الخميس، 26 نوفمبر 2015

الضفة الأخرى: تأثير الشعر الأوروبي في الشعرية العربية أدونيس وعبد القادر الجنابي نموذجاً - جمال الساعاتي ...


الضفة الأخرى: تأثير الشعر الأوروبي في الشعرية العربية

أدونيس وعبد القادر الجنابي نموذجاً

إيلاف - 2015 الأربعاء 1 أبريل - جمال الساعاتي :

  استلهم الأدب العربي الاشعاعات الكونية للادب الغربي ( الأوروبي والأمريكي ) في الشعر بشكل خاص، حيث قرأ جيل الرواد التجارب الطليعية للشعر الغربي. فمع ت. س. اليوت، ازرا باوند، اديث ستويل، شلي وآخرين بأن بداية التحول في الشعر العربي بأن التأثر والتاثير الذي حدث بشروط موضوعية وغير موضوعية كما سنذكر فيما بعد وحسب تصريح السياب في إذاعة B.B.c في نهاية الخمسينات أنه تساءل لماذا لا تكون لدينا قصائد مثل قصائد شلي. والشعر الحر هنا، تسمية أو ترجمة خاطئة لشعر التفعيلة، فالشعر الحر كتب فيما بعد مع جيل الستينات والسبعينات الذي مد سعدي يوسف ظله عليه بينما مد أدونيس ظله على جيل الثمانينات في العراق بشكل خاص.... 

   ففي الستينات ومع جيل الوجودية التي إنقسمت إلى وجودية كامو وسارتر الفرنسية ( الوجودية الفرنسية ) ووجودية النازي هيدغر(الوجودية لالمانية، يتسائل الكثيرون كيف يمكن لكاتب كتاب الجودية والإنسانية أن يكون نازيا منظرا للمحارق ) كذا يمكن التساؤل..،، فمع جيل الوجودية والعدم بكل تأثيراتها السلبية والايجاتبية في التمرد كموضة خلاقة سلبية لأن التمرد الحقيقي والثورة الفكرية الحقيقية جاءت مع الدادائية والسريالية كما نظر للثورة الشعرية الفكرية ( والفنية الأدبية ) ولم تظهر لدينا لوحات تشكيلية سريالية كتيار تستلهم مذهب اندريه بريتون على قدم المساواة مع الثورة الشعرية. ومع الريادة الشعرية لنازك الملائكة السياب البياتي بلند الحيدري محمود البريكان الذي ظل يجرب وكتب القصيدة النثرية أضف اليهم صلاح عبد الصبور. ثم لاحقا أدونيس الذي كتب ( أغاني لمهيار الدمشقي 1961) وسعدي يوسف الذي كتب (الأخضر بن يوسف ومشاغله بداية السبعينات ) ثم جيل يوسف الخال كامتداد طبيعي لجبران خليل جبران والت وايتمن والمدرسة الفرنسية في الترجمات فيما بعد الأمر الذي جذب ادونيس ( علي أحمد سعيد ) ثم ظهرت قصيدة الموجة لمحمد الماغوط الذي جذبه أدونيس إلى مجموعة الشاعر يوسف الخال وهو يكتب نثرا مركزا مثل الريادة الحقيقية لحسين مردان في العراق الذي لم يذكر اسم قصيدة النثر بل النثر المركز. 

  وعلى العكس مما هو شائع فإن ثقافة السبعينات هي الاكثر جدية من جيل الستينات المتمرد ذلك أن جيل السبعينات لا سيما العراق إنفتح على الترجمة والمنغى فكريا في البلاد العربية نتيجة التحولات الاجتماعية السياسية الثقافية والطفرة النفطية ( لا سيما التحول في العراق ولبنان في الشعر ومصر في الرواية ) خاصة في الشعر مع ترجمات الترجمات الأولى لبودلير، رامبو ولوثر يامون فيما بعد، وسان جون بيرس وكتب الشاعر كاظم جهاد كتابا عن تاثيراته في شعر ادونيسن مالارميه وفاليري ثم لاحقا ريلكه ووايتمن ترجمه سعدي يوسف فيما بعد كذلك ثم بانت الإشعاعات الشعرية الفكرية للدادائية والسريالية حين دخلت بيانات اندريه بريتون والدادائيه لكرستيان تزارا الذي رفض الإنضمام إلى المجموعة السريالية.. على أية حال كان ثمة اراغون وبول ايلوار واخرين حيث انفتحت حركة الترجمة. 

  لقد ادخلت التحولات في البلاد العربية مفهوم اللامعقول في الأدب ومدرسة العبث تحت التاثيرات الكونية بشروطها الموضوعية وغير الموضوعية ( لأن التعصب السياسي او الإيدلوجي كان حجابا فكريا أحيانا ) نتيجة الاضطرابات السياسية أو التحولات الفكرية المضطربة ثم ظهرت أيضا كتابات عبد القادر الجنابي انسي الحاج سركون بولص فاضل العزاوي ولاحقا من الأجيال اللاحقة خالد المعالي كاظم جهاد وحسن عطيةالنصار ( يكتب بالإيطالية ) وجويس منصور وبول شاؤول واخرين في التجريب الشعري الحداثي- المفروض اعداد قائمة امينة نوعا ما بهم -. كما وظهرت من جانب اخر ترجمات الادب الروسي بوشكين باسترناك، ديستوفسكي ومكسيم غوركي..، لقد إنتهت حالة التجييل الشعرية في العراق الآن فليس ثمة جيل التسعينات في التقليد الادبي العراقي كالمعتاد الآن وقد سادت الأمية الثقافية مع قتل المثقفين وقتل الترجمة إذ انفرطت القلادة وهاجر غالبية المثقفين إلى المنفى.

2. ينتمي الشاعران ادونيس وعبد القادر الجنابي إلى تيارين متضادين كالجرح في الرؤية الادبية والسياسية لكنهما يلتقيان كروحين في تحديث الروح الشعرية للقصيدة العربية وبقراءتهما العميقة للتراث الأروربي والشعرية الغرنسية بشكل خاص. إذ أنهما ظلا مسكونين بالشعرية ويكدحان لتحديث القصيدة العربية كل على طريقته.... فكريا في الشكل والمضمون. إن موسيقى القصيدة اللغوية العربية الصاخبة مرت إلى مثواها هنا ومرت مثل شبح غريب بمراحل وواكبت نكبات التحولات الاجتماعية السياسية الثقافية وظلت مركونة في مرآة التحديث الشعري، ظلت في زاوية ميتة داخل مصباح علاء الدين السحري. جربت الشعرية العربية منذ الملائكة والسياب البياتي والبريكان وبلند حظهما في التجديد وفي الثورة الشعرية الحقة. سائرة و مؤصلة الوعي الشعري الأوربي المتضارب في الشعر العربي. إذ ليس من السهولة بمكان الحديث عن الناثير المعرفي الشعري الغربي بالشعر العربي مثلا هنا في شعر وقصائد كل من ادونيس وعبد القادر الجنابي دون شرطه الموضوعي الأصالة والإزاحة الفكريتين. لأن حضور التجارب الغربية كتراث إنساني في شعرهما الحديث حدث بشروطه رغم حضور التكوين المعرفي والشكلي للقصيدة الكونية أو العالمية.

  إن التاثر والتاثير لهما شروطهما الموضوعية التي هي أولا أنهما يحدثان بين العقول المتكافئة مثل قراءة ريلكة لبول فاليري في ( المقبرة البحرية أو ديوانه قصائد ساحرة وترجمته له - أخذ جهد ثلاث سنوات ) - وثانيا التاثر والتاثير بين النصوص يحدث كازاحة كونية بعد تأمل واختمار التجربة أو كما في النظرية النسبية. إن الإزاحة العلمية هي نفس قانون الطفرة النوعية بعد تراكم الكم وتاتي بعد تمثل وتامل ثم ياتي التاصيل الفكري. أي التنشابه في الاختلاف. وهذا ماحدث في الاسلوبية الشعرية عند كل من ( أدونيس ) و ( عبد القادر الجنابي ) كما في قصيدته ( الطيف العائد) حيث يصبح الموت تاريخ ومراة الشاعر تأريخ الكائن- القصيدة هي الموضوع - الامر الذي يشبه قصيدة الفكرة الباهرة او القصيدة الذكية اذا صحت التسمية وفيها يتجسد (العود الأبدي) للفيلسوف نيتشه وليس قانون العود الأبدي للتاريخ الذي يدحظه ميلان كونديرا في روايته ( كائن لاتحتمل خفته او خفة الكائن اللامحتملة ) قلنا نظرية العود الابدي وليس قانون لأن النظرية قابلة للدحض وقابلة للاثبات إذا ثبتت صارت قانونا أو قوانين كقوانين سقراط عند أفلاطون أو قوانين ( الارغنانون لأرسطو ) كضابط للمنطق كعلم لأن المنطق قانون يعني العقل بينما البيان أقرب للسفسطة منه للعلم ويمكن التاويل والتفسير. وذلك مالا ينطبق غلى القصيدة الدائرية او المدورة العربية التي جربت حظها الشكلي في السبعينات وجربها عبد الرحمن طهمازي وعلي جعفر العلاق وحتى دشنها سعدي يوسف. القصيدة التي إعتنت بالشكل بالمنطق الشكلي للقصيدة. 

  إن الاختراق الروحي - الشكلي في بيئة القصيدة عند الشاعرين أتى بعد تمثل للشعرية الغربية، كوعاء كوني ( كسمولوجي ) مناخ عالمي حدث كطفرة لشعراء مابعد الرواد، أي الانطلاق نحو فضاء النص المفتوح، فضاء التجريب الرمزي برموزه المفتوحة.

   فمثلا ليس من السهل القول بعدم وجود تاثيرات علمية على فكرهما وشعرهما في تحولاته فهما يكتبان كشاعرين مفكرين وبينما أدونيس يكتب الشعر كمفكر وشاعر تحولات،كمفكر يكتب شعرا، يكتبه عبد القادر الجنابي كشاعر ومفكر. وكلاهما ترجما عن الفرنسية قوة شعريتها ترجمة عالية وعن لغات اخرى وهنا فهما مفكران يحوزان الفليلوجيا او فقه اللغة اللغة الخبرة والتجربة من الضفة الاخرى.

  أن ليس من السهل القول بتاثر أدونيس بسان جون بيرس أو رامبو أو ابن عربي او النفري في تجلياته الروحية وموسيقاه الشعرية - كذا سعدي يوسف - كذلك عبد القادر الجنابي لكن الاصح، ان التاثيرات هي ازاحة علمية حقيقية وهذا يعني تطويرا للقصيدة العربية ومن الواضح بمكان أن الشاعر عبد القادر الجنابي ذهب إلى السريالية كشاعر مفكر واشبعه تمردا مع جويس منصور، وظل مخلصا ليس ايدلوجيا وانما امتص نسغ المذهب السريالي الذي وجد نفسه فيه كفكر غرائبي عجائبي يريد بفكرة الصدمة - الخلق أن يوقظ ويطور الحلم الحلم: الروح الشعري....، لقد جذبه مغناطيس السريالية التي بواسطة الصدمة أو الدهشة تريد العودة بالفكر الشعري. الأحرى العقل إلى منابعه الأولى. فالغرائبي انما يقتنص صورا فريدة تاتي لايقاظ الدهشة فينا، إننا نقول نحن هاهنا نوجد بتلقائية كما في الكتابة الآلية لاندريه بريتون أو الخربشة الطفولية هي النبع الصافي اي الحلم وليس الوعي أو اليقظة. إن بإمكان القارئ لشعر الشاعرين أدونيس وعبد القادر الجنابي أن يجد الروح الشعرية الغربية لكن بهيئة أخرى في ( المختلف انما هو المتشابه ) أي الاختلاف. إن فكر الاختلاف الذي كتب عنه ادونيس في كل كتبه سيجد صداه عند جيل الثمانينات الذين قرؤا رامبو مثلا ليس من الفكر الأم بل من خلال أدونيس وهكذا. لا ننس أن كليهما ضابطان للقصيدة الكلاسيكية وقصيدة التفعيلة ومواكبان لجيل الريادة المجنون. الملائكة والسياب البياتي والبريكان وبلند...... ثم جاءت صدمات بودلير ورامبو وفاليري ثم تدفق - السابق والت وايتمن معاصر أو سابق لبودلير فبينما كتب هو أوراق العشب كتب بودلير أزهار الشر - ثم نثرية سان جان بيرس - ليوجدا بهيئة أخرى: ( إذا اردت أن تتبعني فانكرني ) ابو حيان التوحيدي أي اختلف عني فكريا بعد ان تمثلت هذا المغزى الصوفي العميق في التشابه. أن أدونيس أراد أن يجد في غرائبية السريالية أساسا نوعيا في الصوفية العربية وحاول أن يؤصل الوجودية على طريقته الصوفية، لينكرها. 

  إن التاثر والتاثير هو مستويات القراءة كقراءة أفلاطون لسقراط. أو أرسطو لافلاطون وهكذا ننتقل إلى القوة المعرفية في النصوص، الاشعة المعرفية التي تتحول إلى اشراقات روحية بعد التجربة. 

- مستوى التأثير، التأثير هنا يساوي التمثل المعرفي. عبر الانفتاح الفكري. يقظة فكرية التي هي: تيار الوعي في التحديث الشعري العربي. أن رؤيوية أدونيس هي رؤيوية الوجد الصوفي في اكتشاف الحقيقة، بينما رؤيوية الجنابي رؤيوية الوجد السريالي في اكتشاف الحقيقة عن طريق آخر يمكن القول الغرائبية السريالية والغرائبية الصوفية - الصوفية هي مثل جمل أو كلمات الحلاج آو النفري وابن عربي عبارة مقتضبة بهيئة لمحة أو ( لمح فكرية أو هنيهات روحية ) هي: عبارة ضيقة تكشف واسعا. ( إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ) النفري. لقد أصبحت لدى آدونيس شعرية... حاول أن يحول من خلالها السريالية ويمزجها في كيميائه بالمزيج الغربي، يمزج تمرده بالصوفية كذا فعلت الشعرية العربية بينما ناى عبد القادر الجنابي بسرياليته عن ذلك عن تلك الكيمياء وردها إلى منبعها مصدرها كحركة عالمية وكتب متحررا. كما لو أن الرؤية السريالية هي صافية عنده وعليه بعد أن تمثلها وآمن بها أن يؤصلها على طريقته الخاصة. الحدة والدقة في قصائد الجنابي تناسبان الصدمة وتصطفان معا إلى جانب الغرائبية بالأحرى العجائبية التي تريد ايقاظ الدهشة لكن ماهي الدهشة. إنها الفكرة الصافية البدهية الصافية، الاكتشاف. السرياليةإنها قصيدة اللامعنى أنها أساس قصيدة ( اللامعنى ).

ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة