دور المؤسسات الثقافية والفكرية في النهوض باللغة العربية
الدكتور رائد عكاشة - المستشار الأكاديمي للمعهد العالمي للفكر الإسلامي
الأربعاء 7 محرم 1434هـ- الموافق 21 تشرين الثاني 2012م
مقدمة :
أسهم تفاعل الشخصية العربية مع محيطها الخارجي في بروز تفاعلات أكبر وأوضح مع مكوناتها الداخلية، لا سيما على مستوى الهوية والبناء المعرفي، فظهرت مصطلحات ومفاهيم كشفت عن هذا الحراك مثل: الهوية، والتبعية الثـقافية، والاستلاب الثقافي، والغزو الثقافي، والاختراق المعرفي، والانتماء والارتماء، والأمن الاجتماعي، والنهوض الحضاري، والأصالة والمعاصرة، إلخ.
ولعل العالم العربي من المنظومات الجغرافية والديموغرافية والثقافية في العالم، التي تعرضت إلى محاولات تشكّل، منبتة عن منظومته المعرفية وهويته الحضارية. مما أدى إلى نشوء خطابات ثقافية، لا سيما على مستوى الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني، حاولت أن تتلمس طريقها نحو الانعتاق عن الآخر، وخوض معركة البناء تنموياً ونهضوياً، وتطوير منهجية مناسبة للتعامل مع الذات والواقع والآخر؛ لإتاحة الفرصة أمام الهوية كي تثبت قدرتها في تشكيل الفعل المجتمعي، والإسهام في تشكيل الوعي اليقظ بمكونات هذه الهوية من جهة، وبكل ما يعمل على محاولة نسفها من جهة أخرى.
ومثّل الصراع اللغوي مظهراً ملحوظاً، جعل الدول والمؤسسات والأفراد يستشعرون ضرورة التفاعل مع ما يحدث للغة من غزو وتهميش في المجالات الحيوية وحتى الترفية. ولم تَعد مسؤولية حماية اللغة مقتصرة على الخاصة وخاصة الخاصة، ضمن أبوية واضحة في تشكيل المجتمع، ولم يعد المركز هو الأساس في صنع خميرة التغيير، بل قامت مؤسسات المجتمع المدني؛ الثقافية والفكرية والدينية والتربوية... بالقيام بما عجزت عنه المؤسسات الرسمية، ونشأ خطاب متجاوز، مُتَّسِم بالإدراك الواعي لمعطيات التطور التاريخي، وبالنظرة الموضوعية تجاه الذات، وبالاستثمار الحقيقي للطاقة النفسية والفكرية. وأصبح خطاب المؤسسات الثقافية والفكرية على وجه الخصوص، الأقدر على إحداث الفعل التغييري في المجتمع؛ إذ يتفوق على الخطاب السياسي في طبيعة الفعل والمدى الزمني؛ فالخطاب السياسي محكوم بالنجاعة العاجلة الآنية؛ لاعتماده على المفعول المباشر والذاكرة القصيرة للأثر عند الرأي العام سلباً أو إيجاباً، بينما الخطاب الثقافي والفكري يتمثل المدى البعيد والتأثير البطيء وغير المرئي، فهو ذو نتائج مستقبلية عظيمة؛ لأنه يتعلق، بشكل جذري، بإصلاح الرؤية وتوجيه دفتها وتقويمها، وإنتاج الهوية، ومن ثم إعادة تشكيل الواقع في ضوء القيم الإنسانية الرفيعة.
تأتي هذه الدراسة لتتفحّص دور المؤسسات الثقافية والفكرية في النهوض باللغة العربية، وأثرها في تمكين الهوية اللغوية من الإسهام في بناء المجتمع. وتنطلق الدراسة من تساؤلات كثيرة، من أهمها: ما المقصود بالمؤسسات الفكرية والثقافية؟ وما أهميتها في السياق الحضاري والثقافي والمعرفي للمجتمع والأمة؟ وما أهمية العمل المؤسسي الجماعي في النهوض باللغة العربية؟ وكيف تُعبّر المؤسسات الفكرية والثقافية عن هويتها اللغوية؟ وما تجليات ذلك في المجتمع؟ وما انعكاسات ذلك على انتماء المؤسسة إلى هوية الأمة؟ وما الوسائل المُدبّرة التي اتبعتها تلكم المؤسسات لتحقيق غاية النهوض؟ وما العوائق التي تواجه المؤسسات الفكرية والثقافية في إحداث فعل التنمية اللغوية؟
ولعل هذه التساؤلات وغيرها فرضت على الدراسة أن تأتي بنماذج مستقرأة من المؤسسات الفكرية والثقافية في الأردن خاصة؛ لتفحّص التساؤلات السابقة، وملاحظة مدى انسجام المؤسسات الفكرية والثقافية مع الهوية اللغوية والمعرفية والثقافية للمجتمع والأمة. وقد اتكأت الدراسة على نموذجين من المؤسسات الخاصة؛ أحدهما يمثل التوجه الثقافي وهو مؤسسة عبد الحميد شومان، والثاني يمثل التوجه الفكري وهو المعهد العالمي للفكر الإسلامي. وقد قيّدت الدراسة نطاقها الزمني في عملية المسح للنشاطات والفعاليات التي قامت بها تلكما المؤسستين بالسنوات العشر الأخيرة (2002-2012).
أولاً: أهمية المؤسسة والعمل المؤسسي :
إن مفهوم ديمومة الأفكار ونجاعتها مرتبط بقدرة الحاضن على تفعيل هذه الأفكار، ونقلها من الذاتية والفردية المتصلة بالتفكير الأحادي إلى الجماعية والمؤسسية، فكم من أفكار قيّمة ماتت بموت صاحبها، أو تلامذته؟! وكم من مدارس فكرية واقتصادية وسياسية لم تجد استمرارية لها، لأنها ارتبطت بأفرادها لا بمؤسساتها!
ومن يستقرئ التاريخ الإنساني ويتفحصه، يجد أن للمؤسسات دوراً كبيراً في نقل الأفكار من المخزون الذاتي للفرد إلى التجلي المجتمعي، ومن القصور في الأداء إلى فِعل الإنجاز، ومن الارتباك في اتخاذ القرارات إلى الثقة في التخطيط والتنظيم والتنفيذ، ومن الارتجالية إلى التنظيمية، ومن سكون الفكرة إلى حركيتها، ومن قوتها إلى فعلها. وهذا يدلّ على القدرة الكبيرة في تنظيم الفكرة وبلورتها وإدارتها وتكييفها، لتتسق مع روح العصر وضروراته. والحضارات في معظم دوراتها الحضارية لا تلتفت إلى دور الفرد إلا في إطاره الجمعي، وفي دوره داخل المؤسسة بما يحدثه من تفاعل مع غيره ومع بيئته.
ولعل العصر الراهن، بتعقيداته، أبرز الأهمية الكبيرة للمؤسسات (على اختلاف أنواعها وتجلياتها) في إدارة الدولة، وتنظيم المجتمع، حتى غدت سياسات الدول الداخلية والخارجية متكئة، بشكل لا بأس به، في رسم استراتيجياتها ورؤاها على أفكار المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية.
ليس من هدف الدراسة أن تتناول التعريف الإجرائي أو الإداري للمؤسسة، أو البحث في التصميم الفني لمفهوم المؤسسة، ولكن يمكن التعامل مع المؤسسة ضمن إطارها الفكري والمعرفي والثقافي، فهي ليست أبنية وأشكالاً صمّاء، تأخذ ماهيتها وهويتها من علامتها التجارية أو إنتاجها، ولكنها علاقة تفاعل بين الفرد والفرد، والفرد والفكرة، والفكرة والمجتمع. وفيها يبرز مفهوم الدور الذي يشير إلى تصور جماعي اجتماعي، وهذا التصور الجماعي الاجتماعي يبرز مفهوماً آخر على درجة كبيرة من الأهمية، وهو مفهوم الأداء، الذي يشير إلى تفاعل داخلي بين أفراد المؤسسة، وتفاعل خارجي مع البيئة بمفهومها الواسع.
وبناءً عليه تغدو المؤسسة معبّرة عن مخيلات الأفراد الذين ينتمون إليها، فتقوم على إعادة تشكيل الصور الذهنية التي يصوغها الفرد تجاه ذاته وتجاه عالمه، وبذلك تكون المؤسسة معبّرة عن هوية صاحبها. وهي تمثل خطاباً واحداً قد يكون لهوية واحدة وقد يكون لهويات متعددة، خاصة في تلك المؤسسات التي تتجاذبها تنوعات فكرية ومعرفية، إلا أنها تلتقي في قيمة مركزية واحدة، ويسيّرها خيط ناظم. وتصبح المؤسسة بذلك عاملاً مهماً في تشكيل الشخصية، لا سيما تلك المؤسسات التي تُعنى ببناء الفرد فكرياً ومعرفياً وتربوياً وسلوكياً ووجدانياً وقيمياً ... ([1])، مثل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، والتعليم والتربية.
إن العلاقة بين المؤسسة والأفكار علاقة وطيدة وتبادلية؛ إذ إن المؤسسة تقوم على أفكار ورؤى واضحة، تمثل الأفكار الإطار النظري والمعنوي للمؤسسة، بما يمثل ثقافة المؤسسة، التي هي مجموعة من الأفكار والقيم والمفاهيم التي يؤمن بها العاملون. وتقوم المؤسسة من خلال جهازها الإداري والفني بنقل هذه الأفكار إلى المجتمع من خلال الوسائط المتعددة. وتستطيع المؤسسة أن تطوّر الأفكار، من خلال دراسة الماضي الممثل في التجارب التي مرّت على المؤسسة، والتفاعل مع الحاضر بوصفه الواقع الآني الذي يحتاج إلى تفعيل، واستشراف المستقبل بوصفه الأفق الممتد لأية فكرة؛ إذ إن صناعة الأفكار تحتاج إلى مدى زمني طويل نسبياً لقطف نتاجها. وبذلك تنقل المؤسسة الأفكار من عالم المؤسسة إلى مؤسسة العالم؛ أي إلى خارج محيط الذات.
تُمثّل البيئة المؤسسية – الداخلية والخارجية – عنصراً مهماً في إنجاح أفكار المؤسسة، لذلك لا بدّ من دراسة البيئة المؤسسية وتفحّصها، وتكييفها بما ينسجم مع أفكار المؤسسة وأهدافها. وينبغي لأي دارس يدرس تجربة مؤسسة أو التعرّف على ماهيتها، أن يسأل السؤالين الآتيين؛ هل المؤسسة نتاج البيئة؟ وهل بالضرورة أن تقوم المؤسسة بتغيير البيئة المحيطة بها؟
قد يكون من الصعب الإجابة عن السؤال الأول؛ إذ إننا في عالم العولمة لا نستطيع تصنيف المؤسسات بناءً على جغرافيتها، فثمة انتماء إلى ما هو أعمق من الجغرافيا مثل: الدين، والاقتصاد، والأفكار الاجتماعية، والرياضية .... ولكن في المؤسسات المحلية نستطيع القول إنها نتاج الخصوصية المحلية؛ إذ إنها تهدف إلى سد حاجة المجتمع، وتحقيق تطلعاته.
أما الإجابة على السؤال الثاني المتعلق بهمّ المؤسسة في تغيير البيئة المحيطة بها، فإن هذا واجب أدبي وأخلاقي، فضلاً عن كونه واجباً حقوقياً مرتبطاً بعلاقة تعاقدية بين المؤسسة والمجتمع؛ فالمؤسسة بشكل عام، والمؤسسات الثقافية والفكرية بشكل خاص، تنطلق من أطر ثلاثة تحدد رؤيتها ومسيرتها: صورة واضحة ومدركة للعالم، فيما يُسمى بالرؤية الكلية؛([2]) أي رؤية المؤسسة للإنسان وللكون وللخالق، والتلاؤم والتكيّف مع المحيط، ومحاولة تكييف المحيط مع ما ينسجم مع أفكار المؤسسة.
يُعد التخطيط رُكناً مهماً من أركان المؤسسة وصناعة الأفكار فيها، فهو يُحدّد الأهداف، ويضع السياسات، وطرق العمل، وإجراءات التنفيذ، والتنبؤ الجيد لتقليل الأخطاء، وتحديد الزمن والميزانية... .([3]) والتخطيط بهذا التوصيف دليل واضح على العقل المنظم، الذي يبتعد عن العفوية والارتجالية في اتخاذ القرارات.
ولكي يؤدي التخطيط دوره الفاعل في عمل المؤسسة، ينبغي أن يكون مرناً؛ إذ يأخذ بعين الاعتبار تقلّب الظروف واختلافها، وبروز العوائق والتغيرات الطارئة، وأن تعي المؤسسة الخطط قصيرة المدى أو متوسطته أو بعيدته.
إن الديمومة (النسبية) التي تمنحها المؤسسة للأفكار والمشاريع في بعض المؤسسات العربية اليوم، تُعدّ معلماً جيداً في أهمية تشكيل الوعي اليقظ بمكونات الهوية من جهة، وبكل ما يعمل على محاولة نسفها من جهة أخرى، لا سيما أننا نمرّ اليوم بمرحلة نستطيع القول فيها إننا قادرون على تحديد تصوّر واضح عن طبيعة العلاقة بين العمل الفردي والعمل الجماعي، وبين التخلف والإبداع.
ثانياً: المؤسسات الثقافية والفكرية وأهميتها في السياق الحضاري :
عندما نتحدث عن مفهوم الثقافة، فسنجد كمّاً كبيراً من التعريفات، وربما يقلّ ذلك في مفهوم الفكر. وليس من خط سير الدراسة تتبع التعريفات المتعلقة بالثقافة والفكر، إلا أن الأعمال والمهام والأوامر والوظائف المتعلقة بالثقافة والفكر، تعطينا تصوّراً قريباً من ماهية الثقافة والفكر، ولعل ذلك متعلق بطريقة تناولنا الثقافة، هل هي طريقة حياة كلية، أو بوصفها معارف عامة، أو كونها نشاطاً علمياً وإبداعياً ملتزماً. ولعل التعريفين الثاني والثالث يتقاطعان مع المثقف، مع الإشارة بأن المثقف الذي يتعامل مع الثقافة على أنها نشاط علمي، يكون أكثر التصاقاً بالتخصص وبالعلم منه بالمجتمع وبالثقافة العامة. وربما مجيء هاتين اللفظتين في شكل تركيب يعطيهما تخصيصاً معيناً، فيُقال: خطاب ثقافي، ونمط ثقافي، ومنهج فكري، وبناء فكري ... . ولعل المؤسسة الثقافية والفكرية سيرٌ على هذا التخصيص.
ونستطيع القول بشيء من التبسيط: إن المؤسسات الثقافية والفكرية في سياق هذه الدراسة تُعنى بالشأن الثقافي والفكري المجتمعي، والمتّصلة اتصالاً وثيقاً بشرائح متعددة ومتنوعة في المجتمع، أكان ذلك على الصعيد المادي أو المعنوي أو الفكري أو المنهجي أو القيمي ... . ([4]) وهي بذلك تعنى "بالعقل الإنساني وما يحمله من تراكمات معرفية وفكرية وإبداعية وفنية وجمالية وسلوكية، وما سوى ذلك من الثمرات الحضارية التي يسهم بها العقل البشري الفردي والجماعي في تسيير ظروف العيش المادي والروحي من خلال مخططات تثقيفية بوسائلها، تنموية بأهدافها"([5]).
تحدث التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الذي صدر عن مؤسسة الفكر العربي، عن الأطر المؤسسية للعمل الثقافي العربي، وصنّف المؤسسات الثقافية إلى ثلاث فئات:([6])
1. المؤسسات الثقافية الرسمية: وهي الخاضعة لوصاية الدولة بوصفها مؤسسات إدارية تمولها الحكومة وتشرف على نفقاتها.
2. المؤسسات الثقافية الأهلية: وهي غير حكومية، وتعتمد على جهود الفاعلين في المجتمع المدني، أو على منح الدولة.
3. المؤسسات الثقافية الخاصة: وهي غير حكومية، وتستمد فاعليتها الثقافية من جهود فردية خاصة، وتعتمد في نشاطاتها على ما يخصصه لها هؤلاء الأفراد من نفقات.([7])
ورأى التقرير أن المؤسسات الثقافية العربية (حكومية وأهلية وخاصة) تتحمل مسؤوليات جسيمة وشاقة، لما يواجهه العالم العربي اليوم من تحديات حضارية وثقافية، وتعود جسامة المسؤولية إلى كون كل المؤسسات مطالبة بأن تسهم في فك الحصار الثقافي الحضاري المهدد للهوية القومية، وذلك من خلال:
أ- إحياء الصورة الإيجابية للثقافة العربية لدى الآخر الأجنبي، لمحو الصورة السلبية التي أصبحت ترسم للعرب في المخيال الثقافي الأجنبي.
ب- تفعيل النشاط الثقافي داخل الوطن العربي من خلال رسم مخططات مستقبلية، تخرج الثقافة العربية من وضعية دينامية التجدد والتطور والانفتاح على ثقافة الآخرين.
ج- جعل الثقافة إلى جانب الاقتصاد والسياسة شرطاً في تحقيق التنمية الاجتماعية الحضارية المستدامة.
د- فتح قنوات الاتصال والتنسيق التعاوني بين كل المؤسسات الثقافية العربية على المستوى القطري والإقليمي والكلي.([8])
وما من شك في أن للمؤسسات الثقافية والفكرية، كما أظهر التقرير وغيره من الدراسات، دوراً مهماً في التنمية الثقافية بشكل خاص والتنمية المجتمعية بشكل عام. ويبرز لنا التاريخ الحضاري كيف أن هذه المؤسسات قامت بإحداث فعل التفاعل الحضاري بين الشعوب والثقافات من خلال مراكز الترجمة والبحث العلمي والأبحاث، ومؤسسات المجتمع المدني. واستطاعت أن تتجاوز دورها قنطرةً للتفاعل؛ إذ غدت هذه المراكز، لا سيما في الوقت المعاصر، تؤدي مهمة أساسية في "تزويد الفرد العربي بمعلومات حول ضرورة الحاجة إلى التغيير، هذه المعلومات تتعلق بالتغيرات التي يمكن إحداثها، ومعلومات أخرى حول البدائل المتاحة، ومعلومات حول الأساليب [وتزويده] بالوسائل والفوائد من تبني أفكار وطرق جديدة للعمل والإنجاز في كافة المجالات والنشاطات الاقتصادية والتنموية ... وتؤدي المراكز الثقافية والفكرية دوراً مهماً كذلك في إتاحة الإمكانيات الثقافية والتعليمية والتدريبية لتنفيذ برامج التنمية؛ إذ تقوم المراكز الثقافية عادة بجعل هذا التغيير يلقى تقبلاً من قبل الشباب، فلا يكفي في عملية التنمية إدراك الحاجة إلى التغيير، واتخاذ القرار بقبوله، بل لا بدّ من إتاحة إمكانيات التغيير عن طريق نشر الوعي العلمي، وتعميم المعرفة، والتعليم، والتدريب والتثقيف"([9]).
لا يقتصر دور المراكز الثقافية والفكرية على نشر المعرفة والثقافة وتوظيفها، بل إن من أهم أدوارها إنتاج الوعي القادر على التطرق إلى قضايا المجتمع ومحاورتها ومعالجتها برؤية منهجية.([10]) وإن كان ثمة صعوبة في المعالجة، فيكفي تلكم المراكز أن تثير الوعي حول القضايا المطروحة، وأن تساعد على بناء الشخصية وتنمية تفكيرها؛ إذ تصبح المراكز الثقافية والمعرفية مكاناً رحباً لتكوين الإبداع وتنميته.([11]) ولعل إثارة الوعي نابعة من التساؤل والنقد بوصفهما مفرديتن رئيستين في خطاب المؤسسة الثقافية والفكرية. والمؤسسة بذلك تمارس دورها الطبيعي في تفكيك المنظومة السائدة، وتفحّص مقوماتها ومناقبها ومثالبها، والعمل في الوقت ذاته على تأسيس منظومة مجتمعية صالحة للارتقاء بمجتمع المؤسسة، لذلك تتحمل المؤسسات الثقافية والفكرية مسؤوليتين كبيرتين: أولاهما: المسؤولية الثقافية من خلال استيعاب ثقافة الأمة، وتمحيص غثّها من سمينها، وتجاوز ذلك بتحديث الثقافة وأخذ ما يلائم ثقافة المجتمع، فهي تقدم ثقافة واعية وواقعية، ليست مغتربة عن أبناء المجتمع. ([12]) وثانيهما: المسؤولية الاجتماعية من خلال تفعيل الطاقات المجتمعية تجاه أفكار المؤسسة، والتعبير عن ضمير المجتمع، وتقريب المسافة بين المنشود والموجود. إلى هنا
ثمة ميزات عديدة للمؤسسات الثقافية والفكرية، جعلتها قادرة على تحمّل المسؤولية الثقافية والمعرفية والاجتماعية. ولعل أهم هذه الميزات:
· النظرة الكلية الشاملة إلى الإنسان والثقافة والمجتمع.
· المشاركة الإيجابية في صنع الثقافة، وليس فقط الانفعال بها، واتخاذ موقف إيجابي يقوم على النظرة الناقدة لأحداث الحياة.
· الالتزام في خططها ورؤيتها واستراتيجيتها وخطابها بالقيم الاجتماعية والإنسانية، والتعبير عن مشاعر المجتمع وحاجياته، بوصف مجتمع المؤسسة نموذجاً مصغراً للمشكلات الإنسانية بوجه، واعتناق موقف واضح من هذه المشكلات.
· المعاصرة، وهي مرتبطة بالضرورة بعنصري الإسهام الإيجابي والالتزام.([13])
إن طبيعة عمل المؤسسات الثقافية والفكرية مندغمة في طبيعة عمل المكوِّن الرئيسي لهذه المؤسسات، وهو الفرد المثقف والمفكر؛ فدورهما (الفرد والمؤسسة) ومهمتهما تقعان في صميم الوجود الإنساني في هذه الحياة؛ إذ سيمثل الربط بين إنسانية المثقف (فرداً أو مؤسسة)، وثقافة الإنسان عاملاً مهماً في التمكين الفطري لدور المثقف في مجتمعه؛ فالإنسان في المنظور التوحيدي مأمور بأن يعمّر الأرض، ويحقق مفهوم الاستخلاف؛ إذ من خلال هذا المفهوم تتأصل فكرة الصلة بين الإنسان والمجتمع. ولأن مهمة الإنسان في هذا الكون متعلقة بقضية العمران،([14]) فإن مهمة المثقف بوصفه إنساناً تتعلق بإعمال المجتمع، ولا يتم ذلك إلا بالمشاركة المجتمعية، وإحلال الثقافة المجتمعية محل الثقافة الفردية؛ أي ترسيخ العمل المؤسسي المجتمعي.
يفترض في المؤسسات الثقافية والفكرية أن تعبّر عن هوية المجتمع إن كان محلياً، والأمة إن كان عالمياً، ويتطلب ذلك أن تكون مرجعية المؤسسات الثقافية والفكرية متسقة مع هوية المجتمع. قد يعاني الخطاب الثقافي للمؤسسات الثقافية والفكرية في أي مجتمع من خلل واضح في مسيرته الثقافية، ولهذا أسباب متنوعة: داخلية وخارجية؛ ذاتية وموضوعية؛ لحظية وتراكمية؛ إلخ. وقد عمل هذا الخلل على عدم وضوح هوية المجتمع وماهيته، وإلى حدوث الارتباك الثقافي. ولعل من أهم أسباب هذا الارتباك عدم تحديد مرجعية الخطاب الثقافي والفكري للمؤسسة، لا سيما في ظل صراع قيمي ثقافي، سُخّرت له أحدث التقنيات، فغدا الخطاب الثقافي لعدد غير قليل من المؤسسات الثقافية والفكرية، صدىً لغيره من الخطابات الثقافية والمعرفية المركزية (أوروبا وأمريكا)، على الرغم من اختلاف بنية النظام المعرفي لكل ثقافة. وفي خطابنا الثقافي، المتسق مع هوية الأمة، ثمة نظام معرفي واضح يحدد الرؤية الكلية لأبناء الثقافة العربية الإسلامية، وتنعكس معالم هذا النظام المعرفي على مجالات الحياة كلها، وهذا كان له دور كبير في المحافظة على تماسك الأمة والمجتمع، وإبقاء هويتها واضحة المعالم على مر العصور، فلا إملاءات ثقافية ومعرفية وسياسية واقتصادية واجتماعية ...، تتعارض مع هوية المجتمع.
إن التأسيس النظري للخطاب الثقافي للمؤسسات الثقافية والفكرية في تجلية هوية الأمة، وبهذا التوقيت بالذات، يساعد المجتمع على تحديد أولوياته: داخلياً وخارجياً؛ إذ ينظّم خطاب المؤسسة قضايا المجتمع وقضايا الأمة بما يتسق مع هوية المجتمع وطموحاته وآماله.
ولقد علمنا التاريخ أن المحافظة على الخصوصية، وإعادة صوغ خطاب نابع من هوية الأمة، لا يتعارض مع حركة التقدم والتطور. ولعل اليابان تُعدّ أنموذجاً جيداً في هذا المجال؛ إذ تحرص وزارة التربية والتعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا([15]) على أن يحافظ اليابانيون على ثقافتهم، وعلى الاطّلاع على ما عند الآخرين، واختيار ما يلائم مجتمعهم وهويتهم. لذلك ينبغي لخطاب المؤسسات الثقافية والفكرية أن يتجاوز تلك الرؤى التي كانت تنادي بنظريات الإزاحة والإحلال؛ إزاحة الدين والعادات والتقاليد والعُرف والتراث من مشروع التقدم والتطور، والدخول في مدينة العصرنة من خلال القضاء على الماضي؛ وإحلال قيم المركز والحداثة وما بعد الحداثة وآلياتهم وطرائق تفكيرهم، والاندماج في بيئة التفكير الحديث.
ثمة مفارقة كبيرة جداً بين المنظورين: العربي والإسلامي، والغربي في رؤيتهما الكلية للوجود. ويجب على المؤسسات الثقافية والفكرية أن تنحاز – في خطابها – بطريقة عقلية ونصيّة وشعورية إلى هويّة المجتمع والأمة، دون تقليل أو تهوين للتطور التقني الذي وصلته المجتمعات الغربية؛ إذ "لا تستطيع أمة أن تتمتع بإرادة ذاتية وقوة معنوية، ورؤية نظرية، وقاعدة معيارية فعّالة إلا بقدر ما تنجح في تأسيس مرجعية ثابتة، عميقة الجذور، مرتبطة بتاريخها، أو بتجربتها التاريخية. كذلك لا تستطيع جماعة أن تبني نشاطها أو تؤسس وجودها على مرجعية خارجية، مستمدة من خارج تاريخها، ومستقاة من ثقافة أخرى؛ أي لا تستطيع أن تجعل من رمز استعبادها وتهميشها مرجعاً لنهضتها الجديدة."([16])
عندما نتحدث عن مكانة المرجعية في بناء خطاب المؤسسات الثقافية والفكرية، فإننا نستحضر قوتها في التفكير والتنظير، من خلال انتمائنا الحضاري، واستعدادنا الفكري في استيعاب الأفكار وإنضاجها، والقدرة على التحاور بها وتطويرها، والإبداع في إنتاج البدائل الثقافية، عندئذ نستطيع أن نتحدث عن قوة المرجعية بدلاً من الحديث عن مرجعية القوة. ونحقق كذلك مفهوم الانتماء والمواطنة؛ إذ يشعر كل فرد من أفراد المجتمع بأن النهوض بالمجتمع والأمة من مسؤوليته، وله حقوق يأخذها في ظل هذا المجتمع، على أن يوازن بين خطاب الحق وخطاب الواجب؛ إذ إن تضخم الخطاب الحقوقي قد يؤدي بنا إلى التملص من الواجب، والتنكر للفروض والتنصل من المسؤوليات. وإذا كانت ثقافة الحق تضخم فينا الأنا والذات والنحن، فإن ثقافة الواجب تبرز فينا الإيثار أو الغير.([17])
إن البحث في الأسباب التي أدّت إلى تشوّه الرؤية عند بعض المؤسسات الثقافية والفكرية هو من الأولويات القصوى في محاولة البحث عن الذات؛ إذ عن طريق تفحُّص الأسباب نستطيع تبيُّن العجز الذي أصابنا في تحديد بوصلة التعامل مع الذات ومع الآخر، مما سينعكس على بناء الشخصية القادرة على صوغ المشروع الحضاري، لتمارس دورها الطبيعي في أداء مهمة الاستخلاف التي شرفها الله بها، ولعل من المفارقات العجيبة أن الأمة التي طوّرت أسس التفكير العلمي والمنهجي إنشاءً وتجاوزاً، وشكّلت منظومات متعددة في مختلف مناحي الحياة، نجدها عالة على غيرها من الأمم. ومن المفارقات كذلك أن الأمة التي شرّفها الله بالقراءة عاجزة عن فهم مفردات الحضارة وقراءة الماضي، مما أدّى إلى تغيّب واضح لدورها الآن في الفعل الإنساني. وما نشاهده اليوم من تخبط في منهجية خطاب بعض المؤسسات الثقافية والفكرية وفي تجلياتها، إلا دليل على تشوّه الرؤية.
تحتاج أية مؤسسة ثقافية لتفعيل خطابها إلى مناخ مناسب ومهيء لإحداث الحراك الثقافي والمعرفي في المجتمع. وتُعدّ الحرية أهم متطلبات سيرورة خطاب المؤسسات الثقافية والمعرفية؛ فالحرية إحدى المصالح الأساسية والضرورية التي يقوم عليها المجتمع. وبما أن الخطاب المنبثق عن المؤسسات الثقافية والفكرية هو خطاب نقدي تغييري، بالمعنى المجتمعي للتغيير، فإن الحرية وخطابها من مرتكزات رؤيته وعمله، لذلك ينبغي أن تتجلى الحرية في المساحات المعرفية والمجتمعية لخطاب المؤسسات الثقافية والمعرفية، وأن يُبنى الخطاب الثقافي منهجياً عليها.
ومما له ارتباط بالحرية مفهوم العدالة؛ إذ إن غياب العدالة سيؤدي إلى اختلال علاقة المواطنة، وبروز النشاز المجتمعي والثقافي. ولعل العدالة الاجتماعية هي الأهم والأساس في كل أنماط العدالة؛ إذ تعيد للإنسان كرامته. ولن يحدث أي تقدم ثقافي يلامس نفسية الفرد، ويحقق طموحاته وآماله، دون عدالة اجتماعية.
وقد يحدث أن يتحول الخطاب الثقافي للمؤسسات الثقافية والفكرية من عامل مهم في التواشج الاجتماعي، إلى مِعول هدم في النسيج الاجتماعي؛ إذ إن من متطلبات النهوض الثقافي حدوث انسجام وجداني بين أفراد المجتمع، مبتعدين فيه عن البغضاء والشحناء. وغياب العدالة سيدفع بعض المثقفين إلى تغيير الانتماء في أسوء الحالات، وإلى الارتباك في الانتماء في أفضلها. وعندئذ سيحدث صراع بين الخطابات الثقافية، مما يشكل حالة من الهدر الثقافي والمهارات الثقافية التي تبتعد بشكل كلي ومقصدي عن طبيعة الحراك الثقافي الذي ينتج طحناً.
ثمة حاجة لأن تشعر المؤسسات بمبدأ التوزيع العادل للثقافة؛ إذ يشعر المثقفون والمفكرون، على اختلاف مشاربهم وأفكارهم وتوجهاتهم، بأن هناك مسافة واحدة في النهل من مصدر المعلومة وطرق الحصول عليها، وألا يقتصر العطاء على مثقف مؤسسة السلطة دون غيره، مما سيعمل على تهميش المثقف واغترابه. لذلك ينبغي للمؤسسات الثقافية والفكرية أن تُصرَّ على تكافؤ الفرص. وإنَّ تخلي مؤسسة السلطة عن القيام بواجبها نحو الخطابات الثقافية المتباينة، سيؤدي إلى طمس فكرة التدافع الثقافي، الذي يُعدّ حالة صحية منسجمة مع الفطرة الإنسانية في ميل الإنسان إلى نشر أفكاره.
إن غياب التوزيع العادل للثقافة سيؤدي-أيضاً- إلى نتيجة سلبية، وهي عزل المثقفين عن المشهد الاجتماعي والسياسي والثقافي والفكري، لا سيما إذا كانت المؤسسات ذات صبغة أبوية سلطوية، فلا يبقى إلا مثقف السلطة يُعبّر عن آرائها ويروّج لأفعالها، وبذلك يفقد المثقف خاصية من السمات التي تميّزه وهي نقد الواقع، وسيشهد المجتمع غياباً واضحاً للحراك، في جميع مستوياته، وسينقطع تيار المعرفة والوعي عن المجتمع، وسيغدو المجتمع مُوجَّهاً، وستسود حالة من الإحباط والعزلة والتيه والتسليم بالأمر الواقع، وسيبحث المثقف عن بقعة جغرافية يمارس من خلالها فعله الثقافي إن أمكن ذلك، أو يوقف مشهد اغتيال خطابه وتغيبه من خلال حضوره في المنفى.
تتعرض فاعلية المؤسسة الثقافية والفكرية في بناء المجتمع إلى أزمات وصعوبات وعوائق ذاتية وموضوعية، تحول دون تمكين خطاب المؤسسات من إحداث فِعل الحراك الثقافي والمعرفي. ولعل أهم الأزمات التي تواجه خطاب المؤسسة ما يأتي:
أ. الأزمة المعرفية:
وهي تتعلق بقدرة المؤسسة الثقافية والفكرية على الموازنة بين بنائها الثقافي والفكري والمعرفي الذي عاشت فيه، وصاغ فكرها ورؤيتها، والبناء الثقافي والمعرفي للأمم والمجتمعات الأخرى. ولعل هذه الأزمة المعرفية أدّت إلى ظهور ثلاثة أنماط ثقافية تصف علاقة الخطاب الثقافي بذاته وبالآخر:
- مؤسسات تقليدية تنظر إلى ثقافتها بعين التراث، فتقدّس هذا التراث دون مراعاة لأثر الزمان والمكان في تشكُّله، وبذلك تفقد هذه المؤسسة قدرتها على التواصل المباشر مع تلك المصادر، واستلهام حكمتها ومقاصدها في فهم الواقع وتكييفه.
- مؤسسات تغريبية تُفكر برؤية للعالم منبتّة عن مرجعيات هويتها، وتنحاز إلى ثقافة دخيلة، ونظام معرفي وثقافي طارئ. وتُمارس هذه المؤسسات إسقاطات ثقافية ومعرفية على رؤاها ومشاريعها وإنتاجاتها، مما أدّى إلى حالة من الفصام المعرفي والثقافي والتفكيري والشعوري.
- مؤسسات تأصيلية تنطلق من البيئة المعرفية وهوية الأمة دون تقديس للتراث، ودون تبعية للآخر. وتقوم هذه المؤسسات بإعمال رؤيتها الحضارية فيما يستجد من الأمور.
لقد انعكست هذه الأزمة المعرفية على البناء النفسي والفكري للمؤسسة في بُعدين مهمين هما: الاغتراب والتبعية الثقافية. أما الاغتراب فهو انسحاب من ممارسة الفعل الثقافي والفكري في المجتمع، وبناءً عليه فقد المثقف والمفكر الحقيقي أحد أبرز مقوماته وهو تفاعله مع مجتمعه وقضاياه. ولا يعني الانسحاب عدم الحضور على الساحة الثقافية، بل يعني الانطلاق في الرؤية والتفكير من منطلقات لا تمتُّ بصلة إلى ثقافته وحضارته وهمومه وقضاياه، ومثال ذلك الخطاب الثقافي المتعلق بتحديث المجتمع ثقافياً ولغوياً من خلال الإعلاء من مكانة اللغة الإنجليزية في التوظيف والقبول لبرنامج الدراسات العليا، مما يشي بالحطِّ من مكانة اللغة القومية. وكذلك القضايا المتعلقة بالأسرة والتنشئة الاجتماعية، والمرأة، والجندر، والخطاب النسوي، ودور الإسلام في الحياة المدنية.
أما التبعية الثقافية؛ التي تعني نمط العلاقة الذي يجعل بعض الثقافات تعتمد اعتماداً بنيوياً في إنتاج القيم والمعاني والأفكار والمعارف على ثقافات أخرى، فهي إلغاء هوية المثقف وذاتيته. وهي رغبة ذاتية أكثر منها سيطرة؛ إذ تُمثّل استلاباً ثقافياً وقابلية للاستعمار أو العقل الكَلّ على حد قول مالك بن نبي. ولهذه التبعية آثار سلبية على خطاب المؤسسات الثقافية والفكرية؛ إذ تفقد تلك المؤسسات بوصلتها في التعامل مع الواقع والتراث والهوية؛ "فقد أدّت عملية نقل الفكر من الخارج إلى عدم توفر التربة الخصبة لاختبار هذه الأفكار من ناحية، أو لبروز أفكار وقضايا نوعية توضح خصوصيات المجتمع العربي في علاقاتها بالقوانين العامة لتطور المجتمع الإنساني."([18]) ويبرز عندئذ ما يُسمى عند علماء الاجتماع بظاهرة العقل الأسير، الذي يغترب عن القضايا الأساسية للمجتمع وعن معتقداته الوطنية وعن بنائه الأسري([19]). ويحدث بذلك مسخ للهوية يؤدي إلى قطيعة مع الأصل، وإلى قطع الذات عن العلاقات الفطرية ومجالاتها الحيوية. وحالة الفصام هذه ستؤدي إلى انسلاخ الإنسان عن ذاته وذاكرته، ضمن محور يحاول محو الذاكرة الحضارية وقطع النفس عن ذاكرتها التراثية.([20])
إن الخطاب المؤسسي الثقافي والفكري الذي ينادي بالتحديث والتطوير دون وعي لماهية المجتمع سيقع، ضمن علاقة شرطية، في (غيتو) القطيعة مع بيئة المجتمع الذي تأسس على هوية واضحة وهي التراث العربي الإسلامي. وإذا أردنا لخطاب المؤسسات الثقافية والفكرية أن يكون لها حضور وشهود في حركة النهوض الحضاري، ينبغي أن يتأسس ذلك الخطاب على فهم مصلحي للواقع دون إعمال آلي للنصوص، والعمل على استيعاب المنجز الحضاري الفكري من أجل التجاوز الإيجابي، والوعي القادر على مسايرة التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ب- عدم فهم الواقع:
إن حركة الإنتاج الثقافي والفكري تفاعلٌ بين الإنسان وبيئته الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية... . صحيح أن بذرة التغيير والنهوض عبارة عن أفكار وربما تكون مجردة، إلا أنها في سيرورتها وصيرورتها تتنزل واقعاً معيشاً، لتنقل من حالة التجريد إلى حالة التشكّل الملموس والملحوظ. وإذا لم تتساوق الرؤية الثقافية مع الواقع فإن النهوض الفكري سيُصاب بالإحباط وربما الاحتضار.
إن المؤسسات الثقافية والفكرية بحاجة إلى استقراء الواقع، وتفحُّص ما يحتاجه المجتمع، ومدى قدرة خطابها على بث الوعي بجميع أشكاله بين أفراد المجتمع؛ إذ يتقزم دور هذه المؤسسات إن مارست دور الموجِّه والمفكر الذي ينتج الأفكار فحسب، بل ثمة حاجة إلى أن ينتقل خطابها من النظر إلى العمل. ولعل فهم الواقع سيعطي المؤسسات مساحة أكبر في الخطاب، ويجعلها تتخلى عن العُلوية والنخبوية والمثالية.
ج- غياب الأفق الاستراتيجي القادر على تحديد الأهداف:
قد يعاني الخطاب الثقافي المنبثق عن المؤسسات الثقافية والفكرية من آنية التخطيط والتنظيم والتنفيذ، لذلك تأتي التوجهات الثقافية والفكرية بعيدة عن الإطار العلمي الذي يضبط الفعل الثقافي، مما يجعل ذلك الخطاب غير مؤهل لاستشراف المستقبل. ونستطيع أن نستكشف ذلك الخطاب المبني على ردة الفعل، فبدلاً من أن يكون الخطاب الثقافي والفكري متقدماً في تغيير المجتمع ورصد تحولاته، غدا متلقياً ووعاءً للأفعال والرؤى التي يضعها السياسي والاقتصادي، فتراجع دوره في التساؤل والنقد والصنع.
د- غياب فقه الأولويات:
يتعلق فقه الأولويات بقدرة العقل الناقد على رسم استراتيجية قادرة على تمييز القضايا من المشاكل، والمحلي من القومي، والكلي من الجزئي، والضروري من الحاجي والتحسيني، والفردي من الجمعي، إلخ. وعدم الوعي بترتيب الأولويات حسب أهميتها زماناً ومكاناً وإنساناً وظروفاً وموضوعاً، سيجعل المؤسسات الثقافية والفكرية في انفصام نظري وعملي مع مجتمعها. ولعل غياب فقه الأولويات نتيجة طبيعية لغياب فهم الواقع والوعي النقدي به، وملاحظة التطورات والتغيرات التي تطرأ عليه، وإعمال المنهجية العلمية فيه.
إن النهوض بالمؤسسات الثقافية والفكرية متعلق بمدى القدرة على استيعاب العوائق، والعمل على التقليل من تأثيرها في بنية المؤسسة ورؤيتها وتنفيذ مشاريعها الثقافية والفكرية.([21]).
ثالثاً: موقع اللغة في منظومة المؤسسة الثقافية والفكرية:
تُعد قضية الانتماء إلى اللغة والهوية من القضايا المهمة والشائكة في فكر المؤسسات الثقافية والفكرية ورؤيتها وبرامجها؛ إذ تتمحور هذه القضية حول موقع المؤسسة وموقفها من هويتها، والأسس المعرفية والاجتماعية التي بنيت عليها.
إن مكانة اللغة في هوية المجتمع والأمة ليست اعتباطية أو ترفية أو دعائية. وينبغي للمؤسسات الثقافية والفكرية أن تعي بأن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين اللغة والهوية يقوم على ثلاث حجج هي:
1. الحجة الأساس: وتتمثل في الارتباط الفطري، والوعي القومي والشخصية الجماعية.
2. حجية التأسيس: فاللغة ذاكرة تتعامل مع النصوص التراثية الحضارية لصياغة أصول الذاكرة الحضارية، وفقه اللغة، وعمليات التجديد والإحياء التراثي، وأدواره في صياغة شخصية الأمة وأصول هويتها.
3. حجة التأصيل والتفعيل: اللغة مفهوم ثقافي وفكري وحضاري، يؤمل معاني القدرة على المواجهة والممانعة الحضارية من جانب، وترشّح مداخل الفاعلية الحضارية وأصولها من جانب آخر([22]).
يرى المخططون اللغويون أن ثمة مكاناً مهماً للغة في بنية التخطيط المجتمعي؛ إذ هي ضرورة في إحداث التجانس المجتمعي، فالمجتمع القومي، ومن ضمنه المؤسسات، يعتمد على ركيزتين أساسيتين، هما: الولاء الذي يتجه إلى الأمة، بوصف هذا الولاء عنصراً من عناصر تشكّل الأمة. والركيزة الثانية هي اللغة؛ إذ تؤدي مهمة عظيمة في إحداث التجانس، فهي لغة واحدة للخطاب تؤشر على حقيقة الاتصال والتواصل، وهي خطاب يتم عبر رموز واحدة تمثل حقيقة تكاملها وتمايزها، وهي تتمثل في نسق للقيم يفضي إلى حقائق اختصاصها وأصول هويتها، وهي تعابير اجتماعية تمثل مع كل ما سبقها محوراً للعملية الاتصالية بين الجماعة القومية، وتميز الجماعة القومية عن غيرها.([23])
ولأن الهوية صيغة ثقافية، واللغة تُعدّ ركناً من أركان الثقافة، فهوية كل مجتمع تتأسس على لغته؛([24]) إذ يشعر المرء بالأمن والطمأنينة في كنف لغته. لذلك ليس من المستغرب أن تحرص بعض المؤسسات الثقافية والفكرية على التمسك باللغة؛ لأنها جزء لا يتجزأ من هوية الأمة؛([25]) إذ تحمل اللغة "كل خصائص مجتمع ما إلى كل فرد من أفراده، وهي بمثابة شبكة تواصل، وقنوات نقل للتراث والمعرفة الوافدة إلى الذات، والناقلة من الذات إلى الآخر، فلا جرم أن يعتصم كل مجتمع بهويته الثقافية من خلال تنشئته بلغته."([26])
ينبغي للمؤسسات الثقافية والفكرية أن تكون عاملاً أساساً في البناء الحضاري للأمة وللمجتمع. وهذا يفرض عليها أن تبحث في ذاتها عن عوامل القوة والمنعة التي أدّت إلى النهوض الحضاري للأمة، وأن تنظّر لمفاهيم القوة الثقافية للمجتمع، ([27]) وأن تستلهم موقع اللغة في التراث الفكري والثقافي والديني للحضارة العربية الإسلامية؛ إذ أدرك سلف هذه الأمة دلالة ارتباط العربية بالإسلام؛ فالعربية عندهم كادت تكون مرادفة للإسلام، وهما معاً يشكّلان خاصية المسلم وهويته،([28]) وثمة مقولات كثيرة تحدثت عن ضرورة إتقان اللغة العربية لفهم مقاصد الشريعة،([29]) وثمة من عدّ إتقان اللغة شرطاً للمجتهد.([30])
لا أحد ينكر المدّ الكبير للعولمة منذ مدة ليست بقصيرة، وكلنا يعي أن العولمة ذات وجوه متعددة، وإن كان الوجه الاقتصادي هو الأبرز؛ فثمة عولمة اجتماعية وأخلاقية وفنية وثقافية ولغوية أيضاً؛ إذ نلمح هيمنة واضحة للغة الإنجليزية في جميع مرافق الحياة؛ سماعاً وقراءةً وكلاماً. وهذا الإحساس بهيمنة اللغة الإنجليزية يفرض على المؤسسات الثقافية والمعرفية والفكرية والتربوية ...، أن تضاعف جهودها في سبيل حماية لغتها وهويتها،([31]) لا سيما أن اللغة العربية تمتلك ميزات تؤهلها إلى أن تغدو لغة عالمية، فخصائصها النحوية والتركيبية والاشتقاقية، والقدرة الكبيرة على الإنتاج اللغوي، يجعلها قادرة على التكيّف والاستيعاب والتجاوز؛ ففي الوقت الذي تقوم فيه المعرفة في ثبات وقفزات كبيرة، يصبح التكيف الإبداعي هو الاحتمال الوحيد الذي يمكّن المؤسسات الثقافية والفكرية من محاورة الآخر ومجاراته، بل والتفوق عليه، وما لم تستطع هذه المؤسسات من أن تتخيّل، وتبني، وتراجع بابتكار أساليب التعامل مع التغيّرات المعقّدة، وما لم تتكيّف مع بيئتها بسرعة تماثل سرعة العلم في تغيير هذه البيئة، فإن ثقافتنا ستضمحل.
ثمة عاملان مهمان يبلوران موقع اللغة في رؤية المؤسسة الثقافية والفكرية، وهما: السياسة اللغوية والتخطيط اللغوي.
يرى طوليفصون في كتابه الموسوم بـ "السياسة اللغوية ... خلفياتها ومقاصدها" أن سبب إخفاق ملايين البشر في تحصيل الكفايات اللغوية اللازمة للغات التي يحتاجون إليها كي يعيشوا بكرامة، يعود إلى السياسات اللغوية التي تجعل هؤلاء الناس غير مقتدرين على التمكن اللغوي.([32]) والسياسة اللغوية تعني تحديد الاختيارات الكبرى في مجال العلاقات بين اللغات والمجتمع، وتطبيقها؛ أي ما يُدعى بالتهيئة أو التخطيط اللغوي.([33]) والسياسة اللغوية تدور حول أسئلة تتعلق بالمتحدِّث والمُتحدَّث إليه، وكيفية الحديث، والوسائل المتبعة، والبيئة المخصصة، وموضوع الحديث، وزمنه. وهذا يعني أن السياسة اللغوية هي عملية تدبيرية للذات وللموضوع وللآخر، وعملية تنظيمية للبيئة اللغوية وللوظائف وللاستعمالات وللبيئة ولجوانب التغيرات المتعلقة بذلك كله والمرتبطة به، وتنظيم المصادر اللغوية في المجتمع. وهي عملية مجتمعية؛ لأن أية سياسة لغوية لا بدّ أن تأخذ بعين الاعتبار التطورات الاجتماعية، ومطالب المجتمع وهويته. وهي تكييفية؛ إذ إنها عملية يمارسها الأفراد والمجموعات حسب الزمان والمكان والموضوعات والأدوار الاجتماعية، فيتكيف الفرد لغوياً، كما يتكيّف اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً وحضارياً.
إن على المؤسسات الثقافية والفكرية أن تعي أهمية وجود السياسة اللغوية في رؤيتها وبرامجها،([34]) ولا يعني ذلك أن تتحول المؤسسة الثقافية والفكرية إلى مؤسسة لغوية، تسخّر وقتها ومالها وعامليها بشكل كامل للغة، بل يتطلب الأمر أن يكون للغة – بوصفها هوية – وجود معتبر، عن طريق الإنتاجات التي تصدر عن المؤسسة، بأن تكون لغتها سليمة، وأسلوبها عربياً مبيناً. وأن تكون معالجة التراث ضمن دائرة الانتماء والتطوير لا النقض، وأن تستثمر المؤسسة الوسائل والتقنيات اللازمة لجعل اللغة العربية فاعلة في المجال التقني، فـ "أية لغة لا يمكن أن تكون فاعلة إلا إذا كانت متداولة عبر شبكات المعلومات العالمية. وهذا سيؤدي إلى زوال تدريجي للعديد من اللغات التي تعجز عن التطور مع مستلزمات تقنيات المعلومات وشبكاتها. وهذا هو التحدي الأساسي الذي يواجه اللغة العربية حالياً في إطارها العالمي الإسلامي المنتشر بين أكثر من بليون من البشر" ([35]).
إن التجلي الأبرز للسياسة اللغوية كامن في التخطيط اللغوي؛ فالتخطيط اللغوي تطبيق لسياسة لغوية، ويُعنى هذا التخطيط بتكوين رؤية تبحث في مجالات اللغة ودوائرها وموضوعاتها. وهذا يتطلب أن تكون السياسة اللغوية للمؤسسات الثقافية والفكرية واضحة المعالم والإجراءات.
ويدل التخطيط اللغوي على المتابعة المنظمة الهادفة إلى إيجاد حلول لمشكلات اللغة، وخاصة على المستوى القومي. ويدل كذلك على كافة أنشطة مَعْيَرة اللغة التي تؤديها المجامع اللغوية واللجان المتخصصة بتطوير اللغة، وهي كافة أشكال الأنشطة التي تعرف عموماً بتنمية اللغة، وكافة المقترحات المتعلقة بإصلاح اللغة ومعيرتها.([36]) وهو بذلك يشمل كل ما يتعلق باللغة من حاجيات وأهداف، والقيام بالتنفيذ والتقويم والنقد؛ إذ هو "كل الجهود الواعية الرامية إلى التأثير في بيئة التنويعات اللغوية، أو في وظائفها، وهذا هو التحديد الذي يحظى بالقبول عامة، وتشمل هذه الجهود إنشاء قواعد الإملاء، وتحديث البرامج والعلم، وأشياء أخرى كثيرة لا تصل لا بالعامية، ولا بالأجنبية في المحيط العربي الإسلامي، وإنما تصل باللغة العربية الفصيحة، لأنها لغة الدين والحضارة والإبداع الأدبي، وما إلى ذلك من مجالات كثيرة، لا يتمكن النمو العربي المعرفي والديني والمجتمعي إلا بالنمو فيها، لأن هذه المعارف نشأت باللغة الفصيحة، وتمكنت بها، وتفتقت طاقة العربي بها."([37])
إن قصر التخطيط اللغوي على اللغة بوصفها موضوعاً وآلة، يُعدّ تقليلاً من شأنه، فهو يشمل بالإضافة إلى اللغة، مستعمل هذه اللغة، والوسط الذي تُستعمل فيه. لذا لا بدّ للمؤسسات أن تهيء وسطها لاستيعاب اللغة، وإدماجها في برامجها وإنتاجاتها. وعندما تتيقن المؤسسة بأن ثمة سياسة لغوية وتخطيطاً لغوياً يسيران ضمن رؤية علمية منهجية واقعية، فعندئذ سيؤدي ذلك إلى تنمية لغوية مستدامة وواعية. وتنتج في الوقت ذاته حماية لغوية قادرة على تمكين اللغة في ذاتها، وفي محيطها، وتأهيلها وتأهيل مستعمليها، وتعزيز وجودها واستعمالها في جميع مرافق الحياة. وأخيراً ضمان مستقبلها، واستشراف نتائجها من خلال قوانين المؤسسة وتشريعاتها.([38])
رابعاً: دور المؤسسات الثقافية والفكرية في خدمة اللغة العربية (التفعيل) :
منذ مئتي سنة أو يزيد تغيّر الاقتصاد العالمي تغيّراً جذرياًَ، فبعد أن كان عمادُه الأرضَ والعمالة، أصبح رأس المال والعمالة والطاقة، وظلّت هذه المنظومة قائمة إلى أن بدأ عصر المعلومات. وفي عصر المعلومات هذا، أصبح للمعلومات قيمة تبادلية (تباع وتشترى)، وقيمة استعمالية (حق الاستعمال والانتفاع بالمعلومة التي تؤول ملكيتها إلى شخص أو جهة ما)؛ حتى إن بعض كبريات الصناعات اليوم (أو الشركات تحديداً) تتعامل بالمعلومات بما نسبته 100%.([39]) وبرز ما يُسمى بالاقتصاد المعرفي، الذي يُعنى بإنتاج الأفكار والمعرفة وإدارتها من جهة، والسعي إلى تحقيق منافع اقتصادية بناء على هذه الأفكار من جهة أخرى. وهذا الاقتصاد الذي يتوجّه إليه العالم اليوم يقوم أساساً على ما يُسمّى بـ "الرأسمال الإنساني"؛ أي إنّ عقل الإنسان وفكره، لا المعلومات المختزنة فقط، يُمثّلان القيمة الحقيقية، وهما أثمن بكثير من يده وقوته، فضلاً عن الآلات والموارد الطبيعية الأخرى.([40]) وهذا الاقتصاد المعرفي مكوّن أساسي من مكونات مجتمع المعرفة الذي يشتغل فيه معظم أفراده بإنتاج المعرفة وإنتاج المعلومات،([41]) وتوظيفها بكفاءة في مجالات النشاط المجتمعي.
وبناءً على هذ التسارع الكبير في الانفجار المعرفي والتطور التقني، وتنوع المواد المعروضة في الإعلام دون رقابة أو حماية ذاتية أو مجتمعية، كان لا بدّ للمؤسسات الثقافية والفكرية أن تنهج نهجاً جديداً مؤطراً فلسفياً وإجرائياً، يساعد على نقل اللغة من الفاعلية إلى التفعيل؛ أي الانتقال من مرحلة التفكير والنظر إلى مرحلة القيام والعمل. لا سيما أن تقرير التنمية الإنسانية العربية لسنة 2003م أكّد إمكانية اعتماد اللغة العربية في بناء مجتمع المعرفة، فقد أظهر التقرير أن اللغة العربية مهيأة لتأدية دور فاعل ومهم في بناء مجتمع المعرفة العربي؛ إذ يستقبل المعرفة وينتجها بالعربية، وذلك اعتماداً على معطيات واقعية محددة، وخاصة مع انتشار الشابكة (الإنترنت)، التي يمكن أن تفضي إلى أن تصبح اللغة العربية من أهم مقومات التكتل المعلوماتي.
وما من شك في أن مرحلة الانتقال تشوبها تغيّرات وعوائق ذاتية وموضوعية، تفرض على المؤسسات تكييف برامجها، وإعادة النظر في طبيعة المعرفة، وآليات إنتاجها وتواصلها داخل المجتمع.
وثمة مقترحات لتفعيل دور المؤسسات الثقافية والفكرية في النهوض باللغة العربية، من أهمها:
1. التفكير المقاصدي: من الكمي إلى الكيفي، ومن الذَّرِّي إلى الكُلِّي:
إن المؤسسات الثقافية والفكرية مطالبة بأن تنتقل من مرحلة الاهتمام بالكمِّ والجزء، إلى الكيف والكُلّ في القضايا المتعلقة باللغة؛ إذ إن قوة اللغة لا تُقاس بعدد المتكلمين بها، بل بقدرتها على اقتحام أسواق المعرفة، وبما تمتلكه من خصائص جاذبة (كاريزما). ولعلنا نلاحظ ذلك في اللغة الصينية (مثالاً على الكمي)، واللغة الإنجليزية وحتى الفرنسية (مثالاً على الكيفي). وبناءً عليه كيف يمكن للمؤسسات الثقافية والفكرية أن تصوغ البرامج القادمة على الاندماج في بنية المجتمعات العالمية؟!
يفيدنا التفكير المقاصدي([42]) في كيفية تفعيل اللغة في برامج المؤسسات الثقافية والفكرية، ومن ثم في النهوض بالمجتمع لغوياً. والفكر المقاصدي يقوم على ترتيب القضايا حسب أولوياتها ضمن رؤية ثلاثية تحدد أهمية القضية، هل هي من: الضروريات أو الحاجيات أو التحسينات؛ فالضروريات مقدمة على الحاجيات، والحاجيات مقدمة على التحسينيات. وتتبلور في أذهاننا عندئذ رؤية واضحة قادرة على الموازنة والمفاضلة، وترتيب القضايا حسب أولويتها الزمانية والمكانية والموضوعية. والتفكير المقاصدي بهذا التشكّل هو تفكير تطبيقي نوعي لا يكترث كثيراً بالكمّ والعدد،([43]) مما سيؤدي إلى توفير كبير في الجهد والمال والكوادر.
إن المحافظة على اللغة في التفكير المقاصدي تقع في سُلّم الضروريات؛ إذ إن الضروريات تتضمن حفظ الدين والعقل والنفس والمال والعرض، والمحافظة على اللغة تقع ضمن المحافظة على العقل، فحفظ العقل "ضرورة من ضرورات العمران، حفظ العقل من كل ما يسلبه من أفكار وتسميم وغسيل مخ. وحفظه من كل ما يُذهبه لهو تعبير عن الحفظ الأساسي اللازم لكي يمارس العقل وظيفته وفاعليته."([44]) واللغة جزء من التفكير المرتبط بالعقل، لذلك لا نستطيع أن نفصل اللغة عن التفكير، وبذلك تُعدّ اللغة جزءاً من الضروريات. ([45])
وبما أن التفكير المقاصدي يركز على الأولويات، فإن ثمة أولويات حتى في الدائرة المقاصدية ذاتها، فثمة أولوية في الضروريات، وثمة أولوية في الحاجيات، وثمة أولوية في التحسينات. وبناءً عليه فهناك أولوية في داخل الدائرة اللغوية، تنسجم مع متطلبات الواقع، وقدرة المؤسسة المالية واللوجستية والتفكيرية على القيام بتنفيذ السياسة اللغوية اللازمة للنهوض باللغة العربية.
2. من الأحادي إلى البيني:
تعاني معظم المؤسسات الثقافية والفكرية من ظاهرة الفردية والأحادية في التفكير والتخطيط، مما ينتج نظرة قاصرة نوعاً ما عن الإحاطة بالقضية المتناولة. وهي تبرز في الوقت ذاته شعوراً بالانفصام؛ إذ كيف تمارس المؤسسة نمطاً أحادياً في التفيكر والممارسة، وهي تقوم في الوقت نفسه على مبدأ المشاركة الجماعية داخل المؤسسة؛ إذ إن أهم ميزات المؤسسة التشاركيةُ في التفكير والتخطيط والتنفيذ والتقويم.
إن العلاقات البينية بين المؤسسات الثقافية والفكرية تمنحها تكاملاً قادراً على النظر من زوايا متعددة. وتستطيع كل مؤسسة أن تضيف بُعداً ثقافياً ومعرفياً تفتقده المؤسسة الأخرى، وهذا يعكس روح الأمة في المؤسسات الثقافية والفكرية([46]).
3. من المؤسسة إلى المجتمع:
تبذل المؤسسات الثقافية والفكرية جهوداً كبيرة في إقامة الفعاليات الثقافية والفكرية التفاعلية في مكان المؤسسة.([47]) وهذا قد يحقق نجاحاً على مستوى معين من فئات المجتمع، إلا أن ثمة بُعداً غائباً ينبغي للمؤسسات الثقافية والفكرية أن تعيه، وهو المسؤولية الاجتماعية والثقافية لهذه المؤسسات، والمتمثلة في إحداث الفِعل الثقافي والمعرفي في الأطر المجتمعية، ووأد العزلة الثقافية والمجتمعية. ([48])
4. اللغة من التواصل إلى القيمة:
من المعلوم بالضرورة أن وظيفة التواصل من أهم وظائف اللغة، نظراً لكونها تحقيقاً صوتياً لميل الإنسان إلى رؤية الواقع بطريقة رمزية.([49]) إلا أن ثمة فارقاً بين اللغة والتواصل، فعلى الرغم من أهمية وظيفة التواصل وحيويتها وضرورتها؛ إلا أنها لا تمنح اللغة خصوصية؛ إذ إ نها متحققة بين الكائنات الأخرى بالقدر الذي تحتاجه. وبهذا فالتواصل لا يأخذ دوره الفعلي والجوهري، إلا إذا تعالق مع الفكر، ليشكلا هوية واضحة قادرة على تحقيق الانسجام بين الماضي والحاضر والمستقبل.
إذا أرادت المؤسسات الثقافية والفكرية أن تنتقل باللغة من كونها أداة تواصل إلى عدّها أداة تمثُّل، ينبغي أن تنظر إلى اللغة بوصفها قيمة من القيم العليا السامية، ارتبطت بنص إلهي.([50]) وتفعيل هذه القيمة يتم بتحرّك بشري يحوّل الأمر الإلهي إلى واقع معيش على الأرض. وإن تحويل هذه القيمة إلى تأطير إجرائي، يقع على عاتق المؤسسات الثقافية والفكرية؛ إذ تتبلور في رؤية المؤسسة ورسالتها وأهدافها العامة. ولا تعني ماهية القدسية توقيف العمل على تطوير اللغة، بل تعني استشعار قيمة اللغة ودورها في الارتقاء بالهوية.
5. من القلم إلى الرقم:
لا يخفى على أحد، لا سيما المتابعون لشؤون اللغات بشكل عام واللغة العربية بشكل خاص، أن ثمة انفجاراً معرفياً وثورة معلوماتية، وتقدماً تقنياً وتواصلياً، وقضاءً على الخصوصيات، وانفتاحاً على الثقافات جميعها، مما جعل اللغة العربية في مواجهة معرفية ووجودية مع غيرها من اللغات، لا سيما الإنجليزية والفرنسية.
ومن المعلوم أن اللغة الإنجليزية خاصة، قد سخّرت مختلف أنواع التواصل (الإنترنت، الفضائيات، اليوتيوب ...) لتمكين وجودها في المجتمعات، دون إعارة اهتمام لغيرها من اللغات؛ إذ هي لغة العولمة، بكل ما تعتريه كلمة العولمة من تشكّلات استعمارية جديدة، ومن عودة إلى نظرية المركز والهامش.
ثمة مهمتان تقعان على عاتق المؤسسات الثقافية والفكرية في ظل هذه الحرب العالمية اللغوية، من أجل المحافظة على اللغة العربية والهوية العربية الإسلامية، أولى المهمتين: تحصين الذات وحماية اللغة والهوية من الاختراق الثقافي تحت شعار تحديث الثقافة العربية. ويتم هذا التحصين بحماية الشباب خاصة من التأثر بالمسخ اللغوي الذي انتشر في غرف المحادثات(Chat)، والرسائل القصيرة (SMS)؛ إذ برزت ظاهرة (العربيزي) من خلال الكتابة بالأبجدية اللاتينية؛ أي الكتابة بالحروف اللاتينية ولكن بصيغة عربية. وهذا فيه خطر كبير على اللغة والهوية؛ إذ سيفقد الشباب تواصلهم مع لغتهم دون أن يعوا ذلك، وستثبط الهمم عن إنتاج محتوى رقمي عربي قادر على مجاراة لغة التحديث، وسيؤدي إلى أن يفكر الشباب مستقبلاً بالطريقة التي يكتبون بها رسائلهم. ومن هنا على المؤسسات أن تنبّه على خطورة هذا التفكير، وأن تقوم بوضع البرامج القادرة على أن تقنع الشباب في ظل هذا التسارع التقني، بأن يمارس لغته تفكيراً وعملاً.
المهمة الثانية تتعلق بالإفادة من هذا التطور التقني في نشر اللغة العربية؛ إذ مع هذه التطورات المتلاحقة التي غيّرت وجه الحياة، وحوّلتها من تقليدية إلى حياة إلكترونية، ظهرت الصحافة الإلكترونية والكتاب الإلكتروني والتجارة الإلكترونية، وغدا الاقتصاد المعرفي إلكترونياً بدلاً من أن يكون اقتصاداً يُلمس ويشاهد. وهذا يفرض على المؤسسات الثقافية والفكرية أن تبحث في الوسائل الناجعة لمسايرة هذه التطورات، وأن تخوض هذا المجتمع الافتراضي؛ فكراً ولغة، وتكييف الوسائل والإنتاجات لخدمة اللغة، وإصدار الأقراص المدمجة التي تساعد على التعريف بمشاريع النهوض باللغة العربية. لا سيما أن المعرفة تسير اليوم بخطى متسارعة نحو ثقافة الرقم، بعد أن عاشت آلاف القرون تحت ثقافة القلم؛ إذ بدأ كل شيء يتحول إلى الحالة الرقمية والإلكترونية، نتيجة استخدام وسائل الاتصال الإلكترونية في مجالات الحياة كلها. وإن لم تستطع هذه المؤسسات أن تتوطن في هذا النمط من الثقافة، فسيؤدي ذلك إلى معاناة المؤسسات والمجتمع بشكل عام من عدم القدرة على الوصول إلى المعلومات والحصول عليها والإفادة منها، وهو ما يطلق عليه اسم الفجوة الرقمية؛ أي الفجوة التي تفصل بين من يملك المعرفة وأدوات استغلالها، ومن لا يملكها وتعوزه أدواتها.([51])
6. من النظر إلى العمل:
تتعلق هذه الثنائية بما هو كائن وبما يجب أن يكون، وبما هو واقع في دائرة التفكير والتنظير، وما هو في دائرة الممارسة والتطبيق والإنتاج. إن الدور المهم للمؤسسات الثقافية والفكرية كامن في قدرة هذه المؤسسات على أن تكون جسراً بين المثالية والواقعية، فتحوّل الأفكار المجرّدة إلى شيء عملي قابل للتحقق (مؤتمرات، منشورات، حلقات بحثية ...).
إن الإنتاج المادي للأفكار تعبير عن قدرة المؤسسة على استيعاب أفكارها، وبلورتها في وسائل ناجعة، وشاهد على مدى حضورها في الساحة القُطرية أو الإقليمية أو العالمية. ونستطيع أن نعدّ الإنتاج المادي مرحلة متحققة بالفعل، متجاوزة مرحلة التحقق بالقوة التي برزت في رؤية المؤسسة وأهدافها وتطلعاتها ورسالتها. ويُعدّ الإنتاج المادي كذلك وجوداً متحققاً بالعقل لا بالعاطفة؛ إذ تتسم الكتابة بالنظر العقلي والتمحيص ومحاورة الأفكار، لذا على المؤسسات الثقافية أن تبرز إنتاجها الورقي والإلكتروني في هذا المجال، وأن تمارس التنظير للغة (ما هو كائن) والمحافظة عليها فعلاً (ما يجب أن يكون).
خاتمة :
شهدت الساحة العربية منذ زمن ليس ببعيد تحولات وتغيّرات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، أدّت إلى تغير حقيقي في جهازها المفاهيمي، وتصوراتها للأشياء وللقضايا، ومن ضمنها تصوراتها للهوية واللغة، لا سيما بعد الانتشار الكبير والمكثف للوسائط الإلكترونية، والحضور الكبير للغة الإنجليزية في هذه الوسائط. وقد حاولت المؤسسات الثقافية والفكرية أن تفهم هذه التطورات والتغيرات، وأن تضع تصوراتها النظرية والعملية من أجل حاضر قادر على المحافظة على مكتسبات الأمة الثقافية على الأقل. وكان لا بدّ لخطاب هذه المؤسسسات من أن يتفاعل بشكل أكبر مع حاجات مجتمعه، وأن يفعّل رؤاه وخططه من خلال عناصر الإنتاج المجتمعي؛ المثقف، والسلطة، والمجتمع بكل أطيافه، ومقومات المجتمع؛ إذ إن عالم اليوم يجبر الثقافات والمؤسسات على تجديد نفسها وتطوير معطياتها؛ لتواجه أشكال المعرفة الحديثة.
رأت الدراسة أن ثمة حاجة ماسة لإعادة مفهوم المؤسسية لأي عمل يهدف إلى النهوض بالأمة؛ فمن أهم خصائص مجتمع المعرفة، الانتماء إلى شكل تنظيمي يعمل على نشر المعرفة، لذلك كشفت عن أهمية العمل المؤسسي وضرورته الإجرائية والحضارية، لا سيما في مجتمع المعرفة، وأهمية البيئة المؤسسية في تثوير العمل المؤسسي، ومكانة التخطيط في نظام العمل المؤسسي.
وكشفت الدراسة عن الأهمية الحضارية للمؤسسات الثقافية والفكرية في بث الوعي في أبناء المجتمع، والمحافظة على هوية الأمة داخلياً وخارجياً، ودورها الفاعل في تلمّس مواطن القصور التي شابت التفكير الفردي في تفعيل التنمية الثقافية، من خلال مؤتمراتها وإصداراتها المتنوعة، مما أسهم في بناء الفرد، وإعادة تأسيسه ثقافياً ومعرفياً على هوية الأمة. ورأت الدراسة بأن ثمة عوائق تحول دون تفعيل خطاب المؤسسات الثقافية والفكرية في مجال اللغة، مثل الأزمة المعرفية، وفهم الواقع، وغياب الأفق الاستراتيجي، وغياب فقه الأولويات،... .
وأبرزت الدراسة موقع اللغة في منظومة المؤسسات الثقافية والفكرية، لا سيما في ظل طوفان العولمة، التي تتخذ المركز الجغرافي( أمريكا وأوروبا)، والمركز الثقافي( اللغة الإنجليزية والتفكير اليوناني)، منطلقاً لها في التعامل مع الشعوب. فقد كشفت الدراسة عن أهمية التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية في مواجهة التهميش الواضح للغة العربية، ودور التقنيات في تفعيل دور اللغة العربية للمشاركة في صنع الحضارة الإنسانية.
وحرصت الدراسة على إبراز معالم التفعيل المؤسسي لنقل الحديث عن خدمة اللغة من دائرة الفاعلية إلى فضاء التفعيل، من خلال استقراء تجربة مؤسسة عبد الحميد شومان وتجربة المعهد العالمي للفكر الإسلامي في خدمة اللغة العربية. وقدمت الدراسة بعض المقترحات التي يُظن بأن لها قدرة في تفعيل اللغة العربية على المستوى المؤسسي.
وتبقى الأسئلة التي حاولت الدراسة أن تجد لها تمثلات في عالم المؤسستين، بحاجة إلى استكناه أكبر، وتوسيع لدائرة المستهدفين، وإلى تكاتف الأوساط الثقافية والمعرفية والأكاديمية والاجتماعية والدينية، لاستشعار عمق الحديث عن اللغة العربية، بوصفها عنصراً أساسياً من العناصر المُشكِّلة لهوية الأمة في الوقت الحاضر. وما من شك في أن خدمة اللغة العربية ضمن رؤية مؤسسية، لا تملك إلا أن تكون مشروعاً جماعياً، تتكامل فيه رؤى دوائر المجتمع ومؤسساته الرسمية والأهلية. وإذا أريد لجهود النهوض أن تحقق شيئاً من مشروعها الثقافي النهضوي للغة، ينبغي فك الاشتباك بين الثنائيات المصطنعة؛ الأصالة والمعاصرة، المثقف والسلطة، الخاص والأهلي والحكومي .... مما يتطلب تنسيقاً متصلاً وحراكاً ثقافياً دؤوباً بين جميع المثقفين والمفكرين والمنظرين والسياسيين، منطلقين من رؤية ومرجعية واحدة هي مرجعية الأمة والمجتمع.
التعليقات والمناقشات :
- د. بشار عواد
رأى أنه كان على د. عكاشة أن ينتقد المؤسسات التي أشار إليها، ويشير في هذا المقام إلى تجربة شخصية من هذا القبيل عن مؤتمر يعدّ من أوائل المؤتمرات التي عقدها معهد الفكر الإسلامي في (كوالالمبور) قبل ثلاثين عاماً بعنوان: (أسلمة المعرفة)، وقد وجه فيه الدكتور بشار نقداً لطه جابر العلواني المسؤول آنذاك عن المؤتمر قائلاً: كيف تدعونا إلى أسلمة المعرفة ومن أهم قواعدها أن تتكلموا بالعربية؛ إذ لم يحتوِ المؤتمر بحثاً واحداً باللغة العربية!.
- د. إيمان الكيلاني
فيما يخص موضوع التخطيط والتخطيط المضاد؛ قالت: إنه إن كانت هناك خطة لنشر الثقافة الغربية واللغة الأجنبية على حساب العربية فإنه ينبغي أن توضع خطَّة مضادة لذلك لنشر الثقافة العربية؛ بإنشاء مدرسة حقيقية تقوم على أسس تربوية مستمدَّة من التراث العربي، كمقدمة ابن خلدون التي تشتمل أسساً صالحة للبناء وتكون هذه المدرسة تحت إشراف مجمع اللغة العربية الأردني وسدنة اللغة والمهتمين بها، على أن يهتموا (بإعادة اللغة إلى الحياة من جديد، دون إهمال الحداثة واللغات الأخرى).
كما اقترحت إنشاء صندوق لدعم اللغة العربية وإحيائها، على أن يكون صندوقاً خيرياً تشرف عليه جهة موثوقة وكفؤه.
- د. حامد قنيبي
دعا إلى إجراء تطبيقي للنهوض باللغة العربية، بدلاً من التنظير البعيد عن الواقع كل البعد.
- د. حمدان نصر
تمنى على د. عكاشة لو اشتمل بحثه على تصورات عملية إجرائية لدور بعض المراكز التي ذكرت في البحث خدمة للغة العربية بشكل مباشر دون التقديم والتعريف.
- أحد الحاضرين
قال: إن الأميّ ليس فقط من لا يقرأ ولا يكتب وإنما من لا يجيد استخدام الحاسوب أيضاً. وووجه سؤالاً لرئيس الجلسة الأستاذ الدكتور خالد الكركي قائلاً: ماذا قدّمت للعربية رئيساً للجامعة الأردنية، وأين نحن من الدول التي تدرس الطب بلغاتها رغم تقدم العربية عليها؟؟!!
كما رأى أن القوى العظمى هي التي تفرض لغاتها على العالم.
- رد د. رائد عكاشة
قال: إن المشكلة تكمن في أن الغرب ثبّت في أذهاننا معايير للتقدم ونحن سرنا عليها؛ لذا ينبغي علينا إعادة النظر في عمليات التقييم المعرفي التي بنيت في المؤسسات الغربية.
- وردَّاً على د. بشار قال: إن فكرة أسلمة المعرفة نشأت على شكل حراكٍ في المجتمع الغربي، وهناك نظريات اجتماعية غربية أُسقطت على المفهوم والبناء المعرفي الإسلامي، فكان لا بد من أن يكون هناك حراك في ذلك المجتمع الذي لا يعرف اللغة العربية، وكان لا بد أن تحدثه بإنتاجٍ من لغته، وأكبر مثال على ذلك: كتاب "التوحيد" لإسماعيل الفاروقي، الذي كان له الأثر الكبير في المجتمع الغربي، وكذلك كتاب "الأخلاق المسيحية" وأثره الكبير في المجتمع المسيحي في الغرب، وقد كانت هذه الكتب باللغة الإنجليزية.
- رد د. خالد الكركي (رئيس الجلسة)
قال د. الكركي: فيما يخص البعثات خارج البلاد، فالمهم فيها أننا نكتسب معرفة جديدة وحين نعود نعيد استنبات المعارف بلغتنا، فنحن من يترجم ويعرِّب لغة التدريس ويؤلف الكتب الجديدة للطلبة. فليس كل من تخرج في جامعات الغرب وصف بأنه تلميذ المستشرقين وأنه منحرف الذهن. وهناك فرق كبير بين العلم والثقافة؛ فالثقافة رؤية أمة والتاريخ استراتيجية، والعلم مطلب لا حدود له في أي زمان ومكان.
فهذا أحمد زويل حين جاء إلى عمان بعدما فاز بنوبل، كلنا استمعنا إليه، وقد كان عربياً مسلماً صافياً، وعلى الرغم من جنسيته الأمريكية أصرَّ حين فاز بنوبل أنه مصري عربي مسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) المحاضرات التي تبحث في تشكيل الشخصية الإسلامية؛ وجدانياً وفكرياً وقيمياً...، تكاد تغطي 80% من مجمل محاضرات المعهد العالمي للفكر الإسلامي ومؤتمراته ونتاجاته. وهذا نابع من رسالة المعهد الماثلة في تطوير منهجية التفكير وبناء الرؤية السليمة.
([2]) جاء في النشرة التعريفية بالمعهد أنه قام ببلورة مفهوم إسلامية المعرفة، بوصفه منطلقاً للإصلاح الفكري، والخروج من أزمة العقل المسلم، مؤكداً أهمية بناء الرؤية الكونية الإسلامية والمنهجية الإسلامية. وجاء في دليل النشر الخاص بالمعهد (تحت الطبع) أن من الموضوعات التي تحتل الأولوية في اهتمام المعهد، قضايا الرؤية الكلية الإسلامية، والنظام المعرفي الذي ينبثق عن تلك الرؤية الكونية. (ينظر الدليل ص30).
([3]) انظر: الأزهري، محي الدين. الإدارة من وجهة نظر المنظمة، القاهرة: دار الفكر العربي، 1979، ص171.
([4]) جاء في التعريف بمؤسسة عبد الحميد شومان:" تسعى المؤسسة من خلال نشاطات منتداها الثقافي إلى الإسهام في تعزيز المناخ الثقافي، وصولاً لتفاعل آراء وطروحات أصحاب المشاريع الفكرية مع القاعدة العريضة من المجتمع".
([5]) التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية، مؤسسة الفكر العربي، الحصاد الثقافي، ص659.
([6]) انظر: التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية، مرجع سابق، الحصاد الثقافي، ص659-665.
([7]) انظر على سبيل المثال مؤسسة عبد الحميد شومان؛ إذ جاء في النشرة التعريفية بالمؤسسة أن المؤسسة تعتمد في تمويلها على ريع وقفية خاصة بها أنشأها البنك العربي، ويوجه إليها سنوياً 3% من أرباحه.
([8]) التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية، مرجع سابق، ص659-660.
([9]) ساسي، سفيان، دور المراكز الثقافية العربية في ظل السعي إلى بناء مجتمع المعرفة، موقع الحوار الإلكتروني، 5/8/2012، ص3.
([10]) ينظر رسالة المعهد العالمي للفكر الإسلامي وأهدافه التي توضّح هذه الرؤية.
([11]) ثمة إصدارات كثيرة نتجت عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي تتحدث عن بناء الشخصية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- أبو سليمان، عبد الحميد. أزمة الإرادة والوجدان، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2004.
- أبو سليمان، عبد الحميد. جزيرة البنائين، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ودار السلام بالقاهرة، 2006.
- السيد، عبد الحليم. الأسس النفسية لتنمية الشخصية الإيجابية للمسلم المعاصر، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2008
- هلال، هدى. نظرية الأهلية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2011.
وعقدت مؤتمرات تبحث في تنمية الشخصية وصوغ رؤيتها، ومنها:
- التكامل المعرفي ودوره في تمكين التعليم الجامعي، 2010
- دور السيرة النبوية في بناء الشخصية الإسلامية المعاصرة، 2011
- الفن في الفكر الإسلامي، 2012
([12]) لعل جلَّ الندوات والمؤتمرات الصادرة عن المؤسستين: عبد الحميد شومان ممثلة للنمط الثقافي، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي ممثلاً للنمط الفكري، تبحث في كيفية استعادة الأمة لدورها الحضاري والريادي. ينظر على سبيل التمثيل الكتب الصادرة عن مؤسسة عبد الحميد شومان:
- الثقافة العربية وأسئلة التنمية والتحديث.
- أسس التحديث والتنمية العربية في زمن العولمة.
ولعل الكتب والمؤتمرات والأبحاث التي نشرت في مجلة إسلامية المعهد، أكثر من أن تحصى في هذا المقام؛ إذ إن معظم ما أنتجه كان منسجماً مع رؤية المعهد المتمثلة في محاولة استعادة الأمة لدورها الحضاري.
([13]) أبو زيد، أحمد. وسائل التخطيط الثقافي – الخطة الشاملة للثقافة العربية، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المجلد الثالث، القسم الأول، الكويت، 1986م، ص157.
([14]) ثمة أحاديث كثيرة وتنظيرات فقهية واجتماعية في تراثنا توضح فكرة مدنية الإنسان واجتماعيته، وليس هذا مقام ذكرها.
([15]) من المناسب ملاحظة طول اسم الوزارة، الذي يحمل في طياته الموازنة بين القيم والتقاليد والتطور.
([16]) غليون، برهان. اغتيال العقل، ط1، بيروت: دار التنوير، 1979م، ص110.
([17]) حنون، مبارك. في ثقافة الانتقال الديمقراطي، المغرب: منشورات مشاهد، 2006، ص9.
([18]) عبد المعطي، عبد الباسط. الوعي التنموي العربي، القاهرة: دار الموقف العربي، 1982، ص201.
([19]) غطاس، سيد حسين. العقل الأسير والتنمية الخلاقة، ترجمة: عباس محمود عوض، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية، مجلة رسالة اليونسكو، القاهرة: مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، العدد الحادي والعشرون، السنة السادسة، أكتوبر/ ديسمبر 1975، ص20.
([20]) نستذكر هنا مقولة ابن خلدون المشهورة "المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شِعاره وزيّه ونِحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد في من غلبها وانقادت إليه، إما لنظره بالكمال بما وفر عندها من تعظيمه، أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي، إنما هو لكمال الغالب، فإذا غالطت بذلك واتّصل لها اعتقاداّ، فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبهت به، وذلك هو الاقتداء، أو لما تراه، والله اعلم من أن غلب الغالب لها ليس بعصبية ولا قوة بأس، وإنما هو بما أنحلته من العوائد والمذاهب... ولذلك ترى المغلوب يتشبه بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتخاذها وأشكالها وفي سائر أحواله." انظر: - ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد. المقدمة، تحقيق: علي عبد الواحد وافي، ط3، القاهرة: دار نهضة مصر، ج2، ص510.
([21]) سنركز على آليات النهوض بالمؤسسات الثقافية والفكرية في موضوع اللغة.
([22]) انظرها في: عبد الفتاح، سيف الدين. اللغة والهوية السياسية، ضمن كتاب اللغة والهوية وحوار الحضارات، إعداد وإشراف نادية محمود مصطفى وسيف الدين عبد الفتاح، جامعة القاهرة، 2006، ص41.
([23]) عبد الفتاح، سيف الدين. اللغة والهوية السياسية، مرجع سابق، ص59.
([24]) حيدر، أحمد. إعادة إنتاج الهوية، دمشق: دار الحصاد للنشر والتوزيع، 1997، ص136.
([25]) قامت الدراسة بمسح فعاليات مؤسسة عبد الحميد شومان في آخر عشر سنوات (2002-2012)؛ إذ وجدت أن من أصل 502 محاضرة، هناك 53 محاضرة حول اللغة العربية وآدابها، أي بنسبة 10% من مجل الفعاليات. وهذا مؤشر جيد على حضور اللغة العربية بشكل مباشر في مؤسسة ليست متخصصة في نشر اللغة العربية.
([26]) الكتاني، محمد. أيُّ منظور لمستقبل الهوية، ضمن أعمال العولمة والهوية، موضوع الدورة الأولى لسنة 1997م، الرباط، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، أيار، 1997م، ص81.
([27]) ينظر كلمة تحرير العدد 49 من مجلة إسلامية المعرفة (وهي مجلة علمية عالمية محكمة تصدر عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي)، التي خصصت للحديث عن الأخطار التي تحدق باللغة العربية، وكانت بعنوان: نداء من أجل العربية.
([28]) انظر: الدوري، عبد العزيز. التكوين التاريخي للأمة الإسلامية، دراسة في الهوية والوعي، بيروت، 1984م، ص19.
([29]) انظر هذه المقولات على سبيل المثال لا الحصر في:
- ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد. المصنّف، بيروت: دار الفكر، 1994م، أحاديث الأحكام، ص130.
- الزجاجي، أبو القاسم. الإيضاح في علل النحو، تحقيق مازن المبارك، ط6، 1996م، ص96.
- القرطبي، أبو عبد الله. الجامع لأحكام القرآن، تحقيق عبد الله عبد المحسن التركي، ط1، مؤسسة الرسالة، باب ما جاء في إعراب القرآن.
- الشافعي، محمد بن إدريس. الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، بيروت: دار الكتب العلمية، ج1، ص42.
- الشاطبي، أبو إسحاق. الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق محمد عبد الله دراز، ط1، مصر، المكتبة التجارية الكبر، ج4، ص324.
([30]) الأنصاري، نظام الدين. فواتح الرحموت بهامش المستصفى، بيروت: دار الفكر، ج2، ص363.
([31]) ينظر جملة الفعاليات التي عقدتها مؤسسة عبد الحميد شومان في تفحّص أخطار العولمة على اللغة العربية، والتحديات التي تواجه اللغة. ومن هذه المحاضرات:
- لبيب، الطاهر. عودة إلى المسألة اللغوية، 10/5/2004
- الأسد، ناصر. مستقبل اللغة العربية في عالم متغير، 7/5/2007
- الرباعي، عبد القادر. أسئلة النقد الأدبي في عصر العولمة، 16/2/2009
- المسدي، عبد السلام. اللغة العربية وتحديات العصر، 27/2/2012
([32]) طوليفصون، جيمس. السياسة اللغوية ... خلفياتها ومقاصدها، ترجمة: محمد خطابي، الرباط: مؤسسة الغنى، ط1، 2007م، ص16.
([33]) كالفه، لويس جون. السياسات اللغوية، ترجمة: محمد يحياتن، الجزائر: منشورات الاختلاف، لبنان: الدار العربية، للعلوم، 2009م، ص7.
([34]) لأهمية الموضوع نظم المعهد العالمي للفكر الإسلامي في 25/4/2009 محاضرة بعنوان: التخطيط اللغوي والسياسة اللغوية في العالم العربي، استضاف فيها الدكتور فواز عبد الحق. وقامت مجلة إسلامية المعرفة في العدد54، بتقديم قراءة نقدية لكتاب طوليفصون سابق الذكر. ونظمت مؤسسة عبد الحميد شومان بتاريخ 14/7/2008 محاضرة بعنوان: اللغة الفصحى وهوية الأمة في مؤسسات التعليم العالي العربية، ألقاها الدكتور عيد الدحيات. وقد أسهمت إدارة النشر في المعهد العالمي للفكر الإسلامي في تثبيت مكانة اللغة في جميع ما تنتجه، من خلال عمليات التحرير اللغوي التي يضبطها الخبراء الذين يستعين بهم المعهد، فانعكس ذلك على توعية صاحب الكتاب بأهمية التركيز على الضبط اللغوي لكتابه، سواء أكان ذلك على مستوى النحو أو الصرف أو التركيب أو الأسلوب. وقد شعر كثير من المؤلفين بالفرق الواضح بين صورة الكتاب قبل التحرير اللغوي والمعرفي وصورته بعد التحرير، مما ساعد على تأسيس ثقافة الانتماء إلى اللغة العربية، وتلمّس جمالياتها.
([35]) حسن، الشريف. العولمة والثقافة واللغة: القضايا الفنية في: أسئلة اللغة، الرباط: منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، 2002م، ص42.
([36]) انظر: روبرت، كوبر. التخطيط اللغوي والتغيير الاجتماعي، ترجمة: خليفة أبو بكر الأسود، المغرب: مجلس الثقافة العام، 2006م، ص67-69.
([37]) الفاسي الفهري، عبد القادر. عربية النمو والمعجم الذهني، مجلة أبحاث لسانية، العدد 1، المجلد1، 1996م، ط3، الرباط: منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب.
([38]) من المفيد الاطّلاع على تجربة لجنة البحث في تعليم اللغة الإنجليزية المعروفة بتقرير (King Man) عام 1986م، الذي بحث في المحافظة على الإنجليزية بوصفها إرثاً وطنياً. انظر التقرير في: طوليفصون. السياسة اللغوية، مرجع سابق، ص72.
([39]) مثال ذلك: شركة أمازون، وجوجل وغيرها.
([40]) انظر: عودة، جاسر. توظيف مقاصد الشريعة في ترشيد سياسات الاقتصاد المعرفي، مجلة إسلامية المعرفة، السنة الثامنة عشرة، العدد 70، خريف 1433هـ، 2012م، ص48.
([41]) يعني مجتمع المعلومات ذلك المجتمع الذي يعتمد أفراده على استخدام المعلومات واستثمارها في مختلف أنشطتهم، ويوظفون تكنولوجيا المعلومات وشبكات الاتصال في إنتاج المعلومات وتجهيزها وخزنها ومعالجتها واسترجاعها وبثها وتسويقها وإيصالها إلى المستفيدين بالسرعة والوقت المناسبين. انظر:
- الوردي، زكي، المالكي، مجبل. المعلومات والمجتمع، عمان: دار الوراق، 2002م، ص13.
([42]) أقصد بالتفكير المقاصدي، التفكير الذي يتمحور حول الغاية من الشيء، وترتيبه القضايا حسب أولوياتها وضرورياتها.
([43]) يساعدنا التفكير المقاصدي في إعادة تقويم معايير التقدم العالمية التي تقيس الاقتصاد المعرفي، فهذه المعايير تتمحور حول: عدد الأفراد الذين يمتلكون حواسيب أو هواتف محمولة دون الأخذ بعين الاعتبار أن ثمة مناطق فقيرة لا تستطيع توفير هذه المتطلبات، ولا يشكل الحاسوب أولوية في بنائها الثقافي والاجتماعي والأخلاقي، وبناءً عليه يصبح الحديث عن أجهزة الحاسوب من باب الحاجيات أو التحسينات لا الضروريات.
([44]) عبد الفتاح، سيف الدين. نحو تفعيل النموذج المقاصدي في المجال السياسي والاجتماعي، ضمن مقاصد الشريعة الإسلامية، دراسات في قضايا المنهج ومجالات التطبيق، تحرير: محمد سليم العوا، لندن، 2006م.
([45]) معظم الفعاليات التي تتحدث عن العلاقة بين اللغة والتفكير والهوية، تتسق والنظرة إلى أن المحافظة على اللغة تقع في سلم الضروريات من المقاصد.
([46]) يعقد المعهد العالمي للفكر الإسلامي مؤتمرين أو ثلاثة كل عام، وتكاد تكون مؤتمراته كلها بالتشارك مع مؤسسات أكاديمية وحكومية وثقافية. وتنظم مؤسسة عبد الحميد شومان فعاليات ثقافية بالتشارك مع مؤسسات محلية وإقليمية، فضلاً عن الأنشطة الجماعية، ينظر على سبيل المثال:
- تكريم الشعراء الشباب، بالتعاون مع دائرة الإعلام في الشارقة، 8/2/2011
- إصدار كتاب القراءة من أجل التعلم، بالتعاون مع مؤسسة جمعة الماجد في دبي.
([47]) تعقد مؤسسة عبد الحميد شومان نشاطاً دورياً منتظماً (كل أسبوع) في منتدى شومان، ويعقد المعهد العالمي للفكر الإسلامي نشاطاً دورياً منتظماً (كل شهر) في مقر المعهد.
([48]) إن ما تشهده بعض المؤسسات في عقد النشاطات المشتركة خارج أسوار الأماكن، دليل على محاولة نقل المعرفة من الخصوص إلى العموم، ومن الذات إلى المجتمع، ومن الأحادية إلى الجمعية.
([49]) بركة، بسام. اللغة العربية، القيمة والهوية، مجلة العربي، العدد 528، تشرين الثاني، 2002م، ص82.
([50]) ينظر تبلور هذه الفكرة في:
- العلواني، طه جابر. عربية القرآن ومستقبل الأمة القطب، مجلة إسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، السنة التاسعة، العدد 33-34، صيف وخريف 2003، ص11-44.
- الشيخ عبد الله، عادل. علوم العربية ومنهجية الجمع بين القراءتين، مجلة إسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، السنة السابعة، العدد 28، ربيع 2002، ص95-122.
([51]) الربيعي، سعيد بن حمد. التعليم العالي في عصر المعرفة، التغيرات والتحديات وآفاق المستقبل، عمان: دار الشروق، 2008م، ص147. يلاحظ على المواقع الإلكترونية للمؤسستين بأن ثمة اهتماماً واضحاً بنقل المعرفة إلى الفضاء الإلكتروني؛ فنشاطات كلتيهما وإنتاجهما متوفر- في أغلبه- على مواقعهما الإلكترونية ومحركات البحث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق