امرأة الموساد : قصة موردخاي فعنونو
تأليف : بيتر هونام
ترجمة : إبراهيم محمد ابراهيم
منشورات الجمل - بير2002
إن قصة فعنونو التي تفجرت في الساندي تايمز اللندنية في الخامس من أكتوبر عام 1986 أخبرت العالم دون تجمل في استخدام الألفاظ أن إسرائيل كاذبة في هذه القضية الحيوية. وحين تنكر إسرائيل أنها سادس أكبر قوة نووية في العالم أو حتى أنها لا تملك سوى مجرد قنبلة ذرية بدائية واحدة فهي بذلك تتحدى القوى العربية بسخرية كي تصدر عنها استجابة. ولقد أمكنها أن تتوقع بوضوح الاستجابة المحتملة.
وكما كان يحدث في الماضي تململ الدبلوماسيون في وزارة الخارجية في الولايات المتحدة الأميركية وفي وزارة الخارجية البريطانية والدول الصديقة لها في الخارج ثم ظلوا في صمت وسكينة. إذ كانوا بالطبع يعلمون أن إسرائيل كانت تهزأ بالمبادرات الدولية الخاصة بعدم انتشار الأسلحة النووية كما كانوا يعلمون أنه حين ترى إسرائيل وهي تفلت بنشاطها النووي فإن الدول الأقل وداً سوف تقاوم الضغط الذي يمارس عليها كي تحد من طموحاتها النووية.
لذا فإن هذا الكتاب هو محاولة لعرض الأحداث التي وقعت وفضح أفعال المسؤولين عن سقوط مورد المأساوي بسبب محاولته إلقاء الضوء على دور الحكومات التي ساندت عملاً من الأعمال المنافية للشرعية والإنسانية بل وغضت النظر عنه رغم ما يصيب به النفس من غثيان أو تلك الدول التي ساعدت إسرائيل على تطوير القنبلة.
كذلك يكشف هذا الكتاب عن جوانب خفية من قصة فعنونو إذ كيف تم على وجه الدقة انتشاله من إيطاليا وإعادته إلى إسرائيل.
"امرأة الموساد" لبيتر هونام . اضطهاد موردخاي فعنونو بسبب أصوله المغربية دفعه الى الهجرة واعتناق المسيحية 4 من 6
الحياة : هذا الكتاب محاولة لعرض الأحداث التي رافقت السقوط المأسوي لموردخاي فعنونو بسبب محاولته القاء الضوء على دور الحكومات التي ساندت عملاً من الأعمال المنافية للشرعية والانسانية وغضت النظر عنه على رغم ما يصيب به النفس من غثيان وهو مساعدة اسرائيل على تطوير قنبلة نووية. ويروي بيتر هونام، مؤلف كتاب "من قتل ديانا" الذي درس الجريمة والفساد في عدد من البلدان باعتباره من أشهر الذين يجرون التحقيقات الصحافية، جوانب خفية من قصة فعنونو، وكيف تم خطفه من ايطاليا واعادته الى اسرائيل، في محاولة جديدة لفتح هذا الملف وممارسة الضغط داخل اسرائيل من أجل تحرير رجل مهذب أراد ببساطة أن يخبر شعبه كيف أن طغمة صغيرة من السياسيين والجنرالات أنفقت سراً مبالغ هائلة من المال العام.
"الحياة" تنشر حلقات من الكتاب، تناولت السابقة منها قصة الصحافي الكولومبي الغامض الذي كان صلة الوصل بفعنونو، ولقاء الكاتب بالفني الاسرائيلي الذي عمل في مفاعل ديمونا في النقب والتفاصيل الدقيقة لعمل مجمع ديمونا.
في هذه الحلقة تفاصيل النشأة الأولى لفعنونو في المغرب وانتقاله الى اسرائيل وتطوعه للعمل في مفاعل ديمونا ومغادرته الى سيدني حيث تحول الى المسيحية. ترجمة: ابراهيم محـمد ابـراهيم، ويصـدر الكتاب قريباً في منشورات الجمل في المانيا
> كان قرار فضح ازدواجية اسرائيل وما تمارسه من خداع كبيراً بالنسبة الى مورد. حدثت احدى نقاط التحول حين ذهب الى الجامعة وبدأ يهتم بالأفكار السياسية المتطرفة. آمن منذ ذلك بأن بناء ترسانة نووية سرية عمل غير أخلاقي. ولكن مع تمحيص فريق الاستقصاء بعمق في ما كشفه عن ديمونا أصبح واضحاً أن عوامل أخرى ساهمت في قراره هذا. اذ انه من أصل مغربي، لذا أحس بأن اليهود الأشكيناز الذين تلقوا تعليماً أوروبياً والذين كانوا يديرون المفاعل يعتبرونه مواطناً من الدرجة الثانية.
كان التعمق في دوافعه جزءاً مهماً من عملية البحث. لذا كانت التفاصيل عن بواكير حياته على درجة كبيرة من الأهمية، وهو روى بعض ذكرياته. ولد موردخاي في مراكش في 13 تشرين الأول أكتوبر عام 1954، وكان والداه شلومو سليمان ومزال يديران محلاً صغيراً في حي الملا. وهو ثاني أكبر الأبناء من بين 11 شقيقاً وشقيقة. نشأ في حي يهودي غير أنه كان يذهب الى مدرسة تعلم أيضاً العربية والفرنسية.
عندما بدأ يتنامى الشعور المعادي لليهود قرر والد فعنونو بتردد أن يبيع محله ويلتحق ببقية العائلة الى أرض الميعاد. في عام 1963 وكان مورد بلغ الثامنة "ركبنا قطاراً الى الدار البيضاء ثم أخذتنا سفينة كبيرة الى مرسيليا. كان البحر أثناء الليل عنيفاً جداً. فشعر الكثيرون برغبة في التقيؤ. في مرسيليا أخذونا الى مخيم لليهود حيث مكثنا لمدة شهر. ثم ركبنا سفينة كبيرة الى اسرائيل. وصلنا الى حيفا واستقلينا سيارتي أجرة الى تل أبيب ومن ثم الى بئر السبع".
تلقت أسرة فعنونو صدمة كريهة. اذ كانت تتوقع أن تجد نفسها في أرض تتدفق بالمن والسلوى وشقة مريحة فاذا بها في مدينة صحراوية بائسة. تذكر مورد الخيبة التي شعروا بها. "أعطونا كوخاً خشبياً صغيراً مع مرحاض في الخارج. شعر أبي بالضيق الشديد، وانزوى صامتاً في ركن الكوخ".
كانت السنة الأولى قاسية غير أنه أمكن الحصول على شقة أفضل وبدأ شلومو يكيف نفسه مع هذه الحياة الجديدة فاشترى محلاً صغيراً للبقالة وكرس وقت فراغه لدراساته الدينية. وكان الناس ينظرون اليه باعتباره حاخاماً واكتسب احتراماً كبيراً. بدأ موردخاي الدراسة في المدرسة الابتدائية الحديثة البناء. ثم أرسله أبوه عندما بلغ التاسعة الى يشيفا تيخونيت وهي مدرسة داخلية دينية تقع على أطراف البلدة. كان يقضي الصباح في ترتيل الكتب المقدسة فيما كانت ساعات ما بعد الظهيرة مخصصة للدروس التقليدية. يتذكر أنه كان سعيداً في البداية مع وجود الكثير من الأصدقاء. كان يستمتع بالرياضيات خصوصاً، لكن استظهار التوراة وحفظها من دون فهم جعله رويداً يفقد حماسته للدين.
في السابعة عشرة حين غادر المدرسة كانت تخيم على قلب أبيه خيبة أمل عميقة بسبب علمانية ابنه. مع ذلك كان فخوراً لأن موردخاي تخرج بدرجات ممتازة. كان فعنونو يشعر بطموح عارم لأن يصبح طياراً. وبعد التغلب على العقبات المعتادة التي توضع أمام التحاق اليهود العرب بالقوات الجوية سمح له بالتقدم الى امتحان الفحص ولم تكن تنتظره أي نتيجة سوى الرسوب. اختار الجيش وسرعان ما صار قائد فرقة صغيرة وقام بجهد جيد في حرب يوم الغفران عام 1973. التحق قبيل عيد ميلاده الـ21 عام 1975 بجامعة رمات افيف في تل أبيب لدراسة الطبيعة، لكنه رسب في امتحانين مهمين. عندما عاد الى بئر السبع كسير الخاطر علم من أحد أصدقاء أخيه ميير أنهم يعلنون عن وظائف بمرتبات جيدة للعمل في حجرة المراقبة في المفاعل قرب ديمونا أي مركز الأبحاث النووية. كان للمركز فرع للتعبئة في بئر السبع، وبعدما ملأ استمارة موسعة خضع لاستجواب تفصيلي عن عاداته وارتباطاته السياسية. وبعد تسعة أشهر من الاختبار والمراقبة، انضم الى كشف المرتبات كمتدرب في الثاني من تشرين الثاني نوفمبر عام 1976. قضى الأسابيع العشرة الأول في الوظيفة في دورة منهكة درس فيها الكيمياء والفيزياء والرياضيات والانكليزية. في شباط فبراير ألقى نظرته الخاطفة الأولى على المجمع العلمي الكبير الذي قدر أن يصبح حياته على مدى السنوات الثماني التالية. في احدى حافلات الفولفو ذات اللونين الأزرق والأبيض وصل مع زملائه من المتدربين عند أولى نقطتي تفتيش تابعتين للجيش في المنطقة المحيطة بالمجمع حيث زودوا تصاريح أمنية، وطلب منه أن يوقع على قانون الأسرار الرسمية الذي يقضي بالسجن 15 عاماً لمن يكشف عن امور امنية حساسة. كما كان عليه أن يعد بعدم زيارة أي دولة شيوعية أو عربية لمدة خمس سنوات على الأقل بعد تركه للوظيفة. عين في مجموعة مراقبة العمليات للعمل في النوبة الليلية، وارتفع راتبه من 300 دولار الى 500 دولار شهرياً وهو معدل مرتب جيد بالنسبة لفني في الصناعة الاسرائيلية.
انتقل في آب أغسطس 1979 موقتاً الى ماخون 4 حيث كانت تعالج البقايا الاشعاعية الأكثر خطراً. في تشرين الثاني انتقل مرة أخرى الى الوحدة 95 من ماخون 2 وهو مصنع الليثيوم 6، وفي هذا الوقت بدأت أفكاره تتغير. التحق بجامعة بن غوريون في بئر السبع لدرس الهندسة. وخلال أسبوع انتقل لدرس الاقتصاد وبدأ دورة دراسية قصيرة في الفلسفة اليونانية وبدأت الأفكار تتقاذفه حول صحة ما كان يفعله في ديمونا. استمر في العمل على أي حال الا أنه أصبح أكثر فضولاً في شأن ألغاز ماخون 2 كما أخذ اهتمامه بالسياسة يزداد. ولما كان عمله بصفة رئيسة خارج ساعات العمل المعتادة ألقى في خضم الحياة الطلابية وانتخب ممثلاً لقسم الفلسفة في مجلس الطلبة في كانون الاول ديسمبر عام 1983. وكانت هذه نقطة تحول فكرية فأصبح منخرطاً أكثر في السياسة، ما أثار الشكوك ودفع مسؤولي الأمن في المجمع الى استجوابه.
لم يكن الوحيد في أسرته الذي كان يحس بعدم الرضا أو الارتياح. فأخوه ميير عاد الى اسرائيل من رحلة الى الولايات المتحدة حيث أكمل دراساته القانونية. بعد بضعة أشهر غادر مرة أخرى قائلاً ان الحياة في اسرائيل لا تطاق وتغص بالاتجاهات السياسية الرجعية. شعر مورد بالحزن، اذ كان هو وميير دائماً على علاقة وثيقة. غير أن آراء ميير ساعدته على أن يرى الأمور على نحو أكثر وضوحاً. احتاج الى معرفة المزيد عن ماخون 2، اذ لا يمكن لهذا المرفق الضخم الغالي الكلفة أن ينتج فقط حفنة من الأسلحة النووية الردعية. كان قلقاً من أن الهدف منه أداء أغراض أكثر مدعاة للتساؤل الى حد بعيد كتزويد اسرائيل وسائل شن الحرب ضد بلاد الشرق الأوسط الأخرى وربما أبعد من ذلك.
في مطلع عام 1985 قام مورد بزيارته السرية الأولى الى قسم التعدين في مستوى خمسة الذي أشيع عنه أنه منطقة تصنيع الأسلحة. شعر بالذهول من هول ما رأى من تعقيد في المعدات المركبة في الحجرات المنفصلة على طول الممر.
أصبح فعنونو يوماً بعد يوم أكثر تجاسراً على الجهر بتأييده للاستقلال الفلسطيني. تم استدعاؤه وتحذيره مرة أخرى من أنه يزداد حمقاً وتهوراً اذ يزج بنفسه في المعتقدات السياسية للجناح اليساري. وفي تلك الفترة أصبح أكثر سخطاً على النظام الطبقي البغيض القائم داخل المصنع، اذ شعر بأنه ينظر اليه من عل بسبب أصوله السفاردية كونه من أصول شرقية، فبدأت فكرة الرحيل عن اسرائيل تراوده. باع شقته في نيسان ابريل بـ19000 دولار مما دعم مدخراته التي كانت تبلغ 10 آلاف دولار واستأجر مسكناً صغيراً موقتاً. لكنه بقي في المجمع لمدة طويلة الى ان أدرج اسمه على لائحة الممكن الاستغناء عنهم بسبب تفاقم الوضع الاقتصادي. احتج لدى نقابته وقام مسؤول النقابة بالدفاع عنه. فأبلغ بأنه يمكنه أن يبقى غير أنه لا بد أن ينتقل الى ماخون 6 حيث يتم انتاج الكهرباء. رفض الذهاب الى ماخون 6 وطلب تدخل النقابة ثانية، فأبقي في منصبه.
في أيلول سبتمبر وضع آلة التصوير في حقيبته وهربها الى ماخون 2. اضطربت دقات قلبه مع وميض آلة تصويره. زحف على درجات السلم المؤدية الى باب خروج معد للطوارئ على السطح وأخذ لقطتين. كانت غرفة المراقبة ومصنع فصل اليورانيوم مكاناً أسهل، أما قسم التعدين فكان مجازفة ضخمة. التقط صوراً للصناديق بما فيها من قفازات مطاط تتدلى من أبواب الدخول. ركز العدسة على الأجهزة من خلال نوافذ الأبواب. في الداخل وعلى أحد الرفوف كانت توجد حاوية نواة بلوتونيوم وعلى احدى المخارط كانت كرة من الليثيوم ديوتريد اتخذت الشكل السليم بدقة. تم التعرف على هذه في ما بعد كجزء من سلاح نووي حراري. الآن وقد امتلك 57 صورة أصبح لديه الدليل الذي يجعل رؤساءه السابقين في حال من الارباك والخبل اذا شاء.
غادر ديمونا الأحد في 27 تشرين الأول عام 1985، وتسلم شيكاً لانهاء خدمته بمبلغ 7500 دولار وشهادة تثني على عمله. لكن أحداً لم يفكر في تنظيم حفل وداع كما كانوا يفعلون لكل عامل آخر يغادر فشعر بالحزن والغضب. بعدما غادر ديمونا بدأ في حضور اجتماعات الحزب الشيوعي غير أنه سرعان ما توقف لأن مستوى المناقشات لم يبهره.
كان فعنونو يتسم بالحياء الشديد مع النساء. منتصف عام 1985 قابل جودي زيميت التي تتبع المذهب الأنغليكاني وتعمل طبيبة توليد في مركز سوروكا الطبي في بئر السبع. انتقل الى شقتها في تشرين الثاني 1985 وانطلق في جولة عبر البلاد مع جودي وأختها. يوم الأحد 19 كانون الثاني ودعها واتجه الى حيفا في شمال اسرائيل كي يلحق بسفينة متجهة الى أثينا. كان معه القليل من الملابس في حقيبته الصغيرة اضافة الى آلة التصوير وحقيبة يمكن أن تعد للنوم وأربعة آلاف دولار نقداً والفيلمان غير المحمضين. شعر بالحرية ما أن ركب السفينة. وبعدما قضى بضعة أيام في أثينا اشترى تذكرة رخيصة الثمن على طائرة "ايروفلوت" متجهة الى بانكوك متوقفاً لمدة ليلة في أحد فنادق موسكو. ظل في تايلاند حتى 12 آذار وزار حدود كمبوديا والمثلث الذهبي حيث جرب الأفيون والحشيش قبل أن يطير الى بورما. وهناك صادق زميلة سفر أخرى هي فيونا غول ابنة قارئة الأخبار السابقة في محطة "أي تي ان" ومحررة الشؤون الأجنبية ساندي غول. سافرا معاً الى ماندالي لكنه سافر الى نيبال وحده في 19 آذار. وعاد الى بانكوك في 5 ايار حيث اشترى تذكرة الى سيدني ولوس أنجليس. ووصل الى أستراليا في 20 أيار وهو مليء بالفضول عن العالم الجديد.
حجز مكاناً في دار للضيافة رخيصة في كينغز كروس وهي منطقة شبيهة بحي سوهو في لندن حيث محلات الجنس والأندية الليلية والمطاعم ومجتمع من كل جنس. كان حياً يؤمه المتسكعون والمشردون حيث كانت تكاليف المعيشة منخفضة نسبياً وان كانت لا تقارن بتكاليف المعيشة في اسرائيل. قضى عشرة أيام يتنزه زائراً دار أوبرا سيدني وهاربر بريدج وعمل في غسل الصحون في فندق مينزيس وسط المدينة ثم انتقل الى حانة يونانية ما أعطاه وقتاً أثناء النهار ليدرس من أجل الحصول على رخصة لقيادة سيارة أجرة. في احدى الأمسيات وفيما كان يتمشى في كينغز كروس لفتت انتباهه لافتة خارج كنيسة سانت جونز في طريق دارلينغهيرست. بدت له الكنيسة فاتحة ذراعيها. كانت اللافتة في الخارج تعلن عن العملية نيكوديموس وهو مشروع لفتح المبنى للمشردين دون العشرين. دخل على استحياء فاذا بالقس جون ماكنايت يستقبله بوجهه السمح.
واظب على الحضـور في الكنـيسة ما جـعله يتعرف على زميلي ماكنايت من رجال الدين ديفيد سمـيث الذي ستـكون له معه في ما بعد مراسلات طويلة من زنزانته في عسقلان وستيفن غري. وهما قـدماه الى آخرين ممـن ترعـاهم هـذه الكنيسة فـجـروه الى جماعة مناقشات كـانوا شـكلوها. كانوا في ذلك الوقت وبمصادفة خارقة للعادة يناقشون مسألة هل يجب أن تتخذ الكنيسة موقفاً فعالاً ضد الأسلحة النووية. قال ماكنايت ان فعنونو اقترب منه ذات يوم وعرض أن يرأس جماعة نقاش حول السلام والأمن وانتشار الأسلحة النووية وقد "يمـكنني أن أقدم عرضاً بالشرائح" كما قال والغموض يغلف حديثه. كانت رغبته في أن يشاركه أحد في بعض أسراره. في تموز يوليو 1985 تجمعت مجموعة صغيرة في الكنيسة وبدأ فعنونو يشرح بحياء السبب الذي دفعه الى التعبير عن مثل تلك المشاعر القوية في ما يتعلق بالتهديد النووي. كانت هذه لحظـة اللاعودة. اذ فيما كان يصف ماخون 2 ومرافق صنع السلاح في مستوى خمسة كان قد نقض التعهد الذي أعطاه بأن يلتزم القانون الاسرائيلي الخاص بالأسرار الرسمية.
أصبح الآن عشرة أشخاص أو أكثر يعلمون بالسر الاسرائيلي والمحنة الأخلاقية التي كان يتخبط في لجتها. وسرعان ما انتشر الخبر بأن لديه صوراً على رغم أن الأفلام لم تكن مست. فكان حتمياً أن يسمع بالأمر ذلك الكولومبي الغريب الطباع الذي يقوم بالطلاء في الخارج. في تموز التقى جيريرو وفعنونو فقال الكولومبي: "احك لي عن ذلك المكان المسمى ديمونا. فأنا صحافي دولي ويجب أن تنشر قصتك في احدى الصحف الكبرى". قال ذلك وهو يفتح حافظة أوراقه بسرعة مخرجاً منها صوراً كبيرة باللونين الأسود والأبيض، قائلاً: "انظر هذا أنا مع ليخ فاوينسا. وهنا تراني مع شيمون بيريز. يمكنني مساعدتك. فهذه القصة أكبر من ووترغيت". أخذت المكاسب المحتملة تتضح أكثر فأكثر مع اكتشاف وجود فيلمين لم يمسا في شقة فعنونو. غير أن مورد لم يبد في عجلة من أمره. في النهاية وصل جيريرو الى ما يريد من طريق تكثيف الضغط. أخذ سبع نسخ زوده بها فعنونو واتصل تليفونياً بكارل روبينسون مراسل اسبوعية "نيوزويك" الأميركية، قائلاً: "اسمي ألبيرتو برافا. لدي القصة السرية لديمونا مصنع اسرائيل للأسلحة النووية. وهذه القصة أكبر من ووترغيت". كان روبينسون يحس بالغموض غير أنه التقى بمورد، فوجده مستثار الأعصاب ومراوغاً على رغم أنه اعتقد أنه صادق. اتصل بمكتب صحيفته في نيويورك مقترحاً أن يغوص أبعد من ذلك غير أن فعنونو اتصل به ليقول انه غير رأيه. اذ كان يشعر بالقلق من أنه تحت المراقبة كما كان غير متأكد من أنه مستعد لأن يخطو الخطوة الأخيرة.
ربما في هذه اللحظة اتجه جيريرو الى القنصلية الاسرائيلية مدفوعاً بغضبه من غدر فعنونو، وباع صديقه بكل قسوة. واتخذ فعنونو في غفلة منه خطوة أخرى كان لها أن تساعد على وضع الخاتم النهائي في تحديد مصيره. فتحت ارشاد ماكنايت كان مورد يدرس المسيحية ويحضر القداسات بانتظام. وفي 10 آب فعل شيئاً كان يدري أنه سيغضب أصدقاءه من اليهود في اسرائيل ويقضي على أبيه شلومو. اذ تنكر للديانة اليهودية وتم تعميده كمسيحي في الكنيسة الأنغليكانية وقرر أن يتخذ لنفسه اسماً مسيحياً جديداً هو جون كروسمان. أصبح فعنونو يسير في طريق التصادم مع أبناء وطنه الذين سيعتبرون أنه يسخر عن عمد من اثنين من أكثر المعتقدات مكانة في بلاده: ديانتها وأمنها الوطني. قال لسميث: "ستقيم عائلتي جنازة لي. وسيعتبرونني ميتاً". لكن مواهب جيريرو تمكنت من اقناع الاسرائيلي بأن يخطو خطوة أبعد من ذلك لبيع القصة.
بدأ جيريرو الاتصال بالصحف الأسترالية من دون طائل. اذ ان صدقيته كانت مفقودة لدى هذه الصحف، بعدما حاول بيع "سيدني مورنينغ هيرالد" صورة لمذبحة اندونيسية في تيمور الشرقية تبين انها كانت من حرب فيتنام. كان فعنونو يعتقد بسذاجة أن جيريرو صديقه الحميم ووافق على اعارته سبع صور ليأخذها الى أوروبا. وفي 30 آب دق التلفون في شقة فعنونو في دارلينغهيرست، وجاء صوت مألوف من الطرف الآخر: "أوسكار يتحدث. أنا في طريق العودة الى سيدني مع صحافي اسمه بيتر هونام. لقد بعت القصة لصاندي تايمز".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق