الفلسفة في زمن الإرهاب
حوارات مع يورغن هابرماس وجاك دريدا
تـأليف : جيوفانا بورادوري
ترجمة : خلدون النبواني
الناشر : المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - الدوحة
الطبعة : الأولى 2013
عن الكتاب :
” ... حواران شائقان أجرتهما الباحثة الأميركية جيوفانا بورادوري مع فيلسوفين يتميّزان بحضورهما العالمي. وقد سارعت إلى التقاط آرائهما بعد هجمات 11 أيلول / سبتمبر 2001، لتُسجّل من جانب ثانٍ بعض آخر ما قاله دريدا قبل وفاته في عام 2004، في حدث تاريخي فريد يرى أنّ فهم الإرهاب يكون بتفكيك مفهوم الإرهاب لأنّه المسلك الوحيد لتبيان عناصر الإرهاب من إرهاب الدولة إلى الإرهاب المحلي والدولي.

محاورة هابرماس كانت كثيفة مطبوعة بالفلسفة الألمانية الكلاسيكية التي اكتسبها في ألمانيا، ومحاورة دريدا تأخذ القارئ في طريق طويلة ومتعرّجة تُبرز مقدرته على الجمع بين الابتكار والدقّة وبين المراوغة والحسم، ومهما افترق الفيلسوفان يعودان إلى الالتقاء ومهما التقيا يعودان إلى الافتراق؛ فدريدا اليهودي الذي عانى التمييز العنصري في عهد حكومة فيشي يبقى الأقرب إلى قضايا العرب ومعاناتهم، فيما يبدو هابرماس متلبّسًا فظاعة المحرقة اليهودية التي تُثقل ضمير الألمان، ولكنّهما معًا مشغولان بمستقبل أوروبا وبتطوير القانون الدولي، ويرفضان الانغلاق القومي ومعاداة الأجنبي. "الديمقراطية والتحرر للجميع" لازمان. ويرى الفيلسوفان أنّ على أوروبا تحقيقهما كي لا يموت التنوير .“
رؤيتى لـ « القرن الحادى والعشرين»
(30) الفلسفة فى زمن الإرهاب
حركة مصر المدتية - د. مراد وهبة :

ومعنى ذلك أن التحرر من الارهاب ليس ممكناً من غير إزالة وَهْم الحقيقة. وهذه الإزالة ليست ممكنة من غير معونة الفيلسوف.
والسؤال إذن:
مَنْ هو هذا الفيلسوف؟
جواب هذا السؤال وارد في كتاب صدر في عام 2003 تحت عنوان رئيسي ز الفلسفة في زمن الارهاب وعنوان فرعى (حوارات مع هابرماسودريدا). وقد أجرت تلك الحوارات فيلســوفة إيطـالية اســـمها جـــيوفانابورادورى (1963) ومقيمة بأمريكا منذ عام 1989. وقد حدثت تلك الحوارات عندما ذهب كل من الفيلسوف الألماني هابرماس والفيلسوف الفرنسي من أصل جزائرى دريدا إلى مدينة نيويورك في أكتوبر عام 2001، أي إثر أحداث 11/9 بأقل من شهر، وهما من أعظم فلاسفة القرن العشرين. وقد وافقا على الحوار على الرغم مما بينهما من عداوة تاريخية.
والسؤال بعد ذلك:
مَنْ هو الفيلسوف القادر على اجتثاث جذور الارهاب في رأى كل من هابرماس ودريدا؟
بينهما اتفاق وافتراق. الاتفاق فى أن أحداث 11/9 تلزم فلاسفة أوروبا على إعادة النظر في مُثل التنوير المتجذرة في التراث الأوروبي منذ القرن الثامن عشر، والتي كان من شأنها تأسيس النظام السياسي والقانوني للدول والمؤسسات. كما أنها تلزم فلاسفة أمريكا بإعادة النظر فى الفلسفة البرجماتية أساس النظام الديمقراطي الأمريكي والتي تعنى أن الفكرة تكون صادقة إذا كانت نتائجها نافعة، وتكون كاذبة إذا كانت نتائجها ضارة. ومعنى ذلك أنك لا تستطيع أن تحكم حكماً مسبقاً على صحة قضية معينة بل عليك أن تنتظر حتى ترى نتائجها. ومن هنا يرى كل من هابرماس ودريدا أن الفلسفة البرجماتية عاجزة عن مواجهة الارهاب إلا بعد تدميره للدول والشعوب حتى تقر أنه ارهاب وأنه يستحق المواجهة.
والاتفاق بين الفيلسوفيْن قائم كذلك في أنهما ينظران إلى أنهما من فلاسفة ما بعد المحرقة التي مارستها النازية ضد اليهود والتي دفعت الفيلسوفين إلى تناول النازية وما يتبعها من نظام شمولي. إلا أن هذا التناول لم يسمح لها بالنظر فى الارهاب نظرة فلسفية. فهو بلا أجندة سياسية، ومن ثم ليس له علاقة بأي نظام. ويترتب على ذلك أنه بلا معنى محدد. ومع ذلك فإن الفيلسوفين اتفقا على أن الارهابيين الذين دمروا مركز التجارة العالمي كانوا ضد الحداثة.
والسؤال إذن:
ما الحداثة؟
جواب هابرماس أن الحداثة تغيير فى «أسلوب» الاعتقاد وليس فى «مضمونه» وأن الأصوليات الدينية مهمومة بالأسلوب دون المعتقد، ولهذا تم حصرها فى استجابتها العنيفة ضد الأسلوب الحديث فى فهم الممارسات الدينية. أما المعتقد فهو الأصل الذى لا يُمس. ومن هنا يمكن القول بأنه إذا طلبت الحداثة من المعتقد التنازل عن سمته الكامنة فى امتلاكه الحقيقة المطلقة لكى يتعايش مع مجتمع يتسم بالتعددية فى جميع المجالات فإن العنف هو استجابة المعتقد لذلك المطلب. والعنف، عند هابرماس، هو الوسيط بين الأصوليات الدينية والارهاب.
أما دريدا فإنه يرى أن الارهاب ظاهرة عرضية لصدمة الحداثة، وإذا كانت الحداثة ثمرة التنوير فيلزم إعادة النظر في التنوير. وإذا كان التنوير هو الذى أيقظنا من (السُبات الدوجماطيقى) الذى كنا فيه قبل الحداثة، وإذا كانت هذه الحداثة ذاتها هي التي أحدثت الصدمة الثانية فمعنى ذلك أننا وقعنا مرة ثانية فى السُبات الدوجماطيقى وعلينا أن نستيقظ. ولكن السُبات فى هذه المرة مردود إلى أننا لم نلتفت إلى تطور الحداثة إذ دخل العلم في علاقة عضوية مع التكنولوجيا وذلك إثر اختراع الكومبيتر الذى من شأنه أن يدخلك في ارهاب جديد وذلك بإدخال فيروس معين فى الكومبيتر يسمح لك بأن تشل حركة دولة بل حركة قارة بأكملها، وبالتالي يصبح 11/9 من مخلفات الماضي.
وهنا يثير دريدا سؤالاً محورياً:
إذا كان الفيلسوف الألماني العظيم كانط هو الذى أيقظنا من السُبات الدوجماطيقى في المرة الأولى في القرن الثامن عشر فمن هو ذلك الفيلسوف الذى سيوقظنا من ذلك السُبات فى المرة الثانية؟
ه ذا الفيلسوف يشترط أن يكون فيلسوفاً سياسياً، وليس فيلسوفاً بالمعنى التقليدي الذى يحصر نفسه في تناول معانٍ مجردة، وأن تكون مهمته تفكيك الوضع الكوكبي القائم على مفهوم (الأمة – الدولة) المستقلة، من أجل ايجاد مؤسسات دولية وقانون دولي ينشد بزوغ (المواطن العالمي) ولكن مع الانتباه إلى أن الديمقراطية القادمة في مستقبل الأيام ستتجاوز ذلك المواطن إلى (الانسان العالمي).
والرأي عندي أن الارهاب الكامن في الأصوليات الدينية مصدره عقل دوجماطيقى منغلق على حقيقة مطلقة ترفض أن يكون لها مغاير، وإذا وُجد فالإرهاب جاهز للقضاء عليه. ولهذا كان الأجدر بدريدا الانشغال بتفكيك ذلك العقل الدوجماطيقى وليس بتفكيك المؤسسات السياسية حتى لا تبزغ مؤسسات أخرى دوجماطيقية عند تجاهل تفكيك ذلك العقل. وإذا تم ذلك التفكيك فالبديل عقل منفتح لا يتشغل بالحقيقة المطلقة إنما يكون مهموماً بتطوير الانسان في اتجاه التقدم والسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق