رسائل الجاحظ : كتاب مُفاخرة الجواري والغلمان
أبي عثمان عمرو بن بحرٍ الجاحظ
بسم الله الرحمن الرحيم بالله نستعين، وإياه نستهدي، وعليه نتوكل.
إنّ لكل نوعٍ من العلم أهلاً يقصدونه ويُؤْثرونه، وأصناف العلم لا تُحصى، منها الجزلُ ومنها السَّخيف. وإذا كان موضع الحديث على أنّه مُضحكٌ ومُلهٍ، وداخلٌ في باب حدّ المزج، فأُبدلت السَّخافة بالجزالة انقلب عن جهته، وصار الحديث الذي وُضع على أن يَسُرَّ النفوس يكرُبُها ويغُمّها.
ومن كان صاحب علم ممرَّناً موقَّحا، إلف تفكير وتنقيب ودراسة، وحلف تبيُّن، وكان ذلك عادةً له، لم يضره النَّظرُ في كلِّ فنٍّ من الجدّ والهزل؛ ليخرج بذلك من شكل إلى شكل. فإنَّ الأسماع قد تملُّ الأصوات المطربة، والأوتار الفصيحة، والأغانيَّ الحسنة، إذا طال ذلك عليها.
وقد رُوي عن أبي الدّرداء رضي الله عنه أنه قال: " إنِّي لأستجمُّ نفسي ببعض الباطل مخافة أن أحمل عليها من الحقّ ما يُملُّها " .
وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: " العلم أكثر من أن يُحصى، فخذوا من كلِّ شيءٍ أحسنه " .
مفاخرة الجواري والغلمان: رسالة لم يذكرها الجاحظ في أي من كتبه، ولم أجد من ذكرها في مؤلفاته. سوى أن ياقوتاً سمى في رسائله (رسالة الجواري) وانفرد أبو الفداء في (المختصر) فسمى في كتب الجاحظ (كتاب الغلمان) مع إنه اكتفى بذكر أربعة كتب له.
ويستوقفنا في الرسالة انفرادها بذكر قطع شعرية، لا تكاد توجد في كتاب، كالقطعة: (كلفت بظبي له=سوالف أدمانه) وقصيدة أبي نواس (لي حبيب كلما زاد في جفوته لي كان أشهى) وقصيدته (للطمة يلطمني أمرد) وغير ذلك. وقد خرج فيها المؤلف عن موضوع الرسالة إلى ذكر الخصيان وطبائعهم وأخلاقهم وما يعرض لهم من الآفات والأسقام، ما يدل أن الكتاب مؤلف في زمن كثرت فيه عادة اجتلاب الخصيان والتنافس في اقتنائهم.? على أن كتب الأدب تنسب للجاحظ نصاً نادراً في طبائع الخصيان، لا وجود له في هذا الكتاب، انظره في (غرر الخصائص) للوطواط و(جمع الجواهر) للحصري، وأوله: (في الخصي عشرة أحوال: لم يخرج من ظهره مؤمن، ولا خرج من ظهر مؤمن).
وختم الكتاب كما يقول بمقطعات من أحاديث البطالين والظرفاء، ومجموعها (28) خبراً. وهي الرسالة (13) من نشرة المرحوم عبد السلام هارون لرسائل الجاحظ (ج2/ ص87 إلى137). وقد طبعت لأول مرة في بيروت (دار المكشوف: 1957م) بعناية (شارل بلا) باعتماد نسختها اليتيمة في العالم، وهي نسخة مكتبة الداماد إبراهيم بتركيا.
وتناول د. صلاح الدين المنجد هذه النشرة بالنقد في مجلة معهد المخطوطات العربية (عدد نوفمبر 1957م ص335) أشار في نقده إلى كتاب مماثل لكتاب الجاحظ هو (كتاب الحكايات: خ) لقاضي القضاة بدر الدين العيني. مخطوطة بورصة، حسن جلبي 51 (33) ورقة 7ب وما بعدها.
ونلفت النظر هنا إلى أن جريمة الجب والخصي استمرت حتى أوائل القرن العشرين وكان الموكلون بمباشرة هذه العملية جماعة من رجال الدين المسيحي الأقباط في قرية (زاوية الدير) القريبة من أسيوط. انظر تفصيل ذلك في كتاب (لمحة عامة إلى مصر) تأليف: أ. ب. كلوت بك (ج1 ص630) قال: وهم يرتكبون جرمها الشنيع على نحو (300) شخص في كل عام. ووصف عملية الجب، وكيف يدفن الغلام في التراب إلى أسفل بطنه لكيلا تؤثر حركاته على نجاح عملية الجب.
قراءة أونلاين
لشراءالكتاب من neelwafurat
أو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق