تأملات جمالية في نصوص شعرية معاصرة
أساليب الشعر والشاعر
تحاول هذه الورقة ملاحظة مراحل الارتفاع بالقيم الجمالية من كونها مفاهيم فلسفية، إلى إجراءات تطبيقية يمكن ملاحظتها في شعرنا العربي، أي نقلها من حيّز المفهوم إلى حيّز القيمة، وإذ تلتزم بحدود (التأمل) فإنها تختصر على القارئ كثرة المراجع الفلسفية والاقتباسات الخارجية؛ لاعترافها بوجود حاجز فلسفي من الوصل والفصل معاً يذيب أواصر التعامل بين الدرس الجمالي (الفلسفي)، والموقف النقدي تجاه الجمال في التعبير الفني، إلا في أصول ظاهرة لا يمكن للناقد الجمالي تجاهلها.
وليس الجمال ما يقبله العقل بأنه جميل فقط؛ إنما يمكن أن يكون الجمال خليطاً من المتنافرات والمتضادات معاً، وفي هذا إشارة إلى أن للجمال في النقد فهماً خاصاً متحرراً من مسلّمات المنطق وقواعد الطبيعة.
وفي النقد يبقى الجميل جميلاً إذا ظلّ متآلفاً مع جنسه، متعانقاً مع نظائره، متناسقاً في مظهره، متكاملاً في جوهره، فلا جمال لزهرة فوّاحة مزروعة في بيئة خربة، ولا يبقى في جمال الزهرة شيء إن هي فقدت أوراقها أو بعضاً منها، يقول هوم: «الجميل هو ذلك الشيء المتمثلة فيه النسب التي تربط المشاهد بأقرانه» (1). وأهم عنصر في معاينة النسب الجمالية حسن تأديتها لغرضها، فمثلاً تقوم قصائد مظفر النواب وأحمد مطر على همٍ واحدٍ وألمٍ مشترك، لكنها تتفاوت في الطول والقصر، ولا يرجع عِظم التجربة لضخامة ولا لصغر، إذ كثيراً ما أدى المقطع القصير عند أحمد مطر غرضه الذي قيل فيه دون حاجة إلى طول نظم وتفصيل.
ولأن الجمال لا يحكم عليه بأقيسة المنطق الطبيعية، فإن قيمة الفن لا تظهر في أشياء عظيمة أو أشياء تافهة، فليس لجلال الفكرة وأهمية الموضوع أي رابط يفرض وجود الجمال أو يعززه، أو يؤكد وجوده، خذ مثلاً القضية الفلسطينية بوصفها قضية عالمية «تجد أن شعراً كثيراً يعز على الحصر قد تناولها، وأن عشرات الدراسات قد خُصصت لذلك الشعر، ولكن لا الشعر نفسه استطاع أن يرقى بمستوى القضية، ولا الدراسات نفسها استطاعت أن تكشف شيئاً جديداً أو منحى جديداً في ذلك الشعر». (2)
حين يدرك الفنان أساليب التوظيف الفني في بناء قصيدته تعلو قيمة صوره حتى لو كانت فكرته بسيطة، فلم يعد التنافر وعدم التناسق مثالب تحط من قدر الأفكار، بل ربما تنطوي على مقدار فسيح من التأثير، ونسق مخصوص من المغايرة والتباين، فتصبح علامة جمالية مميزة، ذات سيرورة وإبداع، كان دني هويسمان - وهو من المنظرين لعلم الجمال – يؤكد دائماً أنه «لا شأن لترف الموضوع في الشعور الفني سواء تناولنا فيلماً من أفلام رعاة البقر، أو رواية بوليسية، أو قطعة موسيقية رخيصة (3) فالغاية إذن (تأثيرية) يصحبها مهمة تحريك الشعور عند المتلقي، ولعلها تولّد كما يقول بورك: «شعوراً باللذة الإيجابية يرافق استرخاء عضلاتنا وأعصابنا، وهذه علة الجمال الفاعلة» (4).
ويمكن لقصائد ذات أفكار بسيطة أن تبعث فينا من النشوة ما يكفي لتحريك مشاعرنا نحوها، غير قصائد ملتزمة بمعالجات إنسانية أو قومية لا تؤدي هدفها في الشعور الفني، ومثل ذلك كثير، فمحاورة محمود درويش لورقة توت مثلاً يستوحي من فكرة بسيطة دلالات لغوية عديدة، منها التنقل البلاغي بين صيغتي المخاطَب والغائب الذي يعطي لورقة توت قيمة أسلوبية فضلاً عن قيمة جمالية.
أحاورُ ورقةَ توت:
- ومن سوءِ حظِ العواصفِ أن المطرَ
يعيدكُ حية،
وأن ضَحيتها لا تموت
وأن الأيادي القوية
تكبلها بالوتر !
سأدفعُ مهرَ العواصف
مزيداً منَ الحبِ للوردةِ الثاكلة
وأبقى على قمةِ التلِ واقفاً
لأفضحَ سر الزوابع .. للقافلة (5).
والشعر المعاصر ميدان فسيح لمثل هذه الأفكار البسيطة، لا سيما عند الرومنطيقيين الذين ارتموا في أحضان الطبيعة هرباً من كدر الحياة وتعقيداتها، فهم يحلمون بالعودة إلى حياة صافية من كل الشوائب، فاستوقفتهم الأفكار الوضيعة والمضامين السخيفة، لكنهم نجحوا في التعبير عن جماليات التجربة الشعورية التي يعيشونها من خلال شق طريق المزج بين حقائق متباعدة تجعل القارئ يتأمل تحولات الدلالة، ويتدبر إثارة الصور في سياق بسيط ونسق متماسك، لذا ليس لمتذوق أصيل ينكر أن «وصف القمامة يسر الخيال إذا قدّمت الصورة إلى خيالنا في تعبير مناسب؛ لأننا لا نكترث كثيراً لما يحتويه الوصف بقدر ما نكترث لقدرة أو ملاءمة ذلك الوصف لإثارة الصور» (6).
وغالباً ما تتدرج بساطة الأفكار بين يدي الشاعر في الدخول إلى جزئيات (محسوسة أو معنوية)، وقد تتحد معاً في التشكيل الصوري لدى شاعر واحد كنزار قباني مثلاً الذي وصلت جمالياته إلى الإلحاح على ماديات المرأة الخاصة (قلم الحمرة، المشط، الجورب، المانيكور، المايوه الأزرق، ثوب النوم الوردي، الصليب الذهبي، الكم، التنورة...)، فهو يرى جمال المرأة في جمال أشيائها المحسوسة، وهذا – بالطبع – له انعكاسات خاصة على جمال التعبير لديه لكونه يعلي من قيمة الجسد كيفما شاء ضمن مشروعه الحداثي الذي نادى به وبقيمه في أكثر دواوينه. كذلك فإن جمال المعنويات عند سعاد الصباح كثير ما كان تعبيراً عن حالات التوحد المعنوي مع الرجل، وذلك بانصرافها الملحوظ للدفاع عن بنات جنسها في مجتمع تراه مقيداً لحرية المرأة، لا سيما أن طروحات نزار وطريقة تناوله لموضاعاته الشعرية واضحة ولا تحتاج إلى دليل في شعر سعاد الصباح، ولمثل هذا التصرف (التعبيري) ميزة جمالية جديرة بالتنبيه عليها والاهتمام بدلالاتها خاصة ديوانها (فتافيت امرأة) (7).
وفي النقد تعد البساطة والسذاجة عناصر حية في جماليات جديدة تزيد في قيمة الفن إن أُحسن توظيفها، كذلك فإن صور الأسى واللوعة أو الكآبة والألم تمنحنا دلالات مغايرة لما هو معروف عنها، بل يعتبر ما هو قبيح خارج المعمار الفني أحد أهم القيم الجمالية إلى جانب الجميل في الفن، وتظهر مهمة علم الجمال في البحث عن قيمة مغايرة للقبيح، وتحديد ملامحه وأبعاده، والنظر إلى المساحة الممنوحه له في الخطاب الإبداعي، فإذا نجح المبدع في نقل قيمة القبيح كان الشكل جميلاً. ألم تظهر جماليات التعبير الفني من آلام اللاجئ الحزين في (بطاقة هوية / سجل أنا عربي) لمحمود درويش؟ (8) ألم يدرك القارئ إحساساً مرهفاً بالجمال في صورة الجسد المهين عند المومس العمياء للسياب ؟ (9) وجمالاً مماثلاً في قلب المعايير الإنسانية من المستبد السلطوي إلى الثور الأرعن في (الثور والحظيرة) لأحمد مطر؟ (10) أو التضاد الرامز المصور لحالة الشعوب البائسة بين الفقير المعدم والكلب الشرس في مقطوعات كثيرة للشاعر نفسه ؟
يَعْوي الكلبُ
إن أوجَعَه الضربُ
فلماذا لا يصحو الشعبُ
وعلى فمهِ ينهضَ كلبٌ
وعلى دمِهِ يقعي كلبُ (11)
.....
كلبُ والينا المعظّم
عضَّني، اليومَ، ومات !
فدعاني حارسُ الأمنِ لأعدم
بعدما أثبت تقريرُ الوفاة
أن كلبَ السيدِ الوالي
تسمّم ! (12)
.......
سواسيةٌ
نحن كأسنانِ كلابِ البادية
يصفعنا النباحُ
في الذهابِ والإياب
يصفعنا التراب
رؤوسنا في كلِ حربٍ بادية
والزهو للأذناب
وبعضنا يسحق رأسَ بعضنا
كي تسمنُ الكلاب ! (13)
وينبغي للمتذوق المشارك في إنتاج النصوص أن يعلم أن الإحساس نحو الجمال والنفور من القبح أمر تفرضه طبيعة الإنسان عامة، ولا يطمح النقد فيه إلى قلب صورة الألم والقبح وتغييرها إلى ممكنات ومسموحات داخل المعمار الفني، فالصورة القبيحة ماثلة في ذهن المتلقي دون تعليل أو تبسيط، غير أن إدراجها في (كل فني) يمنحها القدرة على مجاوزة سلم البدهيات والمنطقيات، كما يدرك النقد أن القبح الذي تفترضه مقولة القبيح عامة لا ينسجم مع الذوق الطبيعي للإنسان، وأنه باعث للقلق والرفض، وأن الجميل يبعث اللذة والراحة والرضا؛ ومهمة الناقد فيه تقويمه وإظهار قيمته للمتلقي، لذا فإن من السذاجة إلزام شاعر ما بنقد شعره إن كان شعره تعبيراً عن ألم ما أو كآبة معلنة، أو أن نطلب منه تفسيراً له؛ إذ في نثر الشعر إقصاء لمعنى الجمال فيه « والكاتب الناجح هو الذي نحس بأن في الكلمة في العمل الفني عنده لا تحتفظ بعزلتها وانفصاليتها، ولكنها تخضع لسياق فني في كل فني، أما الكاتب الآخر فهو الذي نحس بأنه فشل في تطويع الكلمة لذلك السياق، نحس أن الكاتب هزمته مقاومة الكلمة، فظلّت على عزلتها وانفصالها رغم وجودها في عمل فني» (14)
في حمى هذه التأملات يمكن لمتذوق شعر الشابي مثلاً أن يفهم سر فلسفة التحول الأسلوبي في تعامله مع مفهوم (الغاب)، هذا الكيان الجغرافي الممتد، الذي يضم صنوف الحيوان ونحوه، وفيه يفترس القوي الضعيف، ويؤول قانون السلطة بين يدي الأقوى. لم يعد عند الشابي بهذا المفهوم السلبي، بل تحوّل دلالياً ليصبح قطباً محورياً يشكّل انفتاحات جمالية متعددة ظاهرة في أكثر من قصيدة في (أغاني الحياة)، ولو لم يكن كذلك لما عَمِدَ إلى تكراره تسعاً وخمسين مرة في أغاني الحياة .
إن تعامل الشابي مع (الغاب) يحمل أبعاداً رومنطيقية ونفسية يمكن لقوانين الجمال أن تفسرها، فالغاب عنده ملجأ منعزل يهرب إليه من حصار نفسي ثقيل عاشه بين بني البشر، ومؤشر يدل به على نقمته على الحياة، ورغبته في نسف قوانينها، فكان اختياره له الدار والموطن، ودعوته الآخرين للعيش فيه، والتعامل معه بصيغته المذكرة دون تاء التأنيث في آخره، كل هذا يثير الدهشة والانقلاب ومجانبة المتداول المألوف والمحسوس في صورة (الغاب) الماثلة في ذهن المتلقي بداهة، وهذا هم الفنان الأصيل، ومطمحه اللغوي الأول.
لا شيءَ إلا أنني مُتَغَزل
بالكائناتِ مفرد في غابي (15)
إنني ذاهبٌ إلى الغابِ يا شعبي
لأقضي الحياة وحدي بيأسِ
إنني ذاهب إلى الغاب علّي
في صميمِ الغاباتِ أدفنُ بؤسي (16)
يا لَها من مَعيشة في صميمِ الغاب
تضحي بين الطيور وتمسي (17)
واجعَل حياتَك دَوحاً مُزهراً نَضِراً
في عُزلةِ الغابِ ينمو ثم ينعدم (18)
في الغابِ سحرٌ رائعٌ متجددٌ
باقٍ على الأيامِ والأعوامِ (19)
وفي هذا التشكيل الجمالي لصورة الغاب تنهض جمالية أخرى يسعى فيها الشابي إلى تجسيم الغاب إنساناً يحاوره (20) جاعلاً منه (أي الغاب) المحبوبة التي اخترعها قلمه لتبادله مشاعر الهيام والشوق .
يا قَلب كم فيك من غابٍ ومن جبل ** تدوي به الريح أو تسمو بهِ القممُ (21)
وقالَ ليَ الغابُ في رقةٍ
محببةٍ مثل خفقِ الوتر
يجيء الشتاءُ، شتاءُ الضباب
شتاءُ الثلوجِ، شتاءُ المطر
فينطفئ السحرُ، سحرُ الغصون
وسحرُ الزهورِ وسحرُ الثمر (22)
يا أيها الغابُ المنمـ
مَقُ بالأشعةِ والورود
يا أيها النورُ النقي
يُ وأيها الفجرُ البعيد
أين اختفيت، وما الذي
أقْصاكَ عن هذا الوجود (23)
ولقد كانت صباحَ الأمسِ بين النسمات
كعذارى الغابِ، لا تعرف غير البسمات (24)
ولا ينقص المعنى المباشر من جماليات الصورة، لكنه أقل تأثيراً في الإحساس ووقعاً في النفس، وتظهر مهمته ثابتة لا تمتد داخل أفق تعبيرية وأسلوبية تزيد المعنى جمالاً كصورة (الغابة) في قصيدة « حلم» عند بلند الحيدري مثلاً، التي حدّها بتضاريس حقيقية وأنثوية، فأبقاها في معناها الأصلي في المرة الأولى، لكنه عند تكرارها للمرة الثانية (في المقطع نفسه) تجده قد جرّد نفسه ليصبح هو غابة، فانزاح عن المعنى الحقيقي ليدرك تصويراً نادراً أبلغ أثراً في النفوس من التصوير الأول، ثم عاد إلى المعنى الأول ليراوح بين امتدادات تعبيرية تظهر دهشة جميلة، وانتهاكاً للمألوف غير متوقع في عمله الفني:
أنْتِ يا مَن تحلمين الآن
ماذا تَحلمين ؟
بالدروبِ الزُرق
بالغابةِ
بالموت مع الكونِ الذي لا تفهمين
ولعلي الآن شيء
غابة
أو ذلك الدرب
أو الموت الذي لا تفهمين
.........
كنت حلماً والليل بلا معنى كأيام سجين
وتلاشيت مع الدرب
مع الغابة
والموت الذي لا تفهمين (25)
وتبلغ (العصافير) قيمتها في شعر محمود درويش كتلك التي حظيت بها صورة (الغاب) عند الشابي، وتحال لفظة (العصفور) على ما يحاط بها من مُناخ دلالي ينفتح على تأويلات متعددة في كل تكرار لها في شعر درويش، وهي كائن شعوري يحلق أمام مخيلة درويش حين ينظم الشعر حتى تبدو مرتكزاً ضوئياً وبؤرة مهيمنة تفسر حالات شعورية لديه، غير أنها لا تحمل الحالة (السلبية) مثل الغاب في بعده الحقيقي، فلا تكلف الشاعر (أي شاعر) عناء إدراجها في تصوير فني، وإذا انتهى درويش من تصويرها تصويراً يحمل أبعادها الحقيقية (الثابتة) فما زاد في جمال الصورة أكثر مما تعبر هي عن نفسها «فالمقصود ليس جمال الشيء في ذاته بقدر ما هو انعكاس قبح نادر أو روعة قصوى عليه» (26).
ومجال تحقيق هذه الروعة الجمالية ممكن لدى درويش من خلال تجسيد صور متنوعة للعصفور تمتد على مساحة ديوانه إن كان في حالة البؤس (ريتا والبندقية) (27)، أو في حالة الانتحار (لا تنامي حبيبتي) (28)، أو في التعبير عن التحدي (تحدٍ) (29)، أو إدراك لمعانٍ تجريدية قابلة للتأويل (مطر ناعم في خريف بعيد) (30) وغير ذلك كثير ...
ومن أساليب الدهشة الجمالية في النص الشعري إعادة قولبة أصوات منفرة في أشكال فنية جديدة تبعث في أنفسنا السرور في وصف ملائم، كصوت فحيح الثعبان، أو نباح الكلب، أو خوار البقر، أو نحيب الثكلى ... فتأخذ هذه الأصوات - داخل البناء الفني – نصيباً من القبول والرضا لخروجها عن طابعها النفعي (الشائع).
ويمكن أن تتحول هذه الانزياحات البسيطة للأصوات لتصبح تعبيراً فنياً يعمّق دور المفاجأة ويعززه، مما يعمل على تنامي بنية النص داخل سياق جديد وغير مألوف، تماماً كما صنع المتنبي حينما جعل السواد في كافورياته ظاهرة جمالية .
وتبلغ الانزياحات في (الأصوات) روعتها إذا كانت تعبيراً عن استعارات غير متداولة تحقق لها مسافة جمالية في التلقي كما في قصائد كثيرة لبدر شاكر السياب، ففي قصيدة (المسيح بعد الصلب) يجعل السياب من العويل منقذاً، ومن النواح بصيص نور ظهر في ليل دامس، فأحدث هذا التعبير عدولاً فنياً وخلخلة للمتوقع استوقف الانتباه عند أبعاد الصورة الاستعارية، والانفعالات التي رافقتها.
وأنصت .. كان العويلُ
يعبُر سهلاً بيني وبينَ المدينهْ
مثل حبل يشد السفينهْ
وهي تَهوي إلى القاعِ، كان النواح
مثلَ خيطٍ من النور بين الصباح
والدجى، في سماء الشتاءِ الحزينهْ (31)
.................................
وأظل طولَ الليل أحلم بالزنابقِ والعبير
وحفيفِ ثوبك، والهدير
يعلو فيغرق ألف زنبقة وثوب من حرير (32)
وتكتسب الصورة الاستعارية لدى عبد الوهاب البياتي جمالية فريدة تتجاوز المشاهد الطبيعية والنمطية في التناول، وتنفصل عنها إلى ما وراءها من الدلالات، إذ تطبع في أذهاننا تعبيراً جديداً للصوت، فتوفر فرصة للالتقاء بين حقائق متباعدة مما يجعل الجو النفسي مهيئاً للتفاعل مع السياق العام الذي احتلت فيه الصورة الاستعارية مكانتها.
أي حبٍ هُو هذا!
عندما يَكتشف الشاعرُ في منفاه
سر الآلههْ
نيزكاً يَسقط في البحرِ
عواء الرغبة المشتعلهْ
قارة غامضة تظهر، ليلاً،
في بياضِ الورقهْ
غابةً / قافيةً محترقهْ
نجمةً مؤتلقة
........
(33)
الإحـــالات:
(1) دني هويسمان، علم الجمال، ترجمة ظافر الحسن، دار العويدات، ص 53
(2) إحسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، دار الشروق، الطبعة الثالثة،2001، ص5
(3) دني هويسمان، علم الجمال، مرجع سابق، ص 131
(4) المرجع السابق،ص 52
(5) قصيدة: «حوار في تشرين» محمود درويش، الأعمال الشعرية الكاملة، دار العودة، بيروت، الطبعة الثالثة عشرة، 1989، ص 210
(6) عبد العزيز حمودة، علم الجمال والنقد الحديث، دار الأنجلو المصرية، ص 72-73
(7) سعاد الصباح، فتافيت امرأة، دار سعاد الصباح، ط 9، 1997
(8) انظر: قصيدة بطاقة هوية، الأعمال الكاملة، ص 73.
(9) انظر: قصيدة المومس العمياء، بدر شاكر السياب، الأعمال الشعرية الكاملة، دار العودة بيروت، المجلد الأول، 1971، ص 509.
(10) انظر: قصيدة الثور والحظيرة، (لافتات 1) أحمد مطر، الأعمال الشعرية الكاملة، دار الأوديسا، ليبيا، 2006، ص 21.
(11) من قصيدة «الذئب»، (لافتات 1) المرجع السابق، ص 42.
(12) مقطوعة «التقرير»، (لافتات 2 ) المرجع السابق، ص 73.
(13) من قصيدة «سواسيه» (لافتات 1 ) المرجع السابق، ص 57.
(14) عبد العزيز حمودة، علم الجمال والنقد الحديث، مرجع سابق، ص (6-7).
(15) أبو القاسم الشابي، ديوان «أغاني الحياة»، دار الكتب، القاهرة، 1955، ص 20.
(16) المرجع السابق، ص 86.
(17) المرجع السابق، ص 89.
(18) المرجع السابق، ص 108.
(19) المرجع السابق، ص 115.
(20) يرى الدكتور عدنان حسين قاسم أن التشخيص هو «إضفاء صفات الكائن الحي وخاصة الصفات الإنسانية على مظاهر العالم الخارجي فيبعث الحياة فيها، ويجعلها تحس وتتألم كما يحس الإنسان ويتألم» التصوير الشعري: التجربة الشعورية وأدوات رسم الصورة الشعرية، المنشأة الشعبية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1980، ص 112
ويرى الدكتور نواف قوقزة أن التشخيص «إسباغ الحياة الإنسانية على ما لا حياة له كالأشياء الجامدة، والكائنات المادية غير الحية» نظرية التشكيل الاستعاري في البلاغة والنقد، وزارة الثقافة 2000، ص 260.
(21) ديوان أغاني الحياة، مرجع سابق، ص 106.
(22) المرجع السابق، ص 64.
(23) المرجع السابق، ص 47.
(24) المرجع السابق، ص 31.
(25) انظر قصيدة حلم، بلند الحيدري، الأعمال الشعرية الكاملة، دار العودة، بيروت، ط 2، 1980، ص 314.
(26) دني هويسمان، علم الجمال، مرجع السابق، ص 201.
(27) انظر قصيدة «ريتا والبندقية» محمود درويش، ص 192.
(28) انظر قصيدة «لا تنامي حبيبتي» محمود درويش، ص 188.
(29) انظر قصيدة «تحد» محمود درويش، ص 124.
(30) انظر قصيدة «مطر ناعم في خريف بعيد» محمود درويش، ص 258.
(31) انظر: قصيدة المسيح بعد الصلب، بدر شاكر السياب، الأعمال الشعرية الكاملة، مجلد 1، ص457.
(32) انظر: المرجع السابق .
(33) عبد الوهاب البياتي، الأعمال الشعرية، المؤسسة العربية 1995، ج2/ بستان عائشة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق