تحميل كتاب
طبيب في رئاسة الوزراء مذكرات الدكتور مهاتير محمد

المؤلف: مهاتير محمد
ترجمة: أمين الأيوبي
الطبعة : الأولى 2014
الناشر:الشبكة العربية للأبحاث والنشر،بيروت - لبنان
هذا الكتاب لا يروي قصة الدكتور مهاتير محمد الشخصية ، بل يروي قصة ماليزيا البلد التي خرج مرهقا من إستعمار بريطاني كان حريصا علي بقاءه ناميا ومتخلفا يعيش علي بيع المطاط والقصدير للمستعمر ، لكنه استطاع عبر نضال سياسي واقتصادي طويل ، وبوجود شخصية قيادية فذة ، أن يتحول من بلد زراعي مهمش إلى إحدى الدول الاقتصادية والصناعية المرموقة وأن يرفع متوسط دخل الفرد من 350 دولار إلى 8000 دولار ، وأن يجعل من الملايويين الذين كان لهم 2 في المئة فقط من حجم الاقتصاد المحلي شركاء حقيقيين في اقتصاد بلدهم .
من يريد أن يعرف كيف يمكن تحقيق نهضة اقتصادية لبلد نام خلال مدة وجيزة وبإستقلال سياسي واقتصادي عن الغرب ، فليقرأ هنا واحدة من أعظم التجارب في هذا القرن.
قراءة في كتاب (طبيب في رئاسة الوزراء)
جريدة الرؤية - الأحد - 03 أيار 2015- هلال السعيدي :
صدر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر الطبعة العربية الأولى لعام 2014م، مذكرات الدكتور مهاتير محمد الذي شغل منصب رئيس وزراء ماليزيا لفترة امتدت إحدى وعشرين عاما (1981- 2002)، استطاع خلالها نقل ماليزيا من اقتصاد زراعي ريعي إلى دولة صناعية متقدمة.
يلقي رئيس الوزراء الماليزي السابق في مذكراته ومضاتٍ من الضوء على حياته الشخصية وعلى تجربته في الحياة السياسية الماليزية، وطريقته في الحكم والإدارة والتنمية.
يقول الدكتور مهاتير محمد إنه كان ابناً لمعلمٍ سابق يتقاضى راتباً تقاعدياً مقداره 90 رينغت ماليزي شهرياً، بعكس أقرانه السياسيين في المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة الذين كانوا في معظمهم من أسرٍ مرموقة ولهم تجارب سياسية في ولاياتهم. وقد درس الدكتور مهاتير محمد الطب في كلية الملك إدوارد السابع في سنغافورة أثناء فترة الاستعمار البريطاني، حيث التحق بها في العام 1947م، وقد اختلف في هذا أيضاً عن رؤساء الوزراء الماليزيين الذين سبقوه حيث كانوا محامين مرموقين تدربوا في لندن.
أما عن تجربته في الحياة السياسية الماليزية فيقول بأنّه كان عضواً متمرداً في المنظمة الوطنية الملاوية المتحدة، حيث انتقد رئيس الوزراء الماليزي السابق تونكو عبد الرحمن علناً، الأمر الذي أدى إلى طرده من المنظمة في العام 1969م، إلا أنّه أُعيد قبوله فيها مجدداً في العام 1972م بوساطة من تون عبد الرزّاق رئيس وزراء ماليزيا السابق. بعد عودته للحياة السياسية مجدداً وحصوله على مقعد برلماني في الجمعية الوطنية الملاوية تم ترشيحه لمنصب وزير التربية والتعليم وشغل المنصب رسمياً في العام 1974م، ثم عُين مساعداً لرئيس الوزراء الماليزي تون حسين وشغل في الوقت ذاته منصب وزير التجارة الدولية والصناعة. وفي العام 1981م تولى الدكتور مهاتير محمد منصب رئيس الوزراء الماليزي عقب مرض تون حسين وتنحيه عن رئاسة الوزراء.
خصص الدكتور مهاتير محمد الفصلين الثالث والرابع من مذكراته للحديث عن الملاويين (السكان الأصليين لماليزيا) ومشكلتهم الوجودية المتمثلة في عدم حصولهم على نصيب عادل من الثروة الوطنية لبلادهم وعدم إجادتهم لكثيرٍ من الأعمال التي برعت فيها الأعراق الأخرى التي تشكل مملكة ماليزيا الحالية، ويخص بالذكر الأعمال التجارية التي يتقنها الصينيون والهنود. ويرجع الدكتور مهاتير محمد أسباب ذلك إلى عاملين رئيسيين أولهما الاستعمار البريطاني لماليزيا وسنغافورة وتقسيمهم المجحف للعمل بين الأعراق الثلاثة التي استجلب بعضها من الصين والهند، حيث سهلوا سيطرة الصينيين على الأعمال التجارية التي كانت تجري في شبه جزيرة ملايا، كما وظفوا الهنود كعمال في المناجم والمصانع التي أقاموها، فيما انزوى الملاويون في الداخل يزرعون الأرز ويقتاتون على ما تقدمه الطبيعة ويعتمدون على التجار الصينيين. أما العامل الآخر فيرجعه الدكتور مهاتير إلى الطبيعة الذاتية للملاويين حيث يذكر أن "الملاويين عندما كانوا يزاولون عملاً مهنياً ما فإنه يطغى شحهم على الحكمة وعلى الممارسات الجيدة، وكانوا يزاولون أعمالاً لا خبرة لهم فيها ويفشل عددٌ منهم في بذل الجهد الكافي. كما كانوا يقترضون دون تقييم جدارتهم بالتسليف ويريدون العيش على آمال لا أساس لها عوضاً عن الاعتماد على حسابات واقعية دقيقة وعلى الانضباط الذاتي حتى إنّ بعضهم استعمل مال شركته دون وجهٍ قانوني، ولقد كانوا يبددون جزءًا من المال الذي يقترضونه على الاستعمال الكمالي الشخصي" .
إزاء هذا الوضع، عمل الدكتور مهاتير محمد منذ توليه سدة رئاسة الوزراء على محاولة ردم الهوة في توزيع الثروات بين الأعراق في بلاده، ولأجل إنجاح ذلك اعتمد على ركيزتين أساسيتين الأولى هي التعليم حيث ساعد ذلك على رفع الثقافة العامة لدى الملاويين وبالتالي انخراطهم في مختلف مؤسسات الدولة الماليزية، ولم يقتصر الاهتمام على التعليم العام والجامعي فقط وإنما تم الاهتمام بالتعليم العالي أيضاً حيث مُنح الملاويون الذين يرغبون في إكمال دراستهم العليا مِنحاً تفضيلية. أما الركيزة الثانية فكانت إشراك الملاويين في الفرص الاقتصادية التي يقدمها بلدهم وقد عُرف ذلك وقتها بمسمى السياسة الاقتصادية الجديدة حيث تم منح الملاويين العقود الحكومية لتنفيذ المشاريع المختلفة وكذلك منحهم رخص استيراد السيارات ودعمهم بالقروض الميسرة لإنشاء مشاريعهم الخاصة. لقد كان الهدف من هذه السياسات رفع نسبة حصة الملاويين في الثروة الوطنية إلى 30 بالمائة، ورغم أن الدكتور مهاتير محمد يعترف أن هذه النسبة لم يتم الوصول إليها بالكامل وبالشكل المطلوب إلا أن الوضع الاقتصادي للملاويين وللأعراق الأخرى قد تحسن بشكلٍ كبير، ويعزو سبب عدم فعالية السياسة الاقتصادية الجديدة في بعض جوانبها إلى الطبيعة الذاتية للملاويين، ذلك أن رغبتهم في الكسب السريع جعلتهم يقومون بإبرام عقود من الباطن مع مواطنيهم من الأعراق الأخرى في مقابل حصولهم على الفرق المالي بين العقد الحكومي والعقد الذي أبرموه من الباطن مع غيرهم، كما لجؤوا في حالاتٍ أخرى إلى بيع تراخيص استيراد السيارات التي منحت لهم وكان أغلب مشتريها من الصينيين الماليزيين.
ويستعرض الدكتور مهاتير محمد في أجزاء أخرى من مذكراته خصوصاً الفصلين الثامن والعشرون والتاسع والعشرون الخطوات التي اتخذها لنقل بلاده خلال السنوات التي قضاها في منصب رئيس الوزراء من بلدٍ زراعي إلى بلدٍ صناعي متقدم، وركّز في سبيل تحقيق ذلك على أمرين هما: الحصول على المعرفة التقنية اللازمة، وتبنى من أجل ذلك سياسة "النظر شرقاً" حيث لجأ إلى اليابان وكوريا الجنوبية بشكلٍ أساسي متخذاً في ذلك مقاربة قائمة على معرفة العناصر التي ساعدت على نجاح هذين البلدين في المجال الصناعي، والمراحل التي مرا بها لتحقيق ذلك. ويقول الدكتور مهاتير محمد عن ذلك "إن أخلاق العمل أهم هذه العناصر، وهي أخلاقٌ قائمة على الاجتهاد الدؤوب، والافتخار بالمنتجات، وبالروح الوطنية". وهو يذكر أن اليابانيين تميزوا مثلاً بالشمولية والاعتناء بأدق التفاصيل والجنوح نحو الكمال، فهم في مسيرتهم الصناعية قاموا بنسخ التكنولوجيا أولاً، ثم عدّلوها وطورها بما يناسب احتياجاتهم، ثم في نهاية المطاف طوروا تكنولوجيا خاصةً بهم. أما الركيزة الثانية للتقدم الصناعي في ماليزيا فكان الاعتماد على الصناعات الثقيلة حيث تم انشاء مصنع للفولاذ وآخر للسيارات وثالث لقطع غيار الطائرات ومن ثم تتابع بعدها نمو المصانع المختلفة.
أما المقاربة الاقتصادية التي اعتمدها الدكتور مهاتير محمد في سبيل تحريك اقتصاد بلاده ومده بالاستثمارات المختلفة فيقول أنها تمت باتخاذ خطوات عملية لإزالة العراقيل الإدارية للتغلب على البيروقراطية في الجهاز الحكومي، وكذلك العمل على جذب الاستثمارات الخارجية حيث كان يوفد وزير التجارة والصناعة الدولية شخصياً إلى الشركات الكبرى في مختلف دول العالم بهدف التعريف بماليزيا وعرض الفرص الاستثمارية المتوافرة بها. كما تطرق الدكتور مهاتير محمد لبعض المشاريع الكبرى التي نفذت في عهده وأدت إلى وضع الاقتصاد الماليزي على الخريطة العالمية كإنشاء برجا بتروناس والعاصمة الإدارية الجديدة بوتراجايا، ومشاريع الطرق السريعة والقطارات.
كيف فهم الدكتور مهاتير محمد الأسلام والأسلمة

رأي اليوم - OCTOBER 20, 2014 - ماليزيا\ كوالمبور وجدي أنور مردان :
عملاق أسيوي مسلم. أبو النهضة العلمية والثقافية والاجتماعية والصناعية والاقتصادية الماليزية. متواضع تواضع العلماء، صارم في الحق كحد السيف. وطني حد النخاع. رفع بلاده وأمته من القاع إلى القمة. يعمل 16 ساعة في اليوم. درس التاريخ واستقى منه دروسا جمة. درس الطب فاصبح طبيبا يداوي الناس وطبيبا يدواي أمراض مجتمعه. درس القرآن الكريم والشريعة بتدبر. انتقل من الشك والإرتباك إلى مؤمن عميق الإيمان. لم يقوده الإسلام إلى العلم وإنما قاده العلم إلى حقيقة الإسلام الحنيف وأصبح مدافعا عنه عن دراية وحكمة. سيرته سيرة العظماء الذين سيخلدهم التاريخ وسيبقى رمزا حيا في ذاكرة الشعوب المحبة للسلام. محب للعدل والصدق. مناضل عنيد ضد الفساد والإجرام والحروب وضد الاستعمار وقيمه البالية. بأبتسامته الودودة يدخل إلى قلبك ولا يسعك إلا أن تحترمه وتبجله، ملابسه بسيطة يمشي بين أبناء شعبه بثقة القائد العادل الذي لا يهاب الموت أو من متعطش للدماء لينال منه. تعرف على كل صغيرة وكبيرة في مجتمعه، شخص الخلل والمرض ووصف الدواء وبدأ العلاج وكانت النتيجة النهضة العملاقة لشعب كان ينام على الأشجار ويعيش على صيد الأسماك وزراعة الرز.
إنه مهاتير محمد أسكندر، أطول رؤساء الوزارة في ماليزيا حكماً (من 1981 إلى 2003) وأبعدهم أثراً. حول ماليزيا من دولة زراعية هشة متخلفة، إلى دولة صناعية متقدمة.رفع صادرات بلاده من 5 مليارات دولار عندما تسلم الحكم إلى أكثر من 520 مليار دولار سنوياً عام 2003، يمثل ناتج قطاعي الصناعة والخدمات فيها 90 في المئة من ناتجها الإجمالي. وصل في عهده مواطن الماليزي إلى الفضاء ثم صعدوا إلى قمة جبل إفرست وقاموا باستكشافات في المحيط المنجمد الجنوبي ( أنتارتيكا) أسس أكثر من ثلاثين جامعة في بلد متعدد الأعراق والقوميات والأديان واللغات ( 140) لغة ولكنه جعل اللغة الملاوية ( الباهاسا) اللغة الرسمية لماليزيا مع الحقوق الكاملة للقوميات الأخرى في الدراسة بلغاتهم القومية في مدارسهم الخاصة كالصينية والهندية.
ولد الدكتور تون مهاتير محمد في 20 كانون الأول/ديسمبر 1925 بمدينة ألور سيتار، عاصمة ولاية قدح Kedah، بماليزيا؛ وتلقى فيها تعليمه الابتدائي والثانوي. ، باع الموز وساتي ( كباب ماليزي) في الشوارع ليساعد عائلته الكبيرة .وفي عام 1947دخل كلية الملك إدوارد السابع الطبية في سنغافورة التي كانت جزءَ من ماليزيا، والتحق بعد تخرجه بالخدمة في القطاع الحكومي الماليزي بصفة ضابط طبيب. وفي عام 1957، ترك الخدمة فيه ليؤسس عيادته الطبية الخاصة في مسقط رأسه والتي مازالت مفتوحة الى الآن…
بدأ بنشاطاته السياسية منذ نعومة أظفاره،كتب المقالات بأسم مستعار مهاجما المحتلين اليابانيين لبلاده وأصدر ملصقات مع زملائه ضد المستعمرين الأنكليز لماليزيا. مسكون بهاجس تخلف الملاويين وعجزهم. أصبح عضواً في حزب “منظمة الملايو الوطنية المتحدة” (المعروف اختصاراً باسم UMNO) منذ تأسيسه عام 1946. وخلال الانتخابات العامة التي أجريت عام 1964، انتخب لأول مرة عضواً في البرلمان الماليزي، غير أنه خسر مقعده فيه خلال الانتخابات العامة اللاحقة عام 1969. ونظراً لاهتمامه البالغ بالنظام التعليمي في ماليزيا، فقد عُيّن رئيساً لمجلس التعليم العالي الأول في عام 1968؛ وعضواً في المجلس الاستشاري التعليمي العالي في عام 1972؛ وعضواً في مجلس جامعة الملايا، ورئيساً لمجلس الجامعة الوطنية الماليزية في عام 1974.
وفي عام 1973، عيّن الدكتور مهاتير عضواً في مجلس الشيوخ؛ ولكنه تنازل عن موقعه هذا بغية المشاركة في الانتخابات العامة لعام 1974، و فاز فيها من دون منافس، وعيّن في أعقابها وزيراً للتربية والتعليم.
أصبح في عام 1976 نائباً لرئيس الوزراء تون حسين عون، مع احتفاظه بحقيبة وزارة التربية. وبموجب تعديل وزراي أجري بعد سنتين، اختير وزيراً للتجارة والصناعة؛ وأشرف بصفته هذه على تنفيذ العديد من المهام الرامية لاجتذاب الاستثمارات الخارجية.
وكان الدكتور مهاتير قد انتخب في عام 1975 أحد ثلاثة مساعدين لرئيس حزب “منظمة الملايو الوطنية المتحدة” UMNO؛ ليصبح في عام 1978 نائباً لرئيس الحزب، ومن ثم رئيساً له عام 1981 ثم الرئيس الرابع للوزراء عقب تنحي رئيس الوزراء تون حسين عون، وأعيد انتخابه لرئاسة الحزب ورئيسا للوزراء ثانية عام 1984 وأستمر يشغل منصبه لغاية العام 2003 حيث تقاعد اختياريا من منصة كرئيس “آمنو” ورئاسة الوزراء.
تشرف الكاتب بمقابلة الدكتور تون مهاتير عام 2000 ثم تكرر اللقاءات منذ عام 2008. إنسان يتحلى بارقى مواصفات القائد المؤمن بوطنه وأمته الملاوية والإسلامية .
قرأت مذكراته الذي نشرها عام 2011 بعنوان ( الطبيب في البيت)، وترجمها إلى العربية السيد أمين الأيوبي بعنوان ( طبيب في رئاسة الوزارء) ونشرتها الشبكة العربية للأبحاث والنشر عام 2014 تضم المذكرات (62) فصلا.
ومما لفت نظري الفصل السادس والثلاثين منها بعنوان ” الإسلام والأسلمة” بالرغم من أن جميع فصول الكتاب مهم وجدير بالقراءة والدرس ليس من قبل شباب المسلمين فقط ولكن يجب أن يقرأه جميع الحكام المسلمين ليتعرفوا على أفكار ونضال وكفاح هذا العملاق الذي مازال يمشي بيننا ويعرفوا كيف فهم هذا القائد الاسلام وكيف ينبغي أن يطبق مبادئه وتعاليمه وقيمه. ليتعرف على فكره شباب المسلمين المغرر بهم في هذا الزمان الذي أختلطت عليهم الأمور لكي يعودوا إلى رشدهم واحتكام عقلهم في فهم الإسلام وعلى الحكام المسلمين عامة والعرب منهم بخاصة ليدرسوها لكي يتعلموا كيف تبنى الأوطان وكيف يقام العدل والإنصاف وكيف يعتز الإنسان بقيمه ومبادئه ودينه وما هي أسس نهضة الامة والبلاد.
وتجدر الاشارة إلى أن معاليه قد وافق على طلبي لنشر هذا الفصل من مذكراته.
وفيما يلي نص الفصل السادس والثلاثين من مذكرات الدكتور تون مهاتير محمد.
(( ولدت مسلما ونشأت كطفل مسلم، وتعلمت من مرحلة مبكرة أداء الصلاة والصيام ، وعلمتني أمي وأحد المدَرسين تلاوة القرآن الكريم ، على الرغم من ذلك فإني لم أحط علما إلا بالنزر اليسير من تفسير آياته.
إيماني قوي وعقيدتي ليست محل تشكيك ، الإسلام ديني ولا يمكنني تصوًر نفسي سوى أنني مسلم ولا يمكنني مجرد تخيل إرتداد أي مسلم عن دينه، ربما لا يكون مسلما يمارس شعائر دينه ، لكن التزامه بالإسلام لا يتزعزع بكل تأكيد.
كان منزلي محاطا بمنازل ومحلات عاش فيها أشخاص من ديانات أخرى وعملوا فيها، ففي قبالة منزلي كان يوجد محل صيني فيه مذبح مقابل للمدخل، ووضعت أمام صورة لأله أوعية ملآى بالرمال غرست فيها عيدان البخور، وكنت أرى بين الحين والآخر النساء المسنات وفي أيديهن عيدان البخور ويصلين لذلك الإله.
عندما كنا فقراء إبان الاحتلال الياباني ، كان هناك تاميليون هنود يعيشون أسفل منزلنا ، ولم يكن لديهم مذابح ولا أصنام منحوتة ، لكني عرفت أنهم يصلون للأصنام المنصوبة في معابدهم.
وفي المدرسة ، كان فيها عدا زملائي في الصف صبي أوراسي ( أحد أبويه أوروبي) كاثوليكي الديانة وعندما التحقت بالجامعة لدراسة الطب ، كان زملائي على مقاعد الدراسة من ديانات مختلفة بطبيعة الحال.
إن معرفتي بكل هؤلاء المنتمين إلى أديان أخرى ، وملازمتي لهم لم تضعف إيماني ، لكني لم أتباحث معهم في الدين أبدا، عرفت بالبداهة أننا سندخل في نقاشات قد تؤثر في علاقتي بهم.
كان الإسلام ولا يزال في نظري دينا متسامحا مع وجود الأديان الأخرى وأتباعها. وحين قرأت لاحقا تراجم معاني القرآن الكريم باللغتين الملاوية و الإنكليزية ، وجدت سورة كاملة، وهي سورة ” الكافرون” تثبت أنني لم أكن مخطئا في افتراضي المتعلق بموقف الإسلام من الأديان الأخرى، جاء في تلك السورة:
” قُلْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ ﴿١﴾ لَآ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴿٢﴾ وَلَآ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴿٣﴾ وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٌۭ مَّا عَبَدتُّمْ ﴿٤﴾ وَلَآ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴿٥﴾ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ ﴿٦﴾.وجاء في آية قرآنية أخرى ” لا إكراه في الدين” البقرة 256.
ربما لا نطبق في ماليزيا ما تنص عليه الشريعة في كل حالة، وإنما نطبق قوانين أخرىن لكننا نتبع تعاليم الإسلام بدفاعنا عن توفير العدالة للجميع في هذا البلد المتعدد الأديان، وإبقائنا الأمة بعيدة عن الصراع وإنعدام الأمن.
وبالمثل ، بتسامحنا مع الأديان الأخرى نكون ملتزمين بتعاليم الإسلام أيضا. وفي الواقع، تمسكت الحكومة بالمبادئ الإسلامية في جميع أعمالها.
لذلك، لدينا كل الحق في وصف ماليزيا بأنها دولة إسلامية، والإسلام وأسلمة الآدارة الماليزية لم يكونا محل نزاع من قبل. والحقيقة هي أنه في الفترة التي تبنت فيها ماليزيا القيم الإسلامية وأعلنت أنها دولة إسلامية ، ساد السلام والاستقرار وتطورت البلاد ونمت على نحو لم يسبق له مثيل.
لسوء الحظ أن هناك عدد من المسلمين ” المثقفين” الذين لا يعجبهم التسامح الذي دعا إليه القرآن الكريم. إنهم يحبون أن يروا الإسلام دينا صارما وقاسيا وعنيفا تجاه الأديان الأخرى وفي الواقع، ذكر لي مفت عالم ذات مرة أنه لا يوجد دين سوى الإسلام، فشعرت بإرتباك شديد، صحيح أن الدين عند الله الإسلام، لكن وردت في القرآن الكريم إشارات كثيرة إلى ديني موسى وعيسى ( عليهما السلام). وفي الواقع، ورد في سورة “الكافرون” التي ذكرناها آنفا إشارة إلى الأديان التي لا تقبل بـ ” الدين” الذي هو الإسلام.
درست تاريخ الأديان واكتشفت أن تفاسير التعاليم الدينية تتغير لا محالة بمرور الوقت . نحن نعرف أن المسيحيين انقسموا إلى ثلاث طوائف رئيسة هي الكنيسة الشرقية الآرثوذكسية والكنيسة الرومانية الكاثولوكية والكنيسة البروتستانية في مرحلة لاحقة، لكن الانقسام لم يقف عند هذا الحد، إذ شكل الأساقفة والمطارنة المتنوعون طوائف خاصة بهم بناء على أفهامهم وتعاليمهم الخاصة. ولن أذكر المزيد عن الطوائف المسيحية لأن معرفتي بها ليست وافية.
حصل الأمر نفسه في الإسلام، دعا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) إلى الإسلام واحد تعبر عنه آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة المروية عن النبي الكريم.
لكن يوجد اليوم طوائف إسلامية كثيرة يزعم كل منها أن الطوائف الأخرى ليست إسلامية أو لا تدين بالإسلام. وفي الواقع ، أنه غالبا ما أندلعت حروب بين هذه الطوائف بسبب الاختلافات في تعاليمها.
ربما يُعزى ظهور هذه الطوائف في بعض الأحيان إلى مشعوذين يريدون استغلال سذاجة بعض أتباع هذا الدين وجهلهم. وقد حقق بعض هؤلاء الانتهازيين نجاحا أوصل أتباعهم إلى حد زعم أنهم أنبياء أو حتى الإمام المهدي المنتظر الذي يعتقد أنه سيظهر مع اقتراب العالم من يوم القيامة، لكن إثبات كذب هؤلاء الأشخاص دائما لم يردع أخرين عن التفوه بمزاعم مشابهة من حين إلى آخر، ولم يمنع من استقطابهم أتباعا أمنوا بهم إيمانا عميقا. ومن قبيل الصدفة أنه لا يزال يظهر حتى في أوساط المسيحيين مدعون من أمثال هؤلاء ويعرف عن أتباعهم ارتكاب عمليات انتحار جماعية في اليوم الذي يعتقدون أن نهاية العالم ستكون فيه.
لكن عددا من مؤسسي المذاهب الإسلامية أئمة عظماء، اعتقدوا بصدق أنهم يقدمون التفسيرات الصائبة أو الصحيحة للإسلام ، وبالنظر إلى الاختلافات الكبيرة بين تفسيراتهم وتعاليمهم، محال أن يكونوا جميعا على صواب.
على أن الاختلافات في التفسيرات والتعاليم أمر ينبغي توقعه لأن هؤلاء العلماء بشر في النهاية ، ويقعون في الزلات التي يقع فيها البشر، فإن أفهامهم وتفسيراتهم متأثرة بنقاط ضعفهم تلك.
ربما لم يقصدوا إحداث الصراعات بين الناس وتقسيمهم إلى طوائف، وهم يناشدون اتباعهم غالبا عدم التعصب لتعاليمهم. لكن الاتباع غالبا ما يكونون أشد تصلبا من معلميهم وربما لا يعتبرون التعاليم الأخرى إسلامية.
وبمرور الوقت، نتج من تعصب الاتباع وميلهم إلى المبالغة وإضافة أمور الى التعاليم استحالة التوفيق بين وجهات النظر المختلفة للطوائف المتنوعة. وكل من يحاول التخفيف من الجمود في معتقداته، أو يسعى إلى التوافق مع تعاليم الآخرين ( أو حتى الامثال لنهي الإسلام عن النزاع) يعتبر خائنا مارقا إن لم يكن مرتداَ.
لذلك نرى المسلمين اليوم منقسمين إلى عدد لا يحصى من الطوائف ولكل منها تفسيراتها الخاصة للإسلام. كما يوجد داخل كل من الطوائف طوائف فرعية وأتباع لأئمة مختلفين. إن التمسك هؤلاء الاتباع بطوائفهم قوي جداً ولا يقبل المساومة ، والتضحية بالنفس خصلة قوية وكذلك قتالهم في سبيل معتقداتهم، والاعتقاد هو أن المضحي سيكافأ في الحياة الآخرة على تضحيته.
السنة أكثر عدداً من الشيعة لكنهم أقل تعصبا في تطبيقهم الإسلام ، ومع ذلك، العداء للشيعة قوي جداً، والهجمات العنيفة التي يشنها الشيعة على السنة يقابلها السنة لا محالة بعنف مماثل.
الإسلام دين متسامح، لكن وكما قلت، بعض المفسرين المطلعين على تعاليم الإسلام لايروق لهم ذلك. يريد هؤلاء وأتباعهم جعل الدين عديم التسامح وجامداً وصارماً. وهذا مايصح خصوصا في الموقف من غير المسلمين. إنهم متحمسون لفرض الشعائر والقوانين الإسلامية على غير المسلمين بالقوة إذا أمكن، وهذا لايحبب الإسلام اليهم، ولذلك يزداد رفضهم للإسلام بشدة، وهي صفات مناقضة لتعاليم الإسلام ، شوهت سمعة الإسلام وحالت دون انتشاره.
كان المسلمون الأوائل أكثر تساهلا ولينا مع غير المسلمين، وهذا سبب انتعاش المسيحية واليهودية في الدول الإسلامية. وفي الواقع ، بلغ تسامح المسلمين مع اليهود حداً جعلهم يفرون إلى الدول الإسلامية الواقعة في شمال أفريقيا وإلى المناطق الخاضعة للحكم العثماني في أوروبا الشرقية متى اضطهدهم المسيحيون الأوروبيون.
وبالمقابل، حين استعاد الأسبان المسيحيون السيطرة على أسبانيا، منح اليهود وكذلك المسلمون ،خيار التحول إلى المسيحية أو القتل أو الطرد من اسبانية الكاثولوكية. ولهذا السبب لحق عدد كبير من اليهود بالمسلمين الذين أجلوا إلى شمال أفريقيا.
تجدر الإشارة إلى أنه لايزال يعيش في إيران عدد من اليهود، مع كونها دولة إسلامية متطرفة في الظاهر، وكنسهم تحميها الحكومة ، حتى إن اليهود ممثلون في البرلمان الإيراني. والظاهر أن الإيرانيين، على شدة عداوتهم للأسرائيليين والأمريكيين، يطبقون ما أوصى به القرآن الكريم بشأن التعامل مع أبناء الديانات الأخرى.
لكن اليهود غير مرحب بهم في المناطق الأخرى في العالم الإسلامي بما في ذلك ماليزيا. وعندما حاولت دفع عملية السلام في فلسطين بالسماح لتلامذة مدارس وفريق كريكت إسرائيلي بزيارة ماليزيا ، أدانني الملاويون المسلمون بشدة.
على أن انعدام التسامح لا يقتصر على التعامل مع غير المسلمين، فنحن ننتقد إخوتنا المسلمين في أدائهم واجباتهم وشعائرهم الدينية. ومع أن القرآن الكريم يقول إنه ليس في الدين من حرج، هناك عدد من المسلمين الذين يريدون جعله عبئاً، أنهم يرفضون مرونة التعاليم القرآنية المتصلة بالصغائر من المحرمات وأداء شعائر معينة.
أَمرنا بأداء خمس صلوات في اليوم، لكن لو ترك بعض متعلمي الشريعة وشأنهم، سيزيدون على الصلوات الخمس صلوات وقراءات أخرى. ومع أن اغلبية هذه النوافل تطوعية ، إلا أنهم يرغبون في جعلها إلزامية.
وبوصفي سياسيا في أمنو( تحالف الاحزاب الماليزية)، توجب عليً الرد على الاستشهادات الدينية التي يستدل بها بعض المتحدثون باسم الحزب الإسلامي الماليزي ” باس″. إنهم مؤثرون للغاية باستدلالهم بآيات من القرآن الكريم وترجمتها على الفور وصبغها بعواطف ملاوية جياشة.
حفظت بعض الآيات التي يكثر تردداها وترجمات معانيها بالملاوية، لكني لم أبلغ في ذلك حد الإتقان، فأنا لا أتقن اللغة العربية بالقدر الكافي حتى حين أتلوا الآيات التي استدل بها بشكل صحيح.
بدأت بدراسة القرآن الكريم بمزيد من الشمولية ، بقراءة النص العربي ثم قراءة الترجمات الملاوية أو الانكليزية ، ووجدت أن التفاسير التي يوردها السياسيون غير دقيقة تماما، وإن كانت أكثر تأثيرا، بل إنهم غالبا لا يكملون تلاوة الآيات التي يستدلون بها.
وفي سياق ذلك ازداد شغفي بتلاوة القرآن لأن معرفتي بالترجمات الملاوية والإنكليزية جعلت دراستي أكثر تشويقاً. وفي وقت وجيز، صرت أختم القرآن كاملا عدة مرات لأعرف التعاليم الأساسية فعلا للدين الحنيف. وحتى ذلك الحين، كل ما كنت أعرفه عن ديني لم يتجاوز ما علمني إياه أساتذتي الخصوصيون وأساتذتي في المدرسة. ركزوا على فقرات معينة وعلى سور التي تعين عليَ حفظها عن ظهر قلب لأتلوها في صلواتي.
كانت قراءة القرآن بلغة فهمتها مؤثرة فعلا ولم يتأخر اساتذة مادة الدين في الاشارة إلى أنهم عندما يدرسونني يقومون بترجمة النصوص العربية إلى الملاوية لأتمكن من فهم تلك النصوص. وبحسب حججهم، ترجماتهم ليست قرآناَ وليست الوحي الذي أنزله الله تعالى.
علمت لاحقا أنه حتى الذين يتكلمون العربية بوصفها لغتهم الأم لا يمكنهم أن يفهموا فعلا عددا من سور القرآن الكريم. وهم لا يزالون في حاجة الىكتب التفسير، وما يفهمونه من القرآن هو ما فهمه المفسرون، والمفسرون الذين هم من جملة البشر قد يحملون هم ايضا الآيات على غير محملها أو يفهمونها بشكل مغاير لفهم الآخرين، لذلك ربما لاتكون تأويلاتهم متشابهة ، بل قد تكون متناقضة.
أفترضت أن سبب انقسام المسلمين إلى مذاهب مختلفة اختلاف أفهام المفسرين واختلاف تأويلاتهم بناء على ذلك.
لكنا في حاجة إلى مفسرين كي نفهم تعاليم القرآن، وتتأكد هذه الحاجة بالنسبة إلى غير الناطقين باللغة العربية أو غير الملمين باللغة العربية بالقدر الكافي، لذلك قنعت بترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغتين الملاوية والانكليزية والتي وإن كانت لا تعتبر قرآناَ فهي تبقى مقبولة مثل الإسلام الذي تعلمته باللغة الملاوية.
لكن آيات القرآن الكريم تنقسم إلى فئتين متمايزتين تماما، الأولى هي فئة المحكمات، وهي آيات واضحة المعاني وليس فيها غموض ولا تختلف بشأنها الأفهام ولا التفاسير.
والفئة الثانية تضم الآيات المتشابهات، وهي آيات معانيها ليست واضحة ولا مباشرة وربما تتضمن استعارات أو دلالات رمزية ما يجعلها قابلة لتفسيرات متنوعة بل متناقضة أحياناَ.
يمكن فهم الآيات المحكمات الواضحات بسهولة بالغة حتى لو لم يكم المرء يتكلم العربية بشرط وجود شخص يترجم معاني الآيات، إنها سهلة ومباشرة ويمكن الجميع تقريبا ترجمة معانيها من غير أن تظهر أختلافات ملحوظة في التفاسير. ومثال ذلك جاء في القرآن الكريم ( إنما المؤمنون إخوة) الحجرات 10, والواضح أنه لايمكن إساءة فهم هذه الآية أو تفسيرها بمعنى آخر ، وجاء في القرآن الكريم أيضــا ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأَ) النساء 92. والمعنى هنا واضح تماما.
لكننا نرى مسلمين يقاتلون مسلمين آخرين ويقتلونهم، أليس هؤلاء آثمين؟ لابد من أنهم كذلك. لكنهم يصرحون بأن خصومهم غير مسلمين حقيقة ولذلك فهم يرون أنهم لا يقتلون مسلمين وأنهم لا يفعلون شيئا منهيا عنه في الإسلام.
هناك آيات واضحة تأمر المسلمين بالوفاء بالوعود والعهود، والصدق، وعدم أخذ الرشوة ، وطلب العلم، والاستعداد للدفاع عن الأمة ( المجتمع الإسلامي العالمي)، وكفالة اليتامى، وتوزيع التركة وفقا للقواعد الشرعية ،والقبول بعروض السلم ،والحكم بالعدل ، وعدم السماح للكراهية بأن تؤثر في القرارات، وعدم إكراه الناس على اعتناق الإسلام، وغيرها كثير من الآيات التي تحدد طريقة الحياة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم وتجعله شريفا مستقيما. وينبغي أن ينجح في مساعيه في هذه الحياة، على ألا ينسى الآخرة حين يحاسب على الافعال التي قام بها في الحياة ثم يجازى عليها إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
الإسلام، كما يردد كثير من المسلمين ، ” طريقة حياة” . إنه دليل شامل لطريقة عيش المسلم وليس ” معتقدا” فقط، وعندما يعيش المرء وفقا لما أمر به الاسلام ، سيلقى نعيما في الآخرة كما وعد القرآن الكريم ، و ” طريقة الحياة” هذه تشمل كل شيء يقوم به وليس أداء الشعائر الدينية فقط.
بما أن الآيات المحكمات واضحات لا لبس فيها ، ينبغي عدم وقوع خلاف في فهمها وتفسيرها ولذلك ينبغي ألا ينقسم المسلمون بسببها ، لكننا وكما بينا أعلاه في حالة قتل المسلمين بعضهم بعضا ، لن يتوانى الأشرار والمضللون عن القتل، على الرغم من وضوح الآية التي تنهى عن ذلك ، بزعم أن خصومهم ليسوا ” مسلمين حقيقيين” أو ليسو مسلمين أصلاَ.
المشكلة الثانية التي تنشأ عن أختلاف التفاسير الميل إلى التشديد على شكل الرسالة لا على مضمونها.
يؤكد القرآن على الحاجة إلى القراءة في سورة العلق ومطلعها ” إقرأ”. عندما يقرأ المرء، يكتسب المعرفة بالتأكيد، لذلك قرأ المسلمون الأوائل الذين أمتثلوا لهذه الآية كل ما وقعت عليه أيديهم لينهلوا من المعرفة.
وبما أنه ليس هناك كثير من الأعمال المكتوبة عن الإسلام في حياة النبي الكريم ( صلى الله عليه وسلم) ، وبما أن الأمر بالقراءة لأي ضع قيودا على المواد الواجب قراءتها ، أطلع المسلمون الأوائل على ما يبدوا على مؤلفات اليونانيين والهنود والصينيين والفرس. وكي يتمكنوا من ذلك ، توجب عليهم تعلم لغات تلك الاقوام ، ونحن نعرف الآن أن العلماء المسلمين الأوائل أعادوا إنتاج الاكتشافات العلمية والنظم الرقمية التي توصلت إليها الشعوب المذكورة، والأهم من ذلك أنهم أجروا دراساتهم وبحوثهم الخاصة وكانت لهم إضافات في كثير من ميادين المعرفة، فالعلماء المسلمون كانوا رواد علم الفلك والجبر ودراسة الأمراض والطب والاجرام السماوية وغيرها.
بقي المسلمون متقدمين على الحضارات الأخرى طوال قرون بإتقانهم العلوم والطب والرياضيات . لكن بدات تفسيرات جديدة بالانتشار في وقت قريب من القرن الخامس عشر بعد الميلاد، وفحواها أن كلمة ” إقــرأ” تعني اكتساب العلوم الشرعية فقط.
أراد هؤلاء ، القول إن الدراسة التي تلقى استحسان العلماء هي دراسة الدين فقط وأن كل الدراسات أو ميادين المعرفة الأخرى لاتكسب صاحبها أي فضل ، والأشخاص الذين أعطوا هذه التفسيرات كانوا اشخاصا تعمقوا في دراسة الدين، ولابد من أنهم مالوا بالبداهة إلى اعتبار هذا الفرع من المعرفة أهم العلوم.
واياَ يكون سبب هذا التشدد على دراسة العلوم الشرعية حصرا، الحقيقة هي أن اشتغال العلماء المسلمين بدراسة ميادين المعرفة الأخرى تراجعت في وقت قريب عنها في القرن الخامس عشر ، وبمرور الوقت، أصبح المسلمون شديدي الجهل بهذه الموضوعات.
وصادف أنه في الوقت الذي عزف فيه المسلمون عن دراسة العلوم، لاحظ المسيحيون الأوروبيون، الذين كانوا في العصور المظلمة آنذاك، تفوق حضارة المسلمين وقرروا إمتلاك معارف المسلمين فتعلم الكهنة المسيحيون اللغة العربية ودرسوا الكتب العلمية وغيرها والتي كانت تزخر بها المكتبات العظيمة في العالم الإسلامي.
النتيجة النهائية كانت انكفاء المسلمين وتقدم المسيحيين الأوروبيين السريع بعد أن ترجمت المعارف التي اكتسبوها إلى اللاتينية أولا ثم إلى اللغات الأوروبية الأخرى. وبذلك أتيحت المعرفة للمواطنين العاديين وليس للكهنة فقط مثلما كانت ممارسة الكنيسة في العصور الوسطى.
ومع انكفاء المسلمين بسبب قلة إلمامهم بالعلوم ، أصبحوا ضعافا وعاجزين عن الدفاع عن أنفسهم. لم يتمكنوا من تطوير دفاعاتهم بأسلحة وأستراتيجيات جديدة ، وسقطت الدول الإسلامية الواحدة تلو الأخرى في أيدي الأوروبيين الذين امتلكوا أسلحة أفضل.
هذه هي عاقبة التفسيرات الخاطئة للآيات القرآنية، مثل الخطأ في تفسير ” اقـــــرأ” والعجيب أن بعضاَ لم يحمل الآية على معنى القراءة ، لكنهم أقلية لحسن الحظ.
على أن هناك تفسيرات أخرى للقرآن الكريم أذنت إلى انكفاء المسلمين، فالقرآن يأمر المسلمين [امتلاك القدرة على الدفاع عن أنفسهم، ولهذا السبب ذكر القرأن الخيل التي تستخدم في الحروب ” وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم” الأنفال 60. وكان لدى النبي الكــــــريم ( صلى الله عيله وسلم) خيول وأسلحة أخرى يدافع بها عن المجتمع.
المؤسف أن التفسيرات الحرفية لهذه الآية جعلت المسلمين يهملون أهمية القدرة الدفاعية، وشددوا بالمقابل على إمتلاك الخيل عملا بالتفسير الحرفي، والأسلحة التي استخدمها النبي الكريم بوصفها السنة التي يتعين على المسلمين اتباعها، ولو أنهم شددوا على الدفاع، لعززوا قدراتهم الدفاعية بتحديث أسلحتهم مثلما فعل أعداؤهم الأوروبيون.
أسهم إهمال دراسة العلوم والرياضيات في عجز المسلمين عن إختراع أسلحة جديدة وتطويرها. وفي النهاية ، أرغموا على حيازة الأسلحة من أعدائهم وتدهورت بالكامل قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم ، وهي القدرة التي أمرهم القرآن بامتلاكها.
نلاحظ هنا أيضا أنه حتى حين تكون الآية القرآنية واضحة، يمكن أن تفوت المفسرين الرسالة الحقيقية التي فيها، بميلهم إلى المعنى الحرفي. ويتعين عزو الحالة الكئيبة التي يعيشها المسلمون اليوم، وعجزهم عن الدفاع عن أنفسهم إلى التشدد الخاطئ في تفسيرات تعاليم الإسلام.
يقدم لنا القرآن توجيها آخر غالبا ما يساء تفسيره أو فهمه بما يلحق الضرر بالمسلمين. فليس هناك ضير مثلا في وجوب طلب المسلمين العون بالابتهال إلى الله في صلواتهم عندما يواجهون مشكلات أو تهديدات.
يشدد مدرسو الدين على الحاجة إلى أداء الصلوات للتوسل إلى الله في أوقات الشدة أو عند التعرض للتهديد لكنهم لم يشددوا على الآية الكريمة التي تقول ” إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” الرعد 11.
من الأهمية بمكان أن نحاول مساعدة أنفسنا، فالصلاة وحدها لن تساعدنا إلا في الحالات التي لايسعنا فيها فعل شيء لأنفسنا، لكن إمكانية معاناتنا عجزا كاملا نادرة للغاية.
إن الوضع البائس الذي يعيشه المسلمون اليوم راجع جزئيا إلى عدم قيامهم بشيء، أو قيامهم بشيء ضئيل للغاية عدا طلب النصرة من الله تعالى.
يتعين أن يكون 1,3 مليار مسلم في عداد أغنى الناس في العالم لأن الله أنعم عليهم بثرو غير محدودة من الموارد النفطية. لكن هل يستطيعون القول إنهم استخدموا تلك الثروة في مساعدة أنفسهم على الخروج من وضعهم الحالي؟الواضح أنهم لا يعملون بتوجيهات القرآن التي أمرتهم بمساعدة أنفسهم أولا ، إذا كانوا يريدون من الله أن يساعدهم، ولوم الآخرين لن يوصلهم إلى شيء لأنه لايمكنهم في الواقع توقع قيام الآخرين بعمل لإنقاذ المسلمين فيما لا يقوم المسلمون بشيء من الناحية الفعلية لإنقاذ أنفسهم.
مررت بوقت شعرت فيه بارتباك بشأن الإسلام وتعاليمه، فعندما كنت أدرس موضوعات علمية في الجامعة ، وجدت أني أشكك ببعض تعاليم الإسلام.
يطالب الإسلام المؤمنين، أكثر مما يطلب أي دين آخر، بالقبول بأي شيء بوصفه من العقيدة الجوهرية التي لا يمكن التشكيك فيها، وهذا ما يقوله دارسو العلوم الشرعية على الأقل، وما عليك سوى الإيمان بما تعلمته وعدم طرح الأسئلة، لكن بوصفي عالماَ، تعلمت طلب الدليل في كل شيء وبدا أن الذي وجدته في العلم مناقض في الظاهر لتعاليم ديني في حالات كثيرة.
في الطب، كل شيء يفسر بطريقة منطقية. تنجم الأمراض عن كائنات عضوية صغيرة الحجم أو قصور في أداء جسم الإنسان ولعلاج الاعتلال الجسدي، عليك أن تخلِّص جسم المريض من التاثيرات التي تضر بصحته، عليك أن تقتل الجراثيم أو تستاصل الأطراف الميتة، يمكن أن تنجح فيشفى المريض، أو تفشل فيموت.
ربما تصلي وتدعو الله أن يشفيهن لكن يتعين عليك تقديم العلاج الموصوف إذا كنت تريد أن يستعيد المريض عافيته من جديد, إذا كان المريض سينجو، فسوف ينجو سواء أدعوت الله أم لم تدعهُ، ففي النهاية المريض من غير المسلمين يتماثلون للشفاء أيضا. وفي الواقع، يطلب المسلمون العلاج من أطباء غير مسلمين.
أحسست بالتشوش والارتباك، لم أقو على رفض الإيمان، لكن ما لاحظته لا يفسره الإسلام وهو دين أؤمن به.
أبدى الأساتذة الذين علموني الدين معارضة قوية لمفهوم التعليل العقلي أو تحكيم العقل في شؤون الدين، وأرادوا مني الإيمان فحسب، أرادوا مني في الواقع القبول بما قالوه لأنه كلام الله وليس من حقي أن أجادل، وتوجب عليَ الإيمان ببساطة.
لكن بسبب ميلي إلى طلب تفسيرات رفضت مجرد الإيمان، لاشك في أنه يتعين أن يكون كلام الله منطقيا ومستندا إلى المنطق. فمحال أن يكون الدين مجرد أداء شعائر، ويتعين وجود سبب لكل شيء، لأن الله أعطى الإنسان القدرة على التفكير وهو يعني البحث عن السبب ولايمكن انتفاؤه في إيماننا.
سعيت لمدة طويلة من الزمن إلى الوقوف على الأسباب التي تعلل معجزة الحياة، أرشدني العلم إلى كل ما له علاقة بالوظائف الجسمانية، مثل حاجتنا إلى الأكل والتنفس والتخلص من الفضلات وما سوى ذلك. لكن لماذا يجدر بنا العيش أصلا إذا كنا سنموت في النهاية مهما أكلنا وتنفسنا؟
وحتى حين درست علوم الأحياء والكيمياء والفيزياء في السنة الجامعية الأولى ، تأملت مليا في الحقيقة التي تسمى معجزة الحياة . ثم بدا لي بالتدريج أن العلم لا يمكنه دائما تفسير ” سبب” حدوث الأشياء ، وإنما يمكنه فقط تفسير ” كيفية ” حدوثها.
يقال لنا إننا نستنشق الأوكسجين من الهواء لأشباع الدم به، والذي بدوره يؤكسد خلايا الأنسجة لأبقائها حية ثم تمرر الخلايا الفضلات الناتجة عن عملية الأكسدة للدم عل شكل ثاني أوكسيد الكربون وفضلات أخرى يتخلص منها بعد ذلك عبر الرئتين أو الكليتين أو مخرج البدن. وبهذه الطريقة ، يتمكن الكائن العضوي أو المخلوق الإنساني من العيش.
لكن لماذا ينبغي أن تسير الأمور على هذا النحو؟ العملية الموصوفة أعلاه متعلقة بـ ” كيفية” أكسدة الجسم وإفرازه الفضلات، لكنها لا تعطينا الأجابة عن ” سبب” منح هذه العملية الحياة للكائن العضوي؟
ولماذا الأوكسجين وليس الكلور أو أي غاز آخر؟ يبين العلم أن الكلور سيسمم الجسم. ويشرح العلم باسهاب العملية التي تقتل فيها الكائنات العضوية بواسطة الكلور. ما من مرة تساءلت فيها عن سبب عمل شيء وفقا للطريقة التي يعمل فيها، أو ما إذا كانت عملية إحياء أم ” إماته” إلا وفسر الجواب كيفية حدوث العملية فقط.
وفي النهاية ، أرغمت على الاستنتاج أن هناك قوة حددت سبب حصول كل شيء وكيفية حصوله. يطلق العلماء على هذه القوة اسم ” الطبيعة” لكن ماهي الطبيعة؟ ولماذا تحدد الأشياء على هذا النحو؟
استنتجت بأنه بتعريف تلك القوة بأنها الطبيعة، يسعى العلماء لتجنب الاعتراف بوجود قوة لا يمكنهم تفسير قدرتها على تحديد كل شيء حصل في العالم. حتى إن هذه القوة حددت قوانين العلوم وطريقة تحكمها بكل فعل ورد فعل.
استنتجت بأن ما يسمونه الطبيعة إنما هو الله القادر على تحديد كل ما يحكم تصرفات جميع الأشياء على الكرة الأرضية وغيرها.
هذه القدرة أكبر بكثير مما قيل لنا، نحن نعرف الآن أن الكون ، بنجومه ( شموسه) ومجموعات نجومه التي لا تحصى أوسع بكثير مما كنا نعتقد. ونحن نعرف أن الفضاء من الاتساع بحيث يستغرق الإنتقال من نجم إلى آخر عدة سنين ضوئية حتى داخل المجموعة ذاتها.
لكن كل شيء على الكرة الأرضية يتألف من إلكترونات وبروتونات وجزيئات أخرى هي من الدقة والصغر بحيث نعجز عن رؤيتها، تحدد هذه الجزيئات خصائص مادة معينة وسلوكها، على المستوى الجزئي، ويمكن أن تكون تركيبتها طليقة مثل الغاز إلى حد تمكين الأشياء من المرور فيها، لكن تركيبتها يمكن أن تكون من الكثافة مثل الأجسام الصلبة بحيث يمكنها مقاومة الجهود القوية لتغيير أشكالها الفيزيائية.
إن القدرة التي تخلق هذا الكون الفسيح الذي يتعذر قياس حجمه وهذه الذرات والالكترونات والبروتونات الدقيقة والجزيئات دون الذرية، والقدرة التي تحدد خصائصها وسلوكها ، والقدرة التي تخلق الحياة والقدرة المتحكمة بكل شيء ، من أصغر الأشياء حجما إلى الكون الهائل الشاسع لابد من أنها قدرة تتجاوز قدرة الإنسان على الإحاطة بها. لابد من أن القدرة تلك هي قدرة الخالق، الذي هو الرب وهو الله. ومالم نؤمن بوجود خالق، سنعجز عن تفسير أسباب حصول كل شيء وطريقة حصوله في هذا الكون، سنتوه ببساطة ، ولن نقدر على فهم لماذا ظهرت الأشياء على هذا النحو.
شعرت بارتياح لأكتشاف ذلك ، عرفت الآن حدود العلم. يشرح العلم كيف تبدو الأشياء، والإلمام بالعلم يفضي إلى كثير من الاستخدامات العملية، لكن ما هو أقصى ما يمكن العلم الوصول إليه. وفي اللحظة التي يلجأ فيها إلى العلم فيها لتفسير سبب ظهور الأشياء على الشكل الذي تظهر فيه، لن تجد لديه جوابا سواء الآن أو في المستقبل.
” يخلق ” علماؤنا الآن من خلال الاستنساخ مستخدمين خلايا جذعية، وما إلى ذلك، نجحوا في ذلك وفي وسعهم إخبارك عن كيفية حصول الأشياء التي فعلوها، لكن حين يسألون لماذا يمكن إجراء الاستنساخ، وخلق حياة جديدة ، لن تجد لديهم أي جواب.
إن ما قاموا به لا يعدو كونه تسخيرا لسلوك كائنات حية خلقها الله. وفي النهاية ، يمكن أي منا خلق حياة، إننا نقوم بذلك من خلال معجزة الولادة. يمكننا شرح كيفية تلقيح المنيَ للبويضة، لكننا لا نستطيع هنا أيضا شرح السبب، لماذا لا يضع البشر بيضاَ؟ فهذه العملية يمكن أن تخلق حياة أيضا. لكن الإنسان يخلق في رحم امرأة، ولو شاء الله أن ينجب الرجل من خلال عملية وضع البيض، ماذا كنا سنقول؟ سنبين كيفية وضع البيض، وتخصيبها وتفقيسها. لكننا لن نقدر على شرح سبب عدم حصول الحمل في رحم المرأة مثلما يحصل الآن، وجل ما يمكننا قوله إنها إرادة الله.
أصبح إيماني أقوى من أي وقت مضى لأني عرفت الآن ما لم يعرفه المسلمون العرب الأوائل ، وهو قدرة الله أكبر بكثير مما أعتقدوا، وأنها تمتد ملايين السنين في الزمن،وأنها تحكم كونا هائل الحجم على نحو يفوق التصور. لا يمكن العلم إنكار قدرة الخالق ، كما لا يمكن العلم الحلول محل الإيمان، لذلك ليس في تعلم العلوم ما نخشاه، ولايمكن أن تقوض دراسة العلوم الإيمان، بل إنها تقويه في الواقع، لذلك ، لا سبب يمنع المسلمين من دراسة العلوم.
أنا أعتبر هذه الحقيقة على قدر عظيم من الأهمية لأن أحد أسباب تخلف المسلمين هو جهلهم في المجال العلمي ، ومع أن عزو جميع الظواهر إلى الله صحيح ، لكن دراسة ” الكيفية ” التي يشرحها العلم شرط لتمكننا من تسخير ما خلقه الله في تحسين أوضاعنا.
أكبر إساءة للحضارة الإسلامية تلك الاستنتاجات والتعاليم المنقولة عن علماء ومفادها أنه ينبغي للمسلمين عدم دراسة العلوم لأنها علمانية وغير دينية . وبعيد رواج هذه التعاليم ، انكفأت الحضارة الإسلامية وأصبح المسلمون في النهاية ضعافا عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم.
وأسوأ من ذلك أن هؤلاء العلماء نسبوا الانكفاء إلى قدرة الله وتجاهلوا التحذير الإلهي من أن الله لن يساعد الأمة حتى تبذل الجهد في مساعدة نفسها أولاً ” لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” . ولاريب أن حيازة المعرفة العلمية تعطي المسلمين القدرة على الدفاع عن الأمة ، وعندما يفشلون في ذلك، لن يلقى دعاؤهم إجابة.
هناك أمور يمكن فعلها بطبيعة الحال حتى في الوقت الحالي، على أنه على الرغم من النعم التي أنعم بها الله على المسلمين، لم يفعلوا شيئاً لتحصين دفاعاتهم ورفع مستوى رفاهيتهم، مع أن الإسلام في غاية الوضوح في مسالة الحاجة إلى أداء ما أصطلح على تسميته فرض كفاية، وهو الفرض الذي يشترط أن يكون في المجتمعات الإسلامية أفراد تسهم قدراتهم وأفعالهم في الدفاع عن مجتمعاتهم وتقديم ما هو خير لها وللإسلام نفسه. وإذا لم يوجد فرد قادر على توفير هذه الأمور ، يعتبر المجتمع بأسره آثماً.
أنا أرى أن توفر مدراء جيدين وأطباء ومهندسين وجنود وقادة سيطهر المجتمع الإسلامي من آثام عديدة ،وهؤلاء الأشخاص هم الذين يؤدون بحق فرائض الإسلام.
ومع أن الفرد يثاب على أداء فروض الصلاة والصيام والزكاة والحج ، فإن سد حاجات المجتمع الإسلامي تعود على الفرد بالثواب ، كما تطهر المجتمع من آثام شائعة.
ومن دواعي الأسف أن تشدد المسلمين والذين يدرسون الدين على فروض العين مثل أداء الصلوات والصيام والزكاة والحج أكثر تشددهم على فروض الكفاية، لكن ليس في القرآن آية ولا في السنة حديث صحيح يفيد بأن فرض العين الذي يعود على الفرد وحده بالثواب أو في جزاء يوم القيامة من فرض الكفاية.
يعرف المسلمون جيداً أن الجنود الذين يقتلون دفاعاً عن الإسلام أو عن الأمة الإسلامية يعتبرون شهداء جزاؤهم الموعود دخول الجنة ، يستتبع ذلك أن الثواب الذي سيناله المشاركون في تحصين دفاعات المجتمع وتحسين رفاهيته، في الآخرة ، ليس أقل من ثواب الذين يؤدون الفرائض المختلفة ويدرسون الشريعة ويؤمون المسلمين ويتلون القرآن.
إن الدفاع عن بلاد المسلمين ليس مقتصراً على الجنود ، ولكن يشمل العاملين في الصناعة الدفاعية والباحثين ومبتكري الأسلحة الدفاعية ومنتجيها، بل الإدارة برمتها في الواقع. وإذا أدوا جميع أعمالهم بإخلاص وبالشكل اللائق، يتعين اعتبارهم في عداد مؤدي فروض الكفاية وهم يستحقون الثواب ذاته.
وإذا فشلوا في أداء مهمتهم ، وإذا كانوا فاسدين يكونون بطيبيعة الحال في جملة مرتكبي الكبائر ويستحقون العقاب في الآخرة.
كانت دراستي للقرآن الكريم نافعة للغاية في توجيهي في حياتي الشخصية وفي أدائي المهام التي أَتمنت عليها بوصفي قائدَ بلادي وأحسست بأنه ينبغي للآخرين الانتفاع منها أيضاً. فإذا حظي كل القاطنين في ماليزيا ” بالتوجيه الصحيح” ، لابد من أن تصبح دولة عظيمة وستساعد على إبطال الاعتقاد الشائع بأنه لا يمكن الدول الإسلامية أن تصبح دولاً متطورة مثل الدول غير الإسلامية . ربما يوجد قدر من الغرور في ادعائي، لكن ذلك لا ينقص من حقيقة أن أعمالنا تجعل الإسلام ديناً مبجلاً وقوياً.
عندما قررت إضفاء مغزى إضافي على المادة الدستورية التي تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، لم أقصد أنه يتعين على جميع سكان ماليزيا الآخرين أن يصبحوا مسلمين. كل ما أردناه هو تشريب الماليزيين القيم الإسلامية حتى من دون حملهم على التحول إلى الإسلام ، لذلك أعلنت في سنتي الثانية في رئاسة الوزراء أنه ينبغي للحكومة الماليزية الاسترشاد بالقيم الإسلامية.
يوجد اختلافات كثيرة في نظم القيم بين أبناء الديانات المختلفة في ماليزيا ، لكني لا أعتقد أن تلك الاختلافات عميقة أو كثيرة ، وعلى وجه العموم ، القيم الإسلامية الجيدة مماثلة للقيم الغربية التي تعتبر جيدة أو التي تسمى القيم العالمية.
وإذا بدا أنه يوجد اختلاف ، فذلك لا يرجع إلى تعاليم الإسلام ولكن يرجع إلى التفسيرات التي ذكرها الذين يشعرون بالحاجة إلى أن يكونوا مختلفين. يوجد بطيبعة الحال قيم غربية معينة لا يرتضيها الإسلام ، وبخاصة القيم التي تبلورت في الأزمنة الحديثة، على أنه حتى غير المسلمين في ماليزيا يودون نبذ هذه القيم.
حتى إني عجزت وأنا صبي عن فهم سبب تخلف الدول الإسلامية وضعفها مقارنة بالدول الغربية ، ولا يمكن عزو ذلك إلى تعاليم الإسلام . إن التعاليم الصحيحة هي المذكورة في القرآن وليس في تفسيرات بعض من تلقوا تعليماً شرعياً، والحقيقة هي أن المسلمين كانوا أكثر تقدماً من الغرب في مرحلة معينة.
قرأت أن المسلمين الذين استقروا في الأندلس في أسبانيا كانوا متقدمين كثيراً على الأوروبيين في الزراعة ، وبنوا العبارات لجر المياه من الجبال وري الأرض وبرعوا في البناء كما يتجلى في قصر الحمراء بغرناطة. وشقوا الطرقات للمسافرين والتجار وبنوا خانات للتجارة إلى جانب حظائر لجمالهم وخيلهم ، وكان لديهم أسواق للتجار المتجولين ولأصحاب المحلات المقيمين.
خاضوا البحار الهائجة وعبروا الصحارى مهتدين بالنجوم، وعبر التجار العرب المحيط الهندي الواسع للتجارة مع التجار الصينيين والهنود وقايضوا السلع معهم في الموانئ الاستيداع في جنوب شرق آسيا، وكانت بلدانهم ومدنهم حسنة التنظيم ، وعكست مساجدهم مهاراتهم وفهمهم لقوانين الفيزياء، وتقديرهم للجمال وتميزت جيوشهم بحسن التنظيم والقوة وكذلك قواهم البحرية.
كان كل شيء يشير إلى تفوق المسلمين وحضارتهم، لكن وجد مسلمون متعصبون ، شديدوا التمسك بأداء فروضهم الدينية ، وكانوا متبحرين في دينهم. تعمق علماؤهم في دراسة الدين وكتبوا مجلدات عن نواحي الإسلام المتنوعة ، بل أنهم برعوا في العلوم والرياضيات والفلك والطب.
احترم العالم الإسلام والمسلمين آنذاك، وسبب هذا الاحترام نجاح المسلمين في جميع الميادين.
إن كون بلد ما ناجحاً لا يجعله غير إسلامي ، وسيعتبر بلد ما غير إسلامي إذا تجاهل تعاليم الإسلام فقط، وليس في تعاليم الإسلام ما يفيد بأن الفشل في الحياة الدنيا سينفع صاحبه في الآخرة.
ذكرت في كلمة ألقيتها في الاجتماع العام لحزب سياسي غير مسلم في سنة 1996 م أن ماليزيا دولة إسلامية ، لم يعترض غير المسلمين على ذلك لأنهم عرفوا أن الأغلبية المسلمة التي هيمنت على الحكومة منذ إقامة ماليزيا عاملتهم بعدل وانصاف. لكن هناك مسلمون حتى في ماليزيا، يعتقدون أن الشيء الوحيد الذي يجعل دولة ما دولة إسلامية هو ضرب أعناق القتلة وقطع أيادي السارقين.
لكنه معيار تعسفي، فالقرآن يدعوا إلى إقامة مجتمع إسلامي لا إلى إقامة دولة إسلامية. ولا شك في أن المسلمين مأمورون بالتسامح والتراحم، يقول الله تعالى في الآية 45 من سورة المائدة “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلْأَنفَ بِٱلْأَنفِ وَٱلْأُذُنَ بِٱلْأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌۭ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٌۭ لَّهُۥ” وكذلك “وإن تعفواوتصفحوا وتغفروافإن الله غفوررحيم”التغابن: 14..ويتضح أن الإسلام مبني على التراحم والتسامح ووفق ذلك ، العدل هو الذي يجعل المجتمع إسلاميا. يقول القرآن الكريم ” وإذاحكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا” النساء (58)” .
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
أو
لشراء الكتاب من neelwafurat
أو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق