سحر البلاغة و سر البراعة
أبو منصور الثعالبي عبد الملك النيسابوري
الولادة : 349 هجرية - الوفاة : 428 هجرية
تحقيق: عبد السلام الحوفي
دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
دار الكتب العصرية - صيدا - لبنان
قصة الكتاب :
كتاب استخرج الثعالبي مواده لأول مرة، من كتابه يتيمة الدهر. ورتبه على (14) موضوعاً على نحو أبواب الحماسات، جمع فيها ما استحسنه من نثر (25) كاتباً من أدباء عصره، وأتى على روائع أمراء الشعر في عصره فجعلها نثراً، وهم (22) شاعراً. اكتفى بتسميتهم في المقدمة ولم ينوه إلى أبياتهم التي حللها في الكتاب. وختمه بباب أورد فيه ما سار من كلمات (14) أديباً ممن سماهم في المقدمة، إضافة إلى كلمات أبي الحسين الأهوازي، الذي لم يسمه فيهم. وختم الكتاب بكلمات له، استخرجها من كتابه (المبهج).
وأراد بذلك كما يقول: أن يكون في متناول الأدباء، يطرزون ديباجة كلامهم بما يقتبسونه من نوره. وأهداه أول مرة للشيخ الرئيس أبي سهل الحمدوني، ثم غير في أبوابه وأهداه إلى صاحب الجيش أبي عمران الكردي، ثم جمع بين فرائد النسختين، وزاد عليهما زيادات، استخرجها كما يبدو من كتابيه (المبهج) و(خاص الخاص) ورفعه لخزانة الأمير أبي الفضل الميكالي. قال: (فلفقت جميع ذلك ونسقته، وسردته وسقته، وأنفقت عليه جميع ما رُزقته...وبوبته ورتبته، وتعمدت فيه لذة الجدة ورونق الحداثة، ولم أشِبه بشيء سوى كلمات أهل العصر، إلا قلائد قلائل من أفاظ الجاحظ وابن المعتز).
والظاهر أنه استخرجه من نسخة اليتيمة الأولى، فهو يذكر في النسخة الثانية من اليتيمة، التي أنجزها سنة 403هـ تقريظاً للكتاب كتبه صاحب (البلغة في اللغة) على ظهر (سحر البلاغة)، منه: سحرت الناس في تأليف سحرك فجاء قلادة في جيد دهرك وقيت نوائب الدنيا جميعاً فأنت اليوم جاحظ أهل عصرك. طبعت مختارات من الكتاب في القسطنطينية سنة 1302هـ ثم طبع كاملاً بلا تاريخ في دمشق بتحقيق أحمد عبيد: صاحب المكتبة العربية، معتمداً نسخة المدينة المنورة، وهي نسخة ناقصة. ونسخة المكتبة الوطنية بباريس.
وأفاد أن نسخة المكتبة الظاهرية ليست (سحر البلاغة) وإنما كتاب آخر للثعالبي. وطبع بتصحيح عبد السلام الحوفي ببيروت معتمداً نسخة كتبها محمد السرجهاني في المدرسة الخاتونية بماردين سنة 507هـ وأفاد د. الجادر في كتابه (الثعالبي ناقداً وأديباً ص67): أن النسخة التي تحمل عنوان (لباب الآداب) في مكتبة الدراسات الإسلامية العليا ببغداد هي منتخبات من (سحر البلاغة). ولعل ما يحمل هذا العنوان في المكتابات الأخرى يكون كذلك.
ذكر الله تعالى ورسوله وكتابه
صلى الله عليه وسلم وكتابه
مقدمات
الحمد لله تبارك وتعالى، إن أولى ما فغر به الناطق فمه، وافتتح به كلمه، حمداً لله، واجب على كل ذي مقالة أن يبدأ بالحمد قبل افتتاحها كما بديء بالنعمة قبل استحقاقها. الحمد لله كما افتتح كتابه الكريم، وفرقانه العظيم. الحمد لله شعار أهل الجنة كما قال الله تعالى: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين " . حمد الله خير ما افتتح به القول واختتم، وابتدئ به الخطاب وتمم. خير كلمات الشكر ما افتتح به القرآن من الحمد لله رب العالمين.
غرر التحاميد
الحمد لله الذي لم يستفتح بأفضل من اسمه كلام، ولم يستنجح بأحسن من صنعه مرام. الحمد لله الذي جعل الحمد مستحق الحمد حتى لا انقطاع، وموجب الشكر بأقصى ما يستطاع. الحمد لله مانح الأعلاق، وفاتح الأغلاق. الحمد لله إبداء وإعادة. الحمد لله معز الحق ومديله، ومذل الباطل ومزيله. الحمد لله المبين أيده، المتين كيده. الحمد لله ذي الحجج البوالغ والنعم السوابغ والنقم الدوامغ. الحد لله معز الحق وناصره ومذل الباطل وقاصره. الحمد لله الذي أقل نعمه يستغرق أكثر الشكر والحمد لله الذي لا خير إلا منه ولا فضل إلا من لدنه.
وصف الحمد
حمد لا انقطاع لراتبه ولا إقلاع لسحائبه. حمداً يكون لإنعامه مجازياً ولإحسانه موازياً، وإن كانت آلاؤه لا تجازي، ولا توازي، ولا تباري، ولا تجاري. حمداً يتردد أنفاس الصدور ويتكرر تكرر لحظات العيون. حمداً يستنزل الرحمة ويستكشف الغمة. حمداً يبلغ الحق ويقتصيه، ويمتري المزيد ويقضيه. حمداً يؤنس وحشي النعم من الزوال، ويحرسها من التغير والانتقال.
عادة الله جل ذكره
عادة الله لا تطلب لها غاية إلا قصرت الأوهام عنها، ولا تنسخ فيها آية إلا أتي بخير منها، لا يزال الله يجرينا على أحسن عادة، ويقسم لنا أفضل سعادة. عادة من الله كريمة لا تخلف، وعدة من تفضله لا تخلف، على أحسن ما اعتيد، من إحسانه العتيد، عادة الله جميلة تفوت الشكر وتسبقه، وتستوعب الحمد وتستغرقه، عادات الله قد فاتت مرام الهمم، وشأت تواريخ الأمم.
صنع الله ولطفه
للدهر نوائب تتخرم وتتطرف، ثم إن غمراتها تتجلى وتتكشف، فلله تعالى في أثنائها الصنع الجزيل والفرج القريب، سبحان من له في كل قضية ألطاف نعرفها ونثبتها في فضله ونعمته، أو نجهلها فنردها إلى عدله وحكمته. أحمد الله الذي لا يخلي عباده من صنع لهم تنطوي عليه أثناء النكبات إذا طرقت، ولطف بهم يلين صعاب الخطوب إذا جمحت. ألطاف الله تسير إلى عباده في طرق خفية المذاهب، رقيقة الجوانب. لله مع كل لمحة صنع حفي ولطف خفي، لله ألطاف سيبلغ الكتاب فيها أجله، ويعمل الإقبال في إتمامها عمله. صنع الله لطيف، وفضله بنا مطيف.
ذكر الله تعالى في أثناء الكلام
علام الغيوب، ومن بيده أزمة القلوب، الخبير بما تجن الظمائر، وتكن السرائر، العالم بما تفضي إليه الأمور، وبخائنة الأعين وما تخفي الصدور، أكرم مسؤول، وأعظم مأمول، سميع لراجيه، قريب ممن يناجيه، حكمه مقبول، وأمره مفعول، الله يعلم وهو أعلم شهيد، وأقرب للضمير من حبل الوريد، وكل خير بيديه، وتتوجه الرغبات إليه، الله الحفي بساؤله، المشفع لوسائله، الذي بيده مقاليد الأمور، ومفاتيح المقدور، الله منجز عداته، وحافظ عاداته، هو النافذ أمره، العزيز نصره، الجلي صنعه، الخفي مكره، أن الله يقضي ما يريد، وإن رغم أنف الشيطان المريد. هو السميع البصير، العالم بما يجن الضمير، من له الخلق والأمر، وسواء عنده السر والجبر، مولى الخلق، وباسط الرزق قد أحلته على ملي، وكتبت له إلى وفي، إن الله منجز وعده، ولا خلف عنده، الأمر له والخلق بيديه، والاستعانة به والتفويض إليه.
ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق