الحرب دون أن نحبها
يوميات كاتب في قلب الربيع الليبي
برنار هنري ليفي
ترجمه : د. سمر محمد سعد
ثلاث شخصيات، هي لورنس العرب، وأندريه مالرو، ودون كيخوته، تتناوب في مرآة الفيلسوف الصهيوني. في «الحرب دون أن نحبّها: يوميات كاتب في قلب الربيع الليبي» (دار بدايات ـــ دمشق) يدوّن تجربته الليبية مقدّماً نفسه كمحرّض على الثورة، ولا يفوته التطرّق إلى سوريا خليل صويلح.
يسجّل برنار هنري ليفي يوميات الثورة الليبية، من موقعه شاهداً عياناً أولاً، في كتابه «الحرب دون أن نحبّها: يوميات كاتب في قلب الربيع الليبي» (دار بدايات ـــ دمشق، ترجمة سمر محمد سعد). لكن ما إن يمضي ليفي إلى الأمام قليلاً، في توضيح كواليس ومجريات الأحداث في الفترة بين 23 شباط (فبراير) و20 أيلول (سبتمبر) 2011 حتى يحضر هذا الكاتب الفرنسي المثير الريبة كصانع للحدث، ومحرّك لخيوطه المتشابكة، منذ أن قرّر الذهاب من «ميدان التحرير» القاهري إلى بنغازي، ليس بوصفه صحافياً ميدانياً، بل محرّضاً على الثورة ضد القذافي.
سيرفع سماعة الهاتف طالباً التحدّث مع الرئيس الفرنسي حينها نيكولا ساركوزي بقصد تشجيعه على التدخّل لإنقاذ مناوئي القذافي من القتل. مكالمة قصيرة بين «الفيلسوف» الصهيوني والرئيس، تنتهي بموافقة ساركوزي على فكرة الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي ومقابلة أعضائه في باريس. بدءاً من هذه اللحظة، سيستعير ليفي (1946) صورة «لورنس العرب» مفجّر الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين في عشرينيات القرن المنصرم، وبالطبع أندريه مالرو الذي استعار منه عبارته المعروفة عنواناً لكتابه، وسيتناسى عمداً صورة الفارس الجوّال «دون كيخوته» في مغامراته المجنونة. ثلاث شخصيات، إذاً، تتناوب في مرآة «فيلسوف الحرب» وهو يصنع التاريخ على هواه. سيطمئن أصدقاءه الإسرائيليين إلى أنّ ثوار ليبيا الجدد لن يكونوا أعداءً لدولة إسرائيل، ويبدد مخاوفهم من «الربيع العربي». يسأله وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان: «ولماذا سنُقلق ملك الأردن الشاب، فضلاً عن الملك السعودي العجوز الذي تُقيم إسرائيل معه علاقات سريّة، ويعيش الرعب من رؤية الربيع العربي يجرف عرشه؟»، ثم يعود إلى مواقعه في الميدان لتحريك خيوط اللعبة مجدّداً. مقابلات مع زعماء الثوّار، وخطابات حماسية في ساحات المدن الليبية الثائرة، تنتهي بحمله على الأكتاف بوصفه بطلاً، والمطلوب رقم واحد من القذافي مقابل مكافأة مجزية. لكنه لن يعبأ بالمخاطر، ولن يتردّد لحظةً واحدة في إكمال مهمته، فيما يتبعه الآخرون كالمسرنمين. يكتب البيان الرقم واحد لـ«المجلس الوطني الانتقالي»، ويكتب نصّاً آخر سينشره في صحيفة «لو فيغارو» بتوقيع رئيس المجلس مصطفى عبد الجليل، ويرافقه إلى الإليزيه، وحين لا يجد ما يتكلّم عليه في ما يخص ليبيا، يذهب بنا إلى البوسنة، ليذكّرنا بدوره هناك، ويعرّج أيضاً على أفغانستان، ورواندا، ودارفور، وتل أبيب، راسماً خرائط جديدة للعالم، قبل أن يعقد صفقات أسلحة لثوار ليبيا بموافقة الجنرال عبد الفتاح يونس قبل مقتله الغامض (يتّهم كتائب القذافي باغتياله)، كذلك سيستعيد ذكرياته عن أجداده اليهود في صحراء بني ساف، وموت جده شالوم بن يعقوب كقديس.
بعد أن ينخرط ساركوزي في لعبة الحرب، لن يكف هاتف الفيلسوف عن الرنين للرد على استفسارات الرئيس وخططه واحتمالات الفشل والنجاح. ساركوزي هنا، أسير أفكار الفيلسوف، رغم اختلافهما الإيديولوجي. لعل هذا الانصياع التام، وهذه الثقة العمياء، تتعلق بشغف الرئيس بالشهرة أيضاً، فكلاهما ـــ في نهاية المطاف ـــ استعراضيان، وهذا ما حدا بهما إلى إبعاد وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه عن كواليس المطبخ الحربي. لا يتورّع هنري ليفي عن كشف أسرار ما حدث في ليبيا خلال وجوده هناك، وإضاءة وقائع الحرب بوصفها واقعاً: «سواء أراقتْ لنا أم لا، لم تطلب من أحد السماح لها بأن توجد، وتسلك المجرى الذي حدّده لها التاريخ».
هذه الحماسة، من جهة أخرى، تنطوي على أنا متضخّمة، ونرجسية، تزيح الآخرين من الصورة، ليقف هذا الفيلسوف وحده في إطارها المذهّب. لن ينسى في غمرة انشغاله في تصوير المعارك أن يستعير صورة أخرى له كمثقف متفرّد. هذه المرّة، يرتدي قناع جان بول سارتر، موجّهاً اللوم إلى مثقفين أوروبيين وقفوا ضد الحرب بمقولة لمارسيل آميه «نقطة ضعف الكتّاب كلّهم تقريباً أنهم يقدّمون أفضل ما عندهم، وأكثر ما كتبوه تفرّداً، وذلك للحصول على وظيفة ماسحي أحذية في السياسة». قد تتناسب هذه العبارة مع مواقف برنار هنري ليفي، لا الآخرين. يبرر انخراطه بأن «لا حرب عادلة»، لكنّ هناك شرطاً آخر هو «الأمل المعقول في النجاح». ويضيف: «هذا الأمل واضح في ليبيا، فهل سيكون واضحاً بالطريقة نفسها في سوريا؟ ماذا سيكون أثر الضربات الجويّة في هذا البلد كثيف السكان؟».
لا شك في أنّ نهم هنري ليفي وشهيته في صناعة «مونودراما الحرب» لن تتوقف عند حدّ، في منطقة ملتهبة، ستتيح له ببساطة أن يؤدي دور المحارب الأوحد فوق خشبة تاريخ مهتزّ، يحتاج إلى بهلوان مثله، فهل سيوافق على أداء دور جديد في دمشق كمحصلة لرجاء معارضة سورية أتته بوصفه «السيد ليبيا» لاستنساخ الشيء نفسه في سوريا؟ يجيب: «كان من المؤلم القول لها إن التاريخ لا يعيد نفسه إلا نادراً، والاحتمال ضعيف جداً بإيجاد الكوكبة نفسها من الأشخاص والظروف، أو من الخلافات والضرورات». ويضيف مُطمئناً محدثته: «ولكن، في المحصّلة، لا ندري». هنا يستعير دور خبير الأرصاد الجويّة: «ذوبان الثلوج المفاجئ يعني ربيعاً مجهضاً». بعد شهر من تلك الواقعة، سيوافق على «الاجتماع الأول من أجل سوريا» (4 تموز/ يوليو 2011)، وذلك في «سينما سان جيرمان» في باريس، كي لا يقال عنه إنه يكيل بمكيالين. هكذا، حشد شخصيات سورية وفرنسية من مشارب متعددة لإنجاح المهرجان.
ستتدفق سيول من الشتائم على شبكة الإنترنت العربية ضد «الصهيوني برنار هنري ليفي»، وسيفكر في إلغاء المهرجان، ثم يعود متحدياً، ومدافعاً عن مواقفه من إسرائيل: «العلاقة مع إسرائيل هي مُكوّن من مكونات يهوديتي، ولن أنكر نظريتي في مؤتمر القدس: يتعيّن أن نكون في منتهى القسوة مع الإسلام الفاشي، وقلت دائماً إن حرب الحضارات الوحيدة القائمة في الإسلام، هي التعارض بين الإسلاميين الفاشيين والمعتدلين، بين أعداء الديموقراطية وأصدقائها.
هذه هي الحرب التي أُلاحقها». فيلسوف أم جاسوس أم مغامر؟ تلك هي الصورة التي ستبقى ملتبسة حتى السطور الأخيرة من هذا الكتاب...
ادب وفنون - العدد ١٧٦٢ الجمعة ٢٠ تموز ٢٠١٢ .
الجزء الأول - حمله من هنا
للقراءة والتحميل إضغط هنا
الجزء الثاني - حمله من هنا
للقراءة والتحميل إضغط هنا
الجزء الثالث - حمله من هنا
للقراءة والتحميل إضغط هنا
الجزء الرابع - حمله من هنا
للقراءة والتحميل إضغط هنا
للقراءة والتحميل إضغط هنا
الجزء الثاني - حمله من هنا
للقراءة والتحميل إضغط هنا
الجزء الثالث - حمله من هنا
للقراءة والتحميل إضغط هنا
الجزء الرابع - حمله من هنا
للقراءة والتحميل إضغط هنا
الحرب دون أن نحبها
الجزيرة - عرض - بوعلام رمضاني :
الريبة التي يثيرها الكاتب برنار هنري ليفي حتى لا نقول العداء في العالم العربي بسبب مواقفه المزدوجة والمذبذبة من العرب والمسلمين، وتأييده السافر لإسرائيل، لا تشكل عائقا للحكم بموضوعية باردة على قدرته العجيبة في تسجيل ورصد وقائع حروب وقضايا نختلف حول خلفياتها السياسية والأيديولوجية دون شك، لكن لا نملك الاعتراف بكيفية تناولها في قالب فكري وأدبي وصحفي بديع يترك العدو يعترف بموهبته الكتابية التي مكنته من التأريخ لحيثيات وكواليس ومجريات الثورة الليبية بين 23 فبراير/شباط و15 سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
في كتابه "الحرب دون أن نحبها: يوميات كاتب في قلب الربيع العربي" يعمق ويجدد نفسه الكتابي شاهد عيان عايش فصولها لأكثر من ستة أشهر مكنته من التنقل بين بنغازي وباريس ونيويورك والقدس والقاهرة وطرابلس مجسدا الموقف الأوروبي والفرنسي خصوصا من الحرب التي وضعت حدا لحكم معمر القذافي وأعطت للرئيس ساركوزي الذي لا يشاطره التوجه الأيديولوجي على حد تعبيره القوة التي كان في أمس الحاجة إليها داخليا وخارجيا.
من البوسنة إلى بنغازي
في مقدمة الكتاب الذي تضمن فصول الحرب والأمل والتورط والانتصار، أكد إيمانه بمقولة مالرو وزير الثقافة الديغولي الشهير "ليبقى الانتصار حليف الذين قاموا بالحرب دون أن يحبوها" مذكرا بتأييده الحرب في البوسنة ضد الصرب ورابطا العلاقة بين القائدين الملهمين عزت بيغوفيتش ومصطفى عبد الجليل، والتجربة الحربية التي عاشها جسديا وروحيا في البوسنة وكتب عنها هي نفسها التي عاشها مع شباب الثورة الليبية وقادتها المعروفين وغير المعروفين، ومن بينهم الجنرال عبد الفتاح يونس الذي رافقه إلى باريس قبل ثلاثة أشهر من تاريخ اغتياله.
-الكتاب: الحرب دون أن نحبها -المؤلف: برنار هنري ليفي -الناشر: غراسيه, فرنسا -عدد الصفحات:627 -الطبعة: الأولى 2011 |
في المقدمة التي جدد فيها عدم ندمه على تأييده الثورة الليبية ضد "مجرم وإرهابي أنتج الإسلام السياسي" على حد تعبيره، أضحى ليفي عاجزا عن قراءة مستقبل الربيع الليبي بعد رحيل الطاغية، وهو ما يؤكد حقيقة الصراع القائم بين دعاة إسلام معتدل وليبراليين منفتحين على ثقافة الأنوار وحقوق الإنسان وثوار آخرين راديكاليين يشكلون الأقلية في تقديره.
الحرب التي أيدها ليفي ضد القذافي دون أن يحبها لم تكن خيارا، والتاريخ الليبي الذي يكتب من جديد لا يمكن أن يخلو من تطرف وتزمت جديدين، ورغم ذلك يبقى أمل ولادة الديمقراطية العسيرة أمرا ممكنا ومعقولا، ولو في ظل امتحان جديد مفتوح على آلام أخرى تفرضها المصالح المرتبطة بظلام الماضي وضوء الحاضر بغض النظر عن درجة إشعاعه الحالية.
الحرب والغموض
في الفصل الأول "الحرب" نقرأ عن وصوله إلى بنغازي بسيارة أجرة عبر مرسى مطروح والسلوم، وتوقفه في البيضاء ودرنة وعن لقائه مع محامي عائلات 1200 سجين قضوا في سجن أبو سليم الرهيب ومع مبعوث قوجا وحامل ملف اغتيال الصحفي ضيف الغزال في قبو المحكمة العليا قبل ستة أعوام بسبب كتابته مقالة عن الرشوة.
وصل ليفي مع فريقه التقني إلى خط جبهة الحرب بعد تضارب تصريحات الصحفيين القائلين بأن الثوار كانوا قد وصلوا إلى بن جواد بعد رأس لانوف البعيدة عن سرت بمائة كيلومتر في 4 مارس/آذار, والآخرين المؤكدين على اقترابهم من طرابلس، وحتى يتأكد من صحة الأخبار كان على مبدع مفهوم "الرواية التحقيقية" الذهاب بنفسه إلى جبهة الحرب مرتديا قميصه الأبيض الشهير مثله.
بدأت رحلة ليفي الحربية في أجدابيا الصحراوية التي وجد فيها ثوارا مكونين من طلبة ومهندسين وتجار ومتطوعين لم يحملوا قطعة سلاح في حياتهم قبل ظفرهم بغنيمة أسلحة روسية وإيرانية وبعض الدبابات القذافية، وعمق شهادته الحربية في البريقة التي عايش فيها إصرار ثوار شبان على دحر قوات القذافي، ومن بينهم طالب الطب الذي تحدث عن الزعيم الليبي الراحل بلغة إنجليزية نابية.
من عبد الجليل إلى ساركوزي
تحقق حلم ليفي والتقى عبد الجليل وتمخض اللقاء بقرار تشكيل المجلس الانتقالي وطلب التدخل الدولي تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية الشعب من تنكيل وسحق القذافي المرتقب، وتمت الحماية بعد أن هاتف ليفي ساركوزي من بنغازي وطلب منه استقبال أعضاء المجلس الانتقالي قبل إبلاغ غوجا في حانة فندق تيبستي وإعلان باريس اعترافها بالمجلس.
"تحقق حلم المؤلف والتقى عبد الجليل وتمخض اللقاء بقرار تشكيل المجلس الانتقالي وطلب التدخل الدولي تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية الشعب من تنكيل وسحق القذافي المرتقب "
بعد يوم قضاه مع الثوار الإسلاميين في درنة، عاد ليفي إلى باريس وقابل الرئيس ساركوزي وشارك في تحضير التحالف الأوروبي للتدخل في ليبيا دون علم آلان جوبيه وزير الخارجية الذي لم يكن موافقا على التدخل في البوسنة ورواندا.
بعد فشل فرنسا في ترتيب موعد بين كلينتون وجبريل وتردد واشنطن وبرلين في مشاطرة المقاربة الفرنسية وخروج قمة الثماني بتوصية العقوبات وليس التدخل العسكري وتأكيد موسكو وبكين على موقفهما المضاد للتدخل، تأزمت الوضعية الدولية في الوقت الذي استعاد فيه القذافي قوته وبدا عائدا إلى بنغازي بعد شهر من اندلاع الحرب.
ليفي الذي جند المثقفين خاصة الفرنسيين والألمان لإنقاذ الشعب الليبي من النازي القذافي، على حد تعبيره، لم يستسلم أمام تمزق الأسرة الدولية، واستحق لقب القائد غير الرسمي بعد تلقيه أربع مكالمات هاتفية من ساركوزي، وتعلقت الأولى بتصويت الأسرة الدولية على تدخل الناتو والثانية بحضور العالم قمة باريس بما فيها الإمارات والسعودية اللتان ترددتا بسبب حضور كلينتون الداعمة للثوار البحرينيين والثالثة بانطلاق الضربات الجوية يوم 27 مارس/آذار والرابعة بتدمير الطائرات الفرنسية للدبابات القذافية التي كانت على أبواب بنغازي.
تعنت الجنرال يونس
انطلق الكاتب في الفصل الثاني "الأمل" من تاريخ عودته إلى بنغازي يوم 8 أبريل/نيسان واستقباله من طرف ممثلي القبائل ضيفا تاريخيا لن تنسى ليبيا مساعدة بلده الذي سيبقى الأخ المنقذ، على حد تعبير ممثل قبيلة الزاوية، ومقابلته السفير الأميركي كريس ستيفنس والشاهد الوحيد على مقابلة جبريل بكلينتون اللغز.
الأمل يعني في نظر ليفي التأكد من هوية أعضاء المجلس الانتقالي من خلال مقابلة ثانية مع عبد الجليل تؤكد أنه ليس المعادل لجبهة التحرير الوطني الجزائرية أي غير إرهابي كما يقال في الأدبيات السياسية الفرنسية، وكان اللقاء مناسبة ثانية لتأكيد استعداد فرنسا الدائم للوقوف إلى جانب ليبيا في كل الأحوال، ولا أدل على ذلك من توجيه ساركوزي الدعوة لعبد الجليل لزيارة باريس على لسان أشهر المثقفين الفرنسيين ناهيك عن لقاءيه مع الجنرال عبد الفتاح يونس الذي أبدى تعنتا غير مسبوق حيال عبد الجليل وليفي وساركوزي قبل التحاقه بالثورة قلبا وقالبا وانخراطه في مسار القضاء على القذافي نهائيا.
الخسائر التي ألحقتها الطائرات الفرنسية بقوات العقيد ورفضه اقتراح سيف الإسلام بتوقيف القصف مقابل انسحاب والده من السلطة كانت فرصة أمل جديدة لإقناع المناهضين للتدخل الأوروبي من أمثال ابن جلدته كلود لانزمان وآخرين باعتبار سقوط القذافي تحذيرا مسبقا لبشار الأسد، وهو ما لم يمنع المحلل فرنسوا هيسبروغ من إبداء تعجبه لسكوت المثقفين عن المجزرة التي يتعرض لها الشعب السوري.
إسرائيل والربيع الليبي
تضمن الفصل الثالث "التورط" وصول ليفي يوم 27 مايو/أيار إلى مصراتة الشهيدة قادما إليها من مالطا ومقارنته المدينة بخراب فيكوفار البوسنية وتواجده على جبهة رأس لانوف وقلق ثوارها على تأخر وصول طائرات الهيلكوبتر الفرنسية لسد هجوم جيش القذافي ومعايشته وصول الجرحى والموتى إلى المستشفى وخروجه الاضطراري منه حتى لا يتقيأ كما حدث له في أجدابيا بسبب عدم تحمله مناظر الإصابات القاتلة التي تعرض لها الثوار.
"طمأن المؤلف إسرائيل بأن ليبيا الجديدة لن تكون عدوا لإسرائيل وأن السلطة الليبية الجديدة ليست تابعة للقاعدة التي تريد تدمير إسرائيل"
في خضم تنامي مسار المواجهة التي بدت في صالح الثوار المدعومين فرنسيا ودوليا لم يفت على ليفي المثقف اليهودي طمأنة إسرائيل بأن ليبيا الجديدة لن تكون عدوا لإسرائيل، وهو ما لا يعني التنازل عن دعم الفلسطينيين، على حد تعبير أحد الثوار، وبالفعل زار إسرائيل وقابل ليفني وباراك ونتنياهو وشرح لهم أن السلطة الليبية الجديدة ليست تابعة للقاعدة التي تريد تدمير إسرائيل.
تورط فرنسا في ليبيا فرض عليها الالتزام بوعودها، وهذا ما حدث حينما ضربت طائراتها جيش القذافي في البريقة ورأس لانوف وغطت زحف الثوار لاحقا بنفس الطريقة المسطرة عسكريا، واستمرت في ضربها دبابات الكتائب ودعم وتطمين القادة السياسيين الجدد دبلوماسيا حتى ساعة تحرير ليبيا من حكم القذافي في ظل تنسيق محكم مع كل ممثلي الناتو والدول الخليجية المؤيدة، وعلى رأسها قطر والسعودية والإمارات العربية، وتمت كل العمليات الحربية والاتصالات الهاتفية واللقاءات المباشرة بين الرئيس ساركوزي والقادة والثوار الليبيين بمشاركة الوسيط ليفي الذي شهد وسمع ورأى كل شيء.
الانتصار ونهاية القذافي
كما كان متوقعا منهجيا أنهى ليفي كتابه بفصل رابع عنونه "الانتصار"، وضمن الفصل الأخير وصوله إلى جبل نفوسة منطلقا من جربة التونسية يوم 15 يوليو/تموز ومرورا بتمزين ونالوت وجويبية وزنتان المحررة حيث كان في استقباله الجنرال عبد الفتاح يونس، ووصف ليفي كعادته خراب فلول القذافي بدقة متناهية صالحة للكتابة السينمائية والروائية قبل وصوله إلى طرابلس التي كان لا بد من تحريرها شريطة توفير إعانة عسكرية إضافية لتحرير مصراتة، حسب الجنرال رمضان زرموح "مفتاح طرابلس هو مصراتة".
استمر الزحف نحو الانتصار رغم مقتل الجنرال يونس في ظروف غامضة شرحها بسرعة ليفي طارحا فرضيات فقط، وعرفت المسيرة نقلة نوعية في 21 أغسطس/آب إثر وصول مئات الثوار من مصراتة إلى طرابلس وتوجههم إلى الساحة الخضراء وهروب القذافي وعائلته وتكذيب خبر القبض على سيف الإسلام.
كما فعل كمسجل للأحداث الحربية، وظف ليفي قلمه مجددا لوصف أجواء دخول طرابلس يوم 25 أغسطس/آب مركزا على الساحة الخضراء وقصر عائشة القذافي وعلى ترديد الجماهير "تحيا فرنسا" و"الله أكبر" وترديده هو "ليبيا حرة". أسدل ليفي الستار على تحقيقه عن الحرب التي لم يحبها لكنه أرادها، وعن بزوغ الربيع الليبي بلقاء ساركوزي وكاميرون وجوبيه وعبد الجليل وجبريل في ليبيا الحرة وبمقتل القذافي يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول بطريقة تنقص من شرف وانتصار الثوار مهما قيل عن بشاعة حكمه للفئران، على حد وصفه لهم.
إن كتاب ليفي وثيقة هامة يجب أن تترجم إلى اللغة العربية، حتى يتمكن الليبيون والعرب من قراءة الحشو المجاني الذي عكس نرجسية مرضية لكاتب يوظف ثقافته الفلسفية والأدبية الواسعة لصالح المحرقة اليهودية بالدرجة الأولى، ولولا هذا الحشو لما تجاوز الكتاب 300 صفحة في أقصى تقدير.
وصل ليفي مع فريقه التقني إلى خط جبهة الحرب بعد تضارب تصريحات الصحفيين القائلين بأن الثوار كانوا قد وصلوا إلى بن جواد بعد رأس لانوف البعيدة عن سرت بمائة كيلومتر في 4 مارس/آذار, والآخرين المؤكدين على اقترابهم من طرابلس، وحتى يتأكد من صحة الأخبار كان على مبدع مفهوم "الرواية التحقيقية" الذهاب بنفسه إلى جبهة الحرب مرتديا قميصه الأبيض الشهير مثله.
بدأت رحلة ليفي الحربية في أجدابيا الصحراوية التي وجد فيها ثوارا مكونين من طلبة ومهندسين وتجار ومتطوعين لم يحملوا قطعة سلاح في حياتهم قبل ظفرهم بغنيمة أسلحة روسية وإيرانية وبعض الدبابات القذافية، وعمق شهادته الحربية في البريقة التي عايش فيها إصرار ثوار شبان على دحر قوات القذافي، ومن بينهم طالب الطب الذي تحدث عن الزعيم الليبي الراحل بلغة إنجليزية نابية.
من عبد الجليل إلى ساركوزي
تحقق حلم ليفي والتقى عبد الجليل وتمخض اللقاء بقرار تشكيل المجلس الانتقالي وطلب التدخل الدولي تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية الشعب من تنكيل وسحق القذافي المرتقب، وتمت الحماية بعد أن هاتف ليفي ساركوزي من بنغازي وطلب منه استقبال أعضاء المجلس الانتقالي قبل إبلاغ غوجا في حانة فندق تيبستي وإعلان باريس اعترافها بالمجلس.
"تحقق حلم المؤلف والتقى عبد الجليل وتمخض اللقاء بقرار تشكيل المجلس الانتقالي وطلب التدخل الدولي تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية الشعب من تنكيل وسحق القذافي المرتقب "
بعد يوم قضاه مع الثوار الإسلاميين في درنة، عاد ليفي إلى باريس وقابل الرئيس ساركوزي وشارك في تحضير التحالف الأوروبي للتدخل في ليبيا دون علم آلان جوبيه وزير الخارجية الذي لم يكن موافقا على التدخل في البوسنة ورواندا.
بعد فشل فرنسا في ترتيب موعد بين كلينتون وجبريل وتردد واشنطن وبرلين في مشاطرة المقاربة الفرنسية وخروج قمة الثماني بتوصية العقوبات وليس التدخل العسكري وتأكيد موسكو وبكين على موقفهما المضاد للتدخل، تأزمت الوضعية الدولية في الوقت الذي استعاد فيه القذافي قوته وبدا عائدا إلى بنغازي بعد شهر من اندلاع الحرب.
ليفي الذي جند المثقفين خاصة الفرنسيين والألمان لإنقاذ الشعب الليبي من النازي القذافي، على حد تعبيره، لم يستسلم أمام تمزق الأسرة الدولية، واستحق لقب القائد غير الرسمي بعد تلقيه أربع مكالمات هاتفية من ساركوزي، وتعلقت الأولى بتصويت الأسرة الدولية على تدخل الناتو والثانية بحضور العالم قمة باريس بما فيها الإمارات والسعودية اللتان ترددتا بسبب حضور كلينتون الداعمة للثوار البحرينيين والثالثة بانطلاق الضربات الجوية يوم 27 مارس/آذار والرابعة بتدمير الطائرات الفرنسية للدبابات القذافية التي كانت على أبواب بنغازي.
تعنت الجنرال يونس
انطلق الكاتب في الفصل الثاني "الأمل" من تاريخ عودته إلى بنغازي يوم 8 أبريل/نيسان واستقباله من طرف ممثلي القبائل ضيفا تاريخيا لن تنسى ليبيا مساعدة بلده الذي سيبقى الأخ المنقذ، على حد تعبير ممثل قبيلة الزاوية، ومقابلته السفير الأميركي كريس ستيفنس والشاهد الوحيد على مقابلة جبريل بكلينتون اللغز.
الأمل يعني في نظر ليفي التأكد من هوية أعضاء المجلس الانتقالي من خلال مقابلة ثانية مع عبد الجليل تؤكد أنه ليس المعادل لجبهة التحرير الوطني الجزائرية أي غير إرهابي كما يقال في الأدبيات السياسية الفرنسية، وكان اللقاء مناسبة ثانية لتأكيد استعداد فرنسا الدائم للوقوف إلى جانب ليبيا في كل الأحوال، ولا أدل على ذلك من توجيه ساركوزي الدعوة لعبد الجليل لزيارة باريس على لسان أشهر المثقفين الفرنسيين ناهيك عن لقاءيه مع الجنرال عبد الفتاح يونس الذي أبدى تعنتا غير مسبوق حيال عبد الجليل وليفي وساركوزي قبل التحاقه بالثورة قلبا وقالبا وانخراطه في مسار القضاء على القذافي نهائيا.
الخسائر التي ألحقتها الطائرات الفرنسية بقوات العقيد ورفضه اقتراح سيف الإسلام بتوقيف القصف مقابل انسحاب والده من السلطة كانت فرصة أمل جديدة لإقناع المناهضين للتدخل الأوروبي من أمثال ابن جلدته كلود لانزمان وآخرين باعتبار سقوط القذافي تحذيرا مسبقا لبشار الأسد، وهو ما لم يمنع المحلل فرنسوا هيسبروغ من إبداء تعجبه لسكوت المثقفين عن المجزرة التي يتعرض لها الشعب السوري.
إسرائيل والربيع الليبي
تضمن الفصل الثالث "التورط" وصول ليفي يوم 27 مايو/أيار إلى مصراتة الشهيدة قادما إليها من مالطا ومقارنته المدينة بخراب فيكوفار البوسنية وتواجده على جبهة رأس لانوف وقلق ثوارها على تأخر وصول طائرات الهيلكوبتر الفرنسية لسد هجوم جيش القذافي ومعايشته وصول الجرحى والموتى إلى المستشفى وخروجه الاضطراري منه حتى لا يتقيأ كما حدث له في أجدابيا بسبب عدم تحمله مناظر الإصابات القاتلة التي تعرض لها الثوار.
"طمأن المؤلف إسرائيل بأن ليبيا الجديدة لن تكون عدوا لإسرائيل وأن السلطة الليبية الجديدة ليست تابعة للقاعدة التي تريد تدمير إسرائيل"
في خضم تنامي مسار المواجهة التي بدت في صالح الثوار المدعومين فرنسيا ودوليا لم يفت على ليفي المثقف اليهودي طمأنة إسرائيل بأن ليبيا الجديدة لن تكون عدوا لإسرائيل، وهو ما لا يعني التنازل عن دعم الفلسطينيين، على حد تعبير أحد الثوار، وبالفعل زار إسرائيل وقابل ليفني وباراك ونتنياهو وشرح لهم أن السلطة الليبية الجديدة ليست تابعة للقاعدة التي تريد تدمير إسرائيل.
تورط فرنسا في ليبيا فرض عليها الالتزام بوعودها، وهذا ما حدث حينما ضربت طائراتها جيش القذافي في البريقة ورأس لانوف وغطت زحف الثوار لاحقا بنفس الطريقة المسطرة عسكريا، واستمرت في ضربها دبابات الكتائب ودعم وتطمين القادة السياسيين الجدد دبلوماسيا حتى ساعة تحرير ليبيا من حكم القذافي في ظل تنسيق محكم مع كل ممثلي الناتو والدول الخليجية المؤيدة، وعلى رأسها قطر والسعودية والإمارات العربية، وتمت كل العمليات الحربية والاتصالات الهاتفية واللقاءات المباشرة بين الرئيس ساركوزي والقادة والثوار الليبيين بمشاركة الوسيط ليفي الذي شهد وسمع ورأى كل شيء.
الانتصار ونهاية القذافي
كما كان متوقعا منهجيا أنهى ليفي كتابه بفصل رابع عنونه "الانتصار"، وضمن الفصل الأخير وصوله إلى جبل نفوسة منطلقا من جربة التونسية يوم 15 يوليو/تموز ومرورا بتمزين ونالوت وجويبية وزنتان المحررة حيث كان في استقباله الجنرال عبد الفتاح يونس، ووصف ليفي كعادته خراب فلول القذافي بدقة متناهية صالحة للكتابة السينمائية والروائية قبل وصوله إلى طرابلس التي كان لا بد من تحريرها شريطة توفير إعانة عسكرية إضافية لتحرير مصراتة، حسب الجنرال رمضان زرموح "مفتاح طرابلس هو مصراتة".
استمر الزحف نحو الانتصار رغم مقتل الجنرال يونس في ظروف غامضة شرحها بسرعة ليفي طارحا فرضيات فقط، وعرفت المسيرة نقلة نوعية في 21 أغسطس/آب إثر وصول مئات الثوار من مصراتة إلى طرابلس وتوجههم إلى الساحة الخضراء وهروب القذافي وعائلته وتكذيب خبر القبض على سيف الإسلام.
كما فعل كمسجل للأحداث الحربية، وظف ليفي قلمه مجددا لوصف أجواء دخول طرابلس يوم 25 أغسطس/آب مركزا على الساحة الخضراء وقصر عائشة القذافي وعلى ترديد الجماهير "تحيا فرنسا" و"الله أكبر" وترديده هو "ليبيا حرة". أسدل ليفي الستار على تحقيقه عن الحرب التي لم يحبها لكنه أرادها، وعن بزوغ الربيع الليبي بلقاء ساركوزي وكاميرون وجوبيه وعبد الجليل وجبريل في ليبيا الحرة وبمقتل القذافي يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول بطريقة تنقص من شرف وانتصار الثوار مهما قيل عن بشاعة حكمه للفئران، على حد وصفه لهم.
إن كتاب ليفي وثيقة هامة يجب أن تترجم إلى اللغة العربية، حتى يتمكن الليبيون والعرب من قراءة الحشو المجاني الذي عكس نرجسية مرضية لكاتب يوظف ثقافته الفلسفية والأدبية الواسعة لصالح المحرقة اليهودية بالدرجة الأولى، ولولا هذا الحشو لما تجاوز الكتاب 300 صفحة في أقصى تقدير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق