الثلاثاء، 29 ديسمبر 2015

نقد : تلخيص الفصل الثالث من ظاهرة الشعر الحديث : تجربة الحياة والموت - د. فتح الله اسعاف ...



نقد : تلخيص الفصل الثالث من ظاهرة الشعر الحديث :

تجربة الحياة والموت 

د. فتح الله اسعاف


  إذا كانت نكبة 1948 قد خلفت واقعا عربيا سيطر عليه الخراب والدمار, فإن العشرين سنة التي تلتها شهدت تغيرات عديدة فيه ,من المحيط إلى الخليج. مما ولد في شعرنا الحديث إيقاعين تجاذبا نفوس الشعراء "إيقاع الأمل وإيقاع اليأس".

  لقد آمن الشاعر الحديث بإمكانية البعث والتجديد , لذلك هب مندفعا صوب مقارعة الموت المسيطر على واقعه, لأنه ادرك أن مواجهة الموت" لا تعني الانتحار, بل تعني تحمل مسؤولية الحياة "ص110,بل إن" الموت هو طريقنا إلى الحياة"ص111. وحتى يجيد التعبير عن ذلك فقد لجأ إلى الإفادة من الأساطير البابلية واليونانية, والرموز الدينية والتاريخية والطبيعية. ولتوضيح هذه التجربة اختار المجاطي أربعة شعراء هم: أدونيس, وخليل حاوي, والسياب, والبياتي.

1‑ أدونيس: التحول عبر الحياة والموت

  إن تجربة الحياة والموت عند أدونيسصادرة عن ذات" محتقنة بفحولة التاريخ العربي "ص118 تاريخ ينبض بالفروسية والشجاعة والانتصار .لذلك وجدناه يقول:

جامح
أحتضن الأرض كأنثى
وأنام

  إن ذاك الجموح , جموح النفس العربية , جموح فرس أضاع فارسه , ولكنه لا زال يملك نبضا يهز كثبان الرمال التي دفنته, فهو ذات جبارة, قادرة على التحول والتحويل :

إنني لحظة المعجزات
لحظة الموت والحياة ص121

  إن لحظة الموت هي لحظة التحول, لحظة الخروج ,من واقع كائن إلى واقع ممكن .إلا أن نجاح هذا الإنتقال ظل مرهونا بنجاعة الأسلحة التي توظف في سبيل تحقيقه.

  ولذلك كان أدونيس ينجح مرات في تحقبق مسعاه ,ويخفق في اخرى. ولكي يوضح المجاطي ذلك اختار قصيدتين الاولى تحبل بنفحات نجاح التحول , والثانية تجر ذيول الإخفاق .

أ‑ القصيدة المقنعة بفكرة التحول"قصيدة تيمور ومهيار" ,ففي هذه القصيدة يسمر تيمور مهيارا بمسامير حامية ويدخله إلى السجن, لكنه يفاجأ به خارج قضبان السجن واقفا أمامه ,فيسأله:

ألم تكن في السجن؟كيف جئت؟
هدمته؟ انسللت من شقوقه؟أخرجك السجان؟
فيجيبه مهيار:
أخرجني سلطان
كالشمس لا يموت
كالإنسان

  ثم يقطع تيمور مهيارا إلى أجزاء ,و يرميه في بئر للأسود, لكن مهيارا يفاجأ الناس بظهوره أمامهم لتنبض شفاههم:

شبيهه
كأنه مهيار
يعود كيف عاد

  لتكون الصدمة أقوى لتيمور ,فيستنجد بساحر المدينة لعله يمسخ مهيارا:

جرادة أو نملة عرجاء او حرباء..
إلا أن طقوس الساحر زادت مهيارا قوة وشدة:
اشتدت الحياة في عروقي...

  ويعمد تيمور إلى وسيلة أخرى للتخلص من مهيار, فيمسك به ويضعه في تمثال من النحاس والنفط والكبريت والرصاص ويشعل فيه النار, فلا تكون هذه الوسائل إلا قنطرة يعبر منها مهيار ليبعث من جديد :

ومهيار دم وماء
والأرض مثل وجهه
مثل صوته
والناس يولدون

  إن عملية البعث لمهيار في كل مرة ليست سوى بعث للأمة العربية. وهذا النجاح في البعث يعود‑حسب المجاطي‑إلى سببين:

الاول: الاعتماد على الأسطورة "أسطورة الفنيق" الذي يحرق نفسه ليبعث الربيع, و"أسطورة العنقاء" التي تموت وتبعث من رمادها أكثر نضارة , وهو الامر الذي حصل مع مهيار ويأمل الشاعر ان يحصل لأمته.

والثاني: يتجسد في المضمون الرمزي للقصيدة. فمهيار رمز لإرادة الحياة لدى الأمة التي تقوم الموت بالحياة, تقاوم سلطة تيمور ببعث مهيار.

ب‑القصيدة الغير مقنعة بفكرة التحول "قصيدة الأسماء":

  إن التغير في هذه القصيدة لا يمس إلا الاسماء,ولا يغير من واقع الحضارة والأمة شيئا إلا القشور :

وأسمي اللهيب مطرا
وأسمي
وجهك المغلق الدفين
كوكبا

  فأدونيس كان دائم السعي إلى بعث الأمة العربية متأملا انتصار إرادة الحياة على الموت, وكان نور البعث يشرق في قصائده أحيانا , ويغيب في اخرى. إلا أن الأهم هو التجدد الدائم في أساليب التعبير عن البعث , والتمسك الكبير بتلابيبه, زهو لا محالة امر سيساهم في لحظة تاريخية ما في تحقق هذا الحلم.

2 ‑ خليل حاوي: معاناة الحياة والموت

  إن كان أدونيس قد استند على مبدإ التحول في التعبير عن ثنائية"الحياة والموت", فإن خليل حاوي رفض ذلك المبدأ وأقام مقامه مبدأ "المعاناة"وقد ظهر ذلك في دواوينه الثلاثة:

أ‑ديوان نهر الرماد : ففي هذا الديوان تبرز المعاناة من خلال ما يلي:

‑ العلاقة بالمرأة:

  فقد فشل الشاعر في خلق علاقة طبيعية مع المرأة التي صارت عدوا :

وكيف أصبحنا عدوين
بل إنها صارت ترنو إلى العودة للشارع الذي أنقدها منه الشاعر ما دام قلب هذا الاخير لا يملأه إلا الحزن والألم:
ليته ما لمني من وحلة الشارع
ما عودني دفء البيوت

‑ العلاقة بالواقع العربي و أهله:

  وهنا تظهر المعاناة في صورها الجمالية, ففي قصيدة "سدوم" يعبر الشاعر عن تلك المعاناة قائلا:

وإذا نحن عواميد من الملح
مسوخ من بلاهات السنين
 وبالرغم من هذا تلوح في الديوان بارقة أمل حين يستحضر الشاعر إله الخصب في قصيدة "بعد الجليد:

يا إله الخصب يا بعلا يفض
التربة العاقر

*******
نجنا نج عروق الأرض
من عقم دهاها ودهانا

  كما يظهر امل اكبر في البعث من خلال قصيدة "حب وجلجلة",حيث كانت صرخة الأطفال رمزا لولادة جديدة:

 آه ربيَ! صوتهم يصرخ في قبري:
تعال!!
كيف لا أنفض عن صدري الجلاميد الثقال

ثم يبرز هذا الإيمان بالبعث بشكل أقوى في قصيدة " الجسر":
يعبرون الجسر في الصبح خفافا

أضلعي امتدت لهم جسرا وطيدا

   إن البعث داخل هذه القصيدة موجه للأجيال الجديدة لتشكل واقعا مضيئا يملأه الأمل وتأثثه السعادة , ويقوم على القوة الوجدانية المؤمنة بإمكانية الخلق مهما كانت المعوقات والصعوبات.

ب ‑ ديوان الناي والريح:

يتميز هذا الديوان بطغيان جانب الأمل على إيقاع اليأس:

هم العبور,
وخطوة أو خطوتان
إلى يقين الباب ثم إلى الطريق

  فهذ الطريق الذي يشير إليه الشاعر هو السبيل المأمول اتباعه لتحقيق البعث والولادة الجديدة ,لكن هيهات يكون الامر بهذي السهولة والتقاليد و الارتباطات الاجتماعية تكبلنا:

ابني, وقاه الله , كنز أبيه,
جسر البيت, يحمل همنا , هم ثقيل

  وهنا يصير الحل الوحيد المتبقي التخلص من كل شيء حتى يستطيع أن :

يقول ما يقول
بفطرة تحس ما في رحم الفصل
تراه قبل ان يولد في الفصول

ج‑ ديوان بيادر الجوع:

  تطغى على هذا الديوان نغمة المأساة لأن الشاعر يسيطر عليه إحساس الاستسلام وهاجس اليأس:

وغدوت كهفا من كهوف الشط

  ففي الشط تضطرم الأمواج, ويتعالى صوتها النابض بالحياة دون ان ينفخ في الكهوف المجاورة له حياة , كذلك الامر بالنسبة للشاعر ففي فضاءه انوار حياة تنير ظلمة الليالي ويبقى ليله مظلما لوحده ما دامت نفسه تجهش بمعاناتها وتنتفض من آلام احزانها .

  ويبرز هذ الياس في صورة أشد قتامة مع قصيدة " ألعازر"عام 1962 وذلك من خلال:

‑ اعتراف ألعازر رمز المناضل العربي بموته وتشبته بمصير ذاك:

أترى تبعث ميتا
حجرته شهوة الموت

فألعازر لم يعد قادرا على تحمل مسؤولية النضال:

من أنا حتر ارد النار عنها والدوار؟

‑بعث ألعازر جاء من الخارج , من اخته مريم التي لجات إلى الناصري ليبعثه من جديد ,ولكن الناصري فشل في ذلك, لتبقى نغمة اليأس مسيطرة على نفس الشاعر , فلا تخبو نارها بالرخم من المحاولات العديدة ,بل يزداد سعيرها توهجا.

3 ‑ بدر شاكر السياب: طبيعة الفداء في الموت

   إن أهم ما يثير الانتباه في تجربة الحياة والموت عند السياب تركيزها على الفداء حيث يتحول الموت إلى طريق لبعث الحياة ,إلى خلاص وانتصار:

وأبعث الحياة,إن موتي انتصار!

  لقد صار الموت شرطا ضروريا لتحقيق البعث ولهذا يتساءل السياب:

من يدفن الموتى لنعرف أننا بشر جديد!

  فتتخذ طبيعة الفداء شكلا أعمقا وأشملا حين يستنجد السياب بالأسطورة لترسم الصورة المثلى للبعث. وكان من أبر الأساطير التي وظفه السياب لهذه الغاية أسطورة" المسيح" في قصيدته الجميلة " المسيح بعد الصلب". فبعث المسيح بعث للأمة العربية بأسرها ,تلك الأمة التي رمز إليها السياب بقريته "جيكور":

حينما يزهر التوت والبرتقال
حين تمتد جيكور حتى حدود الخيال
******
حين يخضر حتى دجاها
يلمس الدفء قلبي, فيجري دمي في ثراها

  إن موت المسيح فداء للفقراء و إنقاذ لهم من عالم ينهشه الجوع والفقر:

كنت بدءا, وفي البدء كان الفقير
مت كي يؤكل الخبز باسمي , لكي يزرعوني مع الموسم

  إن قوة الفداء لدى السياب حققت ما كان يرجى ,حتى أنها هدمت ذلك السور الذي كان يفصل بين البطل والإله:

حين عريت جرحي , وضمدت جرحا سواه,
حطم السور بيني وبين الإله

  إن الموت لدى السياب كان دائما يحمل فداء للحياة, فداء للأمة بكاملها ,وبعثا حقيقيا لها, وهو أمر لطالما آمن به السياب وجسدة في العديد من قصائده, ونجح في ذلك بشكل لم يوفق إليه غيره.

4 ‑ عبد الوهاب البياتي: جدلية الأمل واليأس

  إن المتأمل لشعر البياتي يجد نفسه أمام قوة هائلة تمزج بين" كشف طبيعة الانهيار والسقوط التي انتهى إليها الواقع العربي" ص 169وبين"سيطرة النزعة المتفائلة"ص169 في مضامين أعماله. وقد اتخذت جدلية الأمل واليأس عند المجاطي ثلاثة مظاهر دعاها بالمنحنيات, وهي على الشكل التالي:

أ – منحنى الأمل: ويظهر بشكل أكبرفي ديوانيه "كلمات لا تموت"و" النار والكلمات وفيهما نجد طغيان الإيمان بالبعث وسيطرة الشعور بمجيء فجر أمل يزيل حجب الموت:

كلما خيم ليل
فجرت بغداد في محنتها فجر ضياء

  فبغداد رمز العروبة والبطولة تقاوم المعاناة بكل أشكالها, لتفجر من صميمها نور يضيء ليالي الأمة الحالكة , ويزيل عنها غبار الهزائم. وفي ظل هذا النفس المقاوم يصير موت المناضل انتصارا :

البطل الأسطورة
يعود من رحلته الأخيرة
منتصرا
معانقا مصيره

  إن هذا الانتصار نابع من "الوعي المتجدد والنضال المستمر" للمناضل العربي الحامل لواء نصر الحياة والمتطلع إلى بناء مستقبل أبهى.

ب – منحنى الانتظار: ويتجسد هذا المنحنى من خلال "النشيد السابع عشر" في ديوان "الذي يأتي ولا يأتي", حين يؤكد البياتي على حالة التشتت والتشردم المفروضة من قبل واقع يدعو للانتظار. ولتبين هذا الأمر بجلاء أكبر يقترح المجاطي أن ننظر إلى مضامين الديوان عبراربعة خطوط وهي:

‑ خط الحياة: ويستمد هذا الخط سطوته من طبيعة الخيام عليه الثائرة والمناضلة, والمتحملة للعذاب:

عذابك المقيم
أشعل هذي النار في الهشيم
أيقظ نيسابور

  ومن قدرته على " الالتفات إلى جدلية الحياة والموت"سواء عن طريق فعل الاستشهاد أو الانفعال بهاجس الانتظار:

رأيته يولد من مدريد
في ساحة الإعدام أو في صيحة الوليد

‑ خط الموت: لقد تجاوز البياتي موت البشر وخراب نفوسهم وواقعهم , وتعداه إلى موت الأسطورة لتصير نغمة اليأس هي وحدها المهيمنة على هذا الخط ويتجلى ذلك انطلاقا من:

. موت الوسط الأسطوري الممتد في القصيدة من نيسابور إلى إرم ذات العماد مارا ببابل.

. موت الأبطال الأسطوريين "تموز وعشتروت وكاثرين والسندباد":

جنية البحر على الصخرة تبكي, مات سندباد
وها أنا أراه.

‑ خط الاستفهام: وهو خط مجاور لخط الاستفهام بأسئلة تسغرب موت الوسط الأسطوري وموت عائشة وكاثرين وشهريار:

كلمت نجمة الصباح, قلت يا صديقة
أتزهر الحديقة؟
وتولد الحقيقة؟

   فالحديقة رمز بابل المشكوك في بعتها, والتي استنفر لأجلها الأبطال جميعا , ولم يكن مصيرهم أفضل منها ,ليحل محل الأمل الضائع والمعبر عنه بالاستفهامات الإنكارية سواء في المثال السابقة أوفي بقية الأمثلة التي اوردها المجاطي في كتابه.

‑ خط الرجاء والتمني: وينتقل النضال في هذا الخط من حالة الفعل الحقيقي إلى فضاء الحلم ليتصدره الرجاء:

لعل نيسابور
تخلع كالحية ثوب حزنها ,وتكسر الأصفاد
والتمني:
وددت لوأغرقت هذا المركب المليء بالجرذان
...
لوجمعت أجزاء هذي الصورة الممزقة

3 – منحنى الشك :

   في هذا المنحنى يسعى الشا عر‑حسب المجاطي‑إلى الكشف عن قيم الحياة, مبرزا ما تنطوي عليه من زيف وسواد وقتل . ولإبراز ذلك كشف النقاب عن زيف النضال العربي البعيد عن الواقع والسابح في مراتع الخيال والحلم:

وعندما استيقظت تحت السور
سقطت من فوق سريري ,ميتا مقرور
وأدرك الصباح شهرزاد

  لهذا لن نحصل على بعث حقيقي. فالحياة الحق لا تكون إلا من خلال نضال حق وما دمنا نعيش في عالم الأحلام ونناضل فيه ,فإن البعث الذي سنحصل علييه سيكون بعثا زائفا شبيها بنضالنا الزائف.

خاتمة :

  إن فشل تجربة الحياة والموت في الوصول إلى الجماهير العربية العريضة من أجل إحداث هزة عنيفة لواقعها الخراب ونقلها إلى سماء بعث جديد وحياة أفضل كان وراءه عدة عوامل أهمها :

أ‑عامل ديني قومي: وتمثل في الخوف على الشخصية الدينية والقومية من الضياع.

ب‑عامل ثقافي: وتمظهر في إيمان كثير من الشعراء والنقاد والجماهير بغلبة الشعر التقليدي على الشعر الحر.

ج‑عامل سياسي: ويعود إلى خوف الحكام العرب من المضامين الثورية للشعر الحر.

  إلا أن المجاطي يرى بأن اهم عامل يتجلى في الجانب الشكلي والمقومات الفنية الجديدة التي يتميز بها الشعر الحر.

ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة