تأملات نوبية (4): ثروة النوبيين القاموسية
قاموس مكي على ادريس
حريات - uly 8, 2015 0 -عمرو محمد عباس محجوب :
صدر عن مركز الدراسات النوبية والتوثيق، عام 2015، قاموس اللغة النوبية (محس- فاديجا) من إعداد مكي على إدريس وخليل عيسى خليل، إضافة كبرى لمسيرة طويلة بدأها المغفور له محمد متولي بدر بكتابه المرجعي اللغه النوبية والذي صدر عام 1955، ثم قاموس اللغه النوبية والذي يظل مخطوطا بخط اليد، ثم تتالت القواميس المختلفة. يأتي إحتفائي وإهتمامي بمثل هذه الأعمال:
أولاً: كمهموم بإثراء التنوع السوداني في كافة جوانب سياساته وثقافاته، وباحث حول الثقافة السودانية البديلة للخروج من ربقة ثقافة الوسط الاقصائية.
ثانياً: كنوبي يسعى مع كافة المهتمين والسكان النوبيين للتعبير عن لغتهم، ثقافتهم ونمط حياتهم ضمن النسيج السوداني العام.
الإحياء الأول لبعث اللغة النوبية :
عندما بدأ المغفور له محمد متولي بدر في عمله الرائد منذ أربعينات القرن السابق، حيث طلب نقله إلى منطقة بلاد النوبة المصرية، مفتشاً لدائرة عنيبة للتعليم الاولي حتى عام 1959، كانت بلاد النوبة في جزئيها السوداني والمصري، بلاداً عامرة بالبشر والحياة، وكانوا يعيشون حياتهم ويعبرون عنها بلغتهم التي كانت قد تقهقرت لتنحصر بين أسوان وحتى دنقلا. للاسف، وكما هي العادة في بلادنا، يكتب الكاتب آعماله ولكن لا يحدثنا كيف أنجزها، الصعوبات التي واجهها، دواعي إهتمامه بها، إلا لماماً. لكن أعطانا المؤلف خلفية كاملة عن السكان، الجغرافيا واللغة وتناولها ببحث طويل في أكثر من ثلاثين صفحة من مائتي صفحة.
عندما رأى كتابه النور كانت المنطقة النوبية على شفا تغيير سوف يصيب أول ما يصيب لغتها. فقد تم تهجير أهل حلفا إلى وسط السودان وتهجير النوبة المصرية لشمال أسوان. إنقطعت صلة العالمين بأرض خلاء من حلفا الصامدة حتى أسوان. وسوف يدفع شغف النوبيين بالمعرفة وإندفاعهم للإلتحاق بالمدارس، المؤسسة على الثقافة العربية واقصاء كافة لغات أقوام السودان، الثمن الغالي في فقدان أغلب أبنائهم للغتهم الأم. وسوف يؤدي تهميش بلادهم وحرمانها من التنمية والتقدم، لهجرات كبرى للمدن الحضرية في دواخل السودان وبعدها الهجرة الكبرى لبلاد الاغتراب من بلاد النفط وحتي حواري نيويورك.
سوف يدرك محمد متولي بدر وأشار لهذا عن المخاطر التي تحيط باللغة، الثقافة وطرق حياة النوبيين في منطقتهم، يبدو هذا من الحب والشغف الذي يسود جنبات الكتاب، وسوف يواصل كل الذين سوف يطرقون هذا الدرب هذا الولع الشديد، الحب العامر والشغف المتدفق حين يتناولون لغتهم، ثقافاتهم وتقاليدهم. سوف يواصل المؤلف رحلته ويصدر اقرأ النوبية عام 1976، حكم وأمثال النوبة عام 1978، ثم يعكف على إنجازه الهام والموسوعي والذي أعده الإحياء الأول لبعث اللغة النوبية القاموس النوبي العربي مرتب على الأبجدية النوبية، يقع في أكثر من 700 صفحة وحوى نحواً من ثمان عشرة ألف كلمة نوبية. على نفس النسق يجيء القاموس النوبي من إعداد يوسف سمباج وهو قاموس نوبي عربي إنكليزي وميزته أنه يشمل لهجات المحس فديجا والدنقلاوية الكنزية، إصدار مكتبة الشروق، القاهرة.
الإحياء الثاني: كتابة اللغة النوبية
عندما أصدر محمد متولي بدر أعماله الرائدة، أعاد الاعتبار للغة في كتابه “اللغة النوبية” والتي استعمل فيهما الكتابة باللغة العربية والبعض بالحروف الإنجليزية .كانت اللغة النوبية استمرت قروناً عدة شفاهة، بعد أن فقد النوبيين حرفهم، لكن إصرار الشعب، إنحصاره الجغرافي وعظم الإرث والتاريخ والثقافة، كانت الأسباب التي أدت لحفظ لغة تعرضت لضغوط متعددة على مر ألاف السنين. كل ذلك كان مقدوراً عليه باستراتيجيات بسيطة من الإنعزال عن العالم وساعدتهم الجغرافيا، من الصحراء على الجانبين، صعوبة الملاحة على النيل لوجود الجنادل، القوة العسكرية في ممالكها المختلفة، تضييق الزواج المختلط خاصة زواج النوبيات من الأغراب.
وسوف يقيض الله للغة النوبية أحد أبنائها، كان له إهتمام حقيقي باللغة النوبيه، الدكتور عبد القادر شلبي. عندما قابل شلبي في تسعينات القرن الماضي، الدكتور مصطفى عبد القادر من أدندان في النوبة المصرية، وكان يحمل معه حروفاً قال إنها هي الحروف النوبية التي كانت تكتب بها اللغة النوبية في العصر المسيحي، وبدت لشلبي أقرب إلى الحروف في اللغات الأوروبية، ولكنه أكد له إنها الحروف النوبية التي كتب بها في القرون الميلادية في عصر النوبة المسيحية، وعين له دارساً نوبياً هو الدكتور محمد خليل كبارة في القاهرة يعرف الدليل.
قابل شلبي الدكتور كبارة الذي دعاه إلى منزله في إمبابة، ليرى مكتبته وبها عدد من أوراق البردي وجلد غزال مكتوب عليها باللغة النوبية من العهد المسيحي. كانت اللغة حسب كبارة خليطاً من (المتكية والفديجا والمحسي والأشكرين). وقد أصدر كبارة كتابة لاحقاً، وتولت الدكتورة ماجدة محمد أحمد بالتعاون مع أسرة المرحوم نشر الكتاب بواسطة مركز الدراسات النوبية والتوثيق. أصبحت الحروف التي إقترحها المغفور له محمد خليل كبارة هي الحرف النوبي المكتوب المعتمد، والتي سوف تؤسس لقواميس جديدة.
سوف يغير هذا الحدث الهائل – كتابة اللغة- في تاريخ اللغة النوبية والنوبيين من إعادة تموضع اللغة في السياق الوطني والإقليمي. لقد جلب للنوبيين الفخر، الإعتزاز والشعور بالإنتماء لحضارة طالما شاهدوها في المتاحف وفي كتب التأريخ. سوف يغير هذا الحدث أيضا تعاملنا مع اللغة النوبية ومفاهيمنا للأبد. سوف تتغير طريقة عرض الكتب التي تتناول الأمور النوبية ويدخل الحرف كجزء من كل الأعمال. حسب بحث في الإنترنت، وجدت عديداً من القواميس المختلفة، منها القاموس المصور بالحرف النوبي تأليف واعداد الشفيع الجزولي، القاموس النوبي من إعداد يوسف سمباج المذكور سابقاً في عهد قبل الحرف النوبي.
الإحياء الثالث لبعث اللغة النوبية
تصدى نفر غير قليل من بعد كتابة اللغة النوبية من على جانبي الحدود، رجال ذوي عزم شديد، إرادة صلبة وتضحيات في تطوير الوسائط اللغوية من أمثال محمود ساتي، عبر استخدام تقنية الإتصالات الحديثة من جوال وكومبيوتر. تطوير خطوط لكتابة اللغة النوبية بالحرف النوبي علي الكمبيوتر من مثل خط إبريم، والنسخة المعدله عن خط إبريم بواسطة البروفيسير هيرمان بل Herman Bell، وصوفيا نوبيان Sophia Nubian Font.
إبرز أبعاد البعث الثالث كان قيام مركز الدراسات النوبية والتوثيق، وغيرها من المراكز، الإهتمام الواسع بتدريس اللغة في العديد من الأندية، إنشاء الموقع المتخصص “نبتا دوت اورج”، الأستاذ عبد العظيم محمد علي الذي صمم أول برنامج توثيقي للغة النوبية وقام بتدريسها في منتديات دنقلا لتعليم اللغة الدنقلاوية، إنشاء العديد من المنتديات النوبية الأخرى. في نفس الاتجاه قامت السلطات المصرية بإدخال اللغة النوبية في مناهجها عام 2014 –2015. كما تم إنشاء قسم يتناول التراث النوبي بكلية الآداب، جامعة جنوب الوادي كأول قسم أكاديمي متخصص في الدراسات النوبية.
مكي على ادريس
جاء مكي نتاجاً لزواج الدنقلاوي علي إدريس بلال وفاطمة الشيخ المحسية، وولد وتربى وعاش في عبري، وهكذا تشرب اللهجتين (الدنقلاوية والمحسية). عاش مكي أغلب حياته على ضفاف النيل في المنطقة، عاملاً منذ بواكير صباه في “مطعم” الخال عثمان الشيخ –رحمه الله- ليدخل أجواء السوق المكتظ. هناك، شخصية محورية لوّنت ميول مكي علي إدريس في تلك السنوات الضبابية، تلك هي” آشه أبدون”، جدّته لأمه، واستعمرت خياله البسيط بقصصها ونوادرها التي لا تنتهي، أمّا أهم ما رضعه منها فهي اللغة النوبية، المحسية المطعّمة بلون الأرض. دارس مكي في المدرسة الأولية، ثم المدرسة الوسطى بعبري، انتقل بعدها لدنقلا الثانوية.
يؤرخ مكي أول محاولاته الشعرية، في مذكرات نشرت في موقع منتديات عبري تبج وبعض المواقع النوبية، وكانت مرثية عندما غرق شقيقه الأصغر” مبارك” في جدول مشروع عبري. سوف تتفح مواهب مكي الفنية والشعرية من خلال منافذ كانت توفرها المدارس من خلال مناشطها خارج الصف، المسرح المدرسي وكذلك الأندية المختلفة مثل “نادي عبري” والتي سوف يحملها معهم النوبيين أينما حط بهم الرحال وأندية الروابط المختلفة التي تنتشر في الخرطوم والمدن الكبرى. سوف توصله هذه المنابر للإذاعة والتلفزيون، وهو لازال طالباً، وكذلك للمسرح القومي، حيث تغني بأغنية (نوقسنا) من أغنياته الخاصة، ثم أغنية (وو إركل آقجكو) للفنان حسين لالا، وأغنية (بلدينا) للفنان وردي، والتي غناها معه مع الكورس الفنان محمد وردي.
بعد حصوله على الشهادة السودانية، عمل في سلك التدريس الابتدائي، بعد تدرّيب في معهد التربية بشندي (كورس تمهيدي)، في أواخر 1970م، ثم معلّماً بمدرسة صيصاب الإبتدائية، مدرسة عبري الإبتدائية، مدرسة كجبار الابتدائية المختلطة، حتى يوليو 1973م، حيث تمّ نقله تعسفياً إلى مدرسة المنطقة والنور، ملتحقاً بمعهد التأهيل التربوي، بعطبرة. سوف تتوطد معرفة مكي باللغة النوبية معايشة، شعراً، غناءاً وغوصاً في أحشائها. هذه المعرفة العميقة سوف يرفدها بالإمكانيات البحثية العلمية عندما إلتحق بمعهد الموسيقى والمسرح منتدباً من وزارة التربية والتعليم وتخرج عازفاً للكمان.
اخترق مكي مجال الغناء النوبي مبكراً، وكما عبر فقد كان المجال قد إنفتح أمام الفن النوبي “حظيت الأغنية النوبية بفرص انتشار واسعة في أجهزة الإعلام، من خلال فنانين قوميين كالفنان محمد وردي والفنان زكي عبد الكريم، والفنان إدريس إبراهيم، وغيرهم، وعن طريق الجاليات النوبية في مدن السودان المختلفة، التي درجت على ممارسة طقوسها الغنائية النوبية، جنباً إلى جنب مع الأغاني ذات النصوص العربية. ثم بدأ في كتابة أغنياته الخاصة وجاءت أغنية (حنينه مادلي)، وتتالت الأغنيات من أغنية (نوقسنا)، أغنية “عديلة” في 1973م وغيرها. من مسيرته الفنية بكل هذه الخلفية سوف يتصدى للبحث والتنقيب عن لغة النوبيين ويخرج لنا قاموس اللغة النوبية (محس- فاديجا).
قاموس اللغة النوبية (محس- فاديجا)
كل الذين كتبوا القواميس، لكل اللغات، كان بينهم مشترك من الولع، الإفتتان، الشغف والحب للغة، وكلهم كانوا غائصون لأعناقهم في الاحتكاك الشديد والمعرفة الدقيقة بالسكان الذين يتحدثون هذه اللغات، يعيشون بها ويودعونها كل أشجانهم، أفراحهم، أتراحهم والبيئة المحيطة بهم. لم يكن مكي على إدريس سوى إمتداد لهؤلاء. كل القواميس أنجزها أفراد تميزوا بالحب والإرادة للغة التي جمعوها، عبر أعوام من البحث والتنقيب.
لم يكن مكي على إدريس غريباً على اللغة، والبحث العلمي فقد عاش معظم حياته الأولى في ضفاف القرى النوبية، وتشرب روحها، ومن ثم درس في الموسيقي في أعرق مؤسسات الموسيقى في السودان. بعدها تناول اللغة شعراً وغناءاً. ورغم أن الكتاب لم يعطنا سوى لمحة قليلة عن هذا الجهد الذي استغرق من المؤلف عقوداً من حياته، وهو نقص شائع عند الكتاب السودانيين عموماً، وربما النوبيين بشكل خاص، لأنهم لا يحسنون الحديث عن جهدهم، ويخجلون منها تماماً. هذا الجانب مهم في العمل البحثي لأنه ينقل التجربة من المؤلف للأجيال القادمة الذين يودون السير في نفس الطريق.
العمل الهام الذي قام به مكي لم يكن في اكتشاف الكلمات نفسها أو الجري ورائها من مصادر متنوعة، فقد حوى القاموس حوالي ست ألاف كلمة، أي ثلث قاموس محمد بدر، وحوالي ألفي كلمة أو أكثر من جذر الكلمات وهو إضافة جديدة للقاموس، لكن التأريخي في هذا القاموس هو كتابة كل هذه الكلمات باللغة النوبية على الحرف الذي توصل إليه المغفور له محمد خليل كبارة. لدينا الأن ذخيرة كبرى من الكلمات النوبية في أصلها اللغوي. وهذا في حد ذاته عمل موسوعي كبير تقوم به المؤسسات وليس الأفراد، لكن تصدى لها مكي بشغف، جسارة وبتضحيات.
قدم القاموس مختصراً لما يمكن أن نطلق عليه “قواعد اللغة النوبية” والذي أعتقد أنها تحتاج لبحث من نوع مختلف، نستفيد فيه من علوم اللغات الأخرى وكيف طورت قواعدها وتضع إجرومية كاملة. إعتمد القاموس الترتيب حسب الأبجدية النوبية وتم إعتماد اللغة العربية “كلغة شرح” وكتابة الكلمات بالعربية ومن ثم النوبية تسهيلاً للناطقين بالعربية. لكن مع هذا فقد خلت الكلمات العربية من التنوين، وهو هام جداً في لغة بها الكثير من الكلمات التي تتكون من نفس الحروف، لكن يختلف معناها بتنوينها. وأعتقد يمكن أن يتم تدارك هذا في الطبعة الثانية.
أيضاً احتوى الكتاب على ذخيرة من الصور كشرح للكلمات أو كجماليات، والجيد أن الطباعة حافظت على الألوان بشكلها الطبيعي. هناك بعض الهنات التي إقترح إعادة النظر فيها عند إنجاز الطبعة الثانية. برغم علاقة المقالات بموضوع القاموس، وأن كتابها من مثقفي النوبيين، إلا أن مكانها ليس في القاموس. كما أنه من المهم تبويب القاموس حسب حروف الكلمات وتوضع في أعلى كل صفحاته، لسهولة الوصول للكلمات المقصودة.
قواميس النوبيين إلى أين؟
بين الحين والآخر نجد قاموساً جديداً أضيف ويقوم بها نوبيون ذوي إرادة وشغف، سوف تستمر هذه الظاهرة حتى يستطيعزا أن يوجدوا مؤسسة من مسئولياتها العمل على هذا المشروع. في كتاب “هوامش حول الفرعون وردي لمؤلفه محمد عوض الله حمزة، إصدارات فارس للطباعة والتغليف”، جاءت إشارة مقتضبة للمجمع النوبي من الراحل وردي، “في المجمع النوبي للغة وهذا سوف يحقق تداخلاً جميلاً بين الكنوز، الفدجة، حلفا، سكوت، المحس والاوشكر في دنقلا لأن تدرس كلغة واحدة نوبية بدون فرز”.
طرحت في مقالة تأملات نوبية (3): المجلس اللغوي الثقافي ضمن نظام فيدرالي، كإطار سياسي واجتماعي عام لنظام الحكم المطلوب في السودان “إﻗﺎﻣﺔ ﻧﻈﺎم دﻳﻤﻘﺮاﻃﻰ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻳﺄﺧﺬ ﻓﻰ اﻟﺤﺴﺒﺎن اﻟﺘﻨﻮع اﻟﺜﻘﺎﻓﻰ واﻟﻌﺮﻗﻰ واﻟﺪﻳﻨﻲ واﻟﺠﻨﺲ واﻟﻠﻐﺔ، واﻟﻤﺴﺎواة ﺑﻴﻦ اﻟﺠﻨﺴﻴﻦ ﻟﺪى ﺷﻌﺐ اﻟﺴﻮدان”. يوفر المجلس اللغوي الثقافي النوبي، ضمن إطار فيدرالي حقيقي ونظام حكم مدني ديمقراطي، أفضل الحلول الممكنة في ظل التطور السياسي الحالي. لدينا في أيدينا اخيراً لغة منطوقة تتميز بسمات متعددة وفريدة. ثم هي أصبحت مكتوبة بحروف –سواء إتفقنا على أصلها أو لم نتفق- محددة وواضحة. هذه هي مستلزمات اللغة الحية وقد سبقتنا تجارب من اللغة السواحيلية، العبرية والتركية التي أحييت في أنساق جديدة منذ عقود قليلة. ضمن هذا يأتي المجمع اللغوي النوبي.
المجمع اللغوي النوبي
كانت الأكاديمية الفرنسية أول المجمعات اللغوية، وتم إنشائها عام 1635، ونصت المادة الرابعة والعشرين من القانون “الغرض الأساسي من الأكاديمية أن تعمل بكل عناية ونشاط لتضع قواعد للغتنا، ولتكفل صفاءها وبلاغتها ومقدرتها على الوفاء بمطالب العلوم والفنون. المادة السادسة والعشرين تقتضي الأكاديمية وضع قاموس وقواعد أجرومية، وقواعد للبيان وأخرى للشعر”. على نسقها قامت المجمعات اللاحقة.
سوف يتكون المجمع من نوبي مصر والسودان (على غرار مجمع اللغة العربية المكون من كافة الدول العربية)، ويشملون نوبيى شمال السودان، جبال النوبة، الميدوب، البرقد وحلفا الجديدة، ومن ممثلي مهاجرهم، يتم اختيار أعضائه من الضليعين في اللغة النوبية حسب قواعد ثابتة. سوف تكون مهام المجمع حاسمة في السنوات الأولى من إنشائه في غربلة كل المجهودات السابقة لوضع قواعد اللغة، والمفردات، واللفظ، والنقحرة (النقل الحرفيّ) والإملاء في اللغة، بما في ذلك الإستحداثات اللغويّة وملاءمتها لعصر التقنيّة والحوسبة المتطوّر؛ إعداد قواميس ومعاجم عامّة ومتخصّصة وغيرها.
سوف تكون من المهام العاجلة للمجمع مراجعة كافة كتب مناهج تعليم اللغة النوبية والتي طورها رواد في مختلف الأماكن وكانت أساساً للتعليم في المراكز المختلفة طوال السنوات الماضبة، والوصول لمنهج موحد وبسيط وعلمي. ربما تكون من مهامها أيضاً تجهيز مواد تدريب المعلمين وسبل التقويم. ربما أيضاً سوف ينسق المجمع الجهود المبذولة في الاعتراف باللغة النوبية من قبل شركات الكمبيوتر، الجوالات وغيرها لإعتمادها كلغة تطبيقات وإمكانيات الترجمة المتاحة بين اللغات.
تعتمد اللغة في تطورها على إمكانية أن يجد المتحدث بها نتاجات علمية وأدبية، أغنيات مسجلة وأشعاراً، مقالات، روايات وغيرها. رغم وجود عدة منتديات نوبية فكلها، سوى واحدة، تعتمد العربية في حواراتها، كلنا نكتب بالعربية في معظم أنشطتنا الثقافية والعلمية. سوف نحتاج لعملية تنويب كبرى في مخاطباتنا في المنتديات، الكتابة بالنوبية في شتى المجالات أو ترجمتها، حركة ترجمة واسعة لكتابة عيون الإنتاج النوبي من قبيل “صواردة شو” لمحمد وردي، أشعار إبراهيم عبدة، مكي علي إدريس وغيرهم من المبدعين، جمع الأحاجي النوبية “كمنجيق” وغيرها.
نلاحظ في العمل اللغوي النوبي اعتماده الكبير على تطوع شابات وشباب رائعين، أو مجموعة أشخاص مدفوعين بالحمية والحماس، كانت تجربة مركز الدراسات النوبية والتراث بالقاهرة، تجربة مؤسسية هامة أضافت الكثير في المجال، لكنها رغم ذلك ظلت محدودة لمهمة التأصيل لإعادة إحياء لغة. وقد طرح د. محمد جلال هاشم إنشاء معهد الدراسات النوبية، عبارة ﻋﻦ مؤسسة أكاديمية متخصصة للدراسات فوق الجامعية في مجالات علم النوبيولوجيا ( اللغات النوبية، الأنثربولوجيا والفولكلور والتاريخ والآثار. لدينا مهام أنجزتها اللغات في قرون عديدة من بحاثة وفلاسفة وعلماء لغات، لكننا نمتلك هذه التجارب كما نمتلك الوسائط العديدة من وسائل التكنلوجيا التي تجعل هذه المهام اكثر يسراً. لكن أي تصدٍ لهذا يحتاج منا لخلق وإنشاء مؤسسات حقيقية تقوم بهذا الدور الكبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق