أساطير الحب والجمال عند اليونان
محمد الدريني بن سيد بن يوسف خشبة
الكتاب يضم 24 إسطورة .. وقد تحدث فيه الكاتب عن بعض من الأسماء المعروفة والتي إنتشرت لها أروع الأساطير منهم :
- بسيشيه وكيوبيد .. أروع قصص الحب في التاريخ القديم.
- إيحو ونركيسوس ... الفاتنة التي أصابها البكم .. والجميل الذي عشق صورته .
- أرفيوس الموسيقي .
- مصرع بروكوريس .
- أجنحة ديدالوس .
لغة ساحرة و«خيانات فنية» في أساطير الحب والجمال الإغريقية
جريدة الشرق الأوسط - محيي الدين اللاذقاني :
الإسطورة ليست في المعنى وحده، فنصف سحرها في لغتها وثلثه في رموزها البدائية التي تخاطب أعمق ما فينا، والباقي لمن يريد أن يحيلها إلى سمر وحكم ومواعظ للتأمل والاعتبار.
ومن بين جميع الذين ترجموا الأساطير الأجنبية للعربية يحتل دريني خشبة مكانة ممتازة في قلوب محبي الأساطير بسبب لغته الساحرة في الترجمة التي لا تخفي نفسها لكنها تتبرقع بغلالة شفافة من الرومانسية حتى في المشهد الدموي الذي لا يحتمل الرومانسيات.
وإن كنت من الذين قرأوا إسطورة «ابنة نيزوس» الخائنة التي فتحت أسوار «مدينة» أبيها للغازي انسياقا وراء حبها المدمر فسوف تدرك عظمة ذلك المترجم وخصوصا في المشهد الأخير حين يكتشف الملك خيانة إبنته، ويأمر بقتلها، فتحيلها آلهة الاولمب الهازلة إلى عصفورة بيضاء، وتحيل الأب إلى نسر لا يزال إلى اليوم كلما رآها ينقض عليها ويمزقها إربا، فكأن موتة واحدة لا تكفي ولا تكفر عن خيانة الأب والوطن، فيا للعصفورة التي تتعذب أكثر من بروميثوس.
وبدلا من أن أواصل مديح لغة دريني خشبة وحسن اختياره نظريا وعن بعد لماذا لا نقرأ معا طريقة وصفه للشابة «هيرو» في إسطورة «هيرو ولياندر» لتحكم بنفسك على خصوصية لغة ذلك المترجم الفنان «.. وشبت هيرو، وتفتح الورد في خديها الناعمين، وأستيقظ النرجس في عينيها الناعستين، وضحكت فينوس في شفتيها الحمراوين ونبت المخمل يطري صباها الغض وشبابها الفينان».
صحيح أن لفظة «الفينان» لم تعد تستخدم كثيرا لكنها في موقعها في السياق اللغوي لا تبدو غريبة أبدا، ولا مستهجنة، فهي كالتطريز الأنيق على ثوب مليء بالجواهر.
وفي إسطورة «ميداس» عبد الذهب والمال الذي منحته آلهة الاولمب نعمة أصعب من النقمة حيث صار كل ما يلمسه يتحول ذهبا بما في ذلك طعامه وشرابه قدم دريني خشبة تلك الإسطورة بإسلوب أقل ما يقال عنه أنه ساحر منذ أول صفحة حيث موكب باخوس إله الكروم والرياض الخضر ينتشي ويتفتح مع الكون ويسير البشر على إيقاع الأرض في «هارموني» أبدي لن تجده بعد أساطير الإغريق إلا في رومانسيات القرن التاسع عشر التي أعادت الشعراء إلى الطبيعة بعد أن تختخوا وتعفنوا في أزقة المدن الرطبة.
يقول دريني في وصف موكب باخوس:
«وكانت النسوة المنتشيات يتقدمن الركب ويتواثبن على الكلأ، ويرسلن في الطبيعة الناعمة اعذب الألحان، فيوقظن الورد، ويفتحن أعين النرجس، ويشعن النشوة في الأرض الهامدة فتربو، وتهتز، وتكاد من خيلائها تمشي في الموكب العظيم».
إن اللغة الجميلة تأتي دائما مصاحبة للذوق الرفيع، واختيارات هذا المترجم الذي تم قذفه بحجارة وصواعق لمجرد «خروجه على النص» من الاختيارات التي تدل على ذكاء وتعمق وفهم حقيقي لدور الإسطورة، فهناك أساطير كثيرة طويلة ومملة ولا يضيرها أن تختصر، فهذا العصر غير ذاك، وتلك الأيام المديدة الرخية التي كانوا يصرفونها في القص والسرد والأسطرة هي غير أيامنا التي نمضيها، باللهاث والركض وغابة الناس، وبالكاد نجد وقتا للنظر إلى وجوهنا مرتين واحدة في الصباح والثانية قبل النوم أو قبل أن نهم بالكرى، فيأتينا ليداعبنا الأرق.
* لعنة سولمانوس
* إن إسطورة «لعنة سولمانوس» التي تجدها في أصولها الأولى محشوة بالتفاصيل الطويلة تتحول على يد هذا الذواقة إلى إسطورة رشيقة زالت زوائدها وشحومها، وظل فيها ما يفيد العقل والقلب، ويلخص حالة أولئك المتمردين الذين لا يعجبهم شيء ويريدون تغيير كل شيء بما في ذلك نظام الكون فيفشلون لانهم لا يدركون أن خلف كل حركة كونية حكمة. وهذا ما حصل مع «سولمانوس» الذي ظل يتأفف من كل شيء، فلما أُعطي القدرة على رسم خريطة الكون على هواه لحل مشاكله نظر «سولمانوس» إلى اسباب الشقاء الذي يملأ الأرض، فوجده في الفقر والمرض والجهل والموت، فقرر بالقوة التي أعطيت له بالأسطورة وبتفويض «زيوس» أن يقضي على تلك الشرور وأرسل أوامره عبر الريح وأفاق في اليوم التالي على مشهد هو لب تلك الإسطورة الممتعة:
«وأصبح سولمانوس، وأصبح الناس، أصبح ذاهلا لا يدري ماذا يأتي، وماذا يدع، وأصبح الناس حيارى لما أصاب الدنيا، لقد صح كل مريض، وسلم من الموت كل محتضر، والناس لا يستطيعون أن يشقوا طريقهم في الشوارع لكثرة ما بها من الاقوات والأرزاق، وهم جميعا يفلسفون ويتحاورون في نظريات العلم العميق المعقد بكلام سهل مفهوم، وسولمانوس ينظر إليهم فأغرا فاه من الدهش لا يدري كيف حدث هذا كله في ليلة، ولا يدري كيف يبلغهم أنه هو الذي أمر بهذا كله، فحدث في ليلة..».
وفي سياق تلك الأسطورة يذهب سولمانوس إلى حبيبته «كاكيا» سكران بصنيعه، فيتزوجها ويقيم في بيتها متفرغا لملذاته تاركا الدنيا وقد ظنها على أحسن حال لكنها لم تكن كذلك فالناس سئموا حياتهم الرتيبة دون كدح، وتوقفوا عن التفلسف والعلوم الكلامية، فالفلسفة النظرية التي لا تهدف الى غرض بائسة والعلوم التي لا تثمر شيئا ينفع الناس لا قيمة لها. لكن الخطر ليس هنا بل في اكتظاظ الأرض بالبشر والدواب، وإختناق هوائها بكثافتهم بعد أن غاب عنهم المرض والموت، وهكذا بدأ هؤلاء يفكرون بالتعاسة التي سببها لهم سولمانوس ويقررون الإنتقام منه.
والنتيجة أن ذلك الإنسان الذي أمتلك القوة ولم يتعلم التسامح والرحمة يفكر وهو ذلك الثائر، والمتمرد القديم أن يرسل صواعقه على الثائرين ليدمرهم عن بكرة ابيهم قبل يوم من نهاية العام الذي منحته إياه ألهة الاولمب لاصلاح شؤون الكون، ويفشل الإنتقام طبعا لأن من أعطوه قوة الفعل وخولوه أحكام التغيير كانوا يراقبون تحركاته ويعرفون أنه مجرد غنسان محكوم بالحماقات وغرائز الغنتقام وقدرته يستحيل ان تتجاوز الجزئيات إلى الكليات والصورة الناقصة المجتزأة غلى اللوحة الكونية الكلية.
إن النفس البشرية والطبيعة الصامتة والناطقة هما الميدانان المفتوحان لمباريات الريشة والقلم، وبعض الأقلام تنتصر على الريشة معظم الأوقات في وصف النفس، أما الطبيعة ورسمها فيكون النصر فيها للريشة إلا في حالات نادرة منها هذا المترجم المبدع الذي يبرع قلمه في الوصف الطبيعي، فيعطي للإسطورة الأصلية جمالا فوق جمالها الأصلي كوصفه الآخاذ في إسطورة «دموع تمثال»:
«كان القمر الجميل يسكب لجينه في أرجاء الليل الساجي، وكانت الطبيعة الرائعة تغازل أحلام النائمين، وتبسط عليهم سلامها، وكانت أنفاس الربيع ترشف العطر من أكمام الزهر لتعبق به في عيد «لاتونا» ذلك العيد الذي يداعب العذارى بأعذب الأغاني، ويغري الشباب في كل ربيع بأحلى الأماني، ويكسب الحياة دفئا والعيش مسرة، ويجعل لكل شيء بهجة ويشيع في الوجود جورا..»
* القبلة الغائبة
* لقد إعتاد أصحاب الخبرة القليلة باللغة أن يصفوا أمثال هذه المقاطع بـ «الإنشاء» الذي أوشك أن يصير تهمة، وهو ليس كذلك، فهناك جسر رفيع بين تكلف الإنشاء وروح اللغة البازخة لا يستطيع العبور عليه إلا أولو العزم من اللغويين والمترجمين، أما غيرهم فسرعان ما يسقطون ـ وإن بدأوا بدايات جيدة ـ في وادي التكلف الإنشائي، وما ذاك إلا أن العبور فوق ذلك الجسر يحتاج إلى مهارات، وإلى معرفة عميقة بروح اللغة المترجم عنها والمترجم إليها وتلك ميزة لا تتوفر لكثيرين، فهناك من يتقن اللغة التي يترجم عنها دون إلمام بخفايا العربية وأسرارها، وهناك من يمسك بزمام الفصحى بإقتدار لكن معرفته وإمتلاكه لروح اللغة المترجم عنها تظل دون عربيته فيظهر الميل والعرج، وتتشوه نصوص كثيرة بسبب فقدان هذا الميزان الدقيق.
أن أكبر المآخذ على دريني خشبة عدم التزامه بالنصوص الأصلية، وهذه تهمة وخيانة غير ضرورية إن كنت تترجم وثيقة تاريخية أو قانونية لكنها في الشعر والإسطورة ليست كذلك والمطلوب فيها خيانة المترجم قبل أمانته، ففي ذلك المجال الرحب الخصب يكفيك أن تفهم روح النص لتعيد خلقه بلغة أخرى، فالمترجم في بعض المذاهب هو الخالق الثاني للنص وزارعه الأول في أرض ولغة أخرى، فالخيانة هنا فنية وضرورية وليست خيانة أخلاقية مستهجنة.
لقد أعاد هذا المترجم المميز صياغة الأساطير وخصوصا الإغريقية منها، وقدم للمكتبة العربية أكثر من مجلد عن أساطير الحب والجمال عند اليونانيين، وربما يكون قد أخطأ بعدم توضيح قصده وإسلوبه ومنهجه لكن الأمور بخواتيمها وما بين أيدينا من نصوص مشعة لأساطير الإغريق كما قدمها هذا العاشق المتيم بالإسطورة تدل على أن النتائج مقبولة إن لم تكن ممتازة، فما كل الناس تقرأ الأساطير لغرض البحث العلمي والدراسات اللغوية المقارنة إنما الأغلبية تمر عليها للمتعة، وهذه لا تكتمل وتبلغ ذروتها بغير الأسلوب الجميل واللغة الفاتنة لأولئك الخونة المتمكنين من اللغات.
لقد كانت الإسطورة على الدوام تعبيرا رمزيا لإمتلاك العالم ومرحلة اكتشاف بشرية مثيرة تعكس طفولة العقل الإنساني، فهي والحالة هذه تحتاج إلى لغة خاصة تقف وسطا بين الشعر والنثر، وتمتلك القدرة على الرسم التصويري والإيحاء التعبيري، وقبل هذا وذاك البساطة والاختزال وكلها صفات تجدها عند دريني خشبة الذي يدهشك بإقتداره على تكثيف مسألة متشعبة بعبارة واحدة، ففي إسطورة «هرقل» وحين أراد وصف علاقات «زيوس» النسائية الكثيرة السرية منها والعلنية أكتفى بالقول «كان قلب الإله الأكبر شيوعية في دولة الحب» وأنطلق بعدها ليحكي عن غرامه بألكمين أم هرقل وكله ثقة بأن القارئ فهم قصده وأستعد لما يأتي دون حاجة لحشو أو تطويل أو ابتذال.
ولا أعرف إن كان قد تم تكريم ذكرى هذا المترجم ـ الفلتة من جيل الرواد، فإن لم يكن فهذا هو وقت رد الجميل لأولئك الذين شكلوا جسورا للتلاقح بين اللغات والحضارات ولعل ولده الكاتب المسرحي سامي خشبة والدكتور جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة هما الأقدر على تنظيم إحتفالية للاحتفاء به وبترجماته ودوره وادوار جيله من المترجمين الأوائل الذين ندين لهم بالكثير رغم الملاحظات الكثيرة على صنيعهم.
في المجلد الثاني من أساطير الحب والجمال عند اليونانيين إسطورة أسمها «القبلة التي أنقذت العالم من الطوفان» وتحكي عن حبيبين «ديوكالين وييرها» في اللحظات الأخيرة من العصر الحديدي الذي قرر فيه «زيوس» أن يغرق العالم، فطفح الماء ليغطي كل شيء ووصل إلى القمة التي يقف عليها الحبيبان وفي لحظة الحب الوداعية تلك نظر العاشق في العينين الخضراوين الزبرجديتين للمحبوبة وهي تقول له: لن أدع يدك تفلت من يدي. وأراد أن يقبل تلك اليد لكن الحبيبة أبت إلا أن تذهب «القبلة الثمينة الخالدة إلى مكانها الخالد المقدس عند قرمز الشفتين المرتعشتين».. فلما كان لها ما أرادت رق قلب زيوس ورهطه وتراجعوا عن قرار إغراق الأرض إكراما لتلك القبلة الصادقة التي ولدت تحت هاجس الخوف من الفقدان.
إن الترجمة هي القبلة التي ستنقذ الثقافة العربية من الجفاف، وليس من الطوفان، ومن شأن تكريم دريني خشبة وجيل المترجمين الرواد أن يذكر الجيل الحالي بقصوره أو يغريه بالمزيد من تلك القبل الثقافية الممتعة التي تعيد لثقافتنا ألقها الذي بلغ ـ لمن يريد أن يتذكر ـ الذروة في عهد مدرسة بغداد للترجمة في عهد المأمون ثم في عهد مدرسة طليطلة أيام المجد العربي في الأندلس.
المجلد الأول
أو
المجلد الثاني
لاشك أن الأسطورة تعبير عن طفولة العقل الانساني في رحلته الطويلة والمضنية ، كما أنها شكل من أشكال الامتلاك الرمزي للعالم ، ولكن ألانجد في هذه الطفولة بالذات وفي هذا الامتلاك الرمزي للعالم دهشة الانسان واسئلته الأولى عن الطبيعة والله وبداية محاولاته لاكتشاف ذاته ككائن مستقل وحر إزاء الأشياء وجبروت الطبيعة وطغيان الملوك والسادة .
ولو لم تكن الاسطورة تحمل هذه الأبعاد فكيف يمكننا أن نفسر ذلك الحنين الى العصر الذهبي الذي تجسده وتلك الاستعدادات المتكررة منذ قرون لدى كبار الشعراء والأدباء والموسيقيين وفي مختلف الأجناس الأدبية .
وهذا الكتاب الذي نقدمه اليوم في مجلدين يضع بين يدي القارىء أهم جهد أدبي بذله كاتب عربي للتعريف بأساطير اليونان . وذلك في أسلوب رفيع تميز به دريني خشبة ي كافة مساهماته الأدبية.
حمله من هنا
أو
للقراءة والتحميل إضغط هنا
دريني خشبة - أساطير الحب والجمال عند اليونان
حمله من هنا
أو
حمله من هنا
أو
للقراءة والتحميل إضغط هنا
دريني خشبة - أساطير الحب والجمال عند اليونان
حمله من هنا
أو
حمله من هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق