الحداثة والتجديد في الشعر العربي المعاصر فدوى طوقان
مذكرة تخرج
إهداء
أهدي هذا العمل المتواضع إلى أعز ما لدي في هذا الوجود ، إلى التي أخرجتني إلى النور بكل صوره ، إلى من أوصى على طاعتها سيد الأنبياء و حثّ عل الإحسان إليها حتّى الفناء ، إلى من واستني في الألم و زودتني بالأمل ، و التي دعواتها رافقتني لتنير دربي .... أمي الحنونة .
إلى الذي أحمل اسمه بكل فخر و اعتزاز، إلى من صبر و تكبّد المشاق ، و احتمل صعاب الدنيا و أشواكها ، إلى من أفنى عمره ليراني أتقلد هذه الدرجات لأحيا حياة أفضل ... أبي العزيز
إلى أعز و أروع أخ و الذي أفتخر به ، أخي الوحيد
إلى أعذب الألحان التي تتّحد جميعا لتعزف أرق السمفونيات لست أنساكم فكيف أنسى محبا ليس بنسياني أخواتي .... و التوأم.... و ..... اللتان أتمنى لهما النجاح في شهادة البكالوريا .
إلى سنفونية العائلة الكتكوت ياسر ، سيف الدين
إلى كل من وسعته ذاكرتي و لم تسعه مذكرتي أهدي ثمرة جهدي .
حنـان
المقدمة
إن الشعر هو القالب الفنّي الذي استوعب و مازال يستوعب تاريخ الأمم على اختلاف أجناسها و ثقافاتها و معتقداتها ، و هذا ما جعله يرتقي يوما بعد يوم و يكون محطّ أنظار الدارسين ، كلّ يدرسه على حدى .
لقد كان الشعر دوما عبارة عن حوصلة لتجارب الشعوب و الأمم على مرّ الزمان ، ناقلا بذلك يومياتها و تاريخها ، و نظرا للتطور المذهل للحضارات و الثقافات المختلفة كان لزاما عليه أن يجاري هذه التطورات ، و أن يتأثر بهذه الحضارات ليتطور هو الآخر ، فكان هذا التغير الجذري السبب الرئيسي الذي نقل القصيدة الكلاسيكية نقلة نوعية ، و التي كان تأثيرها البالغ هي الأخرى على الشعر و الشاعر معا ، فظهور القصيدة الحديثة كان نتاجا لثورة فكرية و ثقافية ، سياسية و اجتماعية و حتى اقتصادية ، فهذه الأمور كلها عجّلت بما يسمّى الشعر الحديث و الجديد لدى مجموعة من الشعراء ، فارتبط الشعر عندهم بالخيال و النفس ، ممّا جعله يختلف عمّا كان عليه سابقا ، مميّزا عن سابقه بالجمالية الفنية أو الجمالية الشعرية التي مصدرها الخيال المتدفق ، و قد طغت على الشعر مصطلحات جديدة أضحت تميزه عن القصيدة القديمة مثل : الأسطورة ، الرمز ، الصورة الشعرية ، و أشياء أخرى حملتها القصيدة المعاصرة ، و لقد كانت فدوى طوقان أحد أقطاب الحداثة و التجديد في الشعر العربي المعاصر .
فما هي الحداثة ؟ و ما هو التجديد ؟ و ما هي مظاهرهما في الشعر العربي المعاصر ؟ و كيف تجلّت هذه المطاهر عند فدوى طوقان ؟ .
و لقد كان سبب اختيارنا لهذا الموضوع راجع لأسباب ذاتيّة ، و هي حب الاطلّاع و البحث في الأدب المعاصر و مميزاته و خصائصه ، و أسباب موضوعية تتمثل في أهمية هذا الموضوع الذي أصبح مثيرا للجدل .
قسمنا بحثنا إلى ثلاثة فصول مسبوقة بمدخل ، فكان حديثنا فيه عن ماهية الشعر الحر ، لنمر فيما بعد إلى الفصل الأول الذي قسمناه إلى مباحث تعريف الحداثة و مظاهرها من رمز و أسطورة و تناص و غموض ، ثم تناولنا في الفصل الثاني تعريف التجديد و مظاهره من حيث الشكل و الذي يخص اللغة الشعرية : الصورة الشعرية و الإيقاع الموسيقي ، و كذلك من حيث المضمون مع ذكر بعض النماذج كالمرأة و المدينة و غيرهما ، ثم انتقلنا إلى الفصل الثالث الذي خصصناه لمظاهر الحداثة و التجديد عند فدوى طوقان باعتبارها إحدى رواد الحداثة و التجديد في الشعر العربي المعاصر ، ثم خاتمة كانت حوصلة لما جاء معنا في البحث .
متتبّعين في ذلك المنهج الوصفي التحليلي . معتمدين على المراجع و المصادر التالية : الأعمال الشعرية الكاملة لفدوى طوقان ، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث ، ابراهيم خليل في نقد الشعر العربي المعاصر ، رمضان صباغ اتجاهات الشعر العربي المعاصر ، إحسان عباس .
و من الصعوبات التي واجهتنا ، طبيعة البحث ذاته و قلة المصادر و المراجع المتعلقة بالموضوع . و لكن بعون الله استطعنا تجاوز ذلك قدر المستطاع ، و نأمل أن تكلّل ثمرة هذا البحث بالنجاح و الإفادة لنا و لطلاب العلم .
مدخــــل
يعّد الشعر من أهم فنون الأدب العربي ، و هو ديوان العرب و سجّل تاريخهم ، يختلف عن النثر في تلك الموسيقى المطردة ، و التي تخضع لقواعد صوتية خاصة تجعل منه شكلا فريدا يميزه عن النثر ، وقد عرف هذا الوزن في المفهوم و التوظيف حتى وصل إلى الشكل الذي يعرف في العصر الحديث باسم الشعر الحر . (1) حيث تقول نازك الملائكة حول تعريف الشعر الحر : « هو شعر ذو شطر واحد و ليس له طول ثابت ، و إنما يصحّ ألا يتغير عدد التفعيلات من شطر إلى شطر و يكون هذا التغيير وفق قانون عروضي يتحكم فيه » . (2) ثم تتابع نازك قائلة : أساس الوزن في الشعر الحر أنه يقوم على وحدة التفعيلة ، و المعنى البسيط الواضح لهذا الحكم إن الحرية في تنويع عدد التفعيلات أو أطوال الأشطر بدءا أن تكون التفعيلات في الأسطر متشابهة تمام التشابه ، فيظّم الشاعر من البحر ذي التفعيلة الواحدة المكررة أشطر تجري على هذا النسق :
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن . (3)
يتّضح لنا من خلال هذا التعريف طبيعة الشعر الحر ، فهو شعر يجري وفق القواعد العروضية للقصيدة العربية و يلتزم بها و لا يخرج عنها إلا من حيث الشكل و التحرر من القافية الواحدة في أغلب الأحيان ، و إذا أراد الشاعر أن ينسج قصيدة ما على بحر معين و ليكن البسيط مثلا ، استوجب عليه في قصيدته أن يلتزم بهذا البحر و تفعيلاته من مطلعها إلى نهايتها ، و إنما الشعر هو الأساس الذي تبنى عليه القصيدة .
(1)أحلام حلوم ، النقد المعاصر ، دار الشجرة ، دمشق ، ط1، 2000 ، ص 05 .
(2) نازك الملائكة ، قضايا الشعر المعاصر ، دار العلم للملايين ، مكتبة النهضة ، بغداد ، ط2 ، 1965 ، ص 60 .
(3) نفسه ص 61 .
بداية حركة الشعر الحر :
ظهرت حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر منذ نهاية الأربعينيات من هذا القرن ، لم تكن في الواقع كما يفهم أحيانا ثورة ضد نظام البيت الشعري و القافية و التحول بالقصيدة إلى نظام التفعيلة الشعرية و السطر الشعري ، لأن هذه في الواقع كانت نتيجة مصاحبة لهذه الثورة الشعرية . (1) حيث كانت بداية حركة الشعر الجديد سنة 1947 في العراق ، و من بغداد نفسها زحفت هذه الحركة و امتدت حتى غمرت الوطن العربي كله ، حيث صدر في نفس السنة قصيدتان من طراز جديد الأولى بعنوان ﴿الكوليرا﴾﴿لنازك الملائكة ﴾ و الثانية ﴿ لبدر شاكر السياب﴾ و كان عنوانها ﴿هل كان حبا﴾ .(2) تقول نازك الملائكة: « كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947م في العراق و من العراق بل من بغداد نفسها ، و زحفت هذه الحركة و امتدت حتى غمرت الوطن العربي كله ، و كانت بسبب الذين استجابوا لها تجرف أساليب شعرنا الأخرى جميعا ، و كانت أول قصيدة حرّة الوزن تنشر قصيدتي المعنونة ﴿الكوليرا ﴾ ثم قصيدة ﴿هل كان حبا﴾ لبدر شاكر السياب من ديوانه ﴿ أزهار ذابلة ﴾ ، و كلا القصيدتين نشرتا في عام 1947 » . (3) نرى نازك من خلال النص الذي نقلنا منه تعترف أن بدايات الشعر الحر كانت سنة 1947 ، و أنه طلع من العراق و منه انتشر إلى باقي أنحاء الوطن العربي ، و احتفظت الشاعرة لنفسها بفضل السبق في ولادة الشعر الحر عام 1947 . و من خلال هذا التعريف نجد أن السيدة نازك الملائكة قد حكمت و أطلقت الحكم و عممته دون تروّ منها ، لأن هناك بدايات غير التي أشارت إليها أيضا ، و إن كانت هذه البدايات لم تحفل اهتمامها على الرغم من أن هذه الأخيرة قد تكون ذات شأن في تحديد نشأة الشعر الحر تحديدا فعليا .
(1) السعيد الورقي ، في الأدب العربي المعاصر ، دار النهضة العربية للطباعة و النشر ، بيروت – لبنان ، ط 1 ، 1984 ، ص 38 .
(2) مصطفى حركات ، الشعر الحر أسسه و قواعده ، الدار الثقافية للنشر ، القاهرة ، ط 1 ، 1998 ، ص 05 .
(3)نازك الملائكة ، قضايا الشعر المعاصر ، ص 65 .
ظروفه :
كانت لحركة الشعر الحر ظروف معرقلة جعلت سبيلها وعرا ، بعض تلك الظروف عام يتعلق بطبيعة الحركات الجديدة إجمالا ، و بغضها خاص بالشعر الحر نفسه ، فأما الظروف العامّة فتكمن في أن الشعر الحر شأنه شأن أي حركة جديدة في ميادين الفكر و الحضارة ، أما الظروف الخاصة فتكمن في كون الشعر الحر حركة جديدة جاء بها الأدباء العرب أول مرة في هذا العصر . (1)
و بعد الشعراء و القراء ، بدأ المنظرون يهتمون بهذا الشعر و حاولوا دراسته و لكنهم لم يستنبطوا قواعده مثلما يستنبط الخليل قواعد الشعر العمودي ، و انشغلوا بنقاشات عميقة حول التسمية . (2) و من أهم هذه النقاشات : هل الشعر شعر حر ؟ أم شعر مرسل ؟ أم شعر نثري ؟. كما أنهم افتتنوا بمفهوم نظري جديد لم يحاولوا تعريفه و هو الإيقاع ... فأصبح هذا المفهوم مبررا للعجز عن وضع قواعد و سببا في كل الافتراضات الوهمية و الأنظمة الخيالية . (3) خلافا على الشكل فقط دون المضمون ، أي أن الخلاف يقتصر على الأوزان فقط دون المعاني . و تنحصر أوزان الشعر الجديد في الأوزان التالية :
الشعر المرسل : و هو الذي يتقيد بالوزن و لا يتقيد بالقافية ، بل ترسل فيه القافية إرسالا فتتغير و تجدد كيفما يتراءى للشاعر .
الشعر الحر : و هو الذي يتحرّر فيه الشاعر في الأوزان و الأبحر الشعرية المعروفة و لكنه يتقيّد بالقافية في كل مجموعة معينة من الأبيات .
الشعر المرسل الحر : و هو الذي يتحرّر فيه الشاعر من القافية و الوزن جميعا ، و من الممكن أن نطلق عليه (اسم الشعر المنثور )أو (النثر المشعور) أو( قصيدة النثر ). (4)
___________
(1)أنظر نازك الملائكة ، قضايا الشعر العربي المعاصر ، ص 65 ، 66 .
(2)مصطفى حركات ، الشعر الحر أسسه و قواعده ، ص 05 .
(3)نفسه ، ص 06 .
(4) حامد حنفي داود ، تاريخ الأدب الحديث ، تطوره ، معالمه الكبرى ، مدارسه ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون الجزائر ، ط 1 ، 1993 ، ص143 .
و المرسل أسبق بالظهور من الحر ، و إن الشعراء في مصر و المشرق العربي يهرعون إلى هذا النوع من الشعر .
أما عن الحداثة الشعرية وصلتها بالجذور العربية في ساحتنا العربية الأدبية ، فيقول رفعت السعيد :« إن للتحديث شروطه و رجاله ، و من غير المعقول أن يحسب مجرد نقل أو ترجمة عشوائية لأي شيء حداثة ، و من غير المعقول أن تضطلع بالحديث فئات غير عقلانية بطبيعتها تبهرها أية صرعة ، فتعود بها لتغرسها عنوة و عندما لا تنغرس تأخذ هذه الفئات بالصياح : إن العرب متخّلفون و رافضون للحضارة ، ففي فرنسا و الغرب يعتبر هذا النمط من الكتابة حديثا» . (1) ، فهو يرى أن هؤلاء الذين يزعمون الحداثة إنما هم فئة بهرتهم حضارة الغرب فأصبحوا يقلدونه في كل شيء .
أما أمين نخلة فيقول :« كان الشاعر عبر العصور فنّانا تبرز في أشعره عبقرية لغته و عبقرية أمه ، و لم يرى الشاعر يوما إلا متجلببا بالفن ، و لكن هذه الصورة البهيّة للشاعر و الشعر تكاد تفارق زماننا الحالي ، فأنت تقرأ شعرا و لا تقرأ شعرا ، بل أنت لا تقرأ لا شعرا و لا نثرا و لا تجد نفسك إلا كأنك أمام أنواع من الأعشاب الطفيلية الغبراء التي تنمو في بعض البراري و القفار » . (2 ) فالشاعر في هذا التعريف يقارن بين أدباء الأمس الذين كانوا عبر العصور السابقة و ما ميّز شعرهم من سمات و عبقرية في اللغة مع أدباء اليوم .
فالحداثة عند بعضهم هي التنّكر بالزّي الغريب و بالمعنى الذي لا يعني و الصورة التي لا يفك مطاليقها أحد ، إنها في الواقع تعطيل لمقاييس الأدب و تقاليده منذ كان الأدب ، و اغتيال للتجويد و هزيمة للغة و البيان و حيرة للعقل . (3)
_____________
(1)جهاد فاضل ، قضايا الشعر الحديث ، دار الشروق ، بيروت ، ط 1 ، 1984 ، ص 88 .
(2)المرجع نفسه ص 97 .
(3)محمد أحمد ربيع ، في تاريخ الأدب العربي الحديث ، دار الفكر ، عمان ، الأردن ، ط 2 ، 2006 ، ص 139 .
مميزات الشعر الحر :
من مميزات الشعر الحر الوحدة العضوية ، حيث لم يعد البيت هو الوحدة ، و إنما صارت القصيدة تشكّل كلاما متماسكا و تزاوج الشكل و المضمون . فالبحر و القافية و التفعيلة و الصياغة وضعت كلها في خدمة الموضوع و صار الشاعر يعتمد على التفعيلة و على الموسيقى الداخلية المناسبة بين الألفاظ .
يقوم الشعر الحر على تشكيل الصور الشعرية الجديدة و الإكثار منها ، و هذا مقطع من قصيدة بعنوان ﴿الطين و الأظافر ﴾ للشاعر ﴿ محي الدين فارس ﴾ ، يقول :
ذَاتَ مَسَاءٍ
مُلْفَحَ الَآفَاقِ بِالغُيُومْ
وَ البَرْقُ مِثْلَ أَدْمَعٍ تَفُرُ مِنْ مَحَاجِرِ النُجُومْ
وَ الرِيحُ مَا تَزَالُ فِي أَط لَالِنَا تَحُومْ
وَ تَزْرَعُ الهُمُومْ .(1)
يكثر في هذا الشعر المواضيع الحديثة مثل المدينة و الموت ، و يتّسم الشعر المعاصر عامة و الشعر الحر خاصة بظهور النزعة الحزينة فيه ، و يرى بعض الباحثين أن النزعة الحزينة في شعرنا المعاصر ليست إلا نوعا من التأثر بأحزان الشاعر الأوربي الحديث ، الذي عاين طغيان الحضارة المادية على الروح الغربي في القرن العشرين .
الشعر الحر لا يتقيّد بالتفعيلات العروضية القائمة بين الشطرين ، و إنما القصيدة فيه تقوم على وحدة التفعيلة و لا يتقيد بوحدة القافية ، و يهتم الشعر الحر بالأساطير و يستثمرها الشعراء في قصائدهم . (2)
___________________________
(1)محمد أحمد ربيع ، في تاريخ الأدب العربي الحديث ، ص 197 .
(2)نفسه ، ص 142 ، 143 ، 147 .
أما نازك الملائكة فترى أن لهذا الشعر سمات مضلّلة تغري الشعراء إلى الكتابة فيه ، و من أهم هذه السمات ما يلي :
- الحرية البرّاقة التي تمنحها الأوزان الحرة للشاعر ، فما يكاد الشاعر يبدأ قصيدته حتى تخلب لبّه السهولة التي يتقدم بها ، فلا قافية تضايقه و لا عددا معينا من التفعيلات يقف في سبيله .
- الموسيقية التي تمتلكها الأوزان الحرة ، فهي تساهم مساهمة كبيرة في تضليل الشاعر عن مهمته .
- التدفق ، و هي ميزة معقّدة تفوق الميزتين السابقتين في التعقيد ، و ينشأ التدفق عن وحدة التفعيلة في أغلب الأوزان الحرة . (1)
و من هنا نجد الشعراء المحدثين يميلون إلى استخدام قصيدة الشعر الحر للتعبير عن مشاعرهم ، و ذلك لما تميّزت به من سمات فنية .
v أما عن عيوب الشعر الحر فبيّنت نازك عيوب الشعر الحر و أبرزها عيبان يرتكز كل منهما إلى تركيب التفعيلات في الشعر الحر و هما :
- اقتصار الشعر الحر بالضرورة على عشرة بحور ، و هذا يضيق مجال إبداع الشاعر ، فقد ألف الشاعر أن يجد أمامه ستة عشر بحرا شعريا بوافيها و مجزوءها و مشطورها و منهوكها ، و قيمة ذلك في التوزيع و التلوين و مسايرة مختلف أعراض الشاعر الكبيرة .
- يرتكز أغلب الشعر الحر على ثمانية أبحر من أصل عشرة إلى تفعيلة واحدة ، و ذلك يسبّب فيه رتابة مملّة ، خاصة حين يريد الشاعر أن يطيل قصيدته . (2)
___________________________
(1)نازك الملائكة ، قضايا الشعر العربي المعاصر ، ص40 ، 41 .
(2)انظر المرجع نفسه ، ص 42 ، 43 .
موقف النقاد من الشعر الحر :
يقف النقاد من الشعر الحر مواقف مختلفة ، فريق يعيبه و يطرحه و يستهجنه ، و فريق يدافع عنه و يستحسنه و يراه طابع العصر ، و فريق ثالث يقبل ما جاء على نمط أوزان الشعر القديمة . (1)أما أصحاب الشعر الحر فيقولون أن شعرهم لا يخلو من الوزن و الموسيقى ، و تقول نازك الملائكة في مقدمة ديوانها ﴿ شظايا و رماد﴾ : « أن الشعر الحر ليس خروجا على الأوزان العربية القديمة ، بل هو أسلوب جديد في ترتيب تفاعيل الخليل ، يطلق جناح الشعر من القيود ، إنه يحرّر الشاعر من عبودية الشطرين ، فالبيت ذو التفاعيل الستّ يضطر إلى أن يختم الكلام عند التفعيلة الرابعة ، بينما يمكّنه الأسلوب الجديد من الوقوف حيث يشاء » . (2)تؤكد نازك من خلال هذا التعريف أن الشعر الحر لابدّ أن يعتمد في أساسه على أوزان الخليل و لا يخرج عنها .
أمّا عن القصيدة الأولى التي نظّمتها نازك و مناسبتها فتقول : « نظمتها يوم 27 / 10/ 1947 و أرسلتها إلى بيروت فنشرتها مجلة العروبة في عددها الصادر في أول كانون الأول 1947 ، و علّقت عليها في العدد نفسه ، و كنت نظّمت تلك القصيدة أصوّر بها مشاعري نحو مصر الشقيقة خلال وباء الكوليرا الذي داهمها » . (3)إن أول قصيدة لنازك كانت سنة 1947 و ذلك إثر الوباء الذي حلّ بمدينة مصر ، و هو وباء الكوليرا الذي أودى بحياة الكثير من الناس ، فنظمت الشاعرة هذه القصيدة تعبّر عن مشاعرها اتجاه الشعب المصريلشقيق.
و في صيف سنة 1949م صدر ديوان ﴿ نازك شظايا و رماد ﴾ الذي تضمنته مجموعة من القصائد الحرة ، و أثار صدوره ضجّة نقدية في العراق و خارج العراق . و في آذار 1959 صدر في بيروت ديوان الشاعر العراقي عبد الوهاب البياني بعنوان ﴿ ملائكة و شياطين ﴾ ، ثم تلاه دواوين أخرى لشعراء . و هكذا بدأ الشعر الحر في الانتشار بين متحمس له و رافض .
(4) و لقد اختلفت الآراء حول هذا النوع من الشعر بين مؤيدين و رافضين.
___________________________
(1) محمد عبد المنعم خفاجي ، الادب العربي الحديث و مدارسه ، دار الطباعة المحمدية ، القاهرة ، د ط ، ص 375 .
(2) نازك الملائكة ، قضايا الشعر العربي المعاصر ، ص35 .
(3) نفسه ، ص 36 .
(4) محمد أحمد ربيع ، في تاريخ الأدب العربي الحديث ، ص 138 .
و في الأخير نستنتج أن انطلاقة القصيدة العربية و تحررها ، جعلها أكثر مرونة و حيويّة و تجاوبا مع نوعية الموضوع الذي تكتب فيه ، و منحت الشاعر الفرصة في التعبير عن مشاعره و تجاربه الشعورية بحريّة تامة ، فلا تقيّد بأطوال معينة للبيت الشعري .
و لم تتوقف حركة التطور الموسيقية للقصيدة العربية عند حدود التحرر الجزئي من قيود القافية ، بل تخطتها إلى أبعد من ذلك ، فظهرت محاولة جديدة و جريئة و جادة في ميدان التجديد الموسيقي للشعر العربي عرفت بالشعر الحر ، و كانت هذه المحاولة أكثر نجاحا من سابقاتها و تجاوزت حدود الإقليمية لتصبح نقلة فنيّة و حضارية عامة في الشعر العربي .
الفصل الأول
الكلمة في المعجم العربي :
في كتاب ﴿العين ﴾ الذي يعتبر أول معجم ظهر في القرن الثاني للهجرة ، وردت كلمة حدث ، يقال : صار فلان أحدوثة أي أكثروا في الأحاديث ، و شاب حدث و شابة حدثت : في السن ، و الحدث من أحداث الدهر شبه النازلة ، و الأحدوثة : الحديث نفسه ، و الحديث : الجديد من الأشياء ، و رجل حدث : كثر الحديث ، و الحدث : الإبداء . (1)
و في القرن نفسه وضع أبو منصور بن أحمد الأزهري 282 – 370 معجمه المسمّى ﴿ تهذيب اللغة ﴾، و قد توسّعت الكلمة في معجمه و أخذت أبعاد عديدة و جديدة .
وقال اللحياني : رجل حدث و حدث إدا كان حسن الحديث .
و أحدث الرجل و أحدثت المرأة إذا زنيا يكنى بالأحداث عن الزنا .
و يقال أحدث الرجل سيفه و حادثه إذا أجلاه . (2)
أما عن كلمة حدث في معجم ﴿أساس البلاغة للزمخشري 538ه ﴾، نجد إضافات جديدة و عميقة التي أتى بها في معجمه هي : و أحدث شيء و استحدثه .قال الطرماح :
ضَغَائِنُ يَسْتَحْدِثْنَ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ رَهِينًا وَ مَا يُحْسِنُ فَكُّ الرَهَائِنِ .
و استحدث الأمير قرية و قناة ، و استحدثوا جديدا ، و جاء مشتق المصطلح استحدث بمعنى أبعد و أتى بشيء جديد . (3) و لقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم منها محدث في قوله تعالى : «مَايَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ » .(4) حدث كذا و بكذا تحديدا خبر و نبأ جديد . (5)
___________________________
(1)الخليل بن أحمد الفراهيدي ، كتاب العين ، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي و ابراهيم السامرائي ، دار الرشيد للنشر ، العراق ، 1982 ، ص 17.
(2)محمد بن أحمد الأزهري ، تهذيب اللغة ، مطابع سجل العرب ، القاهرة ، المجلد 4 ، ص 405 ، 406 .
(3)الزمخشري ، أساس البلاغة ، مطبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة ، 1932، ص 157 ، 158 .
(4)سورة الأنبياء : الآية 2
(5)ابن كثير الدمشقي ، تفسير القرآن العظيم ، دار الكتب العلمية ، بيروت، لبنان، مج 8 ، 1998 ، ط 1 ، ص 291 .
مصطلح الحداثة في المعجم الغربي :
يخطئ كثير من النقّاد و الدارسين حينما يحاولون دراسة ظاهرة أدبية أو نقدية أو يتعاملون مع مصطلح من المصطلحات النقدية دون الرجوع إلى الإطار المرجعي الذي نمت فيه هذه العناصر ، و من المغالطات الكبيرة جهل و عزل الظاهرة عن الملبسات الاجتماعية التي أفرزتها ، فمن المصطلحات التي لها ظروفها التاريخية و الزمنية مصطلح الحداثة ، هذا المصطلح عند الغربيين له دلالة معينة فقد ارتبط بواقع معين و بيئة خاصة. (1)
فما هي دلالة مصطلح الحداثة في المعاجم العربية أو كيف نشأ هذا المصطلح شعريا ؟
وجدنا أثناء بحثنا في ماهية مصطلح الحداثة في المعاجم العربية مصطلحات أخرى شبيهة به و تتشابك معه في كثير من الأحيان .
« « modern » « moderity » « modernisme.(2) تنبع كلّها و تتفرع من أصل كلمة مودارن .
___________________________
(1)خالد سعيد ، الملامح الفكرية للحداثة ، مجلة الفصول ، د ط ، ص 27 .
(2)سعيد بن زرقة ، الحداثة في الشعر العربي ، أدونيس نموذجا ، أبحاث الترجمة و النشر للتوزيع ، بيروت ، 2004 ، ط 1 ، ص 28 .
فالمودرنيزم في الحقيقة اتجاه كامل و مذهب تبلور في تاريخ محدد ، و ما يؤكد ذلك وجود اللاحقة ، هذا ما عثرنا عليه في معجم الموسوعة الكبيرة لاروس .
بحيث تعرّف المودرنيزم بــ : مجموعة العقائد و الميول التي لها هدف مشترك يتمثّل في تحديد الثيولوجية و العقد الاجتماعي و سلطة الكنيسة لجعلهم يتماشون مع ما نؤمن به أنه ضروري في حياتنا . (1)
فالمودرنيزم حركة و اتجاه داخل الأدب العربي مشروطة بوضع تاريخي معين ، و يعتبر الناقد تامر بأن الحداثة التي تقابلmodernite –modernity هي الإطار العام و الدائرة الكبيرة التي تحتوي حركة المودرنيزم ، هذه الحركة حسب رأيه ماتت في أواخر العشرينات ، و هنا بدأ النقّاد يتحدثون عن مرحلة ما بعد الحداثة .
فالحداثة الغربية لها جذورها السوسيولوجية و التاريخية و الفنية ، و هي تمرد ضد دكتاتورية و سلطة الكنيسة و ضد الممارسة الشعرية المتحجّرة ، و جاءت نتيجة الوضع الرأسمالي القائم في أوربا . (2)
أمّا بول روبير صاحب معجم ﴿ روبير الصغير رقم 1﴾ ، الحداثة تعني عنده التجديد و الإبداع فهو يقول:
الحداثة هي عودة الربيع أو الطبيعة بحلّة جديدة .
العودة لاستئناف الزمن الجديد . (3)
و نستطيع القول في الختام أن جذور الحركة الشعريّة الإحداثية بدأت في الغرب مع بودلير ، ثم انتشرت في الشعر العربي المعاصر ، فكلا من العرب و الغرب في مصطلح الحداثة قصدوا التجديد و التغيير ، و نبذوا كل ما هو قديم
___________________________
(1)الموسوعة الكبيرة لاروس ، مكتبة لاروس ، باريس ، 1979 ، ص 80 .
(2)ينظر فاضل تامر ، مدارات نقدية ، دار الشؤون الثقافية العامة ، العراق ، 1987 ، ط 1 ، ص 178 .
(3)سعيد بن زرقة ، الحداثة في الشعر العربي ، ص 33 .
دلالة المصطلح في مفهوم رواد الحداثة الشعرية :
يتّخذ مصطلح الحداثة في الطرح العربي دلالة مشابهة لدلالة المفهوم الغربي ، فالحداثة تعني عند أدونيس : « تجاوز الواقع أو ما يمكننا أن نسمّيه اللاعقلانية ، هذه الثورة تعني بالمقابل التوكيد على الباطن ، أي على الحقيقة مقابل الشريعة ، و تعني الخلاص من المقدّس و المحرّم و إباحة كل شيء للحرية » . (1) و أدونيس يشير إلى أهّم مبادئ الحداثة التي تضمنّها الطرح العربي للمصطلح : ( التمرد ، التجاوز ، الإباحية ، الاهتمام بعالم الباطن ) .
و الحداثة تعني عند يوسف الخال ما هو ضد السائد ، فيقول واصفا منهج الحداثيين العرب : «بدا و كأننا ضد العقلية ... بصراحة لم نكن مع العقلية السائدة كنا ضد العقلية العربية ، تريد أن تجدد بالشعر عليك أن تجدد بكل شيء » .(2) فيوسف الخال يدعو إلى التجديد في الشعر ، و أن نجدد في كل شيء فيه أي الابتعاد عن القديم و نغوص بالشعر إلى التجديد .
يقول أدونيس : «كل واقع نتجاوزه يوصلنا إلى واقع أغنى و أسمى ، هذا البحث عن الواقع الآخر في الممكنات هو ما يعطي الكشوف الشعرية فرادتها ، ففي هذه الكشوف يتعانق المرئي مع اللامرئي و المعروف مع المجهول و الواقع المحسوس مع الحلم ، و هكذا تكتمل رؤيا الشاعر في جدلية الأنا و الآخر » .(3) فالحداثة تعني رفض الواقع و البحث عن واقع آخر غير محدود و واقع هو أشبه بالمجهول المستقبلي الذي سعت إليه الحداثة الغربية .
___________________________
(1)أدونيس ، مقدمة للشعر العربي ، دار العودة ، بيروت ، ط4 ، 1983 ، ص 131 .
(2)يوسف الخال ، الحداثة في الشعر العربي ، دار الطليعة للطباعة و النشر ، بيروت ، 1978 ، ص 41
(3)أدونيس ، مقدمة للشعر العربي ، ص 121 .
يبدو أثر المفهوم الغربي واضحا على الحداثيين العرب فيما يخص مبدأ التجاوز و التخطي ، و قد أشار بعضهم إلى هذا ، فأدونيس يصف في كتابه فاتحة لنهاية القرن إلى تأثره في القول بالتخطي و التجاوز بآراء ماركس و نيتشه مثلما تأثر الحداثيون في الغرب بهذه الآراء و هو يدعو مثلما دعا هؤلاء الحداثيون إلى تبني الحداثة العربية .
سبيل الثورة الاشتراكية و أن تنفتح عليها ، رائيا أن الاشتراكية هي الرؤيا الحديثة بامتياز . (1)
يبدو من خلال ما مرّ من المفاهيم النظرية لمصطلح الحداثة أن هناك نقاط التقاء كثيرة بين دلالتي المصطلح العربية و الغربية بما يؤدي إلى الظّن بتبني الحداثيين العرب للمفهوم الغربي للمصطلح .
___________________________
(1)كميليا عبد الفتاح ، القصيدة العربية المعاصرة ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 2006 ، ص 65 ، 66 .
مظاهر الحداثة الشعرية :
أولا : الرمز
من معالم الحداثة اللغوية في الشعر الحداثي لجوء الشعراء إلى استخدام الرمز عوضا عن التصريح . تميزّت القصيدة العربية باستخدام الرمز و يعرّف ﴿ ابن منظور ﴾ الرمز قائلا : « الرمز يعني تصويت خفي باللسان ، كالهمس و يكون تحريك الشفتين ، و الرمز إشارة إيماء بالعينين و الحاجبين و الشفتين و الفم ، و الرمز في اللغة كل ما أشرت إليه ممّا يبان بأي شيء أشرت إليه بيد أو بعين و رمز و يرمز رمزا .
و الرمز و الترمّز في اللغة يعني الحزم و التحرك » .(1)
إذن فالرمز عند ابن منظور يعني تصويت خفي للسان و الحزم و التحرك .
فالشعراء المحدثّون اعتادوا أن يرمزوا بالمطر إلى الخير و التغيير و الثورة و اعتادوا أن يرمزوا بالقحط و الجفاف و الخراب إلى القهر و التسلط و العبودية ، و بالصحراء يرمزون للخواء الروحي و الفقر المادي ، و بالأغنية يرمزون إلى الشعر الصادق الذي يتم توظيفه في معركة الحياة . (2) فعلى الشاعر إذن أن يتوقع باللفظة الدالّة على العنصر الطبيعي ، كلفظة مطر من مدلولها المعروف إلى مستوى الرمز لأنه يحاول رؤيته الشعورية أن يشحن اللفظ بمدلولات شعورية خاصة و جديدة ، و مثال ذلك يأخذ التجربة الشعرية عند السياب فقد اتخذت رموزا أخرى في ﴿ أنشودة المطر ﴾ و التي عبّر فيها السياب عن الإحساس و علاقته بحقيقة الإنسان المعاصر و التنعم بخيرات الطبيعة و ما يلاقيه الإنسان من تجويع و قمع بحرياته الفردية و العامة .
___________________________
(1)ابن منظور ، لسان العرب ، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1 ، مج 6 ، ص 223 .
(2)عز الدين اسماعيل ، الشعر العربي المعاصر قضاياه و ظواهره الفنية و المعنوية ، دار العودة و دار الثقافة ، بيروت ، ط 3 ، 1981 ، ص 218 .
يقول السياب :روحِي تَدُورُ فِي الحُقُولِ ... حَوْلَهَا بَشَرُ
مَطَرٌ
مَطَرٌ
مَطَرٌ
وَ كَمْ ذَرِفْنَا لَيْلَةَ الرَحِيلِ مِنْ دُمُوعِ
ثُمَّ اعْتَلَلْنَا خَوْفَ أَنْ نُلَامَ بِالْمَطَرِ
مَطَرُ
مَطَرُ . (1)
فالسياب هنا استخدم ( المطر ) الدالة على التنعم بالخيرات الطبيعية ، رامزا إلى ما يلاقيه الإنسان من تجويع و فقر و قمع لحرمانه .
أما الشاعر أدونيس في قصيدة له بعنوان ﴿ الخالدة ﴾
الفصل الثاني
ماهية التجديد :
التجديد في اللغة :
تشير معاجم اللغة إلى أن التجديد من أصل الفعل تجدّد :
تجدّد الشيء يعني صار جديدا ، و جدّده أي صيّره جديدا فجعل القديم جديدا و أعاده إلى حالته الأولى ، و جد الثوب أي أعاده إلى أول أمره ، وكذلك أجده و استجده أي صيّره جديدا . (1)
التجديد هنا في أصل معناه اللغوي يبعث في الذهن تصورا و هو أن الشيء المجدّد قد كان في أول الأمر موجودا و قائما و للناس به عهد .
كما وردت الجدة التي مصدرها الجديد و هي بالكسر ضد البلى ، و الجديد نقيض البالي ، فيقال بلى بيت فلان ثم أجد بيتا من شعر أي أعاد بنائه . (2)
أي أن الشيء قد أتت عليه الأيام فأصابه البلى و صار قديما .
و يقال أيضا : جدّد الوضوء أي أعاده ، و جدد العهد : أي كرّره و أكّده . (3)
للتجديد هنا : معناه إرجاع الشيء إلى حاله التي كان عليها ، أعيد إلى الحالة التي كان عليها قبل أن يبلى .
التجديد في القرآن الكريم :
لم يرد لفظ جدد أو تجديد في القرآن الكريم ، و إنما ورد لفظ جديد بمعنى الإحياء و الإعادة لما كان موجودا و بلى ، لقوله تعالى : «أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْهُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» . (4) و قوله أيضا : «أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ» .(4) ابن جرير الطبري يفسر الآية : على أنهم منكرين قدرة الله على إعادتهم خلقا جديدا بعد فناءهم و بلائهم . (5)
___________________________
(1) ابن منظور ، لسان العرب ، ص 136 .
(2) الجوهري اسماعيل بن حمادة الجوهري الصحاح ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط 4 ، سنة 1990 ، ص 451 .
(3)ابن فارس الحسين زكريا ، مقاييس اللغة ، مطبعة اتحاد كتاب العرب ، القاهرة ،ج 1 ، ص 409 .
(4) سورة ق ، الآية 15 .
(5) ابن كثير الدمشقي ، تفسير القرآن الكريم ، ص 88 .
لم نعثر فيما تيسّر لنا من المصادر و المراجع على المفهوم الدقيق للتجديد ، و لكن بعد البحث و التنقيب عثرنا على جملة من المفاهيم نحصرها فيما يلي :
يقول عباس محمود العقاد حول مفهوم التجديد في الشعر بوجه عام :
« إذا أحوزنا قلنا أن التجديد هو اجتناب التقليد ، فكل شاعر يعبّر عن شعوره و يصدق في تعبيره فهو مجدد و إن تناول أقدم الأشياء » .(1) أي أن التجديد هو الصدق في التعبير أيا كان نوع الموضوع الذي يطرقه الشاعر أو المبدع ، كما أنه يعني عدم التقليد و الوقوع في أحضان القديم و النسج على منواله ، وإنما هو عملية خلق وإبداع سواء كان هذا التجديد في إطار الأوزان والموسيقى الشعرية أم اختيار الموضوعات الشعرية والألفاظ التي لم يطرقها آخرون .
ويضيف قائلا : « وإن كان التحديد هو إجناب التقليد فالتجديد هو اجتناب الاختلاق ، والمختلف هو كل من يجدد ليخالف ، وإن لم يكن هناك موجب للخلاف ». (2) أي أن التجديد لا يعني الاختلاف الذي يهدف الى مخالفة المألوف والخروج عن الأطر التي ينبغي الوقوف عندها ، و العقاد يدعو الى عدم التحرّر الكلّي أو التمرد الكامل على شكل القصيدة العربية .
وفيما يخص أحمد سعيد أدونيس للتجديد فيقول : « أن التجديد الشعري هو مسألة كيانية وكلية فنا ولغة ، وليس الوزن أو عدمه إلا جانبا ثانويا فيها ، لأننا نجد قصائد بتشكيل حر وجديد شكليا لكنها تتضمن رؤية قديمة ترتبط بالعالم القديم » .(3) "إن مسألة التجديد عنده تتجاوز الخروج من النسق التفصيلي الخليلي كونها كيانية تتضمن رؤية قديمة .
___________________________
(1) يوسف عز الدين ، التجديد في الشعر الحديث ، بواعثه النفسية و جذوره الفكرية ، دار الطباعة و النشر ، القاهرة ، ط 1 ، سنة 1985 ، ص 113
(2) نفسه ، ص 114 .
(3) أدونيس ، ها أنت أيها الوقت ، دار الآداب ، بيروت، ط 1 ، ص 53 .
أما خالدة سعيد ، فلها رأي آخر حول التجديد تقول : « إن مسألة التجديد في الشعر العربي المعاصر لا يجوز أن تبحث في الظاهرة ، أي على صعيد التبديلات الظاهرية التي تخاطب الحواس ، كالوزن والقافية أو الأوصاف الظاهرة كالغواصة والطائرة... ولكن المسألة تبحث على صعيد النظر إلى دور الشعر والى موقف الشاعر من العالم ومن قضية التعبير نفسها » .(1)
أي أن التجديد يتجاوز البحث في الظاهرة إلى بعد آخر ، وهو النظر الى دور الشعر و موقف الشاعر من كل ما يدور حوله .
لقد ظهرت حركة التجديد في الشعر العربي المعاصر مند نهاية الأربعينيات من هذا القرن ، ولقد كانت ثورة على نظام البيت الشعري والقافية والتحول بالقصيدة إلى نظام التفعيلة الشعرية و السطر الشعري . (2) وقد نشأ هذا الاتجاه التجديدي من الاحساس بضرورة الإبداع في الشعر العربي ، أي يكون فيه من التجديد والتحرر أكثر مما فيه تقليد .
لقد كان لشعراء التجديد الفضل في تقديم رؤيا جديدة للشعر ومحاولة التطلّع على الواقع والعالم من أجل التغيير.
يقول جبران خليل جبران : « لم تكن الطرق القديمة تعبّر عن الأشياء الجديدة ، وهكذا كنت أعمل دائما على ما ينبغي أن يعبّر عنها ، ولم أقتصر على صياغة ألفاظ جديدة ، بل إن إيقاعاتي وموسيقاي كانت جديدة ، وأشكال التأليف كلها كانت جديدة ، كان علي أن أجد أشكالا جديدة لآراء جديدة » . (3) جبران كغيره من الشعراء المجددون قام بإدخال تعديل جوهري على مستوى الوزن والقافية باعتبارهما العنصر الأساسي للشكل الشعري حتى يكون الكلام المشكل شعرا وليس فقط مجرد كلام ، فالشاعر لم يعتمد على شكل ثابت للبيت ذي الشطرين وذي التفعيلات المتساوية العدد .
___________________________
(1) عثمان حشلاف ، التراث و التجديد في شعر السياب ، دارسة تحليلية جمالية ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، ص 12 .
(2) السعيد الورقي ، في الأدب العربي المعاصر ، ص 39 .
(3) أدونيس ، مقدمة للشعر العربي ، ص 77 .
فالشكل الجديد يعد أكثر حركات التجديد في تاريخ الشعر العربي خروجا عن النسق القديم وتحررا من القواعد التقليدية لوحدتي الوزن والقافية .
وفي إطار هذا الشكل ، هجر الشعراء الأوزان المركبة مختلفة التفعيلة ، ومالو إلى توظيف الأوزان الصافية واحدة التفعيلة والتي تتمثل في سبعة أوزان وهي :
الوافر : ست تفعيلات من ( مفاعلتن )
الكامل : ست تفعيلات من ( متفاعلن )
الهزج : أربع تفعيلات من ( مفاعلين )
الرجز : ست تفعيلات من ( مستفعلن )
الرمل : ست تفعيلات من ( فاعلاتن )
المتقارب : ثماني تفعيلات من ( فعولن )
المتدارك : ثماني تفعيلات من ( فاعلن ) . (1)
إن التغيير مسّ القصيدة من نواحي عديدة ، و أخرج القصيدة الجديدة عن أي انحباس في الأوزان أو الإيقاعات المحدودة .
والتجديد في القصيدة المعاصرة لم يقتصر على البحور الخليلية ، وإنما تجاوز ذلك ليشمل القافية على حدّ نازك الملائكة ، التي كانت تهدف إلى إبداع أسلوبا جديدا توقفه إلى جوار الأسلوب القديم .(2) ونجد عز الدين إسماعيل يعمل على إتقان بناء القصيدة بدلا من النظر إلى إتقان القافية . يقول : « ولم يكن من الممكن الإبقاء على الصورة الجامدة للوزن والقافية ، لابدّ من إدخال تعديل جوهري على هذين العنصرين حتى يمكن تحقيق الصورة الجديدة » .(3) أي أن الصورة الجديدة لا تتحقق إلا بتعديل في الوزن والقافية.
___________________________
(1) طه وادي ـ جماليات القصيدة المعاصرة ، الشركة المصرية العالمية للنشر والتوزيع، لونجمان، ط 1 ، ص 302 .
(2) رجاء عيد ، التجديد الموسيقي في الشعر العربي ، دراسة تأصيلية تطبيقية بين الجديد و القديم لموسيقى الشعر العربي ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، دط ، دس ، ص 229 .
(3) المرجع نفسه ، ص 317 .
وعليه فالشاعر المعاصر أصبح في تجديده للشعر حرّا في اختيار عدد التفعيلات في كل سطر شعري ، إضافة إلى ذلك فقد أصبحت التفعيلة هي النظام الموسيقي للشعر الجديد ، لذلك سميّ شعر التفعيلة ، إذ نجد في القصيدة الواحدة مجموعة من التفعيلات كما في قصيدة نازك الملائكة ﴿ طريق العودة﴾ حيث تقول :
وَكُنَّا نُسَمِّيهْ دُونَ ارْتِيَابْ طَرِيقْ الأَمَلْ
فَمَا لِشَذَاهْ أَفِلْ
وَفِي لَحْظَةِ عَادَ يَدَّعِي طَرِيقَ المَلَلْ .(1)
لم يلامس التجديد في القصيدة المعاصرة الشكل فقط بل تعدّى ذلك إلى التجديد في الموضوعات ، حيث قال عباس الجراري : « ليس هذا التعبير الشكلي هو كل ما في الشعر التفعيلي من جديد ، وإنما الجديد فيه كذلك رؤية الشاعر المتجددة للحياة و وعيه الناضج لمشكلات عصره ، وعمق إحساسه لمجتمعه ، وصدق تعبيره عن كل ذلك في تجاوب مع الواقع الذي يعيشه في كل يوم » .(2) أي أن التجديد الذي حصل في إطار الشعر العربي ، لم يكن تجديد في الشكل فحسب ، بل هو تجديد في المضمون تبعه تغيير في الشكل .
لم يعد الشاعر حين يكتب القصيدة الجديدة يرتبط بشكل معين للبيت ذي الشطرين وذي التفعيلات المتساوية العدد والمتوازية ، وكذلك لم يتقيّد في نهاية الأبيات بالروي المتكرر أو المتنوع على نظام ثابت ، في حين نجد أن هذا لم يطرأ على الشكل بل تعدى ذلك الموضوعات ، حيث ارتبط الشعر بالمدينة والموت والحب وغيرها .
___________________________
(1) صابر عبد الدايم ، موسيقى الشعر العربي بين الثبات و التطور ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط 1 ، 1993 ، ص 212 .
(2) محمد مصايف ، النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع ، الجزائر ، 1979 ، ص 304 .
التجديد من حيث الشكل :
اللغة الشعرية :
تعتبر اللغة الشعرية بمثابة انحراف عن لغة التعبير المباشر ، وهي انزياح عن اللغة العادية أو اللغة اليومية ، لغة النثر ، وبهذا تكون لغة الحياة اليومية قد غزت على الشعر خاصة في القصيدة الحرة .
فقد اعتبر العديد من النقّاد أن استعمال لغة الحياة اليومية يمثّل قصورا في القصيدة وانحرافا عن اللغة الشعرية الحقيقية ، كونها كانت تقوم على تجاوز البلاغة القديمة والانحراف عن المسار التقليدي لها ، ومن الحقائق الأولية " أن لغة الحياة اليومية هي لغة كأي لغة ، فيها الجميل الرقيق ، وفيها الخشن الذي يبدو فظّا غليظا ، والناس العاديون في حياتهم اليومية يستطيعون استخدام لغة رقيقة ، ويستطيعون استخدام لغة خشنة، فقيمة اللغة وجمالها يعودان دائما إلى طبيعة استخدامها ، فهي أداة تتلوّن وتتشكّل بطابع الإنسان الذي يستخدمها ، ونحن في حياتنا العادية كثيرا ما نميز بين الناس على أساس اللغة " .(1) أي استخدام لغة الحياة اليومية إنما يكون مقصودا به معنى محدد ، ونقل انفعالات لا تنقلها اللغة الأدبية الرصينة وإفساح المجال للتعبير عن أمور لا تتسع لها تلك اللغة .
نستنتج أن القصيدة أساسا شكل أدبي مادة التعبير فيه وأداته هي اللغة، فالشعراء لا يميلون إلى استخدام الألفاظ أو التراكيب على النحو الدي درج عليه القدماء الدين كانوا يؤثرون الغريب من اللفظ والجزل المتين، والفصيح الدي يكاد عامة الناس ومثقفوهم لا يسمعون به .
فالأدب تعبير عن الحياة, أداته اللغة وبهذا تكون اللغة هي الظاهرة الأولى التي يجب على الدارس أن يقف عندها في حديثه عن القضايا الفنية في الشعر.
___________________________
(1) أنظر : رمضان الصباغ ، في نقد الشعر العربي المعاصر ، ص 145 ، 146 .
و هذه الأداة اللغوية في الشعر تختلف عن اللغة الإخبارية في الحياة اليومية أو لغة التحليل العلمي ، لأنها لا تنقل المعاني بل توحي بها من خلال الطاقات الموسيقية و التصويرية التي يميد لها الشاعر الموهوب .
و على هذا الأساس فاللغة تحيا و تنمو و تقبر من ذاتها على لسان الشاعر ، و بتعبير آخر فإن الشاعر لا يستعمل اللغة و إنما هي التي تستعمله .(1)
و نجد آراء مختلفة حول ماهية لغة الشعر ، فمنهم من يصرّ على أنها يجب أن تكون لغة منتقاة تكشف عن فرق جوهري بين لغة الشعر و لغة النثر ، و منهم من يؤكّد على أن الحكم على الكلمة الشعرية يتركز في علاقاتها بسواها من الكلمات في القصيدة .
فبدوى الجبلي مثلا ، و هو شاعر يميل إلى شدة التروّي في اختيار الكلمة المناسبة للمعنى المناسب ، أما ابراهيم السامرائي يرى أنه على الشاعر أن يحسن اختيار كلماته : « عليه أن يختار فيتحرّى الجميل المناسب و الأنيق الحسن » . (2) أما كامل السوافري في كتابه ﴿ الشعر العربي الحديث في مأساة فلسطين ﴾ ، فيرى أن : لغة الشعر هي اللغة العالمية التي تؤثر بما في ألفاظها من دلالات نفسية و شعورية ، و بما فيها من موسيقى الوزن و القافية ، و بما وهب الشاعر من قدرات على تطويع اللغة . (3)
و عن أحمد عبد المعطي حجازي يقول : « يقولون أن الشعر لغة خاصة و هذا حق لكنه بهذه المثابة لغة الجميع ، بل هو لغة كونية لأنه لغة الروح المطلق ، إننا ننشئ لغة خاصة لنصل إلى المعنى المشترك ، ليس المعنى السوقي المبتذل كما صوّره الجاحظ و إنما المعنى الخفي المنسي » .
اللغة تتغير و تتطور بتطور الحياة الاجتماعية ، فتصبح بعض الكلمات و التعبيرات مهجورة و سقيمة ، و تدخل تغييرات و كلمات جديدة تعيد إلى اللغة شبابها .
___________________________
(1) شلتاغ عبود شراد ، حركة الشعر الحر في الجزائر ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر ، 1985 ، ص 136 .
(2) سلمى الخضراء الجيوسي ، الاتجاهات و الحركات في الشعر العربي الحديث ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، ط 1 ، 2001 ، ص 725 .
(3) كامل السوافري ، الشعر العربي الحديث في مأساة فلسطين ، مطبعة النهضة ، مصر ، ط 1 ، 1963 ، ص 338 .
وعلى هذا نجد أن شعراء التجديد مالوا على استخدام الالفاظ المألوفة لدى القرّاء على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم التعليمية ، فتجنبوا بذلك اللفظ العربي المهجور.
ولكن مهما اختلف الشعراء العرب المعاصرون في استخدام اللغة الشعرية ، فإنهم يجتمعون على هدف واحد ، حيث أنهم يبحثون عن لغة أكثر حركية قادرة على التعبير عن الوضع الحديث للإنسان في الوطن العربي ، فمثلا نجد صلاح عبد الصبور : إن الكلمة عنده تتميّز بالبساطة ، في حين تقوم لغة الشعر الجديد على استخدام كلمات محدودة من التراث ، بشرط أن تكون دلالة الرمز الذي يعبّر عن شيء قد يألفه القارئ أو يمثل جزءا من ثقافته ، فكلمة ( البراق ) مثلا : تستحضر عند قراء العربية حكاية يعرفها الجميع ، وهي حكاية معراج الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذ يقول مهيار الدمشقي :
شَدَدْتُ فَوْقَ جَسَدِي ثِيَابِي
وَ جِئْتُ للصَحْرَاءِ
كَانَ البَرَاقُ وَاقِفًا يَقُودُهُ جِبْرِيلْ . (1)
ولا يقتصر التغيير في اللغة الشعرية على استخدام المفردة أو اقتباس الالفاظ ذات المدلول الخاص من التراث ، وإنما شمل هذا التغيير والتجديد طبيعة الجملة ، ومدى امتدادها وطرائق تركيبها وما يعتريه من حذف أو زيادة وتقدم أو تأخير ، حيث أن بناء الجملة في الشعر الجديد أخذ ينحو منحى الجملة المحكية كقول الشاعر :
مِنْ بَعِيدْ
صَوْتُ عَصْفِ الرِيَاحْ السَعِيدْ
نَاقِلاً أَلْفَ صَوتٍ مَدِيدْ
مِنْ صُرَاخِ الضَحَايَا وَرَاءَ الحُدُودْ . (2)
___________________________
(1) ابراهيم خليل ، مقدمة لدراسة الشعر العربي الحديث ، ص 327 .
(2) نفسه ، ص 328 .
يقول صلاح عبد الصبور : في قصيدة ﴿ الحزن ﴾ ضمن ديوان ﴿ الناس في بلادي ﴾ :
يَا صَاحِبِي إِنِّي حَزِينْ
طَلَعَ الصَبَاحُ فَمَا ابْتَسَمْتُ وَلَمْ يُنِرْ وَجْهِي الصَبَاحْ
وَخَرَجْتُ مِنْ جَوْفِ المَدِينَةِ أَطْلُبُ الرِزْقَ المُتَاحْ
وَغَمَسْتُ فِي مَاءِ القَنَاعَةِ خَبَرَ أَيَامِي الكِفَافْ
وَرَجَعْتُ بَعْدَ الظُهْرِ فِي جَيْبِي قُرُوشْ
فَشَرَبْتُ شَايًا فِي الطَرِيقْ
وَ رْتَقْتُ نَعْلِي . (1)
في القصيدة كلمات ترددت لأول مرة ومثال ذلك ( قروش ، شاي ، ارتقت ، نعلي...) هي كلمات لم تستخدم من قبل في الشعر.
صلاح عبد الصبور تعلم بما يسمّى بالجسارة اللغوية من خلال قصائده ، حيث أخذ يتحرّر من اللغة التقليدية إلى لغة الحياة اليومية ، ومن خلال كسبها دلالات حيّة تعبر عن المشهد الذي يتعرض إليه .
___________________________
(1) رمضان الصباغ ، في نقد الشعر العربي المعاصر ، ص 149 .
وعليه فلغة الشعر تختلف عن لغة العلم ولغة النثر، وهي لغة لا تفسّر حسب المفهوم المعجمي أو المفهوم النحوي من حيث علاقة اللغة اشتقاقيا وتركيبيا ، وإنما نعني بلغة الشعر طاقة القصيدة الشعرية وإمكانياتها الفنية ، وهذا ما جعل أدونيس يقول :
أَعْرِفُ أَنَّ الطَرِيقَ
لُغَةٌ فِي شُعُورِي ، لَا فِي المَكَانِ
لُغَةٌ فِي العُرُوقِ وَفِي نَبْضِهَا ، لُغَةُ فِي السَرِيرَة
حَيْثُ تَأْتِي المَسَافَاتُ مِنْ أَوَّلِ الرُوحِ مَوْصُولَةٌ بِالبَرِيقْ
بَرِيقُ الفُتُوحَاتِ وَالكَشْفِ وَالعَابِرِينْ
فِي التَحُومِ الأَخِيرَة . (1)
وعلى هذا لم يعد الشاعر المعاصر يحسن بالكلمة على أنها مجرد لفظ صوتي له دلالة أو معنى ، وإنما صارت الكلمات تجسيما حيّا للوجود ، ومن ثمة اتحدت اللغة والوجود في منظور الشاعر ، حيث يقول الفيتوري في قصيدته ﴿ من أجل عيون الحرية ﴾ :
أُكْتُبْ... أُكْتُبْ لَا تَتَرَدَّدْ
أُكْتُبْ فَالظَلْمَةُ تَتَوَّقَدْ
أُكْتُبْ فَالكَلِمَةُ تَتَجَسَّدْ . (2)
فالكلمة ليست مجرد صوت أو دلالة ، وإنما هي وجود وحضور له كيان وجسم و هذا ما جعل لغة الشعر المعاصر تتميّز عن لغة الشعر القديم ، فالتجربة الجديدة ليست إلا لغة جديدة أو منهجا جديدا في التعامل مع اللغة .
___________________________
(1) عز الدين اسماعيل ، الشعر العربي المعاصر ، ص 173 .
(2) المرجع نفسه ، ص 181 .
الصورة الشعرية :
تعدّ الصورة الشعرية في جوهرها تشكيل لغوي يعمل الخيال على تخليقه من معطيات متعددة ، يقف العالم محسوس في مقدمتها من خلال عملية اختيار غير واعية تفوق سلطان العادة ، على نحو لا تكون فيه الصورة مجرد تسجيل فوتوغرافي للأشياء ، وإنما تصبح تعبيرا عن حالة نفسية معينة يعانيها الشاعر إزاء موقف معيّن من مواقفه مع الحياة .
ويذهب بعض الدارسين المعاصرين إلى أن التصوير في الأدب نتيجة لتعاون كل الحواس وكل الملكات ، والشاعر المصور حين يربط بين الأشياء يثير العواطف الأخلاقية والمعاني الفكرية ، فالصورة منهج يفوق المنطق لبيان حقائق الأشياء . (1)
وقد كان هجوم شعراء الشعر الجديد العنيف على البلاغة الواضحة المباشرة ، والعبارة العاطفية تدفعهم إلى التعويض عن هذه العناصر المثيرة في الشعر وذلك بالإكثار من الصور الشعرية ، حيث كانوا يعانون تعقيدات عاطفية وفكرية وروحية ، ولم يسعهم أن يعبروا عن هذه الحالات المعقدة عن طريق الشعر المباشر ، فلجئوا إلى الصورة والأساليب المتنوعة ، من أسطورة و فلكلور و إشارة و رمز . (2)
وكان من الطبيعي إذا أن يرفض الشاعر الجديد الأشكال البلاغية التقليدية ، فرآها تركيبا ذهنيا حرفيا جافا ومباشرا وغير قادر على إثارة العواطف ، وأنه إذا قبلها كان كمن يستسلم لحقيقتها فيربط وجوده الفكري وفقا لهذه الصور ، فالشاعر لن يضع صورا بالمعنى الفني المألوف للصور، وإنما يضفي النسق الطبيعي على الفكرة ، فتخرج عندئذ الصور أشكالا صحيحة خالية من كل تشويه ، ولكنها ليست صورا على الإطلاق لأنها لم تكن متعلقة بالعاطفة والتجربة ، بل كانت ثوبا مفصلا سلفا . (3)
___________________________
(1) محمد مصطفى أبو شوارب ، جماليات النص الشعري ، دار الوفاء ، ط 1 ، 2005 ، ص 107 .
(2) ينظر سعيد الورقي ، لغة الشعر العربي الحديث مقوماته الفنية و طاقاتها الإبداعية ، دار المعرفية الجامعية ، اسكندرية ، 2004 ، ص 124 .
(3) المرجع نفسه ، ص 124 .
وبهذا أصبحت الصورة الشعرية صورة تموج بالألوان والأضواء والأصوات والرؤى المختلطة المتداخلة ، وكذلك تحوّلت إلى صورة نفسية انفعالية ، وهذا راجع إلى تجارب الشعر الجديد .
ففي قصيدة ﴿ زيارة الموتى ﴾ لصلاح عبد الصبور ، يعتمد في صوره الشعرية على تحريك مجموعة الأفعال والأسماء في دلالتها وعلاقتها مع بعضها البعض للتعبير عن موقفه الانفعالي إذ يقول :
زُرْنَا مَوْتَانَا فِي يَوْمِ العِيدْ
وَقَرَأْنَا فَاتِحَةَ القُرْآَنِ ، وَلَمْلَمْنَا أَهْدَابَ الذِكْرَى
وَبَسَطْنَاهُمْ فِي حُضْنِ المَقْبَرَةِ الرِيفِيَة
وَتَسَاقَيْنَا دَمْعًا وَأَنِينَا
وَتَصَافَحْنَا
وَتَوَاعَدْنَا وَذَوِي قُرْبَانَا . (1)
في هذه الصورة نجد الشاعر قد اعتمد على عدد من الأفعال في صيغ الماضي والحالي ، والنسبة الغالبة هي للفعل الماضي ، وهذا ما يعطي الإحساس الأكبر بالزمن الماضي ، وبإحساس الشاعر بالتفاوت في ثنائية الوجود الأزلية ، الحياة كصيغة حالية للزمن والموت كصيغة ماضية قد توقفت .
أما الصورة الشعرية عند أدونيس فقد سيطر عليها الغموض والإبهام والتناقض ، إذ يقول :
مَعَ ذَلِكَ نَبْدَأُ الصَفْحَةَ التَالِيَة
بِحِبْرِ مَسَامِ وَكَلِمَاتِهَا
وَنَلْهُو فِي مَمَرَّاتِهَا المُقْنِعَة
فَجْأَةً
تَجِيئُ الحِمَمُ، تُوحِي الصَاعِقَة . (2)
___________________________
(1) سعيد الورقي ، لغة الشعر العربي الحديث ، ص 129 .
(2) المرجع نفسه ، ص 139.
فالصورة الشعرية الداخلية في الشعر الجديد إذا ، صورة غامضة وذلك لما تحمله من دلالات انفعالية ذاتية .
وبهذا تكون الصورة وسيلة لنقل الشرور أو الفكر، وهذا ما جعل هويلي يقول : « إن الشعور ليس شيئا يضاف إلى الصورة الحسية ، وإنما الشعور هو الصورة ، أي أنها هي الشعور المستقر في الذاكرة الذي يرتبط في سرية بمشاعر أخرى ويعدل عنها ، وعندما تخرج هذه المشاعر إلى الضوء وتبحث عن جسم فإنها تأخذ الصور في الشعر » .(1)
و بهذا تتحدّد الفكرة أو الشعور بالصورة ، ولا يمكن تصورهما مستقلين عن بعضهما البعض .
توترات نفسية في أنات زمنية تواكبها ، يقوم الإيقاع المتغير على حسب تلك الأناة باحتضان المناخات الانفعالية و خلق التلاحم العضوي في معيار القصيدة و هندسة بنائها اللغوي . (2)
لذا فالشاعر في العصر الحديث صار في إمكانه أن يجرّب الأصوات المتباينة و يعيد خلق أصوات جديدة ، كما أتاح نظام التفعيلة للشاعر الفذّ امكانات واسعة لاستخدام كل امكانات الإيقاع الذي يقوم على التناسب و التتابع و تشكيلاته المعبرة عن الجو النفسي المطلوب و التعبير الموسيقي المناسب و الملائم للموضوع ، باختيار عدد التفعيلات المناسب و ربط التفعيلات ببعضها البعض وفق نظام تحدده التجربة الشعرية عبر قدرات الشاعر في الصياغة و التعبير . (3)
استطاع الشاعر أن يتحرك نفسيا و موسيقيا وفق الحركة التي تموج بها نفسه و هذا بعد تحطيمه للوحدة العروضية للبيت .
___________________________
(1) رجاء عيد ، لغة الشعر ، قراءة في الشعر العربي المعاصر ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، ط 1 ، 2003 ، ص 133 ، 134 .
(2) المرجع نفسه ص 135 .
(3) انظر رمضان الصباغ ، في نقد الشعر العربي المعاصر ، ص 177 .
أتاحت موسيقى التفعيلة للشاعر الحديث امكانية واسعة للتحرك خلال أشكال غير محدودة من الموجات النفسية كانت بداية هذه الموجات الشعرية الاعتماد على التفاعيل ، و هذا إما نجده في قصيدة البياتي ﴿ أسلاك شائكة ﴾ :
صَيْحَاتُ حَارِسَةَ الكَرَمِ
فِي اللَيْلِ تُوقِظُنِي
فَأَسْمَعُ هُوَيْهَاتِ
رِيحُ الشَمَالِ
فِي غَابَةِ الزَيْتُونِ نَاحِيَةَ عَلَى سَمْعِي تُعِيدُ
مَأْسَاةُ شَعْبِي الصَامِدُ المَقْهُورْ
مَأْسَاةُ الضَيَاعْ .(1)
هي وحدة نغمية تتكون من أربع عشرة تفعيلة من { متفاعل مستفعل } أحيانا ، و قد وصفها الشاعر في وقفات قصيرة داخل الدورة تسهيلا للإمكانيات المرتبطة بعملية القراءة ، سميت هذه الدفقات النغمية دورات لأن الشاعر يعمد إلى تكرارها و الانتقال بها من خلال الاعتماد على وحدة التفعيلة .
يقول نزار قباني في قصيدة ﴿ طوق الياسمين ﴾ :
وَ لَمَحْتُ طَوْقَ اليَاسَمِينْ
فِي الَأرْضِ مَكْتُومَ الرَنِينْ
كَالجُثَّةِ البَيْضَاءِ تَدْفَعُهُ جُمُوعُ الرَاقِصِينْ
وَ بِهُمْ فَارِسُكِ الجَمِيلُ يَأْخُذُهُ فَتُمَانِعِينْ
وَ تُقَهْقِهِينْ
لَا شَيَء يَسْتَدْعِي انْحِنَاءَكِ ذَاكَ طَوْقُ اليَاسْمِينْ . (2)
___________________________
(1) رجاء عيد ، لغة الشعر ، قراءة في الشعر العربي المعاصر ، ص 134 .
(2) رمضان الصباغ ، في نقد الشعر العربي المعاصر ، ص 184 ، 185 .
هذه القصيدة تحفل بالغنائية و الموسيقى لاستعمالها القافية المتكررة ، استخدم نزار قباني تفعيلة الكامل أراد من خلاله أن يكون الإيقاع بسيطا يصور موقفا واضحا ، و جاءت قوافيه جميعها موحّدة و سهلة على الأذن .
يعرّف شكر عياد الإيقاع ذاكرا أنه :
« تردد ظاهرة صوتية ما على مسافات محددة النسب ، كما يرى أنه نسيج من التوقعات و الإشاعات و الاختلافات و المفاجآت التي يحدثها تتابع المقاطع » .(1)
في حين نجد يوسف الخال يتحدث عن الإيقاع إذ يقول : « يمكننا تسمية الإيقاع بالنغم أو الموسيقى أو حتى الوزن ، على أن ذلك ليس من الضروري أن يكون تقليديا أو موروثا أو مفروضا على الشاعر ، فالشاعر ملأ الحرية في إيجاد إيقاعه الخاص ، و هذا ما يميّز المفهوم الجديد في الشعر عن المفهوم القديم الذي كان يصرّ على نوع معين من قواعد الوزن ».(2)
فالشاعر له قدرة في الصياغة و التعبير الموسيقي المناسب و الملائم للموضوع باختيار عدد التفعيلات و ربطها ببعضها البعض لخلق الإيقاع .
إذا الإيقاع هو بمثابة الروح التي تسري في القصيدة ، و تعتمد على النشاط النفسي للشاعر و ترتبط بالتجربة الشعرية بكل ما فيها من ثراء و خصوبة . (3)
و قد ارتكز التطور الإيقاعي الذي أقدم على الشعراء المجددين على تعديل مسار الإيقاع الوزني للقصيدة التقليدية ، بحيث تصبح التفعيلة للبيت هي الأساس الوزني فيها .(4) هذا ما جعل الشعراء المجدّدون يتجهون إلى الشعر الحر القائم على وحدة التفعيلة في القصيدة ثم عدد التفعيلات في كل سطر و حرية الروي و النظر إلى القافية دون الالتزام بها ، بهذا أصبحت موسيقى الشعر تخضع للحالة النفسية للشاعر . (5)
___________________________
(1) ينظر عبد الحكيم العيد ، علم العروض الشعري في ضوء العروض الموسيقي ، دار غريب ، القاهرة ، ط 2 ، 2004 ، ص 141 ، 143 .
(2) سعيد الورقي ، لغة الشعر العربي الحديث ، ص 188 .
(3) رمضان الصباغ ، في نقد الشعر العربي المعاصر ، ص 178 .
(4) ينظر محمد مصطفى أبو شوارب ، إيقاع الشعر العربي تطوره و تجديده ، دار الوفاء ، إسكندرية ، ط 1 ، 2005 ، ص 122 .
(5) ينظر أبو السعود سلامة أبو السعود ، الإيقاع في الشعر العربي ، دار الوفاء ، اسكندرية ، 2002 ، ص 95 .
و أصبح تشكيل القصيدة الموسيقي يخضع خضوعا مباشرا لحالة الشاعر النفسية أو الشعورية التي يصدر عنها ، فهي صورة من الإيقاع الذي يساعد المتلقي على تنسيق مشاعره و أحاسيسه المشتقة ، و تكوين الإيقاع عند الشاعر ليس عملية سلبية ، بل هو نتاج القدرة على السيطرة و التنظيم لوضع الكلمات في أفضل نسق أو نمط ، فالسطر الشعري يكسب ضلالا و أبعادا جديدة وفقا للحالة الشعورية التي يشكلها الشاعر .(1)
و تعدّ موسيقى الشعر من أهم العناصر التي تغذّي العناصر الفنية التي تسهم في تشكيل التجربة الشعرية في صور قصائد و أبيات تتألف من جمل و كلمات ، يشكل كل منها صوتا موسيقيا خاصا يتناغم مع غيره ، و بدون عنصر الموسيقى يتحول البناء الشعري إلى أنقاض نثرية خالية من الروح و العاطفة ، و تتفرع الموسيقى الشعرية إلى نوعين :
۰ الموسيقى الظاهرة :
التي تمثلها النغمة التي تحمل لغته في انتظام ملائم مع حالة الكلمة في التركيب الشعري ، و هذه النغمة هي الوزن الذي يمدّ اللغة بالكثير من الخصوصية التي يتميز بها الشعر عن غيره من الأنواع الأدبية .
۰ الموسيقى الداخلية :
و هي التناغم الذي يتم في السياق بين الكلمات و الحروف . (2)
و من الأداءات التي يلجأ إليها الشاعر لضبط إيقاعه الداخلي : التكرار بأنواعه المتعددة ، كتكرار الأحرف ، تكرار الكلمات أو العبارات ، و حتى تكرار مقطع بكامله ، و ما يوصف بتكرار اللازمة ، و هذا ما يلهب إحساس القارئ أو السامع بهذا الإيقاع .(3)
فالتكرار أضفى على الأداء الشعري موسيقى أكثر وضوحا ممّا يتيحه الوزن .
___________________________
(1) ينظر رمضان الصباغ ، في نقد الشعر العربي المعاصر ، ص 172 .
(2) ينظر محمد عبد الحميد ، في إيقاع شعرنا العربي و بيئته ، دار الوفاء ، الاسكندرية ، ط 1 ، 2001 ، ص 15 .
(3) ينظر صابر الدايم ، شعراء و تجارب ، دار الوفاء ، اسكندرية ، ط 1 ، 2001 ، ص 15 .
استعان شعراء التجديد بموسيقى الأغاني الفلكلورية أو إيقاعات الأمثال و الحكايات ... ممّا يضفي على موسيقى القصيدة الجديدة تنوعا يقول محمد قيسي في قصيدة ﴿ الصمت و الأسى ﴾ :
وَ لَكِنْ آَهِ ... مُوصَدَةٌ هِيَ الأَبْوَابُ
وَ يَأْتِي صَوْتُ وَالِدَتِي الَعجُوزْ مُبَلَلًا بِالحُزْنِ وَ الأَمَل
بِاللهِ يَا طَيْر الحَيّ إِنْ جِيتَ دَارَنَا
رَيِّضْ إِلاَ يَا طَيْرَنَا وَ ارْتَاحْ
قُلْ لَهَا بِحَالِ الجَهْلِ يَا طُولَ عِزِّنَا . (1)
في هذه القصيدة بعثت الأبيات نغمة موسيقية شعبية محببة لدى القارئ الذي سبق و أن سمع هذه الأبيات .
و خلاصة القول أن العلاقة بين الموسيقى و الشعر عضوية ، فالشعر في صياغته الفنية يتكوّن من عدّة تفعيلات ثم وحدات موسيقية تكسب القصيدة نغما مؤثرا ، و حين تفقد القصيدة سحر هذا النغم ينقطع ذلك الخيط الفنّي الذي يشدّ المتلقي إلى سماع الشعر ، فالشعر نغم و إنشاد . (2)
و بهذا موسيقى الشعر الجديد تعتمد على تناسب الحروف و اتساق العبارة و سلاستها ، فضلا عن التوازن بين التراكيب و التماثل في الإيقاعات اللفظية ، و هذا شيء تنفرد به القصيدة الجديدة عن القصيدة العربية في أي عصر من عصور الأدب ، كما أن الإيقاع أصبح نشاطا نفسيا في المستمع الذائق و المتلقي .
___________________________
(1) ينظر ابراهيم خليل ، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث ، ص 322 .
(2) صابر عبد الدايم ، موسيقى الشعر بين الثبات و التطور ، ص 16 .
التجديد من حيث المضمون :
الشعر و المدينة :
نالت المدينة اهتمام الكثير من الشعراء الجدد الذين كان معظمهم ريفيّون عاشوا طفولتهم و صباهم في قراهم و غادروها في مطلع الشباب إلى المدينة ، ليتلقوا العلوم أو ليعملوا في وظائف بسيطة توفرها لهم المدينة .
و لا شكّ أن هؤلاء الشباب قد استفاقوا في المدينة على واقع جديد تحكمه علاقات اجتماعية مختلفة مثلما تختلف وسائل العيش و سبل الحضارة ، فيقف هؤلاء الشعراء الشباب مشهودين مذهولين أمام ما يرون ، فتبدو العلاقة في بدايتها بالمدينة علاقة رفض و عداء و غربة ، و يبدأ الشاعر بالعودة إلى موطنه الأول يهرب إليه من واقعه الجديد الذي حالت ظروف موضوعية دون التكيف معه .
و أول مظهر من مظاهر معاناة الشاعر بحياة المدينة يتمثل في شعوره بالوحدة فيها . (1) فربما ارتبط الشعور بالتجربة العاطفية للشاعر . ففقدان الحبيب يزيد من حدّة الشعور بالوحدة ، فبالرغم من زحمة المدينة بالناس إلا أنه إن لم تكن تربطك بهم عاطفة حبّ ، تصبح المدينة و كأن ليس بها إنسان و تضيق رغم اتساعها .
فهنا عبد المعطي حجازي يصف القاهرة التي وجد نفسه فيها ضائعا في شوارعها الضخمة المزدحمة يتخبط بين أناسها مثل طائر سيّر بين أسراب من الجوارح ، لذلك وصفها بأنها مدينة بلا قلب .
يقول عبد المعطي حجازي :
___________________________
(1) انظر مصطفى السيوفي ، تاريخ الأدب العربي الحديث ، الدار الدولية للاستثمارات الثقافية ، القاهرة ، مصر ، ط 1 ، 2008 ، ص 110 .
وَ النَاسُ يَمْضُونَ سِرَاعَا
لَا يَحْفِلُونْ
أَشْبَاحَهُمْ تَمْضِي تِبَاعَا
لَا يَنْظُرُونْ
حَتَّى إِذَا مَرَّ التُرَامْ
بَيْنَ الزُحَامْ
لَا يَفْزَعُونْ . (1)
ففي هذه المدينة كل شيء يمضي بسرعة ، و التائه الذي يسأل عن مكان معيّن فيها يكاد لا يجد من يدلّه عليه و يرشده إليه ، و إن عثر على إنسان ما ليفيده فإنه يفعل و هو في عجلة من أمره .
يقول الشاعر في قصيدة بعنوان ﴿ طريق السيدة ﴾ :
يَا عَمُّ مِنْ أَيْنَ الطَرِيقْ
أَيْنَ طَرِيقُ السَيِدَة ؟
أَيْمِنْ قَلِيلًا : ثُمَّ أَيْسِرْ يَا بُنَيَّ
قَالَ ، وَ لَمْ يَنْظُرْ إِلَيَّ . (2)
لهذا فالمدينة عند عبد المعطي حجازي هي مدينة الموتى أو مدينة الضائعين و التائهين الذين يكادون ينسون أسماءهم وسط الزحمة الكبيرة إذ يقول :
لَقَدْ طُرِدْتُ اليَوْمَ
مِنْ غُرْفَتِي
وَ صِرْتُ ضَائِعًا بِدُونِ اِسْم
هَذَا أَنَا
وَ هَذِهِ مَدِينَتِي .(3)
___________________________
\
(1) ابراهيم خليل ، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث ، ص 280 .
(2) المرجع نفسه ص 281 .
(3) المرجع نفسه ص 283 .
و في المقابل نجد الشاعر خليل حاوي يعطي المدينة صورة مغايرة تماما ، فالمدينة مقابلة لعالم الفطرة و الطهارة و الصفاء ، أرض الحبّ و الهناء و السحر ، حيث نور البعث و معبر الخلاص نحو عالم جديد يسترجع أصالة الخلق الأول القرية لإنقاذ المدينة من شهوة الموت . (1)
أصبح خليل حاوي يرى في المدينة حياة جديدة ملؤها الطهارة و الهناء ، عالم جديد يسترجع أصالته من المنبع الأول و هو القرية فيقول بذلك :
عُدْتُ فِي عَيْنَيَّ طُوفَانٌ مِنَ البَرْقِ
وَ مِنْ رَعْدِ الجِبَالِ الشَاهِقَة
صَلَوَاتِي سَفَرُ أَيَّوبٍ، وحُبِّي
دَمْعُ لَيْلَي خَاتَمٌ مِنْ شَهْرَزَادِ
وَ يَمْضِي الخِضْرُ فِي أَثَرِ الغُزَاةِ
فَارِسٌ يُولَدُ مِنْ حُبِي لِأَطْفَالِي . (2)
يبّين الشاعر في القصيدة أن للمدينة وجه آخر غير ذلك الوجه الموحش ، هذا الأخير يمثّل مرآة عاكسة بما تحمله القرية المنبع الأول من صفاء و حب ، كما أن هذا لا يعني أن البياتي لم يقف من المدينة موقفا مشابها كموقف شعراء التجديد ، فهو بلا شك رأى في المدينة صدمة حضارية مرعبة ، و ربما كانت قصيدته ﴿ المدينة ﴾ أفضل ما يعبر عن هذه الصدمة :
وَ عِنْدَمَا تَعَرَّتِ المَدِينَة
رَأَيْتُ فِي عُيُونِهَا الحَزِينَة
مَبَاذِلَ السَاسَةِ وَ اللُصُوصِ وَ البَيَادِق
رَأَيْتُ فِي عُيُونِهَا المَشَانِق
تُنْصَبُ وَ السُجُونُ و المَحَارِق
وَ الحُزْنُ وَ الضَيَاعَ وَ الدُخَانَ . (3)
___________________________
(1) ابراهيم روماني ، المدينة في الشعر العربي الجزائري ، المؤسسة الوطنية للفنون ، مطبعة الرغاية ، الجزائر ، 2002 ، ص 68 .
(2) ديوان خليل حاوي ، دار العودة ، بيروت ، لبنان ، ط 1 ، 1972 ، ص 85 .
(3) محمد حمودة ، الحداثة في الشعر العربي المعاصر ، بيانها و مظاهرها ، الشركة العالمية للكتاب ، بيروت ، ط 1 ، 1976 ، ص 279 .
البياتي يرى في المدينة مباذل القادة و اللصوص و البيادق و المشانق و السجون و المحارق و الحزن و الضياع و الدخان و الدم و الجريمة و الفقر .
البياتي كشاعر واقعي إنساني يميل إلى القرية أكثر من المدينة ، بل أنه يبغض المدينة باعتبارها رمز للقيود و العبودية ، فهو يرى بالقرية الحرية و الانطلاق و البراءة و الإيمان بالإنسان ، أما المدينة فهي تزعجه و تقلقه يقول :
فِي لَيَالِي المَوْتِ وَ الخَلْقِ وَ فِي الأَعْمَاقِ
أَعْمَاقِ المَدِينَة
لَمْ تَزَلْ كَالهِرَةِ السَوْدَاءِ
كَالأُمِ الحَزِينَة
تَلِدُ الأَحْيَاءَ فِي صَمْتٍ
.......................
وَ المَسَاكِينُ وَ لَيْلَ السُلِّ وَ الأَخَيِّلَة السُودِ اللَئِيمَة . (1)
إن كره البياتي للمدينة كره عميق كالهرّة السوداء تأكل بنيها . أو هي مبعث السل و مقتل العاشق الفقير . كما أن حبّه للقرية من جهة هو حبّ عميق ، فالبياتي ابن القرية و هو لا ينكر أصله .
و لهذا كانت صورة المدن في أعمال الشعراء متصلة بما يراه الشاعر الشاب من إباحية و تحلّل أخلاقي ، و أصبح لها تعبيرات في الأدب الغربي في هذا القرن ، كما وجدت لها بدائل أخرى في الحنين إلى الماضي الذهبي أو العودة إلى الطبيعة .
___________________________
(1) خليل كمال الدين ، الشعر العربي الحديث و روح العصر ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط 1 ، 1964 ، ص 35 .
شعر المرأة و الحب :
شغلت المرأة الشاعر قديما و هي تستأثر اهتمامه في العصر الحديث ، بيد أن النظرة إليها تختلف باختلاف الموقف الفكري العاطفي ، فلم يعد الحديث عنها حديث إعجاب بجمال الجسد أو طهارة النفس و سمو الخلق ، و إنمّا امتد من الإعجاب بالمرأة و تقديس جمالها إلى الدفاع عن حقوقها و بيان المظالم التي ترتكب بحقها مثل ما يلاحظ في شعر الرومانسيين ، الذين قدموا مفهوما خاصا للحب و أحلوه المكان الأرفع ، و لم يعد الشعر الذي يعبر عن الحب ينقل عاطفة مفردة بسيطة و إنما ينقل غاية متشابكة الغصون من العواطف و المشاعر .(1)
و من الشعراء الذين اتخذوا من الحب موضوعا لازم الحضور في كل قصيدة و في كل بيت ، الشاعر نزار قباني الذي وصف بأنه شاعر الحب تارة و شاعر المرأة تارة أخرى ، حيث بدت المرأة في شعره أرستقراطية الانتماء لا يشغلها سوى أحدث ما تعرضه المراكز التجارية ، و في إحدى قصائده يؤكد أنه يغوص في الموج باحثا في أعماق الأصداف عن أي شيء يستطيع إهداءه للمرأة فيقول :
أَنْبُشُ أَعْمَاقَ المَوْجَاتِ
أَبْحَثُ فِي جَوْفِ الصَدَفَاتِ
عَنْ حَرْفٍ كَالقَمَرِ الأَخْضَرْ
أُهْدِيهِ لِعَيْنَيْ مَوْلَاتِي . (2)
و لفظه ( مولاتي ) و مثلها ( سيدتي ) تكثر في شعره ، و هي تلّم عن أنه يقدّر المرأة التي يحبّها و يجلّها و يصيغها فوق كل اعتبار ، حتى أنه يعدّها الكائن الملهم الذي يوحي له شعره ، مع أنه أعظم و أكثر جمالا من كل كلماته و قصائده .
___________________________
(1) ينظر مصطفى السيوفي ، تاريخ الأدب العربي الحديث ، ص 106 .
(2) ينظر ابراهيم خليل ، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث ، ص 294 ، 295 .
إذ يقول :
وَ لَكِنَّكِ يَا قَمَرِي الأَخْضَرْ
أَحْلَى مِنْ كُلِ الكَلِمَاتِ
أَكْبَرُ مِنْ كُلِ الكَلِمَاتِ. (1)
كما نجد نزار قباني يكشف بالدليل أنه يبحث في النساء اللواتي أحبّهن عن أمه ، في إحدى قصائده
﴿ خمس رسائل لأمي ﴾إذ يقول :
وَ لَمْ أَعْثُرْ
عَلَى اِمْرَأَةٍ تَمْشِطُ شَعْرِي الأَشْقَرْ
وَ تَحْمِلُ فِي حَقِيبَتِهَا...
اِلَيَّ عَرَائِسَ السُكَّرْ
وَ تَكْسُونِي إِذَا أُعْرَى
وَ تَنْشُلُنِي إِذَا أَعْثُرْ . (2)
من خلال ما سبق نلحظ موقف الشاعر الحقيقي من المرأة ، إذ أن نزار وجد في شعره العربي تعبيرا أساسيا عن مشكلات نفسية عميقة كان يعيشها .
أما صلاح عبد الصبور فقد تحدث عن الحب بمعناه المطلق ، فإنه يجد فيه قوّة كونية تستطيع أن تكون ملاذ أمنه ، فالحب عنده كالشعر كلاهما يولد بلا حسبان إذ يقول :
الحُبُّ يَا حَبِيبَتِي أَغْلَى مِنَ العُيُونْ
صُونيِهِ فِي عَيْنَيْكِ وَ احْفَظِيهِ
الحُبُ يَا حَبِيبَتِي مَلِيكُنَا الحَنُونْ
كُونِي لَهُ سَمِيعَةً مُطِيعَة . (3)
___________________________
(1) ابراهيم خليل ، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث ، ص 296 .
(2) المرجع نفسه ، ص 297 .
(3) إحسان عباس ، اتجاهات الشعر العربي ، ص 144 .
صلاح عبد الصبور يختلف عن نزار قباني في حديثه عن الحب ، فلم يكن حديثه عن أغنية رقيقة شفافة و إنّما هو تأمل حادّ متّصل بحقيقة نظريته الفلسفية الشاملة إلى الموت و الحياة ، و ذلك الحزن الذي يملك عليه رؤيته للأشياء ليس حزنا لحادثة أو فاجعة ، و إنما هو نابع من أعماق تلك الفلسفة . (1)
أما عن محمود درويش فقد مزج بين المرأة و الوطن فيقول بذلك :
سَقَطَ الوَرْدُ مِنْ يَدِي
لَا عَبِيرَ وَ لَا خَدَرْ
لَا تَنَامِي حَبِيبَتِي
العَصَافِيرُ تَنْتَحِرْ
وَ رُمُوشِي سَنَابِلُ
تَضْرِبُ اللَيْلَ وَ القَدَرْ
وَ صَوْتُكِ الحُلْوُ قُبْلَةٌ وَ جَنَاحٌ عَلَى وتَرْ
غُصْنُ زَيْتُونٍ بَكَى . (2)
الشاعر في هذه القصيدة مزج بين المرأة و الوطن ، فهو تارة يتحدّث عن حب يوهم القارئ بأنه حب حقيقي لكنه سرعان ما يذكر الجراح و الزيتون و التراب ، فينتقل بالقارئ من عالم الحب إلى عالم الشعر السياسي و الثوري .
إن مزج الشاعر المعاصر الحب بموضوع الوطن أو الثورة قد يظّل القارئ إلى أن الموضوع هو موضوع الغزل الصريح ، و هو أبعد ما يكون فالشاعر جعل من الوطن : الأرض ، الأم ، و الحبيبة على سبيل التشبيه .
___________________________
(1) مصطفى السيوفي ، تاريخ الأدب العربي الحديث ، ص 108 .
(2) ابراهيم خليل ، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث ، ص 303 ، 304 .
شعر الموت و الفناء :
إن موضوع الموت في الشعر الجديد لم يعد يحفل بالرثاء - القصيدة العربية في العصر الجاهلي- من حيث هو بكاء على الميت و تعداد لخصائله و شمائله الكريمة و صفاته الفاضلة ، و إنما أصبح الشاعر الجديد كالشاعر الغربي يتناول فكرة الموت مثلما يتناول فكرة الحب أو الحياة أو التشبث بالوطن و التعلق بالكرامة المنشودة .
فالسياب أثّر فيه موت أمّه صغيرا و ظلّ يذكر هذا في قصائده ، و لكنه لم يكتف بذكر الآخر و إنما واجه في شعره موته الذاتي إذ يقول :
إِنَّ مَا فِي قَبْرِي ، وَ أَنِّي
قَبْرُ مَا فِيَّ
مَوْتٌ يَمُدُّ الحَيَاة الحَزِينَة
أَمْ حَيَاةٌ تَمُدُ الرَدَى بِالدُمُوعِ . (1)
و في صورة المرض يصرخ مستعجلا موته مؤكد أنه بالرحيل يتخلص من عذابه و آلام جسده و أوجاع الروح :
مُنْطَرِحًا أَصِيحُ ، أَنْهَشُ الحِجَارَ
أُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ يَا إِلَهِ .
و لنازك الملائكة قصائد كثيرة تعبّر عن موقفها من الموت و حساسيتها إزاءه ، و منها قصيدة ﴿ مرثية كامرأة لا قيمة لها ﴾ معبّرة عن شعورها بالألم إزاء امرأة لم يشكّل موتها إلا نبأ سرعان ما ينساه الآخرون ، كما أنها تشير في قصائد أخرى إلى قدر الإنسان الحتمي ممثلا بملاحقة الموت له من خلال دورة الزمن .
___________________________
(1)ابراهيم خليل ، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث ، ص 306 .
تقول نازك الملائكة :
مَا الَذِي تَصْطَادُ فِي بَحْرِ الزَمَنْ
وَ غَدًا يَصْطَادُ الدَهْرُ العَتِّي
نَحْنُ يَا صَيَادَ أَبْنَاءُ الشَجَنْ
حَقَّ مُحَيَانَا الشَقَاءَ الأَبَدِي .(1)
كما سيطرت مشاعر الحزن في شعر صلاح عبد الصبور كمظهر تعبير شعوره بالوحدة و شعوره بالضياع و شعوره بالسأم يقول :
تَعَالَى اللهُ هَذَا الكَوْن مَوْبُوءُ وَ لَا بَرَءَ
وَ لَوْ يُنْصِفْنَا الرَحْمَنُ ، عَجَّلَ نَحْوَنَا بِالمَوْتِ
تَعَالَى اللهُ ، هَذَا الكَوْنَ ؟ أَيْنَ المَوْت ؟ أَيْنَ المَوْت . (2)
و عليه أصبح الحزن ظاهرة شائعة في القصيدة العربية الجديدة ، إذ أصبحت ظاهرة الموت مظهرا من مظاهر هذه المشاعر الحزينة في القصيدة الجديدة التي بلغ فيها الحزن قمته المأساوية .
___________________________
\
(1) سعيد الورقي ، لغة الشعر العربي الحديث مقوماته الفنية و طاقاتها الإبداعية ، ص 264 .
(2) المرجع السابق ص 208 .
الفصل الثالث
التعريف بالشاعرة فدوى طوقان :
فدوى بنت عبد الفتاح طوقان شقيقة الشاعر ابراهيم طوقان ، و لدت بمدينة نابلس في فلسطين 1917 . (1) تلقّت تعليمها الابتدائي بمسقط رأسها ، و لكنها لم تتّم تعليمها الثانوي و لم تدرس دراسة أكاديمية لظروف اجتماعية ذكرتها في سيرتها الذاتية ﴿رحلة جبلية رحلة صعبة ﴾.(2) حيث أن صبيّا من عمرها أهدى إليها وردة و قد سمع شقيقها يوسف بذلك فدفعته الغيرة إلى منعها من الذهاب إلى المدرسة . (3) فدرست في المنزل حتى نالت قسطا وفيرا من الثقافة ، التي أتاح لها انكبابها على قراءة أمهات الكتب مكتبة أخيها و انتمائها إلى أسرة عريقة فيها من أهل علم فدوى طوقان و من أصل الأدب أخوها ابراهيم طوقان ، و قد رعاها شقيقها الشاعر ابراهيم طوقان عائليا و أدبيا و نمّى فيها القراءة و التثقيف الذاتي فنجحت أيما النجاح و نظّمت الشعر في سن مبكرة كما تشهد سيرتها الذاتية و قصائدها ، و فدوى تعتبر أشهر شاعرات فلسطين ، و لعلّ أشهر شاعرات في العالم العربي ، كان ابراهيم يكنّها ﴿ أم التمام﴾ في مقابل ﴿أبو تمام﴾ ، و كانت هي تتقنّع بألقاب مستعارة مثل : ﴿ المطوقة ﴾ و ﴿ الدنانير ﴾ في واحة التكوين ، و قد أطلق عليها أكثر من لقب مثل : ﴿ خنساء القرن 20﴾، ﴿ زهرة البنفسج ﴾، ﴿زيتونة المباركة﴾ ،﴿السنديانة﴾ ، و قد عاشت عزبة طول حياتها لتقيدها بالعادات و التقاليد . (4)
___________________________
(1) شعراء فلسطين في العصر الحديث ، محمد محمد حسن تراب ، الأهلية للنشر و التوزيع ، عمان ، ط 1 ، 2006 ، ص 307 .
(2) فدوى طوقان ، دراسات يوسف بكار ، دار المناهل للطباعة و النشر و التوزيع ، ط 1 ، 1425 ، 2004 ، ص 7 .
(3) ابراهيم خليل ، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث ، ص 197 .
(4) فدوى طوقان ، دراسات يوسف بكار ، ص 8 .
أعمالها :
و قد كانت فدوى عضو في أمناء جامعة النجاح بنابلس ، و هي التي نظّمت نشيدها الرسمي و شاركت في العديد من المؤتمرات و المهرجانات الوطنية و السياسية و الأدبية و الشرية في العالم و الوطن العربي ، مثل : ﴿ مؤتمر السلام العالمي بستوكهولم بالسويد﴾و ﴿ مؤتمر الكتاب الإفريقيين و الآسيويين ﴾و ﴿ مؤتمر أدباء العرب ﴾ و ﴿ مهرجان جرشن بالأردن ﴾ .
v و لفدوى طوقان 9 دواوين شعرية :
۰ ديوان الرحلة المنسية : لفدوى طوقان و طفولتها الإبداعية ، يظم ثلاثين نص من شعر الطفولة الإبداعية ، جمعها و حققها يوسف بكار .
۰ وحدي مع الأيام منها : ﴿ حياة﴾ ،﴿ يتيم و أم ﴾ .
۰ وجدتها من قصائدها : ﴿ ذكريات ﴾ ،﴿ انتظرني ﴾ ، ﴿ لا انفصال ﴾ ،﴿ هل كان صدفة ﴾ ، ﴿ العودة في الكون المسحور ﴾ ،﴿ هل تذكر ﴾ ،﴿ كلما ناديتني ساعة في الجزيرة ﴾ ،﴿ أنا و السر الضائع ﴾ ،﴿ لن أبيع حبه ﴾ .
۰ أعطنا حبا : من قصائده ﴿ صلاة إلى العام الجديد ﴾ .
۰ أمام الباب المغلق : يضع سبع عشر قصيدة من بينها : ﴿ أردنية فلسطينية في انجلترا ﴾ ، ﴿ رؤية هنري ﴾ ، و قصائد أخرى إلى أخيها ، و مجموعة أخرى تضم خمسة قصائد منها : ﴿ و لا شيء يبقى ﴾ ،﴿ مفترق الطرق ﴾ ،﴿ في العباب ﴾ ،﴿ لحظة ﴾و﴿ بوركت لحظتنا ﴾ .(1)
___________________________
(1) فدوى طوقان ، دراسات يوسف بكار ، ص 8 .
۰ الليل و الفرسان : هو أول ديوان لا يحمل قصيدة من قصائدها ، حيث ضمّت فيه مجموعة صغيرة من شعر محمود درويش منها : ﴿ يوميات جرح فلسطيني ﴾ في أربعة و عشرين مقطعا هدية إليها من الشاعر ، و من قصائدها في هذا الديوان : ﴿مدنية حزينة ﴾ ،﴿ الطاعون ﴾ ،﴿ الطوفان و الشجرة ﴾ ،﴿ إلى الصديق الغريب ﴾.
۰ على قمة الدنيا وحيدا منها : ﴿ كوابيس الليل و النهار ﴾ .
۰ تموز و الشيء الآخر منها : ﴿ مطاردة﴾ .
۰ اللحن الأخير : منها : ﴿ إنه اللحن الأخير﴾ .
v و من أعمالها النثرية :
- ثمانية مقالات في النقد و التعقيب كتبتها قبل : أخي ابراهيم 1946 التي جمعها يوسف بكار و نشدها في ﴿ الرحلة المنسية ﴾ لفدوى طوقان و طفولتها الإبداعية .
- رحلة جبلية رحلة صعبة : و الجزء الثاني الرحلة الأصعب الجزء الثاني من السيرة الذاتية .
- ثلاثة مقالات و كلمتا افتتاح .
- عشرة حوارات .(1)
___________________________
(1) المرجع السابق ص 8 .
اللغة الشعرية :
تعتبر اللغة ظاهرة اجتماعية و وسيلة تخاطب و تفاهم ، و هي أداة تواصل بين الناس لنقل الأفكار ، كما أنها قالب أدبي لتضمين مختلف الفنون الأدبية و على رأسها الشعر الذي يتحقق بها كيانه . و نرى أن الشاعر يستخدم مفردات اللغة و ألفاظها ، إلا أنه يصوغ منها ما يختلف عن لغة الحياة اليومية ، مع أن الشعر اليوم صار يستخدم المفردات و الكلمات الشائعة في الحديث اليومي ، لا سيما قصيدة الشعر الحر . (1) إن من يقرأ شعر فدوى طوقان في ضوء تتابعه الزمني يكتشف اختيارها لألفاظها الموحية المملوءة بالدلالات ، لا سيما في عناوين دواوينها التي نكتشف فيها لونا من التدرّج في الحوار مع الذات يسعى لاكتشافها و تحديد معالمها ، و الشاعرة تختار ألفاظها لتخدم مضمونها و تدعم عناصر قصيدتها ، في كلية متراصة محشودة الجوانب لخدمة المعنى .(2) ففي قصيدتها ﴿ إليهم من وراء القضبان﴾ تقول الشاعرة : في مقطعها الثالث بعنوان من مفكرة سجين مجهول مكان السجن :
مِنَ الفُجَاجِ يَطْفَحُ الظَلاَمُ عَابِسًا صَمُوتْ
وَ اللَيْلُ نَاصِبٌ هُنَا شِرَاعَهُ الكَبِيرْ
لاَ زَحْفُ ضَوْءِ النَجْمِ وَاحِدٌ طَرِيقَهُ وَ لاَ
تَسَلُلِ الشُرُوق
لَيْلُ بِلاَ شُقُوق
يَضِيعُ فِيهِ الصَوْتُ وَ الصَدَى يَمُوتْ
___________________________
(1) عمر يوسف قادري ، التجربة الشعرية عند فدوى طوقان بين الشكل و المضمون ، دار همومة ، بوزريعة ، الجزائر ، دط ، ص 19
(2) المرجع نفسه ص 27 .
الوَقْتُ فَاقِدٌ هُنَا نَعْلَيْهِ، وَاقِفٌ
تَخْتَلِطُ الأَيَامُ وَ الفُصُولْ
تَرَاهُ مَوْسِمَ البُذَارْ ؟
تَرَاهُ مَوْسِمَ الحِصَارْ ؟
تَرَاهْ ؟
مَنْ يَقُولْ ؟
لاَ خَبَرْ
وَ يَقِفُ السَجَّانُ وَجْهُهُ حَجَرْ
وَ عَيْنُهُ حَجَرْ
يَسْلُبُ مِنَّا الشَمْسَ يَسْلُبُ القَمَرْ . (1)
نجد أن الشاعرة قد وظّفت مجموعة من الألفاظ المعبرة و هي تنتهج نهجا إيحائيا يكشف عن مضامينه من خلال صوغ لغوي ، و توظيفها لألفاظ واضحة لكي تصور الحالة التي يعيشها السجين ، فقد وظّفت لفظة ( الفجاج) التي توحي إلى الحصار و الاحتجاز ، ففي عبارة (يضيع فيه الصوت و الصدى يموت ) .
ففي هذا السجن الرهيب ببنائه المحكم و كثرة السجناء فيه لا نستطيع حتى سماع الصدى فيه ، و هذا يشير إلى الحصار و الانقطاع الكامل عن مجريات الحياة اليومية ، و هذا ما أرادت الشاعرة أن تعبر عنه ، فسكبت هذا الفيض المتسلسل من الألفاظ المعبرّة الموحية معاناة و عذاب السجناء و المعتقلين الفلسطينيين في سجون العدو .
___________________________
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الشعرية الكاملة ، المؤسسة العربية للطباعة و النشر ، بيروت ، ط 1 ، 1993 ، ص 616 .
و تقول الشاعرة في قصيدتها ﴿ في المدينة الهرمة ﴾ :
وَ تَلْقَفُنِي ، فِي المَدِينَةِ هَذْيُ الشَوَارِعْ
وَ الأَرْصِفَة
مَعَ النَاسِ ، يَجْرِفُنِي مَدُّهَا البَشَرِيُّ
أَمُوجُ مَعَ المَوْجِ فِيهَا ، عَلَى السَطْحِ أَبْقَى
بِغَيْرِ تَمَاس
وَ يَكْتَسِحِ المَدُ هَذْيَ الشَوَارِعَ وَ الأَرْصِفَة
وَجُوهٌ وَجُوهٌ وَجُوهٌ وَجُوهٌ ،تَمُوجُ
عَلَى السَطْحِ ، يَقْطُنُ فِيهَا اليَبَاس ، وَ تَبْقَى
بِغَيْرِ تَمَاس . (1)
أوردت الشاعرة ألفاظا متعددة يخدم أوّلها تاليها ، فالبيت الأول يرتكز على لفظة ( تلقفني ) ، بيد أنها تقدّم في البيت الثاني لفظة ( تجرفني ) ، ليتطور المعنى من اللقف إلى الجرف فجاء التسلسل ، ثم توظف الشاعرة كلمة ( المد )كقائم بعملية الاكتساح و حامل لها ، هذه الألفاظ التي تتّسم بالحركية و الاتساع ، عليها ألفاظ تتّسم بالسكونية و الاستقرار مثل أفعال ( يقطن و يبقى ) ، فهذا الاستخدام للألفاظ المتعددة نقل ذات الشاعرة إلى البشر .
___________________________
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الشعرية الكاملة ، ص573 .
الصورة الشعرية :
يستخدم الشاعر في أدائه الشعري طريقتين : الأولى هي التعبير المباشر ، و الثانية : هي الصورة الشعرية أو التعبير المتخيّل ، و التعبير هو لغة الشاعر التلقائية ، أمّا الصورة الشعرية فهي التعبير المتخيل الذي لا يصوّر المعطيات الحسيّة بشكل مجرد ، بل يتعدّاها إلى تصوير انفعالاته و مشاعره الداخلية ، و قد يكون مصدر هذا الانفعال من داخل الإنسان ذاته أو من خلال تفاعله مع الناس .(1) و قد استخدمت فدوى طوقان نوعين من الصور الشعرية وهما : الصورة المفردة الجزئية و الصورة المركبة الكلية ، أما الجزئية فهي بسيطة تشتمل على تصوير جزئي محدد ، و قد تبنى من خلال التجسيد و التجريد . أما الصورة المركبة الكلية ، فهي مجموعة من الصور الجزئية المؤتلفة و التي تستهدف تقديم عاطفة أو فكرة أو موقف على قدر من التعقيد أكبر من أن تستوعبه صورة جزئية . (2) فالشاعرة فدوى طوقان في قصيدتها ﴿ آهات أمام شباك التصاريح ﴾ تقول :
وَقْفَتِي بِالجِسْرِ أَسْتَجْدِي العُبُورْ
آه ، أَسْتَجْدِي العُبُورْ
اخْتِنَاقِي ، نَفَسِي المَقْطُوعْ مَحْمُولٌ عَلَى
وَهْجِ الظَهِيرَة
سَبْعُ سَاعَاتِ اِنْتِظَارْ
مَا الَذِي قَصَّ جَنَاحَ الوَقْتْ
مَنْ كَسَحَ أَقْدَامَ الظَهِيَرة ؟
يَجْلِدُ القَيْظُجَبِينِي
عَرَقِي يَسْقُطُ مِلْحًا فِي جُفُونِي
آهْ ، آَلاَفَ العُيُون . (3)
___________________________
(1) سنداوي خالد ، الصورة الشعرية عند فدوى طوقان ، دار المشرق للترجمة و الطباعة و النشر ، 1993 ، القاهرة ، ص 36 ، 38 .
(2) انظر عمر يوسف قادري ، التجربة الشعرية عند فدوى طوقان بين الشكل و المضمون ، ص 84 ، 92 .
(3) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 529 .
ففي هذه القصيدة تقف الشاعرة فدوى طوقان على الجسر تستجدي العبور لوطنها من أعدائها الذين احتلوا أرض وطنها ، و تمّل الانتظار و تعيش في نفسها أشجان الانتظار للحصول على تصريح من عدوها للعبور إلى وطنها ، بعد أن انتظرت سبع ساعات ، هذه الساعات السبع مرت طويلة شاقة فالوقت يمر بطيئا ، وحر الظهيرة لا يرحم أحدا ، و تشبه هذا الحرّ الشديد كأنه سوط بجلدها ، و لقد جاءت الشاعرة بهذه الصور لتصوّر القسوة و الألم و المعاناة من طول الانتظار على الجسر .
و في قصيدتها ﴿ نبوءة العرافة﴾ حيث تجسّد المعاني المجردة و تشخّص المحسوسات في هذا المقطع :
حِينَ اِسْتَرَاحَ المَوْت
وَ عَرَشْتُ حَوْلِي غُصُونَ الصَمْت
حَنَوْتُ فَوْقَهُ أَنُوءُ بِالأَسَى
أَمْسَحُ صَدْرَهُ المُهَشَّمَ الضَلُوعْ
أَمْسَحُهُ بِالحُبِ وَ الأَحْزَانِ وَ الدُمُوع
لَمْلَمْتُهَا أَشْلاَءَهُ المُبْتَلَة
بِالدَمِ وَ الدُخَانِ وَ الحَصَى
لَمْلَمْتُ لَيْلَ غَابَةِ الشِعْر
وَ الشَفَةُ التِي تَمَزَّقَتْ كَمَا الزَهْر
وَ مَاسَتِي عَيْنَيْه . (1)
___________________________
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 559 .
الشاعرة في هذه القصيدة تصوّر أحد الشهداء بألوان شتّى ، فتستخدم التشخيص و التجسيد و التشبيه ، فتصوّر الموت و كأنه شخص تعب من ممارسة القتل فجلس للاستراحة لتوحي لنا بضخامة عدد القتلى ، و تصوّر الشاعرة كيف تمد جسمها المثقل بالأسى و المفعم بالحزن فوق جسده فتمسح صدره المهشم الضلوع بالحب و الأحزان و الدموع ، و تحاول جهدها أن تجمع أعضاء الجسد الممزّق الذي تحول إلى أشلاء ، و تعمل الشاعرة على لملمة أشلاء الشهيد .
الموسيقى الشعرية :
لقد أثر انتشار الشعر الحر منذ حوالي نصف قرن جدلا كبيرا حول موسيقى الشعر ، حيث يعتبر بعض الشعراء أن الشكل الجديد يتيح طواعية في التعبير و أن اختلفت المضامين و التجارب ، بعد أن كانت القصيدة التقليدية تعتمد على وحدة البيت كنظام أساسي للبنية الإيقاعية و الالتزام بالقافية الموحدة فيها ، عمد الشعراء الجدد إلى اعتماد التفعيلة بل و استخدام عدة أوزان في القصيدة الواحدة .(1) و الشاعرة فدوى طوقان اعتمدت القصيدة العمودية و التي شكّلت ثلث مجموعتها الشعرية ، و تبيّن أثناء الدراسة لهذه القصائد أن 60 %جاءت على البحرين المتقارب و السريع مناصفة ، و توزعت النسبة الباقية على البحور الثلاثة الكامل و مجزوء الكامل و الرمل و الخفيف .(2)
الوزن في شعرها : لقد استخدمت الشاعرة تسعة أوزان في مجموعتها الشعرية التقليدية و الحرة ، فثلثي المجموعة الشعرية من الشعر الحر ، و لقد استخدمت البحور التالية : المتقارب ، الرمل ، السريع ، الرجز ، الكامل و مجزوؤه ، المتدارك ، الوافر و مجزوؤه . و تبدو الشاعرة محافظة و ملتزمة الأصول العروضية ، فهي تلتزم الزيادة و النقص في أعاريضها و قوافيها و نادرا ما وجدنا لديها زحافات أو علل وزنية . (3)
ففي قصيدتها ﴿ مرثية الفارس إلى جمال عبد الناصر ﴾ ترثي القائد الذي فقدته العروبة ، و تشغل إمكانيات البحر باستعمال أغلب صيغ {فاعلاتن} منها ما يلي :
وَ افْتَدَانَا فاعلاتن
آه مَا أَغْلَى الِفدَاءْ فاعلاتن – فاعلان
وَاشْتَرَانَا فاعلاتن
آه ، مَا أَغْلَى الثَمَنْ فاعلاتن - فاعلن
(1) عمر يوسف قادري ، التجربة الشعرية عند فدوى طوقان بين الشكل والمضمون ، ص 147 .
(2) شكري عياد ، موسيقى الشعر العربي ، دار المعرفة ، القاهرة ، ط 1 ، 1968 ، ص 142 .
(3) المرجع نفسه ص 144 .
وَ عَلَى وَخْزِ مَسَامِير الأَلَمْ فعلاتن – فعلاتن – فاعلن
وَ عَلَى حَزِّ سَكَاكِين العَيَاء فعلاتن – فعلاتن – فاعلان
اسْنُدْ الرَأْسَ وَ ارْخِى فاعلاتن – فعلاتن
هَدَبَ جَفِنَيه وَ ناَم .(1) فاعلاتن – فعلان
من خلال النظر في أبيات القصيدة و موسيقاها الهادئة التي و لا شك أنها تناسب جلال الموقف الحزين ، واستخدام الشاعرة حروف المد و تسكين القوافي في العبارات التالية : ( وافتدانا ) ، ( آه ما أغلى الفداء ) ، ( واشترانا ) ، ( آه ما أغلى الثمن ) ، ( و على حز سكاكين العياء ) .
ممّا يعبّر عن الفاجعة الأليمة و يثير كوامن النفس الحزينة ،كما نلاحظ أن الشاعرة استخدمت صيغ الرمل المتعددة في داخل القصيدة الواحدة ، و عمدت إلى استخدام امكانيات السطر الشعري الذي يطول و يقصر ، إذ نجد أسطر شعرية من تفعيلتين الأسطر الثاني الرابع السابع و الثامن ، و ثلاث تفعيلات مثل الأسطر الخامس و السادس .
و مع اختلاف الأوزان إلاّ أن الإيقاع الحزين يرافق الشاعرة ، ففي قصيدة ﴿ لن أبكي ﴾ استخدمت الشاعرة مجزوء الوافر { مفاعلتن} و تنوع استخدامها حيث تقول :
عَلَى أَبْوَابِ يَافَا يَا أَحِبَائِي مفاعلتن – مفاعلتن مفاعلتن
وَ فِي فَوْضَى حُطَام الدُورِ مفاعلتن – مفاعلتن
بَيْنَ الرَدْمِ وَ الشَوْكِ مفاعلتن – مفاعلتن
وَقَفْتُ وَ قُلْتُ لِلْعَيْنَيْنِ : مفاعلتن – مفاعلتن
قِفَا نَبْكِ مفاعلتن
عَلَى أَطْلاَلِ مَنْ رَحَلُوا وَ فَاتُوهَا مفاعلتن – مفاعلتن مفاعلتن
تُنَادِي مَنْ بَنَاهَا الدَارْ مفاعلتن – مفاعلتان
وَ تَنْعَى مَنْ بَنَاهَا الدَارْ . (2) مفاعلتن – مفاعلتان
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 505 .
(2)المرجع نفسه ص 450 .
نجد أن الشاعرة استخدمت الصيغ المتعددة { لمفاعلتن} ، و استخدمت الأوزان المتعددة في القصيدة الواحدة ، حيث يتيح لها فرضا للتعبير عن عمق التجربة و يعطيها الإيقاع الهادئ الحزين الذي يتناسب مع عاطفتها ، و هذا التنوع لعله يناسب اللوعة و الأسى و الحزن العميق الذي يسيطر على الشاعرة أو بما يثيره في نفوسنا من أحاسيس و مشاعر و نحن نقرأ هذه القصيدة ، و أحرف المد المؤثرة التي استخدمتها الشاعرة .
ففي قصيدتها ﴿ الفدائي و الأرض﴾ تقول :
فِي بَهْرَةِ الذَهُول وَ الضَيَاع
أَضَاءَ قِنْدِيل إِلَهِي حَنَايَا قَلْبِهْ
شَعَ فِي العَيْنَيْنِ وَهْجُ جُمْرَتَيْن
وَ أَطْبَقَ المُفَكِرَة
وَهَبَ مَازِن ، الفَتَى الشُجَاعْ
يَحْمِلُ عِبْءَ حُبِهْ
وَ كُلُ هَمِّ أَرْضَهُ وَ شَعْبِهْ
وَ كُلُ أَشْتَاتِ المُنَى المُبَعْثَرَة!!(1)
هنا تستخدم الشاعرة بحر الرجز { مستفعلن } لتروي لنا قصة مازن راثيه له لسرد قصة طويلة ، و يكون للموسيقى دورها في تحقيق معاني الحزن ، و أكثرت الشاعرة من أحرف المد الذي يوائم النفس الحزينة و الذي حمل المفردات التالية : ( الذهول ، الضياع ، قنديل ، إلهي ، حنايا ) ، و كذلك أكثرت الشاعرة من استعمال حرف الهاء في الروي و هو ما يناسب الموقف الحزين ، حيث وردت كلمات ( قلبه ، حبه ، شعبه ...إلخ ) .
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 505 .
القافية :
تعتبر القافية عنصرا رئيسيا مهما في القصيدة ، و لم تتخل عن أهميتها على امتداد تاريخ تطور القصيدة العربية
و قد نظّمت على القافية العمودية المتكررة ، و هي القافية العمودية التي تسير على النهج الاتباعي بالتزام روي واحد على امتداد القصيدة كلها . و لم نعثر في مجموعتها الشعرية إلا على خمس قصائد هي :
﴿ في درب العمر ﴾و﴿ سمو ﴾و﴿ يتيم و أم ﴾و﴿ اليقظة ﴾و﴿ بعد الكارثة ﴾ .
و قد استخدمت القافية الحرة المتغيرة ، و هذا النمط من القافية المتغيرة يقوم على استخدام العديد من القوافي في القصيدة الواحدة دونما انتظام محدد في استعمالها . (1) ففي قصيدتها ﴿رسالة إلى طفلين في الضفة الشرقية﴾ تقول :
يَا كَرْمَتِي أَوَدُّ لَوْ أَطِيرْ
عَلَى جَنَاحِ الشَوْقِ لَوْ أَطِيرْ
لَكِنْ تَوْقِي يَا صَغِيرَتِي مُقَيَّدَ أَسِيرْ
يُعْجِزُنِي يَا كَرْمَتِي العُبُور
فَالنَهْرَ يَقْطَعُ الطَرِيقَ بَيْنَنَا
وَ هُمْ هُنَا يُرَابِطُونْ
كَلَعْنَةٍ سَوْدَاءَ هُمْ هُنَا يُرَابِطُونْ . (2)
نلاحظ هنا أن الشاعرة قد استخدمت في المقطع الأول قافية ( الراء – أطير ) ، مكررة في السطر الأول و الثاني ، ( أسير ) في السطر الثالث ، ( العبور ) في السطر الرابع ، و مع ملاحظتنا لتغيير القافية إلا أن الراء بقيت قافية محورية .
(1) عمر يوسف قادري ، التجربة الشعرية عند فدوى طوقان بين الشكل و المضمون ، ص 151 ، 153 .
(2) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 492 .
ففي قصيدتها ﴿ اليقظة﴾ تقول :
أَيُهَا الشَرْقُ ، أَي نُورِ جَدِيدْ لاَحَ فِي عَتْمَةِ اللَيَالِي السُودْ
لَفَ شَمَّ الجِبَال وَ السَهْل وَ الحُزْنِ وَ هَامَ الرُبَى وَ رَمْلُ البِيدْ
وَ إِذَا أَنْتَ يَفْتَحُ النُورُ عَيْنَيْكَ فَتَصْحُو عَلَى الضَيَاءِ الوَلِيدْ
وَ تَطَلَعْتِ فِي حَمَاكِ ، حُمَى الأَمْجَاد رُبْعَ العُرُوبَةِ المَمْدُودْ
عَجَبَا !أَيْنَ أَيْنَ مَا وَطَدُوهُ مِنْ صُرُوحِ شَمٍّ وَ مُلْكِ عَتِيدْ . (1)
لقد جاءت هذه القصيدة على البحر الخفيف بروي - الدال - جامعة في ردفها حرفي اللين ( الواو ، الياء ) ، جاء ذلك بقافية خففت للشاعرة إيقاعا معنويا و موسيقيا مؤثرا ، فلقد خدمت القافية الحالة الشعورية التي أرادتها الشاعرة .
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 134 .
التضمين النثري :
يأتي التضمين النثري غالبا كمعادل موضوعي لحالة نفسية ، إذ تكثر فيها العاطفة أو انسياب لتداعي المعاني ، و محقق كذلك هدفي المقطع و الوصل في البنية الايقاعية للقصيدة ، أو تعبير عن درامية و الخطابية المباشرة ، و قد يكون نوعا من العجز الشعري .
توظف فدوى طوقان التضمين النثري كما يوظفه غيرها من الشعراء ، و لا تكتفي بإدخال العنصر الدرامي في القصيدة بل أنها تلجأ إلى استخدام لغات أجنبية في القصيدة .(1) ففي قصيدتها ﴿ كوابيس الليل و النهار ﴾ تلجأ الشاعرة إلى استخدام اللغات الأجنبية ،حيث تتردد جملة ( افتح الباب ) بأربع لغات حيث تقول :
الجُنْدُ عَلَى بَابِي وَيْلاَهْ!
حَتَّى اللهُ تَخَلَّى عَنَّي حَتَّى اللهْ
خَبِئ رَأْسَكَ!
خَبِئ صَوْتَكَ !
وَ بَنُو عَبْسَ طَعَنُوا ظَهْرِي
فِي لَيْلَةِ غَدْرِ ظَلْمَاءْ
Open the door !
Ouvre la porte !
افْتَخْ ات هاديليت !
افْتَخْ بَابِ !
وَ بِكُلِ لُغَاتِ الأَرْض عَلَى بَابِي يَتَلاَطَمْ
صَوْتُ الجُنْدِ
يَا عَبْلَة إِنِّي..
يَا وَيْلِي! ... (2)
(1) غريد الشيخ ، فدوى طوقان شعر و التزام ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1 ، ص 96 .
(2) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 584 ، 587 .
فهي تستخدم اللغات : الإنجليزية و الفرنسية و العبرية و العربية ، لتؤكّد الشاعرة بهذا التضمين هويّة الطارقين من الجنود الصهاينة ، إذ أنّ هؤلاء جاءوا من شتات الأرض و ليسوا شعبا واحدا ، جمعهم الاستعمار و الصهيونية وراء فكرة مضللة من أجناس متباينة و بلدان مختلفة .
الرمز في شعر فدوى طوقان :
بتتبع الرمز عند فدوى طوقان نجد دواوينها الأولى لا تكاد تخلو منه ، فقد ظفرت جميعها منذ الديوان الأول بعدد من الرموز على خلاف ما ذكر شاكر النابلسي من أن دواوينها الثلاث الأولى خلت من الرموز . (1) إلاّ أنها لم تكن بالكمّ الذي توفرت عليه الدواوين الخمسة الأخرى ، و تتميز رموزها بالشفافية غير الموغلة في الغموض ، و تتمحور هذه الرموز حول مرموزات معينة هي : الوطن ، الفدائي ، العدو ، و الرمز الاجتماعي . إلاّ أننا نجد تكثيفا لرموز العدو و الاحتلال إذ بلغت أكثر من ثلثي إجمالي عدد الرموز الواردة في نصها الشعري ، و منها : في خماسية العدو قصيدتان رامزتان بعنوان ﴿ الطاعون ﴾ فتقول فيها :
يَوْمَ فَشَا الطَاعُونُ فِي مَدِينَتِي
خَرَجْتُ لِلْعَرَاءْ
مَفْتُوحَةَ الصَدْرِ إِلَى السَمَاءْ
أَهْتِفُ مِنْ قَرَارَةِ الأَحْزَانِ بِالرِيَاحْ
هُبِّي وَ سُوقِي نَحْوَنَا السَحَابُ يَا رِياَحْ
وَ أنْزُلِي الأَمْطَارَ تُطَهِّرُ الَهوَاءَ فِي مَدِينَتِي
وَ تَغْسِلُ البُيُوتَ وَ الجِبَالَ وَ الأَشْجَارْ
هُبِّي وَ سُوقِي نَحْوَنَا السَحَابَ يَا رِيَاحْ
وَ لِتَنْزِلْ الأَمْطَار !
وَ لِتَنْزَلْ الأَمْطَار !
وَ لْتَنْزَلْ الأَمْطَار! (2)
(1) انظر فدوى طوقان و الشعر الأردني المعاصر ، شاكر النابلسي ، الدار القومية للطباعة و النشر ، 1963 ، ص 96 ، 85 ، 34 .
(2) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 372 .
من خلال دراستنا للقصيدة وجدنا أن الشاعرة فدوى قد وظّفت الرمز في قصيدتها ، حيث رمزت للمحتل بالطاعون ، فلم تجد أمامها إلا الخروج للعراء ، و تدعو السماء فهي القادرة على تطهير الهواء من هذا الطاعون ، و لقد وظّفت الشاعرة كلمة ( مطر ) و هي رمز الخير و التطهير الذي يطهر مدينتها من هذا الطاعون الذي تعني به المحتل .
و من رموز العدو أيضا ( الأفاعي ) ، و قد ورد في قولها :
صَدِيقِي الغَرِيبْ
لَوْ أَنَ طَرِيقِي إِلَيْكَ كَأَمْسِ
لَوْ أَنَ الأَفَاعِي الهَوَالِك لَيْسَتْ
تُعَرْبِدُفِي كُلِّ دَرْبٍ
وَ تَحْفِرُ قَبْرًا لِأَهْلِي وَ شَعْبِي
وَ تَزْرَعُ مَوْتًا وَ نَارَ. (1)
في هذه الأبيات نجد الشاعرة ترمز للعدو بالأفاعي ، و هي حين ترمز له بالأفاعي فما ذلك إلا لتوفر أوجه الشبه بين الأفاعي في خطرها و بين العدو في خطره ، فهي شبّهته بالأفاعي الهوالك ، و الشاعرة حين تجعل الموت و نار زرقا ، إنّما توريد بيان استمرار خطره الذي ينمو و يشتعل مع نمو النبات .
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 373 .
تستخدم الشاعرة الرمز بدلالات مختلفة ، فلم تجعل الرمز مقصورا على مدلول واحد ، حيث نجد عندها أكثر من رمز استخدم بمدلولين أو أكثر ، مثال على ذلك أنها رمزت للعدو بالطوفان و في موقع آخر من نصّها الشعري ترمز به للثورة و المقاومة الفلسطينية فتقول :
تَنْمُو البَذْرَة فِي قَلْبِ المَوْت
يَنْفَجِرُ الصُبْحُ مِنَ الظَلْمَاء
الآَنَ عَرَفْت
وَ أَنَا أَسْمَعُ رَكْضَ الخَيْلِ ، سِبَاقَ المَوْتِ عَلَى الشَطَآن
كَيْفَ إِذَا جَاءَ الطُوفَان
تَغْتَسِلُ الأَرْضُ مِنَ الأَحْزَان . (1)
توظف الشاعرة رمز الطوقان للدلالة على الثورة و النضال ، بعد أن ألحقته بمجموعة رموز من ( تنمو البذرة في قلب الموت ) ، رامزة بها إلى فكرة الثورة التي انتقت من وسط الأزمة و الحصار ، مشبعة إياه بسطر شعري ( ينفجر الصبح من الظلماء ) في إشارة إلى بزوغ فجر الحرية .
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 496 .
التناص في شعر فدوى طوقان :
ظهر أثر الثقافة في شعر فدوى طوقان ، حيث أنها توظف ما كنزته من ثقافات عبر التناص الذي يسلسل التفكير الإنساني و يجعل صفة التواصل صفة بارزة بين النصوص في عصورها المختلفة ، حيث يستحضر نصها النصوص السابقة و يحاورها ، بعد أن تتزاحم في ذهنها إذا ما لامست أو اقتربت في نصها من هذا المعنى المخزون أو ذاك ، لا يعتبر كل نص مع التناص بوابة مشرعة لنصوص أخرى تغزوه و تلتحم معه .(1) حيث توظفه في خطابها بصور متعددة فهناك الإلماعة ، و هي إشارة عابرة إلى شخصية أو أسطورة ، و هناك الاعتراف الصريح سواء من نصوص دينية أو أدبية أو شخصيات . (2)و تتمثل مصادر التناص لديها :
أولا : التناص من القرآن الكريم :
يعتبر القرآن الكريم الينبوع الأول الذي نهلت منه الشاعرة تناصاتها ، و قد بدأ اعترافها من هذا المنهل بدءا من الديوان الرابع ، حيث حفل بمفرده بأثني عشر تناصا من القرآن الكريم ، فلا تجد في دواوينها الثمانية أي اقتباس لآية قرآنية كاملة ، و إنما كانت تكتفي بتوظيف جزء من الآية ، أو إشارة لفظية توحي بمضمون الآية .
(1) فتيحة ابراهيم صرصور ، خصائص الأسلوب في شعر فدوى طوقان ، دار الصداقة ، غزة ، فلسطين ، 2005 ، ص 151 .
(2) المرجع نفسه ص 152 .
كما في قولها :
بِالحُبِ سَأَلْتُكَ حُبِي ذَاكَ السَاذِجْ
حُبِي ذَاكَ النَضِرْ
أَيَامَ يقيني مِصْبَاحْ
دَرِّي يَتَوَهَجُ فِي الصَدْر . (1)
و تقول :
يَا رَبَ البَيْتِ
مَفْتُوحًا كَانَ البَابُ هُنَا
وَ الَمنْزِلَ كَانَ مَلاَذُ المُوقِرِ بِالأَحْزَانْ
مَفْتُوحًا كَانَ البَابُ هُنَا وَ الزَيْتُونَة
خَضْرَاءَ ، تَسَامَتْ فَارِعَة
تَحْتَضِنُ البَيْت
وَ الزَيْتُ يُضِيءُ بِلاَ نَارِ
يَهْدِي فِي اللَيْلِ خُطَى السَارِين . (2)
تربط الشاعرة بين الأيام السعيدة و إشراقات ( سورة النور ) ، فهي تحيي أجمل أيام حياتها في ظل ذاك الحب الأخوي الصادق ، حب البراءة و الطهر ، فتشبه أيامها في حمى أخيها بالكوكب الدري ، و لقد استلهمته من قوله تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» . (3)
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 339 .
(2) المصدر نفسه ص 341 .
(3) سورة النور ، آية 35 .
و يمتد استيحاء الشاعرة من هذه الآية الكريمة عبر نحو خمسين سطرا شعريا أضاء أحدها باسم السورة حيث تقول :
يَا مُطْفِئَ مِصْبَاحِي أَنْتَ
بِصَوَاعِقِ بَرْقِكَ وَ رُعُودِك
أِشْعَلْهُ ، اِرْفَعْهُ ، قَرِّبْ لِي
وَجْهَكَ مِنْ دَائِرَةِ النُور
فَغِيَابُ حُضُورِكَ يَحْبِسُنِي
فِي العَتْمَةِ فِي شِرْكِ الدِيجُورْ .(1)
إن هذا التغلغل في النص القرآني يكشف لنا عن إرث ديني عميق استقر داخل نفس الذات الشاعرة ، لقد جعلت من اسم السورة و مكونات الآية من ( زيت و زيتون ، نار و نور ، و كوكب دري ) شعلة تضيء لها ديجور النفس و الحياة التي تحياها رغم فقدانها لأخيها .
و أيضا في قول الشاعرة :
لَقَدْ قُلْنَا وَصَلْنَا وَ اسْتَرَحْنَا
وَ لَسَوْفَ نَدْخُلُهَا كِرَامًا آَمِنِينْ
وُ هُنَا سَنُلْقِيَ عِبْئَنَا
وَ هُنَا سَنَنْسَى رُوحَنَا المَكْدُود ، أَحْزَان السِنِينْ
كَانَ الجَفَافُ نَصِيبُنَا وَ لِغَيْرِنَا خَصْبُ وَ ظَلْ . (2)
يرا التناص على سبيل التحالف مع الآية القرآنية»إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ« . (3) يدخل المتّقون جنّة الرحمن بسلام و أمن ، لهم فيها ما يشتهون من جنات و عيون .
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 340 .
(2) المصدر نفسه ص 300 ، 301 .
(3) سورة الحجر ، آية 46 .
ثانيا التناص من التراث العربي :
و نتناص مع التراث العربي عندما يتحقق للشاعرة جزء من أمانيها ، فتعود إلى يافا إلا أنها عودة منقوصة لا تزال يافا تقبع في الأسر تدوسها النعال الهمجية ، تقف على أبواب يافا و تبكي أطلالها قائلة :
عَلَى أَبْوَابِ يَافَا يَا أَحِبَائِي
وَ فِي فَوْضَى حُطَام الدُورِ
بَيْنَ الرَدْمِ وَ الشَوْك
وَقَفْتُ وَ قُلْتُ لِلْعَيْنَيْنِ : يَا عَيْنَيْنِ
قِفَا نَبْكِ ...
عَلَى أَطْلاَلِ مَنْ رَحَلُوا وَ فَاتُوهَا . (1)
تقف الشاعرة على أبواب يافا الجميلة و قد تحولت دورها لحطام ، مما أحدث فوضى مكانية و آلام نفسية عادت بالشاعرة كثيرا للوراء لتحاور قول امرئ القيس طلليته :
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَ مَنْزِلِ بسْقِطُ اللِوَى بَيْنَ الدُخُولِ فَحَوْمَلِ. (2)
فالشاعرة فدوى قد استثمرت طليلة امرئ القيس في الوقوف على أبواب يافا .
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 394 .
(2) فوزي عطوي ، المعلقات العشر ، دراسة و نصوص ، الشركة اللبنانية للكتاب ، بيروت ، 1969 ، ص 24 .
ترى الشاعرة بوادر نصر تلوح بالأفق ، بعد أن نهضت الشجرة و نزلت الأمطار محملة بالثورة التي جاءت عبر مخاض حتى تهتف نشيد الحرية فتنطلق بالقول :
حُرِّيَتِي حُرِّيَتِي حُرِّيَتِي
سَأَظَلُّ أَحْفِرُ اسْمَهَا حَتَى أَرَاهْ
يَمْتَدُ فِي وَطَنِي وَ يَكْبُرْ وَ يَظَلُّ يَكْبُرْ وَ يَظَلُّ يَكْبُرْ
حَتَّى يُغَطِّي كُلَّ شِبْرٍ فِي ثَرَاهْ ، حَتَّى أَرَى الحُرِيَة الحَمْرَاءْ تَفْتَحُ كُلَّ بَابْ
وَ اللَيلُ يَهْرُبُ وَ الضِيَاءُ يَدُكُّ أَعْمِدَةَ الضَبَابْ
حُرِّيَتِي حُرِّيَتِي . (1)
إن شباّن الانتفاضة الذين هبوا من رقدتهم و أصبحوا فدائيين ، يروون ثرى الوطن بالدماء الزكية ليشتروا له الحرية ، هؤلاء الشبان بعثوا الأمل في النفوس فأزهر أغنية محفورة في كل شبر من ثرى الوطن ، و تكبر معه فتصل كل الأبواب المغلقة لتفتح بنور الحرية ، ففي قولها : « حتى أرى الحرية الحمراء تفتح كل باب » ، تسحب المتلقي بقول أمير الشعراء أحمد شوقي :
وَ لِلْحُرِيَةِ الحَمْرَاءُ بَابُ بِكُلِ يَدٍ مُضْرَجَةٍ يَدُق . (2)
حيث نجد في كلا النصين وصف الحرية بالحمراء تأكيد على أنها لا تنال إلا بالدم ، و تدعم هذا المعنى في موضع آخر فتقول :
لَكِنَ لَلثَأْرِ غَدًا هِبَةُ جَارِفَةَ الهَوْلِ عُصُوفًا عِمَمُ
فَالضَرْبَةُ الصَمَّاءُ قَدْ أَلْهَبَتْ فِي كُلِ حَرٍ جِذْوَة تَضْطَرِم
لَنْ يَقْعُدَ الأَحْرَارُ عَنْ ثَأْرِهِمْ وَ فِي دَمِ الأَحْرَارِ تَغْلِي النِقَمُ .(3)
(1) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 428 .
(2)إميل كبا ، ديوان أحمد شوقي ، ج 2 ، دار الجيل ، بيروت ، 1995 ، ص 379 .
(3) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 428 .
تتناص مع الشاعر نفسه و في ذات القصيدة في :
وَ لِلأَوْطاَنِ فِي دَمِ كُلِ حُرٍ يَدٌ سَلَفَتْ وَ دِينٌ مُسْتَحَقُ . (1)
فالأحرار لا ينامون عن حقهم و لا يهدأون مادامت الأوطان لا تنعم بالحرية ، لذا يملأ الأمل قلب الشاعرة ووجدانها أمل دافق بعودة الحق على يد هؤلاء الأبطال .
و لها في التناص مع الشاعر المهجري إليا أبو ماضي لقاءات كثيرة منها قوله في قصيدة ﴿ الدمعة الخرساء ﴾ :
أَكَذَا نَمُوتُ وَ تَنْقَضِي أَحْلاَمُنَا فِي لَحْظَةٍ وَ إِلَى التُرَابِ نَصِيرْ
وَ تَمُوجُ دِيدَانُ الثَرَى فِي أَكْبُدٍ كَانَتْ تَمُوجُ بِهَا المُنَى وَ تَمُورْ . (2)
حيث تقول :
ذَاكَ جِسْمِي تَأْكُلُ الأَيَامُ مِنْهُ وَ اللَيَالِي
وَ غَدًا تُلْقِي إِلَى القَبْرِ بَقَايَاهُ الغَوَالِي
وَيْ !كَأَنِي أَلْمَحُ الدُودَ وَ قَدْ غَشَى رُفَاتِي
سَاعِيًا فَوْقَ حُطَامٍ كَانَ يَوْمًا بَعْضَ ذَاتِي
عَائِثًا فِي الهَيْكَلِ النَاخِرِ، يَا تَعِسُ مَا لِي! (3)
نجد من خلال قراءتنا للنصين ، أن المعنى عند كليهما واحد إلا أن إليا أبو ماضي تناوله في شطرين شعريين ، بينما فدوى تناولته في خمسة أسطر .
(1)إميل كبا ، ديوان أحمد شوقي ، مداخله و تحقيق ، ص 379 .
(2) زهير ميرزا ، ديوان إليا أبو ماضي ، دار العودة ، بيروت ، ص 363 .
(3) فدوى طوقان ، الأعمال الكاملة ، ص 12 .
الخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـاتمة
نخلص بعد انتهائنا من إنجاز هذه الدراسة ، و التي عالجنا فيها موضوعا أدبيا مهما و هو الحداثة و التجديد في الشعر العربي المعاصر .
و اخترنا كنموذج الشاعرة الفلسطينية المعاصرة فدوى طوقان شاعرة الصمود و المقاومة . و لا يخفى على أحد حجم المعاناة التي كبحت مشاعر هذه الشاعرة و حرمتها من أبسط حقوقها في وطنها فلسطين و كل الشعب الفلسطيني ، و التي هي واحدة من أعلام الأدب الرمزي العربي الحر ، مستخدمة الشعر و الأدب لتخدم المرأة الفلسطينية و تؤرخ قضية شعبها الوطنية .
فمن أهم النتائج التي توصلنا إليها ، تلك الإرادة الكبرى عند شاعرتنا و التي جعلتها تشد التغيير أسلوبا و منهجا و هدفا ، فتراها دائمة التجديد في قصائدها مخاطبة قلوب شعبها هادفة إلى تبيان مساوئ المستعمر ، الذي نجدها ترمز له بعدة رموز في قصائدها فهي تستخدم الطوفان ، و الأفاعي و غيرها من الرموز ، و التعبير عما يختلج في صدرها من مشاعر ، و محرضة الشعب العربي و الفلسطيني خاصة على استرجاع ما ضاع ، و هذا ما لمسناه عندها .
ليس ثمة شك أن حركة التجديد و التحديث في الشعر العربي المعاصر لم تكن مجرد تحول في شكل القصيدة القديمة التي ظلت سائدة مدة طويلة ، بل عبرت عن حاجة فكرية و اجتماعية و نفسية أملتها ضرورات الواقع المتغير ، و أسهمت في بلورتها عملية الانفتاح على الآخر ، فكانت بذلك تجسيدا لوعي جديد .
ليس الشعر الحديث و الجديد تمردا على القيود الشكلية الصارمة ، و إنما تغير جذري في رؤية الشاعر ، و في أسلوب تعامله مع اللغة ، إذ لا يمكن التخلص من تلك القيود الشكلية المتعلقة بالوزن و القافية إلا جانب من جوانب التغيير الشامل الذي ألم بالشعراء .
التنوع في حروف الروي و القافية و تعدد البحور في القصيدة الواحدة ، أدى إلى التغير في التشكيل الموسيقي و بنيتها ، و تشكيل الصورة فيها حيث استطاع الشعر الحديث و الجديد أن ينتقل من الألوان التقليدية إلى المعاني النفسية العليا و الآفاق الروحية و الاجتماعية و الفنية ، إذ أصبح الشعر يتناول موضوعات المدينة و الموت و الثورة و الحب و المرأة . و هذا ما رأيناه من خلال دراستنا لمظاهر الحداثة و التجديد في الشعر العربي المعاصر .
الشعر الحديث و الجديد نابع من عاطفة الشاعر ، فهو تعبير عن تجربة ذاتية ، هذا ما جعله يتميز بوضوح الفكرة و جودة الأداء .
قــــــــــــائمة المصادر والمراجع
قائمة المصادر و المراجع
القرآن الكريم
المصادر:
المصادر الأدبية :
1. ابن فارس الحسين زكريا ، مقاييس اللغة ، مطبعة اتحاد كتاب العرب ، القاهرة ، ج 1 ، 2002
2. ابن كثير الدمشقي ، تفسير القرآن العظيم ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، مج 4 ، ط 1 ، 1998 .
3. ابن كثير الدمشقي ، تفسير القرآن العظيم ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، مج 8 ، ط 1 ، 1998 .
4. ابن منظور ، لسان العرب ، منشورات محمد علي بيضون ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، مج 3 ، ط 1 ، 2003 .
5. الجوهري اسماعيل ، الصحاح ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط 4 ، 1990 .
6. الخليل بن احمد الفراهدي ، كتاب العين ، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي ، و ابراهيم السامراتي ، دار الرشيد للنشر ، العراق ، 1982 .
7. الزمخشري ، أساس البلاغة ، مطبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة ، 1932 .
8. محمد بن أحمد الأزهري ، تهذيب اللغة ، مطابع سجل العرب ، القاهرة ، مج 4 ، دط ، دس .
المصادر الشعرية :
1. أدونيس علي أحمد سعيد ، الآثار الكاملة ، دار العودة ، بيروت ، مج 2 ، ط 2 ، 1971 .
2. أدونيس ، ها أنت أيها الوقت ، دار الآداب ، بيروت ، ط 1 ، 1971 .
3. إميل كبا ، ديوان أحمد شوقي ، دار الجيل ، بيروت ، ج 2 ، 1995 .
4. خليل حاوي ، الديوان ، دار العودة ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، 1972 .
5.
89
زهير مبرزا ، ديوان إيليا أبو ماضي ، دار العودة ، بيروت ، دط ، دس . 6. فدوى طوقان ، الأعمال الشعرية الكاملة ، المؤسسة العربية للطباعة و النشر ، بيروت ، ط 1 ، 1993 .
7. نازك الملائكة ، قضايا الشعر العربي المعاصر ، دار العلم للملايين ، مكتبة النهضة ، بغداد ، ط 2 ، 1965 .
المراجع :
1. ابراهيم خليل ، مدخل لدراسة الشعر العربي الحديث ، دار المسيرة للنشر و التوزيع ، عمان ، ط 1 ، 2003 .
2. ابراهيم روماني ، الغموض في الشعر العربي الحديث ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر ، دط .
3. ابراهيم روماني ، المدينة في الشعر العربي الجزائري ، المؤسسة الوطنية للفنون ، مطبعة الرغاية ، الجزائر ، 2002 .
4. أبو السعود سلامة أبو السعود ، الإيقاع في الشعر العربي ، دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر ، الاسكندرية ، دط ، 2002 .
5. احسان عباس ، اتجاهات الشعر العربي المعاصر ، دار الشرق للنشر و التوزيع ، عمان ، ط 3 ، 2001 .
6. أحلام حلوم ، النقد المعاصر ، دار الشجرة ، دمشق ، ط 1 ، 2000 .
7. أدونيس ، مقدمة للشعر العربي ، دار العودة ، بيروت ، ط 4 ، 1983 .
8. السعيد الورقي ، في الأدب العربي المعاصر ، دار النهضة العربية للطباعة و النشر ، بيروت ، ط 1 ، 1994 .
9. جهاد فاضل ، قضايا الشعر الحديث ، دار الشروق ، بيروت ، ط 1 ، 1984 .
10. حامد حنفي داود ، تاريخ الأدب الحديث ، تطوره ، معالمه الكبرى ، مدارسه ، ديوان المطبوعات الجامعية ، بن عكنون ، الجزائر ، ط 1 ، 1993 .
11. خالد سعيد ، الملامح الفكرية للحداثة ، مجلة الفصول ، دط .
12.
90
خليل الموسى ، قراءات في الشعر العربي الحديث و المعاصر ، منشورات اتحاد كتاب العرب ، دمشق ، 2000 . 13. خليل كمال الدين ، الشعر ، الشعر العربي الحديث و روح العصر ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط 1 ، 1964 .
14. داود غطاشة ، راضي حسين ، قضايا النقد العربي قديمها و حديثها ، الدار العلمية الدولية للنشر و التوزيع ، عمان ، ط 1 ، 2000 .
15. رجاء عيد ، التجديد الموسيقي في الشعر العربي ، دراسة تأصيلية ، تطبيقية بين الجديد و القديم لموسيقى الشعر العربي ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، دط ،دس .
16. رجاء عيد ، لغة الشعر ، قراءة في الشعر العربي المعاصر ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، ط 1 ، 2003 .
17. رمضان الصباغ ، نقد الشعر العربي المعاصر ، دراسة جمالية ، دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر ، ط 1 ، 1998 .
18. سعيد الورق ، لغة الشعر العربي الحديث ، مقوماته الفنية و طاقاتها الإبداعية ، دار المعرفية الجامعية ، اسكندرية ، 2004 .
19. سعيد بن زرقة ، الحداثة في الشعر العربي ، أدونيس نموذجا ، أبحاث الترجمة و النشر و التوزيع ، بيروت ، ط 1 ، 2004 .
20. سلمى الخضراء الجيوسي ، الاتجاهات و الحركات في الشعر العربي الحديث ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، ط 1 ، 2001 .
21. سنداوي خالد ، الصورة الشعري عند فدوى طوقان ، دار المشرق للترجمة و الطباعة و النشر ، القاهرة ، 1993 .
22. شاكر النابلسي ، فدوى طوقان و الشعر الأردني المعاصر ، الدار القومية للطباعة و النشر ، 1963
23. شكري عياد ، موسيقى الشعر العربي ، دار المعرفة ، القاهرة ،ط 1 ، 1968 .
24. شلتاغ عبود شراد ، حركة الشعر الحر في الجزائر ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، الجزائر ، 1985
25. صابر عبد الدايم ، شعراء و تجارب ، دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر ، الاسكندرية ، ط 1 ، 2001 .
26. صابر عبد الدايم ، موسيقى الشعر العربي بين الثبات و التطور ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط 3 ، 1993 .
27.
91
طه وادي ، جماليات القصيدة المعاصرة ، الشركة المصرية العالمية للنشر ، لونجمان ، ط 1 ، 2000 28. عبد الحكيم العيد ، علم العروض الشعري في ضوء العروض الموسيقي ، دار غريب للطباعة و النشر و التوزيع ، القاهرة ، ط 2 ، 2004 .
29. عبده بدوي ، نظرات في الشعر العربي الحديث ، دار قباء للطباعة و النشر و التوزيع ، القاهرة ، 1998 .
30. عثمان حشلاف ، التراث و التجديد في شعر السياب ، دراسة تحليلية جمالية في مواده ، صوره ، موسيقاه ، و لغته ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، دط .
31. عز الدين اسماعيل ، الشعر العربي المعاصر ، قضاياه و ظواهره الفنية و المعنوية ، دار العودة و دار الثقافة ، بيروت ، ط 3 ، 1981 .
32. عمر يوسف قادري ، التجربة الشعرية عند فدوى طوقان ، بين الشكل و المضمون ، دار همومة ، بوزريعة ، الجزائر ، د ط .
33. غريد الشيخ ، فدوى طوقان ، شعر و التزام ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، ط 1 ، 1994 .
34. فتيحة ابراهيم صرصور ، خصائص الأسلوب في شعر فدوى طوقان ، دار الصداقة للنشر و التوزيع ، غزة ، فلسطين ، 2005 .
35. فدوى طوقان ، دراسات يوسف بكار ، دار المناهل للطباعة و النشر و التوزيع ، ط 1 ، 2004
36. فضل تامر ، مدارات نقدية ، دار الشؤون الثقافية العامة ، العراق ، ط 1 ، 1987 .
37. فوزي عطوي ، المعلقات العشر ، دراسة و نصوص ، الشركة اللبنانية للكتاب ، بيروت ، 1969 .
38. كامل السوافري ، الشعر العربي الحديث في مأساة فلسطين ، مطبعة النهضة ، مصر ، ط 1 ، 1963 .
39. كميليا عبد الفتاح ، القصيدة العربية المعاصرة ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، 2006 .
40. محمد أحمد ربيع ، في تاريخ الأدب العربي الحديث ، دار الفكر ، عمان ، الأردن ، ط 1 ، 2006
41. محمد حمودة ، الحداثة في الشعر العربي المعاصر ، بيانها و مظاهرها ، الشركة العالمية للكتاب ، بيروت ، ط 1 ، 1976 .
42. محمد عبد الحميد ، في ايقاع الشعر العربي و بيئته ، دار الوفاء ، الاسكندرية ، ط 1 ، 2005 .
43.
92
محمد عبد المنعم خناجي ، الأدب العربي الحديث و مدارسه ، دار الطباعة المحمدية ، القاهرة ، د ط ، د س . 44. محمد عبد الواحد حجازي ، ظاهرة الغموض في الشعر الحديث ، دار الوفاء ، ط 1 ، 2001 .
45. محمد علي كندي ، الرمز و القناع في الشعر العربي المعاصر ، دار الكتب الوطنية ، بنغازي ، ليبيا ، ط 1 ، 2003 .
46. محمد محمد حسن تراب ، شعراء فلسطين في العصر الحديث ، الأهلية للنشر و التوزيع ، عمان ، الأردن ، ط 1 ، 2006 .
47. محمد مصايف ، النقد الأدبي الحديث في المغرب العربي ، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع ، الجزائر ، 1979 .
48. محمد مصطفى أبو شوارب ، ايقاع الشعر العربي ، تطوره و تجديده ، دار الوفاء ، الاسكندرية ، ط 1 ، 2005 .
49. محمد مصطفى أبو شوارب ، جماليات النص الشعري ، دار الوفاء ، ط 1 ، 2005 .
50. محمد مفتاح ، تحليل الخطاب الشعري ، استراتجية التناص ، الدار البيضاء ، المغرب ، ط 2 ، 1986 .
51. مصطفى السيوفي ، تاريخ الأدب العربي الحديث ، الدار الدولية للاستثمارات الثقافية ، القاهرة ، مصر ، ط 1 ، 2008 .
52. مصطفى حركات ، الشعر الحر ، أسسه و قواعده ، الدار الثقافية للنشر و التوزيع ، القاهرة ، ط 1 ، 1998 .
53. مصطفى عبد الشافي ، في الشعر الحديث و المعاصر ، دار الوفاء للطباعة و النشر و التوزيع ، الاسكندرية ، 1998 .
54. يوسف الخال ، الحداثة في الشعر العربي ، دار الطليعة للطباعة و النشر ، بيروت ، 1978 .
55. يوسف عز الدين ، التجديد في الشعر الحديث ، بواعثه النفسية و جذوره الفكرية ، دار الطباعة و النشر ، القاهرة ، ط 1 ، 1985 .
القواميس :
v الموسوعة الكبيرة ، لاروس ، مكتبة لاروس ، باريس ، 1979 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق