الأحد، 1 نوفمبر 2015

نظرية الأدب : مصطلحات ومفاهيم ...


نظرية الأدب : مصطلحات ومفاهيم 

النظرية

1- النظرية هي مداولات متعددة المواضيع، ولها نتائج خارج نطاق المعرفة الأصلية.

2- النظرية هي تحليلية وتأملية، ومحاولة لإظهار ما هو متضمَّن في ما ندعوه الجنس أو اللغة أو الكتابة أو المعنى أو الذات.

3- النظرية هي انتقاد للحس العام، وللمفاهيم التي تعدّ طبيعية.

4- للنظرية صفة انعكاسية ، تشجع مبدأ التفكير في التفكير، والتقصي في الفئات التي نستخدمها لفهم ماهية الأشياء، سواء أكانت في الأدب أم في الممارسات المنطقية الأخرى. (كوللر (2009): ما النظرية الأدبية ، ص 22).

الأدب 

يعد سؤال : ما الأدب؟ أحد الأسئلة الأساسية لنظرية الأدب ،وهو سؤال لا يجد إجابة شافية واضحة. ومن هذه التعريفات ، وهي كثيرة: 

1- يورد محمد مندور تعريفين للأدب يعدّهما من أكثر التعاريف شمولاً وانتشاراً عند أدباء الغرب ونقاده ومفكريه :

· أن الأدب صياغة فنية لتجربة بشرية . والتجربة البشرية عند الغرب تشمل التجربة الشخصية، والتاريخية، والأسطورية، والاجتماعية، والخيالية..إلخ.

· أن الأدب نقد للحياة ...

5- يعرّفه طه حسين : " فن جميل يتوسل بلغة ".

6- يعرِّفه شوقي : " الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به إلى التأثير في عواطف القرَّاء والسامعين، سواء أكان شعرًا أم نثرًا".

7- يعرفه رينيه ويليك : " كل شيء قيد الطبع ".

8- هناك من يقصر الأدب على فن الأدب التخييلي الابتداعي . والكتابة التخييلية هي التي تصدر من الخيال فلا تطابق الواقع ، ولهذا فإن معيار الصدق والكذب لا يصلح أن يكون أساسًا لتقييم الأدب ، فلا يصح أن يصدر على شاعر حكم أنه صادق أو غير صادق العاطفة ، فمسألة الصدق والكذب لا معنى لها؛ لأن الأدب خيال.

9- هناك من يعرف الأدب بأنه كل كتابة تستخدم اللغة استخدامًا خاصًا تختلف عن استخدامها في الحياة اليومية والعلمية.

10- الأدب هو كل كتابة تنتمي إلى الشعر والرواية والخطبة والمسرحية والقصة القصيرة والتراجيديا والحكمة . أما الكتابات الأخرى كالتاريخ والفلسفة وغيرها من العلوم فهي خارج إطار الأدب. ( http://aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=23704)

نظرية الأدب



تعني الدراسة المنهجية لطبيعة الأدب، وطرق تحليله (كوللر (2009): ما النظرية الأدبية ، ص7). وهي تضم المناهج البحثية المرتبطة بقراءة النصوص، وارتباط هذه المناهج بمذاهب الفلسفة والاجتماع والتاريخ وعلم النفس واللسانيات وغيرها. 

علم الأدب (الأدبية) 

ياكبسون : " علم الأدب ليس هو الأدب، وإنما هو الأدبية، أي ما يجعل من عمل ما عملاً أدبيًا" ( رومان ياكبسون، قضايا الشعرية، تر محمد الولي ومبارك حنون، دار توبقال للنشر، ط1، 1988، ص31.)

طبيعة الأدب (الأدبية)

خصائص الأعمال الأدبية ؛ أي السمات التي تصنفها تحت باب الأدب:

1- الأدب بصفته طليعة اللغة : النزعة الأدبية تطغى على كل شيء في عملية تنظيم اللغة التي تجعل الأدب متميزًا عن اللغة التي تستعمل لأغراض أخرى.

2- الأدب بصفته تكاملاً للغة : الأدب هو لغة تندمج فيها عناصر ومكونات النص المتنوعة في علاقة معقدة : الصوت والمعنى، التنظيم النحوي والأساليب المتعلقة بالموضوع ....

3- الأدب بصفته خيالًا : العمل الأدبي حدث لغوي ينشئ عالمًا خياليًا، يشتمل على المتحدث والممثلين والأحداث وجمهور ضمني، وتشير الأعمال الأدبية إلى شخصيات خيالية أكثر منها تاريخية.

4- الأدب بصفته مادة جمالية: يمكن جمع سمات الأدب السابقة _المستويات التكميلية للتنظيم اللغوي، الانفصال عن السياقات العملية للكلام،العلاقة الخيالية بالعالم – تحت عنوان الدور الجمالي للغة ؛علم الجمال وما يفضي إليه من مناقشات إن كان الجمال سمة موضوعية للأعمال الفنية ، أم استجابة ذاتية للمتلقين ، وكذلك عن علاقة الجمال بالحق والخير.

5- الأدب بصفته تركيبًا متناسج الأجزاء (التناسج النّصيّ / التناص) وقادرًا على عكس ذاته : أي أنّ الأعمال الأدبية يتم إنجازها اعتمادًا على أعمال أخرى؛ أي أنها تصبح مؤهلة بعد أن تتعهد بعض الأعمال السابقة؛ وتقوم بإعادتها وتفنيدها وتغيير بنيتها الخارجية. (كوللر (2009): ما النظرية الأدبية ، ص ص 36-44).

النّص

   النص حدث تواصلي، يلزم لكونه نصًا أن تتوافر له سبعة معايير؛ إذا تخلف واحد منها تنتزع منه صفة النصية. و هذه المعايير هي: السبك أو الربط النحوي، والتماسك الدلالي أو الالتحام، والقصد و هو الهدف من إنشاء النص، والقبول أو المقبولية، وهو يتعلق بموقف المتلقي من النص، والإخبار و الإعلام المتعلقة بأفق انتظار المتلقي ومجموع توقعاته للمعلومات الواردة في النص، والمقامية المتعلقة بمناسبة النص للموقف والظروف المحيطة به، والتناص .( صبحي إبراهيم الفقي : علم اللغة النصي بين النظرية والتطبيق، دار قباء، القاهرة ، ط1،د.ت،33-34) 

النظرية النقدية 

   يستخدم مصطلح النظرية النقدية للإشارة إلى نظريتين مختلفتين تاريخيًا : الأولى نشأت من النظرية الاجتماعية والأخرى من النقد الأدبي؛ إلا أن التطورات اللاحقة في مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية قربت المجالين فمنذ السبعينات من القرن العشرين أصبح هناك تداخل واضح بين النقد الأدبي الذي يدرس بنيات النص ومكنوناته ودراسة المجتمعات البشرية وأنظمتها، كل هذا جعل من مصطلح النظرية النقدية شائعًا جدًا في الأكاديميات، لكنه مصطلح واسع يغطي مجالاً واسعًا من النظريات العلمية التي تتناول منهجيات لدراسة العلاقات بين المكونات سواء أكانت مكونات أدبية نصية أم مكونات اجتماعية أنثربولوجية( علم الإنسان). وهي غالبًا ما تدرج ضمن نظريات ما بعد الحداثة. والعلوم الاجتماعية هي مجموعة من التخصصات العلمية التي تدرس النواحي الإنسانية للعالم والحياة. ، وهي تضم: العلوم السياسية،علم الاقتصاد، علم النفس، علم الإنسان، علم الاجتماع، علم الاتصال، إدارة الأعمال، علم الآثار، الإحصاء ،وغيرها.

التناص

   مصطلح نقدي يقصد به وجود تشابه بين نص وآخر أو بين عدة نصوص. وهو مصطلح صاغته (جوليا كريستيفا) للإشارة إلى العلاقات المتبادلة بين نص معين ونصوص أخرى، وهي لا تعني تأثير نص في آخر أو تتبع المصادر التي استقى منها نص تضميناته من نصوص سابقة ، بل تعني تفاعل أنظمة أسلوبية . وتشمل العلاقات التناصية: إعادة الترتيب ، والإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع أو البنية، والتحويل، والمحاكاة.وهو من أهم الأساليب النقديه الشعرية المعاصرة وقد تزايدت أهمية المصطلح في النظريات البنيوية وما بعد البنيوية. وهو من المصطلحات والمفاهيم السيميائية الحديثة، وهو مفهوم إجرائي يساهم في تفكيك سنن النصوص (الخطابات) ومرجعيتها وتعالقها بنصوص أخرى وهو بذلك مصطلح أريد به تقاطع النصوص وتداخلها ثم الحوار والتفاعل فيما بينها[2] . (ويكيبيديا : تناص )

الشعريّة

   الشعرية بحسب تعريف تودوروف هي : كل نظرية داخلية للأدب (تزفيتان تودوروف، الشعرية، تر: شكري المبخوت ورجاء سلامة،دار توبقال، المغرب،1987 ،ص23) أي تهتم بالبنية،ولا تعير اهتمامًا لوظيفة الأدب،حتى وإن كانت الوظيفة كالظل للبنية داخل الخطاب الأدبي. ويتسع موضوع الشعرية ليشمل كل أنواع الخطاب، فهي تتعلق بدراسة خصائص الأعمال الأدبية، ولم يقتصر اهتمامها على الشعر وحده،وٕانما تعدى هذا الاهتمام إلى الفنون الأدبية الأخرى. ومن أبرز الدراسات التي عنيت بالأدب الروائي انطلاقًا من هذا الفهم دراسة باختين لشعرية دوستويفسكي.

الحداثة 

(عصرنة أو تحديث) أي عملية تتضمن تحديث وتجديد ما هو قديم؛ لذلك تستخدم في مجالات عدة، لكن هذا المصطلح يبرز في المجال الثقافي والفكري التاريخي ليدل على مرحلة التطور التي طبعت أوروبا بشكل خاص في مرحلة العصور الحديثة. يمكن تقسيم التاريخ إلى خمسة أجزاء: ما قبل التاريخ، التاريخ القديم، العصور الوسطى، العصر الحديث ، العصر ما بعد الحديث.

   معظم الحياة الحديثة تغذت من مصادر متعددة: اكتشافات علمية مذهلة، معلومات عن موقعنا من الفضاء وتصورنا عنه، مكننة الصناعة التي حولت المعرفة بالعلوم إلى تكنولوجيا، وغيرها. كل هذا يوجد بيئات جديدة للبشر ويدمر القديمة، فهو يعجل حركة الحياة، ويبلور أفكارًا واتجاهات اجتماعية وسياسية ودينية، يكوِّن قوى وسلطات جديدة، ويعقّد العلاقات بين الناس بعضهم ببعض، وبين الناس والمؤسسات المختلفة، ويزيد أو يغير اتجاهات الصراعات الطبقية، ويفصل الملايين من البشر عن تاريخهم وعاداتهم الموروثة.

ما بعد الحداثة 

  مرحلة جديدة في تاريخ الحضارة الغربية تتميز بالشعور بالإحباط من الحداثة،ومحاولة نقد هذه المرحلة والبحث عن خيارات جديدة . 

وصف الفيلسوف والناقد الأدبي "فريدريك جيمسون" ما بعد الحداثة بأنها "المنطق الثقافي المهيمن للرأسمالية المتأخرة"، التي هي الممارسات الثقافية المترابطة ترابطًا عضويًا إلى العنصر الاقتصادي والتاريخي لما بعد الحداثة "الرأسمالية المتأخرة"، وهي الفترة التي تسمى أحيانا الرأسمالية المالية، أو ما بعد الثورة الصناعية، أو الرأسمالية الاستهلاكية، أو العولمة، وغيرها. 

  يمكن فهم ما بعد الحداثة أيضا على أنها ردُ فعلٍ على الحداثة. في أعقاب الدمار الذي لحق بالفاشية، والحرب العالمية الثانية، وأصبح عديد من المثقفين والفنانين في أوروبا لا يثقون في الحداثة السياسية والاقتصادية والمشروع الجمالي برمته. فبينما كانت الحداثة كانت ترتبط في كثيرٍ من الأحيان بالهوية والوحدة والسلطة واليقين...، فإن ما بعد الحداثة كثيرًا ما يرتبط بالفروق، والانفصال، والنصية، والتشكك، إلخ.

البنيوية 

   منهج بحث يدرس العلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكونة لبنيات: عقلية مجردة، لغوية، اجتماعية، ثقافية. فالبنيوية مقاربة أو طريقة (منهج) ضمن التخصصات الأكاديمية بشكل عام تستكشف العلاقات الداخلية للعناصر الأساسية في اللغة، والأدب، أوالحقول المختلفة للثقافة بشكل خاص مما يجعلها على صلة وثيقة بالنقد الأدبي. وتستند مفاهيــــم البنيوية إلى مجموعة من المصطلحات والمفاهيم الإجرائية في عملية الوصف والملاحظة والتحليل، وهي أساسية في تفكيك النص وتركيبه كالنسق، والنظام، والبنية، والداخل، والعناصر، والشبكة، والعلاقات، والثنائيات، وفكرة المستويات، وبنية التعارض والاختلاف، والدال والمدلول، والمحور التركيبي، والمحور الدلالي، والمجاورة والاستبدال، والتفاعل، والتقرير، والإيحاء، والتمفصل ....إلخ. 

التفكيكية 

منهج أدبي نقدي ومذهب فلسفي معاصران ينحوان إلى القول باستحالة الوصول إلى فهم متكامل أو في الأقل متماسك للنص أيًا كان, فعملية القراءة والتفسير هي عملية اصطناعية محضة يقوم بها القاريء الذي يقوم بالتفسير. ومن ثمّ يستحيل وجود نص رسالة واحدة متماسكة ومتجانسة. 

القارئ

  القارئ أو المتلقّي أو المُرسل إليه كائن فعليّ يوجد خارج الأثر الأدبي ويتأثّر بالأعمال الأدبيّة ويؤثّر فيها.. الآثار الأدبيّة لا تبدأ إلاّ من لحظة نشرها، وعندئذ تقطع هذه الآثار صلتها بمؤلّفها لتشرع في رحلة مع قرّائها. أمّا في نظريّة الأدب فالقارئ مفهوم أساسيّ مُستخدم في تحليل شروط تلقّي الأثر. وهو المعنيّ الأوّل بالحكم في ما نُشر حديثًا لما له من تأثير في النصّ. ترى مدرسة جماليّة التلقّي، ومن أشهر أعلامها "ياوس" الذي يعدّ أنّ الأثر الفنيّ لا يوجد إلا من خلال جمهور القرّاء، وأنّ تاريخ الأثر هو تاريخ قرّائه. فالعمل الأدبيّ، في نظره، يتميّز بقطبيْن: أحدهما فنيّ وهو النصّ الذي أبدعه المؤلّف والآخر جماليّ وهو حصيلة التحقّق الذي ينجزه القارئ. ولكلّ من النصّ والقارئ أفق انتظار مخصوص، بل إنّ تجربة التلقّي الجماليّة تكمن في ذاك اللّقاء الذي يتمّ بين الأفقيْن. وإنّ جودة العمل الفنّيّة مشروطة بالمسافة الجماليّة التي تتحدّد بمقدار ما ينزاح أفق العمل عن أفق انتظار القارئ. 
  وترى مدرسة نظريّة القارئ الضمنيّ، ويمثّلها "إيزر" الذي يرى أنّ القارئ فرضيّة النصّ ولولاه لما تحقّق أصلاً. فهو الذي يتيح للنصّ أبعادًا جديدة قد لا تكون موجودة فيه. وهذا القارئ لا يوجد في الواقع وإنّما هو قارئ ضمنيّ تبدعه عمليّة القراءة ويتمتّع بقدرات خياليّة شأنه شأن النصّ التخييلي. وهو قارئ منتج، دائم البحث عن فجوات، في بنية النصّ، ليملأها. 

   فمقاربات القارئ هذه تعكس حدًّا فاصلاً بين داخل النصّ وخارجه. إذ ثمّة من جهة قارئٌ مندرج في النصّ. وهناك، من جهة أخرى، قارئ ملموس ممسكٌ بيديْه الكتابَ. وإنّ ذاك القارئ الأوّل المفترض لا يعدو أن يكون دورًا مُرصدًا للقارئ الثّاني بإمكانه قبوله أو رفضه.

السرديات أو علم السرد

   مجال يهتمّ بدراسة الأجناس السردية (أقصوصة، قصة، رواية، مقامة، نادرة، أسطورة، خرافة...)والسرديات أو علم السرد من المصطلحات التي أبدعتها البنيوية، وكانت بدايته مع الشكلانيين الروس مع فلاديمير بروب في (علم تشكل الحكاية). لكنّ تودوروف هو من صاغ مصطلح (علم السرد) لأول مرة وعرّفه بـ(علم القصة)، ثمّ تطوّر المبحث السردي على يد نقّاد ودارسين، مثل: رولان بارت وجيرار جينيت وجريماس وجوليا كريستيفا وغيرهم.

   فالسرديَّة علم يدرس السرد بما هو مختلف عن سواه، أي العناصر السرديَّة الَّتي تميِّز القصَّة كنوع أدبيٍّ، من المكان إلى الزمان والشخصيَّات... وهي تحلِّل مؤلَّفات القصَّة بوصفها تمثيلاً لحادثة. والحادثة انتقال من وضعٍ أوَّل إلى وضعٍ أخير، ولا تكون الحادثة قصَّةً إلاَّ إذا نقلها أحد.

الحكاية والسرد والقصَّة

   لا بدَّ أن نميِّز، في السرديَّة، بين ثلاثة مصطلحات: الحكاية والسرد والقصَّة. الحكاية هي مادَّة الرواية والقصَّة، والعالم الَّذي يقدِّمه النصُّ الروائيُّ، هي الحادثة مرويَّة بتعاقبها الزمنيّ. والسرد هو القناة الَّتي تعبر الحكاية من خلالها لتتحوَّل إلى قصَّة، وهو فعل يقوم به الراوي الَّذي ينتج القصَّة، ويكشف من خلاله عن خياراته التقنيَّة، من المنظور إلى بناء الزمان وصوت الراوي وما إلى ذلك. وعمليَّة السرد تتمُّ من راوٍ إلى مرويٍّ له، وليس المرويُّ له بالضرورة القارئ المفترض، بل قد يكون شخصيَّةً في القصَّة مثلاً . أمَّا القصَّة، فهي سرد لوقائع ماضية، متماسك من حيث المضمون، ومؤثِّر من حيث طريقة العرض الفنِّيَّة.



نظرية الأجناس( الأنواع) الأدبية

نظرية الأجناس الأدبية مصطلح يشير إلى مبدأ تنظيمي يصنف الأعمال الأدبية تبعاً لأنماط أدبية خاصة من التنظيم أو البنية الداخليين لهذه الأعمال، وتستمد غالب هذه الأنماط من الأعمال الأدبية الرفيعة التي تتحول تقنياتها وقواعدها ومبادئ تنظيمها وطرائق بنائها، بفعل جملة من العوامل الاجتماعية، إلى معايير يأخذها الكتّاب بالحسبان عندما ينشئون نصوصهم، ويجعل النقاد من هذه المعايير منطلقاً في تقويمهم للنصوص التي يواجهونها، كما يحدد بها القراء آفاق توقعاتهم من النصوص عند قراءتها وتقديرها. وتكوّن الأجناس الأدبية ساحة مغناطيسية ذات تأثير فعال جداً في عملية إنتاج الأعمال الأدبية ونقدها واستهلاكها في أي تقليد أدبي قومي. وهي - أي الأجناس الأدبية - مؤسسة مهمة من مؤسسات أي مجتمع وتؤدي جملة من الوظائف تتصل بالكاتب والقارئ العام والقارئ الخبير معاً... ويساهم الجنس الأدبي في الحفاظ على النوع الأدبي، ويرصد تغيراته الجمالية الناتجة عن الانزياح والخرق النوعي.

   و يعدّ الجنس الأدبي من أهم مواضيع نظرية الأدب، وأبرز القضايا التي انشغلت بها الشعرية الغربية والعربية؛ لما للجنس الأدبي من أهمية معيارية وصفية وتفسيرية في تحليل النصوص وتصنيفها ونمذجتها وتحقيبها وتقويمها ودراستها من خلال سماتها النمطية ومكوناتها النوعية وخصائصها التجنيسية، كما أن معرفة قواعد الجنس تساعدنا على إدراك التطور الجمالي والفني والنصي وتطور التاريخ الأدبي باختلاف تطور الأذواق وجماليات التقبل والتلقي، فضلا عن تطور العوامل الذاتية المرتبطة بشخصية المبدع من ناحية الجنس والوراثة، والعوامل الموضوعية التي تحيل على بيئة الأديب وتمظهراتها الطبيعية والجغرافية والاجتماعية والتاريخية والدينية. 

الأنواع الأدبية الأرسطية

  قسم أرسطو الأنواع الأدبية ثلاثة أنواع : الغنائي ، والملحمي ، والدرامي . وأضاف المحدثون للغنائي ضمير الـ (أنا), وجعلوا الملحمي يترابط مع ضمير الـ (هو), والدرامي يترابط مع ضمير المخاطب (أنت).

· غنائي = الأعمال التي يتحدث فيها المؤلف وحده.

· درامي = الأعمال التي تتحدث فيها الشخصيات وحدها.

· ملحمي = الأعمال التي يملك فيها المؤلف والشخصيات معًا الحق في الكلام.

نقاء الأنواع الأدبية وتداخلها

 التراسل بين مختلف الفنون ، يعد تجاوزًا لنقاء الأنواع الأدبية ، ومن صور هذا التراسل ظهور ما يعرف بتداخل الأجناس في بنية العمل الواحد.

   وظاهرة القصة/القصيدة ، من صور هذا التداخل التي تعد محاولة للوصول إلى عمل إبداعي مفتوح. ورغم ما تجابهه هذه الظاهرة من تعسفيّة ورفض ، إلا أنها - أيضًا - محاولة لإثبات وجودها في فضاء الراهن الأدبي، فهي قديمة؛ فمن خلال القصيدة الجاهلية يتضح عنصر القص أو السرد الذي تقوم به القصة /القصيدة .
   وتبقى هذه الظاهرة إيجابية وذات مردود إبداعي طالما عرف الكاتبالحدود المائزة بين الجنسين ، الشعر والقصة ، بحيث لا يأتي النص الهجين الذي ينساق إلى لغة شعرية مهيمنة، ويكون بعد ذلك الاستسلام العاطفي والانفعالي المباشر للغة لها سطوتها.ومن الملاحظ وجود كتابات قصصية تقوم على استعارة بعض من خصائص الشعر ، ولكنها لا تلغي عنصر السردية ليبقى التكنيك القصصي هو الذي يميز القصة عن غيرها .

مراجع أخرى

1- رينية ويليك، وأوستن وارين: نظرية الأدب، ترجمة: محي الدين صبحي، المؤسسة العربية، بيروت، 1987.

2- موسوعة نظرية الأدب، ترجمة: جميل نصيف التكريتي (أربعة أجزاء)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1986.

3- عبد المنعم تليمة: مقدمة في نظرية الأدب، ط3، دار العودة، بيروت، 1983.

4- شكري عزيز ماضي: في نظرية الأدب، دار الحداثة، بيروت، 1986.

5- جودت إبراهيم: نظرية الأدب، والمتغيرات، مطبعة (تنوير)، حمص، سوريا، 1996.

6- حنّا عبود: النظرية الأدبية الحديثة، والنقد الأسطوري، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1999.

7- سعيد علوش: هرمنوتيك النثر الأدبي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1985.

8- محمد بن عيّاد: بين الشعر والفلسفة، مطبعة التسفير، صفاقس، تونس، 2003.

9- مصطفى ناصف: نظرية التأويل، جدَّة (النادي الثقافي)، السعودية، 2000.

10- حسن بن حسن: النظرية التأويلية عند (بول ريكور)، منشورات الاختلاف، الجزائر، 1992.

11- فرانسواز أرمينكو: المقاربة التداولية، ترجمة: سعيد علوش، مركز الإنماء القومي، بيروت، 1986.

12- هانس روبيرت ياوس: جمالية التلقي، ترجمة: رشيد بن حدّو، المجلس الأعلى للثقافة بمصر، 2004.

13- عبد القادر هني: نظرية الإبداع في النقد العربي القديم، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1999.

14- مجلة (فصول) المصرية: ملف (النظرية الأدبية الآن)، العدد 65، خريف 2004 – شتاء 2005، القاهرة.

15- عزالدين المناصرة: علم الشعريات، دار مجدلاوي، عمَّان، 2007.

16- عزالدين المناصرة: علم التناص والتلاص، منشورات جامعة فيلادلفيا، 2006.

17- محمد العمري: نظرية الأدب في القرن العشرين، الدار البيضاء، المغرب.

18- حمادي صمود: في نظرية الأدب عند العرب، النادي الثقافي، جدّة، السعودية، 1400هـ.

19- ك. م. نيوتن: نظرية الأدب في القرن العشرين، ترجمة: عيسى العاكوب، 1996.

عناصر النظرية الأدبية

   لعل المتأمل في مراحل تطور النظرية الأدبية والمناهج التي تمخضت عنها، يصل إلى خلاصة مفادها أن العلاقة بين الإبداع والنظرية الأدبية، قائمة على التحدي والتجاوز المستمر من قبل الإبداع. فالأدب يتجدد على الدوام، والنظرية الأدبية تتجاوز نفسها باستمرار، والممارسة النقدية تتجه نحو تأكيد عجز المناهج عن صياغة قوالب قادرة على احتواء جميع أشكال الإبداع الأدبي، وفك ألغاز الغموض والتعقيد الذي يلفها. وهذا العجز راجع بالأساس إلى طبيعة الأدب باعتباره كائنًا زئبقيًا متعدد المظاهر يختزل أبعاد الظاهرة الإنسانية في عمومها. ولما كان الأدب على هذه الدرجة من التعقيد، فقد عرفت مختلف العلوم الإنسانية، والطبيعية أحيانًا، طريقها إليه، فنتج عن ذلك تعدد في طرق فهمه، وتشعب في مناهج دراسته. وعلى العموم، فإن هذا التعدد لا يكاد يخرج في معظمه عن أربعة محاور تختزلها علاقة النص بمختلف عناصر الظاهرة الأدبية: المؤلف، والقارئ، والنص، والواقع. ما نطمح إليه هنا هو رصد التحول الذي عرفته الدراسة الأدبية، وإبراز المنحى الذي تتجه إليه، وسنركز بالأساس على استخلاص التصور الذي يحمله كل اتجاه نقدي عن النص الأدبي، وتحديد الحيز الذي يشغله المتلقي ضمن المسار التاريخي للدراسة الأدبية.

تتكئ النظرية الأدبية على أربعة أركان أساسية هي:

· المؤلف.

· القاري.

· النص. 

· الواقع/ المرجع.

المؤلـــف:

   يحتل المؤلف منزلة خلافية في النظرية النقدية بين القديم والجديد، ويمكن حصر هذه المسائل الخلافية في التساؤلات التالية حول علاقته بالمعنى: ما منزلة المؤلف؟ وما علاقة النص بمؤلفه؟ ما مسؤولية المؤلف على المعنى والدلالة؟

   يراوح الدرس النقدي المعاصر بين رأيين: قديم، وحديث، يماثل الدرس النقدي القديم بين معنى النص، ومقصد المؤلف، فالناقد القديم يبحث دائمًا عن ماذا يقصد الشاعر؟ عملاً بالمقولة المأثورة عن القدماء ( المعنى في بطن الشاعر!!) وموقف حديث يعترض على مقصد المؤلف حينما قال رولان بارت: إن موت المؤلف هو الشرط الوحيد لولادة القراءة الفاعلة المنتجة. ذلك أن المؤلف بتأكيده لحضوره الطاغي على النص يشكِّل وعي القراءة لا لتبدو حيزا للاختلاف ومعرضًا للتباين وحقلاً للتعارض والتضاد، ولكن لتقول ما يريد أن يقوله المؤلف.

  ومن المعروف أن الدراسات التقليدية الكلاسيكية كانت تسبغ صفة التقديس على المؤلف، وكانت قراءة النص - آنذاك - تخضع لسلطة المؤلف، وهذا الاتجاه ربما فرضته ظروف إيديولوجية وعقائدية، خاصة على القراءة التي تتعلق بالنص الديني وخالقه، فتركز الاهتمام بالنص الديني حول قدرة الخالق على خلق هذا النص المقدس. والمتأمِّل في الخطاب النقدي العربي حول النص في دراسات القدماء كالجرجاني، وابن قتيبة، والجاحظ، وابن رشيق.. وغيرهم، يدرك اهتمامهم بالتركيز على المؤلف والمعنى الذي يقصده داخل النص، بوصفه مركزاً للعملية الإبداعية، فيقول الجاحظ: " لا خير في كلام لا يدل على معناك، ولا يشير إلى مغزاك، والى العمود الذي قصدت، والغرض الذي إليه نزعت. وظل هذا الاعتقاد الذي يُقصر عملية القراءة على تفسير المعني الذي يقصده المؤلف، ماثلاً في أذهان النقاد فترة طويلة، إلى أن ظهرت مدارس النقد مع بداية القرن العشرين، حيث أعلن رولان بارت عن موت المؤلف، وقال مقولته الشهيرة: إن ميلاد القارئ يجب أن يكون على حساب موت المؤلف، ويُعد هذا التحول إيذاناً بانكسار مركزية المؤلف، أو سلطة المؤلف، وانتقالها لمركزية النص، أو سلطة النص على أيدي البنيويين.

   فأي تأثير مسبق يمارسه الجمهور الذي يبحث عنه المُؤلِف ، على إنتاج النص ذاته ؟ وما الدور الذي تلعبه صورة المؤلف أو صدقه عند قراءة أعماله؟ وإلى أي حد يصبح حكمنا محتشمًا من خلال عمل فني موصوف كـ عمل كلاسيكي؟ 

   للمؤلف أهمية كبرى في الثقافات القديمة: العربية والغربية منها على السواء. فقد ركز النظر النقدي منذ عهد الإغريق على المؤلف والمبدع وعلى الإبداع( النص) دون أن يولي اهتمامًا حقيقيًا لدور المتلقي في فهم النص وتلقي رسالة المبدع، على الرغم من اهتمام النقد اليوناني بوظيفة الإبداع، وأثرها في القارئ أو المتلقي، من خلال نظرية المحاكاة عند أفلاطون وأرسطو، وأثرهما من الناحية الخلقية في التهذيب أو التعليم أو التطهير. بيد أن الاهتمام لم يتعد ذلك إلى مشاركة القارئ في قراءة النص أو شرحه أو تفسيره. 

  ويذهب رولان بارت إلى أن المؤلف شخصية حديثة النشأة. وهي من دون شك وليدة المجتمع الغربي. فقد تنبه عند نهاية القرون الوسطى، ومع ظهور النزعة التجريبية الإنجليزية، والعقلانية الفرنسية والإيمان الفردي الذي واكب حركة الإصلاح الديني إلى قيمة الفرد أو الشخص البشري كما يفضل أن يقال: من المنطقي إذاً أن تكون النزعة الوضعية في ميدان الأدب، تلك النزعة التي كانت خلاصة الإيديولوجية والرأسمالية ونهايتها، وهي التي أولت أهمية قصوى لشخصية المؤلف. 

  وهكذا أولت النزعة الإنسية الأوربية المؤلف منذ عصر النهضة اهتمامًا كبيرًا. ويعزى ذلك إلى عدة عوامل ذاتية وموضوعية، تتمثل في ظهور الكلاسيكية التي تمجد الإنسان المتخلق، والرومانسية التي تجعل من الفرد محورًا لها، بالإضافة إلى ظهور البورجوازية الفردية واللا توجيهية في مجال التربية ومبادئ حقوق الإنسان التي عبرت عنها الثورة الفرنسية. 

  ولقد رفضت الخطابات الأدبية والعلمية والنقدية في أوربا الاستغناء عن المؤلف نظرًا للدور المهم الذي يقوم به في عملية إثبات الانتماء، وتأكيد الهوية، وإضفاء الانتساب الجينيالوجي الحقيقي للإبداع أو العمل المنشور. فهذا ميشيل فوكوM.Faucault يرجع أصولها إلى القرن (17م) الأوربي، ليقول: أصبح مبدأ المؤلف يحد من عشوائية الخطاب بفعل هوية اتخذت شكل الفردية والأنا؛ ومن ثم صار الأنا مبدأ يجمع الخطاب ووحدة معانيه وأصلها. أي إن قيمة المؤلِّفأعلى من قيمة المؤلَّف. 

   إن تحديد " المؤلف" يضمن للعمل الأدبي اتساقه وانسجامه ووحدته الدلالية والتأليفية والسياقية. فعن طريق رصد بيوغرافيته وأعماله، يتمكن المحلل من فهم النصوص وتأويلها: شرحا وتفسيرا، عبر استنطاق الظروف والسيرة واستذكار مدلولات الأعمال الأخرى تناصيًا، لفهم كل ما يوجد تحت إرغام التشريح والدراسة والاختبار. واهتمت عدة مناهج نقدية بالمؤلف كالمنهج النفسي والمنهج التاريخي والمنهج الاجتماعي. وتم التركيز على حياة المبدع وطفولته وكهولته ووسطه الاجتماعي وثقافته وعلاقاته وأمراضه وعقده وأسراره... وهكذا أصبح ينظر إلى المؤلف على أنه ما يسمح بتفسير وجود أحداث معينة في نتاج ما، وما يفسر تحولاتها وانحرافاتها وتغيراتها المختلفة وذلك عبر سيرة حياته، ورصد وجهة نظره الفردية وتحليل انتمائه الاجتماعي وموقفه الطبقي واستخراج مشروعه الأساسي. إنه المبدأ الذي يسمح بتذليل التناقضات التي يمكن أن تظهر في سلسة من النصوص: يجب أن يكون هناك، في مستوى معين من فكره أو رغبته ، من وعيه أو لاوعيه، نقطة تنحل التناقضات انطلاقًا منها وتترابط العناصر المتنافرة بعضها ببعض، أو تنتظم حول تناقض أساس وأصل المؤلف بؤرة تعبيرية معينة تتجلى بالتساوي في النتائج وفي المسودات والرسائل. 

   فقد عمل المجتمع الرأسمالي على تثبيت هوية المؤلف بشتى الوسائل(تشريع حقوق المؤلف، وتحديد العلاقات بين المؤلفين والناشرين وضبط حقوق إعادة الطبع...)، ولا ننسى كذلك أن لانسون Lançon وتين Taine ركزا على ما يسمى بدكتاتورية المؤلف. وكان لهما تأثير كبير على النقد العربي الحديث من بداية القرن العشرين إلى منتصفه. 

   فالمؤلف مالك الأثر الأدبي والعمل الفني . وعلى علم الأدب أن يتعلم كيف يحترم المخطوط ويراعي نوايا المؤلف، كما أن المجتمع يسن قوانين تضبط العلاقة بين المؤلف وأعماله من خلال قانون " حقوق المؤلف" وهي قوانين حديثة العهد، حيث إنه لم تتخذ شكلها القانوني إلا مع الثورة الفرنسية.

   ومازال المؤلف حاضراً – حسب رولان بارت R.Barthes- في مطولات تاريخ الأدب، وترجمات الكتاب واستجوابات المجلات، بل ويتجلى هذا الحضور حتى في وعي الأدباء الذين يحرصون على ربط أشخاصهم بأعمالهم عن طريق مذكراتهم الشخصية. 

هذا ولقد استند النقد الأوربي الكلاسيكي لمدة طويلة على مرآة المؤلف في تأويل النصوص وتوثيقها اعتمادا على منظور الوسط ومقترب الشعور واللاشعور. لذا فصورة الأدب التي يمكن أن نلفيها في"الثقافة المتداولة تتمركز أساسا حول المؤلف وشخصه وتاريخه وأذواقه وأهوائه، ومازال النقد يردد في معظم الأحوال – يقول رولان بارت- بأن أعمال بودلير وليدة فشل الإنسان بودلير، وأن أعمال فان ﮔوخ وليدة جنونه، وأعمال تشايكوفسكي وليدة نقائصه. وهكذا يبحث دوما عن تفسير للعمل جهة من أنتجه، كما لو أن وراء مايرمز إليه الوهم بشفافية متفاوتة، صوت شخص وحيد بعينه هو المؤلف الذي يبوح بأسراره. 

   وإذا انتقلنا إلى الثقافة العربية الكلاسيكية سنجد أنها تمجد الفرد، وتحترم الملكية، وتحارب كل مظاهر الانتحال، والسرقة والادعاء، والإغارة ولوك أن ذلك تناصًا. 

   إذاً، فالثقافة العربية الكلاسيكية ترفض أي غياب للمؤلف، فلا بد من هويته الحضورية. ولكي يعتبر النص نصا ينبغي أن يصدر عنه، أو يرقى به إلى قائل يقع الإجماع على أنه حجة. حينئذ يكون النص كلاما مشروعا ينطوي على سلطة، وقولا مشدودا إلى مؤلف- حجة. 

    ويظل الخطاب مجال اهتزاز مقلق واستعداد احتمالي متوحش. ولن يوقف هذا التساؤل المحير ويحدد دلالة الخطاب العائمة إلا الانتساب إلى اسم بعينه: فكأن الخطاب إن لم يحمل اسم مؤلفه يكون مصدر خطورة ويصير أرضا غريبة تحار فيها الأقدام وتختلط الاتجاهات لغياب نقطة مرجعية مضمونة. 

   وهكذا يدرك الخطاب انطلاقا من الاسم الذي يوقعه. فالقطعة الشعرية تدرك انطلاقا مما نعرفه سابقا عن مؤلفها، والنادرة يختلف مفعولها بحسب نسبتها إلى ماجن أو رجل متزمت. 

   فمن المعروف أن علماء العربية وأدباءها القدماء كانوا لا يتعاملون إلا مع نصوص مؤلف حجة. يقول عبد الفتاح كيليطو:" من بين العوامل المحددة للنص غموض الدلالة كما أسلفنا وكذلك نسبة القول إلى مؤلف معترف بقيمته أي مؤلف يجوز أن تصدر عنه نصوص. ليس بإمكان أي واحد أن تعتبر أقواله نصوصا فإذا كان الكلام لا يحصى فإن النصوص- كما يقول ميشيل فوكو- نادرة. ومن جملة الأسباب التي تفسر هذه الندرة وجوب تحقيق شروط دقيقة لا يمكن بدونها أن يصير شخص ما مؤلفا يعتد بكلامه. 

   وأهم مرحلة في حياة المؤلف الحجة لقاؤه مع شيوخه لقاء مع من لهم الصلاحية ومن يعول عليهم في تبليغ النصوص. وبعد هذا اللقاء يمكنه، إذا أجازوه، أن يصبح في مستواهم وأن يبلغ بدوره النصوص التي تلقاها عنهم... فسواء كتب شعرا أو رسالة أو كتابا أو اكتفى بترديد ما حفظ، فإنه يمتلك نفوذا كبيرا لأنه يصبح أحد الأعمدة التي ترتكز عليها الثقافة، يعني أنه يفوه بنصوص تضاف إلى النصوص الأخرى المكونة للثقافة. والتحول الذي يحدث لقائل عندما يصبح مؤلفا حجة يظهر حتى في اسمه الذي ينسى ويبدل باسم آخر... فكأن المؤلف عندما يصبح حجة، يولد من جديد ويطلق عليه اسم جديد.. 

   ولم يكن يتصور المؤلف العصامي في ثقافتنا العربية الكلاسيكية. وكذلك الشخص المغمور ليس بإمكانه كتابة كتاب، وبالأحرى كتابة سيرة ذاتية. 

   ولقد سبب التناسخ واجترار الأقوال وتجميعها في مصنف واحد في تغييب المؤلف الحقيقي وإخفائه حتى صار من الصعب تحديده أو تمييز أسلوب مؤلف ما. يقول كيليطو في هذا الصدد:" إن القارئ الذي يسعى لمعرفة مؤلف نص، يعمد إلى تحديد الخصائص الأسلوبية التي ينطوي عليها النص فتقوده إلى اسم هذا المؤلف أو ذاك (...) بيد أنه من العسير الحديث في الثقافة العربية الكلاسيكية عن أسلوب خاص يميز فردًا بعينه. 

   ولقد استمر الاهتمام بالمؤلف بصفته ذاتًا عليا في الإبداع والإنتاج وتوثيق النصوص حتى ظهرت اللسانيات والبنيوية المغلقة لتعلن موت المؤلف. 

   وعلى الرغم من ذلك فثمة ثلاث مقاربات لفهم شخصية المؤلف: 

المقاربة الاقتصادية: وتسعى إلى ربط المؤلف شعوريا ولاشعوريا بفئته الاجتماعية التي ينتمي إليها طبقيا: بروليتاري- بورجوازي- بورجوازي صغير. وهي التي يستوحيها النقد الإيديولوجي ( الواقعية الجدلية- البنيوية التكوينية)؛ 

المقاربة القانونية: وتستند إلى بنود القوانين لتلح على حقوق المؤلف.إذ تنص الاتفاقية العالمية الموقعة بجنيف(6 أيلول 1952)، والمعدلة في باريس بتاريخ(24 تموز 1971) في مادتها الأولى على اتخاذ" كل التدابير اللازمة لضمان حماية كافية وفعالة لحقوقهم.[12]

المقاربة الأدبية: ترى أن النص هو مرآة لصاحبه ذاتيا أو موضوعيا، علاوة على أن المؤلف له صوت خاص وأسلوب معين في الكتابة كما قال بوفون Buffon : الأسلوب هو الرجل نفسه. 

وبعد هذا ننتقل للحديث عن المؤلف في مرحلة النص المغلق أو البنيوية اللسانية والسيميائية.

عودة المؤلف

   على الرغم من تلك النداءات التي تدعو إلى موت المؤلف وتغييره بالنص والقارئ، فإنها تظل نداءات بلا صدى، وتحمل في طياتها ثغرات منهجية وتصورات لا تشفي الغليل، ولا تشبع العقول، ولا تقنع النقاد والباحثين. فالنقد الأدبي عملية متكاملة عليها أن تلم بجميع جوانب النص الأدبي من مؤلف ونص وقارئ وواقع، وأي إقصاء لعنصر من هذه العناصر يجعل العمل الوصفي ناقصًا ومختلاً تعوزه الموضوعية والإحاطة الشاملة والاستقصاء العلمي. فإننا نميل إلى استغلال منهج متكامل يراعي جميع عناصر النص الإبداعي من ملحقات موازية داخلية وخارجية والبنى الدلالية والتركيبية والتداولية مع التركيز على الكاتب والنص والقارئ والواقع. 

  إن عودة المؤلف ضرورة منهجية وتأويلية بعد فشل المقاربات البنيوية ومناهج التقبل ونظريات التلقي، فكل منهج يهمل في بذرته نواقص فنائه. لهذا ينبغي أن نلم بجميع مكونات النص الأدبي الأساسية، وأن نستفيد من جميع النظريات الأدبية والنقدية القديمة والحديثة على السواء. 

   فهذا بارت نفسه يرى أن المؤلف ما تزال سلطته قائمة على الرغم من أنه أعلن موته، والنقد الجديد لم يعمل في أغلب الأحوال إلا على تدعيمها. 

   والدليل على أهمية المؤلف في مقاربة النص الإبداعي، تلك الضجة التي أحدثها الطلاب في فرنسا سنة 1968م بدعوتهم إلى سقوط البنيوية، لكونها تقتل الإنسان وتقصي التاريخ لحساب النص والنسق والنظام، ناهيك عن الأوهام التي وقعت فيها البنيوية لما حصرت عملها في التقعيد والوصف الموضوعي المجرد للبنية الداخلية للنص وما يتشابك فيها من علاقات. فقد اعتبرت البنيوية كما رأينا النص نظاما مغلقا لا علاقة له بالكاتب المبدع ولا بالتطور التاريخي. وفتح عليها كل هذا باب النقد على مصراعيه سواء من غير البنيويين كالنقد الوجودي على يدي سارتر والنقد التاريخي على يد الكثيرين منهم روجيه جارودي الذي رأى أن البنية من حيث هي مسلمة أولوية يجب أن تكون نقطة بداية لا نقطة انتهاء، ومن ثم فإن قولها بموت الإنسان هو ضد النزعة الإنسانية. فهناك من النقاد البنيويين أنفسهم من كان له الرأي نفسه، مثل: جوليا كريستيفا، وتودوروف، ورولان بارت، وجيرار جنيت، وفيليب سولرز، وجاك لاكان، وجاك دريدا ، وفوكو الذي أكد أنه من العبث أن ننكر وجود الكاتب أو المبدع. لذلك دعا إلى وجوب التفريق بين الذات الفردية للمؤلف وهي التي عدّ نكرانها من العبث، والذات المعرفية وهي التي يشترك فيها المؤلف مع ذوات أخرى. 

  تحمل عتبة " اسم المؤلف" دلالة كبيرة في إضاءة النص وتوضيحه. وحضور اسم الكاتب أو الشاعر أو الروائي يزكي العمل ويعطيه مشروعية التوثيق والترويج. وعبره يتعرف القارئ إلى المؤلَّفويكون أفق انتظار خاص كلما أصدر ذلك المبدع كتابا آخر. وهكذا فوجود المؤلف على غلاف الكتاب يعني حضوره والتعريف بالعمل وتوقيعه تجنبًا لكل ادعاء وانتحال وسرقة أدبية أو علمية. وينبغي أن نميز بين مؤلف لم يكتب إلا كتابًا واحدًا، وهذا لا يثير فضول القراء ولا يفسح أمامهم أي أفق انتظار، والمؤلف الذي كتب مؤلفات عديدة. وأثبت وجوده بأعماله السابقة. فهذا الكاتب ينتظره القراء باستمرار ويترقبون إصداراته الجديدة؛ لأنهم كونوا حوله تصورًا أسلوبيًا وأجناسيًا ودلاليًا. يقول فيليب لوجون PH. Lejeune بهذا الصدد:" ربما لا يصح المرء مؤلفًا إلا ابتداء من كتابه الثاني، عندما يغدو الاسم الشخصي الذي يوجد على الغلاف"العامل المشترك" الذي يجمع في الأقل نصين مختلفين. ويعطي، من ثم، فكرة شخص لا يمكن أن يرد على نص بعينه من هذه النصوص، ويمكنه أن ينتج نصوصًا أخرى فيتجاوزها جميعًا".

   إن تثبيت اسم المؤلف العائلي والشخصي سواء من الناشر أم المبدع نفسه أم النهج على خطة التقليد السائد في طبع الكتب والمنشورات، يراد منه تخليده في ذاكرة القارئ. وإن اسم أي مؤلف على الغلاف، لا يعدو كونه ركامًا من الحروف الميتة، فحين يرتقي اسم المؤلف إلى مستوى النص، فإنه ينتعش ويتحرك، ويهب نفسه بحق للقراءة. أما حين يقتصر وجوده على الغلاف، فلا يكون موضوع قراءة، بل علامة على أن المؤلف مشهور أو شبه معروف أو مجهول.

   تلك – إذن- أهم المحطات الأساسية التي عرفتها صورة المؤلف، التي يمكن اختزالها في ثنائية الإقصاء والإثبات أو ثنائية الاعتراف والإنكار، ولكن يبقى المؤلف عنصرًا ضروريًا لا يمكن الاستغناء عنه في أثناء مقاربة النصوص وتحليلها وتأويلها على الرغم من وجود ظاهرة التناص.

النــــص: 

  أعلنت البنيوية والسيميوطيقا موت المؤلف والمرجع، وغيَّرتهما بالنص أو العلامات اللغوية والبصرية. فإذا كانت البنيوية تقوم على التفكيك والتركيب، وتركز على النص في انغلاقه النسقي، فإن السيميوطيقا- باعتبارها علمًا للعلامات السمعية والأيقونية- لا تبالي بالمؤلف ولا بما يقوله النص، وما يهمها كيف قال النص ما قاله، أي شكل المضمون، وتستند إلى ثلاثة ثوابت منهجية: 

أ‌- التحليل البنيوي 

ب-التحليل المحايث 

ج - تحليل الخطاب. 

  والاتجاه نفسه تسير فيه دراسات الشكلانيين الروس التي تروم استكناه ثوابت النص وبناه العميقة في علاقتها بمظاهرها السطحية. 

   وهكذا أقصت البنيوية بصفة عامة الإنسان والتاريخ باسم البنية، والنظام، واللغة، والنسق، والعلامات. وقد أثبت الأنتروبولوجيون أن الحكاية في المجتمعات الإثنوغرافية لا يتكفل شخص بعينه بنقلها، بل يوجد رواة جماعيون. 

فمن الواضح –إذن- أن بعض الكتاب حاولوا خلخلة مملكة المؤلف منذ أمد طويل، ففي فرنسا، يعتبر ملارميه Mallarmé بلا شك أول من تنبأ بضرورة إحلال اللغة ذاتها محل من كان حتى ذلك الوقت يعد مالكًا لها. فاللغة في رأيه هي التي تتكلم وليس المؤلف، فالنقد عند ملارميه يدور بمجموعه حول إلغاء المؤلف لصالح اللغة والكتابة. 

   ويستعمل فاليري Valery الذي لم يكن يشعر بالارتياح داخل سيكولوجيا الأنا على إدخال بعض التغيير على نظرية ملارميه. ولكن بما أن ميله إلى النزعة الكلاسيكية كان يشده إلى دروس البلاغة، فإنه لم يتورع عن وضع المؤلف موضع سخرية واستهزاء وشك، ملحًا على الطبيعة اللغوية والعفوية لعمل المؤلف، ومؤكدًا من خلال كتاباته النثرية الطبيعة اللفظية للأدب، تلك الطبيعة التي كان يبدو معها أي لجوء إلى دواخل الكاتب مجرد خرافة. 

   و أزال بروست عن المؤلف سلطته العظيمة على الرغم من الطابع النفسي الظاهر في تحليلاته. إذ أدخل تشويشًا بلا هوادة على المنظور والسرد والعلاقة التي تربط الكاتب بشخصياته. 

   لقد أمد بروست الكتابة الحديثة بملحمتها التي تعتمد على انقلاب جذري في مجال الكتابة السردية، ولاسيما في روايته " بحثا عن الزمن الضائع". وعوض أن يضع حياته في أعماله كما يقال عادة، فإنه جعل من حياته نفسها عملاً أدبيًا كان كتابه نموذجًا عنها. 

  ولقد أسهمت الحركة السريالية في نزع الطابع القدسي الذي كانت تتخذه صورة المؤلف مادامت كانت تقول بمبدأ الكتابة المتعددة في مستوى التأليف. 

  وكانت الشكلانية الروسية السباقة إلى إقصاء المؤلف وعزله، والبحث عن النظام والبنيات الثاوية وراء الاختلاف فوق السطح النصي. ومن أهم أسس هذه الشكلانية الإنشائية أنها أدت باستقلال علم الأدب عن العلوم الإنسانية الأخرى؛ لأن شعرية النص بعيدة في نظرها " كل البعد عن أن تحتل الدور فيها المباحث النفسية والاجتماعية وغيرها مما له علاقة بالمؤلف المبدع والقارئ المتلقي. وهكذا طردت الشكلانية من عالمها النقدي ومنهجها التحليلي المؤلف. فللقبض على شعرية النص لا مجال للاعتماد على حياة المؤلف ونفسيته وصدقه أو كذبه وإلهامه، ولا لدراسة بيئته وجنسه، ولا للذاتية وأحكام القيمة، ولا لتقمص الناقد بأحكامه المعيارية تحسينًا أو تقبيحًا دور شخصية الرقيب وصاحب السلطة الجمالية المتحكمة في المبدع والمتلقي، لأن نقدًا من هذا القبيل لا يمكنه أن يحلّ محل تحليل علمي موضوعي لفن اللغة ووصفها. 

   وأعدمت اللسانيات والبنيوية المؤلف عندما ركزت على الدال والمدلول وأقصت المرجع وكل ما هو مادي خارجي عن المعطى اللغوي. وقد مكنت عملية تقويض المؤلف من أداة تحليلية ثمينة، وذلك عندما بينت أن عملية القول وإصدار العبارات عملية فارغة في محمولها، وأنها يمكن أن تؤدي دورها على أكمل وجه، دون أن تكون هناك صورة لإسنادها إلى المتحدثين: فمن الناحية اللسانية، ليس المؤلف إلا ذلك الذي يكتب، مثلما أن الأنا ليس إلا ذلك الذي يقول أنا: إن اللغة تعرف الفاعل، ولا شأن لها بالقائل أو الشخص. وهذا الفاعل الذي يظل فارغًا خارج عملية القول التي تحدده يكفي كي تقوم اللغة أي كي تستنفذ. 

   ويعد رولان بارت من النقاد الذين أعلنوا إفلاس المؤلف، وخاض صراعًا ضد ريمون بيكار في كتابه( النقد والحقيقة) مدافعًا عن النقد الجديد الذي لا يؤمن بسلطة الكاتب، مادام التناص يتحكم في النصوص الإبداعية، ومادام البحث عن المؤلف بحثا عن الناقد وإغلاقًا لكتابة وإعطاء مدلول نهائي للنص . فالنص لا ينشأ عن " رصف كلمات تولد معنى وحيدًا، ... وإنما هو فضاء متعدد الأبعاد تتمازج فيه كتابات متعددة وتتعارض، من غير أن يكون فيها ما هو أكثر من غيره أصالة: النص نسيج من الاقتباسات تنحدر من منابع ثقافية متعددة. إن الكاتب لا يمكنه إلا أن يقلد فعلاً هو دومًا متقدم عليه، دون أن يكون ذلك الفعل أصليًا على الإطلاق". 

   والبحث عن المؤلف هو قتل للنص واغتيال للذته، وتعدد دلالاته، وتحنيط قسري لوظيفته الجمالية. فعندما يبتعد المؤلف ويحتجب، فإن الزعم بالتنقيب عن " أسرار النص يغدو أمرًا غير ذي جدوى، ذلك بأن نسبة النص إلى مؤلف معناها إيقاف النص وحصره وإعطاؤه مدلولاً نهائيًا. إنها إغلاق الكتابة. وهذا التصور يلائم النقد أشد ملاءمة، إذ إن النقد يأخذ على عاتقه حينئذ الكشف عن المؤلف ( أو حوامله من مجتمع وتاريخ ونفس وحرية) من وراء العمل الأدبي. وبالعثور على المؤلف، يكون النص قد وجد تفسيره، والناقد ضالته. فلا غرابة إذن أن تكون سيادة المؤلف من الناحية التاريخية هي سيادة الناقد. كما لا غرابة أن يصبح النقد اليوم( حتى ولو كان جديدًا) موضع خلخلة مثل المؤلف. فالكتابة المتعددة لا تتطلب إلا الفرز والتوضيح، وليس فيها تنقيب عن الأسرار. 

ويقوم موت المؤلف عند بارت بوظيفة ثلاثية: 

أ‌- يسمح بإدراك النص في تناصه. 

ب- يبتعد بالنقد عن النظر في الصدق والكذب( عقيدة الأخلاق الأدبية، والتنقيب عن أسراره ليجعله مدركًا في لعبة أدلته). 

ت- يفسح المجال لتموضع القارئ ،إذ إن مولد القارئ يجب أن يدفع ثمنه انسحاب المؤلف. 

  إذن، فالبنيوية بجميع تياراتها ( الشكلانية-البنيوية- السيميوطيقا- المورفولوجيا الألمانية...) نزعة متعالية تلغي التاريخ، وتستلب الإنسان وتقيده بإسار النسق والبنية والنظام والعلامات. 

   ومع ما بعد البنيوية( جنيت، تودوروف ، كريستيفا، بارت) ننتقل إلى مرحلة أخرى هي مرحلة القارئ مادام بارت يؤكد أن" ميلاد القارئ رهين بموت المؤلف".

النــــص: 

أعلنت البنيوية والسيميوطيقا موت المؤلف والمرجع، وغيرتهما بالنص أو العلامات اللغوية والبصرية. فإذا كانت البنيوية تقوم على التفكيك والتركيب، وتركز على النص في انغلاقه النسقي، فإن السيميوطيقا- باعتبارها علما للعلامات السمعية والأيقونية- لا تبالي بالمؤلف ولا بما يقوله النص، وما يهمها كيف قال النص ما قاله، أي شكل المضمون، وتهدف السيميائية إلى الكشف عن البنيات العميقة المستترة وراء البنيات السطحية، وهي تعمل بالتفكيك والتركيب، وتتحرك عبر مستويين:

1 ـ مستوى سطحي.

2 ـ مستوى عميق.

   وتبحث في كليهما عن الدلالة. والدلالة هي شكل وليست مادة، وتقوم على مبدأ العلاقات. 

   تنطلق السيميائية من أن كل نص له شكل ومضمون، والنتيجة التي تريد الوصول إليها هي الكشف عن شكل هذا المضمون. فالسيميائية دراسة شكلانية للمضمون، تمر عبر الشكل لمساءلة الدوال من أجل معرفة دقيقة وحقيقية للمعنى؛ ومن ثمة تتطلب الاستقراء الداخلي للوظائف النصية التي تساهم في توليد الدلالة، أو البحث عن شكل الوظائف الدلالية داخل النص، أي كل ما هو حيثيات سوسيوتاريخية. ولا يهمه نفسية المبدع، فهو يشتغل على العلاقات المولدة، أي إن الدلالة لا توجد قبل القراءة وإنما تصطنع أثناء القراءة.

وتستند إلى ثلاثة ثوابت منهجية: 

أ‌- التحليل البنيوي: يركز المهتم بالدراسات البنيوية على البنية الداخلية للنص الأدبي، أي الاهتمام باللغة والجوانب الفنية و الجمالية بعيدًا عن المؤثرات الخارجية، ويركز التحليل البنيوي على الاهتمام بأدبية النص الأدبي أي ما يجعل من العمل الأدبي أدبًا .ويعتمد المنهج البنيوي في دراسته على ركيزتين هما: البنية وموت الكاتب؛ أي عدم الاهتمام بشخصيته ولا بالظروف المحيطة به، وقد استفادت البنيوية من علوم أخرى كاللسانيات والأنتروبولوجيا وعلم النفس، لكنها ظلت أداة للنظر وتحليل النصوص ولم تتطور إلى علم قائم بذاته.

ب-التحليل المحايث: والمقصود بالتحليل المحايث أن النص لا ينظر إليه إلا في ذاته مفصولاً عن أي شيء يوجد خارجه. والمحايثة بهذا المعنى هي عزل النص والتخلص من كل السياقات المحيطة به. فالمعنى ينتجه نص مستقل بذاته ويمتلك دلالاته في انفصال عن أي شيء آخر. 

ج - تحليل الخطاب. يهدف تحليل الخطاب إلى إعطاء وصف صريح للوحدات اللغوية تحت الدراسة، وذلك من خلال بعدين لهذا الوصف هما: 

النص: Text يعنى بنية الخطاب الداخلية التي تتآلف منها المفردات، والتراكيب، والجمل. 

السياق: Contexويعنى دراسة الخطاب في ضوء الظروف الخارجية والمؤثرات المباشرة عليه وظروف إنتاجه، والخطاب الصحفي خطاب اجتماعي يرتبط بالمجتمع الذي يوجه إليه ويحمل قيمه.

كما يهدف تحليل الخطاب إلى فك شفرات النص؛ وذلك بالتعرف إلى ما وراءه من افتراضات أو ميول فكرية أو مفاهيم؛ فتحليل الخطاب محاولة للتعرف إلى الرسائل التي يود النص أن يرسلها، ويضعها في سياقها التاريخي والاجتماعي، وهو يضمر في داخله هدفًا أو أكثر، وله مرجعية أو مرجعيات وله مصادر يشتق منها مواقفه وتوجهاته، إن الخطاب أكبر من النص، وأشمل من الأيديولوجيا، ويؤثر في نوعية اللغة وكيفية استخدامها. 

  يتطلب تحليل الخطاب استرجاع الظروف التي أدت إلى إنتاج النص، وهو ما نسميه بتحليل السياق؛ فالسياق جزء أساسي من عملية تحليل الخطاب، لا تعتمد العمليات الاتصالية فقط على السياق حتى تفهم، بل إنها تغير ذلك السياق، ويمكن أن ننشئ داخل السياق النصي سياقًا آخر له مسرده الخاص من المؤشرات، وبالفعل يمكن إقحام سياقات جديدة داخل السياقات المركبة. 

  والاتجاه نفسه تسير فيه دراسات الشكلانيين الروس التي تروم استكناه ثوابت النص وبناه العميقة في علاقتها بمظاهرها السطحية. 

  وهكذا أقصت البنيوية بصفة عامة الإنسان والتاريخ باسم البنية، والنظام، واللغة، والنسق، والعلامات. وقد أثبت الأنتروبولوجيون أن الحكاية في المجتمعات الإثنوغرافية لا يتكفل شخص بعينه بنقلها، بل يوجد رواة جماعيون. 

  فمن الواضح –إذاً- أن بعض الكتاب حاولوا خلخلة مملكة المؤلف منذ أمد طويل، ففي فرنسا، يعد ملارميه Mallarmé بلا شك أول من تنبأ بضرورة إحلال اللغة ذاتها محل من كان حتى ذلك الوقت يعد مالكا لها. فاللغة في رأيه هي التي تتكلم وليس المؤلف، فالنقد عند مالارميه يدور بمجموعه حول إلغاء المؤلف لمصلحة اللغة والكتابة. 

   ويستعمل فاليري Valery الذي لم يكن يشعر بالارتياح داخل سيكولوجيا الأنا على إدخال بعض التغيير على نظرية ملارميه. ولكن بما أن ميله إلى النزعة الكلاسيكية كان يشده إلى دروس البلاغة، فإنه لم يتورع عن وضع المؤلف موضع سخرية واستهزاء وشك، ملحًا على الطبيعة اللغوية والعفوية لعمل المؤلف، ومؤكدًا من خلال كتاباته النثرية الطبيعة اللفظية للأدب، تلك الطبيعة التي كان يبدو معها أي لجوء إلى دواخل الكاتب مجرد خرافة. 

   وأزال بروست عن المؤلف سلطته العظيمة على الرغم من الطابع النفسي الظاهر في تحليلاته. إذ أدخل تشويشًا بلا هوادة على المنظور والسرد والعلاقة التي تربط الكاتب بشخصياته. 

لقد أمد بروست الكتابة الحديثة بملحمتها التي تعتمد على انقلاب جذري في مجال الكتابة السردية ولاسيما في روايته " بحثا عن الزمن الضائع". وعوض أن يضع حياته في أعماله كما يقال عادة، فإنه جعل من حياته نفسها عملاً أدبيًا كان كتابه نموذجًا عنها. 

  وكانت الشكلانية الروسية السباقة إلى إقصاء المؤلف وعزله، والبحث عن النظام والبنيات الثاوية وراء الاختلاف فوق السطح النصي. ومن أهم أسس هذه الشكلانية الإنشائية أنها أدت باستقلال علم الأدب عن العلوم الإنسانية الأخرى لأن شعرية النص بعيدة في نظرها " كل البعد عن أن تحتل الدور فيها المباحث النفسية والاجتماعية وغيرها مما له علاقة بالمؤلف المبدع والقارئ المتلقي. وهكذا طردت الشكلانية من عالمها النقدي ومنهجها التحليلي المؤلف. فللقبض على شعرية النص لا مجال للاعتماد على حياة المؤلف ونفسيته وصدقه أو كذبه وإلهامه، ولا لدراسة بيئته وجنسه، ولا للذاتية وأحكام القيمة، ولا لتقمص الناقد بأحكامه المعيارية تحسينًا أو تقبيحًا دور شخصية الرقيب وصاحب السلطة الجمالية المتحكمة في المبدع والمتلقي، لأن نقدًا من هذا القبيل لا يمكنه أن يحل محل تحليل علمي موضوعي لفن اللغة ووصفها. 

   وأعدمت اللسانيات والبنيوية المؤلف عندما ركزت على الدال والمدلول وأقصت المرجع وكل ما هو مادي خارجي عن المعطى اللغوي. وقد مكنت عملية تقويض المؤلف من أداة تحليلية ثمينة، وذلك عندما بينت أن عملية القول وإصدار العبارات عملية فارغة في محمولها، وأنها يمكن أن تؤدي دورها على أكمل وجه، دون أن تكون هناك صورة لإسنادها إلى المتحدثين: فمن الناحية اللسانية، ليس المؤلف إلا ذلك الذي يكتب، مثلما أن الأنا ليست إلا ذلك الذي يقول أنا: إن اللغة تعرف الفاعل ولا شأن لها بالقائل أو الشخص. 

   ويعد رولان بارت من النقاد الذين أعلنوا إفلاس المؤلف، وخاض صراعًا ضد ريمون بيكار في كتابه( النقد والحقيقة) مدافعًا عن النقد الجديد الذي لا يؤمن بسلطة الكاتب، بالنظر إلى أن التناص يتحكم في النصوص الإبداعية، وأنّ البحث عن المؤلف هو بحث عن الناقد وإغلاق للكتابة وإعطاء مدلول نهائي للنص . فالنص لا ينشأ عن " رصف كلمات تولد معنى وحيدًا، معنى لاهوتيًا إذا صح التعبير ، وإنما هو فضاء متعدد الأبعاد تتمازج فيه كتابات متعددة وتتعارض، من غير أن يكون فيها ما هو أكثر من غيره أصالة: النص نسيج من الاقتباسات تنحدر من منابع ثقافية متعددة. إن الكاتب لا يمكنه إلا أن يقلد فعلاً هو دومًا متقدم عليه، دون أن يكون ذلك الفعل أصليًا على الإطلاق". 

والبحث عن المؤلف هو قتل للنص واغتيال للذته، وتعدد دلالاته، وتحنيط قسري لوظيفته الجمالية. فعندما يبتعد المؤلف ويحتجب، فإن الزعم بالتنقيب عن " أسرار النص يغدو أمرًا غير ذي جدوى، ذلك بأن نسبة النص إلى مؤلف معناها إيقاف النص وحصره وإعطاؤه مدلولاً نهائيًا. إنها إغلاق الكتابة. وهذا التصور يلائم النقد أشد ملاءمة، إذ إن النقد يأخذ على عاتقه حينئذ الكشف عن المؤلف ( أو حوامله من مجتمع وتاريخ ونفس وحرية) من وراء العمل الأدبي. وبالعثور على المؤلف، يكون النص قد وجد تفسيره، والناقد ضالته. فلا غرابة إذاً أن تكون سيادة المؤلف من الناحية التاريخية هي سيادة الناقد. كما لا غرابة أن يصبح النقد اليوم( حتى ولو كان جديدًا) موضع خلخلة مثل المؤلف. فالكتابة المتعددة لا تتطلب إلا الفرز والتوضيح، وليس فيها تنقيب عن الأسرار. 

ويقوم موت المؤلف عند بارت بوظيفة ثلاثية: 

أ‌- يسمح بإدراك النص في تناصه. 

ب- يبتعد بالنقد عن النظر في الصدق والكذب( عقيدة الأخلاق الأدبية، والتنقيب عن أسراره ليجعله مدركا في لعبة أدلته). 

ت- يفسح المجال لتموضع القارئ ،إذ إن مولد القارئ يجب أن يدفع ثمنه انسحاب المؤلف. 

إذن، فالبنيوية بجميع تياراتها ( الشكلانية-البنيوية- السيميوطيقا- المورفولوجيا الألمانية...) نزعة متعالية تلغي التاريخ وتستلب الإنسان وتقيده بإسار النسق والبنية والنظام والعلامات. 

ومع ما بعد البنيوية( جنيت، تودوروف ، كريستيفا، بارت) ننتقل إلى مرحلة أخرى هي مرحلة القارئ مادام بارت يؤكد أن" ميلاد القارئ رهين بموت المؤلف.

القــــــارئ: 

إذا كانت البنيوية اللسانية أغفلت المؤلف والطبقة الاجتماعية والتاريخ وكل ما يمت إلى المرجع بصلة، فإن البنيويين الجدد( التفكيكيون- الشكلانيون الجدد) مثل: تودوروف ودريدا وكرستيفا ورولان بارت أولوا أهمية بالغة للقارئ؛ لما له من صلة وثيقة بفهم النص ودور المبدع وطبيعة اللغة. وظهرت نظريات كبرى تركز على أهمية القارئ مثل: النظريات الاجتماعية، ونظريات التخاطب، ونظريات الاتصال. 

يمكن تحديد الالتفاتات الأولى لدور القراء، في ما نجده في النقد الأدبي الإنجليزي على عهد ( إدجار ألان بو)، وما كتبه ( شارل بودلير) والشاعر الرمزي ( بول فاليري) الذي قال: لأشعاري المعنى الذي تحمله عليه.

وقد برزت العناية الحقيقية بالقارئ مع سوسيولوجية روبير إسكاربيت(Robert Escarpit) الذي يرى أن الكاتب إنما يكتب لقارئ أو لجمهور من القراء، فهو عندما يضع أثره الأدبي، يدخل به في حوار مع القارئ. وللكاتب من هذا الحوار نوايا مبيتة يريد إدراكها، فهو يرمي إلى الإقناع أو إلى المد بالأخبار أو الإثارة أو التشكيك أو زرع الأمل أو اليأس. ومما يبرهن على أن الكاتب يرمي بالإنشاء الأدبي إلى ربط الصلة بالقارئ أنه يعمد إلى نشر أعماله. ومن هنا رأى إسكاربيت أن حياة الأعمال الأدبية تبدأ من اللحظة التي تنشر فيها، إذ هي، في ذلك الحين تقطع صلتها بكاتبها لتبدأ رحلتها مع القراء. 

وترتكز سوسيولوجية إسكاربيت على البحث في الشروط المادية والنفسية والمؤسسية لمباشرة القراءة. وهنا يتفق إسكاربيت مع جان بول سارتر(Sartre) الذي أكد أن الجمهور للأثر انتظار، وهو يعني بذلك أن الأثر يحيا، قبل اتصاله بالجمهور، حياة تقديرية، فهو ، قبل النشر، موجود بالقوة، وهون بعد النشر، موجود بالفعل... 

ومن أهم نظريات القراءة نجد فينومنولوجية القراءة مع جان بول سارتر التي وضحها في كتابه( ما الأدب؟). ففيه يقدم إجابة كاملة عن القراءة وماهية الكتابة ووظيفتها من خلال تفاعل الذات والموضوع، كما نجد تجريبية القراءة مع روبير إسكاربيت وجاك لينهاردت J. Leenhardt وبيير جوزا Pierre Joza، وشعرية القراءة مع ميشيل شارلM.Charles ، ونظرية التقبل مع ياوس Yaussوإيـزر Iser (مدرسة كونستانس) أو ما يسمى بجمالية القراءة، وسيميولوجية القراءة مع رولان بارت وأمبرطو إيكو. وثمة نظريات أخرى مثل نظرية التخاطب حيث يتوقع المرسل ( الأديب) من القارئ " أن يقوم بالتأويل أثناء القراءة وينتظر منه أن يثري البلاغ الأدبي بإضافات شخصية من عنده يسلطها عليه. ولأن التخاطب الأدبي غامض في أساسه، يعمد القارئ، كلما واجه نصا أدبيا، إلى امتحانه، فاختبر قدراته على تحمل المعاني الإضافية بموجب ماركب فيه من مواطن غامضة تتحمل التأويل. ومن هنا كان الأثر الأدبي في نظرية التخاطب، أثرا مفتوحا يستدعي التأويلات العديدة ويتقبلها فيزداد بها ثراء على ثرائه. 

وتعتبر جمالية التقبل من أهم النظريات المعاصرة التي اهتمت بالقارئ والقراءة، ونشأت هذه النظرية في ألمانيا الغربية وتنسب لجامعة كونستانس ومن ممثليها ياوس وإيزر. وقد بلورت هذه المدرسة مجموعة من المفاهيم الأساسية كأفق الانتظار والمسافة الجمالية والقارئ الضمني وفعل القراءة والقطب الفني والقطب الجمالي ومرحلة استجماع المعنى ومرحلة الدلالة. 

ولا ننسى كذلك سيميولوجية القراءة مع رولان بارت التي اهتمت بالقارئ والقراءة ولذة النص، واعتبر بارت أن الناقد الجديد ليس سوى قارئ عليه أن يعيد إنتاج النص مرة أخرى، وأن على المؤلف أن ينسحب ليحل القارئ محله. فالنقد في نظره قراءة. وميلاد القارئ مرتبط بموت الكاتب. إن النص " يتألف من كتابات متعددة، تنحدر من ثقافات عديدة، تدخل في حوار مع بعضها البعض، وتتحاكى وتتعارض، بيد أن هناك نقطة يجتمع عندها هذا التعدد. وليست هذه النقطة هي المؤلف، كما دأبنا على القول، وإنما هي القارئ: القارئ هو الفضاء الذي ترتسم فيه كل الاقتباسات التي تتألف منها الكتابة دون أن يضيع أي منها ويلحقه التلف. فليست وحدة النص في منبعه وأصله وإنما في مقصده واتجاهه. بيد أن هذا الاتجاه لم يعد من الممكن أن يكون شخصيا: فالقارئ إنسان لا تاريخ له ولا حياة شخصية ولا نفسية. إنه ليس إلا ذاك الذي يجمع فيما بين الآثار التي تتألف منها الكتابة داخل نفس المجال.

هذه –إذاً- أهم النظريات حول القراءة والقارئ، وتبيان لدورها في انبناء النص واستهلاكه والتلذذ به وإعادة إنتاجه. وقد تكون القراءة مغلقة أو مفتوحة حسب مرجعيات القارئ الثقافية وظروفه النفسية والاجتماعية. 

الواقع/ المرجع

يُعد سؤال الأدب والواقع/ المرجع من الأسئلة المركزية في نظرية الأدب، ويمكن التعبير عن علاقة الأدب بالمرجع أو الواقع من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية:

إلى ما يُحيلُ الأدب؟ ما علاقة الأدب بالواقع؟ هل الأدب محاكاة للواقع؟ أم هو نفي للواقع وضرب من التعالي؟ 

لعل أفلاطون هو أول من أول من تعرض باستفاضة لمسألة العلاقة بين الفن عمومًا والواقع، في سياق نظريته في الفن كمحاكاة. وعلى الرغم من أن مذهب أفلاطون يُعرَف عند المتخصصين على أنه "واقعية ميتافيزيقية"، إلا أن هذه الواقعية هي شيء آخر غير الواقع الذي نعرفه والذي يتمثل في الوجود أو العالم الذي نحيا فيه، وهو الواقع الذي يظل منبوذًا عند أفلاطون باعتباره يمثل عالم الوهم والزيف والخداع: ذلك أن الوجود الحقيقي عند أفلاطون هو وجود " المثُل" أي الأفكار والمعاني التي تعبر عن حقيقة الموجودات الواقعية الجزئية العابرة التي هي أشبه بوهم. وعلى هذا، فإن الفنان أو الأديب يجب ألا يصور هذه الموجودات الجزئية؛ لأنها ليست هي الأصل وإنما نسخة من الأصل الذي هو "المثال"، وإلا جاء عمله أشبه بنسخة من نسخة. فينبغي على الفنان إذن أن يحاكي المثال الذي يوجد عند أفلاطون وجودًا واقعيًا في عالم سماوي مفارق، ولهذا تُسمى واقعيته بالواقعية الميتافيزيقية. غير أن هذا المثال يظل في النهاية مجرد فكرة تغيب عنها تفاصيل الحياة والموجودات الواقعية كما توجد في زمان ومكان ما. وبذلك يظل مذهب أفلاطون في الفن والأدب يتنكر للواقع الذي نعرفه والذي نحياه. 

وعلى الرغم من أن أرسطو عالج الكثير من وجوه القصور في مذهب أفلاطون، وجعل المثال أو الفكرة مباطنة في الواقع، أي في الموجودات الواقعية، إلا أنه لم يستوعب العلاقة الجدلية بين الأدب والواقع، وظل ينظر إلى الأدب أو إلى التراجيديا- التي هي أصل كل أدب وفن عند القدماء- من خلال منظور أخلاقي، باعتبارها نوعًا من التطهير لمشاعرنا وحياتنا النفسية، بتفريغ الزائد وإيقاظ الساكن منها.

وقد فرضت العلاقة بين الأدب والواقع ذاتها بقوة على الفكر الجمالي الحديث، وخاصة لدى الفيلسوف الألماني الكبير هيجل: فلقد رأى هيجل الفن باعتباره "التجلي المحسوس" للفكرة أو الروح، وهذا يعني أن الفن (بما في ذلك الأدب) هو تجسد واقعي للفكر أو الوعي، أي للروح الكلي الذي يسري في الوجود. ولكننا نعلم أن الروح الكلي- وفقًا لهيجل نفسه- لا يتخذ صورةً واحدة، وإنما هو يتطور ويتخذًا صورًا مختلفة عبر مسيرته الزمنية؛ وبذلك تصبح الأشكال الفنية والأدبية، على تنوعها، بمثابة الصور التي يتجلى فيها الروح أو الوعي في الواقع، ويحاول من خلالها أن يعي ذاته وحريته. وهذا هو ما يسميه هيجل "بالأرواح القومية"؛ فكل حالة من حالات تحقق أو تجسد الروح في الواقع في مرحلة تاريخية ما، هي بمثابة "الروح القومي" أو "روح الشعب" الذي هو بمثابة طابع خاص يتمثل في حياة الأمة الأخلاقية وحكومتها أو نظامها السياسي والاقتصادي: فالروح هنا يتم التعبير عنه من خلال التنظيم السياسي، مثلما يتم التعبير عنه من خلال الفن والدين. ولذلك، فإذا كانت دور العبادة، تتخذ أشكالاً فنية مختلفة عبر العصور، فما ذلك سوى لأنها تعبر عن صور مختلفة من الوعي بالألوهية، أي أنها تجسيد لإحساس شعب ما بالألوهية اضطلع به فنان ما. كذلك، فإن كان الشعر يحمل طابعًا إنسانيًا عامًا عبر العصور باعتباره يعبر عن الكلي، فإنه- كما يخبرنا هيجل- يعبر أيضًا، من خلال الأفكار وأساليب رؤية الأشياء، عن طابع قومي خاص بواقع شعب ما، بل إن هذا التنوع والاختلاف في شعر القوميات يمكن أن يحدث في شعر القومية الواحدة تبعًا لاختلاف الفترات التاريخية؛ لأن كل عصر له أسلوبه الخاص في الشعور ورؤية العالم. 

على أن العملية التطورية لمسار الروح أو الوعي في التاريخ، والتي يتغير الواقع ويتطور وفقًا لها، هي عملية جدلية؛ ذلك أن المنطق الذي يحكم مسار تطور الوعي عند هيجل هو منطق التغير والسلب أو التناقض. ولو أخذنا مثالاً على ذلك : حركة التاريخ من خلال حركة ومسار الوعي بالحرية، فإننا نلاحظ أنه كان هناك في البداية إثبات لحرية الحاكم وسلبها عن المواطنين، ثم إثبات الحرية للمواطن وسلبها عن بقية الناس، ثم إثبات الحرية لكل الناس، وهذا التغير والتطور يحدث من خلال جدل وصراع الأضداد: فالمواطن المسلوب حريته يسعى لتحقيقها، فإذا ما تحققت له، أصبحت هناك فئة في مقابله مسلوب حريتها، فتكافح من أجل نيل تلك الحرية، ومن خلال هذه العملية الجدلية يسعى الروح أو الوعي إلى تحقيق ذاته واكتمال حريته. وإن شيئًا شبيهًا بهذا يحدث في مجال الفن والأدب: فالفن في مرحلة تطوره المبكرة اتخذ طابعًا رمزيًا، يغلب عليه التعبير الغامض الذي تبدو فيه العلاقة بين الشكل والمضمون تعسفية؛ نظرًا لتعامله بالمادة الصلدة الكثيفة المعتمة، ونموذج الفن في هذه المرحلة هو المعمار الشرقي القديم. وفي المرحلة الكلاسيكية كان التعبير الواضح من خلال التوازن بين الشكل والمضمون، ونموذج هذه المرحلة هي فن النحت عند اليونان والرومان. أما في المرحلة الرومانتيكية، فقد تحرر المضمون الروحي من أسر المادة الكثيفة، وكان تألق الفنون التي تتعامل بالمادة الطيعة التي تشف عن المضمون، وخاصة الموسيقى والشعر.

ومع ذلك كله، تظل عملية التطور التاريخي للفن والأدب في دنيا الواقع مرهونة بالتطور الذي يحدث في مجال الروح أو الوعي. غير أن هذا الموقف بعينه كان مثار نقد الماركسيين لمذهب هيجل هنا: فعلى الرغم من إعجابهم بمنهج الجدل عند هيجل الذي يقوم على السلب والتناقض، إلا أنهم رأوا - على غرار معلمهم ماركس- أن الجدل عند هيجل يقف على رأسه، وعلينا أن نقلبه رأسًا على عقب، حتى يعتدل. ومعنى هذا أن الروح أو الوعي ليس هو الذي يوجه تاريخ العالم ومسار تطوره، بل إن الأحوال الاقتصادية في أي مجتمع هي التي تحدد طريقة تفكير أهله وسائر أسباب حياتهم؛ فليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، بل إن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم (مع الأخذ في الاعتبار بأن الوجود الاجتماعي عند ماركس يتحدد بشكل أساسي من خلال الواقع المادي، أي من خلال قوى الإنتاج وعلاقات الملكية في المجتمع). وعلى هذا يقوم موقف الماركسيين من علاقة الفن عمومًا (والأدب خصوصًا) بالواقع. حقًا إن الماركسيين لا يتخذون موقفًا واحدًا دائمًا، ولكنهم- في معظمهم على الأقل- ينظرون إلى السياق الاجتماعي الذي يمثل الموقف الطبقي للفنان والجمهور باعتباره الموقف الذي يحدد أسلوب الفن المنتَج، ويرون أن ما يُسَّمى بالفن الجميل إنما هو فن الطبقة العليا، في مقابل الفن الجماهيري الذي هو فن الشعب، أي فن البروليتاريا/ الطبقة العاملة. ولكن المعضلة هنا تكمن في تبرير لماذا تتجاوز بعض الأعمال الفنية والأدبية سياقها التاريخي ووضعها الاجتماعي الطبقي الذي صاحبها. وهذه المعضلة قد فطن إليها ماركس نفسه: إذ لاحظ أن الملحمة، بل الفن عمومًا عند الإغريق، يرتبط ببعض الأشكال الاجتماعية التي كانت سائدة في عصرهم، ومع ذلك فإنه يرى أننا نجد صعوبة في أن نفسر لماذا لا تزال تلك الأعمال الفنية تقدم لنا متعةً ونماذجَ لا تُضَاهى. هذه المعضلة أدركها ماركس، ولكنه لم يوفق هو وأتباعه في حلها أبدًا؛ ذلك أنهم جميعًا- فيما يرى هنري أرفون- ظلوا عبيد ميولهم السياسية، فلم يستطيعوا التخلي عن النظر للعمل الفني من خلال الواقع المادي للإطار الطبقي الذي ينتمي إليه العمل؛ ولهذا كان تقدير ماركس للأدباء والفنانين تحدده عوامل تقع خارج إطار القيم الفنية والجمالية للعمل، فحكمه الأدبي فيما يتعلق بالمعاصرين- عل سبيل المثال- يحدده موقفهم السياسي، حتى إنه لَيقدِّر تقديرًا خاصًا شعراء من الطبقة الثانية، باعتبارهم يناضلون في سبيل الحرية. 

إذا كنا قد أكدنا من قبل على ما هنالك من صلة وثيقة بين الفن والواقع، فلا شك أن الأدب من بين الفنون جميعًا هو أكثرها التصاقًا بالواقع: ذلك أن الأدب يتعامل بالكلمة، والكلمة هي أكثر الوسائط الفنية قدرةً على تصوير وتشخيص واقع الإنسان، بها يحيا ويتعامل مع مفردات الحياة اليومية، بل مع أمانيه وتطلعاته وأحلامه: إنها- باختصار- تشكل عالم الإنسان ومجمل وجوده. 

وهنا لا بد أن نتساءل: وما المقصود بالواقع؟ وعلى أي نحو يعبر الأدب عن الواقع؟ إن كلمة "الواقع" إنما تُقَال على أنحاء شتى: فهل المقصود بالواقع هنا الواقع الاقتصادي أم الاجتماعي أم السياسي، أم مجموع ذلك كله؟ إن الماركسيين على سبيل المثال ينظرون إلى الواقع باعتباره الواقع الاجتماعي السياسي، ويعتبرون هذا الواقع نتاجًا للواقع الاقتصادي السائد في مرحلة تاريخية معينة، ولقد رفضنا هذا التصور للواقع الذي يتم اختزال العمل الفني أو الأدبي إليه، وتقدير قيمته على أساس من مدى تعبيره عن هذا الواقع.

غير أن هذا التصور للواقع -من حيث صلته بالأدب- ليس هو التصور الوحيد في هذا الصدد: فالواقعي في الفن والأدب عند سارتر، إنما هو الموضوع الفيزيقي، كالألوان والخطوط في اللوحة، والآلات في العمل الموسيقي والأصوات الصادرة عنها. أما الموضوع الجمالي عنده (كما يتجلى في الفنون الجميلة التي تشمل الشعر والرواية والدراما خاصة من بين فنون الأدب)، فهو الموضوع الخيالي، أي موضوعًا يتحقق ويُدرَك في الخبرة على مستوى الخيال. ولكي يتجلى الموضوع الجمالي الخيالي، فإن الموضوع الفيزيقي الواقعي لا بد أن يتوارى، بل لا بد أن يتم إعدامه (إذا استخدمنا مصطلح سارتر). وعلى نفس النحو فإن استحواذ الموضوع الفيزيقي على الوعي (كالألوان والخطوط والكلمات وأدوات العزف الموسيقي) يعني تلاشي الموضوع الخيالي (أي الموضوع الجمالي): فلكي يظهر الموضوع الجمالي المتخيل، ينبغي أن يختفي الموضوع الفيزيقي الواقعي، والعكس صحيح. فالشاعر عند سارتر يستخدم الكلمات، مثلما يستخدم المصور الألوان؛ فالكلمات هنا ليست بمثابة أدوت تُستخدَم لتشير إلى شيء خارجها، بل لها حضور كحضور الأشياء: إنها تشبه العشب والأشجار. كذلك فإن أحداث الدراما وشخوصها هي موضوعات تحيا على مستوى الخيال، وهذا يفسر لنا الخطأ الذي يقع فيه بعض النقاد حينما يبحثون عن أحداث واقعية مناظرة لتلك الأحداث التي ترد في سياق الرواية، وهو نفس الخطأ الذي يقع فيه بعض مؤرخي الفن حينما يلقون الضوء على حياة النماذج التي يصورها الفنان أو الأديب، بدعوى أن هذا يؤدي إلى استنارة الجمهور، كما هو الحال حينما يلقون الضوء على شخصية هاملت كما لو كانت شخصية واقعية: فالحقيقة أن الشخصية المصورة في العمل تظل تحيا على مستوى الوجود التخيلي المثالي، حتى إذا كان هناك وجود لشخصية هاملت بالفعل من الناحية التاريخية، والممثل المسرحي بدوره يجسد شخصية هاملت كما صورها شكسبير. مثل هذه الاستخدام للكلمات لتصوير موضوع جمالي متخيل، يختلف تمامًا- فيما يرى سارتر- عن لغة النثر الخالصة التي يستخدم فيها الكاتب الكلمات ليشير إلى واقع ما يكون ملتزمًا به. وتفرقة سارتر في هذه الصدد معروفة في كثير من كتاباته الجمالية، وخاصة "ما هو الأدب؟".

وعلى الرغم من أننا نقر- مع سارتر- بأن الموضوع الجمالي (في الفن والأدب على السواء) هو موضوع خيالي بالضرورة، ولكننا نقبل هذا الكلام فقط إذا كنا نتحدث عن أسلوب وجود الموضوع الجمالي (أعني عن الموضوع الجمالي الأدبي- على سبيل المثال- من حيث وضعه الأونطولوجي)؛ ولكن ما لا يمكننا أن نقبله، إنما هو القول بأن الموضوع الجمالي المتخيل يكون منفصلاً تمامًا عن الواقعي، وأن حضوره وظهوره يعني إلغاء الموضوع الواقعي: فالمتخيل لا ينفصل عن الواقعي بكل حضوره الفيزيقي المحسوس، بل يمكن القول إن الموضوع الواقعي يكون بمثابة الأرضية التي يتأسس عليها الموضوع الجمالي المتخيل. وعلى هذا، فإننا إذا كنا قد رفضنا التصور الماركسي الذي يقدم لنا صورة ساذجة لعلاقة الأدب بالواقع باعتبارها علاقة مباشرة، فإننا بدورنا نرفض أيضًا تلك الرؤية السارترية المضادة للتصور الماركسي؛ لأنها تصور لنا علاقة الموضوع الجمالي الأدبي بالواقع على أنها علاقة انفصال.

والرأي عندنا أن الأدب لا يستغني عن الواقع، فهو يبدأ منه ليخصبه برؤية جديدة مغايرة، تعيده إلينا وقد تحرر من تفاهاته وتخلص من سطحيته ومباشرته، وهذا هو ما أقصده بالعلاقة الجدلية بين الأدب والواقع، وإيضاحه يحتاج إلى شيء من التفصيل:

   إننا نفهم الواقع بالمعنى الواسع الذي لا ينحصر في الواقع السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي، وإنما يشمل العالم الذي يعيش فيه المرء، ولا شك أن اللغة هي جزء أساسي من هذا العالم الذي يعيش فيه الإنسان، يُضفي عليه طابع من الخصوصية والألفة. ولكن عالم الإنسان أيضًا يتماس مع عوالم أخرى أكثر اتساعًا، تحيط به في شكل دوائر تتسع وتتباعد باستمرار، والإنسان يكون مبدعًا بقدر ما يكون قادرًا على تصوير عالمه الخاص على نحو يمكِّنه في الوقت ذاته من الانفتاح على هذه العوالم الأخرى بحيث يصبح ما هو خاص (أعني ما يكون مرتبطًا بواقع ما) قابلاً للتلقى لدى البشر الآخرين الذين يحيون في تلك العوالم، وتلك هي المهمة التي يضطلع بها المبدع والفنان عمومًا، وهذا أيضًا هو ما أقصده من مفهوم "عالمية الفن"

   كل فنان يحمل بلا شك هموم واقعه أو عالمه الخاص، ويحمل مع هذا موروثه الثقافي والفني ممثلاً في أسلوبه في رؤية العالم، بل في المادة الخام التي يتعامل بها، والأدوات الفنية التي تخص بيئته. وتزداد الصلة بين المبدع وواقعه في حالة الأدب، وذلك بفضل اللغة كما نوهنا من قبل. والأديب –ومثله الفنان عمومًا- يلتقط شيئًا من الواقع المحيط به، ويتعامل معه بالأدوات المتاحة في عالمه، محملاً بموروثه الحضاري أو الثقافي، ولكنه في النهاية لا ينقل لنا الواقع الغفل أو الخام كما يقدم ذاته له، وإنما يجرى عليه تعديلات لا حصر لها، بحيث يبدو كما لو كان خلقًا جديدًا. حقًا إنه ليس خلقًا من العدم، ولكنه خلق للواقع في صورة جديدة، بحيث يصبح واقعًا فنيًا: فالواقع الغفل يتم التضحية بكثير من تفاصيله، وأحداثه الثرثارة العارضة، وتفاهاته التي لا معنى لها، ثم يُضاف إلى تلك الخلاصة الباقية تفاصيل جديدة لم تكن واردة في الواقع الأصلي الغفل؛ وبذلك فإن الواقع الفني الجديد الذي يتم إبداع يكون قادرًا على أن نرى الواقع الأصلي في صورة جديدة مفلترة أو منقاة بعد أن تخلصت من شوائبها وعوارضها، فنرى الواقع وكأننا لم نشاهده من قبل؛ لأن لقطاته المعبرة وإيحاءاته المفعمة بالدلالات كانت تغيب عن بالنا، بل عن إحساسنا في خضم التفاصيل العابرة للسياق الذي توجد فيه. وهذا هو ذاته ما يجعل هذا الواقع الخاص قابلاً للفهم والشعور لدى شعوب أخرى تحيا في عالم مختلف؛ لأن الواقع هنا –وإن احتفظ بخصوصيته- قد ارتفع فوق تفاصيله العابرة ليحمل دلالة إنسانية عامة ومشتركة في الوقت ذاته، أي ليصبح صورة كلية معبرة. وذلك هو معنى الجدل الذي أقصده هنا: أعنى البدء من الواقع الغفل الخاص إلى الواقع الفني الذي يعيد قراءة الواقع الغفل وتقديمه في صورة جديدة يتداخل فيها الحس مع الخيال مع الرمز مع الأسطورة..إلخ. غير أن هذه العملية في التحول والانتقال لا تتم لحساب أية أيديولوجية أو رؤية محددة سلفًا، وإنما تحكمها الضرورات الجمالية أو منطق التشكيل الفني والجمالي .

علاقة نظرية الأدب بنظريات النقد وتاريخ الأدب وعلم الجمال 

   ما الذي يجعل من العمل الأدبي عملا أدبيا؟. ما الذي يميز الأدب؟ هل اللفظ أم المعنى؟. الصورة أم الإطار الجمالي؟ الفكرة أم أسلوب العرض؟ أم أن العمل محاكاة؟ ما المحاكاة؟ ولأي شيء هي؟ هل العمل الأدبي محاكاة للظواهر الحسية أو للانطباعات الذهنية أم لكليهما؟ وإذا كان العمل الأدبي مرآة كما يتردد – منذ أفلاطون – فهل هو مرآة للأشياء؟ أم لعقل الأديب؟ أم لنفسه، أم مرآة للوسط أو للمجتمع؟ ثم ما طبيعة تلك المرآة ( هل هي مستوية، أم محدبة، أم مقعرة) وإذا كان الأدب صورة كما يُردد آخرون، فهل هو صورة لحياة الأديب أم لانفعاله، أم صورة من صور التعبير عن الخيال؟ أم صورة للعلاقات الاجتماعية؟ وبعيدًا عن هؤلاء وأولئك هناك من يحدد الأدب من خلال وضعه في إطار من أطر الفن بشكل عام أو يربطه بعلوم إنسانية أخرى، ويُصبح العمل الأدبي وقتها يُعرف من خلال تلك العلوم أو الإيديولوجيات...إلخ.
  وخلافًا لكل ما سبق، هناك من يُعرف الأدب من خلال أداته التي هي اللغة، فالأدب فن لغوي فقط، أو هو لغة الخيال، أو مجموعة من الجمل. وهناك من يرى الأدب شكلاً جماليًا خالصًا أو عملاً فنيًا بحتًا، أو نظامًا من الرموز والدلالات التي تولد في النص وتعيش فيه ولا صلة لها بما هو خارج النص. وعلى عكس هؤلاء، يرى آخرون أن الأدب تعبير بالكلمة عن موقف الأديب من العالم، أو أنه أداة تعبير طبقية، أو أنه استخدام خاص للغة لتحقيق هدف ما.

   كل هذه التساؤلات، تعكس الصعوبات التي تواجهنا عندما نُحاول الإجابة عن الأسئلة السابقة، وجميع هذه الأسئلة التي تعترض طريق الدارس الأدبي أو المتعامل مع الأدب، تدور في قضايا ثلاث هي: الأدب، وطبيعة الأدب، ووظيفة الأدب، أي مصدره وماهيته ومَهمته. ولأن البحث في مثل هذه القضايا يتطلب من الدارس أن يحدد مواقفه من الإنسان والحياة، لأن العمل الأدبي كإنتاج بشري ( وثيقة إنسانية) له علاقة مباشرة بالحياة كلها وبعبارة أخرى يكون البحث في تلك القضايا مبنيًا على نظرية في المعرفة أو فلسفة محددة متكاملة، وعندما يفعل الدارس هذا فإنه يجد نفسه في ميدان آخر، بعيدًا عن النقد 

الأدبي وتاريخ الأدب هو ميدان " نظرية الأدب". 

   فنظرية الأدب هي مجموعة من الآراء والأفكار القوية المستندة إلى نظرية في المعرفة أو في الفلسفة وتهتم بالبحث في نشأة الأدب، وطبيعته، ووظيفته، وهي تدرس الظاهرة الأدبية بعامة من هذه الزوايا (النشأة والطبيعة والوظيفة) وتعمل على التأسيس لمفاهيم عامة تبين حقيقة الأدب وآثاره، وتُعنى نظرية الأدب بمقومات الأدب في أي زمان أو مكان وفي أي لغة كتب بها، فالبحث في نشأة الأدب يعني بيان العلاقة القائمة بين الأديب والعمل الأدبي، كما أن البحث في طبيعة الأدب يعني بيان جوهر الأعمال الأدبية أي خصائصها وسماتها العامة، وأخيرًا فإن البحث في وظيفة الأدب يعني بيان العلاقة بين الأدب وجمهور القراء أي بيان أثر الأدب في المتلقين، ولا شك بأن الأديب والعمل الأدبي وجمهور القراء، أركان أساسية لوجود الأدب، وإذا انتفى ركن من هذه الأركان انتفى وجود الأدب، لكن الاهتمام بهذه الأركان الثلاثة يدل على أن مهام نظرية الأدب تتداخل مع مهام النقد الأدبي وتاريخ الأدب كذلك، فالناقد لا بد له من الاستناد إلى نظرية في الأدب قبل تعامله المباشر مع النصوص الأدبية.

   ومثل النقد وتاريخ الأدب فإن نظرية الأدب لا يمكن أن توجد إلا بعد وجود الأعمال الأدبية ورغم التداخل بين الاختصاصات الثلاث إلا أن ما يميز كلًا منها، فالمؤرخ الأدبي يتعامل مع النص ليبين الظروف والملابسات التي أحاطت به وبصاحبه، والناقد يتعامل مع النص ليبين مواطن الجودة وأسبابها، أو ليبين لنا مدى انفعاله به، أو ليصدر حكما ما، أما المُنظر الأدبي فإنه يهتم بجملة من النصوص لا لكي يُصدر أحكامًا، أو يصور انفعاله إزاءها وإنما لكي يستنبط مبادئ عامة شاملة تبين حقيقة الأدب وأثره كظاهرة عامة أيضًا.

لويس تايسون : النظريات النقدية المعاصرة – الدليل الميسَّر للقارئ 

تر : أنس عبد الرزاق مكتبي ، جامعة الملك سعود ، النشر العلمي والمطابع ، 1435.


1- توضيحات للنظريات النقدية الغامضة لدى القارئ 

فرج سفران

   هناك سببان يكشفان تجنبنا دراسة النظرية النقدية، وهما الخوف من الفشل، والخشية من فقدان تلك الصلة الحميمة التي تربطنا بالأدب، وهو الدافع الأساس لقراءة الأدب.

   ومما لا شك فيه أن مصدر القلق الذي يرافقنا عند دراسة النظرية النقدية يعود إلى صعوبة المصطلحات النظرية أو بالأحرى عدم فهمها؛ لأن مؤلفي هذه المصطلحات يريدون تضخيم مكانتهم الأدبية باستخدام هذه المصطلحات الغامضة ونأخذ مثالَ ذلك عبارة ((موت المؤلف))، فهي تشير إلى مفهوم بسيط يعني تغير وجهة النظر النقدية حيال دور المؤلف أثناء تفسير الأعمال الأدبية ، فقد كان الدارسون للأدب في العقود الأولى من القرن العشرين يولون المؤلف اهتمامهم في أثناء دراستهم للأعمال الأدبية ، إذ كان أساتذتهم يعلمونهم أن مهمتهم دراسة حياة المؤلف؛ لكي يعرفوا من خلالها أفكاره التي يريد إيصالها, وهو ما يسمى ((نية التأليف)) إلى أن أصبحنا نعدُّ حياة الكاتب أو المؤلف غير مهمة, ونركز على القارئ بدلاً من المؤلف أو على الثقافة التي استند إليها النص . وهكذا فإن المؤلف يعدُّ ميتًا بالنسبة إلى هذه الأهداف .

ويقول المؤلف إن ما أحاول أن أوضحه في الفصول التالية هو أن دراسة هذه النظريات يمكن أن تساعدنا على أن نتعلم كيف نفهم أنفسنا والعالم من حولنا بطرق جديدة ومفيدة ، وكيف من الممكن أن تؤثر في كيفية تعليم أطفالنا , وكيف نتفاعل مع أولئك الناس الذين لا نتفق معهم في القضايا الاجتماعية والدينية والسياسية , وكيف نتعامل مع دوافعنا ومخاوفنا ورغباتنا.

وعليه، يوضح كل فصل في هذا الكتاب المبادئ الأساسية لكل نظرية يقوم بمعالجتها؛ لكي نستطيع أن نقرأ ما كتبه واضعو تلك النظريات أنفسهم؛ لأن كل نظرية بمثابة نظارة جديدة، يركز من خلالها على عناصر معينة من عالمنا.

ولما كانت النظريات العامة هي وسائل تساعدنا على فهم العالم ، فإن النظريات النقدية تتنافس فيما بينها من أجل السيطرة على المجتمعات التعليمية والثقافية، وقد أدى ذلك إلى أن تحمل المنافسة بين تلك النظريات بعدًا سياسيًا قويًا يمكن رصده في أمرين : 

الأول : أن هذه النظريات المختلفة تقدم تفاسير متباينة للتاريخ وللأحداث الراهنة.

الثاني : أن مناصري النظريات الأكثر شيوعًا في وقتها في أفضل الوظائف , ويحصلون على أكبر تمويل لمشاريعهم .

وعند اطلاعنا على بعض فصول هذا الكتاب، يتبين لنا أن تفسيراتنا الشخصية والبسيطة للعالم الذي نعيشه معتمدة على افتراضات نظرية نتبناها دون أن نشعر بذلك , وهي لا تعدو أن تكون وسائل نرى من خلالها العالم، وبعد قراءتك لتلك النظريات ستصبح على دراية أكبر بالنظرية النقدية، وسوف تتذوق الأدب ويزداد تذوقك من مرحلة إلى أخرى , فقراءتك لقصة أو رواية في مرحلة المتوسطة يختلف عندما تقرأها بعد عدة سنوات , ونجد ردة فعلك تجاه هذا العمل قد تغيرت تغيرًا ملحوظًا.

ومن أجل توضيح الطرق المختلفة التي تفسر بها النظريات المختلفة الأدب فإن كل فصل من فصول الكتاب سيتضمن بالإضافة إلى أمثلة قصيرة مأخوذة من نصوص أدبية مختلفة قراءة موسعة لرواية "جاتسبي العظيم" التي تعد إحدى الروايات الشهيرة للكاتب إف سكوت والتي نشرت عام 1925م .

وستركز الفصول التالية على الناحية الأدبية، وذلك لسببين:

أولهما :الافتراض بأن معظم القراء سوف يهتمون بالنظرية النقدية.

ثانيهما: أن الأدب يعدُّ مختبرًا للحياة الإنسانية، يزودنا بأمثلة عن التجارب الإنسانية التي يفترض أن تكون معروفة لدى القراء جميعًا.

وهناك حقيقة يجب أن نأخذها بالحسبان عندما نقوم بتطبيق النظرية النقدية على رواية جاتسبي إذ إنه وبمجرد أن نبدأ باستخدام تلك النظريات في قراءة أعمال أدبية أخرى, فسنجد أن التفسيرات النظرية المختلفة للعمل الأدبي نفسه يمكن أن تولد آراء مختلفة أيضًا عن ذلك العمل.

وتسعى النظرية النقدية إلى تفسير الافتراضات والقيم التي ترتكز عليها أشكال مختلفة من النقد الأدبي, والنقد الأدبي هو تطبيق النظرية النقدية على النصوص الأدبية .

وآخر المفاهيم التي عرضها المؤلف مفهوم "مع التيار" أو "عكس التيار" , الذي يرافق قراءة النص الأدبي , فعندما تقرأ عملا أدبيًا مع التيار, فإننا نفسر العمل بالطريقة التي تشدنا باتجاه ذلك التفسير.

وعندما نقرأ بعكس التيار، فهذا يعني أننا نقوم بتحليل العناصر التي لا تكون مدركة بالنص.



ملحوظتان:

1- تأتي الإشارة في هذا الكتاب الدراسي إلى الاقتباسات من رواية "جاتسبي العظيم" عن طريق أقواس , وهي تشير إلى نسخة 1992م من الرواية الصادرة عن ماكميلان (وتتضمن ملاحظات ومقدمة للكاتب ماثيو جيه بروكلي)، وتتضمن تلك الاقتباسات أرقام الصفحات ورقم الفصل لوجود نسخٍ مختلفة من الرواية.

2- عند دراسة النظرية النقدية , قد يسبب الالتزام بتسلسل زمني صارم المشكلات، وربما تكون المشكلة الأكثر إلحاحًا أن التسلسل الزمني الذي ظهرت فيه هذه النظريات في الأوساط الأكاديمية يختلف عن تسلسلهم الزمني إذا ما نظرنا من منظور تاريخي أوسع. 

2- نظرية التحليل النفسي النقدية 

v إن الاستخدام الشائع لعبارة المصطلحات النفسية يفسر إيماننا بأن التحليل النفسي أمر لا يمكننا فهمه كما أنه لا معنى له.

v كثيرًا ما نلحظ الرفض التام للتحليل النفسي بوصفه طريقة مفيدة لفهم السلوك الإنساني في بيئة تستخدم مفاهيم التحليل النفسي في لغتها اليومية.

v ترتكز مبادئ نظرية التحليل النفسي الكلاسيكية على نظرية العالم سيجموند فرويد الذي غالباً ما يشار إلى نظرياته اليوم على أنها التحليل النفسي التقليدي.

v إن التحليل النفسي يتألف من أفراد من الناس يحمل كل واحد منهم تاريخاً نفسيا ً يبدأ من تجارب الطفولة في العائلة، كما يحمل كل فرد أنماطاً من السلوك في مرحلة المراهقة ومرحلة البلوغ التي تعدّ المؤثر المباشر لتلك التجربة المبكرة.

v إن الهدف من التحليل النفسي يكمن في مساعدتنا على معالجة مشاكلاتنا النفسية التي غالباً ما تسمى اضطرابات ، وهي التي لا يخلو منها أحد.

أصول اللاوعي

v اللاوعي " هو ذلك المخزون من العواطف والتجارب المؤلمة ، ومن الجراح والمخاوف والرغبات الدنيئة والصراعات غير المنتهية التي لا نرغب أن ندرك وجودها لأنها سوف تتغلب علينا.

v يظهر اللاوعي في حياتنا في مرحلة مبكرة عن طريق " الكبت" ، أي عملية الإزالة من اللاوعي، لتلك الأحداث النفسية المحزنة ، فالكبت لا يمحو مشاعرنا وتجاربنا المؤلمة بل على العكس فإنه يدفعها ليجعلها المنظمة لتجاربنا الراهنة ، أي أننا نتصرف لا شعورياً بطرق تسمح لنا أن نظهر التجارب المؤلمة التي نكبحها.

v إن العائلة مهمة جداً في نظرية التحليل النفسي ، لأن كل واحد منا هو نتائج للدور الذي يوكل إلينا في التركيبة العائلة .

v يمكننا أن نلاحظ أن المسائل المتعلقة بعقدة أوديب تعد مراحل نمو ، فإننا جميعاً نتعرض لهذه التجارب التي تعد جزءاً طبيعياً وصحياً من مرحلة النضوج ومرحلة تأسيس هويتنا الخاصة ، وعندما ندرك الدوافع النفسية لسلوكنا المدمر ، سيكون باستطاعتنا أن نأمل في البدء بتغيير ذلك السلوك.

الدفاعات والقلق والقضايا النفسية.

v تقوم دفاعتنا بالتعامل مع رغباتنا في اللاوعي ، وهي لا تتعرف على تصرفاتنا المدمرة أو تقوم بتغييرها، ذلك لأننا قمنا بتشكيل هويتنا حول تلك الرغبات ، ولأننا نخشى مما سوف نجده إذا ما قمنا بالتحقيق منها على نحو دقيق.

v إن الدفاعات هي العمليات التي يجري بواسطتها الحفاظ على محتويات اللاوعي لدينا في منطقة اللاوعي فهي العمليات التي نبقي بواسطتها على ما هو مكتوب في مكانه لنتجنب معرفة ما لا نستطيع تحمل معرفته.

v تتضمن الدفاعات ما يلي: " الإدراك الانتقائي " والذاكرة الانتقائية " والنكران" ، " التهرب " ، "والاستبدال " " والإسقاط "، " الرجعة" .

v الإدراك الانتقائي: أي أننا نسمع ونرى من نستطيع أن نتعامل معه فقط.

v الذاكرة الانتقائية: أي أننا نكيف ذكرياتنا بحيث لا تتغلب علينا أو أن ننسى الأحداث المؤلمة كلياً.

v النكران: وذلك بأن نعتقد بعدم وجود المشكلة أو أن الحدث المؤسف لم يحدث أبداً.

v التهرب: أي الابتعاد عن الناس أو المواقف التي قد تجعلنا عرضة لأن نكون غير مرتاحين، وذلك عن طريق تحريك عاطفة أو تجربة مكبوتة في اللاوعي.

v الاستبدال : وذلك عندما نقوم بالتنفيس عن مشاعرنا ضد شخص أو شيء أقل خطوة من ذلك الشخص الذي سبب لنا الخوف أو الأذى أو الإحباط أو الغضب.

v الاسقاط : وذلك عندما نعزو مخاوفنا أو مشاكلنا أو رغباتنا الدنيئة إلى أشخاص آخرين ومن ثم ندينهم بسببها ، وذلك لكي ننفي أننا نعاني منها.

v الرجعة : أي العودة المؤقتة إلى حالة نفسية سابقة واحدة من أكثر الدفاعات تعقيداً ، والتي لا نتخيلها فقط، بل نعيشها مرة ثانية .

v يمكن لتجارب نفسية عديدة أن تكون بمثابة دفاعات حتى إذا لم يتم تعريفها كذلك .

v الخوف من العلاقات الحميمة: هو الشعور بأن التقارب العاطفي سوف يؤذينا أو يدمرنا على نحو كبير ، وبإمكاننا أن نبقى بأمان إذا ما ابتعدنا عن الروابط العاطفية مع الآخرين على الدوام.

v الخوف من الهجر: وهو الاعتقاد المؤكد بأن أصدقاءنا وأحباءنا سوف يقومون بالتخلي عنا ( الهجر الجسدي) ، أو أنهم سوف يهملون أمرنا( الهجر العاطفي).

v تقوم دفاعتنا في الظروف العادية بإبقائنا غير مدركين لتجاربنا اللاشعورية ، كما أن قلقنا وإن كان مطولاً أو متكرراً فإنه لا ينجح باختراق ما نكبته.

الأحلام ورموزها:

v يكون اللاوعي حراً أثناء النوم في التعبير عن نفسه ويفعل الأمر ذاته في أحلامه.

v يحدث التقليص أثناء الحلم كلما استخدمنا حلم مفردة أو حادثة لكي تمثل أكثر من صراع أو جرح لا شعوري.

v على الرغم من أننا نحلم بالمخاوف والجراح التي نعرف أنها توجد لدينا هي في الواقع جزء من تجاربنا التي ندركها.

v تعد الأحلام متنفساً آمناً بالنسبة إلى جراحنا اللاشعورية ، ومخاوفنا ، ورغباتنا الدنيئة ، وصراعاتنا اللامتناهية لأنها كما وجدنا تأتينا بهيئة مقنعة ، ونقوم بتفسيرها إلى ذلك الحد الذي نجد أنفسنا مستعدين لبلوغه.

معنى الموت 

v تعد علاقتنا بالموت سواء صدمنا به أم لا المنظم الرئيس لتجاربنا النفسية .

v يلعب الخوف من الهجر دورا ًعندما نشعر بالخوف من موت الآخرين.

v غالباً ما يعتبر الموت مسؤولاً عن شعور الخوف من العلاقات الحميمة.

معنى الحياة الجنسية:

v تعد الحياة الجنسية للإنسان من المجالات المتعلقة بالتجربة النفسية التي اتجهت لاستخلاص التفسيرات المجردة إلى قوتها المخيفة في حياتنا.

v يعد السلوك الجنسي نتاجاً لثقافتنا لأن ثقافتنا تضع القواعد للسلوك الجنسي الملائم وتعرف السلوك الجنسي الطبيعي والشاذ ( ولا يوجد اختلاف مهم بين السلوك الطبيعي والشاذ ). 

v إن السياق الثقافي هو الذي ساعدنا في الوصول إلى فهم أفضل لبعض من مفاهيم فرويد الأولية التي يبدو أنها تناقض أحساسنا الخاص بالطريقة التي يسير بها العالم.

3- نظرية التحليل النفسي النقدية …لاكان 

أحمد العبيد

هو المفكر الفرنسي جاك لاكان Jaques Lacan (1901ـــ 1981).

   توصف كتاباته بأنها: مجردة إلى حد ما، وغالباً ما تكون غامضة، ويصعب فهمها في أغلب الأحيان.

   يبرر لاكان نفسه سبب الغموض في كتاباته؛ لأن اللاوعي نفسه هو أمر غامض، كما أن اللاوعي أمر صعب الفهم.

  كلمة رمزي (Symbolic) لاتحمل المعنى نفسه عندما نقوم نحن باستخدام هذا التعبير في دراساتنا الأدبية.

لكي نستوعب مفاهيم لاكان الأكثر ارتباطاً بالتفسير الأدبي، فإننا بحاجة إلى أن نبدأ بنظريته المتعلقة بالنمو النفسي للطفل.

  يعتقد لاكان أن الطفل في شهوره الأولى يشعر بكل من ذاته والمحيط من حوله على أن كلاً منهما كيان عشوائي مجزأ لا شكل له، وفي الواقع فإن الطفل لا يميز نفسه عن محيطه، كما أنه لايعرف أن أعضاءً من جسمه بالذات هي أجزاء من جسمه، لأنه ليس لديه إحساس بنفسه يمكنه من استيعاب كهذا.

يسمي لاكان المرحلة التي تحدث في الفترة ما بين الشهر السادس والثامن من حياة الطفل بـ "مرحلة المرآة" ، وسواء نظر الطفل إلى نفسه في مرآة حقيقية أو رأى نفسه من خلال ردود أفعال والدته تجاهه، فالمسألة هي أن الطفل يُكَوِّن إحساساً بنفسه على أنه كيان كامل، بدلاً من أن يكون كياناً مجزأً لاشكل له.

يزعم لاكان أن "مرحلة المرآة" تمهيد لما يسميه "نظام الخيال"، ويقصد به عالم الصور، إنه ليس عالم الخيال، بل إنما هو عالم الإدراك، إنه العالم الذي يدركه الطفل عن طريق الصور، ليس عن طريق الكلمات.

اكتساب الطفل للغة يعني عدة أمور مهمة بالنسبة لـ لاكان ، فهو يشير إلى اكتساب الطفل للغة على أنه دخول إلى نظام الرموز، إذ إن اللغة هي أولاً وأخيراً نظام من الرموز ذو معنى، أي أنه نظام من الرموز لصنع المعاني.

الانفصال الأكبر هو الانفصال عن الاتحاد الوثيق الذي عايشناه مع والدتنا في أثناء انغماسنا في عالم الخيال، حيث يرى لاكان أن هذا الانفصال يشكل واحداً من أهم تجارب الخسارة لدينا، كما أنه سوف يطاردنا طوال حياتنا، سوف نقوم بالبحث عن الأشياء البديلة سواء أكانت مهمة أم لا، وذلك لنعوض عن ذلك الاتحاد المفقود الذي عشناه مع والدتنا، سوف نمضي حياتنا لاشعورياً ونحن نقتفيه في نظام الرموز، ولكننا لن نقدر أبداً على المحافظة على شعور الرضا التام. لماذا؟ يعزو لاكان سبب ذلك إلى أن نوع الرضا الذي نبحث عنه - على الرغم من أننا لاندرك بأننا نبحث عنه - هو شعور بالكمال والإشباع والاتحاد مع والدتنا أو عالمنا الذي تلاشى من حياتنا الواقعية عندما دخلنا في نظام الرموز، أي عندما اكتسبنا اللغة.

يشير لاكان إلى عنصر الرغبة المفقودة على أنه العنصر الصغير أ ، ويشير الحرف ألف هنا إلى كلمة (آخر(. ويعرض الدراسون أسباباً لاستخدام لاكان لهذه الصيغة المختصرة، منها: أنه في أثناء انفصالنا عن عالمنا ماقبل النطق المتميز باتحادنا المثالي مع والدتنا ، قام نظام الرموز بتغيير والدتنا إلى شخص آخر تماماً، كما غير كل شيء آخر في عالمنا المتحد ماقبل النطق إلى عالم من الناس والأشياء المنفصلة عنا.

لماذا استخدم لاكان الحرف الصغير a بدلاً من الحرف الكبير (other) الذي يستخدمه عندما يشير إلى سمة معينة من نظام الرموز؟

قد يكون السبب: هو أن علاقتنا مع الجسم الصغير أ ، أي علاقتنا مع عنصر الرغبة المفقودة هو أمر شخصي وذو طابع فردي وخاص جداً، بينما تجاربنا مع عالم الرموز ليست كذلك.

في رواية " تذكرت أشياء مضت" (Rememberance Of Things Past) للمؤلف مارسيل براوست (Marcel Proust) عندما يقوم الراوي للمرة الأولى منذ طفولته بتذوق قطعة صغيرة من " الكاتو" تسمى مادلين (Madeleine) فإنه يبتهج بذكريات من أيام صباه، كما تغمره ذكريات حية وغير متوقعة، تمثل قطعة الكاتو مادلين له العنصر الصغير أ.

لايمكننا التشديد على نحو كاف على أهمية الخسارة والنقصان في التحليل النفسي عند لاكان، فعلى سبيل المثال أحتاج إلى كلمة "بطانية" كبديل عن عبارة بطانيتي وذلك لأنه لم تعد لدي تجربتي السابقة فيما يخص بطانيتي.

يعتقد لاكان أن عمليات اللاوعي تشبه عمليتين شائعتين جداً من عمليات اللغة التي تتضمن نوعاً من الخسارة أو النقص وهما: الاستعارة والكناية، حيث نلاحظ أن كلاً من الاستعارة والكناية تتضمنان غياب شيء ما، أي نوعاً من الخسارة أو النقصان، فقد استخدم كلاهما بديلين عن شيء أقصي جانباً.

تعد وجهة نظر لاكان عن الواقع من المفاهيم الصعبة جداً التي وجدت صعوبة في تفسيرها، إذ يمكن تفسيره على أنه خارج أنظمة صياغة المعاني، كما أنه يقع خارج العالم الذي تشكله الإيديولوجيات التي يستخدمها المجتمع في تفسيره للوجود، فعلى سبيل المثال يكمن الواقع في تلك التجربة التي نمر بها يومياً ولو كان ذلك لبرهة عندما نشعر أنه لايوجد هدف أو معنى للحياة ، أو أيا من القواعد التي تحكم المجتمع عبارة عن أضاليل أو أخطاء أو أنها نتاج الصدفة.

ربما يطرح القارئ هذا السؤال : ماعلاقة كل ما تقدم بالتفسير الأدبي؟

بما أن التفسير الأدبي عند لاكان مختلف تماماً عن طريقة التحليل الكلاسيكية المعروفة ، فإنه من المفيد التعرف إلى أنواع التحليل الأدبي التي يقدمها النقاد الذين يتبعون طريقة لاكان، فعندما نرغب بتفسير عمل أدبي مستخدمين نهج لاكان، فإن الطريقة المثلى تعتمد على بعض المفاهيم الرئيسة لدى لاكان التي ذكرت آنفاً، ومن ثم نبحث عما يوحيه هذا الاكتشاف. قد نبحث مثلاً عما إذا كانت الشخصيات أو الأحداث أو الفصول في القصة تجسد عالم الخيال، وفي هذه الحالة سوف نتوقع وجود عالم خاص يمكن أن يكون خيالياً أو وهمياً، وينبغي أن نبحث عن تلك النقاط من النص المستمدة من نظام الرموز.

"ورق الجدران الأصفر" (1982م)، The Yellow Wallpaper للمؤلفة شارلوت بيركينز جيلمان Charlotte Perkins Gilman ، باستخدام طريقة لاكان يمكننا القول بأن الراوية التي لم يذكر اسمها في القصة، قد أمضت كثيراً من الوقت في عالم الخيال إلى أن عاشت هناك على نحو دائم؟ كيف يمكننا أن نعد لجوءها إلى عالم الخيال سبباً في رفضها لعالم الرموز الذي يجسده بوضوح كل من زوجها وأخيها؟ وإلى أي مدى يمكننا أن نعد أن ورق الجدران يمثل مفهوم الواقع عند لاكان؟ هل هناك تبرير لموقفنا إذا افترضنا أن ورق الجدران الأصفر تمثل فيه الشخصية نفسها عالقة بين صخرة لاكانية ومكان صلب، بحيث تجد نفسها بين بديلين لايمكن العيش فيهما؟ تنتهي القصة حين تزحف البطلة في أرجاء الغرفة، مثل طفل صغير جداً، وهي غير قادرة على القيام بدورها بوصفها أحد أفراد المجتمع، الأمر الذي ينتج عنه انغماس كامل في عالم الخيال كما تفسره نظرية لاكان.





4- النظرية النقدية الماركسية 

ماجد بن حمد البكيري

  يتساءل طلاب النظرية النقدية عادة عن المغزى من دراسة النظرية الماركسية الآن , وقد ثبت فشل المعسكر الشيوعي في أوروبا , وهو ما يثبت عدم قابلية هذه النظرية للحياة , ونلحظ أن مثل هذا التساؤل يغفل حقيقتين مهمتين : 

الأولى : أنه لم يقم أي مجتمع ماركسي بحت على وجه البسيطة .

الثانية : لو افترضنا جدلاً أن هذه الدول الشيوعية طبقت النظرية الماركسية بحذافيرها وفشلت , فهذا لا يلغي حقيقة أن النظرية الماركسية مازالت قادرة على منحنا فهمًا عميقًا للتاريخ .

الفرضيات الأساسية للنظرية الماركسية

يعد نقاد هذه النظرية أن أي نظرية لاتقدم الحقائق الاقتصادية على التجربة البشرية تسيء فهم الثقافة البشرية, فالحصول على القوة الاقتصادية والحفاظ عليها , هو الدافع الكامن وراء كل النشاطات الاجتماعية والسياسية , ومن ثمّ يبدو جليًا أن الاقتصاد هو القاعدة التي تقوم عليها البنية الفوقية الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية .

ولأن القوة الاقتصادية تتضمن بداخلها القوة الاجتماعية والسياسية , يفضل عديد من نقاد النظرية الماركسية , عند الحديث عن بنية الطبقات الآن , أن يستخدموا مصطلح " الطبقة الاقتصادية – الاجتماعية " بدلاً من الطبقة الاقتصادية .

وتسمى الظروف الاقتصادية في اصطلاحات النظرية الماركسية بالظروف المادية ويسمى الوضع السياسي والاجتماعي والأيديولوجي المنبثق عن هذه الظروف بالموقف التاريخي .

لذلك يصر الناقد الماركسي على أنه لا يمكننا أن نفهم الأحداث البشرية إلا بفهمنا للظروف التاريخية والمادية .

وتخلق الفروق الاقتصادية – الاجتماعية , من منظور ماركسي , فجوة أكبر مابين طبقات المجتمع أكثر من تلك الفروق المتعلقة بالدين أو السلالة أو العرق أو الجنس .

النظام الطبقي في أمريكا

من الصعوبة بمكان أن نصنف الشعب الأمريكي إلى برجوازيين وعمال كادحين , فكيف نصنف رجلاً لديه مجموعة من العاملين في شركته العائلية الصغيرة وهو يجني سنويًا أموالًا أقل من موظف مبيعات يعمل لدى شركة ضخمة ؟

لذلك يبدو أن أفضل طريقة لتصنيف الشعب الأمريكي يجب أن ترتكز على نمط الحياة الاقتصادي – الاجتماعي دون الرجوع إلى كيفية الحصول على دخل معين .

دور الأيديولوجيا

يعرّف الماركسيون " الأيديولوجيا " على أنها نظام معتقدات وأن كل نظم المعتقدات نتاج قولبة ثقافية , وبالطبع أن كل النظريات النقدية في هذا الكتاب هي أيديولوجيات أيضًا .

هنا تجدر بنا ملاحظة أن الأيديولوجيات ليست سواء، فبعضها محبب والآخر ليس كذلك , وتستطيع الأيديولوجيات عن طريق طرح نفسها باعتبارها طرقًا طبيعية للتعامل مع العالم أن تحجب عنا القدرة على فهم الظروف المادية /التاريخية التي نعيش فيها , لأنها ترفض الاعتراف بأن لهذه الظروف أي تأثير في الطريقة التي نرى بها العالم .

إن دور الأيديولوجيا في إبقاء أصحاب السلطة في أماكنهم مهم جدًا حسب النظرية الماركسية، لذلك سنتكلم باختصار عن أيديولوجيات أخرى تعمل بالطريقة ذاتها :

· الطبقية : وهي أيديولوجيا تقيّم الفرد على أساس الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها , فكلما علت طبقة الفرد الاجتماعية اعتبر أفضل .

· الوطنية : وهي من الأيديولوجيات الأخرى التي تبقي فقراء شعب معين يحاربون فقراء شعوب أخرى , وتلعب هذه الأيديولوجيا بعواطف الفقراء لإقناعهم بأنهم جزء مهم من الأمة التي ينتمون إليها .

· الدين : وهو في النظرية الماركسية ليس إلا أيديولوجيا , وقد أطلق عليه ماركس "أفيون الشعوب ", حيث إن الدين يعمل مخدرًا أو مهدئًا لإبقاء الفقراء راضين عما يحصلون عليه في الدنيا , فمسألة وجود الله ليس بالأمر المهم في النظرية الماركسية , بل إن المهم هو ما يقوم الناس بفعله تحت اسم " الله " .

· الاستهلاك : وهي أيديولوجيا تقول: إن مدى أفضلية الشخص مرتبط بما يشتريه .

ومازال هناك بالطبع عديد من الأيديولوجيات الرأسمالية التي نستطيع الحديث عنها , لكن ما ذكرناه يكفي لمعرفة كيف نرى هذه الأيديولوجيات من منظور ماركسي , ويتبع النقاد الماركسيون الآتي : 

أولاً : يحددون الأيديولوجيا الفاعلة في المنتجات الثقافية مثل : الأدب والأفلام والرسم والموسيقى وغيرها .

ثانيًا : يحللون كيفية قيام الأيديولوجيا المستخدمة بالدعم أو التبخيس من قدر النظام الاقتصادي – الاجتماعي والتي يلعب فيها النتاج الثقافي دورًا مهمًا . 

السلوك البشري , والسلعة , والعائلة

على الرغم من أن أعمال ماركس اللاحقة ركزت على الاقتصاد وعلى أعمال المجتمع بشكل كلي أكثر من تركيزها على الفرد , لذلك نرى أن اهتمامه بنشوء أنظمة الاقتصاد الصناعية منتصف القرن التاسع عشر كان ينصب على الآثار التي تخلفها هذه المصانع في الناس الذين أجبروا على بيع عملهم للصناعات التي حلت محل الحرفيين والفلاحين المستقلين , وكان قلق ماركس فيما يتعلق ببزوغ الرأسمالية أيضًا ينصب على آثار الرأسمالية في القيم الإنسانية , فقيمة الشيء في النظام الاقتصادي الرأسمالي غير موضوعية، حيث إن قيمة الشيء تُحدد فقط من خلال علاقته بسوق النقد .

مما لا شك فيه أن عديدًا من طروحات الماركسيين تتحدث عن الآثار المدمرة للرأسمالية في النفس البشرية , وتظهر هذه الآثار عادة في علاقتنا بالسلعة , فمن وجهة نظر ماركسية لا يصبح أي شيء سلعة إلا إذا كان يحمل "قيمة التبادل" أو "قيمة سمة التبادل" اللتين يحددهما المجتمع نفسه .

ويقول الماركسيون : إن استمرارية الرأسمالية أو اقتصاد السوق تعتمد على مذهب الاستهلاك؛ لذلك فهي تشجع مبدأ قيمة سمة التبادل لتكون المبدأ الرئيس للتعامل مع العالم من حولنا , فليس هناك شيء يساعد الرأسمالية أكثر من زرع فكرة عدم الرضا بما أمتلك , ومن ثمّ دفعي إلى استهلاك مزيد مما قد يبدو لي أنه أفضل وأقدر على إثارة الآخرين.

لا شك أن اهتمام الماركسية بالنفس البشرية يلتقي مع اهتمام مدرسة التحليل النفسي، حيث إن كلتا النظريتين تدرسان السلوك البشري ودوافعه , لكن استنتاجاتهما وطرقهما مختلفة , فبينما تركز مدرسة التحليل النفسي على نفسية الفرد وكيفية تشكلها داخل إطار العائلة , يركز الماركسيون على القوى المادية والتاريخية التي تشكل التجربة النفسية وسلوك الأفراد والمجموعات . 

الماركسية والأدب

تركز القراءة الماركسية للعمل الأدبي على المشكلات النفسية وتتعامل معها باعتبارها نتاجًا للحقائق المادية /التاريخية.

والماركسيون يعتقدون أن الأدب لا يمكن أن يوجد في عالم جمالي؛ لأنه مثل جميع المظاهر الثقافية ليس سوى نتاج الوضع الاقتصادي – الاجتماعي للبشر الذين هم نتاج بيئتهم الأيديولوجية والاقتصادية الاجتماعية .

أما الحقيقة التي مفادها أن الأدب ينشأ في الظروف المادية / التاريخية الحقيقية ويعكسها, فإنها تساعد الماركسيين على منحيين:

1- قد يحاول العمل الأدبي أن يدعم أيديولوجيات داخل نفس القارئ .

2- أن العمل الأدبي قد يدعو القارئ إلى انتقاد الأيديولوجيات التي يطرحها .

لذلك نجد أن بعض الماركسيين يفضلون المدرسة الواقعية على غيرها من المدارس الأدبية ؛ لأنها "ببساطة" تعرض العالم الواقعي من حولنا بصورة دقيقة , أي أنها تعرض الظلم الاقتصادي / الاجتماعي وتضارب الأيديولوجيات ، من ثم تمنح القارئ فرصة لرؤية الحقائق البغيضة عن الواقع المادي التاريخي .

لهذا نجد أغلب الماركسيين يرفضون الأدب غير الواقعي والخيال التجريبي؛ لكونه شديد التركيز على العقل الباطن للفرد , لا على علاقة الفرد بالمجتمع .

وعلى الرغم من أن الماركسيين ما انفكوا يختلفون حول الأعمال المفيدة أكثر في نشر الوعي الاجتماعي وإيجابية التغييرات السياسية , إلا أن عديدًا منهم اتفقوا على أن الأعمال التي تدعم الرأسمالية والإمبريالية والقيم الطبقية مفيدة جدًا في كونها ترينا كيف تعمل هذه الأيديولوجيات على إغوائنا أو دفعنا للتواطؤ مع برامجها القمعية . 

5- النظرية النقدية النسوية 

إعداد :بشير عبدالرحمن المالكي

   على النقيض من آراء كثير من الطلاب المستجدين في دراسة النقد الأدبي النسوي , تحب كثيرات من النسويات الرجال , ويعتقدن أنه ينبغي أن تكون النساء قادرات على البقاء في البيت وتربية الأولاد إذا أردن ذلك , ومن خلال تعريفه الشامل , يدرس النقد النسوي الطرق التي يقوم بها الأدب (والنتاجات الثقافية الأخرى ) لتسويغ أو تقويض اضطهاد النساء اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً .

الأدوار التقليدية للجنسين

تصف الأدوار التقليدية للجنس الرجال على أنهم عقلانيون وأقوياء ويقدمون الحماية وحازمون , بينما تصف النساء بالعاطفيات , والضعيفات , والخاضعات , والمربيات .

وقد استخدمت أدوار الجنس هذه بنجاح لتسويغ عدم المساواة , مثل: استبعاد النساء من الفرص المتساوية في الوصول إلى مواقع القيادة واتخاذ القرار , وفي دفع أجور أعلى للرجال في الوظيفة نفسها التي يشغلها الرجال والنساء , هذا إذا استطاعت المرأة الحصول على وظيفة .

فالذكورية , بحكم تعريفها , متحيزة جنسياً , بمعنى أنها تنشر الاعتقاد بأن النساء دون الرجال بالخلقة . وهذا الاعتقاد بالدونية غير المكتسبة للمرأة هو أحد أشكال ما يسمى " الأساس البيولوجي " , لأنها مؤسسة على الفوارق البيولوجية بين الجنسين التي تعد جزءاً من ثوابتنا غير المتغيرة رجالاً أو نساءً .

ولقد لاحظ النسويون أنه قد جرى استخدام الاعتقاد بأن الرجال متفوقون على النساء لتسويغ استحواذ الذكور على مراكز القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمحافظة عليها ؛ أي المحافظة على إضعاف النساء بحرمانهن من وسائل الحصول على القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية عن طريق التعليم أو العمل . فالمكانة المتدنية التي احتلتها النساء في المجتمع الذكوري , قد تكونت ثقافياً وليس بيولوجياً .

ملخص المبادئ النسوية

فهمنا كيف تقوم الأيديولوجية الذكورية بإبقاء الرجال والنساء في أدوار الجنس التقليدية وتحافظ بذلك على هيمنة الذكور , إن عمل الأيديولوجية الذكورية بهذه الطريقة هو اعتقاد مشترك بين كل النسويين , حتى إذا لم يتفقوا حول كل المسائل الأخرى . وفي الحقيقة يشترك النسويون في عدة افتراضات مهمة , يمكن تلخيصها كما يلي :

1_ تضطهد الذكورية النساء اقتصادياً , وسياسياً , واجتماعياً , ونفسياً , وتعد الأيديولوجية الذكورية الوسيلة الأساسية التي تبقي النساء مضطهدات .

2_ في كل الميادين التي تسود فيها الذكورية ينظر إلى المرأة على أنها " الآخر " . فيجرى تحويلها إلى مجرد شيء , وإلى تهميشها . ويجري تحديد هويتها والتركيز على اختلافها عن أنماط الذكور وقيمهم , أي تُعرف بما ( يُزعم ) أنها تفتقده , وما يُزعم أن الرجال يمتلكونه .

3_ إن الحضارة الغربية ( الأنجلوأوروبية ) متجذرة في الأيديولوجية الذكورية كما نرى في النساء الذكوريات الكثيرات , وفي النساء المتوحشات في أدب الإغريق والرومان وأساطيرهم , وفي التفسير الذكوري لحواء في الإنجيل باعتبارها أصلاً للخطيئة وللموت في العالم .

4_ في الوقت الذي تحدد فيه البيولوجيا نوع الجنس ( ذكراً أو أنثى ) فإن الثقافة تحدد الجنس ( مذكراً أو مؤنثاً ). فكلمة جنس لا تشير بالنسبة إلى النسويين المتحدثين بالإنجليزية إلى تركيبنا البنيوي , وإنما إلى برمجة سلوكنا اجتماعياً رجالاً ونساءً .

5_ إن كل نشاط , بما في ذلك النظرية النسوية والنقد الأدبي النسوي , يهدف في النهاية إلى تغيير العالم عن طريق نشر المساواة للمرأة . وهكذا يمكن النظر إلى جميع النشاطات النسوية على أنها من " الحراك " , رغم أن كلمة حراك تطلق عادة على النشاط النسوي الذي يدعو إلى التغيير الاجتماعي من خلال النشاط السياسي .

6_ إن قضايا الجنس تؤدي دوراً في كل جوانب النتاج الإنساني والتجربة الإنسانية , بما في ذلك إنتاج الأدب , سواء أكنا متيقظين لهذه القضايا أم لا .

وبالطبع فإن هذه الافتراضات التي جرى تعدادها هي أفكار متصلة ومتداخلة بعضها ببعض , وتعني معاً أن للأيديولوجية الذكورية تأثيرًا عميقاً أو مفسداً في طريقة تفكيرنا وحديثنا والنظر إلى أنفسنا وإلى العالم الذي نعيش فيه .

تجاوز السلطة الذكورية 

احتار النسويون كثيراً أمام مشكلة تجاوز البرمجة الذكورية , وقدموا حلولاً كثيرة ومتنوعة . فمثلاً أحدى الطرق للتعامل مع وقوعنا في فخ الأيدلوجية الذكورية , هو التفكير بإمكانية عدم نجاح أية أيديولوجية في برمجة كل الناس في كل الأوقات .

وبسبب الصعوبات المتضمنة في البرمجة الذكورية , يعتقد كثير من المنظرين والنقاد الأدبيين النسويين , أننا يجب أن نتوخى الحذر في استخدام أطر هي نفسها ذكورية كالتحليل النفسي والماركسية .

فهذه الأطر تعد ذكورية لأنها تجسد عناصر مختلفة من الأيديولوجية الذكورية .

كما يمكن استخدام التفكيكية لإيجاد الطرق التي يعزز فيها عمل أدبي الأيديولوجية التي يقوم بنقدها , الأمر الذي كان يمارسه بعض النقاد النسويين في أمريكا قبل أن تصل النظرية التفكيكة إلى الشواطئ الأمريكية .

تعد الحرية إحدى نقاط قوة النسوية التي تستعير بها الأفكار من النظريات الأخرى وتفكيكها لحاجاتها المتطورة بشكل سريع .

6- النظرية النقدية النسوية:النسوية الفرنسية 

تلخيص الطالب:خالد بن فهد الدريس

  النسوية الفرنسية متنوعة كالنسوية الأمريكية، فهي تتألف من وجهات نظر مختلفة، تؤمن النسوية الفرنسية بأهمية الحراك الاجتماعي والسياسي؛لضمان الفرص المتساوية ومن ثم الوصول إلى العدالة بالنسبة للنساء، وتختلف النسوية الفرنسية عن النسوية الأمريكية والإنجليزية بأنها تركز على الجوانب الفلسفية لقضايا النساء مما حدا بالنسوية الأمريكية والإنجليزية للأخذ من النسوية الفرنسية وتبني أفكارها.

ويمكن تقسيم النسوية الفرنسية قسمين:

1/ النسوية المادية: وتهتم بالاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي للمرأة.

2/النسوية النفسية: وتهتم بتجربة المرأة النفسية.

النسوية المادية:

  من خلال تتبع النسوية الفرنسية المادية يتضح اهتمامها بالطرق التي تترابط فيها التجارب الاجتماعية والاقتصادية للمرأة.

   وكان للتقاليد الذكورية، والمؤسسات التي تتحكم بالظروف المادية والاقتصادية التي يتم فيها الاضطهاد الاجتماعي للناس، كما يعتقد النافذون في المؤسسات بأن الرجل يختلف عن المرأة من حيث القيادة لذا يجب أن يميز الرجل سواء من حيث الراتب أو القيادة عن المرأة.

1/ سيمون دي بيفوار)1)

أشارت "بيفوار" في كتابها "الجنس الثاني" إلى الرجال يعدون في المجتمع الذكوري كائنات أساسية ( ذوات مستقلة بإرادة حرة)، بينما النساء كائنات شرطية (موجودات غير مستقلة تتحكم بها الظروف)، وهذا جعل النسوية الفرنسية تجد لها آفاقًا جديدة شَكَّلَت أساسًا نظريًا للنسويين الماديين لعدة عقود.

وقد أوضحت "بيفوار" بأن المرأة لا تولد مؤنثة، وإنما يتم تكييفها لتكون كذلك بوساطة الذكورية، عندما قالت كلمتها الشهيرة: " المرأة لا تولد مرأة، وإنما تصبح مرأة"، وتوضح: أن غريزة الأمومة تولد مع سلالة البشر، ويتم إجبار الأنثى على أن تكون أمًا؛ لأنها لن تحقق ذاتها إذا لم تنجب الأولاد.

كما تؤكد "بيفوار": أنه ينبغي للنساء أن يبدين رأيهن في الاستثمار في حياة أزواجهن وأولادهن، وترى "بيفوار"

" أن الزواج قد أبطأ الحرية والنمو الفكري للنساء"

وتزعم أن النساء اللاتي كرسن حياتهن لخدمة أزواجهن وأبنائهن يفعلن ذلك هربًا من الحرية غير المضمونة النجاح، وتقترح :" إذا ظهرت المرأة كائنًا غير أساس، لن تصبح أساسًا على الإطلاق، فهذا بسبب أن المرأة نفسها تفشل في تحقيق هذا التغيير".

وعندما طرح سؤال : لماذا لا تشعر النساء بالاضطهاد مثل بقية الطبقات الأخرى ( السود، أو الطبقة الدينية) ؟

تجيب بأن السجل التاريخي لهذا الاضطهاد قد محي تمامًا، ولم يجرِ عدهن موضوعًا يستحق الدراسة، كما تشير إلى أن النساء يفتقدن العمل ضمن مجموعة، ويفقدن الحرية فلهن آباء أو أزواج في المنزل والعمل؛ فارتباطهن بهم أكثر ارتباطًا من ارتباط النساء بعضهن ببعض ولتوضيح ما سبق : ولاء النساء للرجال من طبقتهن أكبر من ولاء النساء من الطبقات الأخرى .

2/"كرستين دلفي":

قدمت "دلفي" نقدًا نسويًا للذكورة – متأثرة بـ "بيفوار"- مبنيًا على أسس ماركسية، وصاغت مصطلح النسوية في بداية السبعينيات، وبينت أن الأسرة باعتبارها وحدة اقتصادية تماثل المجتمع وطبقاته، فالطبقة العليا تضطهد الطبقة الدنيا، كذلك النساء في أسرهن تابعات ويعملن في المنزل بدون مقابل، أما تلبية حاجات المرأة الأساسية فتعده "دلفي" المحافظة على قدرتها على العمل، فعملها في المنزل تعده "دلفي" عملًا غير مأجور، وغير محدد بوقت، ولا يعد مهمًا.

وتوضح "دلفي" : أن الذكورية تطلب من النساء العاملات العمل في المنزل؛ لأنه من غير المنطقي الصرف عليهن بدون مقابل، وبهذا تبين أن عمل المرأة في المنزل يعد نظرة دونية من الرجال لعمل المرأة في المنزل، وبذلك تكون المرأة قد عملت في المنزل أكثر ساعاتٍ من عمل الرجل؛ إلا أن عمل المرأة في المنزل لا يعتد به عند الذكورية.

أما السلوك الجنسي عند "دلفي" فترى أن العلاقة بين الرجل والمرأة قائمة على القوة، فالرجال الذكوريون يريدون أن يحتفظوا بالقوة كلها، وتريد النساء غير الذكوريات أن تُوزَّع القوة بالتساوي، وتحليل "دلفي" هذا متصل بحياة النساء الأمريكيات اليوم بشكل خاص؛ لأن كثيرًا من الزوجات الأمريكيات لهن وظائف خارج المنزل، ومع ذلك لازلن يقمن بالعمل في المنزل.

(1) لم تنسب إلى النسوية المادية.

3/ "كوليت جيلومين:

ترى كوليت أن المرأة سلعة يمكن مقايضتها أو تداولها في الزواج.

وتقول: إن المرأة قد تعمل عمل الرجل نفسه وتتقاضى أجرًا أقل.

كما تشير إلى ما أشارت إليه "دلفي" وهو أن عملها في المنزل بدون مقابل. وترى وجوه العبودية للنساء على أربعة أشكال:

1- الاستحواذ على وقت المرأة؛ أي لا يضع عقد الزواج قيودًا للوقت الذي يجب أن تعمل فيه المرأة.

2- الاستحواذ على إنتاج المرأة في بعض الثقافات يبيع الرجال شعر النساء وحليهن

3- التزام المرأة الجنسي: التزام النساء جنسيا نحو الرجال.

4- التزام المرأة برعاية أي فرد في الأسرة لا يستطيع أن يرعى نفسه: العناية بالرضع والأطفال وكبار السن يقوم به في الغالب النساء، وتخلص "كوليت جيلومين" : "إلى أن النساء أداة اجتماعية مخصصة للمهام".

2/ نظرية التحليل النفسي:

نلاحظ الفرق بين نظرية النسوية المادية والنسوية النفسية في أن النسوية المادية تجري تجاربها على المجموعة ،أما نسوية التحليل النفسي فتركز على النفس المفردة، وأيضًا اضطهاد المرأة لا يكون في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فحسب، وإنما يشمل القمع النفسي في مستوى عدم الوعي وتركيبة المرأة، فيجب على المرأة تحرير نفسها حتى تتمكن من التحرر المادي، وأول مجال يجب أن تحرر المرأة نفسها منه هو اللغة.

ممن تحدث في نسوية التحليل النفسي:

1/ "إيلين سيكسو" 

ترى "إيلين سيكسو" أن اللغة تكشف التفكير الثنائي للذكور، فترى المتضادات : العقل والقلب، الأب والأم، الثقافة والطبيعة، الجانب الأيسر ( القلب، الأم، الطبيعة) خاصة بالنساء، والجانب الأيمن ( العقل، الأب، الثقافة) خاص بالرجال وهذه نظرة ذكورية دونية.

وترى "سيكسو" للتخلص من التفكير الذكوري ليس بالحصول على فرص متساوية في المجتمع المعاصر، بل في الكتابة النسوية التي تقضي على التفكير الثنائي للذكورية الذي يضطهد النساء ويسكتهن.

كما ترى "سيكسو" أن الارتباطات المطولة للنساء بأمهاتهن قد أعطتهن علاقة مميزة بالكتابة النسائية، وبإمكان الرجل الذي يتواصل مع أمه أن ينتج كتابة نسائية.

2/ لوس إيرجاري:

ترى أن إخضاع النساء في الثقافة الذكورية يأخذ شكلَ القمعِ النفسي الذي ينفذ عن طريق اللغة باعتبارها أداة، أما المرأة عند الفلاسفة فترى "إيريجاري" أنها مجرد مرآة لرجولتهم؛ فهدف الرجال الأنوثة بحسب حاجتهم ومخاوفهم ورغباتهم.

وتؤكد "إيريجاري" أن النساء اللواتي لا يستطعن التخلص من الذكورية لديهن خياران فقط:

أ/ أن يبقين ساكنات؛ لأنه إذا لم يتوافق ما تقوله المرأة مع الذكورية فلن يفهم.

ب/ أن يلعبن الدور الدوني الذي ارتضته الذكورة، وهذا خيار صعب.

وفيما يسمى "تحديقة الذكر" وهو نظر الرجل إلى المرأة، فالرجل يتحكم بالنظر والسيطرة وهنا ترى "إيرجاري" قوة الذكورة.

وتطرح "إيرجاري" مذهبها في تجاوز الذكورية ، وهو الوسيلة نفسها التي برمجت الأنثى وهي اللغة، وتسمي فكرتها " المرأة تتحدث"، ومصادرها في الجسد الأنثوي، وخاصة فيما تراه من اختلاف اللذة الجنسية بين الذكور والإناث، فاللذة الجنسية المؤنثة أكثر تنوعًا، ولذلك فلغة "المرأة تتحدث" أكثر تنوعًا، فتظهر المرأة من خلال لغة المرأة تتحدث غير مفهومة للرجل، وهذا ما حدا ببعض المفكرين النسويين لانتقاد " المرأة تتحدث"؛ لأنه يعزز الصورة النمطية عن المرأة أنها غير مفهومة.

3/ جوليا كريستيفا:

لا تؤمن بالكتابة النسائية أو لغة المرأة تتحدث؛ لأنها تعتقد أن تحديد النساء بصفة أو طريقة تحدث أو كتابة يرسخ مقولة خضوع المرأة.

ولذلك ترى "جوليا كريستيفا" عدم تعريف المؤنث؛ لأنه ينبغي أن تكون التعاريف بعدد النساء.

وترى "كريستيفا" أن الأنوثة مهمشة ومضطهدة حالها حال الطبقات المضطهدة.

وتفرق "كريستيفا" بين الاختلاف البيلوجي بين الأنثى والذكر، ولكن الذكور أوجدوا اختلافًا اجتماعيًا فرضه الذكور مستغلين الفرق البيلوجي.

وتؤكد أن الرجال والنساء يستطيعون تجاوز اللغة والتفكير الذكوري عن طريق البعد التواصلي للغة، فللغة عند "كريستيفا" بعدان:

بعد رمزي: وهو المجال الذي تعمل فيه الكلمات وتنسب إليها المعاني.

البعد التواصلي: وهو جزء من اللغة يُتَحَكَّمُ فيه من حيث رفع الصوت ونغمته وموسيقاه، ولغة الجسد عند التحدث.
وترى أن الذكورية استطاعت كبت البعد الرمزي ونستطيع أن نعود إلى المرحلة التواصلية من خلال الفن والأدب.

الحركة النسوية متعددة الثقافة

إن هدف النسوية وعي الفرد لذاته.

عندما قادت النساء البيض من الطبقة المتوسطة في أمريكا المواقع الأكثر بروزًا في حركة النساء، تجاهلن تجارب النساء من الأعراق الأخرى والنساء المثليات والفقيرات وغير المتعلمات، ولذلك تختلف الحاجات الخاصة باختلاف عرقها وطبقتها الاجتماعيةوالاقتصادية، وتوجهها الجنسي وتجربتها التعليمية ودينها وقوميتها.

وكذلك الذكورية لا تعمل بالطريقة نفسها، فتختلف من بلد لآخر.

وقد عمل النسويون الأمريكيون الأفارقة عملًا جبارًا، فقد كشفوا أن المرأة السوداء لا تتعرض فقط لعنصرية العرق بل تتعرض لاضطهاد مبني على الجنس أنها امرأة.

ولم تحصل المرأة السوداء على النصرة من النساء البيض ولا الرجال السود، فالمرأة البيضاء ترى المرأة السوداء تعاني من الاضطهاد الجنسي فقط فتدافع عنها من هذا الجانب، والرجل الأسود يدفع بهن لتقديم القضايا العرقية.

يقدم النقد الأدبي للنسوية السوداء إطارًا لتحديد المشكلات الاجتماعية، ويتطلب وعيًا باضطهاد في مجتمع مليء بالكره والعنف المرتكز على بشرتهن السوداء وأجسادهن بوصفهن إناثًا.

ونظرا إلى إحساس بعض النساء السوداوات بأن النسوية تنشر التفرقة في المجتمع الأسود هجر بعضهن النسوية، أو حاول بعضهن التوفيق بين النسوية والمجتمع الأسود ومن الأمثلة " أليس ووكر" التي سمت نفسها "نسوية" للمحافظة على بقاء السود ووحدتهم. 


7- النظرية النقدية النسوية: النسوية متعددة الثقافة 

إعداد: عبدالمحسن سعد عبدالرحمن الهويمل

دراسات الجنس والنسوية

  بعد قراءتنا لهذا العنوان يتبادر إلى أذهاننا سؤال عن الرابط بين دراسات الجنس، والنسوية، والإجابة عن ذلك هي: أن دراسات الجنس والنسوية مرتبطة بعضها ببعض بقوة، لأن الجنس والنسوية يشتركان في المواضيع التي يدرسانها. وقد عملت النسوية من أجل المساواة على أساس الجنس ( أي المساواة الكاملة بين الرجال والنساء ).

ولا تزال دراسات الجنس تعمل على توسيع فهمنا لمصطلح الجنس.

وللوصول إلى الغاية التي ننشدها، ينبغي فهم بعض القضايا التي تعالجها دراسات الجنس.

ومن هذه القضايا:

◄ الافتراضات الذكورية عن الجنس وأدوار الجنس التي تستمر في اضطهاد النساء: 

تتجه المؤلفة في هذه القضية إلى أن الجنس تركيب اجتماعي، وليس مسألة ( بيولوجية ) ، فالرجال والنساء يقومون بواجباتهم لأنهم معتادون اجتماعيا على أن يقوموا بها.

فمثلاً عندما يبكي الرضيع، فإن النساء أكثر استجابة من الرجال، لأنهن يعتقدن أنه من الواجب عليهن فعل ذلك.

وبهذا تنتفي فرضية غريزة الأمومة التي لا تستند إلى دليل.

◄ العلاقة بين نوع الجنس ودور الجنس : 

المقصود بالعلاقة بين نوع الجنس ودور الجنس: أي الطرق التي تكونت بها أجسادنا (بيولوجياً) ، وأدوار الجنس التي تُحدَّد لنا.

تقول ( جوديث لوربر Judith Lorber ) :

( إنه ليس لنوع الجنس ، ولا لدوره تصنيفات واضحة ، بل يجري تجاهل التكوينات الجينية ، والتكوين الهرموني غير المتوافق في تصنيف الجنس).

كما يتم تجاهل تركيبات من الفيزيولوجيا ، والهوية ، والمظهر ، والسلوك غير المتوافق مع التركيب الاجتماعي.

وباختصار، فإن فكرة دورين للجنس مبنية على فكرة نوعين من الجنس فقط.

وقد أظهرت تقارير عديدة خلاف ذلك ، أظهرت أن %1.7 من كل الأطفال المولودين في كل عام هم بينيي الجنس.

وهؤلاء يجب أن لا ينظر إليهم باعتبارهم شاذين ، بل هم أناس طبيعيون ينتمون إلى جنس مختلف.

◄ العلاقة بين السلوك الجنسي ودور الجنس ( دور الرجل أو المرأة ):

يوجد كثير من القسوة ، والمعاملة غير العادلة ، التي يتلقاها كثير من الناس غير الأسوياء ، وهذه المعاملة تعود بشكل كبير إلى حقيقة أنهم لا يلتزمون بسلوك ، أو مظهر جنسي تقليدي.

كما أن التمييز على أساس الجنس موجود اليوم بأشكال عديدة.

وتعطي كل من ( بيري Perry ) و ( رايش Reich ) بعض الأمثلة عن التمييز على أساس الجنس ] أي أن هناك اضطهاداً يتعرض له كل من يبدو مختلفاً في سلوكه .. [.

فمثلا:

هناك رجل ـ سوي جنسياً ، ومتزوج ، وأب ، ولكنه بعض الأحيان يرتدي لباس الجنس الآخر ـ قد تعرض لسوء معاملة لفظية ، وجسدية من قبل الناس السويين والمثليين.

أخيراً ...

ينبغي أن نذكر ما بدأنا به من أن دراسات الجنس مرتبطة بالنسوية ، فهما تسعيان إلى تغيير المجتمع نحو الأفضل ، والمساواة بين الجنسين.

¨النسويـــة والأدب:

وجدت بعض الأعمال الأدبية التي تتفق مع النسوية ، ودعا أصحاب هذه الأعمال إلى نقد الطرق والسلوك ، والمواقف المتحاملة جنسيا على النسوية.

كما ينبغي على المهتمين ـ المبتدئين ـ في هذا المجال ، أن يعرفوا النصوص الأدبية التي تعزز السلطة الذكورية، وتتحامل على النسوية، من أجل تجنب مثل هذه النصوص ، والحد من تأثيرها في حياتنا.

ختاماً:

من المهم معرفة أن الهدف النهائي للنقد النسوي ، هو زيادة فهم تجربة المرأة في الماضي والحاضر ، ونشر تقدير قيمة المرأة في العالم.

8- نظرية النقد الجديد 

إعداد :يوسف محمد الجابري

نظرية النقد الجديد : هي حركة نقدية تؤكد أهمية قراءة نص أدبي بصفته عملاً فنياً مستقلاً وكاملاً، ونظراً إلى الاعتقاد الشائع في نظرية النقد الجديد بإمكانية استيعابها النص الأدبي عبر استيعاب شكله (يشار إليها في بعض الأحيان باسم " النظرية الشكلية" ).

لم تعد تمارس نظرية النقد الجديد من قبل النقاد ومن ثم فهي ليست نظرية معاصرة، رغم أنها كانت النظرية التي طغت على سائر النظريات من أربعينيات إلى ستينيات القرن العشرين ، وقد تركت تأثيرا عميقا في أساليب قراءتنا وكتابتنا الأدبيتين.

عارضت نظرية استجابة القارئ نظرية النقد الجديد في تعريفها للنص الأدبي وطريقة فهمها له ،كما رفضت النظرية البنيوية تركيز نظرية النقد الجديد على العمل الأدبي المفرد بمعزل عن الأدب بشكل كلي وعن النتاجات الثقافية الأخرى.

النص في حد ذاته:

إذا ما أردنا أن نقدر إسهامات النظرية النقدية الجديدة في الدراسات الأدبية خير تقدير، فإنه يجدر بنا أن نسترجع الصيغ النقدية التي حلت مكانها : النقد التاريخي القائم على سيرة الكاتب الذي انتشر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

إذ كان شائعا آنذاك تفسير النصوص الأدبية عبر حياة الكاتب وعصره للوصول إلى نية الكاتب ، أي المعنى الذي أراده الكاتب للنص. فقد كانت تدقق رسائل الكاتب ومذكراته ومقالاته وكذلك سيرته وما كتب عن حياته وكتب التاريخ بحثا عن مقصد الكاتب . بيد أن نظرية النقد الجديد تصب اهتمامها على النص ليس إلا .

إذ أصبح " النص في حد ذاته " شعاراً تبذل نظرية النقد الجديد فيه جهداً لتحويل انتباهنا نحو العمل الأدبي بوصفه المصدر الوحيد للتفسير.

ناقش نقاد نظرية النقد الجديد ما تتمتع به حياة الكاتب وعصره والروح السائدة في عصره من أهمية عند مؤرخي الأدب، لكن هذا كله لا يقدم أية معلومة لنقاد الأدب تعينهم في تحليل النص ذاته .

يرى نقاد نظرية النقد الجديد أن النص لا يرتقي تارة إلى مستوى قصد الكاتب، كما قد يكون أغنى وأعمق وأشد تعقيدا مما يدركه الكاتب تارة أخرى، وقد يختلف معنى النص كلياً عن المعنى الذي أراده الكاتب تارة ثالثة .

ولذا فإن معرفة قصد الكاتب لا تخدمنا في فهم النص، ولهذا السبب ابتكر نقاد نظرية النقد الجديد مصطلح " المغالطة المقصودة " للإشارة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن ما يقصده الكاتب مطابق لمعنى النص .

وبما أننا لم نعثر على معنى النص من خلال نية الكاتب، فإننا لا نستطيع الحصول عليه من خلال القارئ، إذ يرى نقاد نظرية النقد الجديد أن تفسير القارئ للنص ناتجة عن ارتباطات بتجارب شخصية، وليس تفسيراً للنص ذاته، وهو ما أسموه 

" المغالطة الانفعالية" للنص .

الطريقة الوحيدة لتفسير النص والوصول إلى معناه في نظر نقاد نظرية النقد الجديد هي البحث الدقيق أو " القراءة المتمعنة" لكل ما تعرضه لغة النص ذاته من دلائل : الصور، والرموز، والاستعارات، والقافية، والوزن، ووجهة النظر، والمكان، والشخصيات ، والحبكة ... الخ، وهو ما يعرف "بالعناصر الشكلية" .

إذا أردنا أن نفهم مصطلح "النص في حد ذاته" عند نقاد نظرية النقد الجديد فإننا نستعرض قولهم إن العمل الأدبي صالحاً لكل زمان، وعمل مستقل بذاته، وفعل شفهي .

وقد يختلف القراء وتختلف القراءات، لكن يبقى النص الأدبي كما هو .

  تؤكد نظرية النقد الجديد أن معنى القصيدة لا يمكن شرحه بمجرد إعادة صياغة القصيدة، وهذا ما اصطلحت عليه نظرية النقد الجديد بـ "بدعة إعادة الصياغة " . فمجرد تغيير بيت واحد ، أو صورة واحدة، أو كلمة واحدة ستنتج وفق رأيهم قصيدة جديدة .

اللغة الأدبية والوحدة العضوية :

تأتي أهمية الصياغة والعوامل الشكلية في النص الأدبي من " طبيعة اللغة الأدبية" المختلفة كثيراً عن اللغة العلمية واللغة التداولية، كما ترى نظرية النقد الجديد .

فإذا كانت اللغة العلمية تعتمد على المعنى الصريح للكلمة والتوافق بينهما فيما ترمز إليه من أفكار، فإن اللغة الأدبية تقوم على المعاني الإيحائية : المعنى الضمني ، والمعنى المرتبط، والمعنى المقترح، والمعنى المحرك للعواطف، وظل المعنى .

خلافاً للغة العلمية واللغة التداولية، فإن شكل اللغة الأدبية – اختيار الكلمات، وترتيبها بشكل يخلق تجربة جمالية - لا ينفصل المضمون عن المعنى .

فشكل العمل الأدبي ومعناه يتطوران سوياً ، ككائن حي متكامل ومعقد لا تنفصل أجزاؤه عن الكل .

وفي الواقع نجد معيار الحكم لدى النقاد الجدد على جودة النص مبنياً على الوحدة المتكاملة العناصر الشكلية فيه لتكوين موضوع العمل ومعناه كوحدة واحدة .

وعندما نلقي نظرة دقيقة على معايير القيمة الأدبية في الوحدة العضوية فإننا نجدها ترتكز على: التعقيد والترتيب .

الترتيب: هو أن تكون العناصر الشكلية متسلسلة بشكل منظم حسب أولويتها في النص .

التعقيد : هو تعدد المعاني وتعارضها في النص بالنسبة لنظرية النقد الجديد. 

هذه المعاني هي نتاج أساس لأربع أدوات لغوية هي :

- التناقض.

- التهكم.

- الغموض.

- التوتر.

نخلص من هذا إلى أن ما تعنيه " القراءة المتمعنة " والتمحيص الدقيق في العلاقة المعقدة بين العناصر الشكلية وموضوع النص: هو كيفية شكل الوحدة العضوية لنظرية النقد الجديد . 

9- نظرية استجابة القارئ النقدية 

غانم بن محمد الغامدي

تركز هذه النظرية على دور القارئ الذي لا يمكن إهماله ،والذي لم يكن غائباً من قبل ولكن كان حاضراً بصفته مستهلكاً للأدب وليس منتجاً له أو شريكا في إنتاجه ،فنقاد هذه النظرية يرون أن القراء هم من يشكلون معنى النص ، فقد نجد قراء مختلفين قد يقرؤون النص ذاته قراءات مختلفة , ويعتقد باحثو هذه النظرية أن فهم القارئ لنص معين يختلف باختلاف المناسبات والأزمنة، وما قد يكتسبه من معارف بين قراءة وأخرى، قد تضيء له جوانب مظلمة من النص ، لم يقف عليها من خلال قراءته الأولى للنص.

إذن نستطيع القول: أن استجابة القارئ لنص ما تخضع لعوامل مختلفة سواءً أكانت نفسية أم فكرية ، ومن خلالها يتشكل نصٌ جديدٌ ساهم في أنتاجه المتلقي . 

نظرية استجابة القارئ التبادلية

ترى هذه النظرية أن النص والقارئ كليهما ضروريان لتشكيل المعنى , ويحدث هذا التبادل عندما يعمل النص على تحفيز المشاعر والذكريات ، ويبدأ الربط بين نص مقرؤ ومخزون الذاكرة ، وبهذا يتولد لدى القارئ معنى، و يعمل النص على تصحيحه على مراحل مختلفة مع التقدم في قراءة النص ، وقد تقود عملية التصحيح هذه إلى إعادة قراءة بعض المقاطع ، وهكذا يكون النص قد قاد المتلقي إلى نص أدبي يعد هو نتاجا لهذا التبادل بين النص والقارئ. 

الأسلوبية الانفعالية

استفادت الأسلوبية الانفعالية من التعمق في تحليل فكرة أن النص الأدبي حدث يحدث يتكون من قراءته، ويعد كثير من واضعي هذه النظرية هذا المنهج تبادلياً، إلا أن مطبقي الأسلوبية التأثيرية لا يعدون النص هدفاً أو وحدةً مستقلة, فالنص هو النتائج التي يحدثها .

وأكثر ما تشتهر به الأسلوبية التفاعلية هو تحليل كيفية بناء النص استجابة القارئ .

(1) نظرية استجابة القارئ الذاتية 

يرى واضعو هذه النظرية أن استجابات القراء هي النص الحقيقي ، معتمدين بذلك على عمل ديفد بليتش، بمعنى أنه لا يوجد نص أدبي ، فالنقاد يتعاملون مع استجابات القراء المكتوبة ليس مع العمل الأدبي , ولفهم عدم وجود نص أدبي لابد من التفريق بين الأشياء الحقيقية مثل الصفحات المطبوعة والأشياء الرمزية التي تنشأ عند قراءة هذه الصفحات , فهو يدعو القراءة أي_ المشاعر والروابط الذهنية والذكريات التي تحدث عندما نستجيب ذاتياً للكلمات المطبوعة_ بالترميز؛ أي أن إدراكنا وتمييزنا لتجربة قراءتنا تخلقان عالما فكريا أو رمزيا في ذهننا عندما نقرأ إذن , فعندما نفسر معنى النص , فإننا نفسر في الواقع ترميزنا الخاص. لذا يدعو بليتش عملية التفسير بإعادة الترميز .

فردود القراء وانطباعاتهم الناتجة عن تجارب سابقة أحياها النص من خلال إحدى شخصياتهم تساوي النص عند نقاد هذه النظرية .

نظرية استجابة القارئ النفسية

يعتقد ناقد التحليل النفسي نورمان هولاند أن دوافع القارئ تؤثر تأثيراً قوياً في طريقة فهمه للنص , ويسمي طريقته بالتحليل التبادلي ,بسبب اعتقاده أن القراءة تنطوي على تبادل يحدث بين القارئ و نص حقيقي ،إلا أنه مع زعمه بوجود نص موضوعي يهتم بما تكشفه تفسيرات القراء عن أنفسهم , وليس عن النص.

ويرى أن تفاعل القارئ مع النص هو بقدر استجابته للأحداث في الحياة اليومية ,فالمواقف التي تثير دفاعاته في الحياة الاجتماعية ، تتسبب في اتخاذه موقفاً دفاعياً عند القراءة ، ويكون تفسيره أو استجابته للنص هو اسقاطاً لما أسماه موضوع الهوية ، أو أننا نعيد _وبطريقة مختلفة_ خلق العالم الموجود في عقولنا في النص دون وعي منا. 

(2) نظرية استجابة القارئ الاجتماعية

وفقاً لهذه النظرية، لا توجد استجابة ذاتية فردية خالصة، فاستجاباتنا الذاتية الفردية هي نتاج الجماعة التفسيرية التي ننتمي إليها ونتشارك معاً في إستراتيجيات التفسير، مدركين ذلك أو غير مدركين له ، وتَنتُج هذه الإستراتيجيات التفسيرية دائماً من أنواع من الافتراضات المتأصلة في الثقافة ومؤسساتها.

إذن، فالمقومات التي تجعل القصيدة قصيدة، لا تكمن في النص، بل في إستراتيجيات التفسير التي تعلمناها شعورياً أو لا شعورياً قبل التعاطي مع النص .

10- النظرية النقدية البنيوية 

تَلْخيصُ بِنْيَةِ الأنواعِ الأدبيَّةِ 

إبراهيم بن سعد الحقيل

  تُعدُّ البِنيوية من مناهج النقد التي تُعنى بالأدب، لأن الأدبَ من الوسائل الأساسية لفهم العالم من حولنا، فهي طريقةٌ للتحليل تجعل الأدب حقلاً للدراسة.

والبنيوية تحاول فهم النص، وتركز على وصول النص إلى ما يَعْنيه، ويُقْصَدُ إليه "القَصْدِيّة" وتركز البنيوية في تعاملها الأدبي على ثلاثة حقول:

1- تصنيف الأنواع الأدبية.

2- تحليل العمليات السردية. 

3- تحليل التفسير الأدبي.

ومن النظريات البنيوية:نظرية الأنواع الأدبية،التي وضعها الناقد نورثروب فراي، وسماها "نظرية الأساطير"، وهي تسعى إلى فهم المبادئ البنيوية التي يقوم عليها الأدب الغربي، وهي تكشف البنى الأساسية التي تشكل الأنواع الأدبية: الكوميدي ،الرومانسي ، التراجيدي، الساخر، وهي ترى أن البشر يُسْقِطُون تخيلاتهم السردية وفق طريقتين:

1- عن طريق تصوير عالم مثالي.

2- عن طريق تصوير عالم واقعي.

فيكون العالم المثالي مليئاً بالبراءة والحب والوفرة، فهو مرتبط بالعالم الرومانسي من الأدب، ونجده في المحاولات الناجحة التي يتغلب فيها بطل خير وفتاته الجميلة على المخاطر والشرور المحيطة بهما، أما العالم الواقعي فيظهر في الأدب الساخر، فهي تمثل العالم الواقعي المشاهد من خلف عدسة التراجيديا، تُهزم فيه الشخصيات الرئيسة على يد تعقيدات الحياة المربكة والمحبطة، إذ أنها تناضل في سبيل البطولة لكنها لا تفلح أبدا، فالأبطال يعانون مثلما البشر، ولو كان ذلك في عمل أدبي، ومن أمثلته: مسرحية العاصفة، لشكسبير.

فالسخرية هي العالم الحقيقي المرئي من خلال عدسة كوميدية عالم الحماقة والتنافر، ويكون عَرْضُ الإخفاقات البشرية بطريقة تهكمية،فيها مرارة الفشل وجفاف الوصول، 

إذن فالرومانسية تحدث في عالم مثالي تخيلي، والسخرية تحدث في عالم واقعي.

التراجيدي، وهو ما يحدث عن طريقه الانتقال من العالم المثالي إلى العالم الواقعي(الرومانسية إلى السخرية) أي من البراءة إلى النضج، تصور التراجيديا بطلاً يمتلك القدرة ليكون متفوقاً كبطل الرومانسية، ولكن التراجيديا يسقط البطل فيها سريعاً إلى عالم الواقع.

والكوميدي، انتقال من العالم الواقعي إلى العالم المثالي، من التجربة إلى البراءة، ونجد الشخصية الرئيسة في الكوميديا تهرب من صعاب الواقع عن طريق التلاعب بالحبكة وتتغلب على الظروف الصعبة، وتكون الشخصيات المعيقة للبطل مرحة ومضحكة، وتكون النهاية انتقال المحب مع محبوبته من عالم مليء بالعقبات إلى عالم أسعد وأفضل وألطف. 

إن تلك الأنواع الأربعة ترتبط بكل نوع أدبي يربط نفسه بموضوعات وأنواع من الشخصيات والأحداث، بأمزجة وحبكات معينة تشكل في مجملها نوعاً من الحبكة العليا، التي هي مفتاح لفهم النظام السردي. إن الغاية التقليدية تظم أربعة مكونات بنيوية:

1- الصراع، وهو أساس الرومانسية. التي تأتي في حلقات من المغامرات ويواجه فيها الأبطال الخارقون العقبات.

2- الكارثة، وهي أساس التراجيديا الذي يسقط فيه الأبطال.

3- الفوضى والارتباك، وهي أساس السخرية التي تكشف انتصار الفوضى واستحالة مقاومة ذلك الانتصار.

4- النصر، وهو أساس الكوميديا، يكون فيه البطل مع محبوبته بمكانة مركزية في نظام مجتمعي أفضل. 

فهي على التوالي تمثل "السعي المطلق وراء الأسطورة " ويسمى هذا التصنيف "النقد النمطي" أو نقد النموذج الأصلي، لأنها تساعد على بناء أنماط سردية معينة على مرّ تاريخ الأدب الغربي. 

وعلى الرغم من اختلافها الظاهري إلا أن بُناها تبقى واحدةً لا تتغير، ويدعو فراي إلى فهم البنيويةِ من خلال نظرية "الأساليب أو الطرائق" مُعتمداً على الخيال الأدبي، مقارناً بين الشخصية الرئيسة وما تقوم به مقارنة مع ما تقوم به الشخصيات الأخرى المحيطة، وتكون الأساليب والطرائق بحسب تفوقها من عدمه، فهي قد تفوق قدرات البشر أو تماثلها، فهو يقسم القوة الشخصية إلى: كائنات إلهية وأبطال، وقادة، وأناس عاديين، وخصومٍ وأبطال. 

وفيما جعل فراي الأسطورة خارج الأصناف الأدبية المعتمدة، رغم أنها شكلٌ سرديٌّ قديم ولكنه جعلها مع الكوميديا والواقعية تحت العنوان نفسه، وهو تناقضٌ، تلافاه شولز حينما عدَّلَ أساليب فراي، وأخرج الأسطورة من الأسلوب الأدبي، وأعاد التقسيم 

بنية السرد (علم السرد)

تحليل أي نصٍّ سردي بنيوياً يحصي النص داخلياً بدقة وتفصيل،من أجل اكتشاف الوحدات البنيوية الرئيسة، مثل "وحدات توالي السرد" أو وظائف البنيوية الرئيسة "الشخصيات " التي تحكم عمليات السرد. وهو ما ينتمي له أكثر مدارس النقد الأدبي السردي، ومن أمثلته:

1-جريماس 

يرى جريماس أن البشرَ يشكلون المعنى عن طريق الأزواج المتقابلة،( أ عكس ب"و "نفى أ عكس نفى ب" فكل شئ في العالم تراهُ على أساس امتلاك هذين المنحيين" الحب عكسه الكره" "نفي الحب هو غياب الحب" هذا النموذج التقابلي يشكل لغتنا وتجاربنا، والسرد الذي نتحدث من خلاله عن تجاربنا، ويرى أن البنية تكون كامنة في الحبكة، كالصراع، والكفاح، والمصالحة، وهي تنفذ وظائف الشخصيات القصصية، وقد تؤدي الشخصية أكثر من وظيفة.

وأن الحبكة ومدى تقدمها من صراع إلى حل أو فراق إلى لقاء تضمن نوعا من الانتقال داخل وظائف الشخصيات. فالسرد يجمع بين قصة السعي خلف الهدف والرغبة في الوقت نفسه، ففي قصة حب يكون البطل فاعلاً ومستقبلاً، والبطلة مفعولا به ومرسلاً في الوقت نفسه، وقد اقترح جريماس أن البنى المستنبطة من دراسة الحكايات الشعبية:

1-البنى العَقْدِيَّة، تتضمن وضع اتفاق أو مخالفته، أو تأسيس الأمور الممنوعة أو مخالفتها .

2-البنى الأدائية، وهي بنى أداء المهام والمخالفات. 

3-البنى التفصيلية وهي بنى تتضمن السفر والحركة...

فكل طرحٍ يدمج شخصية بفعل غير قابل للاختزال " قتل عليٌّ صالحاً" أو يدمج شخصية بصفة بفعلٍ غير قابل للاختزال مثل "صالح شرير" ويكون التوالي سلسلةً من الطروحات المستقلة، الأولى "عزو الصفة" والثانية "الحدث" والثالثة " عزو الصفة" بحيث أن القصة تحتوي على توالٍ واحد على الأقل، ويجعل ترودروف لنظامه البنيوي تقسيمات أخرى مثل: النفي "غياب صفة أو حدث" ، وجود حدث أو صفة بدرجات مختلفة، والأساليب "مدى أهلية حدث" وتتيح قاعدة السرد عند ترودروف تحليل النصوص بناء على ما يُعتقد أنها الخصائص السردية الرئيسة في العمل، عن طريق دمج شخصية "اسم" مع حدث "فعل" أو صفة "سمة" 

ووضع الناقد البنيوي جوناثان كالر نظرية "بنية التأويل الأدبي " ويعتقد كالر أن النظام البنيوي الذي يحكم كلا من كتابة النصوص الأدبية وتأويلها ليس إلاّ نظاماً من القوانين والشفرات التي ملكناها بوعي أو بغير وعي، وهي تساعدُ على فهم النصوص الأدبية، إن قصصَ الجنيَّاتِ والسِّحِر التي يعدُّها الناسُ قصصاً خيالية لا يجب ألاّ تُفهمَ حرفياً، لأن تلك القوانين والشفرات التي يطبقها قارئان مؤهلان لا تؤدي إلى فهم واحد مطلقاً، بل حسب تأويلاتهما يفهمان النص.

يبني كالر نظريته على "المسافة و"الموضوعية "والتطبيع "وقانون الدلالة" و"قانون الترابط المجازي" "وقانون وحدة الموضوع" .

1-المسافة والموضوعية، هي ذاك الافتراض الذي نضعه أمامنا حالما نجد أنفسنا نقرأ الأدب بأي شكل: قصة أو صحيفة... إلخ، فنحن ندخل عالماً خيالياً، وهذا يخلق مسافة بيننا وبين العمل وما يعنيه، فنحن لا نربطه بالتجارب البشرية الواقعية، ويُسمّى تلك المسافة "الشفرة".

2-التطبيع، هو ما نقوم به من تحويل النص الأدبي الغريب المليء بالأوزان والقافية .... إلى شيء يشبه العالم الذي نعيشه. فمن يقرأ "حبيبتي كالكمثرى الناضجة" لا يخطر بباله أن الراوي في علاقة غرامية مع حبة كمثرى، بل نقول بالتطبيع ،ونفهم كلامه مجازياً.

3-قانون الدلالة، يحملنا على افتراض أن العمل الأدبي يعبر عن موقف دلالي مهم، يتعلق بمشكلة مهمة، فلا بد من اهتمام كبيرٍ بما يقوله النص.

4- وقانون الترابط المجازي هو ذاك المتطلب الذي يجب أن يكون موجوداً لربط جزأي المجاز بعضهما ببعض، مع المحافظة على ترابطهما المستمر منطقيا داخل العمل الأدبي، فنومٌ في العراء لرجل كبير في السن في جو شديد البرودة حتى التجمد، يشير إلى الموت وليس لنومٍ هانئ.

5-قانون وحدة الموضوع، هو أن يمتلك النص الأدبي وحدةً موضوعية مترابطة، وتصل إليها عن طريق:

أ-فهمنا لوحدة الموضوع على أنها تقابل أزواج "الخير ضد الشر ".

ب-فهمنا له على أنه انتهاء تقابل الأزواج "انتصار الخير على الشر".

ج-فهمنا له على أنه استبدل تقابل الأزواج بشيء ثالث "احتواء الطبيعة للخير ضد البشر"

فنظرية كالر البنيوية تهمُّ مُنَظِّرِي نظرية استجابة القارئ،فهي تماثل نظرية ستانلي فيش "استجابة القارئ". إن فهمنا للأدب يركز على التأويل وإستراتيجياته التي نطبقها على النص، لأن البنيويين يعتقدون أننا نخلقُ عالماً من حولنا بإسقاط بُنى وعينا عليه، فينتجُ عن ذلك نظرية القارئِ، وأنه يخلقُ العملَ أثناء قراءته له. لقد درس كالر بدراسةِ التأويل والشفرات، التي تكون بقصدٍ أو بغير قصدِ فاعلِهِ، عندما يكتب المؤلفون ويؤول القراءُ.

11- النظرية النقدية البنيوية 

مشاري محمد المشاري

لا بد لدارس المدرسة البنيوية إدراك الاستخدام الشائع لكلمة " بنية " فدراسة البنية المادية لمبنى ما للكشف عن جماله مثلاً لا تعني أنك منخرط في نشاط بنيوي .

وإذا كنت تدرس البنية المادية لكل المباني في مدينة معينة في عام معين للتعرف إلى النسق البنوي لها فأنت منخرط في نشاط بنيوي.

وإذا كنت تدرس مبنىً معيناً لتكتشف كيف يشير بناؤه إلى مبدأ بنيوي معين . فالدراسة الكلية تعد نظاماً بنيوياً .

والجزئية تفسير كيفية انتماء شيء واحد إلى طبقة بنيوية معينة وفي الأدب إذا وصفت بنية قصة قصيرة من أجل فهم النص ومعرفة جماله ورداءته فلست منخرطاً في نشاط بنيوي.

أما إذا درست بنية عدد كبير من القصص القصيرة لتكشف المبادئ الأساسية التي تحكم نسقها مثل التوالي السردي أو التشخيص فهذا نشاط بنيوي.

والبنيوية ليست حقل اختصاص وإنما طريقة تسعى لفهم السلوك البشري وتنظيم تجربته في شتى المجالات.

والعالم بالنسبة للبنيوية : 1) مستوى ظاهر 2) مستوى خفي.

الظاهر : " الظواهر السطحية مثل : العدد غير المحدود من الأشياء النشاطات ، السلوكيات.

الخفي : البنى التي تشكل وتنظم كل الظواهر التي نستطيع فهمها.

مثل : اللغة : تتكون من ملايين الكلمات وتلفظ كل كلمة بطريقة مختلفة.

الكلمات : ظواهر سطحية.

البنى : قد لا يدرك المتحدث تلك الروابط والقوانين والصوتيات في اللغة ومع ذلك يتحدث بها.

إذن المبادئ البنيوية في كل الأمور سواء أدركناها أم لم ندركها هي تنظم عالمنا.

اللغويات البنيوية:

يعد فيرديناند دي سيسيور العقل هو العامل وراء تطوير اللغويات البنيوية.

سيسيور سمى بنية اللغة بـ ( اللغة ) والظواهر السطحية بـ ( الكلام ).

تقول البنيوية : أن العقل البشري يدرك الاختلاف من خلال الأضداد " التقابل البنيوي"

سيسيور خالفهم بقوله : أن العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية فليس من الضروري أن توجد علاقة بين الشجرة وصوت ش ج ر فهي اعتباطية لا تخضع للمنطق بل للأعراف الاجتماعية التي تسمي الأشياء كما تريد.

ففهمنا للعالم بالطريقة التي نقوم بها يحدث من خلال اللغة ، ولهذا فإن تعلم لغات أخرى يعني تعلم رؤية العالم بطريقة أخرى.

· علم الإنسان البنيوي:

أنشأه كلود ليفي شترواس

هدفه التعرف على الصفات المشتركة بين البنى التي تجمع كل الثقافات البشرية بغض النظر عن الفروق الجلية في الظواهر السطحية:

مثال : بدء مرحلة النضج.

مجتمع يختبر نضج فرد برميه في البرية وخروجه منها سالماً.

مجتمع أخر يحتفل بمرور العام الواحد والعشرين لطالب في سكن الجامعة.

الفرق في الظواهر السطحية فقط.

فنجدهم يحتفلون بعودته سالماً بتغسيله من قبل أعضاء مجموعته ويطعمونه قلب حيوان قوي والآخرون يحتفلون بإطفاء الشموع ويطعمونه الكعك والشراب.

وفي كليهما احتفال.

يرى شتراوس من منظور بنيوي أن العدد الهائل للأساطير من ثقافات مختلفة يمكن اختصارها من خلال البنيوية ليكون عدداً بسيطاً يسمى " وحدة الأسطورة الرئيسة" ومما لا شك فيه أن الأساطير أنماط سردية فوحدة الأسطورة الرئيسة تعد بنية سردية.

يؤمن بعض النقاد البنيويين بأن الأدب ليس إلا إعادة قص لنفس الأسطورة لكن خلف أقنعة مختلفة.

السيميائية: دراسة أنظمة الإشارة ، وتعرف بأن الشيء أو السلوك اللغوي أو غير اللغوي الذي يمكن تحليله وكأنه لغة متخصصة فتدرسها البنيوية على نحو رمزي.

والآن نستعرض لنماذج غير لغوية للسيميائية .

1- فتاة شقراء جميلة فاتنة تروج لإعلان لمشروبات روحية.

وعند تحليل هذا الإعلان سيميائياً يظهر أن من يشرب هذا المشروب يكون جذاباً للنساء الجميلات.

2- تحليل رولاند بارت للمصارعة الحرة ومفاده : منح الجماهير الشعور الرائع بالرضا عند مشاهدتهم للعدالة تنتصر.

اللغويات عبارة عن دال ومدلول ، والسيميائية لا تعارضه إطلاقاً بل أنها تتوسع في مفهوم الدال ليشمل الأشياء والإيحاءات والأنشطة والأصوات.

والإشارات في اللغة تنقسم إلى ثلاثة: مؤشر ، أيقونة ، رمز . لكن السيميائية تختصر دراستها على تحليل الإشارات التي تعمل رمزاً.

· المؤشر : يكون الدال محسوساً ونتيجة للمدلول ، الدخان يدل على النار . طرق الباب يدل على أن أحداُ بالخارج.

· الأيقونة : إشارة يحاكي الدال فيها المدلول مادياً . لوحة فنية تصور شخص ما . مثل صورة جون كيندي.

· الرمز : تعد اللغة نظام إشارات رمزية مثل ( شجرة ) وكيف يشير هذا الدال على المدلول ( شجرة ) فقط لأن المتحدثين باللغة اتفقوا على اعتبارها كذلك.

أمثلة على الإشارات :

- حبيبات الثلج على نافذة منزلك " مؤشر " للشتاء.

- لوحة تعرض منظراً متجمداً " أيقونة " للشتاء.

- الوصف الكتابي لهذا المنظر الثلجي في قصة جاك لندن تعبر " رمزاً " للموت.

والرمز هو النوع الوحيد القابل للتحليل .

البشر ليسوا من يحدد أن النار تنتج دخاناً " مؤشر"

البشر لا يستطيعون أن يحددوا أن اللوحة لا بد أن تلتزم بعرض ملامحه كما هي لأن هذا هو الوضع الطبيعي لرسم صورة لشخص ما

لكن البشر هم من يحدد أن اللون الأبيض يرمز للعذرية والأحمر للجنس والقرون والشوك ترمز للشيطان والصليب يرمز للنصرانية.

وأخيراً نقول أنك تستطيع أن تقوم بتحليل سيميائي لأي شيء تدركه بحواسك مثل : جريمة قتل غامضة أو قصة حب . لأن كل شيء بالنسبية عبارة عن إشارة .

عالم البشرية ليس إلا نصاً ينتظر أن يقرأ.

البنيوية والأدب

الأدب هو الوسيلة التي تمكن البشر من فهم العالم من حولهم.

وهناك توازياً بين الأدب والبنيوية فالأدب حقل الدراسة والبنيوية طريقة التحليل.

وتحتل البنيوية مكانة هامة عند دارسي الأدب لأن الأدب فن لفظي وهذا يعني أن علاقته مباشرة جداً .

وسيتركز التعامل مع الأدب وفق البنيوية على البعد السردي للنصوص الأدبية . لأنها تتعامل بشكل أساسي مع السرد .

والسرد يشترك في الكثير من البنى مثل : الحبكة – الزمان – المكان والشخصيات.

ومجمل القول : البنيوية لا تهتم بمعنى النص بل بكيفية وصول النص إلى ما يعنيه ولذلك فإن الشخصيات من " جاتسبي العظيم" أمثال جي جاتسبي وديزي ، وتوم ليسوا إلا ظواهر سطحية تستمد معناها من خلال ارتباطها بالبنى التي تتبع لها : البطل ، الفتاة الموجوعة ، والشرير.

ونذكر هنا مدرسة استجابة القارئ وتركيزهم على كيفية نقل المعنى لا المعنى نفسه وهي بلا شك تلتقي مع البنيوية .

وتؤمن البنيوية أن المبنى التي تدركها في الأدب ليست إلا اسقاطات لبنى الوعي البشري.

ومدرسة تجربة القارئ هدفها المطلق هو فهم تجربة القارئ وهو عند البنيوية من الأمور التابعة للظواهر السطحية.

خلاصة القول: 

البنيوية لا تحاول تفسير معاني نصوص مفردة أو الحكم على نص معين كونه أدباً جيداً أم رديئاً لأن هذه أمور تابعة للظواهر السطحية ولكنها تهتم بلغة النصوص وبناها التي تمنح النص معناه.

12- النظرية النقدية التفكيكية 

تلخيص زيد الضفيان

· نظرية تطورت بوساطة الفرنسي جاك دريدا في أواخر الستينيات , وكان لها تأثير كبير على الدراسات في السبعينيات.

· التفكيكية تنمي قدراتنا على التفكير النقدي , وهي مفيدة لنظريات أخرى مثل الماركسية والنسوية عن طريق تفكيك اللغة, وتحديد الطرق التي تفسر التجارب الناتجة عن الأيديولوجيات المتغلغلة في اللغة.

· يقول دريدا : اللغة شيء مرن وغامض لا يعتمد عليها في التواصل البشري .

تفكيك اللغة

· النظرية التفكيكية تعد اللغة بالنسبة لها مراوغة وغامضة أكثر مما نظن, مثال على تعدد المعاني( Time flies like a narrow ) المعنى: يمر الوقت كالسهم , ذباب الوقت يحب السهم, أخرج ساعة التوقف واحسب زمن سرعة الذباب كما تحسب سرعة السهم.

· ويضاف لها أيضا التغيرات في درجة الصوت أو نغمته عند النطق بالكلمات, يكشف لنا أن اللغة مراوغة ولا يمكن فهمها بسهولة, مثال:

قول مذيع الأخبار "يقول الرئيس ريغان : إنه لا يتوجب على قوات البحرية الذهاب للسلفادور " 

طريقة اللفظ:

1. تعني انه يكذب.

2. تعني انه يصحح إشاعة.

3. تعني أن مجموعة أخرى من القوات يتوجب عليها الذهاب.

4. تعني أن شخصاً مهماً آخر قالها من قبل.

5. تعني أنهم يمكنهم الذهاب إن أرادوا.

6. يجب عليهم الذهاب إلى مكان آخر.

· التفكيكية تبحث عن الغموض داخل اللغة , فتطرح الأسئلة التي تتعلق بالمناحي الغامضة في الجملة , مثل: هذه شجرة ضخمة.

هل يقصد : ضخمة مقارنة بحجمها , أو بحجم شجرة أخرى , وإذا كانت كذلك فأي شجرة تلك , وهل هو متفاجئ, أم يخبرنا أنها ضخمة فحسب....؟

كثير من التساؤلات.

· التفكيكية تعد عملية التواصل اللغوي شيئاً معقداً وغير واضح.

· تقول التفكيكية إن اللغة لا تعود على الأشياء وعلى مفاهيمنا عن هذه الأشياء بل تعود الى تطاير ولعب عدد لانهائي من الدوال التي تتكون منها اللغة .

وبذلك تكون حياتنا الذهنية متكونة من دوال دائمة التغير والتبدل والتطاير في كل اتجاه.

ونخلص إلى أن دريدا يؤمن أن للغة سمتين مهمتين :

1. تطاير الدوال وتلاعبها في كل اتجاه يرجى به الوصول إلى معنى جديد باستمرار.

2. أن المعنى الذي يبدو ظاهراً لدينا ليس إلا نتاج الاختلاف عن دوال أخرى.

في إحدى الطرق التي تحدد اللغة فيها تجاربنا قام دريدا باستعارة مبدأ في نظرية النقد البنيوية وتحويره :: فمثلا فهمنا لكلمة (خير) يعتمد على فهمنا لكلمة ( شر) , والذي أضافه دريدا لهذه النظرية هو الثنائيات : ملاحظته للشكل الهرمي الذي يجمع الأزواج المتقابلة : زوج في قاع الهرم الأقل شأنا وآخر في الأعلى (الأسمى والأفضل) فيجب علينا أن نمحص الطرق التي تثبت أن الطرفين ليسا متقابلين أو متعاكسين تماما, وأنهما يلتقيان في بعض الأمور مثل : 

الموضوعية ضد عدم الموضوعية أو ذاتي 

عدم الشخصنة 

الشخصنة 


العقلانية 

العاطفية 

البعد العلمي 

البعد غير العلمي 

يعتمد على الأخبار 

لا يعتمد على الأخبار 

مصدر المعرفة 

مصدر للرأي 

نبدأ عملية التفكيك:

v كيف يحدد المراسلون والعلماء الموضوعية التي يجمعونها؟

v على أي أساس يستندون في أخذ معلومات معينة وإهمال أخرى؟

v حتى لو كان عندهم سياسات في جمع المعلومات, كيف نتأكد من موضوعية السياسات؟

v أليس للمذيعين والمؤرخين والعلماء حاجات ورغبات شخصية قد تؤثر فيهم, سواء أأدركوا ذلك أم لا؟

v هل يستطيع الأنسان أن يجرد نفسه من مشاعره ووجهات نظره وميوله.

إذن, في إجابة هذه الأسئلة يتضح لنا : أن الموضوعية ليست إلا عدم موضوعية متخفية.

تفكيك الهوية البشرية

    إن تجاربنا الشخصية مع العالم من حولنا تعد من نتائج اللغة. ولأن كل اللغات غير مستقرة ومليئة بالغموض, فلا بد أن يكون البشر خاضعين للقاعدة نفسها أي غير مستقرين وغامضين ومن ثم فإن رؤية الشخص لنفسه بوصفه صاحب هوية ثابتة ليس إلا وهماً يطمئن الشخص به نفسه, ففي الحقيقة كل شخص يمتلك شخصيات تتألف في أي وقت من عدد من المعتقدات والرغبات والمخاوف, ومثال ذلك: أن الشخص يكون له شخصية مع زملائه في العمل تختلف عن شخصيته في المنزل مع أهله أو مع أصحابه في نزهة وهكذا هو

تفكيك الأدب

مما سبق يتضح لنا ثلاث مسائل في الفكر التفكيكي:

1. أن اللغة غير مستقرة وغامضة .

2. أنه لا يوجد مركز للوجود (قاعدة).

3. أن البشر يُعدون ساحة لمعارك مشتتة, نخلق فيها هويات لا محدودة فكلمة

( غير مستقر) عامل مشترك في كل ما سبق, وهي كذلك الصفة التي تطلق على الأدب في منظور هذه النظرية.

· تعُدُ التفكيكية المعني في الأدب ليس عنصراً مستقراً كاملاً داخل النص, بل هو شيء يخلقه القارئ عن طريق القراءة أو بالأحرى عن طريق تلاعب اللغة من خلال الوسيلة المتاحة " القارئ".

· هناك هدفان لتفكيك النص الأدبي :

أ‌- كشف حقيقة النص الذي يحتوي على عدد لا يحصى من المعاني المتضاربة عن طريق:

1. أخذ كل التفاسير المحتملة ( للشخصيات والأحداث والصور إلخ).

2. شرح كيف تتضارب هذه التفاسير بعضها مع بعض.

3. شرح كيف تنتج هذه التضاربات تفاسير أخرى وهكذا.

4. استخدام ما ذكر لتظهر عدم يقين النص.

ب‌- كشف العمليات المعقدة للأيدولوجيات التي يتكون منها النص" تعقيد أفكار النص"

فمثلاً نظرية النقد الجديد تكشف بأن النص يعمل باعتباره جزءاً واحداً , وأن كل أجزائه تدعم وتثبت المعنى الأوحد للنص.

فالنقاد الجدد (يحددون الصراع الموجود داخل النص, ثم يشرحون كيفية حل الصراع مع المضي قدماً في النص؛ ليوضحوا أن كل هذه النواحي تخدم هدفاً واحداً وهو إثبات المعنى الأوحد للنص)

النظرية التفكيكية: تعد ذلك تواطؤا مع النص لإخفاء تناقضات النص الذاتية التي تكشف محدودية إطاره الأيديولوجي فلذلك علينا البحث عن معان في النص تتناقض مع موضوعه.

13- نظرية النقد التاريخي الجديد 

إعداد: محمد فزع ذياب الربيعية 

لقد نشأ معظمنا على التفكير بالتاريخ على الطريقة التقليدية ,فعندما ننظر مثلا إلى كتاب المؤرخ الأمريكي يتحدث عن الحرب العالمية عام 1944م, فإن أصحاب النظرة التقليدية يسألون ؟؟

هل عرض الأحداث عرضا دقيقا؟ وماذا يخبرنا هذا العمل عن روح العصر ؟أما المؤرخ الجديد فيسأل عن المشاريع السياسية والصراعات الإيديولوجية الثقافية لهذا العمل ؟ 

إذن فالمؤرخ التقليدي يسأل, ماذا حدث ؟ فيخالفه المؤرخ الجديد في سـؤاله : كيف جرى تأويل الحدث وتفسيره ؟ 

اختلاف الأسئلة يدل على أن معظم المؤرخين التقليديين يرون أن الأحداث تسير ((بخط مستقيم )), وتربطها علاقة السببية, وأنهم يستطيعون تفسير الأحداث بطريقة موضوعية ,وأن التاريخ تقدمي: أي أن البشر يتحسنون بينما يعتقد المؤرخون الجدد في المقابل أننا نستطيع الوصول من خلال النظرة التقليدية إلى الحقائق التاريخية ((الأساسية فقط)) فمثلا : أول رئيس أمريكي هو جورج واشنطن . وأن هتلر هُزم في معركة واترلو , وهكذا .

وهذا يعني أن فهمنا ماتعنيه هذه الحقائق, ومكانها من الشبكة المعقدة الاجتماعية والمشاريع السياسية في ذلك الوقت ,لايعدو أن يكون تأويلات 

أو تفسيرات وليست حقائق .

ويعتقد المؤرخون الجدد أن الوصول إلى التأويلات التي يمكن تصديقها والإعتماد عليها يعد أمراً صعبا ً لأسباب ؛

منها: (( استحالة التحليل الموضوعي )), بسبب أن المؤرخين بشر يعيشون في زمان ومكان محددين , وهذا يجعل آراءهم عرضة للتأثر بماحولهم, وكذلك طريقة عرضهم للخطأ والصواب تؤثر في طرق تأويلهم للأحداث . وكذلك من الأسباب : هي طبيعتها المعقدة , فكل فترة من الفترات تشهد تغيراً في الأحداث إما تقدم في حقل ما أو تأخره ,وكذلك قد يختلفان في تحديد ماتقدم ومالم يتقدم .

ويرى المؤرخون الجدد أن الأحداث تتعدد أسبابها وتتعقد ,ويصعب تحليلها وأن أي حدث سواء أكان انتخابات سياسية أو مسلسل أطفال كرتوني فهو يعد نتاج ثقافته ,وفي الوقت نفسه يؤثر في ثقافته ,فهي تمثل انعكاس للثقافه التي تتبع لها ,وبناء على ذلك فإن ثقافتنا تتسبب في انحيازنا وأن هويتنا الشخصية ليست نتاج المجتمع فحسب وإنما هوعلاقة بين الهوية الفردية والبيئة الثقافية فهي تعد بأنها علاقة تكوينية .

ويعد المؤرخون الجدد أن السلطة لاتنحصر في شخص ,بل تنتشر في كل اتجاه كالسلع المادية من خلال البيع والشراء وكذلك الضرائب, وتبادل البشر كالزواج , والعبودية من خلال الخطابات الثقافية للأفكار.

يمكن تعريف الخطاب بأنه لغة اجتماعية نتجت في ظروف ثقافية معينة في مكان وزمان معينين , فهو طريقة معرفة التجارب الشخصية بين البشر , إلا أن المؤرخين الجدد يرون أنه لا يوجد خطاب قادر على شرح التعقيدات الثقافية للسلطة الاجتماعية لأنه لاتوجد (( روح عصر موحد)).

ولذلك يعد المؤرخون الجدد أن خطاب السلطة قد يحفز معارضي السلطة أيضا , فالدولة الدكتاتورية في بلد صغير لايملك السلطة وحده . فلابد أن يحافظ على السلطة عن طريق عدة خطابات فالخطاب "الديني " يروج للملك الحق الإلهي في طاعة البشر له ,والخطاب "القانوني" يعتبر عدم الطاعة جريمة ,والخطاب "العلمي" يروج لنظريات كنظرية داروين " البقاء للأصلح ".

من خلال الأمثلة السابقة يتبين أن هناك أموراً مثل (( الصواب )), و (( الطبيعي )) ,غير ثابتة ولذلك نجد أن المثلية الجنسية تُفسر تفسيرات مختلفة في كل فترة ,فمرة تعتبر أمراً طبيعياً, ومرة جريمة , ومرة شذوذاً . وينطبق هذا على غيرها مثل :أكل لحوم البشر, وزنى المحارم ,لقد عد ميشيل فوكو كل تعريفات "الجنون","الانحراف الجنسي",نظماً اجتماعية يحافظ من خلالها صاحب السلطة على مكانته .

كذلك ,عندما تدعم تعريفات السلوك الاجتماعي وغير الاجتماعي سلطة فرد معين أو جماعات معينة , مثلما فعل الجنرال كاستر عندما قام بإبادة الأمريكيين الأصليين فهو يعتبر عملاً مشيناً, لكنه لما كانت رغبت الحكومة بذلك لأنه يخدمها فأصرت على عدم نشر التفاصيل في ذلك .

يقسم المؤرخون الوثائق التاريخية قسمين/ الاول : رئيسي كالرسائل والخطابات أما الثاني : فهوتفسيرات المؤرخين للأحداث وبما أن النصين يعدان شكلاً من أشكال النصوص السردية, كالقصة ,وغيرها فيستخدمون أدوات النقد الأدبي , فبرزت سرديات تاريخية مقموعة كالتي تختص بالنساء والفقراء والعبيد واهتموا بها .

وقبل أن ننتقل إلى مناقشة نقد التاريخ الجديد والأدب علينا أن نراجع سريعاً مفاهيم النظرية الرئيسة:

1-كتابة التاريخ ليست إلا مسالة تدوين تفسيرات لاحقائق.

2-لايسير التاريخ بخط مستقيم , أي أنه لايسير وفق نظام يتجه من السبب أ إلى النتيجة ب , كما أنه ليس تقدمياً

3-لايمكن للسلطة أن تكون محصورة في شخص واحد , حيث انها تنتشر في ثقافة تبادل السلع المادية, وتبادلات البشر , وتبادلات الأفكار من خلال الخطابات

4-لايوجد مايسمى روح عصر موحدة, ومايوجد خطابات غير مستقرة يسعى المؤرخون إلى تحليل معانيها .

5-تشكل الثقافة الهوية الفردية وتسهم الهوية في تشكيل الثقافة كما هو شأن الأحداث التاريخية, والنصوص, ومالتصنيفات الثقافية مثل: اعتيادي ,وغير طبيعي إلا تعريفات قابلة للتحول والتغير.

(( النقد التاريخي الجديد والأدب))

يعد المؤرخون التقليديون الأدب دراسة عن حياة كاتب أو شاعر, تجعلهم يعرفون الهدف من كتابة العمل الأدبي , أو معرفة روح العصر الذي كتب فيه ,وهم لا يعدون تفاسير العمل الأدبي’ حقائق تاريخية مالم يصادق عليها التاريخ .

أما مدرسة التاريخ الجديد فترى أن العمل الأدبي لايعبر عن نية الكاتب ولا عن روح العصر , وترى أن العمل الأدبي يعد نتاجاً ثقافياً يحدثنا عن الخطابات وشبكة المعاني الاجتماعية السائدة في الزمان والمكان الذي كتبت فيه ,فهم يهتمون بالنص نفسه وبالموقف التاريخي الذي أنتج هذا النص بشكل متساوٍ؛ لأن العلاقة بين "النص الادبي" والظروف التاريخية التي أنتجته علاقة "تكوينية" كل منهما يخلق الآخر.

14- نظرية النقد الثقافي 

حسن بن جابر القرني

التشابه والاختلاف بين مدرستي النقد التاريخي الجديد والنقد الثقافي : 

هناك تشابه كبير بين مدرستي النقد التاريخي الجديد، والنقد الثقافي في كثير من الأمور والقواعد النظرية .

يمكن أن يُجمل التشابه في اتفاق المدرستين على الآتي :

- أن التاريخ والثقافة البشرية يكونان معركة ً تتصارع فيها قوىً صراعًا غير موضوعي، ولا يمكننا معرفة كل أجزاء هذه القوى .

- أن عدم موضوعية البشر تتطور في علاقة متبادلة مع البيئة الثقافية .

- معاداتهما للضبط الصارم للتجارب البشرية التي هي موضوع الثقافة والتاريخ .

- تعتمدان على مراجع فلسفية واحدة ، وبخاصة أعمال الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو .

وتشكل مدرسة النقد الثقافي مشكلة لدى المبتدئين فيما يتعلق باستخدام اسمها للإشارة إلى أي نوع في تحليل أي مظهر ثقافي ، فعلى سبيل المثال : قراءة رواية جاتسبي العظيم the great Gatsby التي طرحت في فصول الماركسية والنسوية ، والمثلية ، والنقدالأمريكي ... يمكن عدها أمثلة على النقد الثقافي ؛ لأن تحليلات هذه المدارس تستخدم الرواية لتعرض مظهرًا من مظاهر الثقافة الأمريكية . 

أما الاختلاف بين المدرستين، فنجمله في النقاط الآتية : 

- يميل النقد الثقافي إلى الطابع السياسي في دعمه للمجموعات المضطهدة .

- تستعين هذه المدرسة - بسبب نزعتها السياسية- بنظريات أخرى ذات طابع سياسي مثل الماركسية والنسوية عند إجراء تحليلاتها .

- نستطيع القول بأن النقد الثقافي ، بمعناه الدقيق هو الأكثر اهتمامًا بالثقافة الشعبية .

ولكن يجب الإشارة هنا إلى أنه عندما تقوم مدرسة النقد الثقافي بتحليل عمليات اضطهاد معينة ، فهي لا تعرض المجموعات المضطهدة بصفتها ضحايا كما تفعل النظريات السياسية ، بل تعرضهم بالطريقة التي تعرضهم بها مدرسة النقد التاريخي الجديد ، على أنهم مجموعات مضطهدة ، أصبحوا ضحايا على يد الطبقة المسيطرة ، وعلى أنهم قادرون على مقاومة أو تحويل بنية السلطة وتغييرها . 

النقد الثقافي والأدب :

يقوم النص الأدبي أو أي منتج ثقافي آخر لدى النقاد الثقافيين بعملية ثقافية، يسهم من خلالها في تشكيل التجربة الثقافية لمن يتعاملون معه .

يقول غرينبلات : " قد يبدو أن تحليل الثقافة خادم للأدب ، ولكن في التعليم الانفتاحي يعتبر الأدب خادمًا للفهم الثقافي ". 

ومن ثمّ: نقول إن الأسئلة التي طرحها غرينبلات تدفعنا إلى إيجاد علاقة وروابط بين النص الأدبي والثقافة التي ظهر فيها ، والثقافات التي فُسر من خلالها أيضًا .

15- النقد الأمريكي الأفريقي 

إعداد راشد بن صالح المغير 

المسائل العرقية وتاريخ الأدب الأمريكي الأفريقي : 

أنتج استبعاد تاريخ الأمريكيين السود وثقافتهم من تعليم أمريكا استبعادهم وأدبهم من الرواية الرسمية للتاريخ الأمريكي , حيث لم تظهر ثقافة الأمريكيين السود إلا في عام 1960 . لأسباب منها: محاولة الحفاظ على هيمنة أمريكا البيضاءعلى الثقافة , حيث لم تكن كتب التاريخ الأمريكي تذكر شيئا عن الرقيق وإنتاجهم الأدبي . 

المفاهيم المتعلقة بالعنصرية : 

التمييز العرقي : الاعتقاد بتفوق عرق أو دونيته أو نقائه . 

العنصرية : علاقات القوة غير المتكافئة التي تنمو من الهيمنة الاجتماعية والسياسية لأحد الأعراق على عرق آخر .

العنصرية المؤسساتية : إدماج السياسات والممارسات العنصرية في المؤسسات التي تشغل المجتمع . 

يعود الأدب الأمريكي الأفريقي إلى القرن الثامن عشر , ولكن المؤرخين البيض للأدب الأمريكي عدوا إبداعات الأفارقة فرعا للأدب الأمريكي وليس جزءا أساسيا منه . 

أشكال العنصرية في الأدب الأمريكي الأسود :

1- العنصرية المبطنة التي تنتج من البرمجة النفسية التي يمارسها مجتمع عنصري بتلقينه الناس الملونين الاعتقاد بتفوق البيض ثم يشعر ضحايا العنصرية المبطنة بأنهم دون البيض ثم غالبا ما يتمنون لو كانوا بيضا. وتعد رواية ( العين الأشد زرقة ) من أفضل ما قدم في العنصرية المبطنة لتوني موريسون. 

2- العنصرية داخل العرق الواحد أي داخل مجتمع السود , ومن أمثلة هذه العنصرية أيضا رواية (العين الأشد زرقة )حيث يقوم أطفال سود بمضايقة بيكولا ذات البشرة الداكنة, في حين يتعاملون مع طفلة أخرى سوداء ولكنها ذات بشرة فاتحة تعاملا أفضل كما لو كانت أعلى مكانة منهم . 

3- قضية الوعي المزدوج التي نتجت عن تعدد أشكال العنصرية , والمراد بذلك : الانتماء إلى ثقافتين متعارضتين: الثقافة الأفريقية في المنزل , والثقافة الأوروربية في الحياة العامة . وهذا نتج عنه تحديد اللغة المستخدمة في الأدب الأمريكي الأفريقي , هل تكون الكتابة لجمهور السود أو لجمهور البيض أو كليهما ؟ ويعد ( كاونتي كولين ) خير مثال على الأديب الأمريكي الأفريقي القادر على الكتابة في أي نمط يريده , وذلك من خلال سوناتة ( ما زلت أتعجب ) التي استخدم فيها لغة إنجليزية نموذجية مصقولة للغاية . في المقابل هناك كتابات ( لانغستون هيوز ) الذي يستخدم لغة إنجليزية عامية بنمط الخطاب الأسود , فيتذوقها القراء البيض ويتعرفون إبداع السود . جاء هذا كله برهانا على قدرة السود على كتابة الشعر وردا على البيض الذين قالوا بعدم مقدرة السود على ذلك . 

4-الدور الاجتماعي حيث التزم الكتاب الأفروأمريكيين بمساعدة أبناء جلدتهم , يتجلى ذلك في تصوير شرور العنصرية وتقديم صور إيجابية عن الأمريكيين الأفارقة وهذا ما يسمى حركة الفنون السوداء , وهذه الحركة أثرت في النقاد الأفروأمريكيين , الذين دعوا إلى تفسير الأدب من خلال علاقته بالوضع السياسي والاقتصادي للأمريكيين الأفارقة , ولا يزال ذلك النهج يأخذ جزءا مهما من النقد الأمريكي الأفريقي إلى اليوم . وقد دعت حركة الفنون السوداء أيضا إلى التشكيك في مدى ملاءمة نظريات البيض النقدية لتفسير الأدب الأفريقي الأمريكي . 

مبادئ نظرية العرق النقدية 

ظهرت نظرية العرق النقدية لدى الأفروأمريكيين الذين لا يزالون محرومين من حقوقهم المدنية . وهي تستند إلى ستة مبادئ : 

1- العنصرية اليومية : ليست كما يعتقد بعض الأمريكيين أنها العنف الجسدي أو اللفظي ضد السود , بل هي العنصرية التي تحدث للأفارقة كل يوم في مختلف أماكن الحياة اليومية كالمؤسسات والشركات والبنوك والمدارس والجامعات والمستشفيات والأسواق ... إلخ . ومن الأمثلة على هذه العنصرية ما جاء من أستاذة القانون (بانكس )وهي من الأفروأمريكان , حيث تقول : في أحد أيام السبت في مدينة فيلادلفيا بقيت في شقة فارهة مع بعض زميلاتها الأفروأمريكيات , وقد ارتدين أحسن الثياب وخرجن عن طريق المصعد ولما فتح باب المصعد إذا بامرأة بيضاء ترفض الركوب معهن , وكذلك عملت أخرى بيضاء بعد عدة طوابق , فلم تنظر المرأتان البيضاوتان إلى ملابسهن ولا إلى شقتهن الفارهة التي خرجن منها بل إلى لونهن فقط . وتشير ( إيسيد ) إلى أنه ليس هناك توعية دولية للصغار والنشء بالتصدي للعنصرية أو التعريف بها . 

2- تقاطع المصالح أو ( الحتمية المادية ) : وتعني أن للعنصرية كثيرا من المنافع للبيض, حينما يستغلون طبقة السود لمصالحهم المادية ويوظفونهم برواتب قليلة جدا , بل إنهم قد يفرقون بينهم وبين الأمريكان البيض من الطبقة الفقيرة . ويعد البعض تقارب المصالح أحد أهم أسباب العنصرية . 

3- البناء الاجتماعي للعرق : كان الكونغرس الأمريكي لا يمنح الجنسية الأمريكية سوى للرجل الأبيض فقط , ثم أصبح يحدد بعد ذلك بعض الشروط للحصول عليها . ولا ينظر أرباب العنصرية والتمييز إلى العرق بوصفه وسيلة للإشارة إلى مجموعات من البشر في مواقع جغرافية مختلفة , وإنما العرق عندهم يفصل البشر إلى مجموعات متمايزة من الناحية الفزيولوجية . ولكن علماء الطبيعة قد تخلصوا من العرق بوصفه فئة بيولوجية في علومهم , لأنه ليس مفهوما يمكن دعمه علميا . 

4- التعريف العرقي التمايزي : ويعني ذلك أن المجتمع المسيطر يحدد الخصائص العرقية للأقليات بطرق مختلفة وفي أوقات مختلفة طبقا لحاجة المجتمع . مثلا , كان الأفارقة يصنفون على أنهم بسطاء في التفكير وأنهم بحاجة إلى إشراف البيض عليهم حينما عملوا في المزارع الخاصة بالبيض , ثم بعد مدة صنفوا على أنهم خطرون وميالون للعنف وكسالى وذلك حين ينافسون البيض في الحصول على الوظائف .

5- التقاطع : والمراد هنا تقاطع العرق مع الطبقة والجنس والميول الجنسية والتوجه السياسي , فحينما يتعرض أحد السود في عمله للإساءة, فإنه لا يعرف السبب الحق في هذه الإساءة أو الطرد , هل كان بسبب العرق أو الطبقة أو العمل السابق أو التوجه الجنسي؟

6- صوت اللون : هو ما يعتقده كثير من منظري العرق النقديين أن كتاب الأقليات من السود والملونين هم أفضل من البيض في الكتابة والحديث عن العرق والعنصرية , لأنهم يعايشون العنصرية مباشرة .

قضايا تشغل منظري العرق النقديين 

الأولى : امتياز الأبيض : المزايا الاجتماعية التي تتوافر للمرء إذا كان من العرق المهيمن . وقد يحدد بعضهم ميزات كثيرة للبيض لا يمكن للأفارقة التمتع بها . من ذلك - على سبيل المثال- أن أبناء البيض هم المسؤولون عن تراث أمريكا , أو أن يكون أطفالهم سيحصلون على الأعمال وعلى التفوق الدراسي, وذلك من معلميهم البيض . إذن الامتياز للبيض شكل واضح من أشكال العنصرية اليومية . 

الثانية : الليبرالية : السعي نحو العدالة العرقية واتخاذ خطوات لذلك ولو ببطء شديد, يعده منظروالعرق النقديون مشكلة مع الليبرالية , فالليبرالية تميل إلى أن تكون معتدلة جدا وحذرة للغاية في القضايا العرقية . وتعارض نظرية العرق النقدية الليبرالية التي تقول إن القانون الدستوري مصاب بعمى الألوان أو محايد من حيث العرق , وقد توقف بعض منظري العرق النقديين عن التركيز على الليبرالية وعللها , وراحوا يتصدون للتيار المحافظ . 

الثالثة : الواقعية العنصرية : وهي مبنية على الاقتناع بأنه لا يمكن تحقيق المساواة العرقية في الولايات المتحدة , وينبغي للأفارقة الأمريكان التوقف عن الاعتقاد بأن ذلك سوف يتحقق . 

النقد الأمريكي الأفريقي والأدب 

بطبيعة الحال ركز الأدب الأمريكي الأفريقي على عدد من الموضوعات التي تعبر عن التجربة الأمريكية الأفريقية , منها : 

- استعادة الماضي الأفريقي . 

- النجاة من أهوال الممر الأوسط . 

- السعي من أجل التحرر من العبودية . 

- التحضر . 

- الاغتراب . 

- أهمية التراث الثقافي . 

- أهمية الأسرة والمجتمع . 

والمضمون السياسي للأدب الأمريكي الأفريقي يركز على تصحيح صورة الأمريكيين الأفريقيين وتنقيتها في التاريخ الأمريكي , والاحتفاء بثقافتهم . 

مميزات التراث الأدبي الأمريكي الأفريقي من حيث الشعرية : له سمتان : الشفوية , والشعبية المتكررة . 

- الشفوية : تعطي العمل الأدبي شعورا بالفورية أو بوجود إنساني , وكأن المتلقي يسمع صوتا إنسانيا . وتتحقق الشفوية باستخدام اللغة الإنجليزية العامية وتكرار عبارات مهمة والتناوب بالأصوات . 

- الشعبية المتكررة : تستخدم فيها مجموعة من الشخصيات , مما يخلق شعورا بالاستمرارية مع ماضي الأفارقة , مثل استخدام : الممرض المحلي , والساحر , والأم الحاكمة , والمخادع , والبطل الشعبي وغيرها . كما يستخدم ذلك في الممارسات الشعبية مثل : أغاني العمل , والتراتيل , وموسيقى البلوز , والمشاركة في الطقوس الدينية والشعبية . 

الطريقة المستخدمة لتقديم تجربة الأفروأمريكيين في الأدب : 

اختلف ( ريتشارد رايت ) و ( رالف إليسون ) حول ذلك : 

1 – يرى رايت أنه لا بد من تمثيل الاضطهاد العنصري بلغة واضحة صارخة من أجل إيصال شرور العنصرية . وهكذا فعل في ( ابن أصلي ) و ( فتى أسود ) . 

2 – أما رالف فيرى استخدام لغة مجازية غامضة وسرد معقد مع طبقات متعددة المعنى , وهذا يظهر في رواية الرجل الخفي , ويعد كذلك شاهدا على الدلالة في تحليل التراث الأمريكي الأفريقي , حيث يدل رالف على رايت بواسطة محاكاة رايت أدبيا وذلك من خلال التكرار والاختلاف . 

الأدب عند النساء الأمريكيات الأفريقيات : 

كانت السوداوات مهمشات في مقرر الأدب الأمريكي الأفريقي , ومع ذلك اهتمت الكاتبات الأفريقيات الأمريكيات بتصوير النساء في التاريخ الأدبي الأفريقي على أنهن بشر حقيقيون . وقد طرقت الأفريقيات الأمريكيات في الكتابة مواضيع شتى , منها : إيذاء النساء السوداوات بجعلهن عاملات يتقاضين أجورا قليلة , ومجبرات على القيام بوظائف وضيعة , وجعلهن ضحايا للعنف والاستغلال الجنسي . وإذا سألنا عن أهمية مجتمع النساء السوداوات , فالجواب أنها ظاهرة جلية في الحفاظ على التوازن النفسي والجسدي والاقتصادي والحفاظ على العلاقات بين الجدات والأمهات والبنات وإطلاع الكل على واقع العنصرية المر , ودور لون البشرة وملمس الشعر وغيرها من معايير الجمال . واهتمت الكاتبات الأفروأمريكيات بتعديل الصورة المشوهة النمطية بالصورة الواقعية . فأوجدت الكاتبات ثلاثة أنواع من الشخصيات للمرأة الأفريقية الأمريكية : 

الأول : امرأة مع وقف التنفيذ : وهي ضحية الرجال والمجتمع , ولا تستطيع فعل أي شيء لتغيير حالتها . 

الثاني : المرأة المستوعبة : وهي ضحية العنف النفسي والسياسي لأنها مقطوعة عن جذورها الأمريكية الأفريقية لتكون مقبولة عند المجتمع الأبيض . 

الثالث : المرأة الناشئة : التي عانت من القهرين النفسي والسياسي , فأصبحت قادرة على خلق حياة جديدة . 

الرابع : ( وهذا يضيفه بعض النقاد ) : المرأة المحررة التي اكتشفت قدراتها وعرفت ما تريده وكيف تحصل عليه . 

وأخيرا فإن من استراتيجيات أدب الأمريكيات الأفريقيات أنهن يستخدمن شخصية أنثى سوداء في رواية أو قصة أو قصيدة لإعطاء السوداوات القدرة على نشر القصص الخاصة بهن. 

16- النظرية النقدية في حقبة ما بعد الاستعمار.

ربما تكون إحدى أهم القدرات التي تنميها النظرية النقدية لدينا هي القدرة على رؤية الروابط التي لم نكن على علم بها من قبل؛ مثل الصلات بين صراعتنا الشخصية النفسية والطريق التي نفسر بها قصيدة ما، وكذلك الصلات بين الأيديولوجيات التي أضفينا عليها الصفة الذاتية والأعمال الأدبية التي نجدها مرضية لنا جمالياً.

إن التحليل الثقافي للاستعمار قد أدى دوراً مهماً في الحركات السياسية المناهضة للاستعمار في كل مكان ، وقام بوظيفة النقد باعتباره مجالاً للتحقيق الفكري عندما بدأت الأنظمة الاستعمارية بالتهاوي بعد الحرب العالمية الثانية.

على الرغم من سحب الاستعمار والتخلص منه إلى حد كبير وسحب القوات العسكرية إلا أنها قد خلفت تلك المرحلة استعماراً ثقافياً متأصلاً ، فغرس نظام التعليم والثقافة والقيم التي تشوه ثقافة الشعوب الخاضعة لها سابقًا وأخلاقها والمظهر الجسماني لها، وهكذا ترك المستعمرون ميراثًا يتكون من صورة نفسية سلبية عن الذات والاغتراب عن ثقافاتهم الأصلية الخاصة بهم.

لقد استندت الأيدلوجية الاستعمارية التي غالباً ما يشار إليه بالخطاب الاستعماري للدلالة على علاقتها باللغة التي عبرت عن التفكير الاستعماري ، على افتراض المستعمرين لتفوقهم الخاص بهم؛ لذلك تم تعريف الشعوب الأصلية على أنهم وحشيون ومتخلفون وغير متطورين، وقد اعتقد المستعمرون أن ثقافتها كلها كانت أكثر تقدماً وذلك لأن تقنياتهم كانت أكثر تقدماً إلى حد كبير وتجاهلوا أو وضعوا جانباً الأديان والأعراف ونظم السلوك التي تؤمن بها الشعوب التي أخضعوها.

وكثيراً ما نتج عن الوعي المزدوج شعور غير مستقر بالذات ، تضاعف مع الهجرة القسرية التي سببها الاستعمار في كثير من الأحيان فمثلاً من القرية الريفية إلى المدينة بحثاً عن العمل.

ويلاحظ أن مصطلح "مرحلة ما بعد الاستعمار "بالنسبة لكتاب العالم الثالث والرابع أن ثقافات المستوطنين البيض لها قواميس مشتركة هائلة مع بريطانيا بما في ذلك العرق واللغة والثقافة وكانت هذه المستعمرات تعد بريطانيا البلد وكانوا يتلقون معاملة مختلفة تماماً عن مستعمرات غير البيض التي سيطرت عليها بريطانيا على سبيل المثال منحهم سلطات وحكم ذاتي داخل الكومنولث البريطاني دون الحاجة إلى استخدام السلاح لتحقيق ذلك.

تتعلق إحدى الآراء التي استحوذت على انتباه نقاد حقبة ما بعد الاستعمار بسياسة برنامجهم النقدية، حيث إن مصطلح نقد حقبة ما بعد الاستعمار يوحي بأن الاستعمار شيء من الماضي ، هو ليس كذلك في الواقع. لم يعد يمارس الاستعمار بالشكل الذي ظهر به بين أواخر القرن الخامس عشر ومنتصف القرن العشرين من خلال الإدارة المباشرة المعنية من قبل حكام ومعلمين من البلاد المستعمرة ويظهر اليوم من خلال وسائل مختلفة نفس النوع من القهر السياسي والاقتصادي والثقافي للدول الضعيفة على أيدي شركات دولية تابعة لقوى عالمية مثل أمريكا والمانيا واليابان .

في نهاية المطاف يتخوف بعض المنظرين من أن يصبح نقد حقبة ما بعد الاستعمار مجرد طريقة أخرى لقراءة كتاب العالم الأول الذين قرأنا لهم لسنوات ، بدلاً من أن يكون طريقة لجلب الارتقاء بكتاب دول العالم الثالث والرابع إلى الصدارة ، ويقف وراء تلك المخاوف إمكانية استخدام نقد حقبة ما بعد الاستعمار لتفسير النصوص الرئيسة في المقرر الأدبي الغربي.

نقد حقبة ما بعد الاستعمار والأدب:

1. المجابهة الأولى للشعب الأصلي مع المستعمرين وتمزيق ثقافة السكان الأصليين.

2. رحلة الغريب الأوروبي في برية غير مألوفة مع دليل السكان الأصليين.

3. حيوية مرحلة ما بعد الاستقلال المتبوعة بخيبة الأمل.

4. المغايرة مع الأخر ( معاملة المستعمرين الفرد ثقافة السكان الأصليين على أنهم دون البشر الكاملين) والقهر الاستعماري في جميع أشكاله.

5. التقليد ( محاولة المستعمَر أن يكون مقبولاً من خلال التشبه بلباس وسلوك وكلام وأسلوب حياة المستعمِرين).

6. المنفى ( تجربة أن يكون المرء " غريبًا" على رشأرأرضه أو رحالة أجنبياً في بريطانيا).

7. النضال من أجل هوية ثقافية فردية وجماعية والموضوعات ذات الصلة بالاغتراب.

هناك محاولة أخرى لإيجاد قاسم مشترك في أدب حقبة ما بعد الاستعمار في كتابات هيلين تيفن التي تدعي أن " المناورة المقوضة [ المناهضة للاستعمارية ] .. المميزة لنصوص حقبة ما بعد الاستعمار لا تكمن في بناء أو إعادة بناء الهوية الوطنية وإنما في " إعادة قراءة أو كتابة السجلات التاريخية والخيالية الأدبية الأوربية ".

وأخيراً يوضح إدوارد سعيد أن نقد حقبة ما بعد الاستعمار لعمل أدبي مقرر غالباً ما ينطوي على تحريك " هوامش" العمل إلى مركز اهتمامنا.

بعض الأسئلة التي يطرحها نقاد حقبة ما بعد الاستعمار حول النصوص الأدبية.

1. كيف يمكن للنص الأدبي جهراً أو خفية أن يمثل جوانب مختلفة من القهر الاستعماري؟

2. ما الذي يكشفه النص عن إشكاليات هوية ما بعد الاستعمار بما في ذلك العلاقة بين الهوية الشخصية والثقافية ومسائل مثل الوعي المزدوج والهجانة. 

17 - فلسفة التأويل

فصل من كتاب (القراءة التأويلية للنص الشعري القديم بين أفق التعارض وأفق الاندماج) الدكتورمصطفى شميعة 

1- الفهم عند شلاير ماخر : الدائرة التأويلية

2 - دلتاي وثنائية الفهم والتفسير

3 - كادامير بين سؤال المنهج وسؤال الحقيقة

إن قراءة التأويل هي مغامرة استكشافية لعوالم النص السرية وغير المعلنة ، قوامها الدخول إلى النص من زواياه المختلفة والمتعددة ،لكن هاجسها الأساسي في هذه الرحلة المكلفة هو فهم النص .

لقد تبين أن فهم النص هو المحرك الرئيس الذي يحرك كل القراءات التأويلية ، لأنه في الأغلب الأعم هو السبب الحقيقي الكامن وراء سوء تقديرنا للأشياء من حولنا ، فأن نفهم يعني أن نبني جسورا صلبة تربط بيننا وبين الحياة ، برباط قوي ومتين ، لكن بدونه ستنقطع سبل التواصل . 

فلسفة التأويل :

التلقي والتأويل وجهان لعملة واحدة هي الفهم .

من هذا المنطلق يمكن القول إن معنى النص يتأسس على قدرة القارئ على تأويل مغالقه وفهمه، وبالتالي فمهمة المؤول هي:( بالضبط ترجمة ( أو نقل وإيضاح ) العبارات الغريبة والمبهمة، إلى لغة مفهومة .. )

غير أن آلية التأويل ليست آلية عشوائية، تتحكم فيها ذات المؤول وانطباعاته، بل تضبطها قواعد وأنظمة معرفية ، تندرج كلها في ما يعرف بالهرمنيوطيقيا أي نظرية التأويل ، فقد ( أصبح التأويل مجموعة من القواعد التي تحكم عملية تفسير النص الأدبي وتشير إلى جهود خصبة من أجل تأسيس (نظرية التفسير) في الأدب ، ذلك أن فهم الأدب يجب أن ينهض على أساس من أنظمة أولية شاملة ، ليست تأملا مجردا ولا سعيا إلى عمليات خيالية بعيدة عن وجودنا ...).

وجدير بالذكر هنا أن جل التعاريف التي أنيطت بمفهوم الهرمنيوطيقيا تصب في اتجاه كونها تعني (... مجموع المعارف والتقنيات التي تسمح بإنطاق الأدلة وإجلاء معانيعا...) على أن تكون لهذه الأدلة قدرتها على إقناع القارئ بمحتوى ما تتضمنه من مضامين خفية .

عرفت نظرية التأويل تطورا ملحوظا منذ بدايتها كنظرية ، تلامس تفسير النصوص الدينية المقدسة خلال القرون الوسطى بأوروبا ، إذ تطورت بعد ذلك وأكسبت طابعا نظريا من خلال جهود مفكرين لاحقين ؛ أمثال ...شلاير ماخر – دلتاي - كادامير – الشيء الذي يحتم علينا الوقوف على آراء هؤلاء لتبيان اجتهاداتهم ومساهماتهم في تشييد الأرضية المعرفية التي انطلقت منها نظرية التلقي .

1- الفهم عند شلاير ماخر : الدائرة التأويلية .

يعود لشلاير ماخر - وهو مفكر ألماني – الفضل في إخراج التأويل من دائرته التقليدية / اللاهوتية من حيث هو وسيلة لفهم النصوص الدينية، إلى الدائرة العلمية التي تتأسس على قواعد مضبوطة وتطمح أن تتحلى بصفة المنهجية .

إذ أن التأويلات توجد متى وجدت الحاجة للفهم الحق ... .

والحق أن هاجس شلاير ماخر في صياغة قواعد منهجية للفهم، كان نابعا من لديه من الخوف من سوء الفهم، حيث يقول ( يوجد التأويل حينما يكون سوء الفهم، فأينما يوجد سوء الفهم ( يوجد ) تأويل كفن لرفع سوء الفهم، ليصبح فهما مشتركا قابلا للإدراك، إن كل محادثة أو نقاش ، سواء أكانت بين متحاورين اثنين ، أو بين قارئ ونص معين ، تستوجب هرمنيوطيقيا تأويلية ترفع اللبس وسوء الفهم ...)

نميز إذا في تأويلية شلاير ماخر بين ( معنى التأويل اللغوي الذي يستهدف فهم كل عبارة اعتمادا على النظام اللغوي العام المتداول،

والثاني؛ التأويل النفسي الذي يعتمد على الإحاطة بحياة المؤلف الفكرية والحوافز التي دفعته للتعبير والكتابة ...) 

2 – دلتاي وثنائية الفهم والتفسير :

إذا كان شلاير ماخر يؤكد على الجانبين اللغوي والنفسي فإن دلتاي(1833-1911) يعتبر التمييز بين العلوم الطبيعية وعلوم الروح وسيلة منهجية للتمييز أيضا بين التفسير والفهم .

وهنا نلاحظ أيضا التمييز بين مفهومي "التفسير" و"الفهم" فالتفسير مرتبط بالظواهر الخارجية، حيث يجد الوعي نفسه أمام عناصر قابلة للتعيين والملاحظة والتفسير، أما الفهم فيرتبط عنده بعلوم الروح التي ( تنظر في الإنسان نفسه، بما هو ذات فردية مفكرة ومفعمة بالمشاعر...)

3 – كادامير بين سؤال المنهج وسؤال الحقيقة : 

أسهم الفيلسوف الألماني الحديث : هانس جورج كادامير مساهمة هامة في إغناء نظرية التلقي بالمفاهيم والقواعد ومجموع الرؤى التي ضمنها كتابه الهام "الحقيقة والمنهج" الذي طرح فيه حصيلة اجتهاداته الفلسفية، متجاوزا صرامة سابقيه المنهجية، حيث كان ( التأويل كما هيأ له شلاير ماخر – المقدمات – قد فقد حيويته وقوته ضمن نظام المنهج ) مقدما مفهوما جديدا للتأويل يقوم على اعتباره ( ليس واقعة ثانوية لاحقة تكمل الفهم، بل إن الفهم بالأحرى هو تأويل دائم ومن هنا فإن التأويل هو الفهم بشكله الصريح ...).

جامعة الملك سعود 









ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة