الأربعاء، 13 مايو 2015

شاعرة الساحل : هند هارون 1927 - 1995 ...


شاعرة الساحل: هند هارون 1927 - 1995

سوريتنا - ياسر مرزوق - 18 كانون الثاني 2014 | العدد 174 :

"أنا شاعرة كتبت الشعر قبل أن أعرف الكتابة، لا أضع نفسي في موقع معين من الشعر النسائي، ولماذا تخصصون بين الرجل والمرأة وتفرقون، المجتمع يحكم على الأدب، ولا أستطيع أن أقدر موقعي، ولكني أعترف أن شعر الأمومة تنفرد به المرأة عن الرجل وربما كنت متميزة في الشعر العربي والإنساني في تصوير خلجات الأم".

  بهذه الكلمات الصغيرة تعرِّف هند هارون عن نفسها، فهي شاعرة الأمومة، أو شاعرة بني أميّة كما سمّاها النقاد المصريون، أو خنساء العصر، بنت الساحل، أم عمار المولودة في مدينة اللاذقية عام 1927، لآل هارون أعرق أسر المدينة والتي تولى عدد كبير من رجالاتها أعلى الوظائف الإدارية في اللاذقية وسورية، ومن آل هارون أيضاً أفراد مثلوا اللاذقية في البرلمان السوري منذ تأسيس الدولة، بل لم يخل مجلس نيابي من ممثل من هذه الأسرة العريقة عن مدينة اللاذقية، فبعد ثلاث عشر يوماً من خروج الأتراك من دمشق عام 1918، غادر آخر الموظفين الأتراك مدينة اللاذقية التي اجتمع وجهاؤها وألفوا حكومةً مؤقتة أعلنت ولاءها للملك فيصل، فكان عبد الواحد هارون رئيسها، وصديق عبد الله هارون أحد أعضاء مجلس إدارة اللواء، وعزيز هارون رئيساً للبلدية.

   ومنها أيضاً أسعد هارون رئيس الغرفة الزراعية في اللاذقية، والذي كان مبعوثاً للرئيس شكري القوتلي إلى دول عديدة ووزيراً في وزارتي سعيد الغزي وصبري العسلي، وعزيز آغا هارون رئيس بلدية اللاذقية والوطني الكبير الذي جاهد جنباً على جنب مع ابراهيم هنانو وكان صديقاً مقرباً من الملك فيصل وقائداً لثورة اللاذقية، وواصف آغا هارون عضو إدارة مجلس الطوائف الإسلامية، ووجيه اللاذقية علي آغا هارون ونائبها في المجلس النيابي بدمشق عام 1943.

    ترعرعت شاعرتنا في بيتٍ محبٍ للعلم والثقافة، ولم يمنعها رحيل والدها وهي في عمر الثماني سنوات، عن التفوق والنبوغ، حتى أن موهبتها الشعرية بدأت بالظهور مبكراً فكتبت الشعر وهي في المرحلة الإعدادية ونشرته في الصحف باسم "بنت الساحل"، وفي المرحلة الثانوية كانت حاضرةً في هموم مجتمعها ووطنها حيث قالت: "فتحت عيني على بيئةٍ منغلقةٍ، فرأيت بذوراً مثمرة في المجتمع بحاجة إلى رعاية، وبدايات اهتمام بالتعليم، ومفترق طرق بين الانتداب والاستقلال، وشعوراً قومياً شعبياً عارماً، قصدت حينها المدرسة المسماة (ثانوية البنات) محرضةً على الإضراب، مفصولةً أحيانا من المدرسة، تشاركني في هذا الشعور معظم الطالبات، وعددهن قليل بالنسبة للطلاب، وسرنا في مظاهرات، وأذكر من بين من كانوا معي: هند رويحة، لمياء هارون، جهينة سليمان.."‏.

   وعن بداياتها الشعرية قالت في حديثٍ لها لصحيفة الوحدة عام 1989:‏ "كتبت الشعر منذ الصغر، على مقاعد الدرس بدأت غزلاً بريئاً أسميته فيما بعد (قصائد الحب الصغيرة الموءودة)، ثم كان شعري القومي ثورةً حقيقيةً على تمزق الوطن العربي، وانتماءً للجذور، لجذور عروبتي، وفرحةً عارمةً بالوحدة العربية". ‏

    "من أهم المراحل الشعرية عندي مرحلة المراهقة، وقد طبعت بالشعر الوجداني والحماس القومي. مرحلة الشباب، وفيها شعرت أني أحمل الهم العربي، والحفاظ على تراب الأرض، والفرح الوحدوي حيث غنيت الوحدة العربية بين سورية ومصر، قصائد جميلة".

   حصلت بعد الثانوية على أهلية التعليم الابتدائي وعملت في التعليم ثم مديرة لثانوية الكرامة في اللاذقية ورئيسة لفرع اتحاد الكتاب العرب فيها لاحقاً، ولم تتوقف عن عطاءها الشعري حيث شاركت في العديد من المهرجانات الشعرية في مصر ولبنان والعراق والمغرب وفرنسا وبلغاريا، وقد غلب على شعرها الطابع الاجتماعي والوجداني والوطني فاحتفت بالوحدة العربية والقضية الفلسطينية على اعتبارها قضية العرب المركزية.

   إلا أن الحدث المفصلي في شعرها وحياتها عموماً كان وفاة وحيدها عمار الذي كان مصاباً بسرطان الدم، وعاشت معه هاجس الفقد سبعة عشر عاماً، "مرحلة الأمومة الباسمة أولاً بـ عمار، مرحلة قصيرة. مرحلة الحزن الكبير: بعد أن مرض عمار، حيث هددني خوفٌ قاتل بفقد فلذة كبدي، وكنت عاجزةً إزاء القدر، يريد أن يطفئ شمعةً تضيء قلبي، تموت وتحيا كل يوم، أنا أرى الزهرة المتفتحة تذبل ثم تنضر من جديد، ويقف الطب عاجزاً، وهكذا أعيش مرحلة عذاب، ويرحل عمار، تبقى لمحات وأرفض الموت. لأني أريد حياة أكبر من خلال تصوير أدق مشاعر الأمومة".

   سبعة عشر ربيعاً عاشها عمار في كنف والدته وما إن وصل إلى امتحانات الشهادة الثانوية حتى توفاه الله عام 1977 لتبدع هارون شعراً شكل علامةً فارقة في تاريخ الأدب العربي الحديث، ففي عام 1978 أصدرت ديوانها الأول "سارقة المعبد" وتحدثت بنفسها عنه قائلة: "سارقة المعبد عنوان إحدى قصائد الديوان وترمز إلى الانطلاق من قيود مجتمع قاس إلى حرية الفكر المشرق كما انطلق بروميثيوس المصفَّد من أغلاله، بعد أن حكمت عليه الآلهة بالبراءة".

    عام 1979 صدر لها ديوان عمار، ثم أعقبته بديوان شمس الحب عام 1981م، وأخيراً ديوان بين المرسى والشراع عام 1984.

   حصلت على الدكتوراه الفخرية من الاتحاد العالمي للمؤلفين، وترجمت بعض قصائدها إلى الفرنسية والإنجليزية والبلغارية والألمانية، وبقيت في مدينتها إلى أن توفاها الله عام 1995 لتشيعها اللاذقية تاركةً للمكتبة العربية أربع دواوين من عيون الشعر الحديث.


ليست هناك تعليقات:

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

الصالون الثقافي : يلا بنا نقرأ

تنبيه

إذا كنت تعتقد أن أي من الكتب المنشورة هنا تنتهك حقوقك الفكرية 


نرجو أن تتواصل معنا  وسنأخذ الأمر بمنتهى الجدية


مرحباً

Subscribe in a reader abaalhasan-read.blogspot.com - estimated value Push 2 Check

مواقيت الصلاة