ما وراء الحجاب.. الأدوار الجنسية مابين الرجل والمرأة
طبيعة العلاقة بين الجنسين تمثل حجر الأساس في بنية العائلة |
المجلة - بقلم : لمياء السويلم -الجمعة - 25 أبريل 2014 :
من أكثر المواضيع إشكالاً في المجتمع السعودي هي العلاقة بين الجنسين؛ لأن هذه العلاقة تمثل حجر الأساس في بنية العائلة، فهي ترسم الأدوار الاجتماعية لكل من الرجل والمرأة، كزوجين وكوالدين، والبحث عن أشكال جديدة للعلاقة ينعكس بعمق على تكوين المجتمع ككل، وعلى تشكيل الثقافة التي تحكم الفضائين الخاص والعام على السواء، ثمة أنماط راسخة بدأت تتزحزح، وثمة أحكام مسبقة عن الذات والآخر تثقل الطرفين الرجال والنساء، الصورة الجاهزة عن المرأة أو الرجل هي أحد أهم المعوقات لتغيير المجتمع، وتحسين شروط المعيشة، وعلماء الاجتماع اهتموا كثيرًا في دراسة هذا الموضوع، على الأخص المهتمين بالدراسات الجندرية التي تدرس الأدوار والأنماط التقليدية لكل جنس، وتكشف عن الشروط الثقافية التي تحكمها، ومن أهم من اشتغل في هذا الموضوع هي النسوية الكبيرة فاطمة المرنيسي -عالمة السسيولوجيا المغربية- في دراستها “ما وراء الحجاب، الجنس كهندسة اجتماعية”؛ حيث تناولت العلاقة بين الجنسين من خلال فرز التصورات الثقافية التاريخية عن المرأة، وتحليلها ضمن الواقع اليوم، والذي يشهد تطورًا سريعًا يصعب معه أحيانًا تدوين الملاحظات، حيث كل يوم يفرض شكلاً جديدًا لهذا الواقع.
في مجتمعنا نتصور أن دور المرأة غالبًا سلبي، فالرجل هو الفاعل دائمًا، والمرأة غائبة، ينسحب هذا التصور على كل أشكال العلاقة بين النساء والرجال، ومن هنا التساؤل عن دور المرأة في الحياة الجنسية هل هو فعال أم سلبي قد يواجه بإجابة متسرعة وجاهزة بأنه سلبي، أي هو دور المفعول به لا الفاعل، لكن المرنيسي في أطروحة الدكتوراه في علم الاجتماع العائلي تثبت عكس ذلك؛ فهي ترى أن المجتمعات التي تفرض على الغرائز ضابطًا خارجيًّا من خلال عزل المرأة ومراقبتها هي مجتمعات تتصور أن دور المرأة فعال، وهو تصور تتميز به المجتمعات المسلمة التي تحمل نظريتين عن الحياة الجنسية، واحدة علنية، وأخرى ضمنية، الأولى هي الاعتقاد السائد أن دور الرجل الجنسي هو الفعال والمرأة هي ذات الطابع السلبي، بينما النظرية الضمنية هي اللاوعي الجمعي المكبوت، والذي يرى الحضارة مجرد مجهود يهدف إلى احتواء سلطة المرأة الهدامة والكاسحة، كما يختصرها الإمام الغزالي في كتابه “إحياء علوم الدين” في باب النكاح وميزان العمل.
تتساءل المرنيسي: “لماذا يخشى الإسلاميون الفتنة (فتنة المرأة)؟ لماذا يخشى على الرجال من سلطة جاذبية النساء الجنسية؟ أهناك افتراض يعجز الرجل عن إرضاء المرأة جنسيًّا، وبأنها نتيجة لذلك ستبحث عن رجال آخرين، وتتسبب في الفوضى إذا ما توفرت لها الحرية؟ أم هنالك افتراض آخر يرى بأن طاقة النساء الجنسية أكبر من طاقة الرجال؟”.
ومفردة الفتنة مفردة متشبع بها في الخطاب الديني، كانت كل الخطابات تركز عليها كباب للفوضى الجنسية، وضياع الأسرة، وانحلال المجتمع أخلاقيًّا؛ ولأن النظرية العلنية تقول: إن الرجل هو الفعّال، روجت هذه الخطابات لنظرية هي”الماشية” التي تمنح الرجل دور الصائد، وللمرأة دور الفريسة، وهي تجد قبولاً اجتماعيًّا كبيرًا من الجنسين حتى اليوم، ومهما تغيرت القناعات حول هذه الأدوار تبقى صورة الصياد للرجل هي الصورة الأعمق في اللاوعي، تمامًا كما تظل صورة الطريدة صورة للمرأة، ورغم عمق هذه الصور ومع تحكم نظرية الماشية في المجتمع، إلا أن النظرية الضمنية عن الأدوار الجنسية تثبت العكس أيضًا، فهذا الخوف على المرأة ليس إلا خوفًا منها، فلم يغب الرجل، ولم يحجب صوتًا وجسدًا كي لا تفتن به النساء، بل ما حدث هو مطاردة وترصد كل ما يمت للمرأة بصلة ليتم حجبه وإخفاؤه من الحضور خوفًا على الرجل.
تذكر الكاتبة بأن الرقابة على حياة المرأة الجنسية جاءت بصيغ وتشريعات دينية أكثر منها ثقافة اجتماعية، فالتمليك والخلع هما رواسب تذكر بالحق الذي كانت تملكه المرأة في تقرير مصيرها “لقد هدفت البنية الأسروية الإسلامية الجديدة التي شكلت ثورة على تقاليد الجزيرة العربية ما قبل الإسلام، إلى إقامة بنية أسروية ترتكز على سيادة الرجل وانفراده بالمبادرة فيما يخص الزواج والطلاق، فالتعدد والطلاق وتحريم ارتكاب الزنا وضمانات الأبوة كلها مؤسسات ساهمت في تسهيل الانتقال من البنية القديمة التي كانت ترتكز فيها الأسرة على نوع حق المرأة في تقرير مصيرها، إلى البنية الجديدة التي ترتكز فيه الأسرة على مبدأ سيادة الرجل”.
تقدم الدكتورة الأشكال الأربعة للزواج قبل الإسلام، نكاح الرهط، ونكاح الاستبضاع، ونكاح البغايا، وجميعها تم تعطيلها إلا نكاح الناس اليوم، حيث يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكِحها، لقد كانت المرأة بعد طلاقها أو وفاة زوجها تتزوج مباشرة إن أرادت ودون عدة؛ لأن تحديد الأبوة وقتها لم يكن بسلطة الرجل كاملة، بل كان للمرأة أن تنسب ولدها إلى الرجل الذي تلد معه ويربي ابنها، هذا التحول في هندسة المجتمع قبل وبعد الإسلام، هو ما جعل الأسرة تمارس الرقابة الشديدة على المرأة كضرورة لحفظ الأمان الاجتماعي.
المؤلفة فاطمة مرنيسي |
مفردة الفتنة تشبع بها في الخطاب الديني، حيث كانت كل الخطابات تركز عليها كباب للفوضى الجنسية .
الأسرة التي ندبج حولها الكلام والنظريات والتعاليم لا يمكن أن تظل خاضعة لهذه التصورات القديمة والمترسخة في اللاوعي، بل يجب أن تخرج عن هذه القوالب، وتخضع لتغيير حقيقي ضمن علاقة صحية للإنسان بذاته وبالآخر، هوية جنسية صحيحة للمرأة والرجل هي ضمانات المجتمعات الحديثة لحياة لا يظلم فيها جنس في سبيل حمايته كما يحدث اليوم من ظلم للنساء في ذريعة لحمايتهن، إن سؤالاً خطيرًا يجب أن يتم التوقف عنده: لماذا لم يؤدِ الفصل الحاد والمهووس بين الجنسين إلى اختفاء جرائم الاعتداءات والتحرشات.
“الجنس كهندسة اجتماعية” الذي يبحث في ديناميكية العلاقة بين الجنسين، يوضح للقارئ كيف أن الحماة “أم الزوج” هي من أشد الحواجز التي تعترض الحميمية الزوجية، فالابن الذي يرتبط بأمه ارتباطًا شديدًا يعاني بصفة خاصة من القلق بخصوص رجولته، ويتوجس خيفة من الأنوثة، والمجتمعات التي لا تعترف بالحب إلا حب الابن لأمه هي مجتمعات تدفع الرجل وتشجعه على حب امرأة لا علاقة جنسية بينهما، بينما هي ذاتها المجتمعات التي تثبط أي حب للزوجة، وتستهزئ بكل محاولة للتعبير عن العاطفة الزوجية، ما يخذل هذه العلاقة بين الزوجين قبل أن تبدأ، فالعلاقة الزوجية ليست ضعيفة وفقط، بل لا تجد أي تشجيع أو تحفيز، بينما علاقة الابن بأمه تجد من التمجيد ما يفوق قيمتها، ويحيلها إلى تعقيدات نفسية، يقول سلاتر: “المرأة في المجتمعات التي تعرف تنافرًا شديدًا بين الجنسين حيث تكون وضعيتها متدهورة، تبحث عن إرضاء حاجاتها العاطفية أساسًا في علاقتها بابنها، في حين أن المجتمعات التي لا تبرز فيها هذه الخصائص بالحدة نفسها، تجد المرأة تتجه أساسًا إلى العلاقة الزوجية كمنبه رئيس لإرضاء رغباتها العاطفية”.
تحمل بعض “النكات” حول طبيعة العلاقة بين الجنسين الكثير من السخرية السوداء التي يمكن لتحليلها أن يكشف عن حجم المشكلة ومدى تجذرها، فالنكتة لا تقول ما لا يفكر فيه، بل تقول وتتحايل على ما لا يقال، هي تبرز كل القناعات والأفكار المسكوت عنها، فمثل تشبيه المرأة بالسيارة، وتشبيه زواج الرجل بمدرسة تعليم القيادة، هذه الصور ليست منفصلة على التصورات الاجتماعية التي تحكم فعليًّا العلاقة بين الجنسين، وتهندس النظام الاجتماعي كاملاً.
في الهندسة الاجتماعية العربية يشكل الشرف والطهارة مفاهيم حساسة جدًا، فهما يربطان وبشكل قدري وأبدي بين مكانة الرجل والسلوك الجنسي للنساء تحت سلطته، زوجة أو أخت أو ابنة، فمقياس الرجولة لا يتعلق بصفات الرجل لذاته بقدر ما يتعلق بمدى شدة قبضته على هؤلاء النساء في ملكيته، وهو ما يفاقم الضغط على الجنسين، فالرجل لا يملك مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية اليوم أن يشد هذه القبضة باستحكام كامل، ولا يملك أن لا يشعر بالاهتزاز إذا ما أرخى هذه القبضة، هو بين حدين، تمامًا كما هي المرأة بين حد سلطته وحق حقوقها، يعيش الاثنان في مجتمع تمت هندسته على أساس المالك والمملوك، فما كان لأي تغيير في هذه الهندسة إلا أن يدلع حروبًا قاتلة في بيوتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق