الأربعاء، 30 ديسمبر 2015

قصائد لفدوى طوقان ...


قصائد لفدوى طوقان
 


كان حمزة

واحداً من بلدتي كالآخرين

طيباً يأكل خبزه

بيد الكدح كقومي البسطاء الطيبينْ

قال لي حين التقينا ذات يوم

وأنا أخبط في تيهِ الهزيمة :

اصمدي ، لا تضعفي يا بنةَ عمي

هذه الأرضُ التي تحصدها نارُ الجريمة

والتي تنكمشُ اليوم بحزنٍ وسكوتْ

هذه الأرض سيبقى

قلبُها المغدورُ حياً لا يموتْ

هذه الأرض امرأة

في الأخاديد وفي الأرحام سر الخصب واحدْ

قوة السر التي تنبت نخلاص وسنابلْ

تنبت الشعب المقاتلْ

دارت الأيامُ لم التقِ فيها بابنِ عمي

غير أني كنت أدري

أن بطنَ الأرضِ تعلو وتميدْ

بمخاضٍ وبميلادٍ جديدْ



هذا الكوكب الأرضي


لو بيدي

لو أني أقْدر أن أقْلِبه هذا الكوكبْ

أن أفرغه من كل شرور الأرضْ

أن أقتلِعَ جذورَ البُغضْ

أن أُقصي قابيلَ الثعلبْ

أقصيه إلى أبعد كوكبْ

أن أغسل بالماء الصافي

إخْوة يوسفْ

وأطهّرُ أعماق الإخوة

من دنسِ الشرْ

***

لو بيدي

أن أمسح عن هذا الكوكبْ

بصمات الفقرْ

وأحرّره من أسْر القهرْ

لو بيدي

أن أجتثّ شروش الظلمْ

وأجفّف في هذا الكوكبْ

أنهار الدمْ

لو أني أملك لو بيدي

أن أرفع للإنسان المتعبْ

في درب الحيرة والأحزان ْ

قنديل رخاء واطمئنانْ

أن أمنحه العيش الآمِنْ

لكن ما بيدي شيْء

إلاّ لكنْ

لو أني أملك أن أملأه هذا الكوكبْ

ببذور الحبّْ

فتعرِّش في كلّ الدنيا

أشجار الحبّْ

ويصير الحب هو الدنيا

ويصير الحب هو الدربْ

***

لو بيدي أن أحميه هذا الكوكبْ

من شر خيار صعبْ

لو أني أملك لو بيدي

أن أرفع عن هذا الكوكبْ

كابوس الحربْ


  أغسطس/آب 2000


رجاءً لا تمُتْ


يا أخا الروحِ رجاءً لا تمُتْ

أو فخُذْ روحي معك

ليتني أحمِلُ عن قلبكَ ما

يوجع قلبك

لو ترى كم رفع القلبُ إلى اللّه

صلاة القلب كي يشفي بروح منه جُرحَك

يا أخا الروح رجاءً لا تمُتْ

نقطةُ الضوءِ بعمري أنت

نبراسي المضيء

ابْقَ لي أرجوك

ابْقَ الضوءَ والنكهةَ والمعنَى

وأحلى صفحةٍ في سِفْر شِعري

وّجَت آخرَ عمري

حلمٌ

حلمتُ...

رأيت قصائد قلبي التي لم أقلها

تموت واحدة بعد أخرى

حزنتُ... وقمت إليها

ألملمها جثثًا ورفاتْ

بكيت عليها وغسلّتها بالدموعْ

وسلّمتها لمهب الرياحْ

رجعت بخفي حنينْ

بكفين فارغتين

وظل شرود حزين يدبّ على مقلتيّ

وذكرى

بنيتُ لها معبدًا يتهجدُ قلبي لديه

ويضئُ الشموع

لذكرى قصائد ماتتْ

وليس لها من رجوعْ


إلى أين؟


إلى أين تنأين عن جاذبية شيءٍ مقدّرْ

يشدك قسرًا إليه؟

رويدك مَهْمَا تشبثت أنت بذيل القرار

ما من مفرْ

بأي جناحين أنت تطيرين هاربة منه

طيري كما شئت نحو أقاصي المدى

جناحاك من طينةِ الشمعِ الشمسُ

ملء الأقاصي وما من مفرْ

أنشودةٌ للحبِّ

كان وراء البنت الطفلةِ

عشرةُ أعوامْ

حين دعته بصوتٍ مخنوقٍ بالدمعِ:

حنانك خذني

كن لي أنت الأبَ

كن لي الأمّ

وكن لي الأهلْ

وحدي أنا

لا شيء أنا

أنا ظلّ

وحدي في كون مهجور

فيه الحبُّ تجمّدْ

فيه الحسُّ تبلّدْ

وأنا الطفلةُ تصبو للحبِّ وتهفو

للفرحِ الطفْليِّ الساذجْ

للنطّ على الحبلِ

وللغوصِ بماءِ البركةِ

للّهو مع الأطفالْ

لتسلّق أشجارِ الدارْ

القمعُ يعذبني

والسطوة ترهبني

والجسم سقيمٌ منهار

أرفعُ وجهي نحو سماءِ الليلْ

أهتفُ

أرجُو

أتوسّل:

ظلّلني تحت جناحيكَ

أغثني

خذني من عشرة أعوامِي

من ظلمةِ أيامي خذنِي

وسّعْ لي حضنَك دَعْني

أتوسَّدُ صدرَك امنحني

أمنًا وسلام

يا بلسمَ جرحِ المطحونينْ

وخلاص المنبوذين المحرومينْ

خذني!

خذني!

يجري نهرُ الأيام يمرُّ العامُ

وراءَ العامِ وراءَ العامِ

الطفلةُ تكبَرُ والأنثى

وردةُ بستانْ

تتفتّح والأطيارُ تطوفْ

وتحوم رفوفًا حول الوردةِ

بعد رفوفْ

الزّمنُ الصعْبُ يصالحها

ومجالي الكوْن تضاحكها

والحبُّ يفيضُ عليها

من كلّ جهات الدنيا

ويطوّقها بتمائمه

ويباركها بشعائِرِه

ويساقيها من كوثرِهِ

ما أحلى الحبّ وما أبهاه!

الأنثى الوردةُ بعد سُراها

وتخبّطها في ليلِ متاههْ

تتربَّعُ في ملكوتِ الحبّْ

تصير إلههْ

هالاتُ النورِ تتوّجُها

وتلاطفها قُبَلُ الأنسامْ

ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!

فيه الليلُ سماءٌ تَهْمِي

تُمطر موسيقى وقصائدْ

وقناديلُ الكلماتِ تصبُّ

الضوءَ على أملٍ واعدْ

ما أحلى الحبّْ!

تتفتح فيه عيون القلبْ

ما أحلاه حين يمسُّ شغافَ القلبِ

فيبصرُ ما لا يبصرهُ العقلُ ويدرِكُ

ما لا يدركه الفكرُ ويسبرُ ما لا

تبلغُهُ الأفهامْ

ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!

كونٌ مكتملٌ ومعافى

لم يتشظَّ ولم يتمزَّقْ

يتناسق فيه العمرُ ويمسي

إيقاعًا كونيّ الأنغامْ

تتماهى فيهِ (أنا) مع (أنتْ)

تزهو بحوارٍ موصولٍ

حتى في الصمتْ

ما أحلى الحبّ وما أبهاهْ!

يحيا بين يديْه رميمْ

تندى أرضٌ, تحضرُّ عظامْ

فيه الزمنُ المسحورُ يقاسُ

بدقّاتِ القلبِ المبهورْ

لا بالسَّاعاتِ يُقاس ولا

بتوالي الأشهرِ والأعوامْ

ما أحلى الحبّْ!


إنه اللّحن الأخير


ما الّذي يملك أن يفعله قلبْ

يظلُّ الشعرُ والحبُّ قرينين من الجنّ

لصيقين به لا يبرحانه

ما الذي يملك أن يفعله قلبٌ على

طول المدى

هو طفل الحبّ يمضي سادرًا في غيّه

لا ينثني عن عنفوانه

ما الذي يملك أن يفعله قلبٌ

يحبُّ الحبَّ للحبِّ وللشعرِ

وللمعنى الجميلْ

يا له قلبًا حزينْ

مستعيذًا برؤى الشّعر ودفءِ الحبّ من

هجمَةِ العمرِ ومن وطءِ السنينْ

ما الذي يملك أن يفعله

خافقٌ ينبض بالشّعرِ وللشّعرِ عليه

سطوة السيّد والمولى الأمير!

يا حياءَ العمرِ, يا هذا الخجولْ

إنّ هذا قدَرُ العمر وهذا

آخرُ الإيقاعِ في اللّحنِ الأخيرْ

إنه اللحنُ الأخيرْ

في هذا الوقت

النوم عصيّْ

والليل تطول مسافته

والصمت رفيقْ

يا سيّد قلبي يتمنّى

قلبي في هدأة هذا الليل

لو يعبر حُلْمك بعض الوقت

لو يدخل في طيات الحلم

ويسرب طيفًا في عينيك

يتسلل من تحت الأجفانِ

ليلامسَ جبهتَك السمراء

ويرشف دفء يديك

يا سيّد قلبي يتمنّى

قلبي في هذا الوقت

لو يزرعُ عند وسادة ِرأسِك

وردة حبّ

تحكي في همسٍ عن شوقْ

يتجدّدُ في مجراه كما

يتجدّد ماء النهر

تنبيك بأنك في شعري

أنت المعنَى أنت الرمزْ

إنك إيقاعُ حياتي

والنغم الأحلى في عمري

تحكي في همس عن حبٍّ

هو أغربُ حبّ

حبُّ الأختِ أخاها

حبُّ الأم لواحدِها

حبُّ صديقٍ لصديقْ

يا سيّدي قلبي

هذا حبي الظاهرُ لكن

في قلبي شيءٌ آخرُ

يختبئُ وراءَ الصمتْ

ليتك تفهمني في صمتي

في صمتي رؤيا تتّسع وتكبرُ

والكلمات تضيقْ!


رجوع إلى البحر


إنّا سنمضي يا جزيرة حُلْمنا

لا تمسكينا بعدُ ، يكفينا بأرضك ما لقينا

أَلَقَاً سَرَابيّاً لقينا

وخيوط ضوء واهيات غرَّرتنا

لما دعتنا

ورَمَتْ بنا في القفر ، في العَبَثِ المُريعِ وضيَّعتنا

* * *

لما رأينا من بعيدٍ ظِلَّكَ الرَّطْبَ الظليلْ

يُومي ويدعو خَطْوَنا التَّعِب الكليلْ

قلنا وصلنا واسترحنا

ولسوف ندخلها كِراماً آمنين

وهنا سنُلقي عِبْئَنا

وهنا سينسى روحُنا المكدودُ أحزانَ السنينْ

قلنا وقلنا

وعلى رَفيفِ مروجِك الخضراءِ ضاحكْنا الرجاءْ

اللهَ ما أحلى الرجاءْ

للتائهين على الطريق

للمُدْلِجينَ بلا رفيق

قلنا وقلنا

لكن وَهَمنا ، يا سذاجة ما وَهَمنا

لما أتينا ثمَّ ألْقَيْنَا رواسِينَا بأرضك حالمينْ

* * *

جئنا نلملمُ ما تبعثرَ من خُطَى أعمارِنَا

ونشقُّ أتلامَ الهوى لبِذَارِنَا

ولقد مضينا نزرع الأشواقَ ، والحب المنضِّر ، والحنين

لكن علمنا بعد حين

أنَّا زَرَعْنَا زَرْعَنا في المِلح ، في الأرضِ البَوَارْ

أنَّا ضَلَلْنَا حينَ ألقَيْنا البِذَار

في قَلْبِ أرضٍ لا تَغِلّ

كان الجفافُ نصيبَنَا ، ولغيرنا خِصْبٌ وظِلّ

* * *

لا تمسكينا يا جزيرةَ حُلْمِنَا

إنَّا سنمضي عنك ، لن نبقى هنا

نُعطيك من أشواقنا عبثا ومن أعمارنا

فيضِي وأعطي الآخرين

من خِصبكِ المغداق ، أعطي للسِّوى ِظلاًّ وماءْ

فلقد عَزَفْنَا عنك ، أفرغْنَا القلوبَ من الرجاءْ

* * *

إنَّا سنَمضي عن شواطئك الملوَّنةِ الضَّحُوكْ

سنعود نُسلم للرياحِ شرَاعَنَا

ونظلُّ نحمل تِيهَنَا وضَيَاعَنَا

يا تِيهَنَا وضَيَاعنا

في الصاخب الهدّارِ ، في هذا الخِضَمِّ بلا قرار

سنصارع الموجَ الكبير

وهناك نُعطي عُمْرَنَا

للصاخبِ الهدَّارِ نُعطي عُمْرَنَا

وكفاحنا

وهناك سوف نواجه التِّيهَ المحتَّمَ والمصيرْ

ونحن نحضن كِبْرَنا

وجراحَنَا


لن أبكي


"إلى شعراء المقاومة في الأرض المحتلة منذ عشرين عاماً .. هدية لقاء في حيفا" (4 / 3 / 1968)


على أبواب يافا يا أحبائي

وفي فوضى حطام الدور .

بين الردمِ والشوكِ

وقفتُ وقلتُ للعينين :

قفا نبكِ

على أطلال من رحلوا وفاتوها

تنادي من بناها الدار

وتنعى من بناها الدار

وأنّ القلبُ منسحقاً

وقال القلب : ما فعلتْ ؟

بكِ الأيام يا دارُ ؟

وأين القاطنون هنا

وهل جاءتك بعد النأي ، هل

جاءتك أخبارُ ؟

هنا كانوا

هنا حلموا

هنا رسموا

مشاريع الغدِ الآتي

فأين الحلم والآتي وأين همو

وأين همو؟

ولم ينطق حطام الدار

ولم ينطق هناك سوى غيابهمو

وصمت الصَّمتِ ، والهجران

وكان هناك جمعُ البوم والأشباح

غريب الوجه واليد واللسان وكان

يحوّم في حواشيها

يمدُّ أصوله فيها

وكان الآمر الناهي

وكان.. وكان..

وغصّ القلب بالأحزان

*

أحبائي

مسحتُ عن الجفون ضبابة الدمعِ

الرماديهْ

لألقاكم وفي عينيَّ نور الحب والإيمان

بكم، بالأرض ، بالإنسان

فواخجلي لو أني جئت القاكم –

وجفني راعشٌ مبلول

وقلبي يائسٌ مخذول

وها أنا يا أحبائي هنا معكم

لأقبس منكمو جمره

لآخذ يا مصابيح الدجى من

زيتكم قطره

لمصباحي ؛

وها أنا أحبائي

إلى يدكم أمدُّ يدي

وعند رؤوسكم ألقي هنا رأسي

وأرفع جبهتي معكم إِلى الشمسِ

وها أنتم كصخر جبالنا قوَّه

كزهر بلادنا الحلوه

فكيف الجرح يسحقني ؟

وكيف اليأس يسحقني ؟

وكيف أمامكم أبكي ؟

يميناً ، بعد هذا اليوم لن أبكي !

*

أحبائي حصان الشعب جاوزَ –

كبوة الأمسِ

وهبَّ الشهمُ منتفضاً وراء النهرْ

أصيخوا ، ها حصان الشعبِ –

يصهلُ واثق النّهمه

ويفلت من حصار النحس والعتمه

ويعدو نحو مرفأه على الشمسِ

وتلك مواكب الفرسان ملتمَّه

تباركه وتفديه

ومن ذوب العقيق ومنْ

دم المرجان تسقيهِ

ومن أشلائها علفاً

وفير الفيض تعطيهِ

وتهتف بالحصان الحرّ : عدوا يا –

حصان الشعبْ

فأنت الرمز والبيرق

ونحن وراءك الفيلق

ولن يرتدَّ فينا المدُّ والغليانُ –

والغضبُ

ولن ينداح في الميدان

فوق جباهنا التعبُ

ولن نرتاح ، لن نرتاح

حتى نطرد الأشباح

والغربان والظلمه

*

أحبائي مصابيحَ الدجى ، يا اخوتي

في الجرحْ ...

ويا سرَّ الخميرة يا بذار القمحْ

يموت هنا ليعطينا

ويعطينا

ويعطينا

على طُرقُاتكم أمضي

وأزرع مثلكم قدميَّ في وطني

وفي أرضي

وأزرع مثلكم عينيَّ

في درب السَّنى والشمسْ
 

ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة