رواية اكتشاف الشهوة
فضيلة الفاروق
منشورات رياض نجيب الريس- بيروت 2006 م
نبذة عن الكتاب والكاتبة:
تتحيّن فضيلة الفاروق كل فرصة تتاح لها من أجل إعادة ترتيب الأفكار التي تؤمن بها ، والتي ترغب في أن تترك لها حيزاً واسعاً في ذهن القارئ العربي عامة والجزائري بصفة خاصة.. هي طبعاً لا تنتظر من يمن عليها بفضاء معيّن من أجل البوح ، فها هي تقذف في وجه ذهنيات تراها مغلقة روايتها اكتشاف الشهوة الصادرة عن دار رياض الريّس بلبنان، في انتظار طبعة جزائرية.
الكتابة عند فضيلة الفاروق بوح لصيق بالذات، لم تختلف اكتشاف شهوتها كثيراً عن مزاج مراهقتها الأولى .. لا تزال قسنطينة حاضرة بكل زخم عاداتها وحاراتها وحزنها الفائض عن كل إطار.. لا تزال لوثة الحديث عن عشق المدن مستفحلاً بها، هي التي لا تتخلي عن هامش الجسور المعلقة الذي يشبه إلى حد كبير هامش الكتابة والتمرد عندها .
لو جاز لنا أن نقسّم الرواية إلى فصول، وهذا ما تجنبته الكاتبة، لوجدنا أنفسنا عند حدّ يفصل الحكاية إلى شطرين.. مع خيوط رفيعة تشي بتماسك الخيال والواقع رغم الشرخ الفاصل بينهما ، والبادي للعيان بقوة، خاصة مع طرح تقدمه الكاتبة ، وبإصرار قويّ منها على تعديل مجري الأفكار البالية التي أخذت لها نهراً جارفاً منذ عصور بائدة..
باني .. هي المرأة التي تراهن عليها الكاتبة، الأنثى كانت الشخصية المحورية، ككل مرة في كتابات فضيلة الفاروق، وقد كانت أنثاها هذه المرة أكثر من ينادي بالتحرر والتخلي عن العادات والتقاليد المنمّطة، والتي قيدت المرأة في أقفاص ضيقة، وجعلتها مرتبطة بحجب لصيقة بها منذ الولادة ولكن حتى باني في حد ذاتها لم تستطع أن تقف علي حياد، فهي تدرك أن اقتلاع مثل تلك الأشياء أمر صعب.. هذا إن لم يكن مستحيلاً، نراها هي الأخرى في حرب رمال متحركة بين الدين والانعتاق منه، طبعاً هو كغريزة فطرية يصعب استئصاله أكثر من أي شيء آخر..
نراها تحارب موجات التفكير في الخيانة بنفسها، تنزوي من أجل الصلاة والاستغفار، تقرأ القرآن أيضاً بحثاً عن راحة نفسية ينتهكها الزوج الغريب، هذا الكائن القريب/ البعيد عنها.. جمعتنا الجدران وقرار عائلي بالي، وغير ذلك لا شيء آخر يجمعنا، فبيني وبينه أزمنة متراكمة وأجيال على وشك الانقراض.. .
مقتطفات من رواية اكتشاف الشهوة :
- الفشل في الزاوج يبدأ حين نرى الاشياء بمنظورين ليس فقط مختلفين بل متناقضين.
- جميعنا نعيش في قفص خارج اجسادنا تماماً خارج رغباتنا .. نحلق في فضاء من القوانين المبهمة والتقاليد التي لا معنى لها ونظن أننا أحرار .
- أحتاج للجلوس إلى كل نساء العالم لأفهم كيف يبسطن وكيف يعشنها دون أن يكترثن لما أكترث له أنا .
- مجنونة لأنني اقدمت على زواج كهذا .. ومجنونة لأني رغم فشلي الواضح في خوض التجربة إلى آخرها .. مازلت أتشبث به.
- لقد تعلمت أن الدنيا كبيرة وواسعة .. وإننا يجب أن نحتال عليها لنعيش .. وتعلمت أن أكثر الرموز حقيقة هي من صناعة أوهامنا.
- نحن العربيات نميل دائماً للمعطوبين عاطفياً .. نحب أكثر .. الرجال المكسورين في الداخل .. المنهارة مشاعرهم تحت سيل تجارب فاشلة.
- بعد أوهام أحتلتني ونصبت الرايات على مرتفعات قلبي .. ظننتني وجدت رجل العمر فيما خيبة أخرى - ليس أكثر- كانت في انتظاري.
- لماذا نصر على تخنيط علاقتنا .. وإبقائها رغم أنها ماتت بالفعل .
- الإيمان في الحقيقة بديل جميل للحب .. لكنه ليس بديلاً للشهوة ومشكلتي كانت بالضبط شهوة على حب على جنون على شئ لا أفهمه .
- الحب الحقيقي لا يكون من طرف واحد .. فبعض الأهداف العاطفية أكثر من لعبة الّلاشعور .. نحن نحب رغبة منا في أن نحب .. وليس رغبة منا في أن ننكسر ونتحطم .
- أنه يحولني يوماً بعد يوم إلى قطعة نرد خاسرة وعقرب العمر يشير إلى خطورة استمرار اللعبة .
- أظنني بحاجة إلى بعض الوقت لارتب عواطفي من جديد من أجل شخص يستحق ذلك .
- الوحدة قاتلة لا فرق بينها وبين الموت .
- مؤلم .. حين نعيش على هامش أنفسنا وحين تعبرنا الحياة وكأننا غير معنين بها .
- مؤلم أن تجهل المرأة ما تحويه أعماقها من مناجم وتقضي حياتها تعاني من فقر عاطفي أو قحط حقيقي لكل معاني الحياة.
- العمر يتوقف عند النكبات .
- الجنس بلا عاطفة عنف نمارسه على أنفسنا .
_ ما أقسى أن نسلم أجسادنا باسم وثيقة زواج لمن يقيم وشة عمل عليها أو بحثاً عن المتعة .. وكأننا نقتطع ورقة يانصيب من النادر أن تصيب .
- الباب الذي تأتيني منه الريح لا يمكن سده لأستريح .. بل يجب علي كسره والوقوف في وجه الريح حتى تهدأ .
- حين نصاب بقحط عاطفي نشعر بيتم حقيقي وسط عالم مكتظ .
- إننا لا نتقدم خطوة إلى الأمام .. إننا نلتف حول أنفسنا في النقطة ذاتها .
- المخيلة هي جزؤنا الذي لم يدجن بعد .. أما أجسادنا .. عقولنا .. عواطفنا .. أحلامنا .. كلها أودعت سجون التدجين.
- كيف تتحرك مخيلة مجتمع نساؤه صامتات .. تضيع أصواتهن في مشادات عائلية تافهة أو في أفراح لا معنى لها لزيجات فاشلة حتى النهاية .
- نحن شعب تعودنا على القمع ولهذا يستحيل أن نتحرر دفعة واحدة .. يلزمنا ثورة تتوارثها أجيال لنتخلص تماما من نظام السجون الذي نعتبره نمطاً لحياتنا .
- حين نبكي على الرجل الأول الذي نفقده .. ثم على الرجل الثاني .. ثم الثالث .. نكتشف أن العملية مرهقة وسخيفة .. وندرك أن الحياة قد لا تتوقف عند حدود رجل .
- حين نستسخف جراحنا .. فهذا يعني أننا تجاوزنا مرحلة التفكير بعواطفنا وأن عقولنا بدأت تشتغل .
- ألسنا نحن التقليديين أكثر توهما أننا نحب أكثر .. الشخص الذي نفقده أكثر .
ملخص عن الكتاب:
“اكتشاف الشهوة" هي الرواية الثالثة للكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق، البطلة "باني بسطانجي" نسخة أخرى لـ "خالدة مقران" في تاء الخجل أو "لويزا" في "مزاج مراهقة"، مع فارق ارتفاع درجة تمردها وثورتها في هذه الرواية.
إنها تضعنا منذ البداية في أجواء حياتها العائلية عبر تصوير علاقاتها الفاترة بزوج لم تختره. زوج انتظرته طويلاً لكنه لم يكن في مستوى انتظارها. فأنتج ذلك فتوراً ونفوراً بدءاً منذ الليلة الأولى لحياتهما معاً، وألقى السرد وزرهما على "جهة ما" ربطتها بهذا الشخص المُهاجر المقيم في باريس. زواج انتزعها من مدينتها قسنطينة ومن حيِّها هناك "شارع أو زنقة شوفالييه" حي تحبه كثيراً، عاشت فيه كل أطوار حياتها السابقة بكل آمالها وأحلامها وحنقها على نفسها وعلى الدنيا كلِّها. حنق هو مصدر كل خيباتها، فقد كانت رغبتها الأولى "أن تصبح صبياً!" (ص 15)، الشيء الذي جعلها منذ أن بدأت تدرك العالم وتعي الدنيا "فتاة غير مسالِمة(...) لا ذكرٌ هي ولا أنثى" (ص 15) لا هوية لها غير الغضب الذي "يملأها تجاه العالم بأكمله" (ص 15)، "صبي مشوه يقيم عالمه الخاص، في انطواء على نفسه ورفض لمنطق الطبيعة" (ص 15). رفض جعلها تنفُر من حياتها الزوجية نفوراً تاماً وتبحث عن الشهوة في العلاقات المحرَّمة... تبحث عنها عند "ايس" و "شرف" صديقيها اللبنانيين اللذين تعرفت إليهما عند جارتها في باريس "ماري"، اللبنانية هي أيضاً "المتحرِّرة من كل القيود" (ص 36)، والتي توفِّر لها النموذج الذي تريد أن تكونه (ص 36). وتبحث عنها كذلك لدى قريبها توفيق الذي يعيش هو أيضاً في باريس. نكتشف كل هذا في سردِ البطلة ليومياتها هنا وعلاقاتها بمحيطها الجديد هذا، سرد لا يهمل يومياتها في الوطن وعلاقاتها بمحيطها هناك حتى بعد عودتها إليه من باريس منهية علاقتها بزوجها "مولود" أو "مود" كما يناديه أصدقاؤه. عادت من دون أن تودِّع أحداً، ولتبدأ فصولاً أخرى من حياتها أكثر إثارة، يميزها الرفض التقليدي للطلاق وللمطلَّقة، وسط عائلة تغيرت بعض الأشياء فيها أثناء غيابها.
في قسنطينة يحدُث تحول كبير ومفاجئ ينسخ كل ما سبق. تفتح البطلة عينيها في المستشفى، في قسنطينة وترى قبالتها طبيباً يخبرها أنها ترقد هنا منذ أكثر من سنة أي منذ ما يعادل الفترة التي يُفتَرض أنها قضتها في باريس بحسب ما مرَّ في الرواية. تعلم منه أيضاً (ونحن كذلك) إنها تعيش فاقدة الذاكرة منذ ثلاث سنوات، منذ أن انتُشِلَت من تحت أنقاض بيتهم الذي جرفته السيول التي إجتاحت قسنطينة حينها. وكانت عادت إليه إثر ترملها بوفاة زوجها "مهدي عجاني" اغتيالاً. كان زوجها مهندساًً التحق بالشرطة السرية، اغتاله الإرهاب قبل أن يتسلَّم السكن الذي كان موعوداً به، عائلتها موعودة هي أيضاً بسكن باعتبارها من منكوبي الفيضانات المشار إليها. استغلت الراوية هذه الجزئية لتوجه انتقاداًً ساخراًً، مُراًً، لمن وعدوا معظم الشباب الجزائري ببيوت، "فسكن هؤلاء الشباب القبورَ قبل أن يعرفوا معنى الحياة" (ص 126). وهذه بالمناسبة إشارة إلى إحدى أكبر معضلات الجزائر وأقدمها، معضلة استعصت على الحل: أزمة السكن. كان زوجها المغتال رفض الإنجاب قبل أن يعود السلام إلى الجزائر. أما الأشخاص الذين ورد ذكرهم في النصف الأول من الرواية والذين عاشت البطلة بينهم في باريس فقد توفَّوا كلُّهم (وبعضهم بالمناسبة أشخاص حقيقيون، ص 107/108) في ما عدا توفيق بسطانجي قريبها وأحد عشاقها في باريس أيضاً، والذي سنصادفه في نهاية النص.
أما كيف انتهت الرواية فبعجائبية جاءت على الشكل التالي. في اخر جلسة لها مع الطبيب سلمها أمرا بأنها تستطيع الخروج نهائيا من المستشفى معربا عن أسفه "لأنني أخرتكما كل هذا الوقت." تنظر كي ترى من هو الثاني فإذا به توفيق. توفيق الذي كان في باريس. باريس التي لم تعرفها ولم تزرها إلا خلال غيبوبة السنوات الثلاث. "ركبنا السيارة معا وحين تحركت بنا أحتضنت ذراعه وأسندت رأسي إلى كتفه وأنا أشم رائحته. نفسها تلك الرائحة التي جعلتني أشتهيه وأستسلم له وأتمناه دائما أن يكون بقربي."
رواية "اكتشاف الشهوة "ودخول العولمة بجسد المرأة
التجديد العربي - الأحد 12 ديسمبر 2010 -جميل السلحوت-ثقافة وفنون :
في روايتها "اكتشاف الشهوة" تخرق الروائية الجزائرية فضيلة الفاروق كل "التابووات "-المحرمات- ظنا منها انها تدافع عن حقوق المرأة، مع أن اعطاء المرأة حقوقها واجب على كل شخص ذكرا كان أم أنثى، ووضع المرأة العربية والمسلمة غير مرض وغير مقبول في كافة الدول العربية والاسلامية، نتيجة للعقلية والتربية الذكورية والعادات القبلية والعشائرية.
والثقافة الجنسية العلمية والدينية الصحيحة، ما عادت من المحرمات، مثلما لم تكن هي كذلك في السابق، واللافت أن من كتب فيها سابقا هم في غالبيتهم رجال دين لتبيان الأحكام الشرعية في هذه القضية، لكن فضيلة الفاروق تعدت حدود الدين وحدود الثقافة في روايتها هذه، فقدمت لنا صورا جنسية فاضحة، مع أنها نفت في مقابلات صحفية منشورة معها أنها كاتبة جنس، واعترفت بأن عائلتها كادت تتبرأ منها لروايتها هذه، وأنها أعلنت توبتها عن الكتابة عن مسقط رأسها ومدينتها "قسنطينة" الجزائرية، ويبدو انها وجدت ضالتها في بيروت التي أقامت فيها بعد زواجها من لبناني. وروايتها اكتشاف الشهوة "يبدو أنها جاءت استجابة للدعوات الغربية التي تدعو الى عولمة الثقافة، وهذا فيه دعوة صريحة لفرض ثقافة الأقوى على الضعيف، أيّ فرض الثقافة الأمريكية والأوروبية على الشعوب الأخرى، مما يعني طمس ثقافة هذه الشعوب، ويبدو أن بعض الكاتبات والكتاب العرب، لم يأخذوا من العولمة سوى الانفتاح الجنسي ان لم نقل الاباحية الجنسية، أما العلوم والاختراعات بشتى أصنافها وأشكالها فليست واردة في حسابات البعض.
وتتجلى الاباحية في رواية "اكتشاف الشهوة " في أكثر من موقع، فالزواج عهر كما جاء على لسان بطلة الرواية ليلة زفافها: "بين ليلة وضحاها اصبح مطلوبا مني أن أكون عاهرة في الفراش، أن أمارس كما يمارس هو، أن أسمعه كل القذارات، أن أمنحه مؤخرتي ليخترقها بعضوه،.... ولهذا تطلقت لاحقا "، وبما أن الزواج عهر، فان "الفضيلة " في الممارسة الجنسية مع أكثر من شخص خارج الحياة الزوجية، والعهر ليس حكرا على المرأة، بل يشاركها الرجل أيضا هذه الصفة، فالأزواج لا يجدون سعادتهم مع الجنس الآخر الا من خلال العاهرات والخمور والمخدرات، ومصيبة المصائب على الجنسين تقع من خلال عقد الزواج، فالمرأة الزوجة التي يعاشرها زوجها دون الانتباه لمتطلباتها الجسدية والغريزية تروي البطلة على لسانه عندما احتجت على ذلك: " قال انه يمارس الجنس حسب شرع الله، وهذا المطلوب منه لا اكثر "ص92 وتقول " في مجتمعنا من العيب ان تسأل امرأة متزوجة هل تحب زوجها أم لا؟......... الاعتراف بالحب شبهة، والشبهة تعني ضلالة، والضلالة-والعياذ بالله- تقود الى النار. ما أخطر الاعتراف بالحب! انه كالزنا، كاحدى الكبائر، أو كالقتل "ص99 ولا أعلم بناء على أي شيء اعتمدت الكاتبة في فتاويها هذه، التي فيها تشويه للحقائق وكذب وافتراء على الدين وعلى العادات، فلا الدين ولا العادات يمنعان المحبة بين الزوجين، بل أنهما يحضان على ذلك.
والكاتبة التي لم يرد في روايتها أيّ علاقة سوية بين زوجين، كانت علاقات الحب والجمال بين الزوجات ورجال متزوجين في باريس، بينما طمس شخصية المرأة واضطهادها وتزويجها، واغتصابها من قبل زوجها من نصيب مدينتها قسنطينة. فالنعيم في باريس والجحيم في الجزائر، ونعيم باريس يتأتى بالخيانة الزوجية، فالجزائر بلد الحريم، وباريس بلد الحرية والانطلاق.
والرجل الذي يمارس الجنس مع غير زوجته عاهر وخائن، والمرأة التي تخون زوجها متحررة وباحثة عن السعادة.
غير أن الكاتبة التي رأت بطلة روايتها سعادتها في تعدد العشاق- باستثناء الزوج طبعاً في باريس، لم تتحدث عن الآفات الجنسية الناتجة عن الانفلات الجنسي في باريس وغيرها، والتي لا تقتصر على الإيدز بل تتعداه الى أمراض أخرى، تقضي على حياة البشر، وتورثها لأطفال أبرياء لا ذنب لهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق