الدول الفاشلة - إساءة استعمال القوة والتعدى على الديمقراطية
تأليف : نعوم تشومسكي
ترجمة : سامي الكعكي
دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان
" إنَّ القوى المهيمنة عالميا تختار عن وعى تام سياسات تجسد الخصائص الأساسية للدول الخارجة على القانون , فتهدد سكانها في الداخل بأفدح الأخطار , عدا على أنَّها تقوض أركان الديمقراطية الجوهرية . لا بل إنَّ إكتساب واشنطن لسمات ومقومات الدول الفاشلة الخارجة على القانون يكون في بعض النواحي الحاسمة محل تباه وإعتزاز . فنادراً ما يبذل أي جهد لإخفاء التوتر الناشئ بين عالم لا يزال يريد نظاماً قانونياً عالمياً منصفاً وقابلاً للحياه وبين قوة عظمى وحيد لا تابه البتة فيما يظهر أن وضعت في خانة واحدة مع بورما والصين والعراق وكوريا الشمالية ... لجهة إعتناقها مفهوماً منذ القرن ال17 وينادي بضرورة الحكم المطلق فيما هى تضرب عرض الحائط بسيادة الآخرين باعتبارها سخافة بالغة عفى عليها الزمن".
ماذا يعني نعوم تشومسكي بتعبير«الدولة الفاشلة»؟
إن الدولة الفاشلة، بالنسبة إليه، هي الدولة التي لا تقدر أو لا ترغب في حماية مواطنيها من العنف أو الدمار، وتعتبر نفسها فوق القانون، وبالتالي تطلق يدها في ممارسة العنف والعدوان ضد مواطنيها والآخرين، وارتكاب الشنائع «الديمقراطية» بشكل يجرّد مؤسساتها من أي جوهر ديمقراطي حقيقي.
وهنا يظهر النقد الشديد الذي يحمله الكتاب لسياسات الحكومة الأميركية، إذ يسعى تشومسكي في أكثر من مناسبة في كتابه إلى المقارنة بين سياسات الحكومة الأميركية وسياسات الدول والجماعات التي تعاديها أميركا، مثل العراق في عهد صدام حسين وإيران، وصربيا في عهد سلوبودان ملوسوفيتش، وحركة حماس، لكي يثبت أن أميركا تمارس نفس السياسات التي تهاجم تلك الدول والجماعات بسبب ممارساتها. بل ويسعى تشومسكي إلى البرهنة على أن أميركا تمثل خطرا على الأمن الدولي والسلام العالمي أكثر من تلك الدول .
لطالما أكدت الولايات المتحدة المرة تلو الأخرى على حقها في التدخل العسكري ضد "الدول الفاشلة" في أي مكان من العالم. في هذا العمل المنتظر، والمكمل لكتابه الأكثر منيعا في العالم: "الهيمنة أم البقاء"، يقلب نعوم تشومسكي كل الطاولات، بتبيانه لنا كيف تحوز الولايات المتحدة ذاتها العديد من سمات وخصائص الدولة الفاشلة -ولذلك فهي تشكل خطراً متعاظماً على شعبها هي وعلى العالم.
الدول الفاشلة، بحسب تشومسكي، هي "الدول غير القادرة أو غير الراغبة في حماية مواطنيها من العنف وربما من الدمار نفسه"، والتي "تعتبر نفسها فوق القانون، محلياً كان أم دولياً". وحتى إذا ما كانت الدول الفاشلة تملك أشكالاً ديمقراطية، إلا أنها تعاني من قصور وعجز ديمقراطي خطير يجرد مؤسساتها الديمقراطية من أي جوهر حقيقي. وتشومسكي إذ يستكشف آخر المستجدات في سياسة الولايات المتحدة الخارجية والداخلية، فإنه يميط لنا اللثام عن خطط واشنطن لزيادة عسكرة كوكبنا، بما يفاقم إلى حد بعيد مخاطر نشوب حرب نووية، ويقيم لنا التداعيات الخطرة لاحتلال العراق، الذي أجج غضب العالم وسخطه على الولايات المتحدة، ويدعم بالوثائق سعي واشنطن إلى إعفاء نفسها من كل موجبات المعايير الدولية، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقيات جنيف، وأسس القانون الدولي المعاصر، وبروتوكول كيوتو... كما يعاين لنا كيف أعد النظام الانتخابي الأميركي من أجل إقصاء البدائل السياسية الحقيقية وبما يقطع الطريق على قيام أية ديمقراطية ذات معنى.
بنبرته القوية، وأفكاره النيرة ووثائقه المحكمة، يقدم لنا كتاب "الدول الفاشلة" تحليلاً شاملاً جامعاً للقوة العظمى التي ادعت منذ أمد طويل أن لها الحق في قولبة الأمم الأخرى على هواها، والإطاحة بالحكومات التي تعتبرها غير شرعية، وغزو الدول التي ترى أنها تهدد مصالحها، وفرض عقوبات على الأنظمة التي تعارضها -كل ذلك في الوقت الذي تعيش فيه هي ومؤسساتها الديمقراطية أزمة خطيرة، وتدفع بسياساتها وممارساتها الرعناء العالم إلى شفير كارثة نووية وبيئية.
بتفكيكه ودحضه على نحو ممنهج ادعاء الولايات المتحدة بأنها الحكم على الديمقراطية في العالم، يعد كتاب "الدول الفاشلة" العمل النقدي الأشد تركيزاً والأكثر مطلوبية حتى الآن.
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق