من أساطير الصحراء
إبراهيم الكوني
إن حدث الكوني عن قومه حدث عن نفسه ف "هم" "أناه" و "أناه" "هم" ، و الكل "أنت" أيها القاريء أيانا يصور في ما دهانا كلما زغنا عن الرشد ، أو نقضنا عهدا كان علينا لزاما ، فانتهكنا سنن الكون أو استهنا بأحكامه . بؤسنا الأشقى أول همه ، و غرضه الأقصى منجاتنا و السلامة.
طموح إذن هذا الأدب أصيل ، نعم ، حميم ، مشبع بألوان المكان و أهله ، طبيعة و مناخا ، و عادات و معتقدات و أوسع أفقا من حدود القوم و الإقليم ، لا محلي هو و لا فلكلوري ، طرقي النسب ليبي البلد عربي اللسان في عمقه انساني و في أبعد أبعاده كلقب صاحبه ، كوني يضرب بجذوره في أعماق تربته و الرأس شامخة في الذرى .
- " الجبل ":
بدأت الرحلةُ في القماط. تسلى بالسماء فرأى الأنواء. رقعة ظلماء موشاة بعيون لامعة، تومئ ولا تتوقف عن مشاكسته بوميضها الغامض. يغيب في زحمة العيون كل ليلة. ولم يكفّ عن أسفاره حتى بلغ "آشيت آهض". دخل بيتاً لم يعد منه أبداً. لاحقته الأم. أغوته بحيل الساحرات. استبدلت في يده صرة الشيح. أخذت الصرة القديمة وأحرقتها في موقد النار. أعدت صرة جديدة وثبتتها في معصمه الأيمن. ذهبت إلى الساحر وجاءت له بتميمة جديدة. نحرت فوق رأسه ديكاً أبيض اللون. لوثته بدم الديك، وأعدت لمه من المخّ حساء. اشترت من العرافين العابرين مدية نحاسية جديدة. غرستها فوق رأسه بجوار الركيزة. ولكن الوليد الذي سار وراء"آشي آهض" ليلا، ومضى بعيداً في ساحة الوظن المجهول، لم يعد إلى الوراء نهاراً. وظل يبرطم ويتبسم ويبتدعُ اللغة التي يخاطب بها كوكبة الصبايا طوال الليالي. ولا تنطفئ له عين حتى يفلق القبس المبكر فوق الأفق. يعود إلى الصحراء متعباً فلا يستجيب لمداعبات الأم، يستسلمُ لحلم مبهم، فنرقضص على شفتيه ابتسامة مجهولة يرتجفُ لها قلبُ الأمّ.
أو
أو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق