المقاومة في شعر علي فودة
مجلة الجامعة الإسلامية للبحوث الإنسانية، المجلد العشرون، العدد الثاني، ( ص 195– ص214) - يونيو 2012 - د . عماد عبد الوهاب الضمور - جامعة البلقاء التطبيقية
ملخص:
تتناول هذه الدراسة الاتجاه المقاوم في شعر الشاعر الفلسطيني الشهيد علي فودة، الـذي تركت جراح نكبة فلسطين، ومأساة شعبها أثراً واضحاً في شعره الملتهب بالثورة، والمتشح بالحزن، والألم، فضلاً عن الأمل بالتحرر، والعودة إلى الوطن السليب.
تكمن أهمية الدراسة في أنّها محاولة لمقاربة شعر علي فودة الوطني، بوصـفه أحـد شـعراء المقاومة الفلسطينية في المنفى، إذ غابت الدراسات النقدية التي تحاول دراسة هذا الجانب من شعره. وقد خلصت الدراسة إلى وضوح طابع المقاومة في شعر علي فودة، فضلاً عن نجاح الشاعر في ترسيخ الهوية الفلسطينية في النفوس، وبعث العنفوان في جسد الأمة.
Resistance in Ali Fudeh's Poetry
Abstract : This study highlights the resistance trend in the poetry of the Palestinian martyr Poet Ali Fudeh, The 1948 lost war known as (Nakbeh) and the deep wounds of Palestinian People left a clear impact in his sad, blazing and revolutionary poems. Nevertheless, the homesickness and the hope of getting occupied home back are very clear in Fudeh's poems too.
The significant of this study is in the attempt to approach the nationalistic poetry of Fudeh as one of the revolutionary poets in Diaspora, at a time when there were no such critical studies that dealing with his revolutionary poems. The paper concluded that the resistance trend is clear in Fudeh’s poetry. He managed to establish the Palestinian identity and revive the spirit in the nation.
المقدمة :
شكلت فلسطين محوراً مهماً من محاور القصيدة العربية الحديثة،" فجرحها لا يهـدأ، والـدمع عليها لا يرقأ، والجهاد لاستردادها موصول، لا ينقطع، حتى تعود إلى العـرب، ويعـود إليهـا العرب، فيستكمل الوطن العربي سلامته، وعزته، ومنعته" (1) .
لذلك فإنَّ أدب المقاومة الفلسطينية يمتد إلى تاريخ طويل من النضال، يسبق نكبة عـام 1948م، إذ أصبح الشعر سلاحاً من أسلحة المعركة التي خاضها الفلسطينيون ضد الانتـداب البريطـاني، والصهيونية، كما ظهر في شعر إبراهيم طوقان، وعبدالكريم الكرمي، والشهيد عبدالرحيم محمود. وبحدوث نكبة فلسطين عام 1948م، أُصيب الكيان العربي بهزة عنيفة، عصفت به من جذوره، مما جعل فلسطين قضية العرب الأولى، " وجعل المقاومة عنوان وجود الشاعر الفلسطيني، ومنبع رسالته؛ لأنّه ضمير الأمة، يقاتل معها بالكلمة، والرصاصة معاً" (2) .
إذ إن مأساة فلسطين لم تكن" بالنسبة للشاعر الفلسطيني مأساة سياسية، إنّها مأساة وجوديـة"(3) ، مما منح الشعر الفلسطيني طابعاً فكرياً خاصاً.
وقد ظهر أثر النكبة واضحاً في الشعر العربي الحديث، الذي قلما خلا ديوان شعري من ذكرها، بوصفها نكبة قومية جامعة، إذ " قدّمت النكبة لشعرائها مادة واقعيـة غنيـة، وشـغلت بمأسـيها وويلاتها، وأهوالها الضمير العربي، فانطلقت الصرخة من أعماقه داعيّـة إلـى مطاوعـة الأدب الحديث لواقع الأمة العربية المرير، ليعيش الأدب تجربة الأمة" (4) .
ولعلّ استمرار الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وبشاعة فعل المحتلّ، وتراكم معاناة الفلسطينين، أسهم في انتشار " شعر المقاومة" بعدما أصبح يـشغل حيّـزاً واضـحاً مـن قـصائد الـشعراء الفلسطينين، أمثال: هارون هاشم رشيد، وكمال ناصر، ومحمود درويش، وسميح القاسم، وتوفيق زياد، ومعين بسيسو، وفدوى طوقان، وغيرهم من الشعراء الملتزمين بقضايا أمتهم. وقد عكـس الشعراء الفلسطينيون في شعرهم المقاوم هويتهم القومية، وسعيهم إلى التحرر من قيد الاحـتلال، منطلقين من موروث حضاري خصب، وعزيمة قوية.
ويعدُّ الشاعر علي فودة(1946م- 1982م) من الشعراء الفلسطينين الذين جعلوا مـن الكلمـة منبراً للحرية؛ فهاجم المحتلّ، وأبرز المقاومة، بوصفها طريق التحرير.
ولد الشاعر في قرية " قَنّير" من قضاء حيفا في شمال فلسطين، عام 1946م، ولم يطـل بـه المقام في " قَنّير" بسبب وقوع نكبة فلسطين عام 1948م، فنزحت أسرته إلى طولكرم، ثم انتقـل إلى عمان التي شهدت إبداع معظم قصائد مجموعته الشعرية الأولى" فلسطيني كحد السيف" عام 1969م، التي تضم معظم أشعاره ذات الاتجاه المقاوم، ومجموعته الثانية " قـصائد مـن عيـون امرأة" عام 1973م. غادر الشاعر عمان عام 1976م متنقلاً بين بغداد، والكويت، وبيروت التـي استقر فيها في نفس العام، " لينضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية إلى جانب عـدد كبيـر مـن المثقفين، والمبدعين، ممن رأوا أن خلاصهم مرتبط بالمقاومة" (5) .
أصدر الشاعر في بيروت مع بعض أصدقائه مجلـة ( الرصـيف)؛ لتمثـل ثقافـة الهـامش والاختلاف، وبقي فيها حتى استشهد عام 1982م، أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت.
وقد صدر للشاعر في بيروت كذلك ديوانه الشعري الثالث" عواء الذئب" عام 1977م، وروايتـه الوحيدة" الفلسطيني الطيب" عام 1979م، وديوانه الشعري الرابع " الغجري" عـام 1981م، ثـم ديوانه الأخير" منشورات سرية للعشب" عام 1982م.
تأثرت حياة علي فودة بمجموعة مؤثرات، أسهمت في وضوح الاتجاه المقاوم فـي شـعره، كانت نكبة فلسطين عام 1948م في مقدمتها، إذ عرف المنفى في مرحلة مبكرة من عمره، فضلاً عن تزامن ذلك مع فقدانه لأمه، مما أكسب شعره دفقاً وجدانياً خاصاً، وجعل من فلـسطين، والأم صورة لجانب مشرق من حياة الشاعر، يعشق الانتماء، ويسمو بالتضحية، والفـداء. ولا يمكـن إغفال أثر شخصية الشاعر المتمردة، والرافضة للظلم، والقيد، مما أكسب شـعره جانبـاً ثوريـاً واضحاً.
ومن الملاحظ أن الشاعر لم يحظَ بالدراسات النقدية التي تتناول مسيرته الشعرية، حتـى أن "موسوعة الأدب الفلسطيني ـ الشعر" للدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي، لم تأتِ على ذكـره، ( 6) رغم نتاجه الشعري الغزير، إذ اقتصرت مصادر ترجمته على مجموعة قليلة من الدراسات .
والحديث عن المقاومة في شعر علي فودة، لا يلغـي المـسيرة النـضالية لـشعراء المقاومـة الفلسطينية، بل هو استكمال لها، وبناء عليها، فهي حركة باقية ما بقـي الاحـتلال علـى أرض فلسطين. إذ يمكن للباحث دراسة الموضوعات التالية في شعر علي فودة المقاوم: ... للمزيد إضغط هنا
الخاتمة :
لا يمكن إغفال الجانب الثوري في شعر علي فودة، فقد بدت الناحية الانفعالية غالبة على كثير من قصائده، فتجاوز في شعره البكاء، والتحسر إلى الثورة، وضرورة اسـترجاع الـوطن المحتـل، فضلاً عن ترسيخ الهوية الفلسطينية في النفوس.
ولم يكتفِ الشاعر بالمشاركة الوجدانية، بل تجاوز ذلك إلى المـشاركة الفعليـة فـي معركـة التحرير، والنضال، فاستشهد بنيران العدو الإسرائيلي أثناء حصار بيروت عام 1982م.
لقد شكّلت قصائد الشاعر مصدراً خصباً لجانب بطولي، أكسب القضية الفلسطينية بعداً قوميـاً واضحاً، إذ قام الشعر بوظيفته النضالية، ونبه إلى الخطر المحدق بالأمة، ودعا إلـى مواجهتـه مستنداً إلى إرثها العريق.
ومن الناحية الفنية، فقد ظهر البناء السردي واضحاً، إذ نهج الشاعر نهجاً قصصياً، مكّنه مـن التفصيل، وتعدد الأصوات، لتصبح المقاومة رؤيا شاملة للحياة.
وقد ابتعد هذا الشعر عن الخيال الجامح، ليتسلح برؤية الواقع، ومحاولة النهوض به، معانقاً أمل الأمة في التحرر، والخلاص من المحتلّ، فنجده يمعن في ذكر جزئيات الحياة اليومية، مـستوعباً الظلال الفولكلورية الخصبة للشعب الفلسطيني.
للمزيد إضغط هنا
المصادر والمراجع
1. الأشتر، صالح،( 1960م): في شعر النكبة، ط1، مطبعة جامعة دمشق، سوريا.
2. حمدان، يوسف،( 2005م): أقحوان على ضـفاف النهـر( الرحلـة .. والقيثـارة)، ط1، منشورات وزارة الثقافة، عمان، الأردن.
3. الحوفي، أحمد،( د ـ ت): القومية العربية في الشّعر الحديث، ط1، دار نهـضة مـصر للطبع والنشر،القاهرة، مصر.
4. الخطيب، أحمد موسى، والشنطي، محمد صـالح،(1996م): ظـواهر حديثـة فـي شـعر المقاومة( شعر أحمد الريماوي نموذجاً)، ط1، منشورات الهيئة الإدارية للاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينين، السعودية.
5. خليل، إبراهيم، وآخرون،( 2005م): مرايا التذوق الأدبـي( دراسـات وشـهادات)، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان.
6. خليل، إبراهيم، (2006م): من معالم الـشعر الحـديث فـي فلـسطين والأردن، ط1، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن.
7. الدقاق، عمر،( 1978م)، نقد الشعر القومي، ط1، اتحاد الكتّاب العرب، دمشق، سوريا.
8. زايد، علي عشري،( 1981م): استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، ط1، الشركة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، ليبيا.
9. السوافيري، كامل،(1963م): الشعر العربي الحديث في مأساة فلسطين من سـنة 1917م إلى 1955م، ط1، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، مصر.
10. أبو شاور، سعدي، (2003م): تطور الاتّجاه الوطني في الشعر الفلسطيني المعاصر، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان.
11. شكري، غالي،(1979م): أدب المقاومة، ط2، منشورات دار الآفاق الجديـدة، بيـروت، لبنان.
12. أبو صبيح، يوسف،(1990م): المضامين التراثية في الـشعر الأردنـي المعاصـر، ط1، منشورات وزارة الثقافة، عمان، الأردن.
13. صدوق، راضي،( 2000م): شعراء فلسطين في القرن العشرين( توثيق أنطولوجي)، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان.
14. فودة، علي،(2003م): الأعمال الشعرية، ط1، المؤسـسة العربيـة للدراسـات والنـشر، بيروت، لبنان.
15. القاضي، محمد،( 1982م): الأرض في شعر المقاومة الفلسطينية، تقديم منجي الـشملي، ط1، الدار العربي للكتاب، ليبيا.
16.كمال الدين، جليل،( 1985م): دراسات أدبية، ط1، المكتبة العالمية، بغداد، العراق.
17.محمود، حسني،( د ـ ت): شعر المقاومة الفلسطينية( دوره وواقعيته في عهد الانتداب في الأرض المحتلة من 1948مـ 1967م)،ج2، ط1، مكتبة الأدب والثقافة الفلسطينية، سلـسلة الدراسات(2)، الوكالة العربية للتوزيع،عمان، الأردن.
18.محمود، حسني،( د ـ ت): شعر المقاومة الفلسطينية ودوره وواقعه، ج4( شعر العاميـة الفلـسطينية المقـاوم 1917م ـ 1967م)، مكتبـة الأدب والثقافـة الفلـسطينية، سلـسلة الدراسات(4)، دون مكان.
19. ملحس، ثريا،(1970م): مقدمة الأدب الفلسطيني المعاصر في المعركة، د ـ ط، دون مكان.
20. المناصرة، عزالدين،( 2002م): هامش النص الشعري( مقاربات نقدية فـي الـشعر والـشعراء والشعريات)، ط1، منشورات وزارة الثقافة. عمان، الأردن.
21. موسى، إبراهيم نمر،( 2009م): "تجليات الوطن والثورة في شعر كمال ناصر"، مجلـة دراسـات( العلوم الإنسانية والاجتماعية). 36(1)، الجامعة الأردنية، الأردن، ص26 ـ 43 ,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق