ارتطام لم يُسمع له دوي
بثينة العيسي
الدار: مكتبة آفاق-الكويت
ط٢-٢٠١٣

" مقتبس قصير من جسد رواية ( ارتطامٌ .. ) أن توفق الكاتبة بأن تختزل كماً هائلاً من تناقضاتنا ( إنّا ) الإنسان الشرقيّ العربيّ، ابن أو ابنة العالم الثالث.. الذي لم يعد ثالثاً.. ( .. لم يُسمع له دويّ ) ليست صوتاً مباشراً أو ضمنياً بأيديولوجية بذاتها، لكنها – بذاتها – انتصار لإنساننا إياه، فمحاولة لإضاءة جانب – و إن بدا متواضعاً – للظلام الحالك المعشش في الأغوار ( منّا ) ..
عرفتها قاصة، و تابعتها، بين آونةٍ وأخرى، شاعرة مرهفة، و هاهي – أحسدها – روائية، مؤهلة لأن تحتلّ موقعاً تجريبياً مميزاً. تعرية اللغة إلى جانب جزالتها، رهافة تتشرب بالصدق، مما يحقق للنص حميمية الالتقاء بذات المتلقي، بهدف الانماء إليه .. إليها. إذا أجزنا لأنفسنا القول ( هناك رواية في الكويت ) أقول : هذه الرواية خطوة نوعية نحو الواعد.
مقتطف من الرواية
عندما تندس الطفلة الصغيرة
عندما تندس الطفلة الصغيرة
داخل لحاف من غيم ومطر
وتحلم بالشمس
ستكبر
نجمة مجنونة!

نهارات هذه المدينة كائنات خافتة, تأتي باذرع متشابكة وكأنما تخشى ان تفلت من الزمن لحظة دونما ضوء, هنا .. لا تجد العتمة إلا في باطنك العميق, حيث أنت وحدك توغل في التيه, العالم من حولك يتحدث كل اللغات إلا لغتك, وأنت بجلدك الأسمر ناشز عن اللوحة, فاخلع نعليك ! ليس امتثالا لطقوس المثول في الاودية المقدسة, إنما لتركض في داخلك بأسرع ما تستطيع.
تبدو الحياة في السويد مثل يوم واحد طويل, أمر رائع! ان تعيش مفرغاً من الانتظار, أن تكون كل أيامك صباحات مباركة, لان الليل وحده يملك مفاتيح تعرية إفلاسك, وأنت –بحكم عروبتك- عار جدا, وتحتاج إلى أوهام تدثر عارك, أو تدثر عريك, لا فرق! عندما تصبح هويتك عورة في عالم يناقض كل بديهياتك.
لا شيء هنا أعرفه,
لا شيء هنا ... يعرفني.
يمتد ظله تحت قدمى, ألتفت بارتباك, أرتطم بالحذق في عينيه والشيب في شاربيه, يسألني بسخرية فاترة/
- هل سبق أن سافرت ؟!

- نعم, مرة واحدة ... منذ ثلاث سنوات .. للعمرة!
- أنت الآن تسافرين إلى الجنة.
أنظر إليه, أعصر في شفتي ابتسامة, مذ قابلته وهو لا يملأني إلا ارتياباً, عيناه تتبعان فخذي امرأة وافر الدسامة, أشعر بقرف لزج من الطريقة التي يمسك بها بحقيبتي, وشكل ظله على الشارع والأكثر إزعاجاً انني في مدينة فارهة كهذه لا يسعني إلا أن ألتصق به, طفلة مثلي – وحيدة وجبانة- محملة بمهام من الوزن الثقيل, بلغة كسيحة وجبين يتفصد عرقا, كيف بوسعها ان تحتوي هذا الابتعاد الجميل وحدها؟ كنت أحتاج إليه أستاذى, وكرهته لذلك.
- حقيبتك ثقيلة ... هل أحضرت كل العطور والمكياج من غرفتك ؟
- - أحضرت كتبي.
- هل تظنين انك ستنجحين حقاً ؟
يبتسم مرة أخرى, أقرأ في عينيه فضائح ساطعة, هذا الرجل جاء لأسباب أخرى, جاء إلى هنا لأنه وجدها فرصة مثالية للسفر على حساب البلد والنهل من أمواله لأجل التلصص على الأفخاذ, باسم العلم والاكتشاف, لا يلقي بالاً لكونه هنا مسئول وفد يحضر مسابقة عالمية في علم الأحياء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق