ما بعد الربيع العربي
After the Arab Spring
تأليف:جون آر برادلي
by John R. Bradley
ترجمة : شيماء عبد الحكيم طه
مراجعة : محمد إبراهيم الجندي
الطبعة : 2013 م
ما بعد الربيع العربي ..جون آر برادلي
تحقيق الديمقراطية عبر الثورات كان تضليلا للنفس
يكتبه لــ عمان : أميل أمين :
بعد نحو ثلاث سنوات من انطلاق ما عرف بالربيع العربي، يعود الكاتب الانجليزي الشهير “جون آر برادلي” بعمل جديد إلى الساحة الفكرية والسياسية عبر مؤلفه الجديد والمثير “ما بعد الربيع العربي” والذي هو رسالة من مؤلف الكتاب الذي تنبأ بالثورة المصرية على نحو لا مثيل له بأن كل ما قيل لنا عن “الربيع العربي” عار من الصحة، حيث يرى المؤلف أن ثورات “الربيع العربي” التى رأى أغلب المحللين السياسيين في العالم أنها نبعت من شوق إلى الحرية والديمقراطية في بلدان طالما حكمت بالظلم والاستبداد، لم تندلع مطلقا من أجل الحرية والديمقراطية، وإنما لاسباب مختلفة تماما، والدليل على ذلك هو أن المؤمنين بالحرية والديمقراطية لن يحكموا تلك الدول في نهاية الأمر، وإنما سيكون مصيرها هو حكم الإسلاميين الذين سيعتلون السلطة فيها ويمارسون استبدادا أشد وطأة.
في مقدمة كتابه المطولة يرى «برادلي» أنه لا ينبغي الحكم على الثورتين المصرية والتونسية بالنوايا التى أدت إلي قيامهما وإنما بالنتائج التى أسفرت عنهما، ويؤكد أنه سرعان ما تحول اهتمام العالم إلى المسرح التالي للأحداث التى كانت تتحرك بوتيرة سريعة، غير عادية، انحسرت الأضواء عن تونس، كذلك لم ينل صعود الأسلام السياسي المتطرف في مصر قدره من الانتباه في ظل التغطية التى كانت تتلقاها تلك الدولة، والتى كانت تتضاءل يوما بعد يوم. غير أنه كان هناك ثابت واحد هو الثناء على عبارة “الربيع العربي” وكأننا نشهد قفزة مؤكدة للأمام في الدول العربية، فقد قيل لنا أن ثقافاتهم قد توحدت أخيراً، وإنها تتحرك إلى الإمام تحت مسمي تحقيق الديمقراطية.. هل كان ذلك صحيحا؟ عند “جون برادلي” لم يكن ذلك إلا تضليلا للنفس تماما كتأييد النخبة في الغرب لنظرية فرانسيس فوكاياما في أوائل التسعينات من القرن العشرين التى تحدث فيها عن نهاية التاريخ عقب سقوط “سور برلين”.
بحث عن الديمقراطية أم عن الخبز؟
مؤكد أنه لم تقم ثورة في التاريخ الإنساني وحول العالم بأكمله إلا وكان محركها المباشر اقتصادي أو اجتماعي، وربما هذا ما غاب عن أعين كبار المعلقين والسياسين الغربيين الذين زعموا بأن الشعوب العربية المضطهدة تتنفض ضد الطغيان، لأنها تتوق إلي القيم الليبرالية الغربية ـ هكذا يقرر المؤلف حيث قبول الآخر والحكومات الممثلة للشعب، وهم يصرون على أن طابعا إنسانيا مشتركا يتضح في تأييدهم الجمعي لحقوق الإنسان وحرية التعبير المعروفة في الغرب.
ما من عاقل يود أن يقبض عليه ويتعرض للتعذيب لأنه عبر عن رأيه، سواء في الرياض أو في أوستن بتكساس مع هذا فإن الشعوب المختلفة ذات الثقافات والديانات واللغات المختلفة لا تترجم بالضرورة رغبتها في الحياة الكريمة إلي حب للنظام البرلماني البريطاني أو المذهب الفردي الأمريكي، والقول بغير ذلك مثلما يفعل الكثير من المعلقين البعيدين عن أرض الواقع هو محض بساطة وسطحية.
بثت الشعارات التى كتبت بالإنجليزية على اللافتات التى رفعها المتظاهرون الأمل في نفوس أهل الغرب، وكذا فعل بعض الثوار القريبين من الثقافة الغربية الذين نشروا تغريداتهم بالإنجليزية على “تويتر” ولاحقا تهافتت البرامج التلفزيونية الغربية على المتظاهرين الذين يتحدثون الإنجليزية، إذ تفتقر معظم هذه البرامج إلي المترجمين، فضلا عن إدراك أطقم العمل بها نفور المنتجين من الاستعانة بالترجمة المكتوبة.
لكن اللافتات والتغريدات والتعليقات الصوتية التى أدلت بها النخبة لم تكن تعبر عن صوت الشعب. فالجموع العربية لم يكن همها الرئيسي انعدام الحرية السياسية وإنما انعدام الوظائف لم يكن للتوق إلى الديمقراطية إلا وقع ضئيل حتى في تونس ومصر، وهما الدولتان الوحيدتان اللتان نجحتا حتى كتابة هذه السطور في الإطاحة بحاكميهما الديكتاتورين دون الحاجة إلى تدخل عسكري غربي.
في نتائج إرساء الديمقراطية عربيا
يؤكد برادلي على أنه أيا كانت النظرية التى تدور حول نتائج إرساء الديمقراطية في العالم العربي الجديد، فإن التاريخ قبل اندلاع الثورات واضح وضوح النهار، فإينما طبقت الديمقراطية -ولو منقوصة -كان الإسلاميون هم المستفيدون .
وصلت الديمقراطية إلى المغرب… ففاز حزب “العدالة والتنمية” الأصولي في كل انتخابات أجريت، أنها مسألة وقت فحسب قبل أن يشكل الحزب أغلبية في البرلمان.. ووصلت الديمقراطية إلي غزة، فوصلت معها الجماعة الإسلامية “حماس” إلى السلطة.
الأمر نفسه ينطبق على اليمن، فالمعارضة الرئيسية للحزب الحاكم في البرلمان تأتي من حركة الإصلاح الإسلامية، ويسيطر حزب المقاومة حزب الله على غالبية المقاعد في البرلمان اللبناني. أما في مصر فحظرت جماعة الأخوان المسلمين رسميا في عهد حسني مبارك الذي استمر ثلاثين عاما، في حين أنها حصلت عام 2005 على ربع مقاعد البرلمان بمرشحيها بصفتهم مستقلين.
يوضح هذا الكتاب السبب في أن الربيع العربي قد زاد من وتيرة ذلك الاتجاه الإسلامي، بدلا من الوصول بالمنطقة إلي الليبرالية والتعددية.
هل العرب عاجزون عن تطبيق الديمقراطية؟
يري الكاتب الإنجليزي أن العرب ليسوا بالطبع عاجزين وراثيا أو ثقافيا عن تطبيق الديمقراطية التمثيلية، وإنما سيكون السبب وراء فوز الإسلاميين هو ضربة حظ فرضتها الظروف فباستثناء تونس وسوريا، احتضنت الأنظمة العلمانية في شتي أنحاء الشرق الأوسط منذ الثمانينات من القرن العشرين الجماعات السياسية الإسلامية كوسيلة لتشتيت الغضب الشعبي إزاء تحالف هذه الأنظمة الوطيدة مع الغرب الذي حملته الشعوب بدورها مسئولية استمرار تلك الأنظمة في الحكم عن طريق دعمها عسكريا وسياسيا، وقد أسفر احتضان الجماعات الإسلامية التى لا تتبني العنف على هذا النحو، عن تهميش الرموز الليبرالية التى كانت تتعرض للتهديد من المتشددين الإسلاميين، والاضطهاد من الأنظمة الحاكمة في آن واحد.
استفاد الاسلاميون لأن غايتهم تتلخص في أسلمة المجتمع من قاعدته، وليس الإطاحة بالنظام القائم، أما استفادة الأنظمة الحاكمة فكانت في استطاعتها فضلا عن تهميش القوي الليبرالية المنادية بالديمقراطية استخدام صعود الإسلاميين فزاعة في وجه الغرب برفع شعار “أما نحن أو الإسلاميون” وهو ما منع واشنطن من المجاهدة بمطالب الإسراع من وتيرة الإصلاحات.
ما الذي لم يتوقعه أحد في سياقات الثورات العربية ؟
يقول أديب فرنسا الكبير “أندرية مالرو” أن غير المتوقع يحدث عادة، وهنا فإن ما لم يتوقه أحد هو قيام موجه من الحراك الثوري في وقت كان فيه الليبراليون خائفون ومضطهدون وبلا شعبية، حتى أنهم لم يحظوا بفرصة سد الفراغ الناتج أما الإسلاميون فكانوا منظمي الصفوف، ومع أنه لم يتوقع منهم قط التحريض على القيام بثورة، فلا شك أنهم كانوا يتوقعون لاستغلال العواقب، فعندما أخفقت ثورتا تونس ومصر في الإطاحة بالنظام القديم، وحققتا بدلا من ذلك انتصارات جزئية باهظة التكلفة تمثلت في الإطاحة برأس الدولتين، إزداد هذا التحالف القديم بين الحرس القديم المناؤي للتغيير، وبين الإسلاميين توطدأ في الوقت الذي ازداد فيه تعرض الليبراليين لمزيد من التهميش.
وقد ساد هذا النمط جميع ثورات الربيع العربي، فبعد انكشاف النقاب عن الصراعات القبلية والطائفية، وبعد اتخاذ أمريكا قرارا بمساندة الثورة المضادة من أجل الإبقاء على الوضع الراهن، فإن أي موقف يدعم الحرية والتعددية كان يهتز تحت ضغط القوي الأكثر رجعية.
نهاية العلمانية في تونس
الفصل الأول من الكتاب يتناول فيه المؤلف رؤية تاريخية تقترب من الراوية الزمانية والمكانية حول تونس منذ بداية الثورة حتى المشاهد الأخيرة، والخلاصة عنده أن النموذج العلماني التونسي قد ذهب وولي .. كيف ذلك؟
في أكتوبر 2011 بدا واضحا وضوح الشمس أي أجندة ستنتصر في النهاية، ففي هذا الشهر تدفق حشد من السلفيين على أحدى الجامعات في مدينة “سوسو” التونسية، وهددوا أحد الاساتذة بالخناجر والعصي بعد أن رفض مسؤولو الجامعة دخول طالبة ترتدي النقاب، وبعد أسبوع تعرضت أحدى المحطات التلفزيونية للهجوم، بعد أن بثت فيلم رسوم متحركة أعتبره المتشددون مسيئا للدين. قدم صاحب المحطة اعتذارا صريحا، لكن هذا لم يثني عصبة تضم المئات من اشعال النيران في منزله، وإجبار زوجته وأطفاله على الفرار بحياتهم عبر مدخل خلفي، وفي الجمعة التالية تدفقت عشرات الآلاف من الإسلاميين المتشددين إلي شوارع العاصمة وغيرها من المدن الكبري بعد أن آثار أئمة الصلاة حميتهم. كانت هذه أكبر مظاهرة شهدتها تونس منذ الإطاحة ببن على، وفيها دعت الهتافات التى أطلقتها حشود من التونسيين الملوحين بالإعلام واللافتات ذات الشعارات الإسلامية. كان التراث العلماني التونسي الفريد يتعرض للانهيار بسبب “ثورة الياسمين” التى ربما تكون من وجهة النظر العلمانية أكثر ثورات التاريخ حماقة وإضرارا.
في أكتوبر 2011 عندما أجريت أول انتخابات قومية تونسية بعد الثورة، تأكد النموذج الذي يشدد عليه المؤلف في هذا الكتاب حيث يفوز الإسلاميون بأغلبية المقاعد من تأييد أقلية من إجمالي السكان استحوذته حركة النهضة على المجلس الاستشاري بعد الفوز بأكثرية 41% من إجمالي الأصوات. بلغ إجمالي عدد الناخبين 80%، لكن ليس 80% من إجمالي عدد السكان، كما أدعت وسائل الإعلام الغربية بل 80% من نسبة 50% الذين كلفوا أنفسهم عناء تسجيل أسمائهم في القوائم الانتخابية، بعبارة أخرى، فازت حركة النهضة مع أن أكثر من 80% ممن بلغوا سن التصويت من التونسيين لم يصوتوا لها.
في مستقبل مصر الإسلامي
ظهرت الطبعة الأولي من كتاب برادلي هذا في نهاية 2012 وبالتالي لم تكن ثورة 30 يونيو قد ظهرت على سطح الأحداث، ولهذا فإننا نرى تحليلا في فصل كامل عن رؤيته لمصر ترجح حكم الإسلاميين وأي مستقبل كان ينتظر المصريين في هذا السياق ويدلل على ذلك بمقال ظهر على السطح في مايو 2001، عندما وضعت مقالة افتتاحية مدوية نشرتها صحيفة ذي واشنطن تايمز” يدها على اللفظ المثار حول الأهداف الحقيقية لجماعة الآخوان المسلمين.
نبهت المقالة إلي مقال نشر على موقعها الالكتروني بقلم الداعية المصري “صلاح الدين سلطان” ذكرت المقالة أن المقال أثنى على رفع بن لادن “راية الجهاد في سبيل الله” على أنه “انتصار للإسلام” ومقاومة للمحتلين بطريقة جاوز في بعضها الوسطية والاعتدال” واستطرد كاتب المقال قائلا إن إرهاب أمريكا على الجانب الآخر كان” انتصارا للهيمنة والظلم والطغيان، وتركيع شعوب وأنظمة العالم للقطب الأمريكي” وأختتم مقاله قائلا :” إرهاب بن دلان مظنون لأن مصدر الاتهامات فيه جهاز الإعلام وليس القضاء، في حين أن إرهاب أمريكا مقطوع.
في ذلك الوقت تساءلت افتتاحية “ذي واشنطن تايمز” لو أن تلك آراء المعتدلين “فما بالنا بآراء المتطرفين، ثم أشارت إلي أن “الجهل المطبق لدى إدارة أوباما في التعامل مع شؤون الشرق الأوسط يخفق في رصد التهديد الذي تفرضه كافة صور التطرف الإسلامي “ما أنتهج العنف فيها وما لم ينتهجه: يستنكر البيت الأبيض آراء تنظيم القاعدة “المنحرفة” عن الإسلام، لكن جماعات مثل جماعة الآخوان المسلمين تؤيد نفس تلك الآراء. من الواضح أن أوباما لا يرى مشكلة في تطبق الشريعة عبر صناديق الاقتراع لا عبر استخدام الرصاص. أن فوز جماعة الأخوان المسلمين في الانتخابات لهو نهاية الحرية في مصر.
يضع جون برادلي يده ربما على عمق وجه من وجووه الإشكالية المصرية الحقيقية، إذ يرى أن الخطر الذي تفرضه الاتجاهات الدينية في مصر، ليس مفهوما جيدا لدي واشنطن التى ساندت مبارك ونظامه، مثلما فعلت مع شاه إيران من قبل دون أن تختلف النتيجة في كلتا الحالتين.
المفارقة أن الجهود المبذولة من أجل عرقلة قيام ثورة إسلامية في مصر هي التى عجلت بتحقيق أسوأ السيناريوهات المرسومة لدي واشنطن. كما أنها أسفرت عن تداعيات وخيمة على ثقافة التعددية وقبول الآخر التى تميزت بها مصر على مر التاريخ، وأيضا على النفوذ الأمريكي بالمنطقة على المدي الطويل.
ليبيا وتكرار الخطأ ذاته من جديد
هل كان لمؤلف الكتاب أن يغفل ليبيا وما جري فيها تحت مسمي الربيع العربي لاسيما وأنها الدولة التى شهدت ولا تزال أعلي درجات العنف حول العالم العربي؟
يذكر برادلي بمقال حصيف نشر في أغسطس 2011، يشكك في راوية الربيع العربي التى لا تزال مهيمنة، فقد طرح “جورج فريدمان” مؤسس مركز “ستراتفور” الاستخباراتي تقييما للمأزق الليبي أكثر واقعية مما كان متاحا بوجه عام وقتها. قال فريدمان: تغير النظام هناك “لن يكون مؤكد النجاح قطعا، وحتى أن كان كذلك، فإنه “لن يكون ديمقراطيا قطعا” وأن كان ديمقراطيا “فلن يكون ليبراليا قطعا” وأختتم مقاله بأن الأسطورة التى تردد أنه “في أعماق كل ليبي يوجد جمهوري فرنسي يتوق لتنسم هواء الحرية مشكوك فيها إلي أبعد الحدود.
“بعد أسبوع من ظهور مقال فريدمان، صرح عبد الجليل قائد الثورة الليبيا أن قوات المعارضة التابعة له قد أختارت شن هجومها الأول على طرابس في شهر رمضان الذي يوافق ذكري موقعة “بدر” الإسلامية أول معارك المسلمين. تلك الحقيقة لا تبث الثقة في مستقبل ليبرالي علماني لليبيا، الأمر المؤكد الوحيد هو أن ولاء القبائل متقلب، وسيظل هكذا دائما. ولهذا السبب عندما كان التحالف السياسي يتصدع بين القبائل، ونجل القذافي يخطب ود الجهادين دعا القذافي قبائله المخلصة مرارا وتكرارا للعودة إلي الصف في وجه الاستعمار والعدوان الأجنبي.
كان يثير في نفوسهم فترة الحرب ضد الاستعمار عندما كانت القبائل والإسلاميون عاملا رئيسيا في حرب الاستقلال ضد إيطاليا. لم يلتفت الغرب للبيان الرسمي الذي أصدره” المجلس القبلي الليبي” الذي يمثل كافة القبائل الليبية بعد الإطاحة بالقذافي، في يوليو 2011 قبل استيلاء المتمردين على طرابلس مباشرة، وأن كان يرجح أن القذافي قرأه بإمعان في ذلك الوقت، ومما ورد في البيان: المجلس القبلي يشجب الاعتداء الصليبي على الجماهيرية الكبري الذي تنفذه قوات حلف الناتو، والقوات العربية الارتدادية، التى تشكل خطرا محدقا على المدنين الليبين من خلال استمرارها في قتلهم معتبرة إياهم أهدافا مدنية لقذائف الناتو… هل كان الشاغل الحقيقي للناتو هو دمقرطة الليبي؟
يجيب جون برادلي: في غضون أسبوع من سقوط طرابس، كانت الشركات الغربية قد بدأت تدافعها من أجل السيطرة على قطاعات النفط في ليبيا.
استبعدت الصين وروسيا، اللتان رفضتا دعم حملة الناتو وهكذا حققت الحملة مرادها من سرقة النفط الليبي وفي هذا الصدد تحديدا، يمكن اعتبار ليبيا قصة نجاح في أعقاب النموذج العراقي.. هل أتخذت ليبيا الدولة طريق للديمقراطية بعد سقوط القذافي؟
الربيع العربي والديمقراطية الغائبة
ظاهريا بدأ وكأن ليبيا تسير نحو الديمقراطية، أو تتخذ الطابع الظاهري للديمقراطية مثلما فعل العراق بعد سقوط صدام، فسوف تحتفي وسائل الإعلام الغربية بالانتخابات، وكأنها علامة على المجئ الثاني للمسيح، لأن المرشحين المدعومين من الغرب سوف يضمنون الفوز عن طريق التمويلات الهائلة وحملات الدعاية البارعة، التى نسقها جيش من مستشاري الغرب، الذين يتدفقون على ليبيا كالجراد.
يقول “برادلي” حري بنا أن نتذكر ما قاله الجنرال الأمريكي أنتوني زيني، تعقيبا على السلوك الذي كان ينتهجه منسقو الحرب العراقية في خضم حالة الفوضي، التى أجتاحت العراق بعد انتهاء الحرب رسميا، ربما يظهر رجل قوي، العراق تتمزق، وهناك بالفعل دولة كردية، لكن من يبالي، هناك إراقة للدماء وحالة من الفوضي من يبالي؟ أعني أننا قد نلنا من صدام، وأكدنا قوتنا في الشرق الأوسط .
مثلما حدث في العراق بدأت الحرب الفعلية في ليبيا بعد إعلان الغرب انتهاء مهمته، فالمنظومة المتشابكة من العداوات والانتماءات القبلية في ليبيا فضلا عن ميليشياتها الإسلامية معناها أن أي حكومة وحدة وطنية ستجد من الصعب أن لم يكن من المستحيل الحفاظ على مصداقيتها في عين رجل الشارع الليبي.
سوف يستمر تناحر القبائل الكبرى بعضها مع بعض من أجل الحصول على مزيد من النفوذ، وسوف تشن القبائل المقهورة التى لم يعد لديها ما تخسره حربا أبدية من أجل الثأر، وسوف يدرك الليبيون الليبراليون أنهم لا يملكون جمهورا يتحدثون باسمه في هذا البلد، وسيوجهون بالتعاون مع قوي الغرب التى دكت بلادهم أشلاء بدعوا تحريرها، وعندما تخفت النشوة، سيقف الفساد والمحسوبية حجري عثرة في طريق إعادة البناء الشاقة لليبيا، هل هذا هو حصاد الربيع العربي في ليبيا؟
الخسارة الكبرى لليبراليين العرب
ما الخطأ في مسارات ثورات الربيع العربي؟ وهل كانت مسارات إسلامية أصولية فقط؟
يؤكد برادلي في نهاية كتابه الهام على أنه بالطبع كان هناك ليبراليون وسط كل هؤلاء المتظاهرين، كان أغلب هؤلاء الليبرالين من الشباب الذين أرادوا المزيد من الحريات وتطلعوا إلي الغرب ـ ربما إلي أوربا أكثر من أمريكا ـ كنموذج لمستقبلهم المأمول، وهل من وجهة أخرى يمكن أن يتطلعوا إليها؟ وكان بينهم أيضا مثقفون في منتصف العمر ظنوا أن الوقت قد حان لتحقق أحلام ظلوا يحلمون بها طوال حياتهم، ولكنهم كانوا كما تبين الآن اقلية ضئيلة لا تمتلك ما يلزمها لتحقيق النصر، سواء من المهارات السياسية القاسية أو التأييد الشعبي الكبير، ولم تكن الغالبية العظمي من المتظاهرين تعرف شيئا من الايديولوجيات السياسية، فلم يكن ما أخرج هؤلاء إلى الشوارع هو رغبة متقدمة في انتخابات حرة نزيهة، وإنما ظروف اقتصادية طاحنة كانوا يعيشون فيها، وكان هؤلاء يلقون باللوم عن تلك المتاعب على أنظمة حكمهم وعلى إسرائيل والغرب كالعادة، وهذه نقطة لا يمكن أن نوفيها حقها من التأكيد، كانوا يخدعون أنفسهم عندما التمسوا لدي الغرب حلا لمشاكلهم الداخلية، فالديمقراطيات الغربية التى يفترض أنها مستقرة والتى أعتبروها قدوة ونموذجا، استغرقت قرونا للخروج من خندق الدين الدموي المؤلم، الذي قام على تربة غنية بالحروب والتطهير العرقي والإبادة الجماعية والتجارب الوحشية في المثالية السياسية، لاسيما وأن ثروة الغرب وقوته قد نشأت عبر قرون من الاستغلال للبلدان الفقيرة.
* يتناول هذا الكتاب ثورات «الربيع العربي» التي رأى أغلب المحللين السياسيين في العالم أنها نبعت من شوق إلى الحرية والديمقراطية في بلدان طالما حُكمت بالظلم والاستبداد، ولكن المؤلف يتناول هذه الثورات من منظور مختلف تمامًا.
يزعم مؤلف الكتاب أن ثورات البلاد العربية والإسلامية لم تندلع مطلقًا من أجل الحرية والديمقراطية، وإنما لأسباب مختلفة تمامًا، والدليل على ذلك هو أن المؤمنين بالحرية والديمقراطية لن يحكموا تلك الدول في نهاية الأمر، وإنما سيكون مصيرها هو حكم الإسلاميين الذين سيعتلون السلطة فيها ويمارسون استبدادًا أشد وطأة، كما حدث في إيران.
عن المؤلف
جون آر برادلي: مراسل صحفي بريطاني وُلد عام ١٩٧٠م. أقام في منطقة الشرق الأوسط في الفترة ما بين عامي ١٩٩٨م و٢٠١٠م. يتحدث برادلي العربية بطلاقة، وألف أربعة كتب تتناول الوضع في المنطقة وتستند إلى حد كبير على خبراته الشخصية فيها. من بين هذه الكتب «في قلب مصر: أرض الفراعنة على شفا الثورة» الذي نشر للمرة الأولى عام ٢٠٠٨م، ولاقى إشادة كبيرة من النقاد. في هذا الكتاب نجح برادلي في رسم سيناريو بالغ الدقة لثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١م.
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
DOWNLOAD OPTIONS
أو
أو
لشراء الكتاب :
النسخة العربية
النسخة الإنجليزية



ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق