السبت، 5 ديسمبر 2015

عناصر تحديث النص الشعري في مجلة شِعــر - دكتوراه الدولة في الأدب العربي ...


وزارة التعليم العالي و البحث العلمي 

• جامعة الجزائر. 

• ( بن يوســــف بن خدة ) 

• كليـــة الآداب واللغات. 

• قسم اللغة العـربية وآدابها.

عناصر تحديث النص الشعري في مجلة " شِعــــر " 

بحث مقدّم لنيل شهادة دكتوراه الدولة في الأدب العربي 

إعداد الطالبة : مُنَى عَلاّم

إشراف الأستاذة : د. سعيدة قدام

السنــــة الجامعيـــة

1426 - 1427هـ  - 2005 - 2006 م 

 مقدمة :

   تعدُّ حركة مجلة "شعر" حلقةً من حلقات تحديث الشعر العربي، إذ غيرت الشعر في المضمون و الشكل، اعتمادا على نظرية الشعر المستَلْهمة من الغرب. وهذا ما دفعنا إلى اختيار هذا البحث الموسوم بـ " عناصر تحديث النص الشعري في مجلة " شعر ".

  وطريقة البحث التي اتبعناها هي الدراسة الوصفية التحليلية. وقـد قسَّمنا موضوع البحث إلى تمهيد وأربعة فصول. تناول التمهيد مسار مجلة " شعر" ابتداء من التعريف بالمجلة، وأهمّ شُعرائها، ونقادها، ودور" خميسها " ، وانتقالا إلى عوامل ظهورها المتلخّصة في عوامل داخلية مرتبطة بالتحوّلات في البلدان العربية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في السياسة و الثقافة.

  لقد ظهرت المجلة عام 1957 في ظل أحداث عربية هامة، منها استقلال الشعوب العربية وظهور الطبقة البورجوازية الصغيرة وتوليها السلطة في البلدان العربية ونكبة فلسطين، كما أثرت خصوصيّة لبنان من النواحي السياسية و الثقافية في المجلة، ومنها تأثير الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي ينتمي إليه أغلب شعراء المجلة، وقامت البعثات التبشيرية بدور هامّ في ربط لبنان بالثقافة الغربية عن طريق إنشاء المدارس و الجامعات و الكليات و الاهتمام بالتأليف و الترجمة والنشر. وكان لحركة روّاد الشعر الحرّ منذ 1947 تأثيرٌ في المجلة بدورها في تحديث الشعر العربي من حيث مفهوم الشعر و التجديد في الموسيقى واللغة و الصورة. وأسهمت مجلة " الآداب " اللبنانية، ذات الاتجاه القومي العربي، في ظهور مجلة "شعر" إذ جاءت هذه الأخيرة كردّ فعل لها، ومن هنا وجبت الإشارة إلى المعركة التي نشبت بينهما وتحديد أهم خلافاتهما بخصوص الشعر الحديث .

   وجاءت دعوة " يوسف الخال " لتجديد الشعر العربي بعد رجوعه من أمريكا عام 1955 نتيجةَ تأثره بالشعر الأمريكي وعلى رأسه" إزرا باوند " ، ومما ساعده في انجاز مشروعه قدوم شعراء سوريين إلى بيروت، ومن أهمهم : " أدونيس " ، و " نذير العضمة " ، و " محمد الماغوط " ، و " فؤاد رفقة " ... وغيرهم .

    وهناك عوامل خارجية أدت إلى ظهور المجلة متعلقة بالتأثر بالثقافة والفكر الغربيين، وفي مقدمتهما المذاهب الأدبية الغربية، ومنها الرمزية والسريالية والوجودية والتصويرية. وانتهينا بعد هذا إلى أهم العوامل التي أسهمت في توقف المجلة، ومنها الأسباب الإدارية و المرتبطة بفلسفة المجلة و المالية و الشخصية و السياسية و الفكرية والفنية.

   وتناول الفصل الأول إيديولوجية مجلة شعر ودورها في الحركة الشعرية انطلاقا من فكرة المتوسطية وتأثيرها في المجلة جرّاء ارتباط أعضائها بالحزب السوري القومي الاجتماعي المنادي بهذه الفكرة. وملخصها أن الأمة السورية ليست شرقية، بل متوسطية، ولهذا ترى المجلة أن الحداثة الشعرية الغربية هي نموذجها في تحديث الشعر العربي، وتفسر اختيار عودتها للشعر الغربي بأنه عودة للأصول الأولى المتمثلة في الحضارة المتوسطية. إن أطروحة المتوسطية هي إلغاء لفكرة العروبة، ومحو للضفة الشرقية من المتوسط، وانتصار للضفة الغربية منه؛ أي هيمنة ثقافة الضفة الغربية وفكرها وقيّمها على الضفة الشرقية. واتحاد الفرد العربي بالحضارة الإنسانية لابد أن يتم أولا من منطلق ذاتي محلي بهضمه لحضارته الشرقية، حينئذ ينفتح على كل الحضارات الأخرى، وبهذا تكون العلاقات بين الحضارات ذات خصوبة وثراء ودون مفاضلة بينها . 

  وأشرنا إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وتأثيره في المجلة من خلال التعريف به وبمبادئه المستقاة من النازية والفاشية، ومناداته بالقومية السورية، و الوطن السوري المتمثل في سورية الطبيعية أو الهلال الخصيب، بهدف عزل بلاد الشام، أو الهلال الخصيب عن العالم العربي، ومعاداته للقومية العربية، وهكذا لا نجدُ أي تأثير لحركة التحرّر العربي في الخمسينيات و الستينيات في المجلة مثلما هو الأمر في مجلة " الآداب"، وذلك من جراء تأثيرات هذا الحزب في أعضائها .

  إن وجه الشبه بين الحزب السوري القومي و المجلة هو أن الأول سعى من الناحية السياسية إلى تأسيس دولة حديثة بالمفهوم الغربي، وسارت " شعر" في الاتجاه نفسه في المجال الشعري بإنتاج نص شعري، متخذةً المنوال الغربي نموذجا لها . 

   وتطرّقنا لدور المجلة في الحركة الشعرية في نهاية هذا الفصل، فمن النقاد و الشعراء من رآه سلبيا، ومنهم من رآه ايجابيا. لقد انطلق أصحاب النظرة السلبية من موقفها السياسي المرتبط بانتمائها الحزبي وموقفها السلبي من التراث العربي ومفهومها الغربي للحداثة. أما أصحاب النظرة الايجابية فإنهم يرتكزون على دعوتها إلى التجديد وحرية الإبداع ونقدها للتراث ونشرها للشعر الحديث ودراسات نقدية عنه .

   وخلصنا إلى نظرة موضوعية بالقول : إن دور المجلة ليس في نظرة الذي قومها تقويما سلبيا أو ايجابيا، وإنما هو وسط بينهما، إذ على الرغم من السلبيات التي ارتبطت بها فقد كان لها بعض الايجابيات مثل التعريف بالشعر الغربي، وترسيخ قصيدة النثر . 

   ويأتي الفصل الثاني ليدرس الشعر بين الحداثة و التراث و الالتزام. 

   إن موقف المجلة من التراث العربي يقترب من المعاداة و الانفصال عنه في تنظيراتهم وإبداعاتهم . إنه موقف إيديولوجي يعود مصدره إلى تراثات المراحل التاريخية السابقة على الإسلام، ومنها الوثنية و المسيحية و الفينيقية وسورية الطبيعية وتراث المتوسط و الغرب وذلك بجعلها بديلا عن التراث العربي. وتركيزها على التراث ما قبل العربي الإسلامي دافعه سياسي وديني بسبب اعتناقهم لأطروحة المتوسطية والقومية السورية الاجتماعية والانتماء إلى المسيحية، فقد حصروا أنفسهم في المسيحية الغربية متناسين أن المسيحية الشرقية مرتبطة بالتراث العربي الإسلامي ، وخير دليل على ذلك الدور الذي قام بها رواد النهضة العربية من المسيحيين أمثال " ناصيف اليازجي" ، و" بطرس البستاني" ، ومن هنا دعت إلى التمرّد على التراث العربي وتجاوزه للحصول على شعر حديث يتماشى مع روح العصر ، وذلك بالرجوع إلى النماذج الأصلية للشعر الغربي الحديث . 

   يتمثّل الموقف الايجابي من التراث في النظر إليه في حركته التطوريّة من خلال فعل القراءة من عصر إلى آخر. هكذا لابدّ للشاعر من الامتلاء بالتراث واستيعابه وهضم متطلبات العصر وتراثه الإبداعي، حينئذ تكون لنا القدرة على التعبير عن العصر، ويحدث التوازن بين تراثنا بما فيه من غنى وعمق وتجديد وصمود، وبين متطلبات العصر الإبداعية؛ أي تنشأ معادلة متوازنة : أصالة / معاصرة .

   و الحداثة عند جماعة " شعر" مناقضة للتراث؛ لأنها اتبعت نموذج الحداثة الغربية في بنائها للحداثة العربية، و الحداثة لا تكون إلا باستلهام التراث بعد هضمه وتمثله ثم الاستفادة من ثقافة العصر العالمية المختلفة والدمج بين التراث المحلي وتراث الآخر للارتفاع إلى مستوى الإبداع الحقيقي .

   كما رفضت جماعة " شعر" رسالة الشعر الاجتماعية و أطروحة الالتزام في الأدب، فالشعر عندها تعبير عن الرؤيا وتركيز على الجانب الفني دون الموضوع، ومن هنا اهتمامها بالنص الشعري ذاته، ويصب موقف المجلة من الالتزام في تأثير دعوة نظرية الفن للفن التي تهتم بالصياغة الفنية وتنفي دور الأدب الاجتماعي و اتجاهات بعض المذاهب الأدبية ، ومنها الرمزية و السريالية. و الشاعر لابد له من تحقيق التوازن في شعره بين جودة القصيدة ومسألة الالتزام، والالتزام لا يعني أدب الشعارات و المباشرة، فالشعر ارتقاء بالتجربة الشعرية إلى أعلى مراتب الإبداع و الفن. 

   أما الفصل الثالث فقد تناول مفهوم الشعر في المجلة من حيث ماهيته طبيعته ووظيفته. إن مفهومها للشعر يختلف عن باقي التيارات الشعرية في حركة الشعر العربي الحديث، فالشعر في نظرها رؤيا تتعمّق في الأشياء وتتغلغل إلى باطنها. وربطت الرؤيا بالشعر الميتافيزيقي؛ شعر الإنسان و الوجود و الفرد و الحرية من جهة، وبالتجربة الذاتية للشاعر قائلة: إن الشعر تجربة شخصية من جهة أخرى، ويكون التعبير عن الرؤيا بأدوات تعبيرية جديدة من لغة غير مألوفة وإيقاع جديد نابع من القصيدة. و الشعر كذلك ثورة على الأشكال و المواقف و الأساليب الشعرية القديمة؛ أي نظرة جديدة للعالم ثائرة على النظرة التقليدية، إنه كشف للمجهول وعدم اكتفاء بالمعلوم وتعبير عن مضمون العصر من نفيٍ وغُربة وموت وألم وقلق جودي. 

  وأشرنا في طبيعة الشعر عند شعراء المجلة إلى قولهم بالتناقض بين الشعر والواقع، فالشعر في مفهومهم له طبيعة جمالية خاصّة، إنه نصّ له بنيته المتميزة بحيث تجاوز الواقع ليخلقَ عالمه الجديد، نقول بأسلوبهم : إن الشعر غير واقعي لأن عالمه اللغة، فهو يغير الواقع بطريقة فنية غير مباشرة من خلال تفكيك العلاقات اللغوية السائدة، وتأسيس علاقات لغوية جديدة تشكل صورة لواقع جديد. ونشير في هذا المقام أنه لا تناقض بين الفني و الاجتماعي أو السياسي أو الفكري أو الديني، فالشعر قد يعبر عن مواقف اجتماعية أو سياسية أو فكرية أو دينية بشرط تناولها بطريقة فنية . 

   إن الجانب الفني كليٌّ، أما الجانب الاجتماعي أو السياسي أو الفكري فهو جزئي ، وهكذا تختلف وظيفة الشعر الكلية عن بقية المعارف الأخرى، ويؤدي الشعر وظيفته السياسية أو الاجتماعية أو الفكرية بطريقته الخاصة محوّلا السياسي و الاجتماعي و الفكري إلى فني . 

   وقد استقطب الفكرُ بمختلف أنوعه، ومن أهمه الفلسفة، اهتمامَ شعراء المجلة، و نلاحظ عدم فلصهم بين الشعر و الفكر، فالشعر عندهم كشف وبحّث عن المجهول وتجربة وجودية، ولكنهم يرفضون سيطرة الفكر على الشعر؛ لأن ذلك يخرجه من دائرة الشعر، وتجدر الإشارة إلى أن لكل من الشعر و الفلسفة طريقتَه في البحث عن الحقيقة، ولا مانع من استفادة الشعر من الفلسفة، أو العكس، ولكن بشرط صهر الفكر في الرؤيا الشعرية لكي لا تكون القصيدة تجريدية باردة، وانطلاقا من إيمانهم بالعلاقة الوثيقة بين الشعر و الفكر نادوا بالشعر الميتافيزيقي ورفضوا الشعر الواقعي، فالشعر في مفهومهم ليس وثيقة اجتماعية أو تعبيرا عن جزئيات؛ أي حوادث بل تعبير عن كليات أي فكر . وتبنوا فكرة الخلق التي تعني كشف الأجزاء الخفية أو المنتظرة من وجود الإنسان، وعرّفوا القصيدة الحديثة بأنها خلق، فهي تقدم أشياء غير معروفة في شكل جديد .

   وحدّدت المجلة وظيفة الشعر بأنها تنظيم العالم وتغييره، ويكون خلق هذا العالم الجديد بطريقة غير مباشرة؛ أي تغيير الواقع فنيا من خلال تفكيك العلاقات اللغوية السائدة وتشكيل علاقات لغوية جديدة، وظيفة الشعر في رأيها معرفية حدسية خيالية بلغة فنية ، فالحقيقة الشعرية حدسية لأنها معرفة ذاتية، ونلاحظ تأثرها بالرمزية ومدرسة الفن للفن في مفهومها للشعر .

   وجاء الفصل الرابع ليتناول عناصر تحديث النص الشعري في المجلة من حيث اللغة و الموسيقى و الصورة . 
 
   إن اللغةَ الشعرية عند شعراء المجلة هي تحويل مستمر للعالم، فالشاعر لا يكرر لغة سائدة، بل يكتشف لغة جديدة، واللغة الشعرية عندهم هي طريقة تفكير، وليست مجرد وسيلة تعبير، وهي خلق وإيحاء واستبطان واستكشاف وإشارة، وهذا معناه أن هناك لغة شعرية ولغة عادية غير شعرية. لقد هدفت المجلة إلى إحداث ثورة لغوية في الشعر العربي الحديث بتفجير اللغة وتحريرها من سياقها القديم وإدخالها في سياق جديد.
ويدخل في هذا الإطار رفضها للغة الشعرية القديمة بصيّغها وتعابيرها الموروثة، وفكرة القاموس الشعري التي تعني أن هناك كلمات شعرية وأخرى غير شعرية؛ لأن الشعر يصنع الكلمات الشعرية من خلال السياق، ولا توجد كلمات شعرية بحدّ ذاتها، فاللغة الشعرية ليست جاهزة ، والشاعر يستخدم الكلمات في علاقات جديدة بحيث يكسبها دلالات شتى . 

   إن الشاعر لا يمكنه أن ينطلقَ من فراغ متنصّلا من لغته التراثية؛ لأنه مرتبط بها، ولا يمكنه استخدام لغة جديدة مغسولة من التراث، ولابد من توضيح الفرق بين لغة التراث وتراث اللغة حيث تتمثل لغة التراث في مادتها التاريخية الخاصة ، وتراث اللغة في التراكم المتصل من الخبرات في اللغة عبر الزمن، و الشاعر المعاصر ينطلق من تراث اللغة متجاوزا إياه بالإضافة و التطور، وبهذا يكون استخدامه للغة استخداما جديدا يخرجها من التكرار . 

   كما أَوّلَت المجلةُ اهتماما بالغا للغموض في الشعر، وبدت لغتها مقطوعة عن تراث اللغة العربية، فغموضها أقرب إلى الترجمة منه إلى الإنشاء العربي؛ أي أن تراكيبه وصوره واستعمالاتِه مأخوذةٌ من أصول شعرية ونقدية غربية، ولهذا انحصر جمهورها في مجموعة من القرّاء الذين تكونوا هذا التكوين الغربي . 

   وأثارت المجلة علاقة اللغة بالحياة اليومية داعية إلى استعمال العامية في الشعر الحديث، ولا تخلو فكرة العامية من التوجّه السياسي إذ عالجت قضية فنية هي تعامل الشاعر مع اللغة الفصحى في مجال الإبداع بقضية سياسية هي الدعوة إلى العامية . 

   إن موقفَ جماعة شعر من الأدوات التعبيرية ومن بينها اللغة مرتبط بتأثير التيارات الفكرية والأدبية الغربية فيها، ومنها الرمزية، وببعض الشعراء والنقاد الغربيين، ومنهم " إزرا باوند " و " إليوت" . 

   وتتمثل الموسيقى عندها في الإيقاع، وهو أعم من الوزن ؛ إذ الوزن هو شكل من أشكال الإيقاع ، وبهذا لا فرق بين الإيقاع الشعري والإيقاع النثري، فالمهمّ هو الإيقاع الداخلي للقصيدة و المعتمد على اللغة؛ أي على أصوات الكلمات وموسقاها. والغرض من توسيعها لمفهوم موسيقى الشعر إدخال قصيدة النثر في عالم الشعر، خاصة، وإن اهتمامها بها كان كبيرا. 

   أما الصورة الشعرية في نظرها فقد تجاوزت وظيفة التزيين أو الشرح و التعليل، وأصبحت عنصرا بنائيا في القصيدة؛ إذ الشعر في مفهومها رؤيا و الرؤيا لا يمكن التعبير عنها بالصور الجاهزة، بل بالصور المدهشة وبخاصة السريالية منها . 

   وقد تعدّى مفهوم الصورة في شعرها الصورة البلاغية من تشبيه واستعارة إلى الصورة الرمزية والأسطورية، فكان توظيفها للرموز المسيحية ومن بينها رمز المسيح، ومن بين الأساطير الموظفة أسطورة تموز و الفينيق. وقد ركّزت على وظيفة الرمز و الأسطورة؛ لأن شعرية القصيدة تتمثل في توظيفهما؛ ولأن الشعر رؤيا بالدرجة الأولى وجاء الوعي بتوظيف الأسطورة في شعرها من خلال الوسيط الغربي وبخاصة " إليوت " 

   هذه فصول حاولنا من خلالهـا أن نحدّد عناصر تحديث النص الشعري في مجلة " شعر" في حدود ما توفّر لنا من مصادر ومراجع وقدرة على البحث ، ورغم الطموح الكبير لكل باحث يبقى المنجز دائما أقل من المرجو، على أننا لم ندّخر جهدا من أجل انجاز هذا البحث بمستوى لائق.

    لا يسعنا في النهاية إلا أن نعترف بالجميل لكل من ساعدنا في إنجاز هذا البحث من قريب أو من بعيد ، وأن نتقدّم بجزيل الشكر وفائق التقدير لأستاذتي الفاضلة الدكتورة سعيدة قدام على إشرافها على هذه الرسالة ، وعلى تشجيعها ونصائحها القيّمة رغم أشغالها الكثيرة. 

    كما أقدّم بالشكر الجزيل لأعضاء لجنة المناقشة الذين تَحمّلوا عناء قراءة هذه الرسالة، و قدّموا ملاحظاتهم المفيدة.

فهرس المحتويات 

مقدمة 

تمهيد

الفصل الأول

 ايديولجوجية مجلة " شعر " .. ودورها في الحرآة الشعرية .

أ - فكرة المتوسطية وتأثيرها في مجلة " شعر " .
ب - الحزب السوري القومي الاجتماعي و تأثيره في مجلة " شعر " . 
ج - دور المجلة في الحرآة الشعرية 

الفصل الثاني الشعر بين الحداثة و التراث و الالتزام

أ - الشعر بين الحداثة و التراث . 
ب - الشعر بين الفن و الالتزام .

الفصل الثالث مفهوم الشعر في مجلة " شعر " 

- ماهية الشعر . 
- طبيعة الشعر . 
- وظيفة الشعر

الفصل الرابع 

عناصر تحديث النص الشعري في مجلة " شعر "  

- اللغة الشعرية . 
- الموسيقى الشعرية . 
- الصورة الشعرية . 

الخاتمة 


الخاتمة : لقد صَاغت جماعة "شعر" عناصر تحديث النص الشعري العربي من الشعر الغربي، فالشعر عندها قطيعة مع التراث العربي ودعوة إلى تراثات المراحل التاريخية التي عرفتها شعوب منطقة الشرق قبل مجيء الإسـلام ومنـها التـراث الوثني والمسيحي والفينيقي و الآشـوري و الآرامي والحثّي و المتوسطي. وانطلاقا من هذا الموقف دعَت إلى الثورة على التراث العربي والعودة إلى تراث الشعر الغربي الحديث لإنتاج شعر حديث يتماشى مع روح العصر، وهذا ما يفسّر لنا شُحوب إنتاجها من الإشارات إلى التراث العربي.
   
  على حين أنه لا يمكن للشاعر إحداث قطيعة مع التراث بل لابد له من تشرّبه وهضمه جيدا، ثم هضم تراث الآخرين المعاصر؛ لأن الإبداع هو الصدور عن الفهم العميق للتراث الشخصي وتراث العصر العالمي، عند ذلك يكون تراثنا عوْنا لنا في معاصرتنا وتتحقق المعادلة : الأصالة / المعاصرة ، وهذا ما حاولت المجلة إقامته مرة من خلال نشرها لمختارات من الشعر العربي القديم إذ وفّقت لى نظرة صحيحة في علاقتها بالتراث . المجلة إقامته مرة من خلال نشرها لمختارات من الشعر العربي القديم إذ وفّقت لى نظرة صحيحة في علاقتها بالتراث . 

   وتبدو الحداثة عندها مناقضة للتراث العربي حيث دعت إلى بناء الحداثة العربية في ظل الحداثة الغربية، ولكن الحداثة تنشأ من التراث وتتجاوزه بالأخذ من الآخر وصهره في التراث الشخصي، فالاآتفاء بالأخذ من الآخر لا يفيد وستكون الحداثة بلا جذور، وهذا ما توصل إليه " أدونيس " بعد انفصاله عن تجمّع المجلة حيث اعترف بتجاوزه لتأثير الحداثة الغربية وتحقيقه لاستقلاله الذاتي عن طريق إعادة قراءة التراث العربي وتمرّسه في ميدان الإبداع الشعْري و الدراسات النقدية . 

   ورفضَت المجلة فكرة الالتزام في الأدب ووظيفة الأدب الاجتماعية؛ لأن الشعرَ في نظرها رؤيا وفن وجمال ، ويبدو تأثرها بمذهب الفن للفن و الرمزية و السريالية. و الشاعر الناجح هو الذي يستطيع التوفيق بين الالتزام و جمالية النص الشعري.

   وتميّز مفهوم الشعر في نظرها بأنه رؤيا والرؤيا بدورها مرتبطة بالشعر الميتافيزيقي، شعر الوجود، وبالتجربة الشخصية، و يعبر الشاعر الحديث عن الرؤيا بأدوات تعبيرية جديدة من لغة وإيقاع وصورة، و الشعر الحديث في رأيها هو نظرة جديدة للعالم و تعبير عن مضمون العصر ، وشعر الرؤيا آما تقول، يتناقض مع الشعر الواقعي إذ يتميّز بطبيعته الجمالية الخاصة، فهو يغير الواقع فنيا بتبديل العلاقات اللغوية المعروفة بعلاقات لغوية جديدة ، ولا تناقض في حقيقة الأمر بين الفني والاجتماعي و السياسي والفكري و الديني، فالشعر يتناول آل ذلك بطريقة جمالية . 

  ولا تفصل جماعة " شعر" الشعرَ عن الفكر بمختلف أنواعه ومنه الفلسفة إذ تتمثل علاقة الشعر بالفلسفة في مفهومها في اشتراك الشاعر والفيلسوف في البحثعن الوجود الحق مثل مواضيع الرؤيا و الإدراك و الحرية و المصير الإنساني... 
فخصوصية الشاعر أنه يحول الفلسفة إلى مادة شعرية، ومن هنا دعوتها للشعر الميتافيزيقي شعر الكليات (الفكر) ورفضها للشعر الواقعي، شعر الجزئيات (الحوادث) وترآيزها على فكرة الخلق في القصيدة الحديثة التي تكشف المجهول في الوجود بطريقة جديدة .

   وتكمُن وظيفة الشعر في منظورها في تغيير العالم وخلقه من جديد بتغييره بطريقة فنية بواسطة لغة جديدة ، ونلاحظ أنها تعتبر الخروجَ على المقاييس المألوفة هي المقياس في الشعر، فالشعر تجريب وتجاوز للمألوف وتحول مستمر لا ثباتَ له، وتتلخص وظيفة الشعر في المجلة بأنها معرفة حدسية؛ أي معرفة ذاتية خيالية بلغة فنية . 

   و المجلة متأثرة في مفهومها للشعر من حيث ماهيته، طبيعته، ووظيفته، بالمذهب الرمزي ونظرية الفن للفن . وآان هدفها بناء مفهوم حديث للشعر، ولكن الجهد التنظيري آان أآبرَ بكثير من الجهد التطبيقي إلا ما آان من عرضها لترجمات لأشعار غربية هدفت منها إلى توفير نماذج شعرية يحتذيها الشاعر العربي في آتابة الشعر الحديث . 

  وترى جماعة " شعر" أن اللغة هي تحويل مستمرّ للعالم بطريقة جديدة، ومن هنا ثورتها على اللغة السائدة الجاهزة والقاموس الشعري ، فكل الكلمات يمكن أن تكون شعرية بحسب استعمالها في السياق ، والشاعر لا يمكنُه الانقطاع التام عن تراث لغته، بل ينطلق منه ثم يتجاوزه بالإضافة و التطوّر، ونتيجة موقفها المنقطع عن تراث اللغة العربية آان غموضها الشعري أقرب إلى الترجمة منه إلى طبيعة اللغة العربية؛ لأن صورَه وتراآيبه واستعمالاته مستمدة من منابع شعرية ونقدية غربية، ومن جرّاء موقفها المذآور من اللغة العربية ذاك آانت دعوتها لاستعمال العامية في الشعر الحديث . 

  وتتمثل الموسيقى في رأيها في الإيقاع، ومفهومه عام غير محدد، فالشّعر عندها لا يخضع لوزن وإن آان له إيقاع، وهي لا تميز بين الإيقاع الشعري و الإيقاع النثري ، وتعتبر القصيدة النثرية شعرا ، و المهم فيها هو الإيقاع الداخلي المرتكز على أصوات الكلمات وموسيقاها .

   ومفهوم الصّورة لديها انتقل من الوظيفة الزخرفية والتفسيرية والتعليلية إلى الوظيفة البنائية في النص الشعري، آما انتقل من الصورة البلاغية المتمثلة في التشبيه والاستعارة إلى الصورة الرمزية والأسطورية، وذلك بتوظيف الرموز و الأساطير على اختلاف مصادرها، ومنها المسيح، وتموز، و الفينيق. 

   ومفهومها للأدوات التعبيرية من لغة وموسيقى وصورة مرتبط بتأثير التيارات الفكرية و الأدبية الغربية فيها .

   لقد حاولنا في هذا البحث تحديد عناصر تحديث النص الشعري في مجلة شعر من خلال المصادر و المراجع المتاحة ، وقد أرَدنا الإسهامَ به في آشف دور هاته المجلة في تطوير الشعر العربي الحديث، وإضاءة بعض جوانب هذا الموضوع الشاسع، و المتعلق بالحداثة في مجلة " شعر " . 





ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة