مذكرات تشرشل
تأليف: ونستون تشرشل
منشورات مكتبة المنار بغداد
مذكرات وينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا أبان الحرب العالمية الثانية والذي قاد بلاده نحو النصر بعدما استطاع التغلب على جيوش ألمانيا الهتلرية وقائد جيوشها الملقب بثعلب الصحراء رومل .
عد استسلام ألمانيا مايو 1945، قاد تشرشل مواكب المحتفلين بالنصر في شوارع لندن، إلا أنه- كما ورد في أحد كتبه- كان يشعر بغصة في القلب لعدم قدرته على الحد من النفوذ الشيوعي داخل أوروبا.
وقد تبع ذلك، وفي أقل من شهرين، وحتى قبل استسلام اليابان، سقوط حكومته في انتخابات لم تكن موجهة ضده بمقدار ما كانت تعبيراً عن رغبة البريطانيين بالتجديد بعد عشرين سنة من حكم المحافظين.
لم ينقطع تشرشل عن ممارسة السياسة بل تابع حضور مجلس العموم حتى تموز 1964، حيث تقاعد إلى أن وافته المنية في 24 يناير 1965.
وقد أقيم له مأتم رسمي وشعبي ودفن فى حديقة الكنيسة الصغيرة التابعة لقصر بلاينهايم حيث ولد قبل تسعين سنة.والآن أيها القارئ الكريم، أتركك مع تلك المذاكرات الممتعة لتتعرف على تاريخ أهم فترة من تاريخ العالم، تلك الفترة التي غيرت وجه العالم وقسمته إلى كتلتين كبيرتين.
نبذة عن الكتاب:
السير ونستون ليونارد سبنسر تشرشل (30 نوفمبر 1874 - 24 يناير 1965 في لندن)، هو رئيس وزراء المملكة المتحدة من العام 1940 وحتى العام 1945 (إبان الحرب العالمية الثانية). وفي عام 1951 تولى تشرشل المنصب ذاته إلى عام 1955. يُعد تشرشل أحد أبرز القادة السياسيين الذين انبلجوا على الساحة السياسية خلال الحروب التي اندلعت في القرن العشرين.
قضى تشرشل سنوات حياته الأولى ضابطًا بالجيش البريطاني، ومؤرخًا، وكاتبًا، بل وفنانًا، كلُ في آن واحد. تشرشل هو رئيس الوزراء الوحيد الذي يحصل على جائزة نوبل في الأدب، وكان أول من تمنحه الولايات المتحدة المواطنة الفخرية.
ينحدر تشرشل من سلالة عائلات الدوقات الأرستقراطية بمارلبورو؛ وهي أحد فروع عائلة سبنسر الأشهر ببريطانيا. كان والده اللورد راندولف تشرشل، وهو أحد الساسة ذا الشخصية الكاريزمية، الذي تولى منصب وزير الخزانة آنذاك. وكانت جيني جيرودر، والدة تشرشل، عضوًا بارزا في المجتمع الأميركي في تلك الآونة.
أُرسل تشرشل في مهام للجيش البريطاني بكل من المستعمرة الهندية والسودانية، كما شارك بحرب البوير الثانية، بصفته ضابطًا بالجيش البريطاني. وفي تلك الفترة، ذاع صيته كأشهر مراسلي الحروب، وألف تشرشل كثيرًا من الكتب، ذكر فيها تجاربه التي شهدها في حملاته وحروبه.
وفي أولى سنوات انخراطه في العملية السياسية، تقلد تشرشل العديد من المناصب السياسية والحكومية؛ حيث رأس وزارة الصناعة والتجارة، ووزارة الداخلية، وأصبح أميرًا للبحرية البريطانية عن حزب الأحرار الأسكويثي. احتفظ تشرشل بمنصبه أميرًا للبحرية البريطانية حتى عصفت به معركة هربرت هنري أسكويث جاليبولي العنيفة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من قوات التحالف والقوات العثمانية، مما أدت لرحيله عن الحكومة. استأنف تشرشل بعدها خدمته العسكرية بنشاط على الجبهة الغربية كقائد الكتيبة السادسة من غداري الفوج الملكي الإسكتلندي، ثم عاد أدراجه لعمله الحكومي كوزيرًا للذخائر، حيث خُول إليه مراقبة وتنسيق عملية توزيع الذخائر للمجهود الحربي؛ ووزير الدولة لشئون الحرب، ووزير الطيران.
وبعد الحرب عمل تشرشل كوزيرًا للخزانة البريطانية في ظل فترة حكم حكومة المحافظين التي رأسها السياسي ستانلي بلدوين من عام 1924 حتى 1929، عاملًا بدوره على ربط سعر الجنيه الإسترليني عام 1925 بالغطاء الذهبي، كما الحال قبل الحرب. لقي هذا الأمر جدلًا واسعًا، إذ عدها البعض خطوة لخلق ضغوط انكماشية على اقتصاد المملكة المتحدة تسهم في رفع نسبة التضخم. وكان من بين الانتقادات التي وجهت اليه أيضًا سببها معارضته للهيمنة البريطانية على الهند ورفضه القاطع تنازل إدوارد الثامن -ملك المملكة المتحدة- عن العرش في 11 ديسمبر 1936.
وبعيداً عن عمله السياسي، تولى تشرشل قيادة حملة عاتية في ثلاثينيات القرن الماضي خلال حياته "في البرية"، حذر من الخطر النازي واستعدادها لإعادة التسليح.
وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، عُين تشرشل مرة أخرى أميرًا للبحرية البريطانية. وبعد استقالة آرثر نيفيل تشابرلين في العاشر من شهر مايو عام 1940، تولى تشرشل رئاسة الوزراء. ساعد رفضه البات لأي استسلام، أو هزيمة، أو أي حل سلمي على إلهام المقاومة البريطانية، وخصوصًا في الأيام الشرشة الأولى من الحرب العالمية الثانية، عندما وجدت بريطانيا نفسها وحيدة في مواجهتها لهتلر.
أثار تشرشل حماس الشعب البريطاني من خلال خطاباته الحماسية والبرامج الإذاعية؛ وظل تشرشل رئيسًا لوزراء بريطانيا حتى أصبح انتصار بلاده على ألمانيا النازية أمرًا مُسلم به. وبعد هزيمة حزب المحافظين في انتخابات عام 1945، أصبح تشرشل زعيمًا للمعارضة بعد فوز حزب العمل البريطاني بالحكومة برئاسة كليمنت أتلي. وبعد وفاة تشرشل، منحته الملكة إليزابيث الثانية شرف أن يحظى بجنازة رسمية، وشهدت تلك الجِنَازَة واحدة من أكبر تجمع لرجال الدولة حول العالم. وفي استطلاع أُجري عام 2002 وُصف تشرشل ب"أعظم بريطاني على مر العصور". ويُعد تشرشل -على نطاق واسع- أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ البريطاني؛ إذ كان يحظى دائمًا بنصيب الأسد في استطلاعات الرأي العام لرؤساء وزارء المملكة المتحدة.
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
الجزء الثاني
أو
أو
أو
أو
«مذكرات حول الحرب العالمية الثانية»
لتشرشل: نوبل لما دون الأدب
الحياة - الإثنين، ٢ مارس/ آذار ٢٠١٥ - إبراهيم العريس :
ما اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب عام 1953؟ من المؤكد أن كثراً لن يتمكنوا من الإجابة، بسرعة، على هذا السؤال، خصوصاً إذا قلبوا في أذهانهم وذاكرتهم أسماء عشرات الروائيين والشعراء والنقاد أو دارسي الأدب في شكل عام. والسبب بسيط: لم يكن الفائز من بين هؤلاء. كان سياسياً محترفاً لا أكثر ولا أقل. بل من أكثر سياسيي القرن العشرين دهاء وتجريبية وبالتالي بعداً عن الأدب ودروبه. وهو كان (حين أعطاه محكّمو استوكهولم، تلك الجائزة التي يتطلع إلى الحصول عليها، مرة في العام، كل من على وجه البسيطة من أناس أفنوا حياتهم يبتكرون المواضيع، ويستخدمون اللغة الأدبية، ويتجادلون في شأن هذا الجانب الإبداعي أو ذاك)، كان رئيساً لحكومة بلاده للمرة الثانية. طبعاً يمكنكم الآن أن تحزروا... فهو ونستون تشرشل. والحقيقة أن الذين قد يفاجئهم هذا «الخبر» محقون حين يتساءلون عما جاء داهية السياسة، ومخترع تعبير «الستار الحديدي»، يفعله بين المبدعين، ليستولي على جائزتهم الكبرى، وقد فضّله المحكّمون غريبو الأطوار على أي مبدع آخر في ذلك العام المدهش. غير أن الحق لا يبدل من واقع التاريخ. والتاريخ هو الذي يقول لنا إن أهل «نوبل» اختاروا في شهر تشرين الأول (اكتوبر) 1953، السير ونستون تشرشل ليعطوه جائزتهم. والأدهى من هذا أن تلك الجائزة لم تأت لتتوج إبداعاً أدبياً خارقاً وضعه تشرشل، بل جملة من كتب سياسية تاريخية لم يتميز أي منها بكونه، حتى في مجاله، ينتمي إلى الأدب الحقيقي.
> في ذلك الحين، أي في خريف العام 1953 كان ونستون تشرشل، رئيس حكومة صاحبة الجلالة - وكانت اليزابيت الثانية وصلت حديثاً إلى العرش البريطاني، أنجز كتابة ونشر المجلدات الستة التي يتألف منها كتابه الأشهر «مذكرات حول الحرب العالمية الثانية». وكان كل مجلد يتألف من جزأين، ما يتيح لقارئنا هنا، بالطبع، أن يتخيل الحجم الإجمالي لذلك الكتاب. إذ كان يقع في ما لا يقل عن ستة آلاف صفحة. وكان تشرشل بدأ يخط تلك الصفحات عام 1948، حين كان بعيداً من الحكم بين حقبتي توليه رئاسة الحكومة (الحقبة الأولى بين 1940 و1945، والثانية بين 1951 و1955). وهو اضطر لاستكمال مشروعه، حتى بعد أن اختير عام 1951، لتشكيل حكومة جديدة. وإذا كان السؤال المنطقي هنا هو: من أين جاء تشرشل منذ 1951، بالوقت والطاقة الكافيين لكتابة آلاف إضافية من الصفحات، فالجواب داخل الكتاب نفسه. إذ، وعلى رغم الجائزة السامية التي أعطيت للكاتب - وجزئياً لكتابه هذا - يرينا الكتاب عن كثب أنه في مجموعه ليس أكثر من تجميع ليوميات كتبت ميدانياً، منذ بداية الحرب، ولمذكرات وإشارات وبرقيات متنوعة شاءها المؤلف سنداً لنصه، فإذا بالنص يصبح ثانوياً، من ناحية الحجم والأهمية، والوثائق تشغل معظم الصفحات.
> تشرشل لا ينكر هذا، بل يبرره في معرض حديثه عن كتابه قائلاً، إنه إنما اختار في صياغته أسلوب سلفه الكاتب الكبير دانيال ديفو في كتابه «مذكرات فارس»، حيث يربط الكاتب بين ما يعرضه من موضوعه وبين مساجلاته في شأن الأحداث الكبرى، عسكرياً وسياسياً، وإنما منظوراً إليها انطلاقاً من التجربة الشخصية للفرد. وإذ يوضح تشرشل هذا يزيد: «ربما كنت أنا الشخص الوحيد الذي عاش أكبر كارثتين بشريتين (خلال النصف الأول من القرن العشرين) وأنا في موقع السلطة». ومن هذا الموقع - وإذ يكرس صفحات كتابه لحديث الحرب - يفيدنا تشرشل باستمرار أن تلك الحرب كان يمكن تفاديها بسهولة متسائلاً: «ترى كيف حدث للشعوب الآنغلو - ساكسونية، بإهمالها، إن سمحت لقوى الشر في العالم بأن تعيد التسلح من جديد».
> لكن تشرشل لا يمضي كل وقته في الكتاب وهو ينحو باللائمة على الشعوب «المتحضرة» لكونها سمحت بالحرب، بل إنه إذ يتجاوز هذا الأمر يقسم كتابه إلى محاور عدة هي: المجلد الأول (العاصفة تقترب)، «من حرب إلى أخرى» (1919 - 1939)، و»الحرب الغريبة» (1939 - 1940) - المجلد الثاني (الساعة الفجائعية)، «معركة فرنسا» و «انكلترا وحدها» - المجلد الثالث (التحالف الكبير)، «غزو روسيا» و «أميركا في الحرب» - المجلد الرابع (انعطافة القدر)، «الهجمة اليابانية» و «إنقاذ أفريقيا» - المجلد الخامس (الكماشة تضيق)، «إيطاليا تستسلم» و «من طهران إلى روما»، وأخيراً المجلد السادس (انتصار ومأساة)، «الانتصار» و «الستار الحديدي».
> منذ البداية يعرف ونستون تشرشل أنه لا يكتب نصه هذا بصفته عالماً موضوعياً محايداً يريد التأريخ لحرب ما، بل بصفته لاعباً في تلك الحرب، ورجل سياسة يدرك تماماً أن له دوراً في الشؤون العامة سيلعبه بالضرورة حين تدعو الحاجة. ومن هنا يأتي تعريفه للحرب تعريفاً تقنياً لا أيديولوجياً. في معنى أنه لا يكتب عن الحرب ليرفضها أو ليبيّن كم إنها تحتوي من مآس إنسانية. مآسي الحرب بالنسبة إليه سياسية لا أكثر، ومنها مثلاً اضطرار الغرب إلى التحالف مع السوفيات ما يعطي هؤلاء الحق في - والقدرة على - الحصول على أجزاء من «قطعة الغاتوه» السياسية والجغرافية التي سيتقاسمها المنتصرون. والحرب بالنسبة إلى تشرشل تعرف كالآتي: «في الحرب، الحزم يجب أن يسود، في الهزيمة، يجب أن يتم اللجوء إلى شيء من العناد، وعند النصر يجب على المنتصر أن يتعلم كيف يكون جذاباً، أما في زمن السلم، فإن المطلوب هو النية الصافية».
> بالنسبة إلى كثر من المؤرخين والدارسين، من البديهي أن يكون المجلد السادس والأخير من كتاب تشرشل هو الأكثر أهمية، لأنه يتعامل مع مسألة السياسات التي تلت الحرب العالمية الثانية، والتي كان تشرشل نفسه قطباً أساسياً من أقطابها... ذلك أن هذا المجلد يروي «الأحداث الكبرى» التي عاشها «العالم المتحضر» بين إنزال قوات الحلفاء (القوات الأميركية خصوصاً) في النورماندي، وبين استسلام ألمانيا نهائياً. ولعل مفتاح موقف تشرشل من كل هذه الأحداث يكمن في العبارة التالية التي ترد في آخر فصول المجلد: «ترى كيف حدث للديموقراطيات الكبرى أن انتصرت، ثم وجدت نفسها - انطلاقاً من واقع الانتصار هذا - قادرة على استئناف ارتكابها الحماقات نفسها التي كادت من قبل أن تودي بها». وكان تشرشل يقصد بهذا أنه صحيح أن ألمانيا النازية انتهت ولكن «ها هو الاتحاد السوفياتي قد تسلل إلى قلب أوروبا الغربية»... خالقاً ما سماه تشرشل «الستار الحديدي».
> على رغم أن ونستون تشرشل (1874 - 1965) لم يكن أديباً حقيقياً، ولا رساماً مبدعاً حتى، مع أنه مارس الرسم وثمة لوحات عدة تحمل توقيعه، فإن «مذكرات حول الحرب العالمية الثانية» لم يكن أول كتبه... فهو، وحتى منذ ما قبل القرن العشرين، كان اعتاد كتابة مؤلفات تاريخية ونشرها - وأحياناً عائلية - وكان واحداً من أول كتبه، كتابٌ عن «حكاية قوات مالاكاند الميدانية» (1898) تلاه كتاب «حرب النهر» (1899) ثم كتاب رحلات، مسيس حتى أعماقه هو الآخر وعنوانه «من لندن إلى ليدي سميث عن طريق بريتوريا» (1900). ومن بين كتبه الأخرى «مسيرة ايان هاملتون» (1900 أيضاً)، و «لورد راندولف تشرشل» (1906 - 1907) و «الليبرالية والمعضلة الاجتماعية» (1909) و «أزمة العالم» (في أربعة مجلدات، 1923 - 1929)، إضافة إلى كتب مذكرات عدة وتاريخ للشعوب الناطقة بالإنكليزية. هذه الكتب وغيرها تفيد كم أن السياسي البريطاني المحنك كان غزير الكتابة. فما الذي كان يفعله حين لم يكن لديه ما يكتبه؟ كان يحكم، وزيراً أول الأمر (خلال الحرب العالمية الأولى)، بعد أن خدم نائب وزير لشؤون المستعمرات (في مصر وسري لانكا والهند والسودان)، ليصل بعد ذلك إلى وزارة العدل ثم رئاسة الحكومة وغير ذلك من مواقع قادته إلى الإسهام في صنع عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية في «يالطا» و «طهران» و «بوتسدام» وغيرها، إنما دون أن يصنع من «المجد الأدبي» ما يبرر تلك الـ «نوبل» الغريبة التي أُعطيت له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق