السبت، 3 أكتوبر 2015

زيادة الحروف بين التأييد والمنع وأسرارها البلاغية في القرآن الكريم ...


زيادة الحروف بين التأييد والمنع وأسرارها البلاغية

في القرآن الكريم

رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في البلاغة 

كلية اللغة العربية جامعة أم القرى


الباحثة: هيفاء عثمان عباس فدا


إشراف: أ.د: محمد محمد أبو موسى


1426هـ - 1996 م


   لما كانت قيمة أي عمل ترجع قبل كل شيء إلى طبيعة البواعث التي دفعت إلى الخوض فيه , ولما كنت وقفتُ على مقولة القول بالزيادة في القرآن الكريم , و هي مقولة لها شأنها و خطرها , لأنها لا تتفق و حقائق نظم بلاغة القرآن الكريم ، فكان أن توفرت عليها بياناً و تحقيقاً , وقد وجدتُ أنّه من التسرع غير الجائز وغير المقبول الحكم بأنّ الزيادة مما وقع في القرآن الكريم هكذا بإطلاقه ,و الأمر في واقعه غير ذلك إذ من الممكن صياغة نظرية ترد المسألة إلى جذورها الأولى , و تستخلص مجموعة من المفاهيم قاد إليها النص القرآني , و قاد إليها ما فهم من كلام العلماء حول هذه الظاهرة .

  ففي التمهيد , ذكرتُ أنّ ظاهرة الزيادة في القرآن الكريم - وهي من المظاهر التي شغلت عقول الدارسين قديماً و حديثاً - ليست مطلقة , و العبرة في ذلك بطبيعة السياق و موقع الكلام و وظيفته البلاغية ; إذ ثبتّ أنّ القول بالزيادة قول فاسد , و أنَّ القول بها أبعد عن مفهوم البيان و أقرب إلى الإيهام .

  و ما ذكره العلماء عن الزيادة لفائدة يتعارض مع بناء القرآن الكريم كله على الإيجاز , فحتى مواطن تفصيله و إطنابه هي في الحقيقة مواطن إيجاز , كما أنّه يتعارض مع فكرة التطويل و التي يعاب بها الكلام , و قد تنزّه كلام الله تبارك و تعالى عن ذلك , و يتعارض مع نظرية النظم التي وضعها الشيخ عبد القاهر الجرجاني و مؤداها أنّ كل حرف في العبارة له دلالة . ثم إنّ معظم المواطن التي قال فيها العلماء بالزيادة هي في حقيقتها عند التدقيق مواطن إيجاز بحذف كلمة أو جملة , فكيف يجتمع الإيجاز و الإطناب و هما ضدان؟ فضلاً عن أنّ طبيعة المقام تقتض نسقاً من الكلام محكماً لو حذف منه حرف أو ادعى زيادته وأنّ معناه الطرح أو الإلقاء أو النزع أو السقوط ...إلخ ما قالوا لاختل البناء تماماً , و لضاع المعنى , وقد بريء كلام الله تعالى من ذلك .

   و في الباب الأول , وهو : " الحروف بين الأصالة والزيادة "

في فصله الأول : " القائلون بالزيادة " تبيّن أنّ التروّي في فهم كلام علمائنا يكشف لنا أنّهم يكادون يجمعون على الحكم بعد الزيادة , إلا أنّهم يتعاملون مع النصوص بطرق مختلفة أو من زوايا متعددة فيقولون بالزيادة أحياناً , ولهذا فليس من المستغرب أن تتكون لكل عالمٍ نظرته الخاصة بحسب منظوره و تنتظم مع عدد كبير من العلماء الآخرين .

  وقد كنت أضيق ذرعاً في بعض الأحيان من إطلاق لقول بالزيادة من غير ضابط , لأنها تخالف ظاهر السياق أو ما استقر عند العالم من معرفة بإثبات الأصالة . وقد ظهر في هذا الفصل أنّ العالم قد يقع في كلمه في ما يفهم منه الإشارة إلى لونين من الزيادة , إمّا ما معناها السقوط و أنّ دخول الحرف كخروجه لا يؤثر لفظاً ولا معنىً . و إمّا ما هي لفائدة و التي ترتبط بالتوكيد غالباً . وقد يذكر العالم اللغو و يريد به لغو اللفظ و الإعراب و العمل و الذي يعني انقطاع لمحة إعراب لا لغو المعنى . كما وجدتُ العالِم قد يرفض القول بالزيادة و المنسوبة إلى عالم آخر سبقه , لأنها لا تتناسب و طرائق تفكيره, وهكذا . كا لحظتُ مواطن اختلف فيها لقول عند العالِم تجاه الظاهرة الواحدة , فد يذكر الزيادة في مواطن , ثم يعالن في مواطن أخرى بإثبات الأصالة معتمداً على معنىً كلّي للحرف , أو ربطه بلفظ قبله , أو تضعيفه الزيادة مراعاة لقواعد النحو لأنّه ليس محال زيادة الحرف , او توجهه لبيان الأثر المعنوي للحرف دون إشارة إلى زيادته, أو حكه على القول بالزيادة أنه مفسد للمعنى , أو أن الأصل الأولى من الزيادة درءاً للتناقض.. إلخ ما قالوا . و لم أجد لذل مسوغاً إلا الالتزام بقواعد النحو و أصوله مع أنّ لنا عن ذلك مندوحة لوجود وجوه أخرى يكون بها الحرف أصلياً إعراباً و معنىً. ولا يخفى أنّ فرط العناية بالعمل الإعرابي من غير نظر إلى وظيفة أخرى للحرف كان له أثر كبير في القول بالزيادة , وليس هذا هجوماً على النحو ولا على أصوله و إنّما هو بيان للموقف و شرح له , وقد استقام هذا الوجه في ضوء نظرية النظم و مؤداها أنّ لكل كلمة مع أختها معنًى يستجاد , فلا وجه للقول بالزيادة , وأنّ دخول الحرف كخروجه , وحسب أولئك العلماء الأجلاء تدقيقهم في الجانب الإعراب الذي عنوا به , وقد وصفوا اللغة أجل وصف , وبينوا طرائق التركيب .

   وفي الفصل الثاني , وهو : " القائلون بالأصالة" ثبت فيه أنّ القول بأصالة الحرف هو الأصل , وأنّه لا زائد في القرآن الكريم , فما من حرف ولا حركة في القرآن إلا وفيه فائدة , ثم إنّ العقول البشرية تدرك بعضها ولا تصل إلى أكثرها , وما أوتي البشر من العلم إلا قليلاً , وأنّه ليس في القرآن ما لا معنى له , وأن الحكم بأن كلمة من كتاب الله لغو لا فائدة فيها مشكل صعب , وأنّ الزيادة مما لا يليق أن يحمل كلام الله تعالى عليه و غير جائز إضافته إلى الله جل ثناؤه, و ذلك من وجوه :

أبرزها :

   أنّ القول بالزيادة يوسّع دائرة التطول الذي ينقل من الحرف إلى الجملة فالجملتين فيبطل الكلام , كما قال الطبري , وهو كلام حسن جداً و دليل قوي على بطلان فكرة الزيادة عنده . وأنّه لا وجه لتوجيه حرف في كتاب الله إلى تطويل بغير حجة يجب التسليم بها , وله في الصحة مخرج . و أنّ الله تعالى وصف القرآن الكريم بكونه هدىً و بياناً و كونه لغواً ينافي ذلك . و أنّ القول بالزيادة فكرة نحوية من غير نظر إلى بلاغة الحرف و قيمه المعنوية . وإنّ القائلين بالزيادة لفائدة يطلقون فكرة التوكيد في كل موطن يحتمله المقام أو لا يحتمله وأنّ القول بالزيادة يتناقض مع كون القرآن الكريم معجزاً و الذي أحد شرائطه أو أوجه إيجازه لا تطويله و الذي يعاب به الكلام . وأنّ القول بالزيادة يغفل بيان الأثر الصوتي للحرف فضلاً عن الأثر المعنوي إذا ما عد دخول الحرف كخروجه .

   في الباب الثاني , وهو " الأسرار البلاغية في الحروف التي قالوا إنها زائدة " و في :

فصله الأول : " الحروف الأكثر استعمالاً " 

ظهر في :

- مواقع " الباء" و أسرارها " في الإثبات تباين المقامات التي أتت فيها نظراً لكثرة مواقعها , و بالتالي تباينت المعاني التي أفادتها . و اظهر المقامات : صفات الله تعالى , و قصص بعض الأنبياء – عليهم السلام - : كسليمان و يعقوب و موسى و عيسى , وفي مقامات تشريعية خاصة بالوضوء و بديله التيمم في الطهارة , وكذلك الطلاق . و في مقامات التبليغ للرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم - , والجزاءات دنيوياً لبني إسرائيل و أخروياً للأبرار و المعذبين بطوائفهم المنافقين و المنافقات و المسيئين .. إلخ , وبيان أحوال الكافرين . وأظهر المعاني لـ"الباء" في هذه المقامات ك الإلصاق – وهو معنى لا يبرحها في الغالب – و الملابسة و المصاحبة و السببية و الاستعانة. كما لحظت تكرر نمط بنائي واحد مع " الباء" وهو " كفى بـ..." وقد جاء تذييلاً متلائماً أيما تلاؤم مع السياق خارجاً مخرج المثل في معظم مواقعه , مقرراً لموقف سابق حيناً , و فاصلاً بين موقفين متعنت و مسالمٍ حيناً آخر , ومسبوقاً بجملة من الأوامر و النواهي حيناً آخر . وأتت "الباء " فيه مفيدة إلصاق الكفاية بالله تعالى , أو دالة على المدح , أو على أنّ الأسلوب إنشائي لفظاً خبريٌّ معنىً لتحقق وقوع الفعل .

   و ظهر في " الباء " بعد النفي القول بأصالتها استناداً على ما ذكره العلماء من أنّ " الباء " في النفي بحذاء " اللام " في الإثبات ; فجيء بها لتوكيد النفي , وقد وقفت إزاء بعض مقاماتها ; و هي : خطاب منكري البعث الذي تكاثرت فيه عناصر التوكيد و جاءت " الباء " لتعطي الجحد فضل قوة . و خطاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تسلية له , وقد أكسبت " الباء " النفي قوة و وكادة .

- و قادتني الدراسة لـ " مواقع الواو" و أسرارها إلى جملة من الأنماط التركيبية المتشابهة بدا فيها جلياً أصالة " الواو " , وهي :

  " الواو " قبل " لام " التعليل , و معلوم أن " لام " التعليل تأتي معللة لفعل قبلها , و من بديع نظم القرآن الكريم , ومع " الواو " خصوصاً أنها أتت علة لفعل بعدها و هو محذوف , من الإيجاز بالحذف للجملة . و أفادت " الواو " الاستئناف او عطف مضمون كلام على كلام .

   و " الواو " بعد " لما " , و من عجيب مواقعها أنها أتت في قصص ثلاثة أنبياء فقط وهم صالح و إبراهيم ويوسف عليهم السلام , و قد حذف جواب " لما " لغرض بلاغي يقتضيه المقام , وهي مقامات لها خطرها لأنه لا يحيط بها وصف و لا بيان , و أتت " الواو " لتوميء إلى المحذوف و تنبيء عنه , إما عاطفة أو حالية .

  و " الواو " بعد " حتى إذا في مقام إجلال و سلطان تعجز فيه العبارات , وقد أومأت جملة الشرط بما طوته إلى الجواب المحذوف .

و " الواو " حالية أو استئنافية أو عاطفة مضمون كلام على كلام .

  أو عاطفة بين السبب و مسببه . وهذا من دقائق استعمالات القرآن الكريم لـ" الواو " فيه .

  و " الواو " بين الصفات , و ذلك في قصة موسى – عليه السلام - , وكان العطف بـ" الواو " منبئاً عن معنى التغاير بين الصفات , وعليه فـ "الواو " مؤسسة لمعنى مغاير مستقل عن سابقه , و التأسيس خير من التوكيد الذي يفهم من القول بزيادتها .

   وفي أنماط متفرقة أتت " الواو " بعد " إذا " التي حذف جوابها لتوميء إلى الجواب مستأنفة كلاماً جديداً . كما أتت قبل " لو " , و كانت من قبيل عطف الخاص على العام , وهو من بديع عطف القرآن الكريم ,

- وظهر في " مواقع " الفاء " و أسرارها " تنوعاً في المقامات التي وردت فيها , وهي : مقامات خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : إما توجيهاً أو تسرية أو بشارة , وخطاب المؤمنين , و خطاب اليهود ; إمّا و عيداً أو توبيخاً , و الجزاء الأخروي للمنفقين و المنافقين و الطاغين , و صفات المكذبين بالدين , و الوعيد للكافرين , و قد أفادت " الفاء " في هذه المقامات التعقيب و الترتيب و التسبيب و الإشارة إلى الفورية في الحدث بلا مهلة ولا تراخ , كما أتت في جواب الأمر و جواب الشرط المقدر أو الذي حذف , وهي " الفاء " الفصيحة التي تطوي كلاماً قبلها و مجيئها للترتيب أو لإحداث أثر تشويقي من حيث دلالتها على الشرط المحذوف إيجازاً , والمسارعة إلى الجواب دون ورود الشرط ; لشدة الحاجة لمعرفة الجواب . وجاءت لتحدث أثراً صوتياً خاصاً أكسب الأسلوب خفة فلا ثقل في الكلمة .

   و بدا جلياً في " مواقع " مِنْ" و أسرارها " في الإثبات إفادتها معنىً مستجاداً فيما عرضتُ له من مواطن ذكر فيها الأخفش زيادتها خروجاً على إجماع النحاة , فاتت - في الغالب "- مبعَّضة لما دخلت عليه :

   وذلك عند حديث القرآن الكريم عن أطماع بين إسرائيل و طلبهم بعض الأطعمة , وقد أتت بعدها " مِنْ" أخرى فصّلت ما أجملته " مَنْ" الأولى المبعِّضة . وعند الحضِّ على الصدقة المحاءة لبعض الذنوب لا كلها , مشيرةً إلى ملمح نفسي عميق في طبائع البشر حتى لا يركنوا إليها وحدها دون سائر سبل البر الأخرى . و عند الحديث عن الحلال من الطعام ألمحت " من " إلى ذلك القدر الطيب الذي أباحه الشارع الحكيم للأكل مما أمسكته الجوارح دون ما حرّم من خبائثه . وعند التسلية لرسول الله – صلى الله عليه و سلم – حين ذكر القرآن الكريم قصص بعض الرسل تخفيفاً عليه – عليه الصلاة و السلام – و دفعاً للاستثقال عنه . وعند خطاب الكافرين بمغفرة بعض الذنوب كلها تفرقة للخطاب بينهم و بين المؤمنين و عدم تسوية في الوعد . كما أفادت " مِنْ " ابتداء الغاية في مقام يتحدث عن صورة من صور القيامة و الملائكة حافين من حول العرش إلى ما لا نهاية . و قد اعتمدتُ الموازنة وسيلةً كاشفةً في معظم ما ذكرتُ لبيان سر مجيء الحرف .

  كما بدا جلياً في مواقع " مِنْ " بعد النفي أو شبهه فيما عرضتُ له إفادتها الاستغراق أو عموم النفي , وهو معنًى نصَّ بعض العلماء كالأخفش و الإربلي على عدّه من معاني " مِن" الأصلية لا الزائدة , وهي الداخلة على النكرة المنفية . و أمّا " من " الداخلة على الصيغ المستعملة في العموم مفيدة توكيده فالأولى أن تُجعل كالاستغراقية من معاني " من" الأصلية . فضلاً عن أنَّ بعض العلماء قد أرجع معاني " من " و منها الزائدة إلى ابتداء الغاية أو التمييز . و لقد ميّزت المقامات التي أتت فيها " من " بعد نفي أو شبهه بالقوة و الجزالة تناسباً مع النفي القائم الذي يُصحح نظراً أو يواجه موقفاً متعنّتاً أو يعبر عن موقف رافض . و من هذه المقامات : تمجيده تعالى بصفاته ; من علمٍ مطلق , و عِظَمٍ قدرةٍ , و استواءِ خلقٍ , ونفيٍ للشريك عن طريق ضرب المثل , و دلالةٍ على ألوهيته تعالى . و منها فضح دواخل أهل الكفر و أساليب الجدل التي اصطنعوها في الآخرة عند المحاسبة . و بعد دخول النار , ورؤية العذاب .

- و لاح في " مواقع "أنْ" وأسرارها " بعض أنماط تركيبية متشابهة ; هي " أنْ " بعد " لمّا " التوقيتية , و قد جاءت في قصص ثلاثة أنبياء و وهم لوط و يوسف و موسى – عليهم السلام – و ولها دلالتان متباينتان ; إحداهما : تصور التراخي و البطء و التمهل , حسب ما أشار ابن الأثير . و الأخر : تصوّر السرعة و الفورية في وقوع الجواب بدون تراخ و لا بطء . حسب ما أشار علماء المتشابه القرآني كالأسكافي و الكرماني .

   و " أنْ" قبل (لو) , المخففة من الثقيلة و التي حذف اسمها ضمير الشأن , و قد أتت مؤكدةً على حقيقة هامة في حيزها طالما ذهل عنها المؤمنون من شدة طمعهم في إيمان أهل الكفر ; و هي ان هداية الله و رحمته ترتبط بصلاح القصد و انّه لو شاء لهدى الناس جميعاً. و الحقيقة الأخرى التي أكدتها " أنْ " طالما ذهل عنها العبدة من الجهال في طلب الغيب و كشف أسراره من الجن و أدعيائهم ; و هي أنّ الغيب بيد الله تعالى و حده , و أنّ الجن ما هم إلا مسخرون . وقد أشارت " أنْ " بغنتها و جرسها و الوقف عليها إلى هذه الحقيقة التي تطويها .

   و " أنْ " بعد ( و ما لنا ) و ( ما لهم ) و قد أفادت بالمصدر المنسبك منها و الفعل المنفي بعدها الإشارة إلى أنّه ليس المراد مجرد الإخبار عن الحدث , و إنما الإشارة إلى زمنه خاصة , و ذلك في سياقات منها : مع بني إسرائيل و في خطاب الذين كفروا .

   ووضح في " مواقع " لا " و أسرارها , على اختلاف سياقاتها بين الوصايا و العتاب و إثبات البعث و التوبيخ لإبليس – وضح القول بأصالتها و أنّها باقية على بابها نهياً أو نفياً حسب المعنى القائم في الآية . وارتبطت المواطن التي قيل فيها بزيادتها – في الغالب – بظاهرة الحذف , و كان ذلك الحذف إيجازاً و اختصاراً و لدلالة المقام عليه في مواطن , و في موقف مواجهة و غضب شديد و عنف متكاثر من جراء العصيان في موطن آخر , و لذا ناسب الحذف في كليهما .

- و بان في " مواقع " ما " و أسرارها " مجيئها في قصص بعض الأنبياء ; فكانت المصدرية التي تكوِّن مع الفعل بعدها مصدراً مؤولاً , وكان في إيثاره على المصدر الصريح الحكم على الفعل مجرداً دون نظر إلى أي وصف آخر يلابسه , و ذلك في قصة يوسف عليه السلام . او الموصولة مفيدة الإبهام تعجباً من شان الذين آمنوا في قصة داود عليه السلام أو عتاباً على الإنسان المغتر . أو التي تأتي صفة أريد بها التحقير للمتحدث عنهم و التقليل من شانهم , تسلية لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – و تعزية له و استرواحاً .

- وقادت الدراسة لـ " مواقع " اللام " و أسرارها " إلى إفادتها الاختصاص فيما درست , و قد ترادفت في قصة يوسف – عليه السلام – في مقام – يحذِّره فيه والده من قصِّ رؤياه على إخوته , و أتت مشعرة باختصاصه – عليه السلام – بالكيد من إخوته . و في مقام آخر في مجلس الملك أتت مجسدة لاختصاص الرؤيا بالعبارة عنها . و في مقام يشير إلى استجابة الله له سؤاله أتت مفحصة عن مزيد اختصاصٍ ليوسف بتمكين الله له . و لعل معنى الاختصاص يفسر في ضوء تكريم الله تعالى له وولايته عليه و تمكينه تمكين عز و اقتدار . كما أتت " اللام " مفيدةً الاختصاص في مقام يُذَكِّر بالبيت و الحج , و يخّصص إبراهيم – عليه السلام – بهذا البيت , ويجعله مباءة له . مصطنعةً الموازنة وسيلة كاشفة لبيان قيمة الحرف في السياق .

و في الفصل الثاني , وهو : " الحروف الأقل استعمالاً " :

- عرضتُ لـ " مواقع " في " و أسرارها " و ظهر القول بأصالتها ليس اعتماداً على أقوال أئمة النحو و إعجاز القرآن الكريم فقط , و إنما ببيان سر الحرف و ملائمته للمقام , وهي مقامات اقتداره تعالى , و بعض الوصايا , و البشارة , و نجاة المؤمنين . و كانت أدل على شدة التمكن و الاحتواء و قوة الإحاطة إحاطة الظرف بالمظروف .

- كما عرضت لـ " مواقع " الكاف" و أسرارها " . و انتهيت إلى جملة من الحقائق قاد إليها النصّ القرآني و ما فهم من كلام العلماء ; فقد أتت في مقام الحديث عن قدرته تعالى في الخلق و الإحياء , و الترغيب في الإنفاق , و تصحيح العقيدة , مفيدة التشبيه مبيّنةً أنّ ثمة نماذج و شواهد و أحوال أخرى , و إنّما أُتي ببعضها تنبيهاً لوجود غيرها , و منوِّهةً بالتلامح الدقيق بين صورة المشبه و المشبه به . و أتت في مقام يثبت تفرده تعالى , و أنّه ليس كمثله شيء ; كناية من غير تعريض مبالغة في النفي و الكناية – كما يقول البلاغيون – أبلغ من التصريح .

- و كذا عرضتُ لـ " مواقع " ثُمَّ " و أسرارها " وقد أتت موضعين فقط تمثلان نمطاً بنائياً متشابهاً ; إ أنّ كليهما جاءتا بعد " حتى " الابتدائية و " إذا " الشرطية التي حذف جوابها و تعاطف على شرطها عدة جمل بالواو , ثم أتت " ثُمّ " التي قيل بزيادتها على انّ ما بعدها جواب " إذا " المذكور عند من يرى ذكره . ثم أعقب الفعل الذي بعد " ثُمّ " بتعليل له و مقامهما فضل الله و رحمته بعباده المؤمنين في غزوة أحد و عام العسرة . و أفادت ترتب ما بعدها على ما قبلها و التراخي الشديد , و كأن الجملة المشروطة امتدت فأغنت عن الجواب المقدر .

- و ظهر في مواقع " إنْ " و " إلى " و " عن " و أسرارها " دلالة الأولى و هي " أنْ " على النفي و السلب . وإيثارها دون ( ما ) كما قالوا صوتاً للكلام عن التكرار . و دلالة الثانية و هي " إلى " على انتهاء رغائب النفوس و دلالة " عن " على المجاوزة و البعد لا مجرد المخالفة .

  و بعد فهذه صفحات قد سطرتها في قضية "زيادة الحروف بين التأييد و المنع و أسرارها البلاغية في القرآن الكريم " .

   باذلة في ذلك جهدي و اجتهادي آملة أن اكون قد أبنتُ عن هذه القضية فأضفتُ إلى المكتبة القرآنية البلاغية شيئاً يساعد على تجلية العوامل التي أسهمت في تشكيل الذوق البلاغي القرآني . و إذا كنت لا أشير إلى الصعوبات التي تواجه مباحث كهذه فلا أقل من أنْ أذكر أنّ الطريق لم تكن وطئة و لم تخلو من عثار , و أنّ الهدف لم يكن سهلاً , غير أنّها محاولة متواضعة في طريق طويلة كما أذكر أنّني كنت أحاول تجنب الجهل و القصور و الزلل ما وسعني ; فمعرفة بكتاب الله تعالى صحيحة و طيبة أسبق عنده تعالى و خير من عبادة و عمل مضطرب .

( ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ و على والديّ و أن أعمل صالحاً ترضاه و أصلح في ذريّتي ) ( وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين )

المجلد الأول والثاني





حملهما من هنا


المجلد الأول





المجلد الثاني






ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة