السبت، 6 فبراير 2016

التجريب الفني في الشعر الجزائري المعاصر ...


التجريب الفني في الشعر الجزائري المعاصر

  إن الحديث عن التجربة الفنية في الشعر الجزائري المعاصر ، يلزمنا بإجراء مسح شامل للمتن الشعري الجزائري ، حتى يكون الحديث مؤسسا على أدلة وبراهين نصية ، وإن كان ذلك يتعذر الآن : أولا ، لطبيعة الدراسة التي تقتضي الإشارة والتلميح ، وثانيا ، لعدم التمكن من الإطلاع على المتن الشعري كله .و سنعتبر أن ما توفر بين أيدينا من أعمال شعرية سيسمح لنا بالقياس – بالتعبير الفقهي- لأجل إبراز بعض سمات التجربة الفنية في النص الشعري الجزائري المعاصر . وأؤكد من البدء أنني لن أبحث في مصطلح التجريب ، بل سوف أبرز سمات التجريب وهل ساير شعراء الجزائر السائد الشعري في الوطن العربي ؟وهل تميزوا بخصوصيات معينة ، وهل التجريب الفني عندهم يعني التخلص من كل قيد وشرط ، والولوج في عالم الغموض وإحداث القطيعة مع الموروث والقارئ ، وهل لدينا شعراء فعلا مارسوا التجريب الفني عن وعي ودراية لا مواكبة للموضة والموجات الفنية ؟.

   كما يجب الإقرار أولا أن التجريب المقصود هنا هو التجريب المؤسس المبني على خلفية معرفية ورؤى فكرية واضحة لا خروج عن السائد الشعري ومخالفة الذائقة الفنية فقط ، وإحداث المغايرة لأجل تحطيم النموذج لا غير .كما يجب الإقرار أيضا أن النص الشعري العربي ، قد شهد منذ القديم إلى اليوم محاولات عدة للخروج عن السائد والنمط الفني المتعارف عليه ، بدءبنص الصعلكة ، إلى نص الخمر ، إلى نص الموشح ، إلى نص التفعيلة .. وفي كل مرحلة يدور الخلاف والصراع ويظهر أنصار القديم وأنصار الحداثة والتجريب.

   ولم تكن الساحة الأدبية في الجزائر منذ العشرينيات من القرن الماضي بمنأى عن هذه الصراعات والخلافات ودعوات التجديد والحداثة ، مع الشاعر الناقد رمضان حمود وتجربته في نص "يا قلبي" ومقالاته النقدية .. وفي الخمسينيات من القرن نفسه مع أبي القاسم سعد الله ، وأبي القاسم خمار ومحمد الصالح باوية ، وغيرهم .. بفعل تأثيرات موجة شعر التفعيلة .

   وأول تغيير طرأ على النص الشعري الجزائري كان في البنية العامة له – الشكل الفني – فمن الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة الذي وجد الصدى في السبعينيات من القرن الماضي في الجزائر بشكل ملحوظ ، بل إن بعضا ممن أشرفوا على المنابر الثقافية حاولوا إلغاء أو إقصاء القصيدة العمودية بشكل أو بآخر – بقصد أو بغير قصد – فمثلا مجلة آمال** في سلسلتها الأولى – في الفترة الممتدة بين 1969 و1985 نشرت تسعة عشر وأربعمائة نص شعري (419) منها خمسين ومائة قصـــيدة عمودية (150)، وتسعة وستــين ومائتي قصيدة حرة (269)، وقد ظهر هذا التوجه إلى شعر التفعيلة في المرحلة الثالثة من عمر المجلة عندما تولى الإشراف عليها : عبد العالي رزاقي ، محمد الصالح حرز الله إسماعيل غموقات ، حمري بحري ، سليمان جوادي ، محمد زتيلي ، وعبد الحميد شكيل ، بحكم الرؤيا الذاتية والممارسة الإبداعية لهؤلاء .

 و لكن مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات ، والتحولات التي طرأت على البنى الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية وما ترتب عنها ، عرف المشهد الشعري الجزائري – خاصة – عدة تحولات في البنية والشكل ، وظهر خطاب شعري يواكب التغيرات والتحولات في الجزائر والعالم العربي ، مع جيل جديد أظهر تحكما في الأداة الفنية وبعدا عن الشعاراتية والتبعية للآخر – السياسي – مستفيدا من الموروث الشعري السابق ، ومحاولا التأسيس لنص شعري جزائري يحمل الخصوصية الذاتية والوطنية ، ويمكن حصر هذه التحولات فيما يلي :

1 / في بنية النص :

1 – 1 / فـي البنية الشكلية :

  لقد تغير البناء الشعري الجزائري ، إذ أصبح للبناء الشعري قيمة كبيرة عند شعرائنا فتنوعت أشكال القصيدة تبعا لتنوع التجارب الشعرية وتعددها ، فبنية النص تتداخل مع مضمونه ولا يمكن الفصل بينهما ، وإن كان للبعض رؤيا مضادة للقصيدة العمودية ، فإن الكثير من الشعراء كتبوا على الشكلين ، ويتجه البعض الآخر إلى كتابة قصيدة النثر على اعتبار أن التجريب الفني لا حد له ، وأن ذائقة الجمهور الأدبي يصنعها الشعراء مع الوقت ، ومع التراكم الكمي والكيفي وفي كل هذا لم يخرج شعراء الجزائر عن السائد الشعري في الوطن العربي . ويمكن حصر البنية الفنية في الأشكال الشعرية التالية :

أ – القصيدة الحرة : لم أشأ الحديث عن القصيدة العمودية لأنها متجذرة في الموروث الشعري العربي وأفردنا القصيدة الحرة بهذا الحديث لأنها شكل من أشكال التجريب والحداثة في الشعر العربي ، وقد شهد المتن الشعري الجزائري تحولا إليها لأجل التخلص من قيود الوزن والقافية من طرف البعض ، ولسهولتها ويسرها في اعتقاد طرف آخر ، على أن الكثير ممن كتبوا القصيدة الحرة كانت بداياتهم عمودية ، وتمكنوا من عروض الشعر العربي ، وكان تحولهم عن قناعة فكرية ورؤية فنية ناضجة ، ولنا في محمد مصطفى الغماري وعز الدين ميهوبي وعياش يحياوي وعثمان لوصيف ولخضر فلوس .. وغيرهم الكثير خير مثال على ذلك .

   أما من كانت بداياتهم بشعر التفعيلة فقلما جرب أحدهم القصيدة العمودية ، لأنها رمز الجمود والقيود في رأيهم ، ناسين أو متناسين أن الشكل تفرضه التجربة الشعرية والنص الجميل لا يرتبط بدء بشكله ؛ فجمالية النص تنبع من تكامل عناصره الفنية جميعها. والإصدارات الشعرية الأخيرة الصادرة عن اتحاد الكتاب الجزائريين ، ورابطة إبداع ورابطة الاختلاف وجمعية الجاحظية – المدعمة من طرف الصندوق الوطني لترقية الفنون والآداب وتطويرها التابع لوزارة الاتصال والثقافة – أو الصادرة على حساب الشعراء معظمها من الشعر الحر ، وهي ظاهرة ملفتة للانتباه . بل إن رابطة الاختلاف ترفض نشر الشعر التقليدي ، ولا تنشر إلا الشعر الحداثي؟! – مثل غوارب أبي بكر زمال – في زعم المشرفين عليها ، لأن التجريب عندهم مرادف لإحداث القطيعة مع الماضي ومع الموروث الشعري والاقتراب من العوالم الغريبة.

ب – المزج بين العمودي والحر : الشاعر الجزائري في تجريبه للمزج بين الشكلين يساير بذلك ما هو واقع في العالم العربي وهو واقع تفرضه التجربة الشعرية للشاعر ، فيجد نفسه بين شكلين في عالم نفسي واحد لا يستطيع إلا التعبير بالشكلين معا ، وهذا يبرز مقدرة الشاعر في التعامل مع البناء وفي إخراج دواخله بأي طريقة كانت ، المهم أن تصل القارئ في شكل جميل . وقد يتفاجئ متلقي النص الشعري بهذا التجاور لكنه سرعان ما يكتشف أن النص لحمة واحدة فهذا التوجه نحو المزج بين القصيدة العمودية و القصيدة الحرة نابع من رؤية بعض الشعراء " من أن هناك مو اقف أو تجارب شعرية أو ايقاع معين بحتاج إلى ذلك الموروث ، فيتحول في القصيدة الواحدة من الشعر الحر إلى الشعر المقفى و خاصة القصائد التي يكون فيها نوع من الحوار الداخلي و بالتالي يشعر القارئ أن هناك أكثر من صوت داخل النص الشعري " (01)

   وخير مثال على هذا المزج – في رأيي – هو قصيدة "فجيعة اللقاء" للشاعر يوسف وغليسي المضمنة في ديوانه "أوجاع صفصافة في مواسم الإعصار" ، إذ تميزت بانسيابية شعرية متفردة خاصة في المقطعين السادس والسابع :

قريبين في البعد كنا ..
بعيدين في القرب صرنا!!
لماذا؟!.. لماذا؟!..
لماذا كصفصافتين بوادي الرمال التقينا؟!
لماذا كصبح وليل ، كموج ورمل ،، تعانقنا ثم افترقنا؟!
لماذا بدأنا؟! وكيف انتهينا؟!
لماذا قبيل الفراق افترقنا؟!
لماذا؟! لماذا؟! .. محال .. محال
يحاصرني لغز ذاك المحال
ومن حيرتي :
يشيب الغراب يذوب الحجر
تنوح العنادل ينوح الـوتر
يضـج الأنين يئن الضــجر
تفيض البحـار فيبكي المطـر
وعرافة الحي تقرأ في كفي المرتعش
سطور "القضاء والقدر" !!

*****
يدغدغني السر يا وردتي
ويلفحني الصيف يا نسمتي ..
فأعلن للعالمين بأنا :
فررنا من النار كي نحترق!
وأنا التقينا لكي نفترق!
لكي نفترق ..
لكي نفترق .. 2

   كما تكرس قصيدة "إراقة الرمل والأحجار" من ديوان الشاعر خليفة بوجادي "قصائد محمومة" هذه المزاوجة الشكلية ، حيث تبدأ القصيدة بمقطع عمودي وتنتهي بمقطع عمودي وحر في الآن نفسه في المقطع العاشر ، وكأن النص حلقة دائرية ، لا يمكنك الخروج منها إلا بنشوة عارمة :

العين بعدك لا تنام ..
والنفس أسكنها الذهول
كيف التقينا؟
فامتزجنا : خمرة صبت بقطر من غمام
أنت التي أنشدتني شعرا تخالط بالأسى
لما تنادوا للرحيل :
يا فرحة ملأت عيوني بالمسا
واستكثرت دنياي أن نستأنسا
أنت التي ..
العين بعدك لا تنام .. والنفس أسكنها الذهول .

***
وخلدت للهجر المباح بصبوة تركــــــت لقانا في خيال الحالمين 
ورأيتها دما هتونا هـــادرا في محجر كحتله نخب الرافضين 
دمعا يعانقه الســـواد كأنما لبست أساها في الثياب وفي الدفين 
دمعا تغالبه فيصرخ فاضحا روحا تمزق في وداع الراحــلين3

جـ – قصيدة النثر :

 بالرغم مما قيل عن هذا التجريب في تشكيل النص الشعري ، من المناصرين أو من الرافضين ، فلن أناقش تلك الآراء ، وأكتفي بإبراز هذا الشكل الفني في الجزائر . ومن أوائل الذين كتبوا القصيدة النثرية مقتفين آثار أنسي الحاج وسعيد عقل ويوسف الخال .. عبد الحميد بن هدوقة في ديوان!؟ "أرواح شاغرة" وجروة علاوة وهبي في ديوان؟! "الوقوف بباب القنطرة" ، ومحمد زتيلي ، وربيعة جلطي ، وزينب الأعوج4 هذه الأخيرة حاولت التنظير أيضا للقصيدة النثرية في مقال لها بمجلة آمال بعنوان جماليات القصيدة النثرية . واليوم يجنح الكثير من المتشاعرين وأدعياء الشعر إلى القصيدة النثرية ، وخاصة الأسماء النسوية التي تكتب خواطر حالمة وتسميها هكذا "نص"؟! . لكن الشاعر عبد الرحمن بوزربة يصنع الاستثناء بتحوله الأخير نحو القصيدة النثرية وهو الذي كتب القصيدة العمودية والقصيدة الحرة بتميز وأجاد فيهما . فبعد أن جرب الشكلين هاهو يجرب الشكل الثالث معتمدا على دهشة اللغة في ديوانه النثري "ممكن الشعر ومستحيل العشق" وهو في نصه هذا وإن سلمنا جدلا بشعريته أحسن بكثير ممن كتبوا هذا الشكل وتخصصوا فيه :

هل كنت امرأة في شكل حلم
أم كنت خيبة في شكل امرأة؟
هل كنت مرآة بألف وجه
أم كنت وجها بدون مرايا
هل كنت عاصمة ضيعت أنوثتها
أم كنت غرناطة أخرى 
لم تسعها رجولتي؟!
أريد أن أعرف دفعة واحدة
لأموت طلقة واحدة
أن تكوني هزيمتي الأخرى
ليكون الموت أندلسي الأخيرة! .5

لا على شاكلة جروة علاوة وهبي القائل :

بصاحبتي – معذرة – ذاكرتي مشتتة
بين ادعاءات العالم المهوس
وحريق أولى القبلتين
وآخر عمليات المجموعة الستين
معذرة صاحبتي ..
إن بدأت حكايتي من الختام
ورجعت لحد البداية .6

أوعلى شاكلة ربيعة جلطي القائلة :

سيداتي سادتي
أبعدوا الأطفال عن التلفزيون
فهذا إعلان خطير
آدم يبكي البشرية
لكن فقط
الأطفال يسمعون .7

   والقصيدة النثرية – بغض النظر عن هذا النص أو ذاك – لا تزال تصنع الجدل النقدي في العالم العربي كافة منذ الستينيات من القرن الماضي إلى اليوم .

د – القصيدة الأحادية والثنائية :

   وهو تجريب فني ينفرد به الشاعر "فيصل الأحمر" ؛ وإن كانت القصيدة الأحادية قد جربها السرياليون من قبله ، وعلى رأسهم "بول ايلوار" ، فإن القصيدة لثنائية من تجريبه حيث يتم الاستغناء عن الزوائد اللغوية والحروف والاكتفاء بالمسند والمسند إليه ، وبما هو ضروري قدر المستطاع ، والاتجاه باللغة نحو التكثيف والاختصار والحذف ، مع الالتزام بالإيقاع العروضي المتعرف عليه ، وهذا النوع هو إعادة لتشكيل البناء الفني لكسر البناء النمطي ، وإعادة لتوزيع السواد – النص – على البياض – الورقة -. وهذا نموذج عن كل شكل :

1 – القصيدة الأحادية : بداية (إيقاع المتدارك ): 

فلنقل // أول //الكلمات//ولتعد //سبلنا// البسمات// وليكن// موتنا// مدهشا// للجميع// لعل// يقولون// شيئا// سوى// مات// مات// فلنقل// ما تيسر// من// كلما//

2 – القصيدة الثنائية : العائدون من الحرب (إيقاع الكامل)

وغدا يجيء
الفجر .. يشدو
أغنياته في الغد
(ها ها ها ها)
وتهب ريح
حية .. جذلانة
لتجفف العينين
عيني زوجتي
لتعيد خصبا
غائبا عن مرقدي
(ها ها ها ها)
وغدا يعود
الميتون ، كما عهدناهم .. يبثون
الحياة .. لدى
المقاهي .. والنوادي
والنما ملء اليد
(ها ها ها ها)
وغدا يعود
الغائبون .. لعلهم
يتذكرون .."الحيتين"
وآية مشهورة
من سورة "المسترشد"

   التشكيل الشعري اختصار للغة المتعارف عليها ، وتكريس لتقنية التدوير ، وإشراك للقارئ للمساهمة في بناء النص الشعري من خلال تصوره للكلام المحذوف .و محاولة من الشاعر لإحداث دهشة القارئ.

1 – 2 / فـي البنية العامة والتقنيات الفنية :

   لقد أدخل الشاعر العربي المعاصر الحداثي تقنيات على القصيدة العربية وطعمها بعناصر فنية زادتها غناء وثراء ، ولم يكن الشاعر الجزائري المعاصر الأحادي الثقافة أو مزدوج الثقافة في غنى عنها ، لذلك فقد استخدمها ، ومن هذه التقنيات :

أ – استخدام الهامش في النص الشعري : حيث لجأ الشاعر الجزائري إلى إغناء النص بمصادر الإشارة النصية و الإحالة المعرفية لتفسير أجزاء من القصـــيدة و توضيح مصطلحات أو أماكن واردة أو عبارات النص المشرئبة دوما إلى القارئ عله يتلقـــــــــى النص و يفهمه . فولد هذا الوضع – الهامش- نصا لاحقا على النص السابق ، الذي يرهق القارئ في بعض الأحيان و يلزمه بثقافة شعــرية و فكرية معينة . قد تبعده أكثر ما تقربه ، لأنه يصبح يبحث في الهامش لا في المتن عله يفهم النص .

  بل إن البعض من الشعراء أكثر من استعمال الهامش إن على مستوى النص الواحد أو على مستوى الديوان ككل فالشاعر عبد الله حمادي أرفق نصه" البرزخ و السكين " بهوامش توضيحية بلغت 06 صفحات كاملة من أصل 17 صفحة شملها النص الذي شغل النصف الثاني من الورقة فقط . كما أرفق الشاعر صالح خرفي معظم نصوص ديوانه" من أعماق الصحراء" بهوامـــــــــش و خواطر توضيحية و تفسيرية و إضاءات لما جاء في النصوص مع صور فـردية و جماعية لبعض الرموز الثورية و الأدبية العربية و الجزائرية (عبد العزيز الثعالبي، مفدي زكريا،يوسف بن خدة، محمد البشير الإبراهيمي، عبد الحميد بن باديس، عبد السلام التونسي،الطيب العقبي،أحمد توفيق المدني ، العربي التبسي، أحمد رضاحوحو، الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني، إبراهيم بيـــوض، أبو اليقضان ...) و قد بلغت تلك الهوامش و الخواطر 90 صفحة من أصل 179 شملها الديوان. 

   وذلك للتوضيح بحكم التكثيف الشعري ، واستخدام الثقافة والمعارف العامة والخاصة في النص الشعري . واستخدام مدخل للنص – إهداء ، أو مدخل نثري أو بيت شعري لشاعر آخر .. – كتوطئة للقارئ ليلم ببعض عناصر القصيدة ، وكذلك استعمال الأقواس والنقاط وعلامات الترقيم الأخرى بكثرة . فهذه المداخل النصية المتعددة و المتنوعة التي يقدم الشاعر بها نصه إن بوعي كما فعل الشاعر عبد الله حمادي في =ديوانه " تحزب العشق يا ليلى " بمقدمته " لوازم الحداثة و المعاصرة للقصيدة العمودية" – 35 صفحة-و في ديوانه " البرزخ و السكين " بمقدمته " ماهية الشعر " –12 صفحة- و الشاعر يوسف وغليسي في ديوانه " أوجاع صفصافة في موسم الإعصار"بـ " تأشيرة مرور" فضلا عن مقدمات الدواوين التي يكتبها الشعراء أنفسهم أو زملائهم أو أصدقائهم من النقاد أو أساتذتهم و كلها تلخص رؤية الشاعر للعملية الإبداعية و للشعر و تقدم الشاعر و شعره قبل بداية النص .

ب – شيوع القصيدة المجزأة إلى مقاطع تقصر أو تطول :

   التحول المهم الذي حدث في القصيدة الجزائرية المعاصرة تمثل في انتقال القصيدة العربية من بنية البيت إلى القصيدة ، و منها إلى بنية القصيدة المقطع و مــــنها إلى بنية القصيدة الديوان . أي أن المكان النصي قد تغير تبعا للتطورات و المتغيرات التي حدثت في العالم العربي . و من خلال تتبعنا و استقرائنا لـ 111 ديوانا شعريا جزائريا يمثل جيـــــــل الثورة و جيل الاستقلال، و الجيل الحالي وجدنا كل البنى النصية السابقة متجلية في أعمالهم .

   فكانت القصيدة الديوان المقسم إلى مقاطع شعرية تطول أو تقصر حسب كل شاعر ، البعض منها مرقـــــــــم و البعض الأخر معنون و هي على النحو التالي :

1- غرداية : عثمان لوصيف (15 مقطعا).
2- دثريني : عاشور بوكلوة (30 مقطعا ).
3- الحشاش و الحلازين : عاشور بوكلوة (36 مقطعا).
4- النخلة و المجداف : عزالدين ميهوبي(18 مقطعا مرفقا بمقاطع مكملة للنص : قراءة أولى للكف، قراءة أولى للسفر –03مقاطع- ، قراءة ثانية للسفر ، الذبح ).
5- طواحين العبث : أحمد شنة ( لم يقسمها الشاعر إلى مقاطع ، و لكن إذا اعتبرنا أن الفعل " تكلم .." هو بداية كل مقطع ، فعدد المقاطع 104 مقطعا 
6- ديوان التحولات : عقاب بلخير ( قصيدة مقسمة إلى 08مقاطع معنونة –1- التحول 2-المنتمي 3-الحكم 4 -الابحار 5-الولادة المستحيلة 6-الأحداث التالية للوباء 7- رحلة البحث 8- الموعظة ).
7- إلياذة الجزائر : مفدي زكريا.
8- إلياذة بسكرة : عامر شارف .

  و هي أعمال قليلة مقارنة بما هو موجود شعريا ، تمثل حالات نفسية خاصة فرضتها ظروف معينة على الشعراء الجزائريين ، فإلياذة الجزائر لخصت التاريخ الجزائري من القديم إلى العصر الحاضر وجاءت بطلب من المفكر مولود نايت بلقاسم بمناسبة انعقاد مؤتمر الفكر الإسلامي ، و غرداية لعثمان لوصيف تجلت في الجزائر ككل و أبرزت الجمال و الحب للمكان الجزائري ، أما طواحين العبث لأحمد شنة فأبرزت العشرية السوداء وأخبار الدم و القتل و الفقد ...

   و قد شاعت القصيدة المقطع ـ أيضا عند الشعراء الجزائريين المعاصرين بشكل لم نعـــــــــــهده من ذي قبل و القصيدة الطويلة" هي الكشف الحقيقي في ميدان الشعر العربي الحديث بعامة و الاضافة الجديرة بمزيد من الاهتمام في وقتنا الحاضر " (08) التي يسعى الشاعر من خلالها إلى اكتشاف الجديد و التأثير على القارئ و على الخبرات الجمالية التي يملكها . 

   و النص المقطعي الذي يدخل في التركيب العام للنص الكلي يستقل دلاليا بذاته و يبرز معانــــــــــــــي فرعية و بالمقابل يرتبط مع المقاطع الشعرية الأخرى و النسيج العام الدلالي ، ليتشكل النص الواحد المتعدد المفتوح على كل فهم . فالمقطع الواحد لا يعبر على النص مفردا بل مجتمعا مع غيره من المقاطع التي تشكل السياق العام للنص حيث تتكون القصيدة من عدة مقاطع مرقمة أحيانا ومعنونة أحيانا أخرى ، تتراوح فيما بينها ، ومن أحسن النماذج الشعرية التي تشكلت مقطعيا وأصبحت المقاطع كأنها مقطع واحد ، قصيدة "الوطن المنفى" للشاعر نصير معماش في ديوانه "اعتراف أخير"9 . وقد يصبح المقطع الواحد جملة شعرية ومن ذلك أحد مقاطع "الحشاش والحلازين" للشاعر عاشور بوكلوة :

بين كل حانة ومسجد
خطوتان جميلتان
وبعض ساعة
ولا أحد يتأخر عن دعوة وردية
أو موعد طاعة
فمن غيرنا يملك هذه الشجاعة
ومن غيرنا يملك هذه البشاعة؟ .10

  ونجد القصيدة ذات المقاطع المتعددة أيضا عند العديد من الشعراء الجزائريين مثل : عبد الله حمادي ، فيصل الأحمر حسن دواس ، خليفة بوجادي ، الشريف بزازل ، يوسف وغليسي ، عبد الرحمن بوزربة عقاب بلخير ، نور الدين درويش ، عبد الوهاب زيد وعثمان لوصيف ..وغيرهم. 

   و مثلما قسم الشعراء الجزائريون قصائدهم إلى مقاطع شعرية ، قسم البعض الأخر منهم دواوينه إلى أقــــسام – في أغلبها ثلاثية - و حمل كل قسم عنوانا خاصا و كأن كل قسم يستقل عن غيره –عند معظمهم- اضطر الشاعر للجمع بينهم لضرورات الطبع و هذه الدواوين قليلة – مقارنة بما هو مطبوع- و هي كالتالي :

   في البدء كان أوراس لعزالدين ميهوبي : 1. قصائد سقطت من عاشــــــق للأرض و الأوراس (10قصائد) 2. قصائد خارجة من حصار الجرح (07 قصائد) 3 . القدس و كلام آخر (11 قصيدة ) .

ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة