الثلاثاء، 10 مارس 2015

قصيدة من وحي سوسة - علي محمد أحمد ...


قصيدة من وحي سوسة



      ناظم هذه القصيدة الشهيرة، هو الأستاذ " علي محمد أحمد " الذي درّس اللغة العربية في مدرسة بنغـازي الثانوية خـلال الأعوام الدراسية المبتدئة من 1951 إلى 1954.

   ولد الأستاذ على محمد أحمد في إحدى قرى طنطا بمصر عام 1918، وتخرج في دار العلوم بالقاهرة عام 1946، وعمل بالتدريس مدة من الزمن، منها ثلاثة أعوام في بنغازي مطلع خمسينيات القرن العشرين، وله ديوان شعر مطبوع، وسلسلة من قصص الأطفال، كما فاز شعره ببعض الجوائز، أشهرها جائزة صادرة عن جريدة ( المساء ) في القاهرة عام 1957، وتوفي عن عمر بلغ أربعين عاماً في 1958. 
   ومـن شعر الأستاذ على حمد، كله تظـل قصيدة ( من وحي سوسة ) هي الأشهر، وتحتوي على ما يقارب خمسين بيتاً، نظمها بعد عودته من رحلة قام بها في تلك الأيام الطلاب والمدرسون في مدرسة بنغـازي الثانوية إلى مدينة سوسة.
 وقد نشرها في صحيفة البشائر في عددها الصادر يوم 27 / 7 / 1953 و أهداها إلى (شاعر ليبيا الكبير أحمد رفيق المهدوي). 
  



أرأيتَ سُـوسَةَ والأصِـــــيـلُ يَلُــفّها

 في حُــلّةٍ نُسـِـــجَتْ مِنَ الأَضْــواءِ؟


أمّا أنا فَلَــقَد أُخِـــذتُ بِسِـــحْرِهَــا

 لمّا وَقَــفْتُ هُـــــــنَاكَ ذَاتَ مَسَـاءِ !


حَدَّقْـتُ فِي أرْجَائِها مِنْ شُــــرفَتِي 

 فَعَشـِــقْتُ مَنْــــظَر هَذِه الأرْجَاءِ


الْبَحرُ يَـْـــبدُو مِنْ أمَامِـي مُوغِـلاً

 في الأُفقِ والجَــــبَل الأشمُّ ورائي


والشمسُ تَسْكُبُ فِي الْغُروبِ أَشِعَةً

  حَــمْرَاءَ فـَــوقَ اللُــــجَةِ الزَرْقَـاءِ


هَبطتْ إلى سَطْحِ المُحيطِ فنُصْفُهَـا

  يَــبْدو عَلـــيهِ ونُصْفُهَـا فِي المَـاءِ


عزمت عَنْ الكَونِ الرَحيل فخضبت

 أَفَاقِـــه بِدُمُــــوعِها الحَـــــــــمْراءِ


وهُــنا عَلى شُــطان سُوسَةَ يَا لَهَا

 من جَـــنةٍ سِـــــــحْريةٍ الإغـــرَاءِ


نَامَتْ عَلَى الْبَحْرِ الْجَمِـــيل كَـظَبيةٍ 

مَــذْعُــورةٍ هَرَبَت مِنَ الصَــحْرَاءِ


عَــذْرَاءَ فِي يَومِ الزَفَافِ تَهــــيَأت

 للعُرسِ وانَتَــــظَرَت عَلَى اسْتِحْياءِ 


يَـــسْرِي نَسِـــيم الْلَيل طَلقاً نَاعِماً

 يَنْــسَابُ بَــيْنَ رِياضِـــــــهَا الفناءِ


وعَلَى الْــِتلالِ أَشـِــــــــعَة وَرْدِيَـة

 سَــالت كَأقْــدَاحٍ مِنَ الصَــهْــــبَاءِ


وعَلْى النَخِـــيل من الأصِيلِ غِلاَلة

 فَــــتَانة الأصَــــبَاغ ذَاتَ بـَـــهَاءِ


تـَـبْدو الطَبِيعة فِيه أَجْمِلَ ما تَرَى

فِي سـَـــائِر الأَرْجَـــاءِ والأَنْـــحَاءِ


يا بَحْرُ أَغْـــفَى أَهْـلُ سُوسَةَ كُلِهم

وتـَـمَردّتْ عَيــــنِي عَلَى الإِغْــفَاءِ


لَمْ يَبق غَيرِي فِي الشُطانِ سَاهِراً

تَـحْتَ الظَــلامِ مُـــفْرَّغ الأحْـــشَـاءِ


أَعَرَفْتَــني يا بَـحْر أنِّى صَاحبٌ لَكَ

مُــنْذُ عُــهُود طُـــفُولَتِي البَيــضَاءِ


كَمْ هِـــمْتُ فِي الإسكـندرية شَارِداً

أُفْــضِي إِليكَ بِحِــيرَتِي وشَـــقَائِـي


وهُـــنَا بِــسُوسَة قَــدْ لَقيــتُكَ ثَانياً

وكَــذَا الحَـــياة تَــقَارُبٌ وتَــــنَائـي


بُحْ لي بنَــجَواكَ القَديــمة وارولي

سِـرَ الحــــياةِ وقِــــصَة الأحَــــيَاءِ


حَضَـنَتْ شَواطئك الحَــضَارة طِفلة

 فحفــــظْتَ مِـــنها أغْـــرَب الأَنْبَاءِ


وعـَـــرفْتَ ما للـــشَرقِ مِنْ فَـــضْلٍ

عَلى أَجْــــــنَاسِ أُوربـــا ومِـنْ آلاءِ


ورأيتَ ( طارق ) عَابِـراً في فُلْــكِه

يَـطْوي عَلــــيكَ غَـــوارِب الأنْــوَاءِ


وكَــتَائب العُـــــرب الكِــرَام ورَاءه

ويــرق فَــوقَ الأوجِـــه السَـــمْرَاءِ


صِــفْ لي بِربِكَ كَيف أَقْـلَعَ رَكْبَـهم

نَـحْوَ الشَــــــمَالِ فإنَّـــــهُم آبَـــائـي


حَــمَلوا الهُدى والنُور فِي أَيمَانِـهِم

 للمَغربِ وهَوَ يَعِــــيشُ فِي ظَلــماءِ


يا أرض سُـوسة فِي خَمِـيلكِ شاعرٌ

يَــشْدو وأنتِ خَمِــــيلةُ الشُــــعَـراءِ


أَقْبَــلْتُ انْـــشُد فِي هُـــدوئكِ سَلْوة

وهَـربتُ مِنْ صُحْبَـتي ومن أعدائي


فرشتُ مِن فَـمِكِ الصَــــــفَا سَلِسَلاً 

وشــــعرتُ بالسَلْـوَى تُـــعَالِجُ دَائي


رِفْــــــقاً بِزَائِـركِ الغَـرِيب وإنْ أَكُن

 فِيــمَا ذَكَرْتُ وقَــعْتُ فَي الأَخْــطَاءِ


أَنَا لا أَرَى المِـــصْريَ حَــيثُ يُقِـيمُ 

فِي أَهْلِــــيكِ مَــعْدُوداً مِنَ الغُرَبَــاءِ


إنَّ العُــروبَةَ أُمـــةٌ مَهْـــــمَا نـَـأت

دَارٌ بِـــرُغْمَ تَــــعدّد الأسَــــــــمَــاءِ

الأستاذ علي محمد أحمد
    تقع مدينة "سوسة" الليبية إلى الشرق من مدينة شحات أو قورينا التي تبعد عنها حوالي 20 كم ويمكن الوصول إليها عن طريق مدينة درنة أو عبر الطريق الساحلي عبر رأس الهلال، وتتمتع المدينة بموقع سياحي جذاب من الناحية الطبيعية فهناك البحر والجبال إضافة إلى المدينة الأثرية.

   اشتهرت سوسة الليبية منذ القرن السابع ق.م علي أنها ميناء لمدينة قورينا حيث كانت أول أمرها ميناء بسيطاً لقلة عدد السكان وضعف النشاط الاقتصادي في المنطقة، لكنه مع مرور الوقت وتزايد عدد السكان ازدهرت الحركة التجارية مما دفعها إلى الاهتمام بمينائها "أبولونيا" -سوسة- كي تستغله في تصدير بعض حاصلاتها واستيراد البعض من حاجياتها.

  واستمرت هكذا إلى أن تغير اسمها في العصر الروماني في القرن الأول ق.م حيث سميت باسم أبولونيا، وقد نالت هذه المدينة شهرتها بعد ان أصبحت عاصمة للإقليم في القرن الخامس الميلادي واستمرت في ذلك حتى الفتح الإسلامي، وقد كانت تعرف خلال هذه الفترة باسم سوزوسا.


   وخلال هذه الفترة الطويلة شهدت المدينة أحداثا تاريخية مهمة ارتبطت ارتباطا كبيرا بتاريخ الإقليم فمن الاستيطان الإغريقي إلى الروماني فالبيزنطي، وقد كشف عن الكثير من المعالم الأثرية التي تعبر عن تاريخ هذه المدينة فمن أهم معالمها: أسوار المدينة وأبراجها، والمقابر، والكنائس الشرقية والغربية والوسطى وكنيسة خارج الأسوار، قصر الدوق، الحمامات الرومانية والحمامات البيزنطية، والمسرح الإغريقي الروماني وغيرها من المعالم الأخرى. أطلق المستوطنون اليونانيون اسم "أبولونيا" على هذه المدينة ذات المناخ المعتدل والطبيعة الجميلة، ومنها كان يصدر نبات السلفيوم المهم آنذاك.
واعتبرت "أبولونيا" إحدى المدن الخمس في العهد البطلمي، وإحدى المدن العشر في العهد الروماني، قبل أن تصبح عاصمة لبرقة في القرن السادس الميلادي.


   وللمدينة سور خارجي تم بناؤه في العصر الهليني وأعيد ترميمه في العصر الروماني.


  ومن معالم المدينة الباقية، الجزء الحصين من المدينة أي "الاكروبوليس" والكنيسة ذات الحنية الثلاثية التصميم القائمة خارج الأسوار،والحمامات التي تجاور آثار القصر البيزنطي مقر الحكم في القرن السادس الميلادي.


   ويوجد جزء من آثار أبولونيا تحت مياه البحر، ويعلل خبراء الآثار ذلك أنه نتيجة للهبوط المستمر للطبقات الأرضية عن مستوى سطح البحر مما أدى إلى غمرها بمياهه.


  عندما احتل الرومان الجبل الأخضر في القرن الأول قبل الميلاد أطلقوا على تلك المنطقة منطقة المدن الخمس لاحتوائها على خمسة مراكز عمرانية كبيرة هي قورينا "شحات"، أبولونيا "سوسة"، طلميثة "بطوليمايس"، يوهيسبرديس- برنيقى "بنغازي"، وتوكرة "العقورية".

  وقد لفتت آثار سوسة انتباه الكثير من الرحالة والمهتمين بالآثار، وبدأت أعمال الحفر والتنقيب فيها منذ مدة ليست بالقريبة وأسفرت تلك الحفريات والتنقيبات عن ظهور الكثير من معالمها فضلاً عن اللقى الأثرية مما دعا إلى تخصيص متحف تعرض بداخله القطع التي وجدت بالمدينة.
    







ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة