنه جعلني استطيع القيام بشيء ما ، لأنني برازيلي . إذن‘ إننا جميعا أساتذة . محاربو نور و مخاطرون روحيون جدد . ويعرف بعضهم البعض . أنهم يملكون كل العيوب والتفاهات ومشاعر الذنب البشري . ولكن ‘ في الوقت ذاته ‘ أنهم يملكون شيئا آخر. هو النار في عيونهم . أنهم يجربون الأشياء والحياة عن طريق الحماس . مع أنهم لا يشعرون بأنفسهم في أن يكونوا مختلفين ومتمايزين .
ــ  إنه ترياق ضد الانهزامية والعزلة اللتين تغزوان الإنسان المعاصر ‘ الذي يعتقد أن ليس ثمة فضاء جديدا ‘ خارج المخاطرات الاعتيادية.
ــ  نعم ‘ لأنهم يعرفون أنهم ليسوا وحدهم . أعتقد أن واحدا من الأسباب في نجاح كتبي ‘ والذي من الصعوبة هضمه من  قبل كثير من الناس ‘ لأنه يحتوي على نذر الشؤم ‘ ويحاول مساعدة أولئك المغامرين الروحيين لمعرفة ذواتهم ‘ فأنا لا أكتب عن نذر الشؤم ‘ باستثناء فقرة واحدة وردت في رواية ” الخيمائي ” ولكن كل من قرأها فهم تماما عم ماذا أتحدث ؟.
ــ  ولماذا ذلك ؟.
ــ  لأننا كلنا نكمن في داخل ذواتنا ‘ في ذلك الاهتزاز ‘ والكاتب هو الوحيد الذي يعبر عن هذه المغامرة . ما هي البدع التي قدمتها كتبي ؟ ما الذي أشارك فيه قرائي ؟ حياتي ‘ وتجربتي . وهكذا‘ ثمة قارئ في اليابان ‘ يملك ثقافة تختلف عن ثقافتي ‘ أخبرني : قد فهمت ذلك ‘ إنني لا أعرفها على المستوى الأخلاقي  بيد إنني أحسستك أنك تعبر عن مشاعري.
أما رواية : فيرونيكا تقرر الانتحار ” التي تلامس مواضيع الجنون والانتحار ‘ فقد قمت باستنساخ عشر نسخ من المخطوطة وأعطيتها إلى قراء متباينين في تفكيرهم ومشاعرهم لقراءتها . وكانت دهشتي كبيرة ‘ أن كل واحد من هؤلاء القراء ينتمي إلى أسرة فيها  مس من الجنون أو الانتحار. وجاءتني رسالة من انجلترا تقول : ”تسلمت روايتك ‘ وأحببتها وأعتقد أنه الزمن الوحيد في حياتي شعرت فيه إنني بعيد عن الإله عندما حاولت الانتحار . لكنني ما زلت حية . كانت الرسالة بتوقيع اميليا ؛ إذن اميليا ‘ هي امرأة كانت تعمل معي أكثر من عشرين سنة . وكنت تماما ‘ لا أعرف عنها أدني فكرة ‘ وإنها حاولت الانتحار.
ــ  بعبارة أخرى ‘ أن الكاتب محفز لتجارب الآخرين.
ــ  نعم ‘ أنه محفز ‘ وليس عنصرا انتقاليا . ووظيفته تماما هي ‘ ألا يمزج بين العناصر ‘ عليه أن يسمح لها بالظهور . وبالطبع أن الناس يكتشفون الأشياء طالما أنهم يسيرون إلى أمام .  وأعرف رجلا يدرس القانون بيد أنه أدرك أن ما يمتع النفس هو الاهتمام والاعتناء بالحديقة . وقد تلقيت آلاف الرسائل من قراء يرغبون في تغيير نمط حياتهم وكرسوا أنفسهم للاعتناء بالحديقة . والبعض منهم أن عوائلهم تعتقد أن أفضل الأشياء هو الهندسة؛ ولكن ما هو أفضل شيء يحبونه في أن يكونوا قادرين على العمل في الحديقة ‘ وفي الهواء الطلق ‘والاتصال مع الطبيعة .
ــ  هذا كله شيء رائع ‘ ولكن الم يحدث لك أن إنسانا ما ‘ قد اخفق في متابعة رسالتك؟
ــ  نعم ‘ ثمة من اخفق في ذلك ؛ هو أن.
ــ  هذه نكتة!.
ــ  حسن ‘ دع النكتة جانبا ‘ في الواقع إنني لا أبعث رسائل إلى أي شخص . وفي كتبي ‘  أقول تماما‘ ما يحدث في حياتي . إنني أقول يحدث هذا في حياتي .  ولكنني لا أضيف ‘ يحدث هذا في حياتك . أبدا ‘ فأنا أتحدث عن مأساتي ‘ عن أخطائي وكيف اقترفتها . كلا ‘ أنا لا أقول ذلك هو الحل لكل إنسان , لأن لكل إنسان حياة تختلف عن حياة أخرى ‘ وكل إنسان لديه حياته الشخصية . وفي الواقع ‘ إذا سطرنا كل الحيوات الإنسانية على كوكب ما ؛ فإننا لن نجد حياتين متطابقتين .
وأنا لا أؤمن برسائل جماعية . أؤمن بالمحفز ‘ بالعنصر المثير . فعلى سبيل المثال ‘ إنني أحاول أن أوضح الأمور من خلال تجربتي الشخصية ‘والإخفاق هو ليس مثل الانتحار . والذين يخفقون في حياتهم لا يحاولون مواجهة معركتهم ويدحرون أولئك الذين  يكونون قادرين على مواجهة الصراع. وهذا الاندحار ليس عارا . أنه يمكن أن يكون عملية بهلوانية تؤدي إلى انتصارات جديدة .
وهكذا ‘ فإن خوزيه  ساراماغو ‘ Saramago Jose  ‘  أكد بثقة  في كتابه : الحب الممكن” Possible Love ليس هناك ما نسميه اندحارا حاسما ‘ أو انتصارا نهائيا ‘ لأن الاندحار في عصرنا يمكن ان يتحول إلى انتصار في الغد .
ــ  صرحت أنك مؤمن ؛ فمن هو إلهك؟.
ــ  ليس أكثر من تجربة إيمان . لأنني اعتبر الإله المحدد يمكن أن يكون فخا . وقد وجه إليًّ مثل هذا السؤال في احد المؤتمرات .
وأجبت : ” لا أدري ‘ أن إلهي  يعني إلهك تماما ‘ وقد ضج الحضور بالتصفيق . أنه ما يشعر به الناس ‘ إذ ليس ثمة إله يناسب الجميع. لأن الإله من وجهة نظري هو مسالة شخصية .
ــ  يقول ليوناردو بوف : أن الإله هو الآلام العظيمة .
ــ  وفي هذا المعنى ‘ فأنه الشيء ذاته لكل إنسان . لأننا جميعا قادرون أن نغذي ونخدع العاطفة العظيمة .
ــ إذن ‘ ما هو الرجل العلماني في طريقة تفكيرك؟.
ــ من وجهة نظري ‘ أن الفعل الشكلي للإيمان ‘ أو عدم الإيمان بالإله لا يغيران شيئا . فأنا اعرف علمانيين يحيون حياتهم بصدق  ‘ أفضل ألاف المرات من أولئك الذين يسمون أنفسهم مؤمنين ‘ لأن المؤمن أحيانا يغرى بالتحول إلى إيمان آخر ‘ لأن  إيمانه بالإله حقيقة بسيطة . أما الرجل العلماني فهو الذي يسال الإله من خلال الأعمال . كما قال الحواري القديس جيمس : ما يسمح لنا أن نعرف أنفسنا مثل أطفال الإله هي الأعمال . وليس احترافنا للإيمان . أرني أعمالك وسأريك إيمانك  .
   ومن جانب آخر‘ أن أولئك نحن ‘ الذين تدعوا أنفسنا مؤمنين ؛ علينا أن نعترف أن إيماننا هو دائما إيمان هش ‘ فأنا اليوم أؤمن على سبيل المثال ‘ و إيماني قوي ‘ وفي الليل  يتلاشى . لذا فإن الإيمان ليس خطا مستقيما .
ــ اعتاد الكاتب الصقلي Leonardo Sciascia أن يقول ‘ أنه أحيانا يؤمن بالرصيف بيد أنه فجأة يعبر الشارع ولم يعد يؤمن به.
ــ  تماما ‘ أن الاختلاف هذا هو أن المؤمن يملك قناعة ثابتة في وجود شيء ما خلفه ‘ مع أنه لا يشعر بذلك الإيمان .
ــ في واحدة من النقاط التي تحدثت فيها ‘ وقلت عندما أقوم بالاتصال بمركز الطاقة فإنني أشعر  بالسرور ‘  فما هو السرور من وجهة نظرك؟.
ــ  هذا ليس شيئا بسيطا . كنت أبحث عن مفهوم السادية الماسوشية sadomasochismوأن السرور هو عملية معقدة جدا لأنه يأتي أحيانا من خارج الألم . وأنا لا استعمل دائما الكلام المجازي .و ذات مرة قال بورخس: أن ثمة أربعة مجازات حقيقية ‘ وأنا هنا أريد أن استخدم مجازا واحدا حسب؛ فالسرور من وجهة نظري ‘ هو ” معركة جيدة” وهذا شيء يختلف تماما عن السعادة . وأنا لا أريد أن أربط السرور بالسعادة . ففكرة السعادة لدي هي السأم الزائد مثل قولك : في أحد المساءات حينما لم يحدث أي شيء . وكتابي ” مذكرات فارس النور” يتحدث عن الصراع والكفاح والحماس من أجل مواجهة معركة لشيء تؤمن به .أحيانا تربح المعركة ‘ وأحيانا أخرى ‘ تخسرها ؛ وهذا لا يهم ‘ المهم هو الصراع الذي يؤدي إلى شيء ما ‘ وهذا يعني من وجهة نظري سرور الحياة. وهكذا ‘ دعنا نقول أن السرور هو كل شيء تقوم به بحماس في حياتك . والذي يمكن أن يتضمن المعاناة والألم . ولكن هذا لا يلغي السرور البالغ خاصة إذا كنت تصارع من أجل شيء ما تحبه.
ــ وهكذا ‘ ان جميع الناس يلهثون وراء سعادة جاهزة.
ــ أعتقد أن هذا هو فخ . واعتقد أن السعادة هي سؤال لا يحمل جوابا . كما لو أنك تسأل من أنا ؟.
   أنه سؤال عبثي . وقد أنفقت البشرية آلاف السنين للبحث عن هذه السعادة التي لا معنى لها ، السعادة هي شيء تجريدي . ولكي أقول الحقيقة ‘ إنني غير سعيد.
ــ  حتى وأن صدر لك كتاب جديد ويباع مثل كعكة ساخنة؟.
ــ  كلا ‘في هذه الحالة‘ أنني أرتعش ‘ أنها لحظة توتر وتحد. وهذا ما يجعلني ارتعش . لأنه ثمرة المعركة التي أشعلتها للتضحية بالنفس . أما السعادة فلا .السعادة حينما تقول : آه ‘ حسن ‘ إنني طبعت كتابا ناجحا . إنني أزعم إنني كاتب . والآن يمكنني أن أنام وأنا سعيد . وهذا ليس بحقيقي ‘ فأنا رجل مقتنع بصعودي وهبوطي . أربح معركة أو أخسرها ؛ أو اندحر. بيد إنني دائما أشعر بالمتعة‘ متعة مصارعة الثيران.وفي الواقع ‘ إنني أعبد تلك المصارعة . رغم إنني أعرف أنها سياسيا غير صحيحة في العالم .
ــ  أنا لا أعبدها ..
ــ  ولكنني عكسك ‘ لأنها لحظة المواجهة المباشرة مع الحياة والموت . وليس ثمة مجال للفلسفة هنا . لأن الأمر واحد من اثنين ‘ أما الثور ‘ وأما المصارع يجب أن يموت. وهذا ما يدفع المتحمسين لقبول أحدهما . فالثور يعادل المصارع في المتعة والثور الذي لا يجلب المتعة هو لاشيء في الحلبة.
ــ  ولكن كثيرا من الثيران تلقى حتفها أكثر من المصارعين .
ــ  هذا صحيح ‘ ولكن أحيانا ‘ يموت المصارع وهو يعرف جيدا أنه يخاطر بحياته ‘ في كل مرة يذهب فيها الى الحلبة . ولهذا ‘ يؤدي الصلاة إلى مريم العذراء قبل بداية المصارعة . وعندما يصدر لي كتابأ أشعرا كما لو أنني أرمي نفسي في الحلبة . أنا مقتنع رغم إنني اعرف أنني أواجه الخطر . وأنني مقتنع أيضا في أن أقبل التحدي . أنني أصارع لكي أدخل الحلبة مع إدراكي أنني ربما سأندحر أنهم يستطيعون أن يصلبونني ‘ بيد أنني أشعر بالمتعة في الحصول على الشيء الذي انطلقت من أجله : ولادة كتاب جديد .
   والحياة من وجهة نظري ‘ تشبه مصارعة الثيران ‘ علي أن أواجه ثور مسؤوليتي في كل لحظة . ولا أدري أن كنت قد أحقق نجاحا أم إخفاقا . كل ذلك يمنحني متعة ؛ وليس سعادة.
ــ قلت ذات مرة ‘ أنك تعد نفسك شخصا تميل للتطرف ‘ في هذه الحالة ‘ أنك لا تحب تناغم سلام الغزو أيضا  ‘ أن ما تفعله هو متعة الصراع .
ــ تماما ‘ إني لا أحب التناغم في حياتي ‘ أعتقد أن الحياة تنتهي في اللحظة التي يتوقف فيها الصراع وتقول : ها ‘ إنني قد وصلت . وهذه هي السعادة . والتي لا أحبها ولا أبحث عنها . انظر ‘ يا خوان إنني شعرت بتلك الطريقة مرتين أو ثلاث مرات في حياتي . تلك هي السعادة . عدم الحركة في نهاية الطريق . ولكنها لا تستمر طويلا  لأن الرب الجيد هو الذي يوجه لي ركلة فجأة ويعيدني مرة ثانية إلى الحركة . أعتقد أن الناس يمكن أن يقسموا إلى أولئك الذين يبحثون عن السلام الروحي وفرسان الضوء والذين كما قال القديس بول ‘ حب الصراع المتواصل دون أن يتوقف عند أكاليل الغار وأن مصارع النور يشبه مصارع الثيران الذي لا يمكن أن يتصور الحياة الحيوية دون أن يكون في الحلبة قدر الإمكان . وحياة الكاتب هي أيضا من ذلك النوع من التحدي كونه دائما على الشاطئ ويعرض كما تعرض النصب التذكارية للسخرية .
ــ إذا كان عليك أن تشرح إلى مجموعة من الشباب من هو بولو كويلو؛ فكيف تصف نفسك ؟.
ــ أوصفه مثل حاج يسافر إلى منعطف لا نهاية له . مثل حاج يعرف أين يوجد الكنز الذي تقوده نذر الشؤم  . مثل شخصية الراعي في رواية  ” الخيميائي ” ومن المهم ؛ بالنسبة له أن يصل الكنز . وهناك لم يعد يشعر كما كان في السابق . أنه قد تغير تماما ‘ أنه أصبح إنسانا آخر ‘ أنهما  المنعطف والبحث اللذين يشكلانك ويغيرانك . إنني أحافظ على البحث دائما..

ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة