فوضى الحواس
أحلام مستغانمي
إهداء
إلى محمد بوضياف.. رئيسا وشهيدا.
والى سليمان عميرات، الذي مات بسكتة قلبية وهو يقرأ فاتحة على روحه. فأهدوا إليه قبرا جواره.
والى ذلك الذي لم يقاوم شهوة الانضمام اليهما، فذهب ذات أول نوفمبر، بتلك الدقة المذهلة في اختيار موته، لينام على مقربة من خيبتهما.
من وقتها.. ورجال أول نوفمبر قهرا يرحلون.
من وقتها وأنا إلى أحدهم أواصل الكتابة.
إلى أبي.. مرة أخرى.
أحلام
بدءاً
عكس الناس، كان يريد أن يختبر بها الإخلاص. أن يجرب معها متعة الوفاء عن جوع، أن يربي
حباً وسط ألغام الحواس.
هي لا تدري كيف اهتدت أنوثتها إليه.
هو الذي بنظرة، يخلع عنها عقلها ,ويلبسها شفتيه. كم كان يلزمها من الإيمان، كي تقاوم نظرته!
كم كان يلزمه من الصمت، كي لا تشي به الحرائق!
هو الذي يعرف كيف يلامس أنثى. تماما، كما يعرف ملامسة الكلمات. بالاشتعال المستتر نفسه.
يحتضنها من الخلف، كما يحتضن جملة هاربة، بشيء من الكسل لكاذب...
شفتاه تعبرانها ببطء متعمد، على مسافة مدروسة للإثارة.
تمران بمحاذاة شفتيها، دون أن تقبلاهما تماما. تنزلقان نحو عنقها ,دون أن تلامساه حقّاً. ثم
تعاودان صعودهما بالبطء المتعمد نفسه. وكأنّه كان يقبلها بأنفاسه، لا غير.
هذا لرجل الذي يرسم بشفتيه قدرها، ويكتبها ويمحوها من غير أن يقبلها، كيف لها أن تنسى..
كلّ ما لم يحدث بينه وبينها؟
في ساعة متأخرة من الشوق، يداهمها حبه.
هو، رجل الوقت ليلا، يأتي في ساعة متأخره من الذكرى .يباغتها بين نسيان واخر. يضرم
الرغبة في ليلها.. ويرحل.
الرغبة في ليلها.. ويرحل.
تمتطي إليه جنونها ,وتدري: للرغبة صهيل داخلي لا يعترضه منطق. فتشهق، وخيول الشوق هو رجل الوقت سهوا. حبه حالة ضوئية. في عتمة الحواس يأتي. يدخل الكهرباء إلى دهاليز فتجلس، في المقعد المواجه لغيابه، هناك.. حيث جلس يوما مقابلاً لدهشتها .تستعيد به انبهارها
هو.. رجل الوقت عطرا. ماذا تراها تفعل بكل تلك الصباحات دونه؟ وثمة هدنة مع الحب، خرقها حبه. ومقعد للذاكرة، ما زال شاغراً بعده .وأبواب مواربة للترقب. وامرأة.. ريثما يأتي، تحبه لو يأتي.. هو رجل الوقت شوقًا. تخاف أن يشي به فرحها المباغت، بعدما لم يشِ غير لحبر الوحشية تأخذها إليه.
نفسها. يوقظ رغباتها المستترة. يشعل كل شيء في داخلها ..ويمضي.
الأول.
كما لو أنه لن يأتي. كي يجيء.
بغيابه.
أن يأتي، لو يأتي.
كم يلزمها من الأكاذيب، كي تواصل الحياة وكأنه لم يأت! كم يلزمها من الصدق، كي تقنعه أنها انتظرته حقّا!
لو..
كعادته، بمحاذاة الحب يمر، فلن تسأله أي طريق سلك للذكرى، ومن دلّه على امرأة، لفرط ما انتظرته، لم تعد تنتظر.
لو..
بين مطار وطائرة، انجرف به الشوق إليها فلن تصدق أنه استدل على النسيان بالذاكرة. ولن تسأله عن أسباب هبوطه الاضطراري.
فهي تدري، كنساء البحارة تدري، أن البحر سيسرقه منها وأنّه رجل الإقلاع.. حتما.
هو سيد الوقت ليلاُ. سيد المستحيلات. والهاتف العابر للقارات. والحزن العابر للأمسيات.
ريثما يأتي.
والانبهار الدائم بليل أول.
ريثما يعود ثانية حبيبها، ريثما تعود من جديد حبيبته، مازالت في كل ساعة متأخرة من الليل تتساءل.. ماذا تراه الآن يفعل؟.
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق