الجمعة، 30 أكتوبر 2015

استراتيجية النص و تفعيل القراءة - د. محمد خرماش ...


" استراتيجية النص و تفعيل القراءة "

الدكتور محمد خرماش 

تقديم : أهمية القراءة في تحقيق النص .

   إن النص في مفهوم الكتابة المعاصرة يعتبر بمثابة تمثيلية دينامية تعتمد التحولات الداخلية من أجل إنتاج المعنى , و من المعلوم أن الكتابة الأدبية تحمل فائضا دلاليا بحكم تدخل إجراءات زائدة فيها , مثل الانزياحات و الوجوه البلاغية و الأسلوبية و الإيقاع و غيرها ... و بذلك يمكن القول بأن كتابة نص أدبي تمثل موضوعا كثيفا أو تكثيفيا لم يكن ليُخترق من أجل النفاذ إلى المقصدية المتجلية في العلامات , و لكن ليوقف الأنظار و الأفهام عند مميزاته و اشتغالاته الخاصة . و هذه الكتابة النص أو النص الكتابة هي التي تحتاج إلى عملية مكملة و ضرورية لا تتم إلا بها , و لم تخلق إلا من أجلها , و هي عملية القراءة أو المشاركة في التحقيق و الإنتاجية . 
   يقول " ج ب سارتر " : " إن الفعل الإبداعي لحظة غير مكتملة في العمل الأدبي , لأن عملية الكتابة تفترض عملية القراءة كتلازم جدلي . و هذان الفعلان المترابطان يتطلبان فاعليْن مختلفيْن هما المؤلف و القارئ 1 " .
   إن القراءة إذن عديلة الكتابة في إنتاج النص و تفعيله , و ربما زادت عليها في استشفاف مراميه و تحقيق أبعاده عبر الأزمنة المتعاقبة و الثقافات المتباينة لأنها تشرك معرفة القارئ بمعرفة الكاتب , و تسقط خبرات الأول على تجارب الثاني فتُحَصّل تحقيقا ديناميكيا لإنتاجية جديدة و متجددة . و عليه فالقراءة لـيـسـت هـي مـا يجود به المكتوب فقط , و إنما هي توسعة له و انزياح عن حرفيته و ملاحقة لما يندس تحت ثناياه و عبر فضاءاته .

1- J P sartre : qu’est ce que la littérature ? cité par W . ISER : l’acte de lecture p 199 

   و في القراءة يتقابل النص المكتوب مع القارئ الذي هو بدوره نص كبير – كما يعرفه رولان بارت – فتقع الاستجابات و التجاوبات و تتم التدخلات و التداخلات , فينبثق الفهم و ينبثق التأويل , و إذا كانت قوة النص تكمن في قدرته على إغراء القارئ و إغوائه و جره إلى عالمه كي يحقق هويته و يبرز معانيه ؛ فإن قوة القارئ تتمثل في إغناء النص و إثرائه بتشغيل مدخراته و الاستعانة بمخزوناته الثقافية و المعرفية المباشرة و غير المباشرة . 
   و لذلك فقد ازداد اهتمام النظريات النقدية الحديثة بالقارئ و المتلقي الذي أصبح دوره معتبرا في تحقيق النص و في تحقيق عملية التواصل المرجوة منه . و قد ساعد على ذلك انتشار مفاهيم الظاهراتية التي تفسر الوعي بأنه دائما وعي بشيء ما و أن العلاقة بين الذات و الموضوع هي علاقة مقصدية تتجه بسهم الوعي نحو الموضوع الذي هو قطب الاهتمام و لذلك فالتفكير و موضوعه مترابطان داخليا و متوقفان على بعضهما 1 . و من ثم طرحت فكرة اشتغال النص (الأدبي) من خلال قراءته أو قرائه ؛ و هي الفكرة التي تُحَيّن دور القارئ و تعيد له اعتباره في العملية الإنتاجية و التواصلية التي تنقل النص من الوجود بالقوة على الوجود بالفعل .
  و ينقسم الدور الذي يسند للقارئ بحسب نظرية التلقي إلى ما يتعلق بتوقع القارئ و ما ينتظره من النص و هو الطرح الذي يقدمه " ياوس H.R.Yausse " و يدافع عنه , و بمقتضاه يجعل من مفهوم " أفق الانتظار "و إعادة تشكيله أطروحة مركزية في تفاعل القارئ أو القراء مع النص و تحديد قيمه المختلفة ؛ عن طريق منطق السؤال و الجواب الذي يدفع بالمتلقي إلى استدعاء خبرات متعددة لإقامة فهم جديـد , و إلـى تـنـشـيـط الـحـوار بين كل ما هو ماض معروف و حاضر موصوف و مستقبل مرتقب .2 و كلما نجح النص في خلق مسافة توتر بينه و بين آفاق الانتظار السائدة , كان تحفيزه للقارئ أكبر و كانت مساهمته في تطوير فن الكتابة و فن الفهم و التأويل أقوى و أرقى . و لذلك يقترح " ياوس " أن يكون هناك تمييز بين أفق الانتظار الأدبي الذي يقتضيه العمل الجديد , و بين أفق الانتظار الجماعي الذي يقرر معيار القراءة التقليدية و يُكيف عملية التلقي . 3 و يتمثل تفعيل القراءة بحسب هذا الطرح في تلك الجدلية القائمة بين الأجوبة السابقة و الأسئلة اللاحقة التي تدفع بالمتلقي إلى محاولة فك المعضلة و البحث عن إدراك 

1 – تيري إنجلتون " الظاهراتية و الهيرمينوطيقا و نظرية التلقي " بحث ترجمه محمد خطابي – مجلة علامات ع 3 سنة 1/1995 . 
2- H.R. Jausse : pour une esthétique de la réception . P 113-114
3-Ibid , p 258
 
مناسب لبنية العمل الجديد , بما يحقق جماليته و يؤكد إنتاجيته ...
   أما القسم الثاني فيتعلق بوقع النص على القارئ و ما يحدثه فيه و هو ما يجعل من تفاعل القارئ مع النص مشاركة فعالة و إيجابية في تحقيق إنتاجية النص و إقامة دلالاته .
   و هذه التجربة أو الشق الثاني من النظرية هي التي تجعل من النص شيئا حافزا للقارئ كما تنشط القراءة و تفعلها بواسطة الميكانزمات البنائية . لكن ذلك يقتضي ضرورة التسليم أولا بوجود القارئ الذي سيجسد الاستعدادات التي يهيئها النص و الذي سيستجيب لاستراتيجيته المرسومة . و هو العنصر الإبداعي المحايث أو الطرف الذي يسميه " إيزر W.G.ISER " بالقارئ الضمني .و هو قارئ تجريدي تؤسس خصائصه من قبل بعيدا عن الوجود الحقيقي . يقول " إيزرISER " : " ينبغي أن نفهم ( من القارئ الضمني ) تلك البنية المسجلة في النص ... إن القارئ الضمني لا وجود له بالفعل , و إنما تجسده مجموع التوجهات القبلية التي يقترحها النص التخيلي على قرائه الممكنين و التي هي شروط تلقية و أشراطه ...إنه متجذر في بنية النصوص ذاتها " 1 .
   و عليه فالنص يستبطن قارئه و يتهيأ له , كما يتوخى منه أن يحرك جميع معطياته لتحقيق أقصى قدر من إنتاجيته . إن فعل القراءة يبدأ في الحقيقة – كما يقول " ريفاتير Riffaterre " مع بداية المعالجة اللغوية و الأسلوبية للمقروء و محاولة تجاوز إكراهاته البنائية و فك سننه و معرفة سياقاته بحل تناقضاته المتتالية " 2 
   بيد أن القارئ الذي يناط به كل هذا الدور و ينتظر منه كل هذا الفعل ليس مغفلا أو متروكا لاجتهاداته الخاصة فحسب , و إنما حسابه في ذهن الكاتب أصلا , و ربما اتخذ منه نوعا من الذريعة لبناء استراتيجية نصية خاصة يتوقع منه أن يستفيد منها أو يتعامل معها أو يستجيب لها . و لعل ذلك ما دعا " أمبرطو إيكو U.Eco " الى أن يقول : " أنا بحاجة إلى قارئ يكون قد مر بنفس التجارب التي مررت بها في القراءة أو تقريبا " 3 و معنى هذا أن القارئ الفعال مشابه للكاتب الفعال في معرفة دقائق النص و إدراك مراميه , وهو الذي يحس بالحجر من تحت النعل كما يقال. و إذن فهناك نوع من التعاون الضمني أو المساندة المتبادلة بين الكاتب و محققه ؛ و بنِية تفعيل القراءة يقوم الكاتب ببناء استراتيجية النص التي يسميها" إيزر W.ISER"" البنية النصية .

1-W.G. ISER : L’acte de lecture – Mardaga – Bruxelles 1985 – P 60 . 
2-Michael Riffaterre : essais de stylistique structurale - Paris . Flammarion 1971.p46
3-Umberto Eco : Lector in fabula … Paris 1985 – P 11

   المحايثة للمتلقي " و يقصد بها " مجموع التوجيهات الداخلية التي يهيئها النص الأدبي لمجموع قرائه المحتملين " 1 و تأتي ضرورة هذه العملية من كون الخطاب الأدبي " غير تداولي Dépragmatisé " أو منزوع التداولية , و لذلك يحتضن عددا من الإشارات و التوجيهات التي قد يستثمرها القارئ في محاولة إعادة تداوليته ( répragmatisation ) و بضغط منه عليه كذلك. و عليه فالاستراتيجية هنا هي رسم الخطة أو تهيئ الشروط ليس للانتصار على الخصم بهزمه و إنما للانتصار معه , أي بمساعدته على تحقيق النجاح في مهمته التي هي تفعيل النص و فك ترميزاته , و إبلاغه مداه أو بعض مداه الانفعالي و التواصلي ...
   و تقوم خطة النص في الغالب على تقديم مجموعة من الاحتمالات التوافقية (Possibilités Combinatoires) التي يتكئ عليها في عملية الفهم أو التأويل , و منها مثلا وجود تنظيم خاص يحكم العلاقة بين العناصر التكوينية في النص الأدبي كما يحدد تمفصلاتها البنائية .
    و لننظر مثلا إلى ما يسمى بالاستراتيجية المقطعية : فالنص لا يتهيأ كلية و دفعة واحدة , و إنما تتم قراءته في خط زمني مسترسل باسترسال مقاطعه ؛ و كلما دخل مقطع في الحقل البصري للقارئ كان أكثر تأثيرا عليه دون أن تغيب المقاطع الأخرى التي تتراجع إلى الخلف لكنها تستمر في التأثير على الوعي القارئ و على مجريات القراءة , وهو ما يسميه " إيزر " ب "وجهة النظر الجوالة Principe de perspective " و تتمثل ديناميتها في تفعيل القراءة بكونها تستغل التوتر القائم بين التيمة و الموضوعة ( أي ما هو تحت البصر ) و بين الأفق ( أي ما هو في الخلف أو في العمق ) و بذلك توجه القارئ أثناء عبوره المرتقب للنص , و تجعل وجهة النظر القرائية تنتقل تباعا بين المقاطع التي تكون أحيانا تيمية و أحيانا أفقية .
    يقول إيزر : " لا يمكن تخيل موضوع النص إلا من خلال المراحل المختلفة و المتتابعة للقراءة . إننا دائما نقف خارج الموضوع المعطى في حين أننا نحتل موقعا داخل النص الأدبي ؛ و بالتالي فالعلاقة بين النص و القارئ تختلف تماما عن العلاقة بين الموضوع و الملاحظ : فبدل علاقة بين الذات و الموضوع , هناك وجهة نظر متحركة تتجول داخل ذلك الذي ينبغي أن تدركه هذه الوجهة . و هذه الطريقة لفهم موضوع مّا تكون خاصة بالأدب " 2

1- Wolfgang Iser : L’acte de lecture – théorie de l’effet esthétique – Bruxelles – Mardaga 85 , P 70 
2– فولفغانغ إيزر : فعل القراءة ( نظرية جمالية التجاوب ) ترجمة حميد لحميداني و الجلالي الكدية – فاس 95 ص 57 .

  و معنى هذا أن تجربة القراءة تنشأ بين المعطى و تعديله , كما تنشأ من خلال التفاعل الحاصل بين الجديد المدرك و القديم المستدرك , و هذا ما يذكر أيضا بمفهوم " القراءة الاسترجاعية " عند " ريفاتير " التي تساعد القارئ على تعديل مواقفه كلما تقدم اتصاله بالنص و كلما قدر على استثمار إمكانياته و التعرف على استراتيجياته ...
   إن النص الأدبي لا يقدم المدلولات مباشرة , لكنه يتضمن سلسلة من التعليمات التي سـتـسـاعـد على إنتاج المحتويات الـتـمـثـيـلـيـة لـه ؛ و تبدأ هذه العملية مع بداية جمع " المتن " أو "السجل" و هو – كما يقول إيزر – " كل ما يعود من خارج النص إلى النص مثل الحضور التناصي و المعايير الاجتماعية أو التاريخية مما يشكل السياق السوسيوثقافي الذي ينبثق منه النص. و كل العناصر المستوعبة في المتن النصي تصبح ذات دلالة خاصة داخل التمثيلية Configuration الجديدة ؛ و على القارئ أن يعيد النظر في قيمها السابقة كي يعطي النص بنية متساوقة و يقيم أود الوضعية التلفظية و التواصلية . و بما أن النص لا يقول كل شيء و لا يريد أن يبوح بشيء فهو إذن مليء بالفجوات و الانكسارات المتمثلة في الانفكاكات و الانفصالات الموجودة بين عناصر المتن المدمجة و التي يتعثر فيها القارئ أثناء قراءته أو أثناء وجهة نظره الجوالة في النص , و هي تنقسم بحسب إيزر خاصة إلى : 

1) الفراغات أو البياضات التي تكسر النسقية الخطية للنص و تترك للقارئ مهمة ترميمها ؛ ذلك أن النص الأدبي يفرغ المعايير الخارجية من مقاماتها التداولية , فينتج ذلك بياضات كثيرة تخلق بدورها إمكانيات عديدة لإعادة الترابط و الوصل . و هو ما يشكل منبعا لتنشيط ملكات التخيل عند القارئ و يجعل الموضوع الجمالي مشتركا بينه و بين الكاتب ؛ و لهذا يتولد عندنا إحساس كما يقول إيزر Iser " بأن النص المستمر هو نص فقير حينما نقارنه بالنص المنفصل الذي يمكننا أن نعيشه بطريقة مكثفة " 1 . و تتمثل وظيفة " البياضات " البنائية في كونها تخلق فضاءات مناسبة لتبادل الإسقاطات , " حيث يُجذب القارئ داخل الأحداث و يُلزم بإضافة ما يلمح إليه فيها من معنى من خلال ما لم يذكر 2 . و عليه تكون عملية التواصل في الأدب متوقفة على التفاعل المسترسل بين ما هو خفي يحث القارئ على الفعل و بين ما هو جلي يراقب عملية الاستكشاف و الوصل و ينظمها . و هكذا ترسم البياضات و الأماكن الشاغرة الطريق من أجل قراءة النص , بتحفيز مشاركة القارئ في إتمام بنية المواقـع المـتـغـيـرة , و بذلك يتـحـقـق إنـتـاج .

1) نفسه ص 101 .
2) نفسه ص 100 .

الموضوع الجمالي و يتم تحيينه .

   على أن " إيزر " يميز بين البياض بما هو " وصلة " منعدمة قد أغفلها النص عنوة كي يستخلف القارئ مكانها ؛ و بين البياض الناتج عن العلاقة الترددية بين التيمة أو المقطع الحاضر , و الأفق أو المقطع المتواري حيث يفقد البياض الذي هو مكان الخلف في النص تلاؤمه التيمي في الوعي القارئ فيحتاج إلى إعادة استحضار متعاقبة ...
2) طاقات النفي Potentiels de négation التي تبطل ما هو مألوف في العناصر الآتية من خارج النص . و تعتبر بمثابة محصلة الخروج من النسقية المعتادة و افتقاد السياق الذي تتعرض له تلك العناصر أثناء إدماجها في النص . و بهذه الحركة النافية يتنكر النص و لو جزئيا لمعاييرها الأصلية فيهيئ بذلك نوعا من إعادة التقدير الافتراضية في الإطار المحسوس لفعل القراءة , كما يوجه المشاركة الإنتاجية للقارئ الذي عليه أن يعيد التقويم للحصول على مقبولية جديدة في إطار التشكل النصي ذاته .
   إن استثمار طاقات النفي في النص الأدبي يمكن القارئ من إعادة النظر في الأعراف المتواضع عليها و التي ستبدو في المنظور الجديد و كأنها قد تقادمت و يمكن تجاوزها . و هدا التشكيك الوظيفي هو الذي يسميه " إيزر " " البديل غير المصوغ للنص المصوغ " , و هو أشبه ما يكون بالبنية العميقة و التي لا يسمح إلا للقارئ المشارك باستجلائها ؛ و في هذا الاستجلاء تكمن قوة الدفع بالنسبة للتواصل الأدبي . فالأدب و منذ القديم – كما يقول إيزر – يضم أمثلة كثيرة من إخفاقات البشر , لكن المقصود منها هو التنبيه إلى أسبابها الخفية التي على القارئ أن يتصورها أو يبحث عنها ؛ فهي إذن تقدمها كمحور للموضوع التخيلي أو كصورة سطحية للتشوهات التي تستلزم البحث عن علاج ممكن .إنها تهيئ الإجراءات الضرورية لتحيين الشروط غير المعلنة التي كانت سببا في وجودها , و بهذا المعنى يمكن وصفها بالبنية التحتية للنص الأدبي كما يمكن وصف البعد الدلالي للنص بأنه " الجانب المعكوس أو الوجه الخفي لما يصوره " و هو ما يدعو المتلقي في العملية التواصلية إلى تجاوز العالم من أجل حقيقة السبب الضمني في سؤال العالم . فالسؤال المطروح في النص مرتبط ارتباطا حميميا بجوابه الممكن . إن طاقات النفي تساعدنا إذن على تحرير ذواتنا من حياتنا , كما تمكننا من استيعاب أفكار الآخرين , و لذلك جعل منها " إيزر " "وردة متفتحة" في الأدب الحديث كما اعتبرها أداة تربوية في مشروع تنويري , و لو أن كبار فلاسفة " النفيية " من نيتشه إلى هيدجر و دريدا قد تخلوا عن ذلك المشروع منذ زمن طويل ؛ لكنه يرى أن من حق الأدب بالذات و ربما بسبب طبيعته الخاصة أن يعيد النظر في صحة المعايير المألوفة و بكيفية مستمرة ؛ و من ثمة يجعل القارئ " يعيش تجربة جديدة باحتكاكه بعالم لا يعرفه و في شروط يجهلها " 1 
  إن ما كان سائدا في السابق هو أن يأخذ القارئ المعلومات من النص بكيفية استهلاكية و سلبية , فيظل النص مهيمنا على الموقف و يظل القارئ بعيدا عن عملية الإنتاج ؛ و يُبخَس الاثنان نصيبهما . لقد سئل أحد الفلاحين عن سبب ضعف إنتاجية أشجاره فقال بسذاجة و بساطة : إن النحل قليل ! و نحلة النص قارئه يتغذى منه و يلقحه ؛ فلا النص وحده بقادر على أن ينتج كل الإنتاج و لا القارئ يجد ما يشحذ مخيلته و يذكي فهمه إلا في النص و من وراء النص .
   إن المعطيات الكامنة داخل النص و خارجه تسهم في خلق التفاعل الإيجابي بين المرسل و المتلقي , بين النص و القارئ و تساعد على استشفاف الأنظمة الدلالية التي تمثل امتدادا تاريخيا في المجتمع , و بذلك فهي تتجاوز حد المتعة الفنية لتخلق ديناميكية إنتاجية بين سنن النص و سنن القارئ . و هذه الديناميكية أو الرغبة في تفعيل القراءة تبدأ مع بداية جمع مواد النص و تنظيمها، ثم محاولة دمجها في بنية جديدة تنتظم قيما حاضرة و قيما غائبة , و بخطة مرسومة لتحيين الافتراضات الممكنة , في الوقت المناسب و بالعمل المناسب كي يتقابل نص الكاتب و نص القارئ تقابلا إبداعيا إيجابيا و سليما . و إذا كان هذا التعاون الإنتاجي شرطا حتميا بينهما فإننا لا نريد تواطؤا مبتذلا – كما يقول " Karlheinz Stierle " – و لا نريد تمردا ينتهي إلى إلغاء النص لصالح وهم ينتجه القارئ نفسه و ربما بدافع النص ذاته .2 و إنما نريد مساءلة ديناميكية و فاعلة تنجح في إعادة بعض التداولية للإرسالية الأدبية دون أن تفشل في الإبقاء على طابعها الإيقوني كما يقول " أمبرطو إيكو U.Eco " , ولذلك ينبغي أن يكون مصير النص القرائي محسوبا ضمن خطته البانية , كما أن من شأن بحث ميكانزمات القراءة أن يساعد على فهم حقيقة الوقع الجمالي للأثر الأدبي و ما يمكن أن يترتب عن التفاعل المنتج بين القارئ و ما يقرأه .

ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة