الثلاثاء، 28 أبريل 2015

أحبّ نطقكِ لحروف العلّة - من رسائل فلاديمير نابوكوڤ إلى حبيبته ڤيرا ...


أحبّ نطقكِ لحروف العلّة

من رسائل فلاديمير نابوكوڤ إلى حبيبته ڤيرا


ترجمة: محمد الضبع
 


   كان نابوكوڤ مهاجراً تركت أسرته روسيا إلى أوروبا عقب قيام ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1917 الإشتراكية. 

   استقر أبواه أولاً في ألمانيا، ودرس الابن اللغة الفرنسية والأدب الروسي بجامعة كمبريدج بإنجلترا .

   قبل أن ينتقل للعيش في برلين (1937 - 1940) ويكتب رواياته وشعره باللغة الروسية في أغلب الأحيان. 

   وفي 1940 هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية (حصل فيما بعد على جنسيتها في 1945) أستاذاً للأدب الروسي بجامعة كورنيل. 

   ومنذ ذلك الحين أصبح يكتب كل رواياته باللغة الإنجليزية. وما لبثت روايته المسماة «لوليتا» أن ظهرت في باريس عام 1955، فإذا به بين عشية وضحاها يغدو حديث النقاد والجمهور. 

  وحظر تداول الرواية زمنا إلى أن أفرج عنها وأصبحت الآن تعد من كلاسيات الفن الروائي في القرن العشرين.

  التقى نابوكوڤ بڤيرا سلونيم لأول مرة في مطلع مايو 1923 في حفلة خيرية راقصة في برلين، كان وقتها شاعراً يكتب باسم مستعار هو «سيرين» عندما تقدمت إليه فتاة ترتدي قناعاً أسود (كانت حفلة تنكرية) وعبرت عن إعجابها بشعره الذي راحت تتلوه من الذاكرة، كان طبيعياً عند ذلك أن ينبهر بها، وعقب الحفلة خرجا يتمشيان في الشوارع حتى ساعة متأخرة من الليل، هكذا كان أول لقاء بينهما متسما بطابع المفارقة، كما يلاحظ الناقد دنكان هوايت: مشروع حب بين فتاة متنكرة وشاب يكتب تحت اسم مستعار!

   ظل لقاؤه بڤيرا ماثلا في ذاكرته، ومن فرنسا نظم قصيدة تصور الالتقاء بامرأة غامضة ترتدي قناعاً على جسر فوق قناة، تقوم على جانبيه أشجار الكستناء، ونشر القصيدة في مجلة كان يعرف أنها من قرائها. وبعد ذلك بشهر كتب إليها أول رسالة منه يقول فيها إنه ليس معتاداً على أن يتذوق أحد شعره، ولكنها – بلمسة واحدة منها – جعلته يحس بالثقة فيما يكتب.

  لم يكن نابوكوڤ مخطئا حين كتب هذا، فقد كانت هذه بداية واحدة من أطول الشراكات في تاريخ الأدب، لقد ظلت ڤيرا – حتى موته في 1977 – حبيبته، وزوجته، وأم ابنه، ومعدة كتاباته للنشر، والباحثة التي تزوده بما يريد، ومترجمة أعماله إلى اللغات الأخرى، ومديرة شؤونه، ونصيرته، وحاميته، ومعاونته في الكتابة، شاركته حبه للصيد وتصنيف أنواع الفراشات. 

    وحين ملأت إقرارها الضريبي في أميركا كتبت في خانة المهنة: «مساعدته». وحين قرر – في لحظة غضب ويأس – أن يحرق مخطوط رواية «لوليتا» أنقذت الرواية من أن تغدو طعمة للنيران. وقد سجل نابوكوڤ أنه رأى حلما كان فيه يعزف على البيانو بينما هي تقلب صفحات النوتة الموسيقية له.


    في يوليو سنة ١٩٢٣، وبعد شهرين تقريبًا من لقائهما، كتب نابوكوڤ إلى ڤيرا:

“لست معتاداً على أن يفهمني أحد، لست معتاداً على هذا لدرجة أنني اعتقدت في الدقائق الأولى من لقائنا أن الأمر أشبه بمزحة، ثم …

  هنالك أشياء يصعب الحديث عنها، لكنكِ تستطيعين التخلص من كل طبقات الغبار فوقها بكلمة وحدة … أنتِ لطيفة ...

   نعم، أحتاجك، يا قصّتي الخياليّة، لأنك الشخص الوحيد الذي أستطيع التحدث معه عن ظل غيمة، عن أغنية فكرة، عن الوقت الذي ذهبت فيه للعمل ونظرتُ إلى زهرة عبّاد شمس، ونظرتْ إليّ، وابتسمتْ كل بذرة فيها.

   أراكِ قريباً يا متعتي الغريبة، يا ليلتي الهادئة. كيف بإمكاني أن أفسر لكِ سعادتي، سعادتي الرائعة الذهبيّة، وكيف أنني ملكٌ لكِ، بكل ذاكرتي، بكل قصائدي، بكل ثوراتي، وزوابعي الداخليّة؟ كيف بإمكاني أن أشرح لك أنني لا أستطيع كتابة كلمة واحدة دون أن أتخيّل طريقة نطقكِ لها - ولا أستطيع تذكر لحظة واحدة تافهة دون ندم لأننا لم نعشها معاً، سواءً كانت لحظةً خاصة، أو كانت لحظةً لغروب الشمس، أو لحظةً يلتوي فيها الطريق- هل تفهمين ما أقصد؟.

   أعلم أنني لا أستطيع إخبارك بكل ما أريد في كلمات- وعندما أحاول فعل ذلك على الهاتف، تخرج الكلمات بشكل خاطئ تمامًا. وعلى من يتحدث معك، أن يكون بارعًا في حديثه. 

   وأهم من هذا كلّه، أردت لكِ أن تكوني سعيدة، وبدا لي أن باستطاعتي منحكِ هذه السعادة - سعادة مشرقة، بسيطة، وليست سعادة كليّة أبديّة.

   إنني على استعداد لإعطائك كل دمائي، إن اضطررت لذلك -قد يبدو حديثي سطحياً- ولكن هذا ما أشعر به. أستطيع أن أشعل عشرة قرون بحبي، بأغنياتي وشجاعتي. عشرة قرون كاملة، مجنّحة وعظيمة، مليئة بالفرسان الذين يصعدون التلال الملتهبة، وأساطير عن العمالقة وطروادة، وعن الأشرعة البرتقاليّة، عن القراصنة وشعراء. وهذا ليس وصفًا أدبياً، لأنك إن عدتِ لقراءته مرةً أخرى ستكتشفين أن الفرسان يعانون من زيادةٍ في الوزن.

  أحبكِ، أريدكِ، أحتاجكِ بشكل لا يطاق… عيناكِ - اللتان تشرقان عندما تسندين رأسك للخلف، وتحكين قصة مضحكة- عيناكِ، صوتكِ، شفاهكِ، كتفاكِ - خفيفان، مشرقان… لقد دخلتِ حياتي، ليس كما يدخل الزائر، بل كما ترجع الملكات إلى أوطانهن، وجميع الأنهار تنتظر انعكاسك، وجميع الطرق تنتظر أقدامكِ.

  أحبكِ كثيراً. أحبك بطريقة سيئة (لا تغضبي، يا سعادتي). أحبكِ بطريقة جيدة. أحب أسنانكِ…

  أحبكِ، يا شمسي، يا حياتي، أحب عينيكِ، مغمضتين، أحب أفكاركِ، أحب نطقك لحروف العلّة، أحب روحك كاملةً من رأسك حتى قدميك.”

ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة